- "النهار"
لماذا يرفض نتنياهو التفاوض مع سوريا؟
رنده حيدر:
... وإذا كان الموقف الإسرائيلي من سوريا لم يتغير رغم التطورات التي طرأت على الموقف الدولي منها، ولاقتناع إسرائيل بأن العملية التفاوضية لن تغير شيئاً من التحالف الوثيق الذي يجمع بين سوريا وإيران و"حزب الله"؛ فإن الباعث الحقيقي لرفض حكومة نتنياهو أي بحث في عودة المفاوضات غير المباشرة مع سوريا لا يعود الى ذلك فقط، وإنما الى رفض البحث في الإنسحاب الشامل من الجولان واعتباره تنازلاً إسرائيلياً. فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من اقتناع الوزير مريدور بضرورة التحاور مع السوريين من دون شروط مسبقة، وأن سوريا دولة تختلف عن "حماس" و"حزب الله"، وأن الاتفاق معها سيحدث "تغييراً تاريخياً كبيراً في الشرق الأوسط"، فإننا نجده من جهة أخرى يعارض الانسحاب من الهضبة ويعتبر ذلك"مطلباً إقليمياً صعباً جداً".
أما عوزي أراد فيقترح بديلاً من ذلك هو تبادل أراض بين سوريا والأردن ولبنان وإسرائيل، من دون ان يوضح طبيعة هذا التبادل، ولكن الواضح رفضه فكرة الإنسحاب الشامل من الجولان مقابل السلام الشامل مع سوريا.منذ أعلنت إسرائيل ضم الجولان نهاية عام 1981، وضعت الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة قيوداً قانونية ثقيلة على أي قرار يتناول مستقبل الهضبة، وهذه ذريعة كافية لتبرير رفض الانسحاب من الهضبة وتالياً الحوار مع سوريا.
- "النهار"
هل تتحقق ارادة الناس؟
نايلة تويني:
لماذا يضطر مجلس الوزراء الى أن يؤكد للمرة الرابعة - والحبل على الجرار - عزم الحكومة على إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية قبل 25 يوماً فقط من الموعد الدستوري لبدء هذه الانتخابات؟هل هناك من تشكيك او تشويش على هذه الانتخابات أكبر من رؤية الحكومة التي تحاول بشق النفس إقناع الناس بتصديقها، فيما تجهد إلى إقناع نفسها أولاً بأنها قادرة على الوفاء بوعدها؟. نطرح هذا التساؤل الغريب، لا للدخول في اللعبة الغامضة التي لا نعرف لها سبباً واضحاً، كما هي حال معظم الوزراء والنواب، الذين باتوا يكررون العبارة - البدعة "التأجيل التقني". لكننا نتناول الموضوع من زاوية دعوة الناس، هذه المرة، إلى اخذ المبادرة بأيديهم، وإحباط هذه اللعبة الخبيثة التي يراد لها ان تبقيهم ضائعين ومترددين حتى اللحظة الأخيرة، فتتولى حينذاك القوى السياسية والحزبية الكبيرة والقادرة، والمتحكمة بمصائر الناس، تركيب النتائج مسبقاً لمصلحتها.نحذر الناس من أن هذه اللعبة ستأتي على حساب خياراتهم التي يفترض أن تكون الأساس لهذه الانتخابات. وإذا كان من نموذج واضح لذلك فهو مسارعة بعض القوى، كحركة "امل" و"حزب الله"، إلى اقتسام النتائج سلفاً في مناطق نفوذها، وبداية عقد تحالفات حزبية مماثلة في مناطق أخرى، مما يعني أن أمرا واقعا سيفرض على الناس وليس العكس...
- "المستقبل"
كلام القرعاوي رسالة "قاعدية" أم فقاعة إعلامية؟..من يستفيد من "إدارة التوحش" لبنانياً؟
أحمد الزعبي:
المقابلة الرسالة التي نشرها موقع الكتروني متخصص في بثّ المواد المرتبطة بالتنظيمات الأصولية، قبل أيام، مع المطلوب الأمني على قائمة الـ 85 ومن وصف بأنه القائد الميداني في "كتائب عبد الله عزام"، السعودي صالح القرعاوي، تستدعي قراءة في دلالاتها والتوقف عندها لفكّ شيفراتها، إن لناحية توقيتها أو مضمونها أو دلالاتها في السياقين اللبناني والدولي، خصوصاً وأن شظايا توعد القرعاوي طاولت أكثر من جهة داخلية وخارجية، مستخدماً أدبيات قاعدية، لكنها لا تعكس أو لا تتطابق مع الاستراتيجيات العامة للتنظيم بشكل كامل، وبالتالي لا يمكن الجزم بما إذا كان كلام القرعاوي تكتيكاً يعتمده التنظيم راهناً لصرف الانظار عن أزمة يعيشها في معاقله، مستفيداً من هشاشة الساحة اللبنانية، أم أنه قرر فعلاً اتخاذ لبنان ساحة لنشاطه.
فكلام القرعاوي، الذي "غاص" في الواقع اللبناني بملفاته الشائكة في لحظة تداخل سياسية وأمنية دقيقة، يجهد للالتصاق بأدبيات "القاعدة"، وهو استحضر بعضها، وخصوصاً تلك المتعلقة باستراتيجية "إدارة التوحش" لإثبات انتمائه إلى التنظيم. لكن تأملاً دقيقاً في ثنايا كلامه يكشف خلاف ذلك.
في الشكل، لا يعتبر "مركز الفجر للإعلام" الذي بثّ المقابلة مع القرعاوي، أحد منابر "القاعدة" الإعلامية، التي ينطق عادة باسمها موقع "السحاب" أو "أسود الجزيرة"، بل هو موقع قريب من جماعات متشددة بعضها سبق له التورط بالعمل مع أجهزة أمنية في المنطقة، وينشر شذرات متفرقة من "أدب الجهاديين".
ثانياً، إن حديث القرعاوي عن "كتائب عبد الله عزام"، و"سرايا زياد الجراح"، تتماهى مع الهيكليات التنظيمية للقاعدة وفروعها حول العالم، لكن على الرغم من مرور قرابة السنوات الثلاث على ظهور هذا الاسم إلا أن مواقع "القاعدة" الناطقة باسمها لم تشر إليه. دون إغفال الرمزية التي يستثيرها هذان الاسمان (عزام والجراح) في بعدهما اللبناني والفلسطيني، إذ قد يستفيد البعض من تضخيم خطر "القاعدة" في لبنان، لإعادة إخضاع الساحة اللبنانية، والسنية منها بوجه خاص، لابتزاز مقولة الإرهاب وضرورة محاربته بما يتجاوز الواقع السياسي المأزوم أساساً على أكثر من مستوى، لكن من دون أن يعني ذلك، أن لبنان لا يزال بمنأى عن اعتبار "القاعدة" له كساحة محتملة لعمله بعدما ضاقت على هذا التنظيم ساحات كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي.
في التوقيت، أتى حديث القرعاوي متزامناً مع التفجيرات الأخيرة في كل من بغداد (العراق)، وبيشاور (باكستان) وموسكو في (روسيا)، لكنها أتت أيضاً في أعقاب الظهور الإعلامي الأخير لأسامة بن لادن (25 آذار 2010) الذي هدد بإعدام أي أميركي يقع في أسر "القاعدة" إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على إعدام خالد شيخ محمد، أحد المتهمين بالتخطيط لأحداث 11 سبتمبر 2001. ما فُهم على أن التنظيم في صدد اللجوء إلى تكتيكات جديدة تعتمد نقل ساحة الصراع إلى مناطق جديدة بعد اشتداد الخناق عليه في أفغانستان والعراق، ونتيجة للإجراءات الاستباقية الرادعة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية ودول الخليج العربي ضد تهديداته.
فالذي يظهر، إذاً، أن ثمة توجهاً للقضاء على "القاعدة" في غير مكان أي تجاوز استراتيجية الاستفادة من التوترات التي خلقتها منذ العام 2001- كما يحصل في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والصومال، ولذلك تبدو بقايا هذا التنظيم متوترة ومستنفرة، وقد يحصل أن تنتقل خلاياها الى لبنان للعمل فيه مستفيدة من هشاشة الوضع الأمني وتداخل المصالح وتشابك الملفات، وهو ما عكسه كلام القرعاوي عن الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" و"حزب الله".
ثم إن هجوم القرعاوي على الجيش اللبناني و"حزب الله" والقيادات السنية، متهماً إياهم بالدفاع عن أمن إسرائيل وتشكيل عقبة أمام وصول عناصر "القاعدة" إلى شمال إسرائيل، محلّ نظر وتأمل. فالتقليد "القاعدي" هو غياب العنصر الإسرائيلي عن الخطاب الجهادي، الذي يجعل من الداخل الاجتماعي في العالمين العربي والإسلامي عدواً بزعم التبعية للغرب ومسالمة الكيان الصهيوني، كما يجعل من المدنيين في دول الغرب أهدافاً له. في حين تبدو الحماسة المفاجئة لـ "فتح جبهة خارجية (..) على اليهود في فلسطين" موضع تساؤل مشروع ؟
على أن دخول "القاعدة" أو أدواتها على الشأن اللبناني ليس جديداً، ففي شهر نيسان 2008 أطلّ الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري معلناً أن لبنان سيكون له "دور محوري" في "المعارك المقبلة مع الصليبيين واليهود"، وأكد أن "لبنان ثغرٌ من ثغور المسلمين"، طالباً من "الجيل الجهادي في لبنان" أن "يعدّ نفسه للوصول الى فلسطين، وأن يكون عوناً ومدداً لإخوانه في العراق، وأن يطرد القوات الغازية الصليبية التي يزعمونها قوات حفظ السلام وألا يقبل بالقرار 1701". وقال "أعلم أن المجاهدين في لبنان بين نارين: نار عملاء أميركا وحلفائها من جهة ونار من يرتبط بالقوى الإقليمية ومخططاتها من جهة أخرى".
وسبق ذلك إطلالتان للظواهري على الشأن اللبناني: الأولى في أوج حرب تموز 2006، يومها دعا "المسلمين الى تقديم السند للمجاهدين"، وبعدها بأقل من شهر، في 14 أيلول 2006 أطل مجدداً ليحذر اللبنانيين من التعاطي مع القرار 1701 "المذل للمسلمين" كما وصفه.
لكن الطريف أن القرعاوي - ومن قبله الظواهري بتحريضه على الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" لا يمهد للقول إنه إنما يريد بذلك لبنان ساحة أو منطلقاً لقتال إسرائيل من جانب "القاعدة"، بل يقول صراحة إن المشكلة في لبنان أن هناك طرفين: عملاء أميركا وأتباع القوى الإقليمية؛ بمعنى انه مستمر في التمسك بالنهج "القاعدي" المشار إليه الذي يرى أن مشكلته هي مع الولايات المتحدة الأميركية والأنظمة العربية والإسلامية وبالتالي فان إسرائيل ليست هدفاً عنده، أو في تقدير آخر ليست الأولوية. ولذلك هو يتحدث عن "جبهة خارجية لضرب المفاصل الإقتصادية وخرق صفوف العدو من الداخل (..) منها سرية زياد الجراح التي خصصت لقتال اليهود".
وللتذكير فإن "كتائب عبد الله عزام- سرايا زياد الجراح" هي التي تبنت قصف صواريخ على إسرائيل من لبنان قبل نحو سنة ونصف، ثم في 27 تشرين الأول الماضي، وقبل ذلك في شهر أيلول 2009.
في جانب آخر، إن كل ما سبق لا يلغي حقيقة أن استحضار وقائع من مثل 7 أيار 2008 "الشهير"، بحسب القرعاوي، تحيل إلى أن الجهة التي صنعت 7 أيار تركت باباً يسهل العودة إليه لنكء الجراح واللعب على الغرائز في أية لحظة بالرغم من القرار السياسي اللبناني الداخلي بتجاوز تلك المحطة السوداء.
وبالعودة إلى مقابلة القرعاوي، فهو أكد "سعي القاعدة في الجزيرة العربية إلى خطف أجانب واستهداف المصالح الأميركية"، معتبرا أن ضرب المصالح الأميركية "من أهم الأهداف، وهي منتشرة في بقاع الأرض، ويسهل ضربها". ووضع تأسيس "كتائب عبد الله عزام" في إطار "فتح جبهة خارجية لضرب المفاصل الاقتصادية وخرق صفوف العدو من الداخل، وإدخال الرعب في قلوبهم". وهذا من ضمن ما بات يعرف باستراتيجية "إدارة التوحش" التي ترتكز إلى ضرب مفاصل اقتصادية أو مصالح حيوية لإرباك الخصوم في ساحاتهم وتحقيق أكبر صدى إعلامي.
واللافت في كلام القرعاوي أنه لم يحيّد سوريا عن هجومه، خلافاً لأحاديث قاعدية سابقة.
لكن هل يعني هذا تبرئة لـ"القاعدة" من العمل أو التوجه للعمل انطلاقاً من لبنان؟
الواضح من تتبع مسارات الخطاب والنهج "القاعدي"، أن لـ"القاعدة" خلايا في هذا البلد، لكن هذا التنظيم لم يقرر إطلاقها بعد، لأنه لم يقرر أساساً العمل في لبنان لأسباب عدة قد يكون أبرزها ما أوحى به كلام القرعاوي ومن قبله الظواهري - من أن ما يعتبره عملاً جهادياً إذا انطلق من لبنان فإنه محكوم بأن يكون تحت الإشراف المباشر من "حزب الله" تنسيقاً وتوقيتاً للعمليات وتبادلاً للمعلومات وغيرها. وهو الأمر الذي لم تستسغه "القاعدة" الى الآن نتيجة القطيعة مع الحزب على أساس مذهبي وفكري؛ لكنه لا يمانع من استخدام هذه الساحة في توظيفات وخدمات متبادلة في لحظة حرجة يعيشها على أكثر من مستوى.
على أن ذلك لا يلغي أيضاً احتمال استهداف قوات "اليونيفيل" في جنوب لبنان، تحت مسميات "قاعدية" وان لم يكن بأيدي عناصرها، أي عبر "تغطية" أي عمل إرهابي من خلال "تحمل" إلصاقه بالقاعدة. وفي كل الأحوال، سواء أكانت مقابلة القرعاوي فقاعة إعلامية أم رسالة موجهة فإنها تستدعي تنبهاً وعملاً جاداً على أكثر من مستوى.
- "النهار"
الشيرازيون: من هم وأي دور لهم في الواقع الشيعي؟
بقلم قاسم قصير:
يشكل الشيرازيون (اتباع الامام الراحل محمد الشيرازي) أحد أنشط التيارات الشيعية التي برزت في السنوات الاربعين الماضية، وقد كانت انطلاقتهم الاساسية في كربلاء العراق، لكنهم نجحوا في الامتداد نحو العديد من الدول العربية والاسلامية وخصوصا ايران والكويت والسعودية ولبنان والبحرين وسوريا. وكان الشيرازيون المنافس الاساسي لانصار حزب الدعوة العراقي في العديد من الساحات السياسية. ورغم ان "الدعوتيين" كانوا الاكثر انتشارا وتنظيما واصحاب مشروع فكري اسلامي متكامل، فان الشيرازيين نجحوا في تحقيق اختراقات مهمة في الواقع الشيعي ولا سيما بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية، وقدرتهم على الحصول على امكانات مالية واعلامية وعسكرية ضخمة حيث كان لهم دور كبير في العديد من النشاطات العسكرية في عدد من الدول العربية، لكن دورهم انحسر في السنوات العشر الاخيرة على الصعيدين السياسي والعسكري بعد حصول خلافات بين قادتهم ومسؤولي الجمهورية الاسلامية الايرانية، لكنهم نجحوا في تحقيق انجازات اعلامية وثقافية كبيرة من خلال عدد من الفضائيات التي يمتلكونها وخصوصا "الانوار" و"الزهراء"، وتركيزهم على نشاطاتهم التعبوية ومجالس العزاء ولاسيما في كربلاء والكويت ولبنان والبحرين. وهم يشكلون اليوم احد ابرز التيارات الشيعية التي تنطلق من خلال تعزيز التعبئة المذهبية ونشر اعمال التطبير (ضرب الرؤوس والسلاسل) واقامة المسيرات العاشورائية الضخمة. فمن هم هؤلاء الشيرازيون؟ وما هي امتداداتهم التاريخية والجغرافية؟ وماذا عن نشاطهم التعبوي والاعلامي ولاسيما في الكويت ولبنان؟ واي مستقبل لهم في المرحلة المقبلة؟
البداية التاريخية
ينتسب لعائلة الشيرازي العديد من المراجع والقيادات الشيعية ومن ابرزهم قائد ثورة العشرين (1926) في العراق ضد الاحتلال الانكليزي الامام الحائري الشيرازي، وحاليا المرجع المجدّد في ايران اية الله العظمى السيد ناصر مكارم الشيرازي وهو يقيم في قم. اما الشيرازيون الذي نتحدث عنهم في هذا التقرير فتعود بداياتهم الى المرجع السيد عبد الهادي الشيرازي والذي توفي في ستينات القرن الماضي فخلفه ولده السيد مهدي الشيرازي والذي لم يستمر طويلا في مرجعيته فخلفه نجلاه الامام محمد الشيرازي (العراق) والامام حسن الشيرازي (الذي انتقل من العراق الى لبنان). وكان الشيرازيون يركزون على جلسات الشباب الحسيني والمدارس الدينية ومدارس حفظ القرآن واصدار النشرات الاعلامية والثقافية. ومن قادة الشيرازيين آية الله السيد محمد تقي المدرسي (وهو تلميذ الامام الشيرازي) وشقيقه السيد هادي المدرسي.
وحسبما يذكر الباحث الدكتور علي المؤمن في كتابه ("سنوات الجمر" والذي يؤرخ للحركة الاسلامية العراقية) فان بدايات الشيرازيين كانت ما بين العام 1965 و1967 وكانوا ينشطون في كربلاء باسم "حركة الرساليين – الطلائع" وحركة المرجعية. وكان هذا التيار يواجه معارضة من المرجعيات الشيعية في النجف ولاسيما مرجعية الامام محسن الحكيم.
اما الصيغة الابرز التي تحرك باسمها الشيرازيون في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته فكانت منظمة العمل الاسلامي والتي تأسست في الجمهورية الاسلامية الايرانية في 13 نيسان 1979 باشراف الامام محمد الشيرازي وتحت رعايته وتولى قيادتها السيد محمد تقي المدرسي، وكان الناطق الرسمي باسمها الشيخ محسن الحسيني، ومن قيادييها السيد هادي المدرسي والسيد كمال الحيدري والذي انشق عنها لاحقا.
وقد لقي الشيرازيون دعما كبيرا من الجمهورية الاسلامية الايرانية وخصوصا من قبل الحرس الثوري الايراني وبعض الاوساط القريبة من آية الله المنتظري وخصوصا مهدي الهاشمي شقيق صهره السيد هادي الهاشمي. وانتشر الشيرازيون في سوريا ولبنان والبحرين والكويت والسعودية واسسوا العديد من المنظمات: كالجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، ومنظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية (السعودية)، وكان لهم دور فاعل في ايران من خلال المؤسسات الاعلامية (كمجلة الشهيد) بالاضافة الى تغلغلهم في المؤسسات الايرانية. واما في لبنان فكان ابرز رموزهم الامام حسن الشيرازي الذي كان يلقى دعما من رئيس مجلس النواب الاسبق كامل الاسعد، وقد برزت بعض الخلافات بينه وبين الامام موسى الصدر، الى ان جرى اغتياله في اوائل الثمانينات ويُقال ان حزب البعث العراقي كان يقف راء عملية الاغتيال.
واسس الشيرازيون في لبنان عددا من المجلات والمؤسسات الثقافية والدينية والحوزات العلمية ومنها مجلة "عفاف" المختصة بقضايا المرأة.
مميزات الشيرازيين
يتميز الشيرازيون بالحيوية والقدرة الكبيرة على اقامة المؤسسات الاعلامية والثقافية ونشر الكتب والمؤلفات واقامة الحسينيات ومجالس العزاء وصولا الى امتلاك القنوات التلفزيونية الفضائية.
ولقد أصدر الامام محمد الشيرازي عشرات المؤلفات من أجل تأكيد مرجعيته ودوره الفكري والفقهي في ظل المواجهات التي خاضها ضد المرجعيات الاخرى في النجف.
اما السيد هادي المدرسي (شقيق السيد محمد تقي المدرسي) فقد اتبع اسلوب الكتابة المبسطة من خلال اصدار مئات الكتيبات الصغيرة والكتب المتنوعة والتي تتناول كل قضايا الحياة والهموم الاجتماعية ويعتمد في اسلوبه على مخاطبة الشباب مباشرة ومحاورتهم.
ولقد حرص الشيرازيون واتباعهم على التركيز على مجالس العزاء والمواكب الحسينية لأنها تؤدي لاكتساب جماهير واسعة وتصل الى الاوساط العامة وهم يركزون على الجوانب العاطفية والتعبئة المذهبية.
ولقد تخرج من المدرسة الشيرازية عشرات العلماء والمثقفين والذين اختلفوا مع هذه المدرسة واتبعوا اساليب اخرى كما انهم نجحوا في اطلاق افكار تجديدية في الواقع الاسلامي، ولعل من ابرز الانشقاقات التي تعرض لها الشيرازيون المجموعات التي تعمل في المملكة العربية السعودية ومن ابرز رموزها الشيخ حسن الصفار والاستاذ زكي الميلاد والاستاذ محمد المحفوظ والذين نجحوا في انهاء الخلاف مع السلطة في السعودية واعتمدوا اساليب جديدة في العمل الاسلامي والحوار مع مختلف التيارات الاسلامية وخصوصا التيار السلفي.
واما في العراق والكويت والبحرين ولبنان فقد اعتمد الشيرازيون على وسائل الاعلام والفضائيات والانترنت لنشر افكارهم وتعتبر فضائيتا "الانوار" و"الزهراء" من اهم الفضائيات الشيعية في الوقت الحاضر وهما تركزان على نقل مجالس العزاء التي تقام في كربلاء والكويت وبعض الدول العربية والاسلامية ولهما حضور بارز في الاوساط الشيعية.
العلاقة مع ايران
حظي الشيرازيون وخصوصا منظمة العمل الاسلامي بدعم كبير من العديد من الجهات الايرانية وخصوصا خلال الحرب العراقية– الايرانية، واقام معظم قادة الشيرازيين في ايران لفترة طويلة. وتولى مهدي هاشمي (شقيق صهر الشيخ منتظري هادي الهاشمي) رعاية الشيرازيين وتقديم الدعم المادي والمعنوي والاعلامي لهم. وكان العمل يتم من خلال " مكتب دعم حركات التحرير" والذي تأسس بدعم من الحرس الثوري الايراني. وانطلق الشيرازيون للتحرك في العديد من الدول العربية وخصوصا العراق والكويت ولبنان وسوريا والبحرين والسعودية، وان كان التحرك الميداني الابرز في البحرين والسعودية من خلال الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين ومنظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية. وحصلت صدامات كثيرة بين الشيرازيين والسلطات البحرينية والسعودية، لكن هذه التحركات لم تصل الى اية نتيجة عملية خصوصا بعد انتهاء الحرب العراقية – الايرانية، وبروز الخلافات بين الايرانيين والشيرازيين بعد اعدام السيد مهدي الهاشمي لدوره في كشف "ايران – غيت".
وبعد احتلال العراق الكويت وحصول حرب الخليج الثانية بدأت تبرز اتجاهات جديدة في اوساط الشيرازيين تدعو للمصالحة مع الحكام العرب، وتم التجاوب مع المبادرات التي أطلقها حاكم البحرين والمسؤولون السعوديون وعاد العديد من هؤلاء الى بلدانهم واتخذوا مواقف وافكاراً جديدة اخرجتهم من المدرسة الشيرازية التقليدية واصبح لديهم افكارا تجديدية تدعو للمصالحة الوطنية وتركز على البناء الثقافي والديني.
وبعد وفاة الامام محمد الشيرازي وتولي نجله السيد صادق الشيرازي المرجعية من بعده، وبعد الاحتلال الاميركي للعراق برزت بعض الخلافات بينهم وبين الايرانيين وقد اتهم الشيرازيون السلطات الايرانية بالتضييق على قيادتهم المقيمة في قم لكن الايرانيين ينفون ذلك.
واما في الجانب الفقهي والفكري فقد برزت خلافات اخرى مع الايرانيين بعد اعتراض الشيرازيين على الفتوى التي اصدرها الامام الخامنئي بتحريم التطبير وضرب السلاسل ورفض الشيرازيون الالتزام بها.
وفي العراق لا يزال الشيرازيون ينشطون تحت قيادة السيد محمد تقي المدرسي لكن دورهم السياسي والشعبي بقي محدودا ولم يتحول الى قوة فاعلة في المشهد السياسي العراقي.
اشكاليات الشيرازيين
يواجه الشيرازيون اليوم اشكالية كبيرة بين ادعائهم انهم دعاة للتجديد في الفكر الاسلامي والواقع السياسي، واعتمادهم اساليب تعبوية تعتمد على الاثارة المذهبية والعاطفية وخصوصا من خلال القنوات الفضائية التعبوية المخصصة للمجالس الحسينية وكذلك رفضهم للفتاوى التي تحرم التطبير وضرب الرؤوس والاجساد بالسلاسل والحراب، وقد اثار عدد من قرَّاء مجالس العزاء الذين يلقون مواعظهم من بعض المنابر الاعلامية والشعبية عند الشيرازيين الكثير من الاشكالات في بعض الدول العربية بسبب خطابهم التحريضي ضد المذاهب الاسلامية.
ورغم ان المدرسة الشيرازية قد خرَّجت العشرات من العلماء والكتاب والاعلاميين والذين يدعون للتجديد والاعتراف بالآخر والتركيز على الانتماء الوطني، فان من بقي هذه المدرسة من علماء ووعاظ لايزال يركز على المجالس الحسينية كوسيلة اساسية من وسائل التعبئة، وقد ادى انتشار الفضائيات واستخدامها في بث المجالس الحسينية مباشرة ما يرافقها احيانا من ضرب للرؤوس او مسيرات السلاسل الى تقديم صورة سلبية عن الشيعة.
لكن مهما قيل عن اخطاء الشيرازيين والملاحظات على ادائهم الاعلامي والشعبي فانهم يشكلون اليوم احد ابرز التيارات الفاعلة في الواقع الشيعي مما يتطلب المزيد من القاء الضوء على ما يقومون به وعما اذا كان خطابهم يخدم الواقع الشيعي او انه يقدم صورة سلبية عن التشيع ومشروعه الفكري والتجديدي.
وفي ضوء هذه المعطيات يمكن القول ان خلف الواجهات الاعلامية التي يتحرك من خلالها الشيرازيون تكمن ظواهر وبيئات.