قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 30/11/2009

- 'الأخبار'
&laqascii117o;الحرب الناعمة" وذاكرة حزب لله
علي شهاب(إعلامي لبناني):
عمل القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية، في عمر الثالثة عشرة، بائعاً للألبسة على عربة في منطقة الشياح... كان الأمين العام السابق السيد عباس الموسوي ينام في السيارة لأنه لم يمتلك يوماً منزلاً خاصاً به... لجأ الاستشهادي أحمد قصير ثلاث مرات إلى الاستخارة قبل أن ينفّذ العملية ضد مقر الحاكم العسكري في صور في الموعد المحدد... ليس سهلاً الحصول على مراجع أو مصادر موثقة عن قيادات حزب الله ومجاهديه الأوائل، لا لأسباب أمنية، بل لأن ذاكرة 25 سنة من المقاومة، بكل بساطة، غير مدوّنة رسمياً. وهكذا لا عجب حين يبدي شاب من الجيل الثالث أو الرابع في حزب الله استغرابه عند ذكر أسماء رموز كـ&laqascii117o;سمير مطوط" و&laqascii117o;صالح حرب" و&laqascii117o;أسعد برو" و&laqascii117o;أحمد يحيى" أو محطات مفصلية كمواجهة &laqascii117o;اللويزة" ومعركة &laqascii117o;ميدون" وحادثة &laqascii117o;مليخ" وغيرها من الفصول في كتاب المقاومة، مع الإشارة إلى أنّ هذا الحزب &laqascii117o;الشاب"، بحسب تعبير السيد حسن نصرالله في أحد خطاباته، يحتضن أربعة أجيال على الأقل بالمعنى النظري المرتبط بالمراحل المفصلية التي مرّ بها منذ نشأته:
ــــ الجيل الأول: الأفراد الذين واكبوا التأسيس والانطلاقة حتى نهاية الثمانينيات.
ــــ الجيل الثاني: هم الذين عاصروا المرحلة &laqascii117o;الذهبية" للمقاومة.
ــــ الجيل الثالث: بعد التحرير عام 2000 وحتى تموز 2006.
ــــ الجيل الرابع: وهو الجيل الذي تعرّف إلى حزب الله بعد حرب تموز 2006.
قد يجادل البعض في أن استمرار الخطر الإسرائيلي وتداعياته وتركيز المقاومة على الجانب العسكري والأمني أولوية في الوقت الراهن. حسناً، ولكن ماذا لو كانت أولوية إسرائيل، بعدما فشلت في تحقيق أهدافها عسكرياً، شنّ حرب &laqascii117o;ناعمة"؟
في الأسبوع الأخير من شهر رمضان الفائت، التقى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي وفداً يمثل الفنانين والأدباء والجامعيين. كان لافتاً تركيز المرشد على مصطلح &laqascii117o;الحرب الناعمة الكبيرة التي يشنها الأعداء" بالاعتماد على الوسائل والوسائط الإعلامية المختلفة، مشدداً على دور الفنانين والأدباء والمثقفين في هذه المعركة باعتبارهم &laqascii117o;خط الدفاع الأول" في هذه المرحلة. المتابع لخطاب خامنئي يدرك تماماً دقة عباراته وجدّيتها. انطلاقاً من هذا الخطاب نفسه، واستناداً إلى أن الثورات، حين تخمد المواجهة العسكرية، بحاجة دائمة إلى وقود يغذيها، تبرز أهمية الحديث عن ذاكرة حزب الله المفقودة. وهكذا، فيما تحوّل الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا إلى رمز للثائرين حول العالم بجهود فردية وبالرغم من قلة في الإمكانات المادية واللوجستية والتخلف الإعلامي حينها، لم يقدم حزب الله، حتى اليوم، بالرغم من إمكاناته وقدراته، مادة تروي عطش الجيل الجديد في الحزب نفسه. وعلى الجميع انتظار إطلالة السيد نصر الله كي يستذكر في معرض خطاب سياسي أو ديني مآثر شخصية في المقاومة أو يستشهد بحادثة في تاريخها. ليست المطالبة بحفظ آثار وتراث قادة المقاومة وشهدائها ومجاهديها وأسراها وعائلاتها ونشرها &laqascii117o;ترفاً" ثقافياً، بل هي في صلب العمل المقاوم في مواجهة معركة متعددة الأبعاد تخوضها وكالات استخبارات مختلفة (قبل أسبوع وافق الكونغرس على تمرير ميزانية بقيمة 55 مليون دولار في سياق تمويل الحرب الناعمة ضد إيران)، وتستهدف &laqascii117o;البيئة المحيطة" بالمقاومة خاصة، بحسب تقرير وضعه الرئيس السابق لوحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية العميد احتياط يوسي كوفرفاسر في نشرة مركز دراسات الأمن القومي الصادرة في آب 2009. وكان لافتاً مثلاً أن العميد الإسرائيلي تطرّق، في معرض حديثه عن أدوات المعركة الجديدة، إلى وجود ما يزيد عن 18 موقعاً على شبكة الإنترنت تابعة لحركة حماس، فيما لا يدير حزب الله سوى 8 مواقع إلكترونية (وقع الباحث الإسرائيلي في الالتباس على ما يبدو، فضمّ مواقع فردية تهتم بأخبار المقاومة وفعاليتها إلى لائحة مواقع حزب الله!). معركة الوعي هذه في صلب اهتمام علماء الاجتماع في الغرب. ففيما يفترض علم الاجتماع تقليدياً أن &laqascii117o;المقاومة هي مقدمة الثورات"، يدرس باحثون أميركيون في الدوافع التي تحفّز الفرد &laqascii117o;على التورط في نشاط ثمنه باهظ" بالمعنى السياسي والمادي. في هذا السياق، يسلط عالم الاجتماع الأميركي دوغ ماك آدم، في بحث نشرته فصلية &laqascii117o;أميركان جورنال أوف سوسيولوجي" في عددها الصادر في تموز 1986، على أهمية الرسائل الإعلامية في تعزيز هذه الدوافع بالنسبة للمنظمات الإسلامية. واستناداً الى رأي العلم، تفترض مواجهة &laqascii117o;معركة الوعي" المتعددة الأبعاد إيجاد آليات تنفيذية ومؤسسات لحفظ ذاكرة حزب الله بمقاربة إعلامية متطورة تغذي
دائماً عقيدة المقاومة في نفوس الأفراد &laqascii117o;المتورطين" أولاً وأخيراً في هذا الحراك الاجتماعي. في مقدمة خطوة كهذه، تبرز أهمية الدراسة والتخطيط، تماماً كما هو المنهج المتبع بالنسبة للآليات التي يدرس بها أعداء حزب الله الحزب نفسه. قبل اغتيال الحاج عماد مغنية بأشهر قليلة، موّل كل من مكتب الأبحاث العلمية في سلاح الجو الأميركي ووزارة الأمن القومي ومكتب أبحاث الجيش وجمعية العلوم الوطنية الأميركية دراسة، وضعها علماء في السياسة والحاسوب في جامعة &laqascii117o;ميريلاند" تحت عنوان &laqascii117o;عوامل نموذجية المقاومة: حالة حزب الله"، تعالج &laqascii117o;تكيُّف وتصرف" الحزب تبعاً للظروف المختلفة من &laqascii117o;زوايا لن يلتفت إليها خبراء حزب الله"، بهدف استقراء ردة فعل &laqascii117o;المنظمات الإرهابية" إزاء التطورات والتغيرات التي تؤثر عليها. يومها، تكفلت كلية البحرية الأميركية في كاليفورنيا بمراجعة نتائج الدراسة ونشر ملخص عنها يتناسب وسياسات الأمن القومي الأميركي. توصل الباحثون الأميركيون إلى 14 ألف استنتاج عن حزب الله، إلا أنّ ما سمحت الاستخبارات بنشره لا يتعدى التسع صفحات. وبغضّ النظر عن أهمية الاستنتاجات التي خرجت بها الدراسة، فإن الآلية التي اعتمدتها الجامعة للوصول إلى الخلاصات المطلوبة تستحق التقدير فعلاً. شارك في وضع برنامج الحاسوب المخصص للدراسة المحلل الإسرائيلي في الشؤون الاستخبارية آهارون مانس. أطلق القيمون على الدراسة اسم &laqascii117o;سوما" على النظام بهدف &laqascii117o;حساب فرضيات أو احتمالات تصرف لدى جماعة في ظرف معين". وهكذا قدم برنامج الحاسوب أجوبة عن أسئلة ومعطيات افتراضية من قبيل: متى ينفذ حزب الله عمليات عابرة للحدود؟ متى يدخل حزب الله في حرب أهلية؟ متى يقرر حزب الله تنفيذ عملية أسر؟ متى &laqascii117o;تملّ البيئة الحاضنة لحزب الله من كونه العدو الأول لإسرائيل"؟ إضافة إلى غيرها من مئات الأسئلة والفرضيات، التي مثّلت التوصيات الرئيسية للدراسة. ولئن يعترف المحلل الإسرائيلي بدقة حكمة شائعة لدى الخبراء العسكريين مفادها أن &laqascii117o;الخطط لا تعني شيئاً. التخطيط يعني كل شيء"، فإنه يشدد على أهمية النتائج التي توصلت إليها الدراسة على صعيد كشف نقاط ضعف &laqascii117o;غير عسكرية" في البيئة المحيطة بالحزب، مشيراً إلى قضية إفلاس رجل الأعمال اللبناني صلاح عز الدين والعِبَر التي يمكن استخلاصها. في الخلاصة، يقود أعداء حزب الله حالياً حرب أفكار ضده. والرد الأنجع على هذه الحرب يكون بالتمسك بالقيم والمبادئ الرئيسية التي قامت عليها المقاومة. يبدو الوقت مناسباً كي يفتح حزب الله خزائنه ليرسّخ بعناصر الفنون السبعة تلك القيَم.


- 'صدى البلد'
ما للضاحية وما عليها... وما عليهم
علي م. :
لقد استوقفني منذ بضعة أيام في حديث تلفزيوني مع أحد نواب حزب الله، مقاربته لموضوع الأمن والنظام وسلطة الدولة في الضاحية الجنوبية. فسعادة النائب لم ينكر ما هو موجود بالمطلق، بل أقر به لكن في مقارنة مع ما يسود في أماكن أخرى تارة مع مخالفات تقوم بها شخصيات سياسية أو حزبية مختلفة تارة أخرى. وقــبــل أن أدخـــل فــي مــوضــوع الــمــقــارنــة والــتــبــريــر والمقايضة، وبموجب الموضوعية والإنصاف، أرى أنه لا بد من النظر إلى الموضوع من حيث مسبباته وظروفه لا من حيث ما آل إليه. فالضاحية الجنوبية شكلت الملجأ الذي احتضن أهل الجنوب بشكل رئيسي هرباً من الإحتلال الإسرائيلي وفي ظروف حرجة وقلقة وغير مستقرة أدت في ما أدت إليه إلــى نشوﺀ تجمع بشري قــام على تسيب وغير انتظام وفي ظل غياب لأي وجود للدولة جراﺀ الحرب الأهلية ثم الإحتلال من جهة، وبسبب وقوع هذا الكم من الأبنية على أطراف العاصمة بعيدا عن سلطة البلديات القائمة من جهة أخرى. إضــافــة إلـــى أهــالــي الــجــنــوب النازحين، قدم عدد غير يسير من أهلنا البقاعيين حيث المجتمع الزراعي لم يعد يلبي متطلبات الحياة هناك، وحيث أن المسكن في بيروت المدينة أو ضواحيها القريبة لم يكن حد قدرة النازحين من حيث الكلفة بل حتى من حيث الكيفية. اذن.. النزوح، غياب الدولة والفقر هي العوامل الأبرز في تكون تلك الناحية من جنوب العاصمة. وبالطبع فــإن الطابع المذهبي كــان الطابع الشيعي الأغلب. مرت سنوات الإحتلال والحرب الأهلية ثم جاﺀ الطائف ولم تدخل تلك المنطقة ضمن أولويات الدولة، لا من حيث الأمن ولا الإنماﺀ ولا حتى أبسط مقومات التنظيم والرعاية. خــــلال تــلــك الـــفـــتـــرة شكلت الضاحية خزانا بشريا هائلا رفد حركة المقاومة الإسلامية بالمقاتلين والــمــحــازبــيــن والــمــنــاصــريــن، الأمــر الــذي أدى إلى قيام مناطق أمنية وعــســكــريــة تتنافى مــع المنطق المدني، لكنها مبررة ومشروعة عندما تكون غايتها حماية المقاومة وأمن قيادتها المهددة على الــدوام من الإحــتــلال الإسرائيلي. وكـــذا، فقد ساهم الوضع الأمني الحساس جدا في جعل الضاحية منطقة مستقلة ومتميزة بمظاهرها ومسمياتها وطــرق عيشها. وألــى جانب الفقر والعوز والتهجير في السابق جاﺀ الإســتــقــواﺀ بالقوة 'عند البعض' سببا آخر من أسباب غياب النظام والإنتظام. حيث
سادت المحسوبية واستعرت المذهبية بين المناطق وباتت الضاحية الحصن الحصين الــذي يصعب اختراقه، حتى بات وجود القوى الأمنية مدعاة استفزاز لدى البعض واستغراب لدى البعض الآخر. إذن خصوصية الوضع الأمني للمقاومة (الــذي نفهمه ونتبناه) وغياب الدولة غير المبرر إلتقيا في تأسيس هذه اللامركزية (السيا- أمنية). بالعودة إلى المقابلة التلفزيونية نعود لنساند سعادة النائب في استنكار التهجم على الضاحية وأهلنا القاطنين فيها. وأضيف بدوري بأن ما تدً عي الدولة خسارته جراﺀ عدم القدرة على الجباية في الــضــاحــيــة، إنــمــا لا يــعــادل مبلغاً واحــداً من صفقة واحــدة يعقدها مسؤول واحد ولا سيما إذا كان من حكومة الــوحــدة. وأضــيــف إلــى ما قاله القيادي في الحزب بأن أهالي الضاحية يملكون الكثير من الأسباب التخفيفية، فهم النازحون هرباً من الإحتلال أو من الفقر أو طلباً للعمل وهم الذين تحملوا ظروفاً معيشية صعبة في أحياﺀ لا تصل إلى بعضها أشعة الشمس ودون الحد الأدنى من البنى التحتية التي تليق بالبشر وتحفظ كراماتهم. لكني أسأل.. لماذا لا يتم الحديث عن صفقات السياسيين وسرقاتهم وجرائمهم إلا في مقابل الحديث عن تجاوزات تحصل في الضاحية؟ وهل أن الذين يتهجمون على الضاحية ويتهمون أهلها بالخروج على الدولة هم الفاسدون فقط؟ أم أن بعض من في الضاحية ومن ينعمون بحماية الضاحية هم أفسد حالا وشر بلاﺀ؟ وهل صار الفساد يستند الى قاعدة 6 و6 مكرر؟ وهل نسكت عن الفساد إذا سكتوا عن الضاحية؟ لقد كان حزب الله ولا يزال شريكا قويا وفاعلا بل أساسيا في الحكم منذ العام 1992 لاسيما في ظل الوجود السوري الذي لطالما خفف عــن الــحــزب مــن وطـــأة التشويش الداخلي. فماذا فعل الحزب وحلفاؤه للضاحية؟ واستطرادا، ماذا فعل حزب الله تحديدا – والتحديد من باب الأولوية – ماذا فعل مع وزراﺀ الــداخــلــيــة والأشــغــال ومــع رؤســاﺀ الحكومة المتعاقبين حيث تركت الضاحية وأهمل أهلها؟ والسؤال الأهم، لماذا دخل حزب الله المعترك السياسي بكافة جوانبه طالما أن المقاومة هي شغله الشاغل وهي حجته الدائمة إزاﺀ السؤال عن دوره في مكافحة الفساد المستشري يمينا ويسارا؟ إن اليقظة المتأخرة في محاولة إشاعة أجواﺀ النظام والإنتظام لهي مــبــادرة مباركة ولــو تــأخــرت، لكن بقاﺀ الحصون الطائفية والشرعية والسياسية حــول معاقل الفساد والإثـــــراﺀ غــيــر الــمــشــروع لا بــد أن يجهض أي عمل إصلاحي وأن يحدث خللا في ميزان العدالة المكسور أصلاً، لا سيما أن هناك دائما 'ناس بالسمن وناس بالزيت'. وختاماً أقول للجميع ولسعادة النائب القيادي في حزب الله أن الإشارة إلى الفساد وفتح الملفات هو حق لا تملكون التغاضي عنه، ولا تجوز مقاربتة بأسلوب المقايضة أو التكتيك السياسي عندما يشير أحدهم إلى خلل ما في الضاحية، فإذا أشاروا أشرنا وإذا سكتوا سكتنا، حتى عن حقوق الناس...


- 'النهار'
هل من تقاطع في ولاية 'اليونيفيل' بين القرارين 1701 و1559؟
بقلم الأب فادي فاضل:
حدد مرجعان من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن مهمة قوات 'اليونيفيل' وولايتها، ويشتمل هذان المرجعان على القرارين رقم 425 و426 الصادرين في العام 1978، والقرار 1701 الصادر في العام 2006. أنشأ مجلس الأمن بموجب القرارين 425 و426 قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل) إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1978. وقد عزز القرار 1701 ولاية 'اليونيفيل' عقب الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في تموز من العام 2006. فما الغاية إذاً من إصدار القرار رقم 1559؟ ما هي العلاقة بين القرار الأخير ومسألة 'اليونيفيل'؟ هل ثمة دور حقيقي لـ'اليونيفيل' في القرار1559؟إن لم نجد أولياً أي رابط وثيق أو علاقة سبب ونتيجة بين القرار 1559 وقوات 'اليونيفيل'، إلاّ أن أمين عام الأمم المتحدة لا يكف عن استرجاع أحكام تتعلق بالقرار 1701 في تقاريره حول تنفيذ القرار 1559. في المقابل، يستذكر الأحكام المتعلقة بالقرار 1559 في تقاريره حول تنفيذ القرار 1701. فضلاً عن ذلك، يذكر مجلس الأمن في مقدمة القرار 1559 القرارات المحددة المتعلقة بـ'اليونيفيل' (القرارات 425 و426 و1553). وقد تم صراحةً ذكر القرار 1559 في نص القرار رقم 1701. في هذه الحالة، هل يكفي أن نرجع إلى هذه الوثيقة أو تلك كي نستنتج ما إذا كان يوجد صلة بينهما أو بين 'اليونيفيل' والقرار 1559؟ أو ثمة توجيه أكثر إستراتيجية يشتمل على نتائج سياسية وقانونية على مستوى المهمة التي يتوجب على 'اليونيفيل' أن تتوصل إليها؟ بغية تفصيل مسألة العلاقة المعقدة بين القرارين 1701 و1559، ينبغي، في المقام الأول، التحقق من الدفع الجديد الذي ساهم به القرار 1701 في ما يخص ولاية 'اليونيفيل'، مقارنةً مع القرارين 425 و426 السابقين. هذا الأمر يتيح لنا، في المقام الثاني، تحديد النقاط المشتركة بين القرارين 1559 و1701 من خلال تقويم الأحكام التي سبق أن تم تطبيقها وتلك التي
لم تطبق بعد. يقودنا هذا التحليل في النهاية إلى دراسة التوجيهات الإستراتيجية في مهمة 'اليونيفيل' التي نستطيع استنتاجها من هذه المقاربة المقارنة.
1- قوات 'اليونيفيل' والتعزيز السياسي والقانوني لولايتها
على الرغم من أن الهدف العام من مهمة قوات 'اليونيفيل 1 و2' على حد سواء هو المحافظة على سيادة لبنان وسلامته الإقليمية داخل حدوده المعترف بها دولياً، إلا أن وسائل تحقيق هذا الهدف تختلف بشكل أساسي بين 1978 و2006.في الواقع، تبنى مجلس الأمن القرارين 425 و426 في إطار لم تكن فيه الأوضاع الوطنية في لبنان وفي منطقة الشرق الأوسط مواتية لفرض سلطة الحكومة اللبنانية على 'كافة' الأراضي اللبنانية. ولكن، من الآن فصاعداً الوضع مختلف تماماً. إن القرار 1701 هو ثمرة توافق الإرادات السياسية على الصعيدين الدولي والوطني. فقبل أن نتوسع في شرح النقاط التي عززت ولاية قوات 'اليونيفيل'، علينا أن نتأكد من أن أحد العناصر الحاسمة في هذا القرار هي الإرادة الواضحة التي تتمتع بها الحكومة اللبنانية 'لبسط سيطرتها على أراضيها، بواسطة قواتها المسلحة الشرعية، بشكل يُمنع فيه أي مظهر عسكري من التواجد على الأرض من دون موافقة الحكومة اللبنانية وبشكل تُمنع فيه ممارسة أي سلطة أخرى غير سلطة الحكومة اللبنانية'. بالتالي، بعد مرور حوالى خمسة وثلاثين عاماً على غياب الجيش اللبناني في جنوب لبنان، تتكفل الحكومة اللبنانية بتأدية دورها الرئيسي على صعيد مراقبة الأراضي والحالة الأمنية، على أن تساعدها قوات 'اليونيفيل' في هذه المهمة.
بناءً عليه، يقتضى التنويه بأن أول تغيير قد يطرأ بعد الآن على الوضع الأمني هو التالي: لا تتوقف مهمة 'اليونيفيل' على مراقبة الأراضي، بل إنها تعمل إلى جانب الجيش اللبناني من خلال مواكبتها له في منطقة انتشارها (من جنوب نهر الليطاني حتى الخط الأزرق) هذا بالإضافة إلى مؤازرتها له. في الواقع، تدور مهمة المؤازرة والدعم هذه حول محاور ثلاثة:
- رصد وقف الأعمال القتالية.
- مساعدة الجيش اللبناني على اتخاذ تدابير تهدف إلى إنشاء منطقة خالية من الأفراد المسلحين والمعدات والأسلحة بخلاف هؤلاء الذين قامت الحكومة اللبنانية وقوات 'اليونيفيل' بنشرهم في المنطقة.
- مساعدة الحكومة اللبنانية على فرض سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة.
لكل محور من هذه المحاور الثلاثة، توجد وسائل معززة تسمح لقوات 'اليونيفيل' بإنجاز مهمتها بعزم. أضف الى ذلك وجود المعدات العسكرية العالية المستوى التي تحوزها، التركيبة الأوروبية الآسيوية التي تتألف منها وحدات 'اليونيفيل' مع الإشارة إلى عددهم، وأخيراً فرقة العمل البحرية التابعة للقوة والبحرية اللبنانية، الرائدة في مجال عمليات حفظ السلام.
2- مقاربة مقارنة بين القرارين 1559 و1701
يلتقي القراران 1559 و1701 عند نقطة رئيسة: ألا وهي عملية إعادة فرض السيادة اللبنانية وبسط سيطرة الحكومة ومراقبتها للأراضي اللبنانية كافة. يتدرّج القرار 1559 في سياق 'جيل' جديد من الوثائق المتعلقة بالأمم المتحدة (قرارات وبيانات رئاسية وبيانات صحافية وتقارير صادرة عن الأمين العام) تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز الجهود الوطنية والدولية في عملية إعادة بناء الدولة المفككة وبالتالي تعزيز السيادة اللبنانية. في هذا الإطار، يقارب القرار 1701 الحالة اللبنانية من خلال المجيء بعناصر جديدة تعمل على فض النزاعات 'سلماً' بدلاً من الوسائل العسكرية والعنفية (النزاعات اللبنانية- الإسرائيلية والنزاعات اللبنانية- السورية).
- لقد تم تطبيق مختلف البنود المشتركة التي اعتمدت في كلتا الوثيقتين، باسم الإحترام وتعزيز السيادة على الأراضي اللبنانية، فضلاً عن الوحدة والإستقلال السياسي: وضع حد للأعمال العدائية، وانسحاب القوات السورية والجيش الإسرائيلي من لبنان وبسط الحكومة اللبنانية سيطرتها على الأراضي اللبنانية كافة.
- تم بالتساوي تطبيق مستلزمات أخرى محددة لكل قرار: سير العملية الإنتخابية الرئاسية في العام 2004، وتحرير السجناء اللبنانيين في إسرائيل، وتسليم الأسرى من الجنود الإسرائليين، وتسليم قوات 'اليونيفيل' الخرائط الخاصة بالقنابل العنقودية التي خلفتها القوات الإسرائيلية خلال الحرب التي شنتها على لبنان في العام 2006، الإنتشار الكامل لقوات 'اليونيفيل' لمؤازرة الجيش اللبناني في منطقة عملها، وعودة المهجرين إلى الجنوب اللبناني وأخيراً التزام 'حزب الله' بعدم استخدام الجنوب اللبناني لأعمال قتالية ضد إسرائيل.
- في المقابل، لم يتم حتى الآن تطبيق بنود أخرى في كلا القرارين والتي تتألف من نقاط مشتركة: نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وعدم إنجاز تعزيز الإستقلال السياسي التام والسيادة على الأراضي اللبنانية. لا ننسى بأن إسرائيل هي، على الدوام، قوة تحتل جزءاً من الأراضي اللبنانية في الجنوب، لا تنفك طائراتها الحربية عن التحليق، وانتهاك السيادة اللبنانية، وتتدخل بطريقة غير شرعية في الشؤون اللبنانية الداخلية من خلال شبكات التجسس الخاصة بها إلخ... هاتان النقطتان (نزع السلاح وانتهاكات السيادة) تشكلان التحديات الكبرى التي تواجهها قوات 'اليونيفيل' لإنجاز مهمتها على أكمل وجه، وفقاً للقرارات 425 و1559 و1701. لذلك، هل للمقارنة بين القرارين 1559 و1701 أن تفصح عن الفرص السياسية التي تحمل حلولاً لمعالجة موضوعي السيادة ونزع السلاح المطروحين للمناقشة؟.
3- النتائج الاستراتيجية للمقارنة بين القرارين 1559 و1701 بالنسبة لولاية 'اليونيفيل'
الأمثولة الأولى التي يجب أن نستخلصها من المقاربة المقارنة بين القرارين 1559 و1701 هي أن التسوية التي يتم التوصل إليها بشأن أي نزاع له علاقة بنزع السلاح الذي بحوزة الميليشيات وفرض السيادة يجب أن تتم من الآن فصاعداً بطريقة سلمية. هذا المبدأ المذكور في القرار 1559، الذي بفضله أجبرت القوات السورية على الإنسحاب 'سلماً' من الأراضي اللبنانية، تم تكريسه بواسطة القرار 1701 الذي بفضله تؤدي منظمة الأمم المتحدة، دور الوسيط في حل أي نزاع كان قائماً وما زال بين الأطراف المتناحرة. نذكر مثالاً على ذلك، النزاعات التي تمّت معالجتها بشكل سلمي أو بناءً على أحد القرارات: عملية تبادل السجناء اللبنانيين في إسرائيل بالجنود الإسرائيلييين الأسرى في لبنان، وتسليم 'اليونيفيل' خرائط الألغام، والمفاوضات الجارية بين 'اليونيفيل' والجيش الإسرائيلي في ما يتعلق بالإنسحاب الإسرائيلي من قرية 'الغجر' اللبنانية، والتوصل إلى تسوية بشأن مزارع شبعا بفضل مساعي الأمين العام للأمم المتحدة، والتسوية الفورية التي تقوم بها 'اليونيفيل' لأي خرق للخط الأزرق الذي يفصل موقتاً الأراضي اللبنانية عن الأراضي الإسرائيلية وتسليم 'اليونيفيل' الوثائق الخاصة بالقنابل العنقودية التي خلفتها القوات العسكرية الإسرائيلية في العام 2006. في إطار الجيل الثالث من عمليات حفظ السلام، الأمثولة الثانية التي يجب علينا أن نستخلصها هي أن 'اليونيفيل' تشارك بشكل فاعل في مساعدة الحكومة اللبنانية على بسط سيطرتها على أراضي الدولة كافة، والمذكورة في القرارين 1559 و1701. هذه المساعدة هي بالأحرى فاعلة في الحالات التي لا يتمكن فيها الجيش اللبناني من التحرك مباشرةً وعلى الفور، فـ'اليونيفيل' تتمتع بقدرة على اعتراض سبيل مشتبه بهم وتوقيفهم، ولها الحق، بموجب قواعد الإلتزام، بفتح النار في حال حصلت مواجهات. أما الأمثولة الثالثة التي ينبغي علينا أن نستخلصها فتتعلق بمكانة 'اليونيفيل' في مواجهة الحالة الإقليمية. إن التقارير الأخيرة التي أصدرها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في ما يتعلق بتطبيق القرارين 1559 و1701 تدعو الأطراف المتناحرة في النزاع اللبناني- الإسرائيلي والأطراف الإقليمية المعنية بالشأن اللبناني إلى تعزيز الإستقرار والحالة الأمنية الراهنة في البلاد. يذكر القرار 1701 في الفقرة 18 أن التسوية الحاسمة للحالة الأمنية في لبنان المسجلة في الإطار الدولي، تهدف إلى صون السلم الدولي والعادل والمستدام في الشرق الأوسط، على أساس كل هذه القرارات ذات الصلة بما في ذلك القرار رقم 242 (1967) الصادر في 22 تشرين الثاني من العام 1967، والقرار رقم 338 (1973) الصادر في 22 تشرين الأول من العام 1973 والقرار رقم 1515 (2003) الصادر في 19 تشرين الثاني 2003. في الواقع، إذا كان الوضع في لبنان يتألف من عامل رئيسي 'من أجل السلم والإستقرار الإقليميين'(1)، علينا أن نعترف بأن 'التطور الإيجابي للحالة الإقليمية له أثر حاسم على استقرار البلاد'(2). هذا التوازن بين الحالة الإقليمية والحالة اللبنانية يجد معناه في مبدأ الإستقرار، الذي أصبح الإسم الآخر لـ'السلم العادل والمستدام'، نظراً الى الظروف السياسية الإقليمية غير المواتية حالياً، أقل ما يمكننا قوله هو أنها في غير محلها، من أجل تحقيق هذا الهدف الأخير. تحضّ التقارير المختلفة الخاصة بتنفيذ القرارين 1559 و1701 القيادات اللبنانية على ألا تعرّض للخطر هذا العامل الحاسم للإستقرار، ثمرة تسوية إقليمية، لا بل دولية. على سبيل المثال، في هذه التقارير المتعلقة بالقرارين 1559 و1701 التي نشرت في شهري نيسان وأيار من العام 2009، دعا أمين عام الأمم المتحدة الزعماء اللبنانيين للسهر من جهة 'على حسن سير العملية الإنتخابية فتكون حرة ونزيهة بمنأى عن أي أعمال عنف وترهيب وتحريض'(3) ومن جهة أخرى لـ'بذل جهود حثيثة في ضمان وجود مناخين سياسي وأمني ملائمين لدى سريان الإنتخابات البرلمانية بشكل سلمي، من دون عنف أو خطب تلهب المشاعر' وكذلك لـ'السهر على منع المصالح الإنتخابية، القصيرة الأمد، من إخراج عملية الحوار الوطني عن مسارها (تعزيز طابع لبنان كدولة)(4). ولكنّ 'اليونيفيل' ليست على هامش هذا الإستقرار المتنامي في لبنان. في الواقع، وفقاً للأمين العام، ستشكل من الآن فصاعداً قوة فاعلة لا غنى عنها من أجل الترويج لعامل الأمن هذا، الذي يشكل مبدأ الإستقرار(5)، من خلال اتمام ولايتها ومؤازرة الجيش اللبناني ولعب دور الوسيط في تسوية النزاعات اللبنانية- الإسرائيلية.
الخاتمة
إن 'اليونيفيل' هي القوة الوحيدة التي مُنحت وسائل تعزيزية و'قوية' على صعيد عملية حفظ السلام في الشرق الأوسط. أكان على صعيد تشكيل طاقم من العسكريين والمعدات المادية أو ولاية تعزيزية وفقاً للقرار 1701، يمكن اعتبارها، بحسب مجلس الأمن، قوة فريدة من نوعها تسعى الى تحقيق 'شراكة دولية مميزة'(6). خلافاً للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وللنزاع الإسرائيلي- السوري، لقد تم تسوية النزاع الإسرائيلي- اللبناني أو هو في طور التسوية من خلال تدابير مجلس الأمن عبر عمل قوات 'اليونيفيل'. هذا يشكل ضماناً أقل خطورة في التسوية العادلة للنزاع، نظراً إلى أنه لا يخضع كثيراً للتجاذبات ورهانات علاقات القوى الكبرى الدولية خارج إطار الأمم المتحدة. تم تزويد 'اليونيفيل' بولاية تعزيزية وبوسائل قوية تسمح لها بالتحرك بشكل فاعل وبنزاهة. لهذا السبب، يعزز نجاحها في ترسيخ استقرار الحالة الأمنية في جنوب لبنان الإستقرار في الأراضي اللبنانية كافة ويساهم بشكل كبير في تعزيز السيادة اللبنانية. أما على الصعيد الإقليمي، فالإستقرار اللبناني يؤدي إلى استقرار في المنطقة في انتظار القيام ببحث جدي للتوصل إلى سلام عادل ومستدام. بناءً عليه، إن قوات 'اليونيفيل' ليست 'عاملاً لبيئة استراتيجية عسكرية جديدة للأمن والإستقرار في جنوب لبنان'(7) فحسب، بل أيضاً على الخريطة الوطنية والإقليمية على حد سواء. ولكن، يتوجب علينا أن نسأل ما إذا كانت مهمة 'اليونيفيل' الضمنية هي إعادة الثقة والصدقية إلى عمليات حفظ السلام في العالم...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد