قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الثلاثاء 6/5/2010

- 'الأخبار'
المحكمة الخاصّة بلبنان: أين تخفق الــعدالة؟
عمر نشّابة:

أين تُخفق العدالة؟ لا يتمحور هذا السؤالُ المحيِّرُ حول خيار أخلاقيّ بين الصحّ والخطأ، بقدْر ما يتطرّق إلى مدى امتثال المحكمة الخاصّة بلبنان لـ&laqascii117o;أعلى معايير العدالة الجنائيّة"، بحسب التعابير المستخدمة في الاتفاق الذي عُقد بين الأمم المتحدة والجمهوريّة اللبنانيّة لإنشاء تلك المحكمة. فهذا الاتفاق لم يقرَّه البرلمان اللبنانيّ، بل فُرض وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة العاملة بموجب القرار 1757.
يُقسم هذا البحث عن المحكمة الخاصّة بلبنان إلى ثلاثة أقسام. في القسم الأول تُحدَّد خلفيّة المحكمة، ويُوضع اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واللجوء إلى العدالة ضمن سياقهما التاريخيّ والقانونيّ. وفي القسم الثاني تُحلَّل العيوب الإجرائيّة والبنيويّة الرئيسة التي تنطوي عليها المحكمة المذكورة. أما في القسم الثالث، فتُقترح الحلول
الخلفيّة
أ. فالنتاين المدمِّر سنة 2005
في 14/2/2005، يوم عيد العشّاق، وفي تمام الساعة 12 و56 دقيقة، دوّى انفجارٌ كبيرٌ على ساحل بيروت، أوْدى بحياة الحريري و22 شخصاً كانوا يرافقونه أو صدف وجودهم في مكان الانفجار. وسبّب الانفجار أيضاً جرح 220 شخصاً، وألحق أضراراً كبيرةً بأملاك عامّة وخاصّة على شعاع 500 متر. ويشير تحليل الانفجار إلى أنّ شحنةً تزن 1800 كلغ من مادة الـ تي. أن. تي (أو ما يعادلها) فُجِّرتْ من داخل شاحنة ميتسوبيشي كانت على مقربة من الموكب الذي كان يُقلّ الحريري من البرلمان في وسط بيروت إلى مسكنه في قريطم.
بين القتلى العديد من حرّاس الحريري الشخصيّين، وصديقه وزير الاقتصاد الأسبق باسل فليحان، ومواطنون كانوا يتمشّوْن على طول الكورنيش، وعمّالٌ سوريون كانوا يعملون في ورشة بناء قريبة من المكان. وقد افترض فحص الحمض النوويّ، المأخوذ من ساحة الجريمة لاحقاً، أنّ الاغتيال ربّما نفّذه انتحاريٌّ شابّ.
ب. الاغتيال ضمن سياقه
ليست الاغتيالات السياسيّة بجديدة على لبنان. ففي عام 1951، اغتيل رياض الصلح، أوّل رئيس للوزراء بعد الاستقلال. وتبعتْ ذلك سلسلةٌ من الاغتيالات التي استهدفتْ سياسيين وصحافيين. ففي 14/9/1982 اغتيل الرئيس المنتخب بشير الجميل. وفي عام 1984، قُتل رئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت، مالكوم كير. ثم اغتيل رئيس الوزراء رشيد كرامي عام 1987، واغتيل الرئيس رينيه معوّض في 22/11/1989. كما جرت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق كميل شمعون عام 1980، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء سليم الحصّ عام 1984. واغتيل ايضاً العديد من القادة الدينيين، والدبلوماسيين الغربيين بمن فيهم سفيرٌ أميركيّ، كما قُتل دبلوماسيون من فرنسا والعراق والأردن.
وتلت اغتيالَ الحريري أيضاً لائحةٌ طويلةٌ من الاغتيالات استهدفتْ عام 2005 شخصيّات لبنانيّةً كالنائب جبران تويْني، والأمين العامّ الأسبق للحزب الشيوعيّ جورج حاوي، والصحافيّ سمير قصير. واستهدفتْ عام 2006 الوزير بيار الجميّل، والمقاوميْن ضدّ إسرائيل محمد ونضال المجذوب. وفي العام 2007 اغتيل النائبان وليد عيدو وأنطوان غانم، والعميد في الجيش اللبنانيّ فرانسوا الحاج. واغتيل النقيب في فرع المعلومات وسام عيد سنة 2008.
إنّ لائحة الجرائم الطويلة هذه لا تجعل من اغتيال الحريري أقلَّ استحقاقاً للملاحقة القضائيّة وفق الأصول ولتطبيق العقاب العادل. ولكنْ ما من أسس قانونيّة أو أخلاقيّة تبرِّر اللجوءَ إلى هذه الملاحقة في قضيّة الحريري، والامتناعَ عنها في القضايا التي سبقتْها وتلتْها.
ج. الإفلات من العقاب في لبنان
بقي معظم الاغتيالات المذكورة أعلاه بلا عقاب، أو عفت عنه قوانين عفو شامل. فالدستور اللبناني (المادة 53، الفقرة 9) يجيز للرئيس منحَ &laqascii117o;عفو خاصّ"، ويخوِّل الحكومةَ والبرلمانَ التصويتَ على قوانين العفو الشامل. ومنذ الاستقلال عام 1943، أصدر جميع الرؤساء اللبنانيين وكلّ مجالس الوزراء والمجالس النيابيّة تقريباً العفوَ عن المئات، وربما الآلاف، من المجرمين المفترضين.
لكنّ قانون العفو الذي أقرّ في 18/7/2005 ذو صلة أكبر بهذه الدراسة لأنه أقرّ بعد انقضاء خمسة أشهر لا أكثر على اغتيال الحريري، فأعفى أحدَ أمراء الحرب السابقين، وهو سمير جعجع، من خمسة أحكام مبْرمة بحقه، علماً أنّه حوكم وجُرِّم في دعوى اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي عام 1987. لقد أقرّ قانون العفو هذا بعد أن رَفعتْ بعثةٌ لتقصّي الحقائق، تابعةٌ للأمم المتحدة، تقريراً إلى مجلس الأمن، جاء فيه أنّ المسؤولين اللبنانيين &laqascii117o;ساهموا في ترويج ثقافة التخويف والإفلات من العقوبة". وبعد خمسة أشهر فقط من إقرار قانون العفو هذا بحوالى 100 صوت في البرلمان المنتخب حديثاً (أيّار/ مايو 2005)، الذي كان يهيمن عليه حلفاء الحريري، طلبتْ حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة (التي نالت ثقة البرلمان) من مجلس الأمن &laqascii117o;إنشاءَ محكمة ذاتِ طابع دوليّ... لمحاكمة الذين تَثْبت مسؤوليّتهم عن الجريمة الإرهابيّة المرتكبة بحقّ رئيس الوزراء الحريري" و&laqascii117o;التحقيق في محاولات الاغتيال والاغتيالات والتفجيرات التي وقعتْ في لبنان، بدءاً بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في 1/10/2004". إذاً، هذه الأكثريّة النيابيّة نفسها التي أقرّت قانونَ العفو عن جريمة اغتيال رئيس وزراء (كرامي) دَعمتْ بشدّة الطلبَ الموجّهَ إلى الأمم المتحدة للتحقيق والحكم في قضيّة اغتيال رئيس وزراء آخر (الحريري)!
إنّ أقلَّ ما يقال هنا هو أنّ هذه المقاربة الانتقائيّة لتحقيق العدالة تتضارب مع المبادرات الهادفة إلى إنهاء حالات الإفلات من العقاب في لبنان. ومع ذلك، فقد أنشئت المحكمة الخاصّة بلبنان على أساس وثيقة تستعيد تحديداً الطلبَ المذكورَ أعلاه. وقد أعلن الأمين العامّ بان كي مون يومَ إطلاق عمل المحكمة أنها &laqascii117o;خطوةٌ مصيريّةٌ، وحدثٌ حاسمٌ، في الجهود الحثيثة التي يبذلها جميع اللبنانيين والأسْرة الدوليّة من أجل كشف الحقيقة ومحاكمة المسؤولين عن الاغتيال وعن الجرائم المرتبطة به ووضع حدّ للإفلات من العقاب".
من ميليس إلى بلمار
أ. لجنة التحقيق الدوليّة المستقلّة شرطاً لإنشاء المحكمة
في 7/4/2005، أقرّ مجلس الأمن القرار 1595 الذي قضى بإنشاء لجنة تحقيق دوليّة مستقلّة كي تساعد الحكومةَ اللبنانيّةَ على إجراء التحقيق في العمل الإرهابيّ المرتكب في 14/2/2005، ولتساعدَ في تحديد هويّة &laqascii117o;مرتكبيه ومموِّليه ومنظِّميه وشركائهم". ونصّ قرار مجلس الأمن رقم 1757 على ما يلي: &laqascii117o;تبدأ المحكمة الخاصّة عملَها... مع مراعاة التقدّم المحْرَز في أعمال لجنة التحقيق الدوليّة المستقلّة". كما نصّ على أنْ تتلقّى هذه المحكمة الأدلّةَ التي تجمعها لجنة التحقيق الدوليّة، &laqascii117o;وتقرِّر دوائر المحكمة مقبوليّةَ هذه الأدلّة عملاً بالمعايير الدوليّة المتعلّقة بجمع الأدلّة. ويعود لدوائر المحكمة تقييم أهميّة هذه الأدلّة".
ب. ميليس الثعلب الألمانيّ
عيِّن مدّعي عامّ برلين، ديتليف ميليس، الملقّب بـ&laqascii117o;الثعلب الألمانيّ"، رئيساً للجنة. وفي 20/10/2005، تلقّى مجلس الأمن أولَ تقرير له، وفيه خلصت اللجنة إلى أنّ ثمة أدلّةً تتقارب وتشير إلى ضلوع لبنانيّ وسوريّ في هذا العمل الإرهابيّ. إلاّ أن الأدلّةَ لم تكن كافيةً لدعم توجيه اتهام إلى مسؤولين سوريين أو إلى أحد آخر في اغتيال الحريري. ومع ذلك جاء كلام ميليس مغايراً فقد أوصى بتوقيف ثمانية لبنانيين، بقي أربعةٌ منهم خلف القضبان لمدة أربع سنوات تقريباً، لتطلق المحكمة سراحَهم لاحقاً.
ج. براميرتس الملتزم بالأصول
في 15/10/2005، قدّم ميليس استقالته. وفي 11/1/2006، حلّ محلَّه سيرج براميرتس. على عكس ميليس، أحجم المفوَّض الجديد (وهو محقّقٌ بلجيكيّ) عن الإعلان عن تفاصيل عمله، وحافظ على مستوىً عال من المهنيّة. ولم يؤتَ على ذكر شهادات شهود تشير إلى ضلوع مسؤولين لبنانيين أو سوريين (أو إلى أيّ دليل آخر على تآمرهم)، ولا كُرِّر استنتاج ميليس الذي يقول بضلوع سوريّ في اغتيال الحريري.
مع براميرتس، توسّعتْ صلاحيّة اللجنة، التي رَفعتْ ستةَ تقارير إلى مجلس الأمن. وقد أشار المفوّض إلى أنّ التحقيق لا يكتسي معنًى إلاّ إذا أدّى إلى عمليّة قضائيّة وأحيل على محكمة خاصّة. ولكنْ بعد سنتين من التحقيقات الجنائيّة، بقيت الأدلّة المجمَّعة غيرَ كافية لإصدار اتهامات. وظهرتْ إشارةٌ مهمّةٌ نادرةٌ إلى إحراز تقدّم في التحقيق، وذلك في تقريره الثالث الذي أكّد فيه نظريّةَ تفجير انتحاريّ بهدف اغتيال الحريري.
د. تحوّل بلمار المحيِّر
استقال براميرتس في 1/1/2008، وحلّ محلَّه دانيال بلمار. فعيّنه الأمين العامّ للأمم المتحدة، بان كي مون، مفوّضاً، ليتحوّل إلى &laqascii117o;المدّعي العامّ للمحكمة الخاصّة" لدى انطلاق عملها. وقد أوضح بلمار، بوصفه مفوّضَ لجنة التحقيق الدوليّة، أنّ التحقيق لم يقتربْ من نهايته. كما صرّح في مؤتمر صحافيّ عقد في نيسان/ أبريل 2008: &laqascii117o;لا أستطيع أن أقول لكم إنّ النتائج سوف تكون معي في هذا الموعد من السنة المقبلة أو بعد ستة أشهر أو ثلاثة". ولم يتغيّرْ موقفه هذا اليوم كمدّع عامّ. وفي خلال زيارة أخيرة قام بها إلى بيروت، كرّر حرفيّاً: &laqascii117o;لا أستطيع تحديدَ موعد زمنيّ لتوجيه اتهام".
غير أن من البديهيّ القول إنه يفترض بالمدّعي العام أن يدّعي فعلاً. فإذا كان ما يزال يقوم بعمل لجنة التحقيق التي انتهت صلاحيّتها في 28/2/2009، فسيكون إطلاق عمل المحكمة الخاصّة بلبنان في آذار/ مارس من دون معنًى، على ما يبدو.
هـ. محكمة خاصّة جدّاً بلبنان
في 29/3/2006، أقرّ مجلس الأمن بالإجماع القرار 1664 الذي أنشأ محكمةً دوليّة. وطلب إلى الأمين العامّ كوفي أنان أن يتفاوض مع حكومة لبنان على اتفاق يرمي &laqascii117o;إلى إنشاء محكمة ذات طابع دوليّ، استناداً إلى أعلى المعايير الدوليّة في مجال العدل الجنائيّ". وفي 6/2/2007، وقّعت الأمم المتحدة وحكومة السنيورة، التي وصفها رئيس مجلس النواب نبيه برّي بأنّها غير دستورية، اتفاقاً ينشئ محكمةً خاصةً بلبنان. ولكنْ بعد أربعة أشهر من التوتّرات السياسيّة الداخليّة، لم يتمّ التوصّل إلى تفاهم بين القوى البرلمانيّة على الاتفاق الموقّع في 6/2، ولم يتمكّن البرلمان من الانعقاد. فقرّرت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا أن تتجاهلَ الدستورَ اللبنانيّ، من خلال الأخذ بهذا الاتفاق من دون تصويت البرلمان. والحقّ أنه لا يمْكن إقرار انتهاك مجلس الأمن لسيادة عضو مؤسِّس إلاّ بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
و. الصلاحيّة الضيّقة
ما يزيد من خصوصيّة هذه المحكمة هو صلاحيّتها، إذ إنّها أضيق من صلاحيّة أيّ محكمة دوليّة بأشواط بعيدة. فلا يَدْخل ضمن اختصاصها النظر في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ارتكبتْ في لبنان في السنوات أو العقود الأخيرة. وهو ما يعني، ضمنيّاً، أنّ العدالةَ التي يُروَّج لها عدالةٌ انتقائيّةٌ سياسيّاً إلى حدّ كبير وفاضح إلى درجةِ أنها قد تسهم في تفاقم الخلافات بين اللبنانيين.
لقد حُصرتْ صلاحيّةُ هذه المحكمة بالتحقيق مع المسؤولين المفترضين عن اغتيال الحريري و22 شخصاً آخرين، ثم مقاضاتهم. كما أنّ لها اختصاصاً في اغتيالات ومحاولاتِ اغتيال أخرى ارتُكبتْ بين 1/10/2004 و12/12/2005 فقط إذا اعتبرتْها المحكمةُ الخاصةُ بلبنان متلازمةً مع اغتيال الحريري أو من الطبيعة والخطورة نفسيْهما.
ز. أين تخفق العدالة؟
وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1757، فإنّ المحكمة الخاصّة بلبنان &laqascii117o;تبدأ عملَها في تاريخ يحدّده الأمينُ العامّ بالتشاور مع الحكومة اللبنانيّة، مع مراعاة التقدم المحْرَز في أعمال لجنة التحقيق الدوليّة المستقلة". ولذا فقد حُدِّد التاريخ، وهو 1/3/2009. ونظراً إلى معنى ما ورد أعلاه، فإنه يُفترض أن تكون ملفّات التحقيق التي يمتلكها مكتبُ المدّعي العامّ قد اكتملتْ إلى حدّ يكفي للسماح بتوجيه الاتهامات، أو على الأقلّ لاتخاذ إجراءات الاتّهامات المسبّقة؛ وقد تتضمّن مثلُ هذه الإجراءات توقيفَ أشخاص قبل المحاكمة لمدة 90 يوماً حدّاً أقصى قبل إصدار الاتهامات.
لكنْ حتى اليوم، أيْ بعد انقضاء عام تقريباً على إطلاق عمل المحكمة في لاهاي، فشل مكتبُ بلمار في رفع أيّة اتهامات إلى قاضي الإجراءات التمهيديّة دانيال فرانسين، ولم يقدِّم أدلّةً موثوقةً قادرةً على الصمود أمام فريق العمل الكفء التابع لرئيس قسم الدفاع فرانسوا رو. ليس هذا وحسب، وإنما هو الآن في مرحلة تعيين رئيس جديد لقسم التحقيق بعد عودة نجيب كالداس إلى مسقط رأسه الأوستراليّ. بل إنّ بلمار &laqascii117o;عبّر عن أسفه" لأنّ كالداس &laqascii117o;لن يكون قادراً على تمديد عقده لمدة إضافيّة،" أيْ بعد شباط/ فبراير 2010. والحال أنّ استخدام مدير قسم تحقيق في قضيّة جريمة اغتيال لسنة واحدة فقط أمرٌ يدعو إلى التساؤل، نظراً، خصوصاً، إلى أهميّة الاستمرار ومدى تعقيد القضيّة والقيود الزمنيّة. وفي 6/1/2010، أشار بلمار إلى تأخيرات إضافيّة في استخدام مدير جديد لقسم التحقيق عندما قال: &laqascii117o;سوف أبادر قريباً إلى اختيار مدير جديد لقسم التحقيق يحلّ محلّ السيد كالداس". إنّ المبادرة مباشرةً (بدلاً من استخدام لفظة &laqascii117o;قريباً" الغامضة) إلى تحديد البديل تبدو ضروريّةً بسبب فشل مكتب المدّعي العامّ في توجيه اتهامات بعد أكثر من سنة كاملة من التحقيقات، سبقتْها أربعُ سنوات من التحقيقات التي أجرتها لجنةُ التحقيق الدوليّة والسلطةُ القضائيّة اللبنانيّة.
وما قد يشير أيضاً إلى عمليّات غيرِ ملائمة، ومعوِّقة، هو أنّ القاضية اللبنانيّة، جويس تابت، لم تباشرْ مهامّها نائبةً للمدّعي العامّ للمحكمة قبل 1/11/2009، أيْ بعد ثمانية أشهر من الانطلاق الرسميّ لعمل المحكمة. وبالتالي فإنّ عملها مع رئيس قسم التحقيق لا يتجاوز ثلاثة شهور. وكان يُفترض بدوْر تابت أن يكون محوريّاً وفق الاتفاق الملحق بالقرار 1757، وبالغَ الأهميّة أثناء غياب بلمار في شهريْ تمّوز/ يوليو وآب/ أغسطس لأسباب طبّيّة، ولكنها لم تكن قد باشرتْ مهامَّها بعد لأسباب مجهولة.
ويظهر أنّ بلمار أدرك أنّ القلق بدأ يسود ممّا قد يبدو أنه مأزقٌ بلغه التحقيقُ، فأعلن في 8 تموز/ يوليو أنه لا يتجه &laqascii117o;لإبقاء [هذا] الزخم فقط بل رفع وتيرة سير التحقيق أثناء فترة غيابه" ـ وهو أمرٌ غيرُ محتمل بتاتاً.
كان الدليلُ الوحيدُ على حياة المحكمة الخاصّة بلبنان، عدا التقارير البيروقراطيّة والزيارات المتكرّرة لمسؤوليها إلى بيروت، جلسةَ استماع عقدها قاضي الإجراءات التمهيديّة وأصدر فيها أمراً يقضي بإطلاق سراح أربعة ضبّاط أوقفتهم السلطاتُ القضائيّةُ اللبنانيّة واحتجزتْهم لمدة قاربتْ أربع سنوات، بناءً على توصية كان قد أصدرها ميليس سنة 2005. وبذلك تشير المحكمةُ بوضوح إلى أنّ احتجازَهم، مع أربعة مدنيين لمدة جاوزتْ ثلاثَ سنوات، كان تعسفيّاً. ومع ذلك، فإنّ قانونَ المحكمة لا يجيز لها ملاحقةَ المسؤولين
كاسيزي (أرشيف)عن الاعتقال التعسّفيّ. ومن المهمّ أن يُذكر هنا أنّ المعلومات المقدّمة (إلى لجنة التحقيق الدوليّة والسلطة القضائيّة اللبنانيّة في قضية الأشخاص المعتقلين لأكثر من ثلاث سنوات) لم تكن كافيةً، على حدّ قول قاضي الإجراءات التمهيديّة دانيال فرانسين نفسه. وبالتالي فإنّ النظام القضائيّ، موضعَ الكلام، يشكو من عيوب واضحة. غير أنّ هذه العيوب ليست هي التي تولِّد الشكَّ، بل عجزُ مكتب المدّعي العام عن إظهار أيّ دليل على التقدّم.
صحيحٌ أنّ هذا البحث لا يقوم بمقاربة مقارِنة، لكنْ من المفيد الإشارةُ، في هذا السياق، إلى أنّ المحكمة الجنائيّة الدوليّة الخاصّة بيوغوسلافيا السابقة وَجّهتْ أوّلَ اتهام لها بعد أربعة أشهر فقط من تعيين المدّعي العامّ: فقد عُيِّن ريتشارد غولدستون في 8/7/1994، ووجّه اتهاماً ضد دراغن نيكوليك في 7/11/1994.
ح. عدالة انتقائيّة
لا يزال رفاق رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي، الذي اغتيل سنة 1987، وأفرادُ أسرته محرومين من العدالة. ومع أنهم رفعوا دعوى أمام المجلس العدليّ اللبنانيّ (وكان بين قضاته رالف رياشي الذي شغل أخيراً منصبَ نائب رئيس المحكمة الخاصّة بلبنان)، ومع أنّ القاتل أُدين، فإنه سرعان ما عُفي عنه كما ذُكر آنفاً. إنّ الاتفاق الموقّع بين الأمم المتحدة والجمهوريّة اللبنانيّة حول إنشاء محكمة خاصّة بلبنان يتضمّن تعهّداً لبنانيّاً بـ&laqascii117o;عدم إصدار
ميليس (أرشيف)عفو عامّ بحقّ أيّ شخص يرتكب أيَّ جريمة تدْخل ضمن اختصاص المحكمة الخاصة." ويعني ذلك ضمنيّاً أنّ الأشخاص الذين يُدانون باغتيال أو بمحاولة اغتيال أيّ من السياسيين والصحافيين قبل 14/2/2005 أو بعده، كما هي الحال بالنسبة إلى قضيّة كرامي، يحقّ لهم العفوُ إذا لم يثبت أنّ الجريمة التي ارتكبوها ملازمةٌ لاغتيال الحريري.
من 12/7 إلى 14/8/2006، شهد لبنانُ موجةً من العنف الشديد. فقد انهالت قذائفُ الجيش الإسرائيليّ على المساكن والمستشفيات، ودُفن المئاتُ تحت ركام الأبنية. وأحصى المجلسُ اللبنانيّ الأعلى للإغاثة مقتلَ 1191 لبنانيّاً، فيما قُدّر عددُ الجرحى اللبنانيين بـ4409، 15% منهم أُصيبوا بإعاقة دائمة. قد يقول قائل إنه لا تُمْكن مقارنةُ تفجير موكب الحريري بعمليّات قصف نفّذتْها قواتٌ مسلّحة، غير أنّ حق الضحايا في العدالة هو القضيّةُ المثارةُ هنا.
على عكس ردّ الفعل المباشر على قتل الحريري و22 آخرين في 14/2/2005، عبّر مجلسُ الأمن عن &laqascii117o;عميق قلقه إزاء الإصابات في صفوف المدنيين اللبنانيين والإسرائيليين"، وذلك بعد 15 يوماً من الصمت حيال عمليّات القتل المتواصلة صيفَ 2006. لكنْ لم يُطلَب من الأمين العامّ &laqascii117o;أن يتابعَ عن كثب الحالةَ في لبنان وأن يقدِّم على وجه السرعة تقريراً عن الملابسات والأسباب وما يترتّب عليها من عواقب"، كما كانت الحال في 15/2/2005. ومجلس الأمن، الذي دان من دون أيّ لبس التفجيرَ الذي أودى بحياة الحريري و22 آخرين، لم يعبِّرْ عن إدانة مماثلة لعمليّات القصف التي أودت بحياة 1191 شخصاً. كما أنّ &laqascii117o;عميقَ تعاطفه وتعازيه للبنان شعباً وحكومةً" أدّى إلى إطلاق محكمة خاصّة تُحصَر صلاحيّتُها باغتيال الحريري (وهو اغتيالٌ وصفه مجلسُ الأمن بأنه عملٌ إرهابيّ)، ولكنّ التعاطفَ مع ضحايا المجازر الإسرائيليّة الـ1191 لم يلتفتْ إلى أيّ آليّة قضائيّة دوليّة مخوّلة مقاضاةَ المسؤولين عنها. وبعد أكثر من ثلاث سنوات، لا تزال عائلاتُ هؤلاء الضحايا محرومةً من حقّ اللجوء إلى العدالة، وما من إشارة توحي بأنّ هذا الوضع سيتغيّر قريباً.
ط. السيادة المُنكَرة
وافق مجلسُ الوزراء على مسوّدة الاتفاق الموقّع بين الأمم المتحدة ولبنان، والمتعلق بإنشاء المحكمة، في 13/11/2006. غير أنّ قرار مجلس الوزراء اتُخذ بغياب ستة وزراء مستقيلين، مثّل خمسةٌ منهم كاملَ عدد الوزراء المسلمين الشيعة. ولمّا كانت الفقرة ياء من مقدّمة الدستور اللبنانيّ تنصّ على أنْ &laqascii117o;لا شرعيّة لأيّ سلطة تناقض ميثاقَ العيش المشترك،" فذلك يعني أنّ مجلسَ الوزراء، كما إقراره مسوّدةَ الاتفاق المذكور، غيرُ دستورييْن. ولذا لم يصادق البرلمانُ اللبنانيّ على هذا الاتفاق، ولا وقّع عليه رئيسُ الجمهورية.
في 30/5/2007، تجاوز مجلسُ الأمن الدستورَ اللبنانيّ من خلال إقراره القرارَ رقم 1757 لفرض تنفيذ اتفاق إنشاء المحكمة. غير أنّ تطبيقَ تدابير القمع، المنصوصِ عليها في الفصل السابع (المادة 2، الفقرة 7)، التي تسمح باستثناء لمبدأ السيادة الوطنيّة (ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2، الفقرة 1) يَفترض مسبّقاً وجودَ نزاع دوليّ يهدّد السلمَ والأمنَ العالمييْن، فيما لم يذكر القرار 1757 أيَّ نزاع من هذا النوع. بل لو نشأ نزاعٌ فعلاً، فإنه يُفترض بمجلس الأمن أن يعتمد قراراً تحت الفصل السابع بعد أن يفشلَ في تسوية النزاع تحت الفصل السادس.
لم يصوّتْ ثلثُ أعضاء مجلس الأمن، بمن فيهم عضوان دائمان، لمصلحة القرار 1757. ناصر عبد العزيز الناصر، ممثّلُ قطر، التي كانت حينذاك الدولةَ العربيّةَ الوحيدةَ في المجلس، عبّر عن دعم بلاده للعمليّة الدستوريّة اللبنانيّة الداخليّة، وشدّد على أنّ القرار الذي يتضمّن قانونَ المحكمة &laqascii117o;ينطوي على تجاوزات قانونيّة". وحسن كليب، ممثّلُ إندونيسيا، ذكّر المجلس بأنّ &laqascii117o;المادة 2 (الفقرة 7) من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على أنه ليس في هذا الميثاق ما يسوِّغ للأمم المتحدة أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخليّ ‏لدولة ما." واعتبر دوميزانو كومالو، من جنوب أفريقيا، أنه لا يلائم المجلسَ تجاهلُ الإجراءات المحليّة من خلال فرض محكمة على لبنان. كذلك اعترض ممثّلُ الصين، وانغ غوانغيا، على التدخّل في الشؤون الداخليّة اللبنانية. كما عَدّ فيتالي تشركن، ممثّلُ روسيا، أنّ &laqascii117o;الترتيبات تحوم حولها الشبهاتُ من وجهة نظر القانون الدوليّ".
الحلول المقترحة
أ ـ توسيع صلاحيّة المحكمة وإطلاق عجلة الإصلاح القضائيّ المحليّ: فإسهاماً في حلّ مشكلة العدالة الانتقائيّة، ربما يجب على الحكومة اللبنانيّة أن تطلب من مجلس الأمن إصدارَ قرار تابع للقرار 1757 يوسِّع صلاحيّةَ المحكمة الخاصّة بلبنان. وقد يسهّل تحقيقَ ذلك كونُ لبنان قد أصبح عضواً في مجلس الأمن، وممثّلُه يَحْضر جلساتِه منذ 1/1/2010.
وعملاً بمبدأ العدالة المتساوية للجميع، فإنّ على صلاحيّة المحكمة الخاصّة بلبنان أن تَشمل كلَّ جرائم القتل منذ عام 2005. إذ ينبغي أن يحقّ لضحايا جرائم ارتُكبتْ في لبنان أن يرفعوا دعاوى أمام المحكمة الخاصّة بلبنان. أما بالنسبة إلى الاغتيالات التي نُفّذتْ قبل عام 2005، فيجب أن يُصلَحَ النظامُ القضائيُّ اللبنانيُّ ويُعزَّزَ لكي يستطيع الملاحقة؛ وقد يتطلّب ذلك تعديلات دستوريّةً تتضمّن إلغاءَ قوانين العفو.
قد يبدو تطبيقُ هذه التوصيات إشكاليّاً على الصعيد السياسيّ في لبنان وفي مجلس الأمن. إلاّ أنّ الوضع الحاليّ والنتائج المتوقّعة من المحكمة الخاصّة بلبنان لا تمثّل تحدّيات خطيرةً للعدالة فحسب، بل قد تهدّد السلامَ والأمنَ في لبنان أيضاً.
ب ـ مراجعة عمليّة التوظيف في المحكمة الخاصّة بلبنان: إذ يُفترض بهذه أن تَعمل &laqascii117o;استناداً إلى أعلى المعايير الدوليّة في مجال العدل الجنائي،" على ما نصّ القرار 1757. ويَفترض ذلك مسبّقاً اعتمادَ الدقّة في عمليّة اختيار المرشَّحين للعمل في المحكمة، الأمرُ الذي يتطلّب مراجعةً متمعّنةً لخلفيّات المرشَّحين المهنيّة والشخصيّة، ونشْرَ السِّيَرِ المفصّلة للمستخدَمين والقضاة، بل يجب التركيزُ على ذلك كلّه من باب خلفيّتهم السياسيّة. وتُعد هذه المسألةُ حيويّةً نظراً إلى التوافق الهشّ بين مختلف المجموعات المحليّة السياسيّة المتنازعة، وإلى عدم تصديق البرلمان رسميّاً على إنشاء المحكمة. وبالنسبة إلى تعيين قضاة محليين ولبنانيين، تحديداً، فإنّ شفافيّة العمليّة مطلوبة، وقد يكون نشرُ السِّيَر المفصّلة أمراً مفيداً.
ج ـ التفاعل مع ما يقلق الشعبَ ووسائلَ الإعلام: لقد شدّد بلمار، أثناء زيارة قام بها أخيراً لبيروت، على &laqascii117o;أهميّة ثقة الشعب اللبنانيّ والمؤسّسات اللبنانيّة بنزاهة المحكمة الخاصّة بلبنان كهيئة قضائيّة."
قد لا تؤثِّر في ثقة الشعب الاستقالاتُ المتعدّدةُ ورحيلُ عدد من المسؤولين من المحكمة الخاصّة بلبنان أثناء سنتها الأولى، ولا سيّما أنّ هذا قد حصل في محاكمَ دوليّة أخرى. ومع ذلك فإنّ انعدامَ تفسيرات رسميّة واضحة للأسباب الموجبة لمثل هذه الاستقالات يدعو إلى الريبة، لا بل يثير الشكوكَ. فاستقالةُ مسؤولَيْن من منصب رئاسة القلم بالتتالي أثارت عدداً من الأسئلة التي لم يُجِب عنها بوضوح مكتبُ الإعلام التابع للمحكمة. ولم تُقدَّم أيُّ تفسيرات في ما يخصّ استقالةَ القاضي هوارد موريسون، ورحيلَ رئيس قسم التحقيق بعد سنة واحدة من تعيينه.
ثم إنّ دافعي الضرائب في لبنان، الذين يغطّون 49 بالمئة من كلفة المحكمة، لا يعرفون أين تُنفق أموالُهم تحديداً. ولا يتضمّن تقريرُ الرئيس كاسيزي عن عمل المحكمة، الذي أصدره بعد مضيّ ستة أشهر على انطلاقها في 1/3/2009 أيَّ معلومات عن الكلفة والإنفاق.
ملاحظة ختاميّة
قيل إنّ &laqascii117o;عدالةً غيرَ كاملة قد تكون أفضلَ من انتفاء العدالة التامّ، ولا سيّما في بلد قام مجلسُه النيابيّ، في أول عمل له بعد نهاية الحرب الأهليّة، بإقرار عفو شامل مَنح كلَّ أمراء الحرب في البلاد الحصانةَ من الملاحقة القضائيّة، فأصبح العديدُ منهم برلمانيين ووزراءَ في الحكومات التي تلت الحرب". بيْد أنّ العدالة غيرَ الكاملة قد تسهم في الإفلات من العقاب، وتجعل أمراءَ حرب سابقين، عبّروا عن حماسة غير مسبوقة للمحكمة الخاصّة بلبنان، يتمتّعون بالحصانة من الملاحقة القضائيّة لجرائمَ شنيعة يُقال إنهم ارتكبوها أو كان لهم ضلعٌ فيها في السبعينيّات والثمانينيّات من القرن المنصرم.
أما في ما يخصّ مئاتِ العائلات التي فقدتْ أحبّاءَها في عمليّات القصف الإسرائيليّ عامَ 2006، ولا تستطيع أن ترفع دعاوى أمام المحكمة الخاصّة بلبنان أو القيامَ بأيّ آليّة قضائيّة أخرى، فهي تحقِّق العدالةَ لنفسها بنفسها، وذلك من خلال دعم أعمال المقاومة الوطنيّة.
(ترجمة: جورجيت فرشخ فرنجيّة)
* مقتطفات من محاضرة للكاتب في كليّة لندن للاقتصاد في 27/1/2010، وتنشر مجلة الآداب نصها الكامل في عددها الحالي.


- 'السفير'
أعمدة الحكمة الخمسة
عاصم ستيتيه:

هل يعقل أن يكون مصير &laqascii117o;الطائفة السنية" في لبنان &laqascii117o;وأنا واحد منها" مرتبط (بنكبة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري) وان تكون هذه الطائفة التي تشكل الأساس في تكوينه &laqascii117o;مهددة" بوجودها ومسؤولة كلها عن انعكاس النتائج المترتبة على حكم المحكمة الدولية بعد أن تحكم على جناة تابعين لهذا الميزان الدقيق ذي الإبرة الحساسة جدا الذي اسمه لبنان؟
إن أميركا حتى تاريخه، ومعها إسرائيل، تحاولان تسييس الموضوع وتلبيسه للمقاومة، منذ أن نشر أولاً في صحيفة فرنسية وبعد ذلك في المجلة الألمانية السيئة الذكر، والاثنتان تسيطر عليهما الصهيونية العالمية كسيطرتها على معظم الإعلام الغربي في غفلة عن السكان الأصليين لهذا الإعلام. وهي في اتهامها للمقاومة تحاول الضغط على إيران وملفها النووي محاولة تغيير مسار &laqascii117o;نهر الحقيقة الكبير" &laqascii117o;بشهود زور جدد ربما" &laqascii117o;لعرقنة" لبنان ووضعه في مهب رياح الخماسين التي أصبحت عارفة برملها الأحمر بلون الدم بعد عواصف الصحراء التي أطاحت العراق ومن فيه.
&laqascii117o;دعوا لبنان" وشأنه، دعوه يعش بسلام ووئام، ولا تفككوه قطعة قطعة، فأبناؤه متحدون في ما بينهم فلا تقطعوا أجسادهم قطعا صغيرة وكبيرة كما تفعلون بأجساد أبناء العراق وأفغانستان وفلسطين. نعم نحن &laqascii117o;السنّة" في وطننا لبنان نريد الحقيقة كاملة فهي تعنينا بالدرجة الأولى ومعنا شعب لبنان بأسره ونريد أن نعرف من ارتكب هذه الجريمة الكبرى ولماذا؟ ولكن ليس بثمن اندلاع فتنة كبيرة لا يريدها الرئيس الشهيد ولا يعرف عقباها إلا الله.
نريد من هذه المحكمة أن تكون صادقة وعادلة في أحكامها النهائية على المرتكبين الجناة أياً كانوا، لا أن تكون أداة طيعة في أيدي الذين يهددون بهدّ الشرق الأوسط القديم وبناء شرق أوسط جديد &laqascii117o;على أنقاض المسجد الأقصى". هذا الشرق الأوسط الجديد الذي تريد إسرائيل أن تتحكم فيه.
وهل يريدون بواسطة حكم هذه المحكمة نسف وجود لبنان وسوريا والمقاومة؟ ثم كيف ستكون العلاقة &laqascii117o;أخوية ومميزة" بين لبنان وسوريا لو تبين، مثلاً، أن أفراداً معينين فيها لهم يد في هذه الجريمة؟ ونتساءل كذلك لماذا سارع زعيم طائفة كبرى من طوائف لبنان الخمس، الى تحييد هذه الطائفة &laqascii117o;ومنذ الآن" عن التداعيات الخطيرة التي قد تحدث بعد صدور الحكم؟
هل سيكون استقرار لبنان في خطر؟ ثم كيف تكون نتائج المحكمة الدولية عاملاً إيجابياً في هذا الاستقرار؟ دون معرفة، كيف سيكون ذلك؟ أسئلة كثيرة وكبيرة لا أحد يملك جواباً واضحاً لها إلا العارفون بالغيب والقارئون في فناجين القهوة السوداء الفارغة. ومنها فنجان القهوة الشهير الذي ارتشفه الرئيس الشهيد قبل استشهاده.
إن مسألة المحكمة كبيرة جداً &laqascii117o;والفتنة تنظر الى عين الوقت وتنتظر، فهي ليست بعجلة من أمرها" ولذلك سارع سيد المقاومة، في حديثه المتلفز، الى القول إنه لن يسمح بالتمادي في اتهام المقاومة لأنه يعرف جيداً المرامي الخطيرة التي تستهدف من وراء ذلك &laqascii117o;مصير لبنان".
إننا نراهن على جميع العقلاء في لبنان لقطع دابر الفتنة التي تصنع في الخفاء وأن (يصونوا) جميعهم لبنان وجميع الطوائف &laqascii117o;المكوّنة له" برموش أعينهم، ومنها الطائفة السنية الكريمة التي تشكل أحد أعمدة الحكمة الخمسة التي يرتكز عليها وجوده.  


- 'الأخبار'
استباحة علنيّة
خالد صاغية:

مشهد أوّل: الطريق من طرابلس إلى عكار مليئة بشعارات التأييد للّواء أشرف ريفي. واللواء، كما هو معروف، موظّف في الدولة (لا في الطائفة) برتبة المدير العام لقوى الأمن الداخلي. يمكن فهم حملة التضامن معه. ما لا يمكن فهمه، إلا من زاوية استباحة الطوائف للفضاء العام، أن تصرّح إحدى لافتات التأييد بأنّ كرامة اللّواء ريفي هي من كرامة الطائفة السنّية. وإذا أضفنا إلى ذلك أن اللافتات كلّها تحمل تصميماً &laqascii117o;فنّياً" واحداً، عرفنا أنّها ليست حملة عفوية قامت بها &laqascii117o;الجماهير"، بل حملة منظّمة. ولا عيب في ذلك. العيب ألا يكون اللواء على علم بتلك الحملة، فلم يرَ اللافتة المذكورة أعلاه. العيب الآخر أن يكون قد رآها، أو أُخبِر عنها، وتُركت مكانها.
مشهد ثانٍ: الوزير السابق وئام وهاب، في مقابلة تلفزيونيّة أخيرة، يقول تعليقاً على دعوى قضائية مرفوعة ضدّه، إنّه لا يمثُل أمام أحد. طبعاً، إنّها لهجة التحدّي التي اعتادها اللبنانيون. ما ليس اعتيادياً هو أن يرى الوزير السابق أو أيّ زعيم سياسي أنّه يملك ما يشبه الحصانة &laqascii117o;لأنّه يمثّل جزءاً من طائفة"، كما قال وهاب. فإذا كانت نهاية الحرب الأهلية قد حملت معها قانون العفو العام الذي منع محاكمة أمراء الحرب والطوائف، يبدو أنّ المرحلة الحالية تعطي حصانة لأي زعيم طائفة أو ممثّل لجزء من طائفة!
مشهد ثالث: جبهة الحرية، برئاسة القائد السابق للقوّات اللبنانية فؤاد أبي ناضر، رفعت شعاراً يزيّن بلا خجل بعض الطرقات: &laqascii117o;المسيحي بيستحق مشروع واضح". هكذا، باتت الأحزاب عندنا تؤلَّف وتعمل وتخاطب طائفة بعينها، وتطالب بمشروع للطائفة، وليس حتّى بمشروع للبلاد تحمله الطائفة.
المشاهد الثلاثة ليست من متن الحدث السياسي. لكنّها من ذاك النوع الذي يساعد في فهم التحوّلات التي أصابت الجمهوريّة في مرحلة ما بعد 8 و14. ولعلّ أبرز سمات هذه الجمهوريّة توسّع رقعة الطوائف على حساب الدولة، أي الانتقام من المرحلة الممتدّة منذ انتهاء الحرب الأهليّة حتّى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. آنذاك، لم تنكفئ الطوائف طبعاً، لكنّها اكتفت بحصّة إلى جانب الدولة (وسوريا)، وأدّت دوراً مكمّلاً في بعض الأحيان، ومناقضاً في أحيانٍ أخرى. حُلَّت الميليشيات، أعيد بناء مؤسسات عامة، تبنّت الدولة وجهة اقتصادية مركزية، بقيت صناديق الطوائف وتوزيعاتها، مُنع المس بالأحوال الشخصية، احتُرم التوزيع الطائفي للوظائف...
الأسوأ أنّ هذا الانتقام يجري اليوم بعدما أثبت المشروعان الوحيدان اللذان عرفهما لبنان في المرحلة السابقة، أي الإعمار والمقاومة، أنّهما أعجز من فرض هيمنة كاملة على البلاد. الطوائف تسبح اليوم في فضائها الخاص. وجودها وقوّتها غير مرتبطين بمشروع يخصّ البلاد نفسها. بات على الدولة، في حال كهذه، أن تبحث هي عن دور لها. دور يتجاوز إدارة الحوار بين الطوائف وأمرائها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد