قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 4/1/2010

- 'النهار'
حرب المدنيين
بقلم رنده حيدر:

شهدت التهديدات الإسرائيلية الموجهة الى لبنان في الآونة الأخيرة تغيراً نوعياً بالمقارنة مع الأشهر السابقة. فبعد حرب 2006، ركزت التهديدات على أن أي هجوم جديد قد يبادر اليه 'حزب الله' على إسرائيل، سيواجه برد قاس يطول كل البنية التحتية في لبنان. بعدها ارتفعت نوعية التهديدات، وصار حصول الحزب على منظومات دفاعية ضد سلاح الجو الإسرائيلي خرقاً 'لتوازن الردع' القائم على الجبهة الشمالية لإسرائيل، وبالتالي يشكل ذريعة لرد عسكري إسرائيلي عنيف يطول كل لبنان أيضاً.في المدة الأخيرة طرأ تبدل نوعي آخر على تهديدات السياسيين والعسكريين الإسرائيليين للبنان، فبات استمرار الحزب في عمليات تسلحه، قد يتحول سبباً لاندلاع مواجهة عسكرية جديدة على الجبهة الشمالية.لا تحتاج إسرائيل الى ذرائع لشن الحرب، وتاريخ الحروب الإسرائيلية على لبنان مليء بالأمثلة والنماذج.

ولكن على الرغم من كل حملات التخويف الإسرائيلية، هناك حقيقة لا يمكن التهرب منها هي أن المواجهة العسكرية المقبلة بغض النظر عن الطرف الذي سيتسبب بها ستكون حرباً ساحتها الجبهات الداخلية والمدنيين من الطرفين، وليس الجبهات التقليدية للقتال.لقد كان هذا أهم درس استخلصه العسكريون الإسرائيليون لدى مراجعتهم لأنماط الحرب غير المتكافئة'Asymmetric warfare' التي شكلت حرب تموز 2006 خير نموذج عليها. فلقد اثبتت وقائع هذه الحرب، وعملية 'الرصاص المسبوك' على غزة في كانون الأول 2008، أن استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية والسكان المدنيين، بصواريخ الكاتيوشا والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى التي لدى 'حزب الله'، بالاضافة الى صواريخ القسام التي تملكها 'حماس'، شكل الى حد ما، مقابلاً للتفوق العسكري الهائل للجيش الإسرائيلي في المجال الجوي، والاستخباري، والتكنولوجيا العسكرية.

كما أثبتت حربا لبنان وغزة ان باستطاعة سوريا وإيران خوض حربهما ضد إسرائيل بالواسطة، من دون أن تدفعا ثمناً لذلك، وأبرز دليل على ذلك استمرارهما في تسليح 'حزب الله' وحركة' حماس' استعداداً للمواجهة المقبلة التي يكثر الإسرائيليون من التحذير منها.تعمل إسرائيل انطلاقاً من فرضية أن الحرب واقعة لا محالة. ووفقاً لما تنشره الصحف ومراكز الأبحاث وما يقوله قادة الجيش الإسرائيلي أنفسهم، هناك اكثر من سيناريو: بدءاً من تصعيد مفاجىء من جانب 'حماس' في غزة، وانتهاء بهجوم عسكري تشنه إيران عليها 'عن بعد، وعن قرب'، بواسطة صواريخ القسام من غزة والكاتيوشا من لبنان وصواريخ 'شهاب' من إيران. وهم لا يستبعدون في مرحلة من المراحل دخول سوريا على خط المواجهة، التي ستتحول مواجهة ثلاثية بين إسرائيل من جهة وإيران وسوريا وحليفيهما في المنطقة 'حزب الله' و'حماس' من جهة أخرى.

وهذه المواجهة ستستهدف بالدرجة الأولى المدن الكبرى والتجمعات السكانية، قبل المواقع العسكرية.منذ أكثر من ثلاثة أعوام يعكف قادة الجيش الجيش الإسرائيلي على تطوير نظرية قتالية جديدة لمواجهة مثل هذه الحرب 'غير المتكافئة' التي تستهدف المدنيين، ولوضع حد لحروب الواسطة التي تخوضها سوريا وإيران ضد إسرائيل منذ اعوام. ولهذا الغرض بدأوا العمل  على اعداد الجبهة الداخلية، وعلى تحسين نوعين من الدفاع: 'الدفاع الفعال' وذلك عبر نشر شبكة صواريخ 'حيتس' الإعتراضية، وتطوير 'القبة الحديد'؛ و'الدفاع السلبي': عبر تطوير صفارات الإنذار، وحالات الطوارىء، وتوزيع الأقنعة المضادة للغازات. لكن على الرغم من كل الجهود والأموال التي صرفت حتى الان ووفقاً لاعتراف المسؤولين المولجين هذه المهمة، فإن اعداد الجبهة الداخلية الإسرائيلية للحرب المقبلة لن ينتهي قبل شهر أيار المقبل.

من ناحية أخرى يبحث المسؤولون الاسرائيليون في ايجاد الرد الناجع على حروب الواسطة التي خاضتها إيران وسوريا ضدهم، وهم حتى الان لم يتوصلوا الى حل. من الممكن ادخال عملية القصف الإسرائيلي للمنشأة النووية السورية في دير الزور عام 2007 في هذا الإطار، ولكن لا يعدو هذا أن يكون حادثة محدودة في وضع اكثر تعقيداً بكثير.يمكن القول ان جزءاً من التهديدات الإسرائيلية بضرب البنى التحتية في لبنان، يهدف الى ردع 'حزب الله' عن استخدام شبكته الصاروخية ضد الأهداف المدنية الإسرائيلية في الحرب المقبلة، ومحاولة إسرائيلية لتغيير أشكال المواجهة العسكرية المقبلة.


- 'النهار'
الحرب واقعة أم لا؟
بقلم هشام أسعد(عميد ركن متقاعد):

تنشغل الاوساط الدولية والمحلية بالتحليلات والتوقعات التي تدور حول وقوع الحرب على لبنان ام لا. فقد ابلغ المسؤولون السعوديون بعض الاصدقاء في لبنان بحتمية وقوع هذه الحرب وبالتحديد بين الربيع والصيف المقبلين.وتحدث السفير المصري علنا للبعض الآخر، وطبعا هو ينقل وجهة نظر حكومته، ان الحرب واقعة لا محالة، وكذلك فعلت الاوساط الفرنسية التي ابلغت الى احد نواب كتلة 'الوفاء للمقاومة' اثناء زيارته باريس بجدية النيات الاسرائيلية بشن عدوان على لبنان، ناهيك بسمير جعجع الذي توقع شن هذه الحرب وادلى بتصريحات عدة في هذا الشأن.

وكوننا لا نؤمن بالتنجيم، فاننا نرى ان حلفاءه الاميركيين في الداخل والخارج قد وضعوه في صورة وربما تفاصيل هذا العدوان...فـ'حزب الله' لا يعطي اسرائيل ذريعة لهذا الاعتداء المزمع، فلا مظاهر مسلحة على الحدود معها، ولا يمكن ان ترى مقاتلا ظاهرا للعيان، او لاجهزة المراقبة الجوية، لا بطارية صواريخ يصورها احد العملاء المدسوسين بين 'اليونيفيل' او غيرها من الجهات المخترقة امنيا. يبقى الامران الآخران اللذان يزعجان اسرائيل، وقد ترى في احدهما او في الاثنين معا مدخلا الى حربها على لبنان:

الامر الاول: ان القرار 1701 حالو نشر اليونيفيل على الحدود الدولية بين سوريا ولبنان، فرُفض هذا الطلب من كلا الطرفين اللبناني والسوري آنذاك، والآن عاد الاسرائيلي للضرب على هذا الوتر، وقد حدد لعملياته اهدافا منتشرة على طول هذه الحدود، ولكن تهديد سوريا بان ضرب اي هدف على الحدود يعتبر اعتداء على سيادتها، وهي بالتالي تحتفظ لنفسها بالرد المناسب،  اوقع الاسرائيليين في حيرة من امرهم. فتهريب الاسلحة عبر هذه الحدود يستمر، ويستمر معه قلقهم المتزايد، وفي الوقت نفسه لا يريدون حربا مع سوريا وسيحاولون جاهدين عن طريق السياسة الدولية الحصول على ضمانات بعدم التدخل السوري في حال نشوب هذه الحرب.

الامر الثاني: هدد الاسرائيليون مرارا بان اي حكومة وفاق وطني في لبنان يشارك فيها 'حزب الله' ستتحمل امام اسرائيل والمجتمع الدولي المسؤولية عن حماية هذا الحزب الموضوع  على لائحة الارهاب الاميركية الصنع. لذلك قد تكون في رأيي بعض المؤسسات الحكومية هذه المرة اهدافا للاعتداءات الاسرائيلية انتقاما من هذه الحكومة التي شرعنت المقاومة ضدها في بيانها الوزاري، وليس مستبعدا عن اسرائيل سلوك هذا المنحى طالما انها تملك الوسائل وتحظى بدعم المجتمع  الدولي الذي يديره اللاعب الاميركي بجهاز التحكم عن بعد...يبقى الامر الاكثر اهمية وهو حساب نتائج هذه الحرب، فاسرائيل واميركا وكل اجهزة الاستخبارات الاوروبية والعربية والمحلية المتعاونة معها لا تملك معلومات دقيقة عن الامكانات التي يملكها 'حزب الله' والاساليب التكتية الحديثة التي قد يعتمدها في التصدي للعدوان والرد عليه، فكل جديد عند الحزب يقلق اسرائيل ويدفعها الى مراجعة حساباتها مجددا، في ضوء ما يردها من معلومات، فهل امتلك فعلا اسلحة دفاع جوي متطورة؟ فكيف يمكنها والامر كذلك ان تخوض حربا تعتمد فيها على تفوقها الجوي؟ وهل في نية 'حزب الله' استنادا الى المفاجآت التي وعد بها امينه العام السيد حسن نصرالله ان ينقل المعركة الى داخل الاراضي الفلسطينية؟

اضف الى ذلك التحليلات الاستراتيجية والعسكرية التي يدلي بها من وقت الى آخر بعض المحللين الاسرائيليين والاميركيين والتي تركز على عدم جهوزية الجيش الاسرائيلي لشن حرب على 'حزب الله' من دون ان استبعد من تفكيري انه قد يكون القصد من بعض هذه التصريحات خداع الحزب وتضليله والايحاء له ان يستكين ويرتاح، لحرمانه عامل اليقظة ومباغتته بهجوم مفاجئ يزعزع كيانه ويمنعه من استيعاب الصدمة، مع يقيني ان هذه الايحاءات لا تجدي نفعا مع قادة المقاومة لانهم ليسوا من النوع الذي ينام على حرير ولا سيما مع عدو غادر ومخادع كاسرائيل التي عودتهم دائما ان يأخذوا في حساباتهم اسوأ الاحتمالات.وامام هذا الجهل في مجال الاستعلام التكتي عن عناصر القوة كافة عند 'حزب الله'، وامام يقظة الحزب وعدم كشف نياته، وامام وعيه لكل ما يقال وما يجري؛ فالحسابات الاسرائيلية تبقى ناقصة وغير دقيقة، وبالتالي فهي مضطرة كما قال سيد المقاومة للتفتيش عن ضمانات النصر. وعليه فان الحرب على لبنان مؤجلة، والا فاسرائيل ستقوم بمغامرة غير محسوبة... قد تكون نتائجها قاسية اكثر على الكيان الصهيوني هذه المرة.


- 'الحياة'
رغيد الصلح: للحرية كلفة غالية فهل ندفعها؟
بقلم هشام أسعد(عميد ركن متقاعد):

لا يكاد يمضي يوم من دون ان يسمع المسؤولون اللبنانيون كلاماً اسرائيلياً غير مطمئن حول احتمالات الحرب مع لبنان. ففي آخر كانون الثاني (يناير) المنصرم اعلن يوسي بيليد الوزير من غير وزارة في حكومة نتانياهو ان الحرب &laqascii117o;الى الشمال" مؤكدة خلال الأشهر المقبلة. وبعدها بأيام قليلة اطلق رئيس الحكومة الإسرائيلية وعداً يثير المخاوف لا في لبنان فحسب بل في المنطقة عموماً اذ قال لإذاعة الجيش الإسرائيلي انه يعتزم احضار مليون مهاجر يهودي من الشتات وإن هذا المشروع يتطلب تحويل اسرائيل الى &laqascii117o;دولة اقليمية عظمى". هذه &laqascii117o;الرؤية" قد تكون اشبه بـ &laqascii117o;الفيل الأبيض" كما وصفها احد المحللين، ولكنها في مطلق الأحوال تعبّر عن تطلعات نتانياهو. وهذه التطلعات لها نتائج تترتب عليها.

فكل دولة اقليمية عظمى تفكر عادة في مدى حيوي لها يؤمن لها المواد الخام واليد العاملة الرخيصة والأسواق الاستهلاكية، تماماً كما كان ادولف هتلر ينظر الى العالم السلافي المجاور وصولاً الى روسيا السوفياتية. ان هذه الكلمات والتصريحات، سواء ما تعلق منها بالمستقبل القريب او البعيد، جديرة بأن تثير المخاوف المضاعفة في بلد مثل لبنان يجاور اسرائيل، ولا تملك دولته من اسباب دفع العدوان وردع المعتدين الا الأسلحة والإمكانات العسكرية المحدودة. وهذه الكلمات والأقوال لا تثير الهم والغم عندنا فحسب، ولكنها جديرة ايضاً بأن تدفع المسؤولين وأولي الأمر الى التفكير في طرق تعزيز القوات المسلحة اللبنانية، وتطوير قدراتها. وفي هذا السياق، فإنه من المتوقع ان يكون الإعراب عن رغبة لبنان في الحصول على اسلحة متطورة واحداً من اهم الموضوعات التي سوف يطرقها الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان خلال زيارته المرتقبة الى روسيا. كما انه من المعتقد ان هذا الموضوع هو في مقدمة المواضيع التي يبحثها وزير الدفاع اللبناني الياس المر خلال زيارته الى واشنطن. وقبل هذا وذاك، كان موضوع طلب المساعدات التسليحية من المواضيع التي استأثرت بجزء وافر من المحادثات التي أجريت بين الرئيس سعد الحريري والرئيس الفرنسي ساركوزي خلال زيارة الأول الى باريس.

في محادثات المسؤولين اللبنانيين مع الزعماء الأطلسيين، بل وحتى مع بعض الزعماء الدوليين من امثال الرئيسين مدفيديف وبوتين في روسيا، فإنه من الأرجح الا يبرر الحرص على حماية الأراضي اللبنانية من اسرائيل طلب الأسلحة المتطورة من هذه الدول. ذلك ان الزعماء الأطلسيين لا يحبون ان يسمعوا من زعماء عرب او غير عرب ان اسرائيل هي دولة عدوانية تهدد جيرانها. وإذا طالب الزعماء العرب، ومنهم اللبنانيون، بالسلاح المتطور خوفاً من اسرائيل وبغرض مقاومتها، فإنهم لن يحصلوا على شيء منه. ان اسرائيل هي &laqascii117o;بنيامين" العالم الأطلسي. وما من زعيم من زعماء الأطلسي يجرؤ على ان يقدم سلاحاً متطوراً الى دولة لا تزال تعتبر نفسها في حالة حرب مع اسرائيل. كذلك ما من زعيم اطلسي يجرؤ على ان يقدم سلاحاً متطوراً قد يحد من تفوق اسرائيل الساحق على العرب مجتمعين ومتفرقين. وهذا الموقف لا يحكم موقف زعماء الدول الأطلسية فحسب، بل يحكم ايضاً الدول غير الأطلسية التي تحاول بناء علاقات سوية مع دول الأطلسي. ومن هنا يمكن اعتبار تبرع الحكومة الروسية بعشر طائرات &laqascii117o;ميغ" مبادرة جريئة واستثنائية قد لا تتكرر.

ومع أخذ واقع العلاقة بين اسرائيل والدول المصدرة للأسلحة المتطورة في الاعتبار، فإن من الأرجح ان يطالب الزعماء اللبنانيون عند الحديث عن حاجات بلادهم، بأسلحة تعزز قدرة الجيش اللبناني على مكافحة الإرهاب الدولي الذي بدأ يمد شباكه الى الأراضي اللبنانية. حتى في هذه الحال، فإن الطلبات اللبنانية سوف تتعرض لتدقيق شديد. ذلك انه ليس للبنان ان يحصل على اسلحة تصلح لمواجهة الإرهاب وإسرائيل معاً. كذلك لن تعطى القوات اللبنانية المسلحة اسلحة فعالة &laqascii117o;قد تقع في يد الإرهابيين"، كما يردد اصحاب القرار في الدول الأطلسية. في ضوء هذين التحفظين، اي نوع من السلاح يمكن أن يحصل عليه لبنان من الدول الأطلسية اذن؟ سلاح متواضع، له قيمة رمزية في ساحات المعارك، بالكاد يصلح للاستخدام في &laqascii117o;الحروب" مع منظمات الإرهاب، فما بالك في الحروب مع اسرائيل، وفي حماية ارض لبنان وأجوائه ومياهه اللإقليمية من الانتهاكات المتكررة التي تقوم بها؟هل يعني ذلك ان تكف الدولة اللبنانية عن السعي الى تطوير قدرات قواتها المسلحة؟ كلا. على رغم هذه الصعوبات والعقبات، فإن من واجب الدولة ان تحمي ارض الوطن، ومن واجبها ان تواصل العمل على النهوض بالجيش اللبناني وبقدراته. وإذا تعذر الحصول من الدول الأطلسية على السلاح المتطور، فإن من المستطاع التفكير بالحصول عليه من دول اخرى على ان لا يكلف ذلك لبنان كلفة سياسية باهظة.

فضلاً عن ذلك والأهم منه، انه باستطاعة لبنان ان يطور قدرات جيشه من طريق زيادة عديده. هذا الهدف يمكن تحقيقه عبر الوسيلتين التاليتين: الأولى، هي بذل المزيد من الجهد من اجل اجتذاب الشباب للالتحاق بالقوات المسلحة. هذا الأمر يتطلب إعمال مخيلة المسؤولين. من الوسائل البديهية التي لجأت اليها العديد من الدول التي تحتاج الى تعزيز قدراتها المسلحة زيادة رواتب المجندين بحيث توفر لهم ولعائلاتهم مستوى معيشياً لائقاً. كذلك لجأت هذه الدول الى تقديم سلسلة من الخدمات والضمانات التي تشكل حافزاً للمواطنين الشباب للانضمام الى القوات المسلحة. وفي بعض هذه الدول، يحبذ الشباب الانضمام الى القوات المسلحة حيث انهم يعلمون انهم عندما يبلغون سن التقاعد فإن الجيش سوف يعمل على تأمين عمل لائق لهم. كذلك وجدت بعض الدول التي كانت تسند الى المجندين مهمات ذات طابع خدمي لدى بعض المسؤولين، ان من الأفضل حصر هذه المهمات في اضيق نطاق، ان لم يكن صرف النظر كلياً عن الحاق المجندين بهذا النوع من الأعمال. اما اذا كانت هناك حاجات ماسة من هذا النوع فإنها تلبى من خلال الإعلان عن وظائف شاغرة في المجالات الخدمية تحديداً، وبعيداً من الخلط بينها وبين مهمات المجندين في الجيش.الوسيلة الثانية هي تطبيق خدمة العلم. لقد كان مجرد الحديث عن هذه الفكرة يثير ردود فعل غاضبة لدى بعض الأوساط.

ولكن الأجواء اخذت تتغير في الآونة الأخيرة. فالبطريرك الماروني نصرالله صفير دعا الشباب المسيحي بصورة خاصة الى الالتحاق بالجيش. وقدمت منظمة لبنانية شبابية ناشئة اطلق عليها اسم &laqascii117o;المستقلون" مشروعاً بعنوان &laqascii117o;مشروع الخدمة المدنية الإلزامية". اضافة الى ذلك اقترح الرئيس نبيه بري اعادة تطبيق الخدمة الإلزامية في الجيش، وذلك في معرض اشارته الى امكانية تهيئة الأجواء للنظر في الغاء الطائفية السياسية.كان من الأفضل لو ان البطريرك صفير حض الشباب اللبنانيين من جميع الطوائف على الالتحاق بالقوات المسلحة اللبنانية، كذلك لم يكن هناك من تفسير لاقتصار المشروع الذي قدمه &laqascii117o;المستقلون" على الخدمة المدنية من دون العسكرية. اخيراً لا آخراً، فإنه حبذا لو وجه الرئيس بري نواب &laqascii117o;كتلة التنمية والتحرير" التي يتزعمها لكي تتقدم الى المجلس النيابي بمشروع حول اعادة تطبيق خدمة العلم. ان الكتلة سوف تقدم خدمة كبيرة للبنان ولقواته المسلحة اذا تمكنت من وضع مشروع بهذا الصدد يخلو من الأخطاء التي جاءت في القانون القديم والذي سمح بتكتيل قوى سياسية وشبابية ضده. ان بعض الانتقادات التي وجهت الى المشروع القديم كانت في محلها. وبعض الذين عارضوا العودة الى ذلك المشروع امتلكوا اسباباً وجيهة لموقفهم هذا.

ومن المفروض اخذ تلك الانتقادات بعين الاعتبار عند وضع مشروع جديد لخدمة العلم. ما عدا ذلك، فإن الذين يريدون من الدولة اللبنانية ان تحمي أراضي الوطن، والذين يريدونها ان تزرع الروح الوطنية في نفوس الناشئة وأن تحميهم من التعصب الديني، والذين يريدونها ان تؤمن الاستقرار في مدن لبنان وقراه، الذين يريدون كل ذلك من دون ان يتكلفوا شيئاً ومن دون ان يقدموا اية تضحية، فإنهم يعبرون عن نزعة انانية جامحة لا علاقة لها بالشأن الوطني او بالمناقشات الجادة حول قضية خدمة العلم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد