- صحيفة 'النهار'
بقلم عادل الشجاع (استاذ جامعي ومحلل سياسي يمني):
ينتسب الحوثيون إلى المذهب الزيدي الذي انتشر في اليمن قبل ألف عام تقريباً، وخاصة مع بداية تدهور الدولة العباسية وتحديداً أثناء الصراع الذي جرى بين الأمين والمأمون. ولأن المذاهب الدينية لا تنتشر إلا بالنفوذ السياسي، فقد قام تأسيس هذا المذهب على أسطورة الصراع الذي دار بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب، حيث صٌنعت الأحاديث وتم تفسير النص القرآني من خلالها بهدف الاستئثار بالحكم.
لقد دخل المذهب الزيدي إلى اليمن على يد يحيى بن الحسين الذي لقب نفسه بـ'الهادي' في نهاية القرن الثالث الهجري. ولكي يستأثر بالحكم وسط مجتمع قبلي كان لا بد من طرح أحقية آل البيت في خلافة النبي.ومع قدوم الهادي كان الصراع القبلي على أشده، فكان لا بد من خلق أسطورة مذهبية تعطي للصراعات السياسية على السلطة بعداً مقدساً يؤصّل لأحقية آل البيت في الحكم، لهذا فقد أطلق على نفسه لقب الهادي إلى الحق. بمعنى أن الذين ينضون تحت قيادته هم أصحاب الحق والآخرون هم الباطل والضلال.وقد استمر حكم هؤلاء الأئمة حتى قيام ثورة 26 ايلول 1962م.
وخلال هذه الفترة أغلقت المناطق على تعريف مذهبي واحد يخص كل منطقة على حدة، فتعز، وإب، والمحافظات الجنوبية والشرقية وتهامة مناطق سنية شافعية، مع وجود أقلية شيعية إسماعيلية محدودة. بينما صنعاء وذمار والمحافظات الشمالية تعد مناطق شيعية زيدية، باستثناءات أقلية سنية شافعية محدودة. ولم يحدث أن حدث صدام بين المذهبين، فقد تعايشا جنباً إلى جنب عبر تاريخهما. وبالرغم من ذلك فقد كان حضور 'الزيدي' في وعي الشوافع كخصم يتم استدعاؤه في المخيلة الشعبية وفي الريف تحديداً. ولكي نكون منصفين نقول إن المذهب الزيدي يعد من أكثر المذاهب انفتاحاً على العقل، ويشهد على ذلك العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني. والمذهب يعد نسقاً مفتوحاً للتطوير والإثراء. وقد ظهر داخل هذا المذهب من اقترب من الفكر السلفي السني أمثال العلامة الشوكاني وهناك من غالى وقتل الكثير من رعيته أمثال الإمام عبدالله بن حمزة حين أنكر بعض رعيته أن يكون الحاكم من نسل الحسن والحسين. لعبت السياسة دوراً كبيراً في اجتراح الأساطير لتعزيز شرعية الحاكم، بهدف إسقاط الآخرين. لذلك جاءت حركة الحوثي كحركة سياسية، لكنها حاولت أن تعزز مطالبها بقناع مذهبي حتى تجد لنفسها أنصاراً ينساقون مع أساطيرها. ويعد بدر الدين الحوثي الأب الروحي للحوثية. فقد رحل إلى طهران وأقام بها عدة سنوات. ويعد ابنه حسين القائد الميداني حيث انتخب عضواً في مجلس النواب ممثلا عن حزب الحق في 93-97 الذي تأسس عام 1990م. التقى بقيادات إيرانية، كما بقيادات من 'حزب الله' اللبناني. تأثر بثورة الخميني، وخضع لدورات أمنية وسياسية وغيرها في لبنان على يد 'حزب الله' وفي إيران على يد الحرس الثوري الإيراني. بدأت إيران تساعد الحوثيين بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران مباشرة. ووجدت إيران أن تصدير الثورة إلى السعودية لابد أن يمر من طريق اليمن وتحديداً من صعدة عاصمة الحوثية المؤمنة بأفكار الثورة الإيرانية.
وقد فطنت المملكة العربية السعودية إلى ذلك فحاولت استقطاب الشيخ مقبل الوادعي وأقنعته بمغادرة المذهب الزيدي ليعود بعد حادثة الحرم الشهيرة ليستقر في منقطة دماج بصعدة ليطلق منها دعوته السنية الوهابية وليؤسس حركته الدينية ذات الطابع السلفي الجامد. وقد أسس دار الحديث وبدأ باستقطاب الراغبين في العلوم الدينية.على مدى ثلاثة عقود، تخرج من دار الحديث بدماج مئات الدعاة السلفيين، لينطلقوا في قرى اليمن ومدنها. وفي المقابل أسس الحوثي 'الشباب المؤمن' في بداية التسعينات من القرن العشرين. وجاء هذا التنظيم كخطوة أولى لتجسيد الفكر السياسي لجماعة الحوثي وشكل لنفسه إطاراً ثقافياً وسياسياً قدم من خلاله الأنشطة الفكرية والسياسية لمنتسبي هذا التنظيم. وعندما رأت السلطات اليمنية أن الفكر السلفي الوهابي يمتد في صعدة وهو يساعد على تعزيز قوة حزب الإصلاح ذي التوجه السلفي قامت بدعم جماعة الحوثي وسهلت لهم الانتقال إلى لبنان وإيران وتغاضت عن كل ما كان يقوم به السفير الإيراني في صنعاء.وعندما قويت شوكة الحوثي وبدأ يتمرد على السلطات اليمنية انفجرت الحرب الأولى عام 2004 حيث قتل فيها حسين بدر الدين الحوثي فخلفه أخوه عبدالملك. وقد انطلقت فكرة الحوثي من الوصاية للإمام علي رضي الله عنه وأن الحكم لا يصح إلا في ابنائه. وهم يزعمون أن الإمام لا بد أن يكون من البطنين، وكما قلنا فقد اتجه حسين بدر الدين الحوثي نحو الخط الخميني وليس مجرد المذهب الاثنى عشري. وقد ذهب إلى ضرورة السير على نهج الإمام الخميني بصفته – كما يقول - يمتلك صفات ومعايير إلهية وعلى يديه يمكن أن تبنى أمة عظيمة. وهو يعتقد بأنه لا يمكن الامة الإسلامية أن تخرج من أزماتها أو من الوضعية المهينة التي تعيشها إلا بالعودة إلى آل البيت.
لقد جاءت الحوثية كإيديولوجية تؤصل للاستئثار بالحكم ولحشد الأنصار تحت مظلة العرق والسلالة. ولهذا فإن النزوع نحو العنف جاء نتيجة لفشل الدولة اليمنية في زرع الهوية الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية، مما سمح بتعدد الهويات والأفكار. يمكن القول إن الانقسام إلى هويات مذهبية والتشبث بالهوية السلالية، هو السياسة وما يرتبط بها من منافع يمكن أن تزول إذا تحققت المنفعة العامة والسياسية الجامعة لحقوق الأفراد كمواطنين متساوين في الفرص ومتميزين في الكفاءات. وطالما أن المنفعة خاصة ستظل قضية الحوثي قابلة للانفجار في أية لحظة. وطالما الاستئثار والاستبداد قائمان ستظل الهوية السلالية قابلة للانتعاش، كجماعة تبحث عن حصتها في الحكم والثروة.