- 'المستقبل'
التهديد اللبناني يتصدر سلم أولويات الجيش الإسرائيلي
(عاموس هرئيل - 'هآرتس' 20/11/2009) - ترجمة: عباس اسماعيل:
أطلق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عدة مواقف مثيرة للاهتمام يوم الثلاثاء الماضي، لكن وسائل الإعلام قللت من التطرق اليها. فقد قال نتنياهو أن إسرائيل هي ' الدولة الأكثر عرضة للخطر في العالم'. وأضاف ' يقف مقابلنا أعداء لا يخفون نواياهم ويتسلحون وفقا لذلك. هم يهاجموننا ماديا، وبعد ذلك يهاجمون حقنا في الدفاع عن أنفسنا'. نتنياهو محق في كلامه طبعا. على الرغم من أن إسرائيل أقوى بكثير من جاراتها ومن المنظمات الارهابية، إلا أن الرد الذي بلوره الخصم ـ بداية من خلال العمليات الانتحارية، وفي السنوات الأخيرة من خلال التركيز على اطلاق المقذوفات الصاروخية ـ يقلص الفجوة التي فتحها مقابله الجيش الإسرائيلي بفضل التفوق التكنولوجي. فقد تغيرت أوجه المواجهة. في السابق كان يتعين على العدو احتلال الأرض كي يحقق انجازا عسكريا وسياسيا في نهاية الحرب. لكن في العقد الحالي، تغيرت الفكرة القتالية للطرف العربي. فالتركيز الآن يتمحور على استخدام الارهاب في عمق الدولة، تجاه أهداف تُعتبر نقاط ضعف فيها. ففي الحرب، يحصل اطلاق النار المنحني المسار، ثمنا من السكان المدنيين، من أجل فرض وقف للنار على إسرائيل على أساس شروط صعبة. في المقابل، تُستخدم منظومات الصواريخ والقذائف الصاروخية من أجل تشويش استخدام قواعد سلاح الجو، مركز التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي. قائد المنطقة الشمالية، غادي آيزنكوت، قال الاسبوع الماضي أثناء محاضرة له في حيفا، أنه من الأفضل لإسرائيل التحرر من صورة الحروب السابقة. لا يمكن خوض حرب محدودة وأن يًُطلب في الوقت ذاته من الجيش الإسرائيلي تحقيق الحسم كما يحصل في الحرب الشاملة، وفق صيغة حرب الأيام الستة. حرب قصيرة مع قليل من الاصابات في جانبنا وإنجازات خيالية؟ هذه معادلة غير موجودة، بحسب قول آيزنكوت. في مطلع العقد الحالي، بدا كأن الفلسطينيين وجدوا طريقة مثالية لتفتيت القوة الإسرائيلية، بواسطة ارهاب الانتحاريين. لكن الجيش الإسرائيلي والشاباك بلورا ردا مناسبا بشكل تدريجي. فالدمج بين التفوق الاستخباري، حرية العمل الميداني في الضفة الغربية وبناء الجدار الفاصل، سد الطريق أمام الانتحاريين، الذين كفوا عن أن يكونوا عنصرا جوهريا في النزاع منذ 2005. مقارنة بالانتحاريين، ألحقت القذائف الصاروخية حتى اليوم عددا أقل من الاصابات: 54 قتيلا جراء سقوط 4200 صاروخ خلال 33 يوما في حرب لبنان الثانية. ونحو 20 قتيلا جراء سقوط نحو 12 ألف قذيفة صاروخية أُطلقت من قطاع غزة منذ بداية العام 2001. كبح الانتحاريين، إلى جانب الردع الذي تحقق بسبب حرب لبنان وحملة ' رصاص مصهور' في قطاع غزة، حققا للإسرائيليين سنة هادئة جدا في المناطق الفلسطينية وعلى الحدود، هي الأكثر هدوءاً منذ عقد. لكن بلورة الرد على القذائف الصاروخية يبدو أمرا مركبا وطويلا. وهذا الأمر سيتطلب دمجا معقدا بين الردع، التهديدات، التحصين المادي ( من الكمامات الواقية وحتى المجالات المحصنة)، منظومات دفاع فعالة متعددة الطبقات ( صواريخ مضادة للصواريخ)، وعمليات هجومية عند الضرورة.
اتصالات لإقامة ائتلاف
من شأن التوازن الدقيق الحالي أن يُخرق نتيجة تطور الأحداث حول إيران، والتي لا يزال الغموض يخيم على مصير الخطوة الدولية لكبح مشروعها النووي. فخلال اللقاء الأخير بين نتنياهو وأوباما، أوضح الضيف أنه مصمم على معالجة التهديد الإيراني بعمق، وأن دور إسرائيل في هذه المرحلة هو أن لا تعرقل المسعى الأميركي.
يبدو أنه في نظر الأميركيين، إيران عالقة في معضلة. فهي تجد صعوبة في التعايش مع المسودة، لكنها تعرف أن رفضها السافر سيعرضها لخطر العقوبات الشديدة. فقد حدد الأميركيون فترة زمنية للحوار مع إيران، تنتهي نهاية كانون الأول، لكن في الواقع، يبدو أن المفاوضات قد تستمر قليلا بعد هذا التاريخ.إذا فشلت المفاوضات، ثمة احتمال في ان ينجح أوباما بضم روسيا إلى مبادرة فرض العقوبات على إيران. بالنسبة للصين، لا يمكن التعويل عليها. ذلك أن واشنطن، الغارقة في معركة ثأر اقتصادية إشكالية على نحو خاص مع بكين، ستجد صعوبة في الضغط عليها. الاتجاه سيكون منصبا على تشكيل ائتلاف يضم الولايات المتحدة، بعض الدول البارزة في الاتحاد الأوروبي وربما روسيا، والذي سيعلن فرض عقوبات شديدة على المشتقات النفطية، التأمين والعلاقات المصرفية مع إيران.
الملاحقة أم الضرب
عادت إسرائيل للقول للأميركيين بأن ' كل الخيارات مطروحة على الطاولة' إزاء معالجة الموضوع الإيراني، لكن ثمة عين واحدة بقيت مفتوحة باتجاه الشمال. فالوضع على حدود لبنان معقد. فمقابل ترسانة السلاح الضخمة التي راكمها حزب الله ـ عشرات آلاف الصواريخ ذات المدى القصير، وآلاف الصواريخ ذات المدى المتوسط ومئات الصواريخ البعيدة المدى ـ يقف معطى آخر: عدم وقوع أية إصابات جراء نشاط الحزب على الحدود منذ انتهاء الحرب في صيف 2006.النهج الإسرائيلي إزاء التهديد من لبنان خضع لعدة هزات وتنقلات، لا سيما تحت تأثير الصدمة التي تركتها الحرب والمس الواسع نسبيا بالجبهة الداخلية. أحد الاستنتاجات من الحرب تمثلت في أن القيادة العليا لم تول أهمية كافية لتهديد صواريخ الكاتيوشا للجبهة الداخلية، ولضرورة إزالته بسرعة. بعدها جرى الحديث كثيرا عن وجوب المعالجة النوعية والخاصة لصواريخ الكاتيوشا ولمنصات الإطلاق ومشغليها على الأرض، إدخال اليد داخل المستنقع. والآن يبدو أن 'البندول' (رقاص الساعة) ينتقل مجددا إلى أهمية المناورة، التقدم البري، على حساب ما وُصف بأنه ' ملاحقة آخر صاورخ كاتيوشا'. مثل هذه الخطوة من شأنها أن تُخرج حزب الله عن توازنه وأن تلحق به إصابات كثيرة. في المقابل، منذ انتهاء الحرب، تحسن كثيرا استعداد الجبهة الداخلية، وكذلك وعي القادة. من يزور غرف العمليات خلال التدريبات، يكتشف هناك يافطة بارزة : ' أربعة ايام من قصف الجبهة الداخلية'، ' 8 أيام' وهكذا دواليك. السؤال الحاسم خلال الحرب، الذي يبرز في معضلة الفرق بين المناورة واصطياد مطلقي الصواريخ سيكون تحديدا طول نفس المستوى السياسي. هل ستوافق الحكومة، عندما تدق ساعة الحقيقة، على قبول موقف هيئة الأركان القائل بأنه ثمة أهمية اكبر لضرب حزب الله من أجل الوصول إلى تفوق جوهري في نهاية القتال، أم سيطلب من الجنرالات التركيز على منصة الإطلاق النوعية التي تقصف حيفا ـ ولتذهب المناورة إلى الجحيم. هذا التخبط، الذي من شأنه أن يتحول في السنة القادمة من أمر نظري إلى أمر عملي على الرغم من ميزان الردع، يتركز في الشمال. ذلك أن غزة، على الرغم من أن حماس هناك تتسلح وتزيد من أمداء صواريخها، موجودة في مرتبة أدنى بكثير من التهديد اللبناني على سلم أولويات الجيش الإسرائيلي. الشمال، مقابل ذلك، من شأنه أن يشتعل في الربيع أو الصيف القادم.
- 'الشرق الأوسط'
شيعة السعودية وشيعة غيرها
مشاري الذايدي:
ماذا يعني أن يدين الشيخ السعودي الشيعي حسن الصفار &laqascii117o;عدوان" الحوثيين على الحدود السعودية، ويؤيد إجراءات الدفاع عن التراب الوطني السعودي. في نفس اللحظة التي يعتبر فيها الإسلامي الجزائري &laqascii117o;السني" علي بلحاج أن السعودية في مواجهتها للحوثيين إنما تخوض حربا بالنيابة عن أميركا؟ مفارقة مدهشة فعلا..الصورة لم تكتمل بعد، فبعد بيان إخوان مصر حول مشكلة الحوثيين مع السعودية، والذي هو في التحليل الأخير اصطفاف مع إيران وأذرعتها في المنطقة ضد السعودية، جاءت تصريحات الرمز الإخواني المقيم في أوروبا، كمال الهلباوي الذي انتقد السعودية وساند مرشد إخوان مصر مهدي عاكف في بيان التخذيل للسعودية، وقال الأخ الهلباوي: &laqascii117o;كان الأجدر بمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تشكل فريقا من العلماء لتدرس الموقف وتدعو للصلح وحقن دماء المسلمين بدلا من أن تقف بجانب السعودية، وأن تتصرف باستقلالية ولا تكون أداة بيد السعودية". لكن، وفي نفس جبهة الإخوان، لدينا بيان إخوان سورية الذي اعتبر الحوثيين مسمارا دُق لضرب البلاد العربية الإسلامية وأنه يجب على السعودية التصدي لهم، بيان معاكس تماما لمهدي عاكف ومن معه من إخوان مصر في الداخل والخارج. كما سلف شرحه في مقال الثلاثاء الماضي. وفي الجبهة الشيعية السعودية لم يكن الشيخ المعمم حسن الصفار وحده في بيان المساندة الوطنية للسعودية، ربما على نقيض هوى بعض الصقور المحليين الذي تأخذهم الحماسة، دوما، مع كل من يرفع شعارا فيه &laqascii117o;نكهة" آل البيت. فقد وقف المفكر السعودي الشيعي الدكتور توفيق السيف ومعه الكاتب والمثقف نجيب الخنيزي نفس الموقف. السيف والخنيزي نفيا اتهامات الخارجية اليمنية حول دعم السعوديين الشيعة للمقاتلين الحوثيين في اليمن وشددا على مؤازرة الشيعة لبلدهم ضد أي اعتداء خارجي.
ونسب موقع (إسلام أون لاين) للكاتب والناشط السياسي البارز نجيب الخنيزي القول: &laqascii117o;أرفض وأدين أي شكل من أشكال الاعتداء على أرض الوطن، من أي جهة كانت وتحت أي لون أو عنوان سياسي أو مذهبي". وشدد المفكر السياسي الدكتور توفيق السيف في تصريح للموقع بأن &laqascii117o;موقف المثقفين الشيعة هو نفس موقف الحكومة السعودية"، مضيفا &laqascii117o;نحن نؤيد ما تقوم به المملكة في الدفاع عن أرض الوطن وانتمائنا الوطني يسبق أي شيء".وأكد المفكر توفيق السيف أن: &laqascii117o;سلامة الأراضي الوطنية مسؤولية الحكومة والشعب، والشيعة هم جزء من هذا الشعب، وموقفنا هو الدفاع عن سلامة أراضي الوطن". حسب نص الخبر المنقول عنهما في أكثر موقع إخباري. وفي نفس الجانب الشيعي، لدينا نواب كتلة الوفاق الشيعية في البحرين الذين رفضوا إصدار بيان مساندة من البرلمان البحريني مع السعودية ضد من اعتدى على حدودها من الجماعة الحوثية بحجة عدم التدخل في شؤون دولة أخرى، أي اليمن، وكأن هؤلاء النواب ومن معهم لم يصدروا بيانات المساندة لحزب الله وحماس، وهما قطعاً في دول أخرى ليست هي البحرين! إذن الصورة هكذا: إخوان مصر والجزائر ومن تكلم منهم في أوروبا هم مع إيران والحوثيين ضد السعودية، وإخوان سورية وبعض إخوان اليمن (الزنداني) هم مع السعودية ضد الحوثية وإيران. وأبرز رجل دين شيعي سعودي (حسن الصفار) ومعه مفكر رصين هو توفيق السيف، وكاتب
شهير هو نجيب الخنيزي مع &laqascii117o;وطنهم" السعودية، ضد من اعتدى على أرضها من الحوثيين، بينما نواب الشيعة في البحرين على العكس تماما، مثلما هو حال حزب الله في لبنان.هل نقول إن حركات الإسلام السياسي تنشطر بسبب مشكلة الحوثي؟وكيف نفهم هذا الانشطار إذا ما بقينا في صندوق التفسير الطائفي للأمور؟أم نقول إنه يجب علينا أن لا نظل أسرى للتصنيف الطائفي، وأن لا نجعله هو المعيار الحاكم في فهم المشهد السياسي والفكري من حولنا؟ لدينا انشطار سني وانشطار شيعي حول الموقف من مشكلة الحوثيين مع السعودية، وفي الفريقين هناك سنة وشيعة، مع وضد. يحسن إذن أن نجرب الدخول من باب آخر لفهم المشهد، غير باب التصنيف الطائفي الجامد. لذلك أقترح أن ندخل من عدة أبواب لا من باب واحد، باب الانتماء الفطري الطبيعي للأرض، كما قال توفيق السيف أن السعوديين الشيعة هم مثل البقية يغارون على أرضهم، وهم مع بلدهم ضد من يعتدي عليه، وهناك باب الثقافة الوطنية الحديثة كما يشعر نجيب الخنيزي وهو يتحدث بحرارة عن الوطن. وهناك باب التجربة
ونضج العمر كما تفوح عبارة الدكتور توفيق السيف، وهو من هو في التجربة السياسية والفكرية، عندما يقول: &laqascii117o;مشكلة الحوثيين ـ كشيعة يجب التعاطف معهم ـ أمر غير حاضر في أحاديث المثقفين، والفصل بين المسألة المذهبية والوطنية واضح لدينا منذ زمن طويل. وقوله بأنه قد كانت هناك: &laqascii117o;محاولات سابقة جرت لجر السعوديين الشيعة لمواقف مذهبية بهدف استعداء الحكومة ضدنا، ولكن هذا لم يحدث".هو نضج التجربة وحكمة الأيام مع عقل دائم التساؤل غير هياب من خوض غمار الأجوبة الجديدة حتى ولو لم ترض الجموع &laqascii117o;الهائجة دوما".وهناك باب المصالح السياسية والاجتماعية للجماعة، كما يفصح موقف إخوان سورية المساند بحرارة للسعودية ضد الحوثيين عكس ما فعله إخوان مصر. إذ إن مصلحة إخوان سورية &laqascii117o;الحالية" هي عكس مصلحة إخوان مصر فيما يخص الموقف من أزمة الحوثيين. أما أخونا علي بلحاج فهو باستمرار في موقف صقري. إن ميزة الدخول من أبواب متعددة لفهم وتفسير هذه المواقف هو أنه يكسر صلابة التفسير الواحد، وهو في حالتنا الذهنية السائد التفسير الطائفي المؤامراتي، سواء لدى السنة أو الشيعة، كلا الفريقين فقير في الخيال السياسي، فيبدو الأمر لدى الخيال الشيعي المريض أن هناك مؤامرة كبرى من النواصب والأمويين الجدد ضد آل البيت وأنصار الحسين، ويبدو الأمر في الخيال السني المقابل، والمصاب بذات العلة المرضية، أن هناك مؤامرة مجوسية رافضية تحت كل حجر، وأنه لا يمكن الثقة بشيعي، أو لنقل: لا يمكن تعريف الإنسان الشيعي إلا بشيعيته، بصرف النظر عن أي محدد آخر في الهوية، وبصرف النظر عن أن الإنسان لا يختار طائفته العائلية القدرية، لكنه يختار طريقة تفكيره السياسية. الخاسرون في تأمل مشهد انشطاري مثل هذا الذي نرى في الموقف من الأزمة الحوثية، هم حراس التفسير الطائفي البحت للأشياء، الذين يفقرون الحياة وتعقيدها عبر اختزالها في لون تفسيري واحد، وليته حتى كان &laqascii117o;تفسيرا" بل إبهاما وإفقارا لمجريات الأمور وكيفيات حصولها! شكرا لتوفيق السيف وحسن الصفار ونجيب الخنيزي، ثم شكرا لكمال الهلباوي ومهدي عاكف وعلي بلحاج وعلي البيانوني، ونواب الوفاق الشيعية البحرينية. شكرا لهؤلاء كلهم لأنهم برهنوا لنا كم صعب اختصار الدنيا ونوازع الإنسان في بعد واحد..وكلمة أمانة أخيرة: الشكر مضاعف للصفار والسيف والخنيزي لأني أدرك مقدار الشجاعة التي ملكوها في السباحة عكس التيار، ولكنها سباحة باتجاه العقل والوطن.