قضايا وآراء » إسرائيل والخيارات الصعبة

- صحيفة 'النهار'
بقلم نبيل المقدم:

هل تشن اسرائيل حربا جديدة على لبنان في المدى المنظور؟ وهل تتطور هذه الحرب لتصبح مواجهة اقليمية كبرى؟ سؤال يؤرق اللبنانيين والعرب والقوى الدولية المؤثرة في خريطة السياسة العالمية وخصوصا بعد حملة التهديدات المتبادلة بين سوريا واسرائيل، فاسرائيل تريد حكما هذه الحرب وتستعجلها كون المجتمع الاسرائيلي بطبعه ينحو نحو الحرب والتطرف، وهذا امر له علاقة بالبنية السيكولوجية لهذا المجتمع وطبيعته الدينية والسياسية.
وتريد هذه الحرب ردا للاعتبار بعد هزيمة تموز 2006 التي شكلت لها صدمة نفسية وعسكرية وسياسية. فاسرائيل بعد هذه الحرب وجدت ان مقولة الجيش الذي لا يقهر وامن المجتمع الذي لا يمس باتت في خطر داهم، وان وجودها خلافا للطبيعة قد لا يستمر، لان المجتمع الاسرائيلي اذا فقد الشعور بالامن والسلامة فقد مقومات وجوده. ولكن على رغم توافر النيات الاسرائيلية بفتح حرب جديدة، فهل اسرائيل قادرة في المدى القريب على شن هذه الحرب؟ وهل حسابات هذه الحرب هي حسابات اسرائيلية فقط؟
تشير كل المعلومات والدراسات في هذا المجال الى ان اسرائيل لن تذهب الى الحرب قبل ان تتوافر لها عناصر ثلاثة تطمئنها الى ان مجريات الحرب تسير لمصلحتها وان الغاية التي ستدخل الحرب من اجلها ستتحقق.
وهذه العناصر هي: قدرة الجيش الاسرائيلي على الفوز في ساحة المعركة وهذا لن يتحقق اذا لم تجد حلا لمشكلة الصواريخ القصيرة المدى التي يمتلك 'حزب الله' وسوريا منها كميات كبيرة جدا، والتي تشكل توازنا للرعب مع الطيران الاسرائيلي كونها اثبتت قدرتها على اصابة العمق الاسرائيلي وايقاع خسائر بشرية كبيرة وضرب منشآت حساسة امنية واقتصادية، مما سبب هجرة كثيفة للمستوطنين الذي عبروا عن عدم اقتناعهم بمستقبل اسرائيل، ولذلك تسعى اسرائيل الى بناء منظومة اعتراض للصواريخ القصيرة المدى، وهذا ما يقول خبراء استراتيجيون انه بالغ الصعوبة، لان المسألة تقاس بثوان قليلة جدا. اضافى الى ذلك، فانها قبل ان تدخل الحرب عليها ان تعمل على اعادة الاعتبار الى عنصر التفوق الجوي للجيش الاسرائيلي وهذا ما استطاعت المقاومة تحييده خلال حرب تموز 2006 حيث ان معظم الضربات الجوية الاسرائيلية كانت فارغة ولم تدمر إلا البيوت والابنية ولم تقتل الا المدنيين، اما الخسائر في صفوف المقاومين من جراء تلك الضربات فكانت قليلة، لان مقاتلي المقاومة يتقنون جيدا لعبة التخفي والتمويه وهم ابناء الارض التي تقع عليها المواجهة وعلى دراية تامة بتضاريسها وهم يذبون في بيئتهم الاجتماعية.
والحكومة الاسرائيلية لن تذهب الى اي حرب ايضا قبل ان تطمئن الى قدرة المجتمع الاسرائيلي على التكيف مع مقتضيات الحرب المقبلة التي تشير تقارير الخبراء الى انها ستكون هذه المرة حربا طويلة قد تتجاوز المئة اليوم، لذا على اسرائيل ان تعد مجتمعها لصعوبات تلك المرحلة وهذا ما فشلت فيه حتى الآن، اذ ان جميع المناورات العسكرية التي اجرتها منذ انتهاء حرب تموز وحتى الآن والتي شاركت فيها جميع فئات المجتمع الاسرائيلي افضت الى نتيجة واحدة هي انه مجتمع هش وطري العود ولا يطيق ضغوط الحروب العسكرية وترتفع فيه باطراد نسبة متعاطي المخدرات وحياة اللهو والمجون.
واسرائيل هذه المرة لن تدخل الحرب بدون تشكيل حكومة وحدة وطنية، لان المجتمع الاسرائيلي الذي يشكل عائقا امام اي حرب جديدة في حاجة الى تعبئة جديدة يقتنع فيها انه في خطر داهم وانه لا حل الا بدخول الحرب من جديد لبتر الارهاب من جذوره. وربما يكون السيناريو المرسوم هذه المرة لهذه التعبئة هائلا، لانه ليس من السهل خصوصا بعد ما جرى من جرائم حرب في غزة وقبله في جنوب لبنان اقناع الرأي العام الاسرائيلي والاميركي والرأي العام العالمي بأن هناك ارهابا جديدا يضرب المجتمع الدولي ويهدده، لذلك هي في حاجة الى تبرير لحربها تضعه في سياق عملية محاربة الارهاب الدولي، وبالتالي ستحاول تجييش الوضع الدولي لمصلحتها والحصول على مزيد من الدعم، باعتبار انها تشكل رأس حربة في محاربة الارهاب الدولي حسبما تسوق هي لنفسها. وبدون حكومة وحدة وطنية يصعب الدخول في هذا الموضوع، ولكن السؤال هل يوافق جميع الاطراف على الدخول الى حكومة يكون هدفها شن المزيد من الحروب، ولا سيما ان تداعيات تقرير فينوغراد لم تنته بعد، كما ان الحروب التي خاضتها اسرائيل منذ عام 1982 شكلت مقبرة سياسية ومعنوية للعديد من القادة الاسرائيليين من عسكريين وسياسيين. لذلك امام هذا كله فان اسرائيل قد تجد نفسها امام احد احتمالين:
عملية كسب المزيد من الوقت من اجل اعادة تجهيز نفسها لحرب جديدة وهذا الوقت ستحاول تغطيته خلال عملية البحث عن حلول سياسية مزعومة لمشكلة المنطقة. ولكن هذا الامر له محاذيره ايضا، اذ انها بذلك تكون ايضا تعطي خصومها مزيدا من الوقت في تحسين قدراتهم العسكرية وهذا ليس في مصلحة اسرائيل.
اما الاحتمال الآخر فيتمثل في محاولة اسرائيل توريط الولايات المتحدة في مواجهة مع ايران بتوجيه ضربة عسكرية اليها والى سوريا تعيد من خلالها خلط الاوراق في المنطقة بما يناسب مصالحها واهدافها في المنطقة، وفي ذلك مصلحة اساسية وكبرى لاسرائيل، اذ ان غايتها تنطلق من مقولة انها تقوم على التفوق العسكري. والتفوق العسكري الاسرائيلي ذو شقين ردع تقليدي وردع نووي. الردع التقليدي الاسرائيلي سقط في حرب تموز الماضية وتخشى اسرائيل ان تفقد التفوق على مستوى الردع النووي من خلال نشاطات ايران النووية، لانها تعتقد ان النشاط النووي الايراني سينتهي في نهاية المطاف الى ترسانة نووية عسكرية ايرانية، وبالتالي لم يعد امام اسرائيل هامش كبير سوى القيام بضربة عسكرية الى المنشآت النووية الايرانية كي لا تفقد امتيازها النووي وتفوقها. واسرائيل من خلال محاولتها توريط الولايات المتحدة في حرب كهذه تراهن على انها مضطرة في نهاية المطاف الى حسم ملفها مع ايران بأي طريقة من الطرق، وبمعنى آخر فهي لا تستطيع ان تبقي الامور تراوح مكانها، وهذا الامر مستبعد لان مصدقية الولايات المتحدة على المحك كدولة عظمى، اذ هي لا تستطيع ان تطلق تهديدات فقط من دون ان تنفذ منها شيئا، في حين ان ايران تمضي في مشروعها النووي غير عابئة بالتهديدات الاميركية وكل يوم يمضي تقترب فيه ايران من مشروعها النووي اكثر فأكثر. ولكن الولايات المتحدة تعرف في نهاية الامر ان هذا الخيار لن يكون سهلا وسيكون مكلفا للجميع وآثاره ستعم المنطقة برمتها كما ان حساباته ليست فقط بين اسرائيل والولايات المتحدة، بل ان ابعاده قد لا تقف عند حدود المصالح الروسية والصينية في المنطقة فقط.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد