قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 24/12/2009

'السفير'
قراءة قومية في وثيقة &laqascii117o;حزب الله"
مروان فارس:

إبان قراءة وثيقة حزب الله، بعد مؤتمره الثامن، توقف الأستاذ طلال سلمان في أسئلته عن الزاوية القومية في نظرة &laqascii117o;حزب الله" للأمور السياسية المعقدة في مطالع القرن الواحد والعشرين، خاصة أن تمايزاً في الايديولوجيا يفصل بين الإسلاميين والقوميين، كما يرى كثرة من الدارسين لظاهرة المقاومة، التي استطاعت أن تحقق انتصارات قومية، لم تستطع إنجازها الأحزاب القومية، وإن كانت قد شاركت مشاركة فعالة في إطلاق حركة المقاومة ومن ثم انتصاراتها.
ما يدعو الى قراءة قومية للوثيقة التي تسجل منعطفاً في العقل وفي السياسة المنبثقة عن إجراءاته النظرية، ولا بد لهذه القراءة أن تتوقف عند جملة من الأمور:
أولا: الرؤية للدولة القومية
إن مفهوم الدولة في لبنان لا يزال عائما في جملة من مفاهيم الدولة الاستعمارية التي انبثقت من أحضانها الدولة اللبنانية. وهذه المفاهيم تستند الى اتفاقية سايكس ـ بيكو التي وضعت بين الفرنسيين والانكليز في العام 1916 من القرن الماضي. يعني أن الدولة اللبنانية قائمة على مفهوم التقسيم القومي لمساحة الأمة الإثنية والجغرافية التي ينتمي إليها لبنان على الصعيد القومي. وأشد ما في الأمر خطورة أن هذا التقسيم يعتمد على المعطى الطائفي بدل أن يأخذ المعطى الوطني بعين الاعتبار. فالمعطى الطائفي بحد ذاته هو معطى تفتيتي في جسد الأمة التي ينتمي إليها لبنان، ليصبح في المفهوم الاستعماري أن لبنان بحد ذاته هو معطى طائفي وليس معطى وطنيا، يعني أن لبنان بحد ذاته هو كيان مؤلف من طوائف لا من مواطنين. فحلول الزاوية الطائفية محل الزاوية الوطنية يجعل من لبنان بحد ذاته كياناً للفرقة والتجزئة وليس كياناً للوحدة الاجتماعية.
مقابل هذا السلوك الاستعماري، تأتي وثيقة &laqascii117o;حزب الله" لتؤسس لسلوك نظري مغاير. فتعتبر في الجوهر أن الدولة القوية يعني الدولة الموجودة خارج الأطر الطائفية وان كانت في لبنان طوائف متعددة على الصعيد النظري. وإذا كان لبنان بحاجة الى تأسيس جديد خارج النظرة الاستعمارية فهذا التأسيس يعتمد على المقاومة للعدو الحقيقي للبنان. وهذا العدو هو بحد ذاته المعطى الطائفي، لأنه معطى استعماري، وهو بحد ذاته معطى صهيوني لان الصهيونية بحد ذاتها جوهر معاد لمفهوم الأمة التي ينتمي لبنان إليها.
هذا في السلب. أما في الإيجاب فإن مفهوم الدولة القوية يقوم على الاستعداد الدائم للمواجهة وللتحدي. فإذا كان العدو الصهيوني يريد أن يقيم الدولة اليهودية في جسد الأمة فإن دولة المقاومة هي التي سوف تواجهه بقوة هذا المفهوم. مما يعني في هذا المجال أن وثيقة &laqascii117o;حزب الله" تأتي في سياق الأيديولوجيا أكثر مما تأتي في سياق السياسة العابرة.
ولأن الوثيقة هي على هذه الحال، فإنها لا تخرج عن الحالة القائمة في لبنان في السياسة وفي الاجتماع. فانخراط &laqascii117o;حزب الله" في النظام السياسي اللبناني ليس انخراطا يتم على قاعدة الانتماء الطائفي، بل انه يتم على قاعدة الانتماء الى المقاومة، يعني في سياق مواجهة العدو الصهيوني الذي ينحر جسد الأمة بمفاهيم التفتيت والطائفية. ذلك لأنه لا يمكن المقاومة أن تكون طائفية. فهي في الجوهر مقاومة وطنية وفي السياق ذاته هي مقاومة قومية تتخطى الأصول الطائفية، فتعتبر أن الدين قائم في جوهر الحضارة التي تنتمي إليها الأمة. فيخرج بذلك &laqascii117o;حزب الله" من المفهوم الديني البحت الى المفهوم القومي البحت. فالدين في الأمة وليس بديلا منها. انه جوهر في حضارتها، وهو ثقافة في تاريخها ومستقبلها.
إن وثيقة &laqascii117o;حزب الله" تدعو للدخول في صلب النظام السياسي في لبنان وان كان هذا الصلب من طوائف، إلا انه ليس طائفيا بل وطني لأنه يعتمد على المقاومة للعدو الطائفي والعدو الصهيوني في آن. هذه المعادلة، معادلة صعبة. إلا أنها حقيقية. فلقد خرج من الطوائف أحمد قصير وخرجت سناء محيدلي وغيرهما من الرجال والفتيات المقاومين. مما يعني أن جسد الأمة يتفجر في وجه العدو وطنياً وقومياً ولا يتفجر طائفياً. ان هذا الانفجار الوطني في تاريخ المقاومة قد أدى الى جملة من الانتصارات على ما أسس له الاستعمار وما أسست له الصهيونية. وذلك يعني أن قاعدة المشاركة في النظام السياسي اللبناني هي قاعدة المشاركة على الأساس الوطني لا على الأساس الطائفي. فمعادلة استبدال الطائفية بالوطنية هي في الجوهر معادلة المقاومة التي هي باتجاه التحويل في جوهر النظام الطائفي.
إن المعركة التي رافقت ظهور البيان الوزاري حول المادة السادسة منه تبين أن الشعب اللبناني قادر على النجاح في صيانة المقاومة وفي رعايتها حتى تحقق أهدافها. فكل الاعتراضات على البيان قد تهاوت. مما يعني أن المسألة ليست في تشكيل الحكومة بل إن المسألة هي في قدرة هذه الحكومة على استكمال مسيرة المقاومة. لذلك فإن سماحة السيد حسن نصر الله في إجاباته عن أسئلة الصحافيين كان واضحا في قراءة تجارب الشعوب في التعاطي مع موضوع المقاومة. اذ كان، عند كل الشعوب، مؤيدون للمقاومة ومعترضون عليها. والمهم أن ينتصر التأييد على الاعتراض. وهذا ما حصل في الإجماع على البيان الوزاري بالرغم من التحفظات والاعتراضات الشكلية ذات أبعاد المزايدة كما رأى الى ذلك العماد ميشال عون.
ثانياً: الدولة العادلة
&laqascii117o;لأن العدل هو أساس الملك" كما يقول القدماء فإن مفهوم العدالة يطبع وثيقة &laqascii117o;حزب الله" تجاه الموضوع الفلسطيني الذي هو جوهر القضية القومية. الفصل الثالث في الوثيقة يتعاطى في النظرية مع الموضوع الفلسطيني ومفاوضات التسوية حول فلسطين. ترى الوثيقة أن الشأن الفلسطيني منذ اغتصاب فلسطين هو شأن قوى الهيمنة الدولية، استعمارا قديما ام قوى امبريالية عالمية. في هذا المجال ترى الوثيقة ما يلي: &laqascii117o;إن الأذى لم يقتصر على الشعب الفلسطيني أو الدول والشعوب المجاورة لفلسطين فحسب. وما الاعتداءات والتوترات والحروب التي شهدتها المنطقة بفعل النزعة والممارسات العدوانية الإسرائيلية، إلا الدليل والشاهد على مقدار الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني وبالعرب والمسلمين جراء الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبها الغرب عندما أقدم على زرع هذا الكيان الغريب في قلب العالم العربي والإسلامي ليكون اختراقا معاديا وموقعا متقدما للمشروع الاستكباري الغربي عامة، وقاعدة للسيطرة والهيمنة على المنطقة خاصة".
إن هذا المنطق يضع قضية الصراع مع العدو الصهيوني على المستوى القومي ولا يذهب به باتجاه العداء الديني. فالمعركة هي في الجوهر مع فكرة الاغتصاب من جهة ومع فكرة إقامة الدولة الدينية. إن ذلك ليس عداء لليهودية بل هو عداء لإقامة الدولة اليهودية التي تقوم فكرتها على مبدأ الاغتصاب المستند الى معتقدات دينية خاوية من المفاهيم الإنسانية وتفتقر الى معطيات العدالة بين البشر.
إذا كان واقع الشعب الفلسطيني هو واقع الشعب المغتصبة أرضه وحقوقه فإن منطق الوثيقة التي أتى بها &laqascii117o;حزب الله" هو منطق استعادة الحقوق المغتصبة في الأرض الفلسطينية، ليس بأسلوب التفاوض والتسوية، بل بأسلوب المقاومة دفاعا عن الحق. والتمسك بالحق يعني التمسك بالعدل. وبذلك لأن القضية الفلسطينية قضية عادلة فهي قضية تختص بالإنسانية جمعاء. فيكون الصراع من أجل فلسطين صراعا من أجل الحق الإنساني والعدالة الكونية. وإن كان الصراع هو بين الأمة والكيان الصهيوني فهو في الوقت نفسه صراع يطال البشرية لأنه يتعاطى مع حق الاحتفاظ بمبادئها العادلة. فيرى النص &laqascii117o;بأن التجارب شكلت دليلا قطعيا لا يدع مجالا للشك والارتياب على امتداد مسيرة الصراع والمواجهة بين أمتنا وبين الكيان الصهيوني منذ اغتصاب فلسطين وحتى يومنا هذا أهمية وجدوى خيار المقاومة الجهادية والكفاح المسلح في مواجهة العدوان وتحرير الأرض واستعادة الحقوق وتحقيق توازن الرعب وسد فجوة التفوق الاستراتيجي عبر المعادلات التي فرضتها المقاومة بإمكانياتها المتاحة".
المقاومة هي طريق تحرير فلسطين. إنها طريق العودة وليست المفاوضات هي التي تحقق عودة الشعب الفلسطيني الى أرضه.
ثالثاً: حول مفاوضات التسوية
ترى الوثيقة أن مفاوضات التسوية تنطلق من مفهوم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، مما يعني أن المفاوضات هي بحد ذاتها في أوسلو ووادي عربة وكمب ديفيد تنازل عن الحقوق. إن التنازل عن الحق ليس من حق أحد في فلسطين لأن الحق هو ملك الأمة. وملك الأمة هو ملك قومي. فالتنازل إذاً عن الحق هو تنازل عن مصلحة الأمة في الوجود والتطور. وخيار التسوية ليس خيار الشعوب العربية بل هو خيار الأنظمة المتهالكة على مصالحها في البقاء على حساب شعبها. هذه الأنظمة تتوهم أن باستطاعتها أن تصل الى تسوية مع العدو. فالعدو بفعل وجوده هو ان إسرائيل هي وجود عدواني يتوجب استئصاله. والأنظمة التي تتوهم أنها تستطيع أن تصل الى تسوية مع العدو هي ذاتها التي تتوهم أنه بالاتكال على المعطيات الدولية والإمبراطوريات الأوروبية أو الأميركية يمكن أن تحصل تسوية توصل الى استرداد فلسطين.
فإذا كانت مفاوضات التسوية مفاوضات متهاوية، وإذا كان الاتكال على الخارج أوروبيا كان أم أميركيا لن يوصل الى فلسطين، فإن طريق العودة والحرية كان وسوف يبقى هو طريق المقاومة، وثيقة &laqascii117o;حزب الله" تقول ذلك. و&laqascii117o;حزب الله" يفعل ما أتت به الوثيقة.
[ نائب لبناني.


'السفير'
موت الدولة
فؤاد ابراهيم:

أزمة (الكيان) التي يشهدها عالمنا العربي ليست موصولة بتيار العولمة الجارف، وإن شاءت حذلقاتنا الكسولة تصويرها على هذا النحو لإغلاق ملف القضية. في واقع الأمر، الأزمة لم تكن انبعاثاً عولمياً بقدر ما هي تظهير لأزمة عميقة في الوعي السياسي والتكوين الثقافي لكيانات مأزومة ولدت في لحظة تاريخية عصيبة. بكلمة، إننا أمام أزمة (كيانية) يجترح ضحاياها دروباً أخرى للهروب من حقيقتها، وقد يدفع بهم اليأس الى توصيفها بخلاف ما هي عليه.
مفاهيم جيوبوليتيكية ذات محمول كياني (الأمة العربية، الأمة الإسلامية، اتحاد المغرب العربي، الوحدة الخليجية، الجمهورية العربية المتّحدة... الخ)، باتت اليوم مجرد يوتوبيات محنّطة، وثمة من أنصار بيكون، الممتلئين يأساً، من يسبغ وصمة (الأصنام الذهنية) على تلك المفاهيم المبجّلة في لحظة ما، لتصبح في مرحلة القنوط السياسي منزوعة من كسوة القداسة. الدولة ذاتها، رغم كونها الكيان العملاني حالياً، تشهد تحلّلاً بنيوياً، بما يجعلها مجرد إطار سلطوي متخشّب، حيث يتم اختزال الدولة بكامل حمولتها في مجرد آلية قهرية لتداول السلطة بين فئة محدودة. فقد تسرّبت عدوى (العائلة المالكة/الحاكمة) إلى بقية الجسد العربي، وجرى (تنبيل) مبدأ (التوريث) على قاعدة: ليس بالإمكان أحسن مما كان وسيكون إلى يوم الدين.
توصيف الدولة وفق مكوّناتها الثلاثة (الإقليم، الشعب، الحكومة) يقودنا على الدوام إلى الحلقة المفرغة التي شئنا بملء وهننا الذهني والنفسي أن نقبع بداخلها، فتلك مدرسيّة متيبّسة لا توصلنا سوى إلى التسليم الفارط بالستاتيكو القدري، فيما الحال تخبر عن اختلالات وظيفية خطيرة لكل من المكوّنات الثلاثة. فحين تصبح الحكومة مركز الجاذبية في الدولة، وأن مكوّني التراب والعباد ليسا سوى ضرورات لغيرهما، أي للحكومة، تفقد الدولة سماتها الوظيفية، بل يصبح كل ما عداها، صغيراً كان أم كبيراً، مجرد أجزاء في لعبة المعنى. أليس مستغرباً أن ترتدي الدولة أزياء وطنية وقومية ودينية.. وإن شئتم كونية، في زمن تضيق فيه منافذ العبور إلى السلطة، حتى لم نعد نرى فيها سوى نموذج القابلة التي تساعد على ولادة سلالة النبلاء، المؤهّلين لقيادة زمام الأمة خلفاً بعد خلف.
صورة الزعيم القومي والقائد الخالد تتهشّم اليوم على وقع انطواءات قياسية على الذات القطرية، في سياق مجون سلطوي غير مسبوق، يسحق في طريقه كل ما علق في ذاكرتنا الجمعية من أحلام فطرية بقدوم الفرج على يد فارس ما من مشرق أو مغرب هذا العالم العربي الكبير. ذروة فيضان الضمير القومي لدى رئيس عربي تبرز في نتيجة مباراة كرة قدم، ويصبح استرداد الكرامة مكافئاً للنصر أو الهزيمة، ليس في الحرب مع العدو الاسرائيلي، وإنما في استاد كرة قدم. وليس عجباً، أن تعكس طبيعة الخصوّمة ردّة الدولة، فقد بشّر رئيس دولة عربية قومه بسياسة الأرض المحروقة في حربه مع جزء منه وعلى تراب وطنه الافتراضي، وتحوّل وزير داخلية عربي إلى ما يشبه أحد هواة برنامج (فوتوشوب) ليقدّم شرحاً مدرسياً لصور أطفال يخيّل إليه أنهم مخرّبون لمدافن دينية. محاكاة موت الدولة تتجلى في تصوير علماء دين سعوديين كارثة السيول في جدة بكونها احدى صور العقاب الإلهي المنزل على سكّان هذه المدينة بسبب آثامهم (وسط حفلة الكفر بالدولة فاتنا الإصغاء لرسائل المواساة من قادة الدول العربية والإسلامية في مثل هذه الكوارث، فهل بلغكم نبأ وصولها؟).
في شدائد الشعب تمحو الدولة آثارها، فلا شيء يدّل عليها سوى نقائضها، وفي الرخاء يخرج ليفيثان هوبز من قمقمه، فيصبح القمع، والفساد، والأناشيد الوطنية البلهاء علامات للناس وبها يهتدون. ليس أخطر تشويهاً من الحقيقة، إلا الحقيقة الزائفة، حين تخرج السلطة في شكل دولة، ووطن، وأمة، وربما حضارة. وحتى جينالوجيا الدولة يغدو دائرياً، بعد أن كان أفقياً، لأنه مصمّم لكتابة سيرة سلطة سلالة وليس آثار أمة، فتاريخ الدولة يبدأ من لحظة تتويج الحاكم بأمره والمتناسلين في فلكه.
منظّرو الدولة في مشرقنا العربي باتوا في امس الحاجة إلى آليات بحث جديدة لناحية توصيف الكائنات الجيوسياسية القائمة، لأننا أمام ظاهرة كيانية فريدة، لا تشبه ما سبقها ولا ما عاصرها، فهي تحوي من كل شيء شيئاً، ولكن حين تجتمع تفقد الأشياء خصائصها. لا يخامرنا الريب بأن أي كيان تتقلّب فيه السلطة لا يغيّر من جوهرها، لكن شكل السلطة هو ما يفيض على الدولة، ويسبغ عليها عنواناً محدّداً، فهذه دولة ديموقراطية، وهذه دولة بوليسية، وتلك دولة ثيوقراطية، وأخرى دولة ريعية.. فهل غير السلطة هنا دالّة على الدولة، وليس الإقليم أو الشعب؟
هل مطلوب منا، بعد تبعثر مفاهيم كبرى ناضل كثرٌ بوازع نضالي فطري من أجل تسييلها فجاءت النتائج مدمّرة، أن نحتفي بكيان ندرك، من وحي العقم الذي أصاب تجاربنا الغابرة، أنه يوصل إلى النتيجة ذاتها، فنعزف لحن اليأس للسلطة المتلبّسة بجرم الدولة، باعتبارها علامة الجودة غير القابلة للاستنساخ خارج المجال السيادي العربي. لقد غدا الكيان اليوتيبي على قاعدة قومية أو دينية جرحاً ميتاً، بل الحفاوة العاطفية بالشعارات الكبرى انقلبت إلى محفل ساخر، لأن مشرقنا العربي يسير وفق توجيه النيّات السقيمة، فقد تشيّد الاتحاد الأوروبي على غير إجماع عاطفي، لكنها إرادة التاريخ والجغرافيا والمصالح التي تكفّلت بصوغ الكيان الاتحادي.
تطوّر الدولة في مشرقنا العربي يصبح فائضاً في النمو السلطوي، بما يجعلنا أسرى لكمية الزيف الذي يغطي ماكينة الدولة، اعتقاداً منا أنها بشارة تحوّل جوهري في أداء السلطة. وفي حقيقة الأمر، وبحسب مقاربة هانتنغتون، فإن أشكال السلطة لا تحدث تغييراً في بنيتها ولا اتجاهاتها، بل ما يحدثه هو درجة تمدّدها، وها قد تحقّقت درجة التوحيد السياسي، بأن أصبح لدى الشعوب العربية شكل موحّد للسلطة: فالحكم لهذا (الابن) ومن أبى فهذا (السيف)، وبذلك يكون قادة الأمة قد أنجزوا ما وعدوا به على طريق التوحّد، بكل المعاني النبيلة والسقيمة، بما فيها مرض التوحّد.
وللمثقفين نصيب من موت الدولة، فالسلطة الدولوية تريد أن ينشأ حلف كسولٌ من المثقفين وفق رغبة بول سارتر، يمتهن إعاقة التحوّل الديموقراطي في أي من الدول العربية، وقد لحظنا كيف تحوّل أعضاء هذا الحلف إلى ناطقين غير رسميين باسم السلطة. فاليوم تمدّنا السلطة في تجسيدها الطفولي برهط من المثقفين الذين يتقنون كل لغات العقل لمخاطبة الناس على قدر عقولهم، ومقارعة الخصوم على قدر حججهم. حفلات التخوين التي طالت المتجاسرين ترشيحاً على منصب الرئاسة في مصر، يشارك فيها المثقف بحماسة مبتذلة، فقد كان البرادعي رمزاً قومياً حين حصل على جائزة نوبل للسلام، وتبوأ مقعده في وكالة الطاقة الذرية، لكن حين وجّه دفّة تطلّعه إلى الرئاسة في مصر، ناله عقاب التخوين، وأصبح سويدياً بعد أن كان مصرياً بالفطرة. الوطني في الوعي السلطوي المشرقي من يغلق عليه داره ساعة الاستحقاق الرئاسي، فكل بوصلة تتجّه إلى السلطة تصبح خائنة، فللسلطة قدرة على رصد خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فمرشح الانتخابات السابقة أيمن نور، كاد يخرج من جولة المنافسة الرئاسية السابقة محمولاً إلى القبر بدلا من القصر، وأقامت السجون السعودية محفلاً لـ (الخونة) الإصلاحيين الذين هدّدوا (الوحدة الوطنية) وتعاملوا مع (قوى خارجية) بحسب تصريح وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل عقب اعتقالهم في 15 مارس 2004، لمجرد أنهم طالبوا بتشكيل لجنة أهلية تعنى بحقوق الإنسان، وهكذا.
للمتلبّسين بموضوعة العدالة الانتقالية في الدول المتحوّلة نحو الديموقراطية أن يخبروا عن المسوّغ الدستوري وراء تعطيل برلمان الأردن لعام كامل (هل يأتي يوم يتعطّل فيها موقع الحاكم بأمره؟)، هل ثمة ما هو أكبر من العجز الديموقراطي لتوصيف تدبير من هذا القبيل، شأن تعطيل الدستور أو التلويح به في مثل حال الكويت، أو غيابه في دول عربية أخرى؟
يتقلّص هامش التداول على السلطة، لكن تتسع الهوّة بينها وبين الدولة، فخطر التشظي الكياني يحدق بالمشرق العربي، ففي كل بلد عربي عراق مستتر، ينفجر حين يُنحَّى الرأس عن الجسد، وحينئذ، فحسب، تندلع مجابهات الهوية، والحقوق الخاصة والعامة، والعنف المتراكم طيلة زمن الاختلال الدولتي. اختزال الدولة في سلطة، والسلطة في شخص قد يؤجل الأزمة لبعض الوقت، لكن ما إن تنفجّر لا تبقي ولا تذر، فحتى القيم المقدّسة لا تعدو كذلك في زمن الاستحقاقات، وخصوصاً لأولئك الضحايا، فكيف إذا كانوا الأغلبية، فالأسباب التي دفعت شعوباً للكفر بالوحدة العربية بعد غزو قوات صدام حسين للكويت، هي نفسها التي قد تدفع شعوباً للكفر بالدولة الوطنية، حين يراد لها أن تكون شمولية، عائلية.. ومعتدلة وفق المقاييس الأميركية.
([) باحث في الفكر السياسي من السعودية
  

'الأخبار'
تآمر عالمكشوف
حسام كنفاني:

قبل سنوات، كان الحديث عن التآمر العربي على القضية الفلسطينية علنيّاً، لكن الفعل كان مستتراً. سنوات من الكلام عن اتفاق الكثير من الدول العربية على &laqascii117o;تصفية القضية". كلام كانت تبرّره تداعيات وتسريبات عن لقاءات واتفاقات، وانعكاسات على الأرض تُردّ إلى نظريّة التآمر العربي المتحالف مع الأنظمة الغربية.
هذا كان في السابق، لكن الوضع اليوم تغيّر تغيّراً جذريّاً. لم يعد هناك داعٍ إلى إخفاء الأفعال، ولم تعد المؤامرة حكراً على العرب، بل دخلت إليها أيضاً عوامل فلسطينية رسميّة، وعلنيّاً أيضاً. لم يعد من معنى للتستّر، أوراق اللاعبين كلهم باتت مفتوحة على طاولة القضيّة، بانتظار إعلان النتائج وتوزيع المغانم.
&laqascii117o;جدار فولاذي على حدود قطاع غزّة". مصر كانت السبّاقة إلى فتح هذه الورقة في وجه مليون ونصف مليون فلسطيني. لم تكتفِ بإغلاق معبر رفح في وجه الهاربين من العدوان الإسرائيلي العام الماضي، لتحصرهم كالفئران في علبة من النار. هذا الحصار لم يرضِ المصريين و&laqascii117o;حلفاءهم". لا بد من فعل المزيد. من لم يمت بالعدوان فلا بد أن يموت بطريقة ثانية.
لم يُتعب المسؤولون المصريّون أنفسهم في البحث عن الطريقة الثانية. كان هناك مفكّرون &laqascii117o;أصدقاء" في الولايات المتحدة يبحثون الأمر، ووجدوا الحلّ: إغلاق ما بقي من فتحات تهوية تُدخل مستلزمات العيش إلى قطاع غزّة. فتحات عبارة عن سلسلة من الأنفاق بين رفح الفلسطينية ورفح المصريّة، حيث البدو &laqascii117o;الخارجون عن رغبات النظام" لا يزالون يتعاملون مع &laqascii117o;الأعداء" الغزّاويين.
لم يفلح إغراق الأنفاق في المياه، أو ضخ الغازات السامة عبر فتحاتها، في وقف الفلسطينيّين عن البحث عن &laqascii117o;شريان حياة". الوسيلة الجديدة: جدار فولاذي، أميركي الصنع، مصري الجنسية، سيُغرس في قلب امتداد صحراء سيناء المحاذية لقطاع غزة وأراضي فلسطين التاريخيّة المحتلة إسرائيليّاً. التبرير المصري جاهز وقديم، استُخدم وقت العدوان، وها هو يُستخدم الآن مرة أخرى: &laqascii117o;شأن سيادي" و&laqascii117o;حماية للأمن القومي".
لكن المسؤولين المصريّين لم يشرحوا لنا عن أيّ أمن قومي يتحدثون، وما هو التهديد الذي يترقّبونه. من المؤكد أن إسرائيل غير معنية بالكلام عن الأمن القومي، وخصوصاً أن الجدار الفولاذي يستثني الحدود المصرية مع الدولة العبرية. هو حكر على قطاع غزّة فقط لا غير؛ فإسرائيل &laqascii117o;صديقة"، وهناك معاهدة سلام تحكم العلاقة معها، حتى وإن كانت تترك سيناء بأكملها من دون جيش يحميها، لا بأس، الأمن القومي لن يكون مهدّداً. التهديد يأتي من هؤلاء الجياع في غزة. إنهم الخطر بالنسبة إلى النظام في القاهرة، الذي قد يضيف إليهم الشعب الجزائري بأكمله باعتباره أيضاً &laqascii117o;تهديداً للأمن القومي".
أمن انتقائي، يسير على هوى النظام ومسيّريه. حتى وإن أعلن أحمد أبو الغيط أن ما يحدث على الحدود شأن مصري، فلن يصدّق أحد أنْ لا أياديَ إسرائيلية وأميركية خلف الاستفاقة المفاجئة على &laqascii117o;أمن الحدود". استفاقة تأتي في الذكرى الأولى للعدوان، التي لا بد أن نستذكر خلالها الاتفاق الأميركي ـــــ الإسرائيلي، بين كوندوليزا رايس وتسيبي ليفني، على ضبط التهريب، الذي أعلن بعده أبو الغيط أن لا شأن للقاهرة به. إعلان لم يصمد ليصبح الاتفاق شأن مصر وحدها، على الأقل على الحدود المباشرة مع القطاع، بما أن طائرات وبواخر إسرائيل و&laqascii117o;الأطلسي" تجوب البحرين المتوسط والأحمر ومحيطهما لإكمال المهمة.
وإذا كان الأمر شأناً مصريّاً، فإنه لم يعد كذلك بعدما أقحم محمود عبّاس نفسه فيه. هذا الرئيس الممدة ولايته تبرّع للدفاع عن الجدار، باعتباره &laqascii117o;أمراً يتعلق بالسيادة المصرية‏"‏. الرئيس الذي من المفترض أن يكون للسلطة الفلسطينية، وما تمثله من أراضٍ في الضفة وغزّة، لم يكترث لتأثيرات الجدار المصري على مليون ونصف مليون فلسطيني، لا يعدّهم عبّاس ربما ضمن حدود سلطته (بفتح السين)، بل ربما عبئاً عليها. والأنكى أن يكون عباس أو بعض مسؤوليه منتفعين من الجدار المصري، على غرار الجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية، الذي كان أحمد قريع (رئيس الوزراء السابق) متكفلاً بتوريد الإسمنت إليه.
مصر وعباس كشفا أوراقهما علناً، والإمارات سبقتهما في ترحيل الفلسطينيين المنحدرين من قطاع غزّة عن أراضيها، والباقي لا بد سيأتي. من يتآمر اليوم في السر على الفلسطينيّين عموماً، والغزاويين خصوصاً، لن يطيل الكتمان، فالقاهرة افتتحت لعبة التآمر على المكشوف.
&laqascii117o;كم كنت وحدك يا ابن أمّي، يا ابن أكثر من أبٍ، كم كنت وحدك"، صدق محمود درويش.


'الأخبار'
ما بعد الكارثة
يوهان هاري*:

في لاوعينا، لا نزال نعتقد أنّ قادتنا السياسيين هم آباؤنا وأمهاتنا الذين يحافظون على أمننا. بالطبع، سينالون منّا حين يتعلق الأمر بلوائح الانتظار في المستشفيات، أو النقل العام، أو فرض الضرائب على الأغنياء، لكنّهم سيبعدون عنّا الأذى حين يتعلق الأمر بمحاربة خطر وجودي. الأسبوع الماضي في كوبنهاغن، تمّ دحض هذه القناعة. لقد كان كلّ سياسي هناك، بفضل علماء بلاده، مدركاً منذ سنوات بوضوح وصراحة وبساطة، أنّ هناك حداً أدنى يجب أن نقوم به جميعاً لتجنّب كارثة، لكنّهم جميعاً رفضوا التحرّك.
لفهم فداحة ما حصل، يجب أن نعرف بعض الحقائق عن الاحتباس الحراري، وهي حقائق يمكن اعتبارها في البداية غريبة. لقد أكّد علماء المناخ العالميّون أنّ الاحتباس الحراري الذي يسبّبه الإنسان يجب ألا يتخطى الدرجتين. عندما تسمع بالأمر، قد تكون ردة الفعل الطبيعية: هذا ليس كثيراً، كم سيسوء الأمر إذا تخطّيناه؟ إذا خرجت للقيام بنزهة وزادت الحرارة بمقدار درجتين أو انخفضت بالمقدار نفسه، لن ننتبه لذلك. لكن هذه مقاربة خاطئة. فإذا زادت حرارة جسدك بمقدار درجتين، ستصاب بسخونة وتضعف. وإذا لم تنخفض، ستموت. المناخ ليس كنزهة، بل هو أشبه بجسدك.
الدرجتان أمر سيّئ. فهما تعنيان أنّنا سنخسر جزءاً كبيراً من الأراضي المنخفضة في العالم، من جزر جنوب المحيط الهادئ إلى جزء كبير من بنغلادش وولاية فلوريدا. لكن قبل الوصول إلى الدرجتين، نستطيع تثبيت المناخ على مستوى مرتفع إذا خفضنا انبعاثاتنا. أمّا إذا تخطّينا الدرجتين، فسيختلف الوضع، إذ تبدأ عمليات الأرض الطبيعية بالانهيار، وتسبّب مزيداً من الحرارة. هناك كمية كبيرة من الغازات التي تسبب الاحتباس، مجلّدة الآن في سيبيريا، وعند ارتفاع الحرارة درجتين، ستذوب وتنطلق في الهواء. كما تخزن غابات المطر كميات كبيرة جداً من الغازات المسبّبة للاحتباس في أشجارها. وبعد ارتفاع الحرارة درجتين، تخسر هذه الأشجار رطوبتها وتحترق وتطلق الغازات في الجو.
تسمى هذه الحالات &laqascii117o;نقاط التحوّل". بسببها يصبح العالم أكثر دفئاً بدرجتين. وهي أيضاً، في الواقع، نقاط اللاعودة المناخية، إذ لا يقع بعدها سوى التسخين. نحن على بعد 6 درجات فقط من العصر الجليدي الأخير، ونحن نستعد للذهاب بعيداً في الاتجاه المعاكس.
إذاً، ماذا يجب علينا أن نفعل لنبقى تحت الدرجتين؟ هناك توافق علمي واسع أنّنا يجب أن نخفض انبعاثات الدول الأكثر تلويثاً بحوالى 40 في المئة حتى عام 2020 إذا كنّا نريد أن ننجح بنسبة 50 في المئة في تحقيق هدفنا. عندها، في 2050، نحتاج إلى اقتطاع 80 في المئة من انبعاثات الجميع. السعي لتحقيق 50 في المئة فقط من هدفنا هو إشارة إلى أنّنا عقدنا تسوية كبيرة مع الوقود الأحفوري، لكنّ قادتنا يرفضون حتى هذه التسوية.
ما جرى في كوبنهاغن كان عاراً كبيراً. الملوّث الأكبر في العالم من حيث نصيب الفرد هو الولايات المتحدة الأميركية، لكن رئيسها أتى وعرض خفض الانبعاثات بنسبة 4 في المئة حتى عام 2020. وعندما تتخطى كلّ الثغر التي طلبها مفاوضوه، تكتشف أنّه يطلب زيادة في انبعاثات أميركا. لقد رضخ للوبيات الغاز والنفط التي تسيطر على مجلس الشيوخ تقريباً. كان ذلك خيانة من قبله لأمن بلده القومي. جدير بالذكر أنّه في 2004، حذر تقرير مسرّب من البنتاغون من أنّ تجاهل الاحتباس الحراري سيسبب &laqascii117o;صراعات وخلافات مزمنة، ومرة أخرى ستحدد الحرب مصير الإنسان".
كذلك تصرف رئيس الوزراء الصيني وين جياباو بشكل مخجل. دولته هي المسرّب الفردي الأول للغاز، مع نسبة سكان أكثر ارتفاعاً، وحاجة أكبر إلى التنمية. لكنّه عارض اقتراح 80 في المئة حتى عام 2050، ورفض السماح للدول الأخرى بأن تقوم بفحص التزام الصين بالخفوضات الصغيرة التي التزمت بها. مرة أخرى، هو يخون شعبه الذي يعتمد في مجمله على الأنهر التي تأتي من جليد الهيمالايا التي ستختفي بسرعة. سيُكتَب اسمه في كتب التاريخ الصينية.
لم يكن الاتحاد الأوروبي أفضل حالاً. جلس قادته خاملين ورافضين طرح أي عرض كبير. وحده رئيس جمهورية البرازيل لولا دا سيلفا طرح عرضاً تقدمياً، لكن شجاعته قوبلت بصمت غريب، وتجنّب القادة الآخرون النظر إليه.
إذاً، دعوني ألخص لكم الوضع. لا يوجد اتفاق. رفض قادة العالم أن يتفقوا على تحديد انبعاثات الغاز الخاصة ببلدانهم. أقصى ما استطاعوا الاتفاق عليه كان لحظ البرهان العلمي للدرجة التي يجب عدم تخطيها، من دون وجود أي خريطة طريق تبقينا بعيدين عنها. تستطيع معرفة القيمة لهذه الملاحظة عندما تطّلع على القضايا الأخرى التي لحظها المؤتمر: العمل الشاق لموظفي المطار الأمنيين، ونوعية الطعام في مركز المؤتمرات &laqascii117o;بيلا سنتر". يبدو الموضوع مستحيلاً، لكن قادتنا أعطوا فعلاً موضوع المناخ المقدار نفسه من الاهتمام الذي أعطوه للسندويشات الدنماركية.
في العادة، أنا شخص يساند التغيير التدريجي. أغلب التقدم يحصل خطوة خطوة. لكن مع هذه المشكلة، لا نستطيع الانتظار كأنّنا سننتصر مع الجيل المقبل. نقاط التحوّل ستجعل ذلك مستحيلاً. لا تستطيع تفكيك قنبلة سنة بعد أخرى. إذا لم تفككها بسرعة، تنفجر في وجهك.
لقد أُعطي قادتنا البراهين العلمية، وكان ردهم محاولة المساومة بالحقائق عن المناخ. تخيّل شخصاً يدخن 50 سيجارة في اليوم، ويطلب منه طبيبه التوقف فوراً أو يصاب بسرطان الرئة. سيقول: &laqascii117o;سأخفف إلى 40 سيجارة يومياً، وسآكل سلطة كل يوم على الغداء، وأستخدم بضع لصقات نيكوتين". هذا هو الرد الرسمي على الاحتباس الحراري.
أين يتركنا كلّ هذا؟ على الأقل، نعرف الآن أنّ البراهين العلمية والعقلانية لن تكون كافية لإقناع قادتنا. لم يعد الأب الجيّد مسؤولاً. لن يحل أحد هذه المشاكل إذا لم نتحرك، نحن شعوب الدول التي تسبب الاحتباس الحراري، ونجبرهم على التنازل. يتحرك السياسيون بعد الضغط الذي يتعرضون له. ويعلم كلّ سياسي في كوبنهاغن أنّه، بسبب توقيع الاتفاق عوضاً عن الانسحاب، سينال سترات واقية من الرصاص من الشركات التي تموّله، ومن شعبه المتعطش للنفط.
هناك طريقة واحدة لتغيير هذه الدينامية، وهي تحرك كبير لمواطنين ديموقراطيين عاديين. استطاع هؤلاء تحقيق المستحيل سابقاً. كانت اقتصاداتنا مبنية على اليد العاملة المستعبدة، كما هي معتمدة على الوقود الأحفوري اليوم. بدت آنذاك أبدية وغير قابلة للتغيير، واعتُبر منتقدوها مجانين، حتى إنّ مواطنين عاديين رفضوا تحمّل ذلك وتجمّعوا وطالبوا بإلغائها.
انتهى وقت تغيير نوع اللمبات التي تستخدمها والتعويل على أنّ كلّ شيء سيتحسن. حان وقت التحرك الجماعي. بالنسبة للبعض، يعني ذلك الانتساب إلى منظمات بيئية مثل غرين بيس، أصدقاء الأرض، أو الحملة ضد التغيير المناخي لمساعدتهم على زيادة الضغط. لكن الذين يستطيعون الذهاب أبعد من ذلك عبر القيام بنشاطات لاعنفية، يجب أن يبادروا لذلك. يجب أن تقطع طريق كلّ قطار يعمل على الفحم من قبل الناس. يجب رفع ثمن تدمير المناخ.
هذه الطريقة تنفع. انظروا إلى بريطانيا. قبل ثلاث سنوات، كان يتم التخطيط لإنشاء ثمانية معامل كهرباء تعمل على الفحم، وبناء مدرج ثالث في مطار هيثرو. اتخذ بضعة آلاف من الأشخاص الشجعان مواقف ضد هذه المشاريع. اليوم ألغيت كلّ معامل الكهرباء الجديدة التي تعمل على الفحم، وتمّ التخلي عن مشروع المدرج الثالث. هنا في خامس أكبر اقتصاد في العالم، أوقفوا الفحم وتوسيع المطار. أحسّ السياسيون بالسخن. فعل ذلك بضعة آلاف من الناس. تخيّلوا ما يمكن عشرات ومئات الآلاف فعله.
يجب أن تكون هناك تحركات موازية لذلك في كل دول الأرض (وخصوصاً في بريطانيا). كان لكوبنهاغن قيمة واحدة فقط. برهنت لنا أنّنا إذا لم نتحرك من أجل الدفاع عن أنفسنا الآن، فإنّ ما من أحد سيفعل.
* عن &laqascii117o;هافينغتون بوست":
موقع إخباري أميركي ليبرالي مناهض للمحافظين، يستقبل مساهمات عدد كبير من الديموقراطيين، منهم الرئيس الأميركي باراك أوباما.
(ترجمة ديما شريف)


'الأخبار'
الرابحون والخاسرون
والتر راسل ميد*

سيحكم الوقت والتاريخ إن كان مؤتمر كوبنهاغن قد مثّل بداية جهد ناجح لإنقاذ الكوكب، أو انهيار جهد شجاع وبداية كارثة الاحتباس الحراري الكبرى. كما يمكن أن يكون هذا المؤتمر قمة إضافية غير مهمة لا تحمل أي تأثير يُذكر، جيداً كان أو سيّئاً. لكن بينما ننتظر جلاء النتائج، نستطيع أن نشاهد التأثيرات على المدى القريب، لأنّ كتلة كوبنهاغن أنتجت دون شك رابحين وخاسرين.
يتصدّر الرابحين باراك أوباما. إذ مكّنت دبلوماسية نشطة وغير اعتيادية الرئيس الأميركي من الهيمنة على القمة العالمية، كما لم يفعل غيره. ومهما كان رأيك من النتيجة، فإنّ ما حصل برهن من هو أهم قائد في العالم.
الولايات المتحدة الأميركية نفسها كانت أيضاً من الرابحين. فبعد كلّ هذه الثرثرة عن التراجع وفقدان الأهمية، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية &laqascii117o;الدولة التي لا يمكن التخلي عنها" بالنسبة إلى العالم أجمع. الانهيار هو شبح يلوح في الأفق، وليس حقيقة حالية. لا يعجب ما فعلناه وما لم نفعله في كوبنهاغن الجميع، لكنّ الكلّ يعرف أنّ أميركا لا تزال تحتل المركز الأول في ما يتعلق بتحديد مصير الكوكب.
وكانت الصين من الرابحين أيضاً. إذ مثّلت بعد الولايات المتحدة الصوت الأكثر أهمية في المحادثات. إلى الأمام أيها الأحمر الكبير!
وكذلك كانت الهند، أفريقيا الجنوبية، والبرازيل ـــــ الأعضاء الباقون من عصابة الخمس التي صاغت، إلى جانب الصين وأميركا، سياسة المجتمع الدولي الخاصّة بالتغيّر المناخي.
أما في المملكة العربية السعودية، فيستطيع شيوخنا الأعزاء النوم الهانئ. إذ لا شيء سيئاً سيحصل لصناعة النفط عندكم في القريب العاجل.
كما كان حس الفكاهة الإلهي من الرابحين. تعاظم البرد في أوروبا في الوقت الذي كان فيه المندوبون الأميركيون يعودون بسرعة إلى بلادهم ليسبقوا الشتاء القارس الذي وصل إلى السواحل. شلّت الحركة في بريطانيا بواسطة عاصفة ثلجية كبيرة، كما أسهمت درجات الحرارة المنخفضة على غير عادة تحت القناة الإنكليزية في توقف العمل فيها مع انقطاع التيار الكهربائي. وارتجف المندوبون وهم يتنقّلون من نشاط إلى آخر ضد ارتفاع الحرارة.
بالطبع، كانت القارة الأوروبية أكبر الخاسرين. منذ 100 عام، حكمت أوروبا العالم. وحاولت اليوم أن تجعل من التغير المناخي قضيتها هي. لم تكن أوروبا في الغرفة حين قرر الخمسة الكبار أن يصوغوا اتفاقاً في كوبنهاغن... ولم يعطِ الاتفاق أوروبا الكثير. كتبت سابقاً أنّ معظم الدول الأوروبية تنظر إلى أميركا كما تنظر شخصية الرسوم المتحركة الذئب &laqascii117o;ويلي كايوتي" إلى الطائر &laqascii117o;رود رانر" الذي يقضي وقته في إطلاق صوت &laqascii117o;بيب بيب". الذئب ذكي ومتقدم تكنولوجياً. أما الطائر، فهو مهرّج جاهل. لكن رغم ذلك، لا يتمكّن الذئب من الإمساك بالطائر. هذا الأسبوع، وقع الذئب عن مرتفع آخر، فيما الطائر هرع مسرعاً.
الخاسر الثاني هو غوردون براون. فرئيس الوزراء البريطاني المثير للشفقة كان يحاول أن يجيّر الأحداث الدولية إلى منصات لحملته الانتخابية، كما يفعل منذ أن كشفت الأزمة المالية العالمية زيف إدارته ماليةَ بريطانيا لسنوات. مرة أخرى، تمكّن براون من برهنة عدم أهميته العالمية.
الخاسر الثالث هو دول العالم الثالث. نصت &laqascii117o;القواعد" الغربية والغبية على وجوب توفير موافقة ما يزيد على 190 دولة لتمرير أي اتفاق ملزم في كوبنهاغن. فرحت دول مثل كوبا، فنزويلا، نيكاراغوا والسودان بفكرة جذب الانتباه إليها، والأموال التي ستتمكن من الحصول عليها بالتهديد بإفشال أيّ اتفاق يحتاج إليه العالم بشدة عبر رفضه. انقلبت النكتة عليهم. إذ إنّهم، في حكمتهم العظيمة، حجبوا موافقتهم المقدسة عن النص. أما النتيجة، فكانت أنّ اتفاق كوبنهاغن لا يحمل أختاماً كما يحمل أيّ اتفاق ممتاز. لكن لم ينتبه أحد لذلك، ولم يهتمّ أحد فعلياً.
* عن &laqascii117o;بوليتيكو": صحيفة يومية أميركية تعنى بالشؤون السياسيّة
(ترجمة ديما شريف)


'الحياة'
بحثاً عن خلية نائمة اسمها &laqascii117o;المعارضة اللبنانية"؟
رغيد الصلح *:

قد يصر بعض أقطاب الأكثرية اللبنانية السابقة على انها &laqascii117o;عنزة ولو طارت"، اي على ان النظام اللبناني هو نظام أكثري، ولكن الواقع الحكومي الجديد يدعو هؤلاء الأقطاب الى التراجع عن ذلك الإصرار. فنجاح الحكومة بإحراز الثقة بأكثرية 122 ضد ستة نواب بين غياب وممتنع ومعارض، يجعلها من أقرب الحكومات في تاريخ لبنان الى نموذج الحكومات الديموقراطية التوافقية بكل ما يعني هذا النموذج من إيجابيات وسلبيات. ان حكومة الحريري ليست حكومة ائتلافية فحسب، وإنما هي حكومة ما يدعوه الديموقراطيون التوافقيون بالائتلاف الكبير Grand Coalition. والفرق بين الاثنين مهم بالمعايير السياسية وبالمعايير اللبنانية. فحكومة الائتلاف الصغير او الائتلافات &laqascii117o;المتنقلة" تبقي بعض الاحزاب والتكتلات السياسية الفاعلة خارج الحكومة، أما الحكومة اللبنانية الجديدة فإنها لم تُبقِ خارجها إلا العدد القليل من النواب ومن الجماعات السياسية الفاعلة.
وحكومة الحريري لا تمثل حزباً أو تياراً أو تكتلاً نيابياً واحداً ولا حتى عدداً قليلاً ومحدوداً من هذه التكتلات والجماعات كما هو الأمر في أنظمة الأكثريات النيابية، بل هي تضم - كما هو الأمر في نموذج الديموقراطية التوافقية - ممثلين وممثلات عن سائر الفئات السياسية المهمة الممثلة في المجلس. وعندما جرى تشكيل هذه الحكومة، فقد حاول مهندسوها ان يأخذوا في الاعتبار عنصر النسبية في التمثيل، أي ان يراعوا مكانة هذه الفئة أو تلك في التركيبة السياسية اللبنانية وأن يسندوا الى من يمثلها المنصب الوزاري المناسب. تسلطت الأنظار على هذه المراعاة عندما لوّح حزب الكتائب بمقاطعة الحكومة، لأن الذين شكلوا الحكومة لم يراوغوا، كما رأى زعماء الكتائب، مكانة الحزب وأهميته لدى توزيعهم المناصب الوزارية.
وعلى رغم الجدل العنيف الذي أثارته فكرة &laqascii117o;الثلث المعطل"، وعلى رغم أن السجال حول هذه المسألة تجاهل الكثير من تجارب السياسة اللبنانية، على رغم ذلك فقد روعيت مسألة الفيتو المتبادل، التي تعتبر احد أسس نموذج الديموقراطية التوافقية، لدى تشكيل الحكومة وإعداد البيان الوزاري. ومن المفارقات أن الذين سعوا الى الاستفادة من آلية &laqascii117o;الثلث المعطل" بغرض إدخال تعديل جوهري في البيان الوزاري ينتمون الى التكتلات نفسها التي سعت آنفاً الى إلغاء تلك الآلية جملة وتفصيلاً.
وكما توقع الكثيرون بمن فيهم دعاة الحكم الأكثري، فإن الأخذ بمتطلبات الديموقراطية التوافقية وآلياتها رافقه قيام أكثرية جديدة تتشكل من التكتلات النيابية والسياسية الرئيسة في لبنان. هذا التحول قد لا يكون سريعاً وعاجلاً وقد لا تصاحبه إعلانات مدوية ولكنه سيتحقق ما دامت الكتل البرلمانية الرئيسة مشاركة في الحكم ومستفيدة وقانعة بنصيبها منه. وسيتعين على بعض أقطاب الأكثرية السابقة ان يتأقلموا مع هذا الوضع الجديد كما فعلت التكتلات التي سجلت &laqascii117o;تحفظها" على البيان الوزاري ولكن مع استمرارها في الحكومة.
الوضع الحكومي الجديد قد يحقق للبنانيين بعض ما يطالبون به، خصوصاً على صعيدي الاستقرار والهدوء والحد من احتمال الصراعات المسلحة وأحداث العنف الفردي والجماعي. إذا تحققت هذه المطالب، فيمكن أن تشكل بوابة عبور للوصول الى الهدفين الآتيين:
الأول، هو الحد من اضرار وسلبيات نموذج الديموقراطية التوافقية المطبق في لبنان. وأكثر هذه السلبيات خطورة وضرراً هو الذهاب بالتوازن المطلوب بين الحريات الفردية والحريات الجماعية. يحدث هذا عندما تتحول الديموقراطية التوافقية الى غطاء لشرعنة ومأسسة الطائفية والمذهبية عبر إطباق الطائفيين على مواقع ومفاصل الدولة والمجتمع. ويحدث هذا عندما تتحول الديموقراطية الى تفاهمات بين قادة هذه الجماعات الطائفية والمذهبية على نحو يعطل مساهمة الافراد في الحياة العامة وفي اختيار ممثليهم في الحكم والاشتراك في اختيار الاولويات الوطنية. ومن هذه السلبيات أيضاً وقوع الدولة في الجمود وتعطل المشاريع العامة ومصالح المواطنين بسبب تعطيل آليات العمل الديموقراطي، وترجيح المقاربات العشوائية والاعتباطية في إدارة البلاد على المقاربات الراشدة.
الثاني، نهوض حركة معارضة حقيقية وبناءة للوضع اللبناني الراهن. ففي حمأة الصراعات ذات الطابع الطائفي التي اجتاحت الحياة العامة خلال الاعوام الاخيرة، ومع اقترانها بتقنية شعبوية عالية وإمكانات مادية هائلة، وضغوط خارجية رمت الى خدمة مصالح أصحابها على حساب مصالح اللبنانيين والعرب، ضاعت أولويات اللبنانيين وتراجع الاهتمام بالحاجات الوطنية، وبات نشدانها والتذكير بها وكأنهما من قبيل الحرث في البحر. وقد ألمح البيان الوزاري من دون قصد الى التباين المتمادي بين اهتمامات النخبة الحاكمة اللبنانية من جهة، واهتمامات المواطنين من جهة أخرى حينما ميز بين أولويات الحكومة وأولويات المواطنين.
إن هذا التمييز غريب عن الأنظمة الديموقراطية حيث يفترض ان تمثل النخب الحاكمة المواطنين وحيث يكون من أول واجباتها أن تقف على حاجات المواطنين وعلى مطالبهم وأن تتولى صوغها في برنامج واحد متماسك فتكون حاجات وأولويات المواطنين والقيادات السياسية واحدة. بيد أن تلميح البيان الوزاري جاء في محله لأن النظام السياسي اللبناني والنخب التي تقف رأسه لا تعبر تعبيراً دقيقاً وراشداً عن حاجات المواطنين وتطلعاتهم.
ان مشاركة اكثر وأهم الفئات السياسية في لبنان والتي تمكنت من إحراز غالبية اصوات اللبنانيين في الانتخابات في الحكومة جديرة بأن تضيق الشق بين النخبة الحاكمة والمواطنين. هذا صحيح لولا تفاقم حجم المؤثرات المعطلة لصواب العملية الانتخابية مثل الشحن الطائفي والمذهبي والمال الانتخابي والتدخل الخارجي والعنف السياسي والانتخابي. وهذا صحيح أيضاً ولكن ليس عندما تضمر المعارضة كمّاً ونوعاً فلا يزيد عدد افرادها على القليل من النواب.
ان ضمور المعارضة البرلمانية يعني انكماشاً موازياً في دور البرلمان التشريعي والرقابي، إذ تتحول الحكومة في الديموقراطيات التوافقية، شئنا أم أبينا، الى برلمانات مصغرة، أو تنتقل مهمات البرلمان الى أمكنة أخرى. هذا ما جرى في دول طبقت الديموقراطية التوافقية مثل النمسا وتشيكوسلوفاكيا وهولندا وبلجيكا اذ نقل دور البرلمان الى مجالس ولجان حزبية خارج السلطة التشريعية. إن هذا الضمور يمثل خطراً على الديموقراطية، خصوصاً في دول الديموقراطية التوافقية. ففي هذه الدول يسهل تحويل النقد الموجه الى الحكومات الى نقمة قوية وعارمة ضد الانظمة الديموقراطية. ولعل هذا يفسر نمو حزبي الأحرار في النمسا والشعب في سويسرا اللذين اخترقا الحكومات الائتلافية الحاكمة في البلدين وهددا النظام بأسره وليس فقط استمرار حكومتي البلدين.
ان احتمال تحول المعارضة ضد الحكومة الى مناهضة للنظام الديموقراطي يبدو اكبر في لبنان منه في دول أوروبا التي اخذت بالديموقراطية التوافقية. وهذا الاحتمال جدير بأن يحض المعنيين والمعنيات بمصير النظام الديموقراطي وبالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في لبنان على بذل مجهودات مضاعفة على صعيد مراقبة أداء الحكومة الجديدة والتنبيه الى الأخطاء التي قد تقع فيها. يواجه هذا النمط من اللبنانيين واللبنانيات تحديات عدة تحول دون تمكينهم من تفعيل دورهم في الحياة العامة. انهم يعانون من التشتت والتبعثر ومن خيبات الامل. هم يشبهون في الحالة الراهنة خلية إصلاحية نائمة في الجسم اللبناني. مشاعر الارتياح والاسترخاء التي عمت أوساطاً لبنانية كثيرة بعد تشكيل الحكومة والخطوات التي قام بها رئيسها من أجل حل مشاكل لبنان المعقدة مع دول الجوار قد تزيد في خدر هذه الخلية. المطلوب عكس ذلك تماماً، اي الاستفادة من مناخ التهدئة السياسي من أجل تحرك مثل هذه الخلايا النائمة وإطلاق مبادرات اصلاحية وديموقراطية واسعة في لبنان قبل ان يفوت الأوان.

* كاتب لبناني

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد