قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 31/12/2009

ـ 'صدى البلد'
عباس المعلم:
بقاﺀ.. 1559. إلغاﺀ الحوار و1071؟

على حكومة الوحدة الوطنية مسؤولية في الغاء القرار 1559 كي لا يكون معبرا جديدا للفتنة والانقسام في لبنان، وعليه تندرج المطالبة بالغائه اولا مما ورد في البيان الوزاري حول المقاومة ومن توافق القوى السياسية الرئيسية في لبنان على المقاومة ودورها في ردع العدوان والاخطار الاسرائيلية.

ثانيا نظرة الحكومة لحزب الله وسلاحه على انه سلاح مقاومة وليس ميليشيا، ثالثا وجود طاولة حوار وطني برعاية رئيس البلاد ومشاركة جميع الكتل النيابية للاتفاق على استراتيجية دفاعية عمادها الجيش والمقاومة، رابعا استمرار القرار 1559 وصدور تقارير نصف سنوية عن تنفيذه ومناقشته في مجلس الامن يعني الغاﺀ للقرار 1701 لانه يتناقض في ما يحمل من بنودمع 1559 وتم الاتفاق عليه وفقا لمعادلة دولية في مجلس الامن تنطلق من الاعتراف بالمقاومة وسلاحها واستكمالا لاتفاق نيسان العام، 1996 وما ورد في بعض بنود 1701 حول منع 'الظهور المسلح' في جنوب النهر ولم يتطرق لسلاح المقاومة، حتى ان عبارة 'وقف الاعمال العدائية' وردت وفق اتفاق يرتكز على طرفين بين الجيش الاسرائيلي من جهة والمقاومة في الجهة المقابلة. خامسا والاهم في هذا السياق توافق كل اللبنانيين على ان سلاح حزب الله شأن لبناني داخلي يناقش على طاولة الحوار بين اللبنانيين، لذلك ينتفي اي سبب او ذريعة لبقاء هذا القرار.


ـ 'الحياة'
حسان حيدر:
من طهران إلى الضاحية

لا يكلف احمدي نجاد نفسه عناء الإبتكار قليلاً لكسر رتابة التكرار. إضبارة &laqascii117o;السيناريو الاميركي - الصهيوني" جاهزة في درج مكتبه. يكفي ان يخرجها ويلصق عليها اسماء قادة المعارضة ومئات الآلاف الذين خرجوا الى الشوارع يطلبون التغيير بدمائهم، ليريح ضميره من عبء الاضطرار الى نقاش، ولو شكلي، لمطالبهم. بينما يطالب ممثل لخامنئي بكل بساطة بإعدامهم توفيراً للجهد والوقت وتجنبا للدخول في محاكمات وتغطيات اعلامية قد تفضح بدلاً من ان تدين.
ولا يكلف &laqascii117o;حزب الله" نفسه عناء التفكير في الأسباب التي حدت بأكثر من نصف اللبنانيين الى رفض ديمومة سلاحه ومربعاته الأمنية، يتصدرهم مسيحيو الأكثرية، فيسارع الى تذكير هؤلاء بمأثرة السابع من أيار وبمصير مسيحيي العراق، بعد سوق الاتهام الممل بالمراهنة على اميركا واسرائيل.
بين طهران وضاحية بيروت الجنوبية حبل غليظ من الافكار والمال والسلاح. عقلية واحدة ومدرسة واحدة وأسلوب واحد: التخوين والقوة لمن يجرؤ على المعارضة، والتهميش لمن يستسلم ويحالف.
وما يجعل الوضع في ايران يعنينا اكثر مما يفترض بالنسبة الى بلد اعجمي، هو تغلغل طهران في تفاصيل وخصوصيات دول عربية عدة، في مقدمها لبنان الذي خاض حرباً بالوكالة عنها في 2006، والعراق الذي يتعرض لاختبار احتلال جزء من أرضه يعتقد مسؤولوه انه مرتبط باحتمال طلبهم إعادة التفاوض على اتفاقية الجزائر بين الشاه وصدام الذي قدم تنازلات جغرافية في مقابل تغاض ايراني عن قمعه الاكراد.
لكن ما يعنينا اكثر هو عقد السيد نصرالله مقارنة بين مسيحيي لبنان والعراق، دفع البعض الى التساؤل عما اذا كان اخطأ فبدا كأنه يتبنى تحميل ايران المسؤولية عن استهداف مسيحيي العراق &laqascii117o;الذين لم تستطع اميركا حمايتهم"، من دون ان يوضح ممن كان يفترض توفير الحماية لهم، او كأنه يثبت بذلك ان استراتيجية ايران في الإخضاع هي ذاتها في كل مكان تصل يدها اليه، علماً ان اوساطاً عراقية عديدة تؤكد بأن ميليشيا &laqascii117o;جيش المهدي" الايرانية الهوى، كانت أول من بدأ الحملة على المسيحيين في البصرة وبغداد.
اما الخطأ الثاني الذي وقع فيه نصرالله فكان محاولته عزل المسيحيين في لبنان وفصلهم عن البعد الوطني العام الذي تنطوي عليه مواقف قياداتهم من شرعية سلاحه، وتحريضهم على بعضهم بداعي ان المشكلة باتت عندهم فقط وتحتاج الى توافق بينهم. وبكلام أوضح، فإما ان تمتنع الاحزاب المسيحية عن التعرض لدولة الامر الواقع التي يديرها، وخصوصا بعد الطعن الدستوري الذي قدمه حزب &laqascii117o;الكتائب" في اعتراف البيان الوزاري بالمقاومة كيانا مستقلاً عن الدولة وداخلها، وإما سيكرر معها تجربة بيروت &laqascii117o;السنية" التي احتلها بالقوة المسلحة.  وقد فات &laqascii117o;حزب الله" ان محاولات مماثلة في الماضي القريب لعزل المسيحيين بسبب مطالبتهم بضبط انتشار السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان وخارجها، وتمسكهم بسيادة الدولة واصرارهم على بقاء قرار السلم والحرب في يدها، منيت بفشل ذريع باعتراف الذين كانوا قائمين عليها، وان تكراره هذه المقاربة للوضع المسيحي تعني انه غير عابىء بتحالفه مع احد اطرافه.
ان تفهم مسيحيي الاكثرية لمواقف زعيم الطائفة السنية سعد الحريري من العلاقة المستجدة مع سورية في اطارها الإقليمي الاوسع، واعتماده صيغة مرنة لبيان حكومة الوحدة الوطنية، لا يفرض عليهم الذوبان فيها، والتراجع عن مواقف مبدئية تلقى تأييد غالبية اللبنانيين.


ـ 'المستقبل'
أسعد حيدر:
نفي موسوي وكروبي والحجر عليهما يؤكدان تنفيذ النظام سياسة 'القبضة الحديدية' ضد كل المعارضة/العقوبات قادمة وتحدي طهران مستمر

تظاهرة يوم عاشوراء في طهران، كسرت المحرمات. تصعيدان حصلا أثناء الصدامات وبعدها. المواجهات التي حصلت بين المتظاهرين حتى ولو كانت أعدادهم محدودة أكدت أن حاجز الخوف قد سقط. المتظاهرون تبادلوا في الشوارع الهجمات مع رجال الأمن من شرطة و'حرس' و'باسيج' بوجوه مكشوفة. الدماء التي سالت في بولفار 'انقلاب' أي 'الثورة'، عمّدت الأحداث بدماء كان من المفترض ألا تسيل في عاشوراء. الخوف الآخر جاء من النظام. شعر الممسكون بمفاصل السلطة من 'المحافظين المتشددين'، أن 'الشرخ' الذي وقع مع إعلان فوز أحمدي نجاد بالرئاسة في 12 حزيران الماضي، يتحول بسرعة الى 'زلزال' خطير بقوة درجته وتردداته.
هذا الخوف الذي تجاوز القلق المعتاد، ترجم بالتفاف 'المحافظين' على مختلف أطيافهم حول النظام. وحدة 'المحافظين' بدت واضحة. لكن الخلاف حول الآلية التي يجب اتباعها أصبح واضحاً. المتشددون صعدوا من مطالبتهم بمعاقبة قيادة 'الانتفاضة الخضراء'. أحد مساعدي المرشد آية الله علي خامنئي طالب 'بإعدامهم'. أحمدي نجاد 'خونهم' وجعلهم 'بوقاً لمؤامرة صهيونية أميركية'. فقط علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الذي طالب بأشد العقوبات ضد المتظاهرين، فرّق بين 'الإصلاحيين وأعداء الثورة'. كلام لاريجاني كان دعوة للآخرين 'للعقل والتعقل'. يبدو أنه شعر بالخطر القادم المتمثل في انخراط النظام كله في اللجوء الى استخدام 'القبضة الحديدية' من دون ضوابط.
كلام لاريجاني شكل دعوة للآخرين من المحافظين المتشددين خصوصاً 'النجاديين' منهم 'للعقل والتعقل' في المواجهة والعقاب. يبدو أن لاريجاني شعر بالخطر القادم المتمثل في انخراط النظام كله في عملية عقاب واسعة لا تفرق بين 'أطياف' المعارضة، التي الأكثرية منها تريد التغيير من داخل 'الجمهورية' وفيها، وبين الذين يعملون لإسقاطها. مثل هكذا سياسة عقاب جماعية، تشكل تصعيداً لن يحل شيئاً. الأخطر أن ينتج عن ذلك انقسام عمودي داخل المجتمع الإيراني يمكّن الخارج من القيام بما لم يقم به حتى الآن، وهو تحويل المواجهة المحدودة بين إصلاحيين تغييريين ومحافظين متشددين الى مواجهة غير محدودة ضد 'الجمهورية'. بذلك تتحول 'الانتفاضة الخضراء' الى 'ثورة' كانت خارج كل الحسابات في 12 حزيران الماضي.
انخراط 'المرشد' في مسار المواجهة الحاسمة له مؤشراته رغم إمكانية انسحابه منها في لحظة معينة. الاعتقالات طالت الدائرة الأولى حول 'الترويكا' القيادية. الشيخ طبسي طالب بـ'وضع الحد' على 'ترويكا' قيادة 'الانتفاضة الخضراء': الرئيس السابق محمد خاتمي والمرشحان للرئاسة مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي. من مجموعة خاتمي اعتقل حسن رسولي ومرتضى حجي، ومن مجموعة موسوي علي رضا بهشتي وقربان بهرديان ومحمد باقريان، الرجل الأول في مجموعة موسوي هو ابن آية الله بهشتي أبرز مؤسسي الثورة الذي كان مرشحاً للعب دور أساسي لو لم يقتل في حادثة التفجير الضخمة ضد 'الحزب الجمهوري'.
كما قتل ابن شقيقه وهو من مساعديه في عملية وصفها أنصار موسوي بأنها عملية 'إعدام مبرمجة'، بينما برأ النظام نفسه منها واعتبرها 'جريمة قام بها الأعداء'. وبالنسبة للشيخ مهدي كروبي فإنه سبق أن اعتقل وحُوكم أبرز مساعديه ومنهم الشيخ أبطحي، كما جرى التعرض له أكثر من مرة، وأخيراً حُوصر منزله بما يفرض عليه الإقامة الجبرية عملياً.
اختار 'المرشد' حلاً وسطاً. القرار بنفي موسوي وكروبي يحول دون اعتقالهما ومحاكمتهما حتى الآن. لكن المطالبة بوضع 'الحد الشرعي' على الآخرين يعني تصعيداً غير مسبوق مع الباقين. التطورات تؤشر الى صدور أحكام قاسية جداً، بعضها الإعدام وتنفيذها فوراً، لفرض موجة من الخوف والذعر. سؤال كبير يبقى مطروحاً: ماذا عن الشيخ هاشمي رفسنجاني، هل يحافظ على صمته و'رأسه'، وهل سيحميه ذلك، وماذا عن عائلته؟
الخوف والقدرة
آلية هذا التصعيد إذا نفذت رغم كل المحاذير والمخاطر، سيقوم بها النظام ليس فقط تحت ضغط الخوف من تطور الشارع الإيراني وإنما لأنه يشعر بقدرته على ذلك أولاً، ولأنه بحاجة شديدة لذلك، خصوصاً أن الظروف تساعده داخلياً وخارجياً في وقت واحد، من ذلك:
إن 'الحرس الثوري' ومعه 'الباسيج' يمسكان الجانب الأمني بقوة، وهما لم يستعملا حتى الآن 'قوتهما' وهما يملكان الكثير منها، ما يضمن ذلك التزامهما الايديولوجي والديني، بعكس الجيش المبعد في الثكنات، وعلى الحدود.
إن 'الانتفاضة الخضراء' لم تستطع بعد أكثر من ستة أشهر من كسر دائرة انتشارها شعبياً وجغرافياً. فالانتفاضة ما زالت محصورة داخل الطبقة المتوسطة التي وإن كانت واسعة وقوية إلا أن من يشعل الشارع فعلياً هي الجماهير الريفية التي ما زالت ساكتة. الدليل على ذلك أن جنوب طهران (حيث الوجود العميق للطبقة الفقيرة) لم يشهد حتى الآن تحركاً شعبياً ولو محدوداً، كما أن المظاهرات لم تصل الى عمق إيران في الريف والمدن الأساسية، وإن شملت في الفترة الأخيرة بشكل محدود أصفهان بسبب وفاة آية الله العظمى حسين منتظري ابن نجف آباد.
إن 'البازار' ما زال خارج كل الأحداث حتى الآن لم يقفل متجر واحد احتجاجاً على ما يحصل. مشاركة 'البازار' في المعارضة أكثر من ضرورية لكي يقع التحول الكبير.
إن المؤسسة الدينية شبه ساكتة رغم وجود بعض المعترضين من آيات الله. وفاة الشيخ منتظري أفقدت قم 'الجامع المانع' للمعارضة داخل المؤسسة الدينية. المعارضون الباقون لا يملكون الجرأة كما يبدو للقيام بدورهم. طوال العشرين سنة الماضية جرى 'تفريغ' المؤسسة الدينية من 'المراجع' القادرة على الجمع والجرأة في التمثيل.
خارجياً، الغرب وعلى رأسه واشنطن وباريس المتشددة يشعر أن دعم المعارضة بقوة، سيعطي نتائج عكسية داخل إيران، لأن النظام 'سيشرع' قمعه بتأكيده لـ'عمالة المعارضة للغرب'. كما أن باريس وواشنطن تعتقدان أن النظام قادر على استثمار الملف النووي 'سلاحاً' لتوحيد الشعب الإيراني حوله. أخيراً وهو الأخطر أن بعض الدوائر الغربية 'لا تعتقد فعلاً بقدرة الشارع الإيراني على التغيير استناداً الى ما يحصل حالياً'.
الغرب (وتحديداً باريس وواشنطن) أصبح قلقاً من فرض عقوبات جديدة على إيران لأن النظام سيستخدمها لتأليب الشعب الإيراني حوله بدعوى أن الغرب 'يريد تجويعه وضرب عزته'. إضافة الى أن الغرب كله يعرف جيداً أنه حتى ولو انضمت روسيا الى العقوبات، فإن إيران ليست العراق، حدودها مفتوحة مع الدول المحيطة بها، وهي قادرة على كسر العقوبات عملياً. كل ما سيحصل أن كلفتها ستكون أكبر.
النظام الإيراني يعلم جيداً حراجة الموقف الغربي ويثق بقدرته على المناورة والذهاب بعيداً في التصعيد داخلياً وخارجياً في وقت واحد. لذلك فإن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التصعيد في استخدام القوة. الحل السياسي ما زال بعيداً. وعلى الرغم من الثقة الزائدة للنظام فإن عقبه 'نقطة اخيل'، وهي قاتلة، إما بسبب خطأ في الحسابات، وإما لأن كل ذلك يقود نحو 'عسكرة' النظام، خصوصاً وأن تفريغ قم من الأسماء القادرة على خلافة المرشد آية الله علي خامنئي سترتد ضد نظام 'ولاية الفقيه'.
الحل الأمني قد يدفع نحو فرض الهدوء على الشارع الإيراني. السكون سيكون موقتاً، كمثل سكون البراكين التي تهمد لتنفجر أحياناً في أسوأ الأوقات.


ـ 'المستقبل'
خلدون عريمط:
أما وقد سقط الإمام الحسين شهيداً فالأمة بعدها الى أين؟

 (...) ولنتوقف عند نهاية الحلقة الرابعة من الخلافة الراشدة باستشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، حيث كانت البداية للخلل البنيوي الذي أسس للحركة الحسينية، وإرهاصاتها التي عاشها الحسين رضي الله عنه، وهو في ربيع شبابه، حين احتدم الصراع بين منطق الإمامة الدينية التي قادها الخليفة الرابع أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، وبين منطق الدولة الدنيوية التي أرادها وعمل لها والي الشام آنذاك، الصحابي معاوية بن ابي سفيان، ومن المؤسف أن الزمان والمكان، كانا للدولة الدنيوية، لأن الارستقراطية القبلية القرشية باتت عاملاً مؤثراً في سياسة الحكم آنذاك، ولأن المنطق القبلي العربي بدأ يظهر مجدداً مع مشروع الدولة الدنيوية، الذي نادى به والي الشام في حينها. فجمهور المسلمين (يريدون علياً رضي الله عنه، لأنهم يخشون سلطان بني أمية، أما البعض فإنهم يخشون علياً رضوان الله عليه، وعدله واستقامته).
وباستشهاد الخليفة الرابع عليّ كرّم الله وجهه، يسيطر على الحكم مشروع الدولة الدنيوية، ويشهد الحسين وقبله الحسن ابنا الإمام الشهيد وصية الأب الإمام، والتي بعضها (يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل، في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضى والغضب..)، وبذلك يدرك الإمام الحسين أنه يحمل أمانة الإصلاح والتصحيح وكلمة الحق، بعد تنحي الإمام الحسن رضي الله عنه.
وعندما تنزلق مسيرة الحكم في العهد الأموي نحو الهوى والأنا، يكتب الإمام الحسين رضي الله عنه، لمن تسلم مقاليد الحكم والسلطة من بني أمية، وهو الحريص على وحدة المسلمين، وجماعتهم (أنظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد، واتق شق عصى هذه الأمة، واني لا أعلم فتنة لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم، أفضل من أن أجاهرك، فإن فعلت فإنها قربة الى الله، وإن تركته، فإني أستغفر الله لديني، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري). ويستمر الإمام الحسين داعياً، وحاملاً لأمانة الإصلاح والتصحيح بقوله على أثر أخذ الخليفة الأموي معاوية البيعة لإبنه يزيد (ما أراك إلا قد خسرت نفسك، وبتّرت دينك، وغششت رعيتك)، والموقف آنذاك من الإمام الحسين، صرخة مؤمن ومؤتمن، على منطق الإمامة الدينية في وجه الدولة الدنيوية، كما أنه من وجه آخر (بيان لحقوق الناس التي لا يمكن التغاضي عنها، مهما كلف الأمر).
ويكشف موقف الإمام الحسين جانباً من أسباب الحركة التي قادها مصححاً لمسيرة حكم دنيوي هوى نحو 'أنا وهوى حكّامه'، وهو القائل على أثر خروجه من مدينة جدة الى سواد العراق (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، أصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين).
عوامل الهوى والأنا تجمعت، وأسباب التصحيح والإصلاح اكتملت بنداءات ودعوات المناصرين لسبط رسول الله، لأن ينهض لحمل الأمانة، لا سيما وأن أهل الكوفة ومن جاورها.. قد كتبوا اليه يقولون (إن هناك مائة ألف ينصرونك) بل يناصرون ويدعمون تصحيح المسار، فهل يتخلف الإمام الحسين؟، والتصحيح في صلب رسالة جده محمد الرسول، عليه الصلاة والسلام، والإمام الحسين خرج ولم يتخلف، وهو القائل للقوم (إنني جئتكم ملبياً ما دعوتم إليه).
ومن الغريب والمستغرب، أن الانكفاء كان ممن ناصروه، وممن طالبوه بالتحرك. وأدرك سبط رسول الله، مغريات الدنيا على أنصاره، فقال لهم وهو في بداية معركته مع حكم بني أمية (من أحب منكم أن ينصرف فلينصرف، ليس عليه منّا ذمام)، فتفرقوا إلا أهل بيته وقليل ممن تبعوه في الطريق.
فكانت المأساة بالمسلمين على أرض كربلاء في سواد العراق، وسقط الإمام الثائر شهيداً، بعد أن أعلن كلمة الحق قولاً وفعلاً في العراء، وعلى رمال الصحراء، وفي مواجهة خصومه وهوى حكامهم، وجرى دمه الطاهر مع صحبه في التراب، لينبت شرخاً وخلافاً وفتناً امتدت آثارها وتداعياتها، على مساحة الأمة الإسلامية وأماكن تواجدها، منذ مئات السنين وإلى أمد غير منظور.
ولئن انتهت ثورة الإمام الحسين بالشهادة، وهي أعلى وسام يبتغيه المؤمن، لأن الشهداء في اعتقادنا مع الأنبياء والصديقين، فكيف إذا كانت الشهادة من سبط رسول الله لتصحيح مسار الأمة، وحكمها ودولتها؟ وكيف إذا كان الشهيد حفيد رسول الله؟
ومن هنا فإن دعوة الإمام الحسين وحركته الإصلاحية الهادفة للتوحيد والوحدة، ستبقى مضيئة بآثارها وأهدافها، ضمير ووجدان هذا الشرق العربي والإسلامي المكلوم ما دام الناس عبيداً لدنياهم، وما دام الحاكم عبداً لنزواته وأهوائه في كل زمان ومكان، وسيبقى الإمام الحسين، رمزاً لكرامة الشهادة وكرامة الأسرة النبوية الهاشمية، فهو الشهيد ابن الشهيد، أبو الشهداء في مئات من السنين.
صحيح أن الأمور استقرت للعهد الأموي بعد استشهاد الإمام الثائر، لكن الصحيح أيضاً أن روح الثورة التي قادها الإمام الحسين، بقيت تلهب مشاعر المؤمنين والأحرار، وقدّمت للإنسان نهجاً وممارسة جديدة في نكران الذات، فكانت عوناً له في جهاده لإصلاح وتصحيح مسيرة الحياة.
واستشهاد الإمام الحسين يعني لنا معشر المسلمين أن: لا استسلام ولا مساومة على العقيدة والأرض والتاريخ والوجود.
وأن لا مهادنة مع الظالمين والمحتلين، فكيف إذا كان الظالم مغتصباً للأرض والمقدسات والثروات في فلسطين والعراق وبقية الأقطار، وكان حائلاً دون تكامل الأمة وتضامنها ووحدتها؟!
ونحن على يقين، بأن روح الشهادة الحسينية المستمدة من تعاليم الإسلام وشموليته متجسدة الآن في ضمير ووجدان كل مقاوم في القدس وفلسطين من البحر إلى النهر، وفي كل أرض عربية وإسلامية تئن من الحصار والظلم والجبروت، وروح الشهادة هذه أراها في كل حامل لقضية الأمة ووحدتها وبناء نهضتها وعمرانها وقوتها، وكرامة وتعلم أبنائها.
وإذا كانت شهادة الإمام الحسين، في أسسها ومنطلقاتها، هادفة لتصحيح مسار بناء الدولة والأمة بعد انزلاقها، فإنها في الوقت نفسه تأبى إلا أن تكون مجسّدة لآمال العرب والمسلمين في توحيد كلمتهم، وتلاقي إرادتهم لتحقيق التكامل والاتحاد بين الأقطار العربية والدول الإسلامية.
فأرض العرب واحدة، ودار الإسلام واحدة، وعقيدة المسلمين واحدة، وقبلة المسلمين واحدة، ورب العالمين يقول لنا (إن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فأعبدون).
فلتكن ذكرى استشهاد الإمام الحسين منطلقاً لنا في لبنان، وفي بلاد العرب، للخروج من كهوف المذهبية ومغاور الطائفية، لبناء الدولة الحديثة بمؤسساتها وإنسانها المؤمن، لا دولة الأشخاص والمصالح ولا دويلات الأمر الواقع، بل الدولة التي تحمل القضية، قضية البناء والإعمار، والتي تميز بين العدو والصديق وتبني الإنسان المفعم بدوره وهويته، وتاريخه، ووجوده.
علمنا الإمام الحسين كيف نعتنق المبادئ ونحرسها، وكيف نحمي العقيدة، وكيف نموت ونحيا من أجلها.
وماذا بعد ذكرى استشهاد الإمام الحسين التي نتذكرها في العاشر من محرّم من كل عام، ومنذ ما يقارب الألف وأربعمائة عام:
هل تجسّدت ذكرى هذا الاستشهاد، في الدعوة إلى وحدة الأمة، أم في تمزيقها؟
وهل تجسّدت ذكرى هذا الاستشهاد في الالتزام بشرع الله، المستمد من كتاب الله وسنّة نبيه؟ أم في البدع والعادات والتقاليد التي يرفضها الإمام الحسين وجدّه، ومَن جاء بعدهما من الصحابة والأئمة الأخيار؟
وإلى متى ستبقى هذه الذكرى المؤلمة، محطة لجلد الذات والثأر من الماضي والتاريخ، وشعاراً يتباكى البعض عليه وحوله، ويردد: ليتنا كنا معك لنفوز بالشهادة؟!
فاستشهاد الإمام الحسين، ما كان في سبيل عائلة أو مذهب أو طائفة أو فئة، وإنما كان في سبيل عقيدة ووحدة، وفي مواجهة هوى السلطان، وأنا السلطة.
والشهادة روح جهادية تذوب فيها الذات وعقدة الأنا لتنتصر المبادئ، وهي لكل ثائر في مواجهة الظلم في كل زمان ومكان.
فليتنا نرتقي جميعاً، في ذكرى استشهاد الإمام الحسين، لنكون أبناء صادقين لمدرسة النبوّة وعقيدة الإسلام التي جاء بها القرآن الكريم، بعيداً عن البدع والانحرافات والاستفزازات والغايات التي يرددها البعض تحقيقاً لمكاسب آنية، وطموحات مذهبية واقليمية، وضرباً لوحدة المسلمين، بل تمزيقاً لبلاد العرب والإسلام.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد