- 'النهار' نكسة غربية
بقلم محمد ابرهيم:
الاتفاق الذي انجزته كل من ايران وتركيا والبرازيل والمتعلق بتبادل الاورانيوم المنخفض التخصيب في مقابل اورانيوم مخصّب بنسبة عشرين في المئة حقق غرضه.فطهران كانت متيقنة من ان مشروع العقوبات الجديدة بحقها في مجلس الامن قد سلك طريقه. وبعد روسيا باتت الصين تنظر بايجابية الى مستوى معين من العقوبات.
وطهران التي اعتمدت سياسة النَفَس الطويل في مواجهة الغرب تشعر اليوم ولا شك بأنها اخذت فرصة اضافية. فما كانت تصر عليه واشنطن وحلفاؤها بات في متناول اليد.لقد حل الاتفاق قضية التبادل عندما حلّ عقدتين: من ناحية كانت طهران ترفض المبادلة خارج اراضيها، لانها كانت على ثقة بان ذلك يعني فقدانها السيطرة على مخزونها من الاورانيوم الضعيف التخصيب، ومن ناحية اخرى كانت تجد حرجاً في رفض عرض اردوغان ان تكون تركيا ارض التبادل.وافقت طهران على التبادل خارج اراضيها، واعلنت ثقتها بأنقرة، فكان ان حلت العقدتين معا.وفي الحقيقة فان الثقة التي اكتسبتها تركيا ومنحتها ايران تأتي بعد سلسلة من المواقف التركية، منذ غزو العراق عام 2003، تثبت ان السياسة الخارجية الجديدة لأنقرة اتجاه ثابت، وليست مجرد انعكاس لحاجات سياسية تركية داخلية.كان محور السياسة الخارجية الجديدة هو الموقف الحازم من اسرائيل، في محطات متدرجة ومتصاعدة، وهذا الملف ذو حساسية خاصة بالنسبة لطهران، وكذلك موقف متميز من التعاطي الغربي مع طهران في ملفها النووي، يدعو الى وضعه ضمن رؤية عامة فيها النووي الاسرائيلي وفيها أيضا الجهود العالمية لنزع السلاح النووي.واللافت في رد الفعل الاميركي على الاتفاق اعتباره انخراطا تركيا في اللعبة الايرانية بدل ان يكون اطمئنانا الى ان الاورانيوم الضعيف التخصيب سيصبح خارج الاراضي الايرانية.وفي هذا قياس المسافة التي قطعتها انقرة بعيدا عن واشنطن وفي اتجاه طهران حتى باتت مصدر ثقة للثانية وشك عميق للاولى.ولأن طهران باتت خبيرة في ادارة ملفها النووي مع الغرب، فانها اختارت ان تحل المشكلة التي انزلق هذا الغرب الى اعتبارها محك التقدم من مجلس الامن بطلب فرض عقوبات جديدة بحق طهران، اي مشكلة التبادل.وعندما حُلّت هذه المشكلة عبر الاتفاق الثلاثي، التركي – الايراني – البرازيلي، وجد المسؤولون الغربيون انفسهم مضطرين لاعادة نبش البنود الاخرى من الاتفاق: ماذا عن استمرار التخصيب؟ وماذا عن مفاعل المياه الثقيلة في أراك واخفاء موقع قم؟ والأهم ماذا عن بقاء اسئلة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدون اجوبة.وبذلك يشعر المسؤولون الغربيون اليوم بانهم خُدعوا، وبأنهم مضطرون للعودة الى نقطة البداية اي الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتكوين الملف من جديد. وهذا بالطبع يتطلب اشهرا اضافية، خصوصا متى اخذنا في الاعتبار ان كمية الاورانيوم المخصبة ايرانيا، تعاظمت بين بداية التركيز على التبادل وانجاز الاتفاق، فلم يعد رقم 1200 كيلوغرام يعبر فعلا عن الموجودات الايرانية الراهنة.الغرب ارتبك، وموسك وبيجينغ لن تتأخرا في الشعور بأنهما تحررتا من ضغوط التعجيل، وبامكانهما استئناف الموقف القديم، موقف الحلول الديبلوماسية المتاحة للملف بكامله.هنا تطرح ولا شك قضية عدم وجود اقتناع على مستويين دولي واقليمي، بالخطر الداهم الذي يشكله المشروع النووي الايراني، يخالطه شعور بأن الغرب يبالغ ولأسباب، غير نووية، في تعظيم الخطر الايراني. لكن اذا كانت 'أكتاف' موسكو وبيجينغ تستطيع ان تتحمل مسؤولية فرملة الاندفاعة الغربية في مواجهة طهران يبقى السؤال حول قدرة اردوغان على الاستمرار في سياسة اقليمية، بل دولية، تهدد تجاوز طاقات تركيا، مع ما في ذلك من اخطار.
- 'النهار'
في العراق... لا تبنوا على 'الاستطلاعات' فقط!
سركيس نعوم:
أجرى، في الثلث الاخير من شهر آذار الماضي وبعد الانتخابات التشريعية في العراق، مركز ابحاث عراقي محترم وبتفويض من 'بيكتر لاستطلاعات الشرق الاوسط – برنستون'، استطلاعاً للرأي شمل ثلاثة آلاف مواطن عراقي ينتمون الى مكوّنات الشعب العراقي كلها، كان الهدف منه محاولة معرفة ليس الدور المهم الذي تقوم به الجمهورية الاسلامية الايرانية في العراق، بل شعور المواطنين في هذه البلاد حيالها وحيال دورها المشار اليه وكذلك حيال نفوذها الآخذ في التوسع. وما دفع 'بيكتر' الى تفويض مركز الابحاث العراقي كان افتقار العراق الى استطلاعات الرأي العلمية والنزيهة والمحايدة، الامر الذي اوقع المتعاملين مع اوضاعه من الخارجين الدولي والاقليمي فضلاً عن المنظمات الدولية في الغموض واحياناً في الخطأ. ماذا كانت نتيجة الاستطلاع المذكور؟ ما نقله منه مركز ابحاث اميركي مرموق ركّز في معظمه على آراء العراقيين الشيعة ومواقفهم من ايران الاسلامية الشيعية، وذلك انطلاقاً من مواقف 'مسبقة' عدة تؤكد في معظمها وجود علاقة تعاطف وتضامن وتعاون بين الفريقين تحقق المصالح الحيوية لكل منهما. ومصلحة العراقيين الشيعة هي تأمين نظام يمكّن الشيعة في العراق من ممارسة الحكم كونهم الغالبية العددية. وهذا هدف مشروع وديموقراطي في آن واحد ولا يعني في حال من الاحوال هضم حقوق اشقائهم في المواطنية وفي الدين وفي مقدمهم السنّة والاكراد. اما مصلحة ايران الشيعية فهي تثبيت وضع في العراق لا يسمح له على الاطلاق الآن وفي المستقبل بأن يتحول خطراً عليها وتهديداً لها، وقد حصل ذلك مرات عدة في السابق. ومصلحتها ايضاً هي ان يكون الشيعة عموماً اصحاب السلطة الفعلية في البلاد لأنهم سيحتاجون الى دعمها ورعايتها وربما حمايتها ريثما يتمكنون من بناء بلادهم وخصوصاً في ظل الرفض الفعلي وإن غير المعلن رسمياً من غالبية دول الجوار السنية لقيام ما تُسمّيه دولة شيعية في العراق. هل انطبقت نتائج 'الاستطلاع' على المواقف المسبقة المذكورة اعلاه؟غالبيتها لا تشير الى انطباق كهذا. فنحو 43 في المئة من المستطلعة آراؤهم عبروا عن نظرة سلبية 'لعلاقة ايران بالقادة السياسيين العراقيين' في مقابل 18 في المئة رحبوا بعلاقة كهذه. ونحو 58 في المئة من هؤلاء لاحظوا نفوذاً ايرانياً كبيراً وكبيراً جداً في تمويل الحملات للانتخابات التشريعية الاخيرة. ونحو 48 في المئة لاحظوا نفوذاً ايرانياً كبيراً على نشاطات الميليشيات في حين اعتبر 33 في المئة هذا النفوذ صغيراً. ونحو 52 في المئة ابدوا رأياً سلبياً في الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في مقابل 17 في المئة كان رأيهم ايجابياً. ونحو 38 في المئة لم يستحسنوا موقف نجاد المتعلق بـ'الهولوكوست' (المحرقة اليهودية) في مقابل استحسان نحو 16 في المئة. ونحو 36 في المئة ايدوا برنامج ايران النووي في مقابل 31 في المئة ابدوا موقفاً سلبياً منه، ونحو 29 في المئة انتقدوا ولاء نجاد لآية الله خامنئي في مقابل 17 في المئة ايدوا هذا الولاء.واستناداً الى النتائج المذكورة توصل محللو الاستطلاع الى خلاصة مناقضة للانطباع السائد في المنطقة والعالم عن نظرة العراقيين وفي مقدمهم الشيعة الى تدخل ايران في بلادهم. طبعاً اعترف هؤلاء بأن الرأي العام لا يكفي وحده لتكوين صورة نهائية او تقويم نهائي للأوضاع في العراق. ذلك انه عامل واحد في حين ان الصورة العامة في العراق مكوّنة من عوامل عدة. لكنهم في الوقت نفسه دعوا المعنيين بالعراق وخصوصاً من الخارج الى ايلاء نتائج الاستطلاع المفصّل اعلاه الأهمية القصوى عند معالجتهم مع العراقيين شؤون تأليف الحكومة العراقية الجديدة وشجونها.هل الصورة التي كوّنها الاستطلاع معبِّرة فعلاً وبدقة عن العراق وتحديداً عن الطائفة الشيعية فيه ومواقفها؟اللبنانيون القريبون من التيارات الشيعية العراقية على تناقضها وتنافسها يؤكدون انها تؤمن ايماناً مطلقاً بعروبة الشيعة في العراق، وبالحرص على ان لا يتسبب عراق اليوم والغد (اي عندما يستقر) بأي مشكلات للجوار العربي وغير العربي السني في معظمه، وعلى ان لا يشكل اي خطر عليه او تهديد له. لكنهم يؤكدون في الوقت نفسه انهم لن ينخرطوا لا اليوم ولا غداً في محور معاد لايران التي ساعدتهم وحمتهم ايام الراحل صدام حسين ولا سيما بعدما اعطاه جورج بوش الاب الفرصة في اعقاب طرده من الكويت لارتكاب مجازر في حقهم وحق كل المعارضين الآخرين من السنّة والاكراد. ويؤكدون ثالثاً ان مصلحة بلادهم تقتضي علاقة تعاون مستقرة وثابتة ودائمة مع ايران من دون ان يعني ذلك تسلطاً عليها او تدخلاً في شؤونها الداخلية السياسية والدينية او حتى في نظام الحكم. ويؤكدون رابعاً واخيراً ان عراق اليوم والغد بعد استقراره واستتباب نظامه حيث للشيعة غالبية واضحة في حكمه سيكون عراق الحوار بين اشقائه العرب وايران الاسلامية الشيعية اليوم.
- 'السفير'
انتخابات &laqascii117o;التحالف الثنائي" في الجنوب: هذا ما تعنيه.. ولهذه الأسباب نرفضها
علي دربج:
جلست يارا في حديقة منزلها المواجه لمبنى البلدية. أصغت بانتباه للنقاش الدائر حول الانتخابات البلدية في الجنوب وجدواها. سألت الحاضرين عن هوية المرشحين في بلدتها، فاستوقفتها أسماء بعضهم وسيرته الشخصية، وأثار حفيظتها بعضهم الآخر. ضحكت كثيرا على التسابق للفوز بمقعد في المجلس البلدي، معلقة على ذلك بلهجة ساخرة: &laqascii117o;والله يا هنانا، صار العضو البلدي بالعباسية أهم من العضو الدائم بالأمم المتحدة". وحدها عبارة عفوية تفوّه بها أحدهم، ومفادها: &laqascii117o;هذه بركات التحالف"، استفزت يارا وأخرجتها عن طورها. عبارة كانت كفيلة بأن تشعل نارا داخلها، فانتفضت وقوفاً والاستياء باد بوضوح على وجهها، بعد أن سمعت ما يعكّر مزاجها. ردّت والغضب يتملكها: &laqascii117o;هذه ليست انتخابات بل مسرحية هزلية، رسم طرفا التحالف الأدوار والسيناريو، ثم فرض على الجمهور الحضور بالقوة". صرخة يارا هي واحدة من مئات الصرخات التي يطلقها الشاب الجنوبي ممن يعتريهم الشعور بالضيق والمرارة من مصادرة رأيهم وحقهم في اختيار حتى ممثليهم المحليين، نتيجة للإقطاع القديم الجديد، أو الـ&laqascii117o;نيو إقطاع"، كما يحلو لأحدهم القول، المتحكم بحياتهم اليومية، حتى كأنه كتب عليهم أن يدفعوا ثمن إعادة عقارب الساعة عشر سنوات إلى الوراء، فلا تلبث إن تلوح أمامهم بارقة أمل للخلاص حتى يسقط عليهم مصطلح جديد، وهو &laqascii117o;التحالف البلدي"، ليغدو كسيف مصلت على رقابهم. بعضهم، قاوم هذا السيف وحاول الانعتاق من هذا الإقطاع والتحرر منه، والبعض الآخر استسلم له وعمل على تقديم أوراق اعتماد فكره إلى رجالاته، فأضحى مرتاحا من عبء المساءلة وحتى الكلام، كأنه يقول: لماذا نتكبد عناء التفكير ما دام هناك من يفكر ويتكلم ويقرر ويفهم عنّا؟
نسخة طبق الأصل
يقضي على شريم (21 عاما) أيام عطلته الجامعية بالتحضير لإطلاق مبادرة لدعم المرشحين المستقلين للمجلس البلدي في مسقط رأسه (حومين الفوقا)، داعيا شبابها إلى التجاوب مع حملته وعدم الانجرار وراء الشعارات الفضفاضة التي تطرحها قوى التحالف، معتبرا أنها نسخة طبق الأصل عن النظام السياسي اللبناني التوافقي. ويرى علي أن هذا التحالف هدفه إلغاء دور شريحة كبيرة من الشباب ذات التوجهات السياسية المناقضة لقوى التحالف، أو المتباينة معها. فالإنماء برأيه ما هو إلا شعار يتلطّى وراءه طرفا التحالف، معطيا مثلا على ذلك بالسؤال عن الانجازات التي حققها المجلس البلدي التابع لحومين الفوقا مع أن أعضائه جميعا هم من الحزبيين أو المناصرين لهم؟ هذه الانتخابات لا تمثل علي كما يقول، لأنها مشوبة بالعيوب، مفضلاً النظام النسبي، لأنه يسمح بالمنافسة، ويحد من العشائرية والقبلية المقنعة بغلاف تنظيمي محض، داعيا للفصل ما بين المقاومة والبرامج الانتخابية البلدية: &laqascii117o;المقاومة تسري في دمائنا وعروقنا، لكن ما الذي يجمع المقاوم الحامل دمه على كفه، والفاسد الطامح للمجلس البلدي، حيث لا هم له سوى تعبئة الجيب والانتفاع"! من جهتها، تبدي هناء شحرور حماسة كبيرة للكلام عن التحالف الانتخابي القائم في الجنوب وإبراز سيئاته. تقول أنها تريد لصوتها أن يصل، بعد أن فقد صوتها الانتخابي قيمته، كغيرها من زملائها الكثر. هي ترى أن هذا التحالف صنع لأجل المحافظة على المكانة وإظهار الحضور التمثيلي لكل من فريقيه، من دون الالتفات إلى المطالب الإنمائية للقرى والبلدات الجنوبية التي تأتي في آخر سلم الاهتمامات لديهم. وتقارب هناء العمل البلدي الحالي بالقول: &laqascii117o;المجلس الفائز لا يمثّل واقعا جميع الشرائح الاجتماعية الموجودة، بل النتظيمات التي أتت به ودعمته، فعندما يتربع رئيس البلدية على الكرسي لا يخدم إلا الأتباع والمحازبين وأنصار الفئة التي اختارته، ويمنع الخدمات والإنماء عن الآخرين المخالفين لرأيه ونهجه"، مضيفة إن الأمثلة على هذا الأمر لا تعد ولا تحصى في الجنوب.
التغيير واضح.. في الأسماء!
يجسد حسام جعفر (25 عاما)، من مدينة صور، بوضعه الطبقة الشبابية الكادحة والحالمة بالتغيير، التي لا تعرف الكلل ولا الملل. فما إن ينتهي دوامه الأول كأجير يومي في بساتين الحمضيات، حتى يبدأ دوامه الثاني كمتطوع مع الحركات الشبابية الجنوبية. ونشاطه السياسي هذا واحتكاكه الدائم بالناس، دفعه لأن يشبه المرشح للمقعد البلدي بالتاجر الساعي لعقد صفقة مربحة مع مضاربي السوق الانتخابي. يرى حسام أن الانتخابات هي بمثابة مناسبة موسمية لاقتسام المجالس البلدية بين التنظيمات والعائلات، بطريقة لا ترقى للحد الأدنى من العمل المؤسساتي البلدي المفترض أن يقوم على أسس إدارية منهجية محضة، لا على أسس واعتبارات عائلية قبلية، تعكس مظهرا من مظاهر التخلف الحضاري والمدني القائم في مجتمعنا. ما يحصل وفقا لحسام هو تغيير الأسماء، فيما السياسة القائمة منذ عقود خلت تظل هي نفسها. فهذه القوى تتعاطى مع الناس كحالة معينة، مستغلة عاطفتها الفطرية، أي كرقم، وليس كقيمة إنسانية لها توجهاتها وآراؤها الفكرية والسياسية التي توجب عليهم احترامها والأخذ بها. من جهته، لم يكن عبد الله (22 عاما) كعادته، يعير أي اهتمام لأي حديث يدور في &laqascii117o;الفان" أثناء عودته من جامعته في صيدا. ولم يكن أيضاً في وارد الكلام عن الانتخابات والتعليق على التحالف الانتخابي. غير أن دفاع أحد الركاب عن التحالف جعله يخرج عن صمته، ويدلي بدلوه، معتبرا أن هذا التحالف هو نقيض للعملية الديموقراطية وإلغاء غير مباشر لها، كونه يؤدي إلى حصر المرشحين بشكل انتقائي بلائحة واحدة، ويجبر الناس على التصويت لها، فتصبح عندها الانتخابات تزكية مقنعة. أكثر ما يؤلم علي ابن بلدة عيناتا الحدودية، هو أن مجرد إعطاء أي رأي مخالف للتحالف الانتخابي، يضعه البعض في خانة العداء للمقاومة (التي تشكل بالنسبة له مسألة تكاد تكون مقدّسة)، مع الاتهام أحيانا بمحاولة شق الصف الشيعي. هذا التصنيف يرفضه علي، مؤكدا على إيمانه بضرورة التنافس والتنوع الانتخابي داخل البلدة أو القرية الواحدة. لذلك، يدعو إلى اعتماد معايير إدارية وعلمية واضحة في اختيار المرشحين والخروج من الدائرة الحزبية والطبقية العائلية الضيقة، التي لم تنتج سوى الفشل. قرية لهذا.. بلدة لذاك تغوص يارا شمس الدين فواز (26 عاماً) من العباسية، عند تفنيد رؤيتها الخاصة للانتخابات، في ثنايا التاريخ الغابر، مقلبة صفحاته، ومستعيدة مرحلة ما قبل الإسلام، حيث كانت العصبيات العشائرية والعائلية هي المسيطرة على قول الناس آنذاك. تقارن يارا هذه المرحلة مع عصر العولمة والانترنت، فتجد أن الزمن قد أعيد سنين طولية إلى الوراء، مع بقاء النزعة القبلية ماثلة في عقول الناس، وميلهم لاستحضار العصبيات مجددا، واستحضارها في هذه الاستحقاق الإنمائي بامتياز. وتدين يارا التفاوت الطبقي المعتمد من قبل العائلات الكبيرة، التي تعتبر أن المقاعد البلدية في القرى والبلدات الجنوبية حق مكتسب لها، مقابل تهميش العائلات الصغيرة، حتى ولو كانت تضم كفاءات علمية وإدارية واعدة، واصفة هذا التصرف المرفوض من كافة الشرائع السماوية بالعنصري، لتعارضه مع مبادئ المساواة في الجنس والعرق والعائلة، التي تؤمن بها قوى التحالف. يارا عازفة عن المشاركة في العملية الانتخابية، حتى مع تسليمها بوجود مرشحين يمتلكون الكفاءة، لكنهم بنظرها محكومون بالتحالف، ومهمتهم الوحيدة تنفيذ ما تمليه عليهم قياداتهم والطبقة السياسة الحاكمة. وتختم بنبرة مستنكرة: كيف ننتخب ونحن نسمع أن هذه القرية أو البلدة أو المدينة محسوبة على هذا الطرف أو ذاك؟ أليس ذلك دليلا ملموسا على أن النتيجة معروفة سلفا؟.
- 'السفير'
أبادي خبير إيراني في ملفات لبنان والمنطقة: دعم الاستقرار... وتعزيز العلاقات الثنائية
نسرين ناصر الدين:
يجتاز غضنفر ركن ابادي الممر من الطائرة الى مطار بيروت، عبر سجادة مزركشة تعكس في حبكتها الملونة تشعبات الملفات اللبنانية وتعقيداتها تاركا وراءه سجادة حمراء صنعت على مدى سنوات في اصفهان لتشهد في المحصلة على اتفاق ثلاثي ايراني ـ تركي ـ برازيلي اربك الغرب واسرائيل وسجل في الداخل الايراني نقاطا في رصيد القيادة الايرانية... قبل أن تخوض واشنطن وبعض الدوائر الغربية هجوما مضادا على الاتفاق. السفير الايراني الجديد في لبنان القادم من رئاسة &laqascii117o;دائرة الخليج" والشرق الاوسط في وزارة الخارجية الايرانية يمتاز باطلاعه الدقيق على الوضع اللبناني في تفاصيله كافة من خلال المنصب الذي كان يشغله. وهو بذلك، وفي رحاب المرحلة الجديدة في لبنان، والتي كان لطهران بصماتها فيها، منذ اتفاق الدوحة مرورا بانتخاب رئيس للجمهورية وصولا الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، يمكن ان يسهم بشكل فعال خلال ولايته الدبلوماسية ـ عادة تكون لثلاث سنوات ـ في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. هذه العلاقة تبدأ في العنوان العام من تأكيد إيران على دعم الاستقرار السياسي والأمني اللبناني والوقوف إلى جانبه لجبه المخاطر الخارجية التي تتهدده. في العناوين التفصيلية، تحرص طهران على بناء علاقات ودية مع الأطراف اللبنانية كافة، مع احترام خصوصية تلك الأطراف من ناحية، وخصوصية إيران ودورها كدولة صديقة من ناحية أخرى، مثلما تحرص على توطيد العلاقة مع أطراف تربطها بالجمهورية الاسلامية علاقة ود واحترام للانتماء والموقع والحالة. اما على مستوى الرئاسات الثلاث، فالسفير الايراني الجديد الذي سيقدم اوراق اعتماده الرسمية لرئيس الجمهورية ميشال سليمان قريبا، قبل أن يبدأ جولته التعارفية الرسمية، فسيعكس بالطبع من خلال التعاطي مع &laqascii117o;الترويكا" سياسة بلاده، فإيران تنظر الى لبنان كدولة مستقلة مستقرة داخليا وهي لطالما كانت تشكل قوة دفع للاستقرار اللبناني الذي سعت إسرائيل بالدرجة الأولى لزعزعته حتى يكون شرارة قابلة للامتداد الى كل المنطقة وذلك تنفيذا للمشروع الأميركي الذي فشل في تغيير وجه المنطقة. &laqascii117o;علاقة دولة مع دولة"، سيدخل في إطارها توجيه الجهد لانجاح جدول أعمال أساسه تعزيز العلاقات الثنائية وتبادل الزيارات الرئاسية بين طهران وبيروت مع ابقاء الباب مفتوحا طبعا امام رئيس الحكومة سعد الحريري الذي تلقى دعوة رسمية سابقة الى طهران وقبلها. يدخل في صميم علاقة ايران بلبنان، دعم المقاومة وكل مقومات صمود الشعب والدولة، فالفكر الاستراتيجي الايراني الذي يدخل من ضمن دستور الجمهورية، يركز في السياسة الخارجية على دعم الشعوب لمواجهة الاحتلال، &laqascii117o;لذلك من البديهي تفسير علاقة إيران بالحركات المقاومة في العالم". وتبقى لإيران أيضا علاقة سيعمل السفير غضنفر ركن أبادي على تطويرها وتنميتها مع لبنان وهي تتجلى في إعطاء دفع للتقديمات الإنمائية التي كانت بدأت بشكل واسع بعد حرب تموز 2006 إضافة إلى التعاون الاقتصادي وكذلك بلورة الاتفاقات الثنائية التي لم تنفذ وفيها مصلحة للجانبين اللبناني والايراني. شغل غضنفر ركن ابادي مناصب القائم بالاعمال ونائب سفير ايران في دمشق والسكرتير الاول للسفارة الايرانية في بيروت وكذلك النائب الاول في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط وملف فلسطين. كما شغل منصب رئيس اللجنة السياسية لدعم ثورة الشعب الفلسطيني والمتحدث باسم مركز اعادة اعمار غزة في الديوان الرئاسي. يحمل ابادي شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية ـ دكتوراه تحت إشراف الدكتور عدنان السيد حسين، وزير الدولة الحالي ـ وايضا ماجستير في العلوم السياسية والمعارف الإسلامية من جامعة الإمام الصادق في إيران. عمل في وزارة الخارجية عام 1990 وهو يجيد اللغتين العربية والانكليزية. له مؤلفات عدة، منها كتاب &laqascii117o;السياسة والديانة" و&laqascii117o;آية الله كاشاني والإسلام" و&laqascii117o;النظام الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية" و&laqascii117o;سوريا وحدود الرابع من يونيو مع الكيان الصهيوني".
- 'السفير'
الشيعة في السعودية بين جحود (الانتماء) وفزّاعة (الولاء) للوطن
فؤاد ابراهيم (باحث في الفكر السياسي من السعودية):
الولاء بوصفه تظهيراً للانتماء يفرض سؤال الجذور التاريخية للشيعة في السعودية، الذين يمثّلون، بحسب تقديرات محايدة، بين 10 ـ 15 بالمئة من إجمالي السكان الأصليين. مصادر التاريخ الإسلامي تمدّنا بفيض من الأدلّة على أن جذور الشيعة في شرق الجزيرة العربية موصولة بالنشأة الأولى للتشيع نفسه، وأن موجات الهجرة البشرية التي انطلقت من جنوب وشرق الجزيرة العربية الى العراق بعد معركة القادسية سنة 16 هجرية وفتح المدائن مثّلت الحواضن الأولى للمجتمع الشيعي. في تلك السنة، على وجه التحديد، بدأ نزوح وجوه من قبيلة عبد القيس، القادمة من شرق الجزيرة العربية، أو البحرين التاريخية، واستقرّوا في البصرة والكوفة، بعد تمصيرهما. ووفق الملاحظات التي يقدّمها F. M. Donner فإن &laqascii117o;العقدين الواقعين بين فتح العراق واندلاع الحرب الأهلية الأولى في سنة 35هـ/656م شهدا هجرة ملحوظة لرجال القبائل إلى الكوفة والبصرة". ويورد ابن سعد في (الطبقات الكبرى) أسماء عدد من العبقسيين (نسبة إلى عبد القيس) الذين نزلوا البصرة، ومنهم من كان في الوفد الذي التقى الرسول (ص) مثل الزارع بن الوازع العبدي، وعمرو بن المرجوم وجاء في ترجمته &laqascii117o;وهو الذي أقدم عبد القيس البصرة". النقطة الجديرة بالاهتمام هنا، أن القبائل العربية التي استوطنت العراق شكّلت أرضية اجتماعية خصبة، تولّدت فيها حركات اعتراضية وسياسية وفكرية، وتركت بصمات واضحة في تكوين المسلمين السياسي والاجتماعي والثقافي. وفي هذه البيئة، جسّد التشيع نفسه في بنية مجتمع المهاجرين في الكوفة والبصرة والمدائن، ليستكمل بفعل التطورات السياسية السريعة إجراءات تشكله التنظيمي والسياسي في ظروف التوتر الاجتماعي خلال عهد الخليفة عثمان، ومهّد التجسيد السياسي للتشيع لأشكال أخرى فقهية وكلامية في مرحلة لاحقة. ومثّلت القبائل التي استقرت في البصرة والكوفة خط الدفاع الأول عن قضية علي وبنيه. ظهر ذلك بوضوح، أولاً، في الحركة الاحتجاجية الواسعة النطاق التي تفجَّرت ضد الخليفة عثمان، في تعبير اعتراضي على ما أسماه أحمد عباس صالح، الارستقراطية القرشية التي أخذت شكلاً تفاضلياً في هذه الفترة وأكّد نفسه في حوادث حرب الجمل. المناصرة المستميتة التي أظهرها مقاتلو عبد القيس في حرب الجمل سنة 36هـ للخليفة الشرعي ممثلاً في الإمام علي، كانت ذات طبيعة تضحوية لافتة، برزت أولاً في موقف حُكَيم بن جبلة العبدي وابن عبّاد العبدي. وتذكر المصادر التاريخية أن البصرة تعرّضت إلى غارة من بعض أنصار أم المؤمنين عائشة، في موقف وصف بأنه كسر للهدنة المقرّرة بين الفريقين، فقاموا بقتل والي البصرة عثمان بن حنيف وصادروا بيت المال. وفي رد فعل من جانب وجوه البصرة ورجالها، قاد الحكيم العبدي، وكان يعرف بأحد سادة عبد القيس، ثلاثمئة من رجال عبد القيس وهاجم جيش أم المؤمنين عائشة. وأبدى حُكيم، كما تذكر المصادر، شجاعة نادرة بعد بتر ساقه، فواصل القتال حتى آخر رمق من حياته. وبصورة إجمالية، كانت عبد القيس من القبائل الشيعية في البصرة التي كانت موضع ثقة الإمام علي وابنه الحسن، ومن وجوهها من كاتبه الإمام الحسين لنصرته في نازلة كربلاء. فقد بعث كتاباً إلى شيعته من أهل البصرة مع مولى له يسمى سليمان نصها: (بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى مالك بن مسمع، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود (العبدي)، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، سلام عليكم، أما بعد، فإني أدعوكم إلى إحياء معالم الحق وإماتة البدع فإن تجيبوا تهتدوا سبل الرشاد، والسلام).. ومن رجال عبد القيس من اختلط دمه بدماء سيد الشهداء وأهل بيته سنة 61هـ. ما يمكن تقريره كنتيجة مستخلصة من كل ما سبق عرضه، أن عبد القيس إلى جانب القبائل العربية المهاجرة من جنوب الجزيرة العربية شكّلت جزءاً جوهرياً من الرأسمال الاجتماعي الذي وظّف لمصلحة توطين التشيع في العراق والبحرين واليمن، ومن ثم نشره في مناطق أخرى مجاورة. ويبدو واضحاً مما سبق أن التشيع نشأ على تربة عربية خالصة، وأن العرب هم الآباء الأوائل له والناشرون لتعاليمه. بل يلزم التذكير أيضاً بأن التشيع لم يصبغ العراق وحده بل تؤكد المصادر التاريخية القديمة على أن التشيع غطّى أغلب مساحة الجزيرة العربية بما في ذلك منطقة نجد، وسط الجزيرة العربية. يلقي ذلك أيضاً الضوء على دور شيعة شرقي الجزيرة العربية في انبثاث التشيع في أجزاء أخرى من المشرق. فقد كانت إيران، على سبيل المثال، حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي ذات أغلبية سنيّة ساحقة، على مذهب الإمام الشافعي، باستثناء المناطق المتاخمة للعراق، وكذلك مدينة قم، معقل العلم الديني الشيعي في إيران. فبعد إصدار الشاه إسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة الصفوية، سنة 1501م بإقرار المذهب الشيعي الإمامي مذهباً رسمياً في جميع أنحاء إيران، قدم 120 عالماً شيعياً من جبل عامل، والقطيف، والبحرين، للقيام بعبء نشر التشيع، واشتهر من علماء شيعة القطيف الشيخ إبراهيم القطيفي الذي دخل في مساجلات فقهية مع الشيخ علي عبد العال الكركي، شيخ الإسلام في الدولة الصفوية، حول هدايا السلطان والخراج. تعاقبت على شرق الجزيرة العربية دولٌ ينتمي حكّامها إلى عوائل من أهلها مثل العيونيين والعصفوريين وصولاً الى مرحلة الاستعمار البرتغالي في القرن الخامس عشر. وخضعت المنطقة اسمياً تحت الخلافة العثمانية، فكانت مصرفيّة الإحساء والقطيف تابعة لولاية البصرة. منذ منتصف القرن الثامن عشر، شهدت الجزيرة العربية تحوّلاً دراماتيكياً عقب التحالف بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود على تقاسم السلطتين الدينية والزمنية. وكان الشيعة في شرقي الجزيرة العربية هدفاً في مشروع الدولة الجديدة، فقد كتب الشيخ ابن عبد الوهاب نقضاً لعقائد الشيعة، كما ورد في رسالته (الرد على الرافضة)، وأرسى بذلك شكل العلاقة بين الشيعة والدولة السعودية. وفي يناير (كانون الثاني) 1927 أصدر علماء المذهب الوهابي في اجتماع بالرياض فتوى جاء فيها (وأما الرافضة ـ أي الشيعة في الاحساء والقطيف ـ فأفتينا الإمام أن يلزمهم البيعة على الإسلام، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل، وعليه أن يلزم نائبه على الاحساء أن يحضرهم عند الشيخ ابن بشر وأن يبايعوه على دين الله ورسوله.. وأن يلزموا بالاجتماع على الصلوات الخمس، هم وغيرهم في المساجد، ويرتب الإمام فيهم أئمة ومؤذنين ونوابا من أهل السنة، ويلزموا بتعلم الثلاثة الأصول، وتهدم الأماكن المبنية لإقامة البدع فيها ويمنعوا من إقامة البدع في المساجد وغيرها، ومن أبى قبول ذلك ينفى عن بلاد المسلمين.. وأما رافضة القطيف فيلزم الإمام ـ أيده الله ـ الشيخ ابن بشر، أن يسافر اليهم ويلزمهم بما ذكرنا). لسنا هنا أمام مجرد عملية تحويل عقدي قسري، ولكن حين يتم استدعاء الذاكرة التاريخية والثقافية المشبّعة لدى الشيعة، نكون أمام شكل من أشكال ما يعرف بـ(المجزرة الثقافية). تدبير كهذا أتاح، دون ريب، ضرباً من التوّتر المستديم في العلاقة بين الشيعة والدولة، وكان للنزوع الأيديولوجي المفرط لدى الدولة دور في وقوع انقسامات عميقة داخل المجتمع وبينه وبين الدولة. رسوخ الخطاب المذهبي وانبثاثاته المطّردة محلياً وكونياً أفضت إلى انبعاث الهويات الفرعية، والانتماءات الخاصة، كما عبّرت عن نفسها في كتابات جمّة عن القبائل والمذاهب والمناطق الأخرى، في رد فعل على مركزية فئوية ومذهبية غالبة. ولذلك، لم تتقرر بداية تشكيل ذاكرة جمعية/وطنية بعد إعلان الدولة السعودية سنة 1932، بل ما جرى تحديداً أن ثمة محافظة وإعادة إنتاج لذاكرة ما قبل الدولة الوطنية، وفيما تحققت شروط الدولة ـ السلطة، تبدّدت مقتضيات الدولة ـ الوطن، فتسلل المركز إلى الأطراف لاحتوائها، بدلاً من استضافة المركز للأطراف لإدماجها في بنية الدولة الناشئة. وهنا يكمن جوهر أزمة دول المشرق عموماً، وقد يصوّب، هذا الاستدراك، دعوة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين لشيعة الخليج للاندماج في أوطانهم. فحين تغيب آلية الاندماج مهما بلغ مستوى الإيمان بضرورته، وتجدب مقوّمات الأوطان، لا تعود هناك إمكانية لتلبية الدعوة، لأننا نكون أمام وجود افتراضي وليس واقعياً. في تصحيح متأخر، تمّ إدخال برنامج (الثقافة الوطنية) الى مناهج التعليم الحكومي العام 1996، فكان بمثابة وجبة فاسدة في محتوياتها، إذ اشتملت على كل العناصر الغذائية باستثناء العنصر الوطني. فقد قارب البرنامج موضوع أزمة الدولة ـ السلطة، ولم يقترب البتة من مسألة الدولة ـ الوطن. بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والاعلان عن ضلوع 15 سعودياً من أصل 19 انتحارياً، بدا واضحاً أن أيديولوجية الدولة باتت عبئاً، بحسب تركي الحمد، وحان الوقت لصوغ أيديولوجية وطنية بديلة. تفجّرت نواة تلك الأيديولوجية من داخلها، بعد أن أصبحت مهدّدة من الخارج، وأصبحت الدولة مرشّحة لصدوع خطيرة. قواعد اللعبة اقتضت أن يشهر لواء (الوطن) دون اقتفاء شروط تكوينه، فكان من الخميرة نفسها التي شكّلت الخطاب الديني للدولة، فخرج فئوياً، ومناطقياً، ومذهبياً. حين يناضل الخطاب ضد ذاته، يكون خطر اجتثاثه نابعاً من تناقضه الداخلي. وبالفعل، فإن التلويح أمام الأغلبية السكانيّة خارج المركز بفزّاعة (الولاء) للوطن، أجهض فرص ولادته الطبيعية. لا تنبئ كثرة كتابات ناشطي الشيعة في (الوطنيات) عن ظاهرة صحيّة، ومن المفارقات البلهاء أن يحقق الناشطون السياسيون الشيعة رقماً قياسياً في أداء فروض الولاء، وفي الوقت نفسه يتكبّدون الأفدح من اتهامات تحويل الولاءات لحسابات خارجية. بات بعض ناشطي الشيعة يتحرّك آلياً لتقديم بيانات في الولاء للوطن كلما دهم الدولة ـ السلطة خطرٌ قريب أو بعيد أو حتى وهمي، حتى باتوا معنيين بالحضور الدائم في محكمة الولاء لسبب أم بدونه. لا تتعثر خطى أولئك الذين تنكّبوا الى الصراط الوطني حين يسدلون الستار على ماضٍ قريب مدجج بصور التشظي لكل ما هو وطني، لحساب ما هو فئوي، ولكن من هذا شأنه فهو قادر على ابتلاع الماضي، والانغلاق مجدداً لصنع مناعة لزمن آخر، بإثارة مبادئ الولاء، والانتماء، والأصالة التاريخية بانتظار نضوب الوعي بخطاب الوطن والارتداد بالجميع الى خط أزمة الدولة ـ السلطة. سيبقى الشيعة في السعودية على الدوام أمام شبهة الجذور المجثوثة للانتماء، وإن كان أجدادهم هم المؤسسين الأوائل للإسلام الشيعي، وستلاحقهم تهمة الولاء، وإن يمّموا وجوههم قبل المركز عشية وضحاها. فمن العلامات الفارقة في تاريخ الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي، أن شيعة السعودية وحدهم الذين لم يخالطهم أحد من غير العرب، وأن أعراقهم موصولة بالقبائل العربية العريقة مثل بني خالد، والعجمان، وقحطان، وشمر، وسبيع، وتميم.. ومن السفه الاعتقاد أن الولاء، هنا وحصرياً، ذو ضرب ديني أو وطني، فهو لا يعدو أن يكون استزراعاً لبارانويا جماعية بهدف درء أخطار سياسية واقعية أو متخيّلة عن الدولة ـ السلطة.
- 'الحياة'
كلام الأسد عن علاقته مع الحريري بدّد اجتهادات حلفائه حول زيارة واشنطن والعلاقة السعودية - السورية
وليد شقير:
بدّدت المواقف المنقولة عن الرئيس السوري بشار الأسد حول الوضع في لبنان الكثير من التكهنات والتحليلات وحتى التصريحات التي صدرت خلال الشهرين الماضيين عن علاقة سورية برئيس الحكومة سعد الحريري والتي نسبت الى القيادة السورية انتقادها الأخير في ما يخص علاقته معها أو أن سبب البطء في العلاقة بين دمشق وبين الحريري هو عدم ارتياحها الى سلوكه، وصولاً الى قول البعض انها متوجسة من زيارته الولايات المتحدة الأميركية يوم الاثنين المقبل حيث سيلتقي الرئيس باراك أوباما وأنها لا تحبذ مثل هذه الاستقلالية في علاقات لبنان الخارجية، كما كانت تفعل في السابق أيام إدارتها المباشرة الوضع اللبناني.وتوقفت أوساط سياسية متعددة امام ما قاله الأسد أول من أمس عشية استقباله الرئيس الحريري أمس، معتبرة ان ما أعلنه ليس مصادفة، حين نفى وجود أي فتور بينه وبين الزعيم اللبناني واستغرابه &laqascii117o;كثرة الأخبار الصادرة من لبنان حول العلاقات اللبنانية - السورية وموقف دمشق من الرئيس الحريري وتسترسل الى إطلاق التفسيرات فيما الواقع يكون مغايراً". كما أشارت هذه الأوساط ايضاً &laqascii117o;الى قول الأسد ان تحسن العلاقة قطع أرزاق المتضررين وإن دمشق لا تقيس الأمور كما البعض في لبنان الذي رغب في السرعة في تحسن العلاقة مفضلاً الواقعية لأنه في الأصل لم تكن هناك علاقة".ولاحظ بعض هذه الأوساط، المواكبة لاستعادة العلاقة اللبنانية – السورية &laqascii117o;واستكمال بنائها" كما قال الأسد، ان كلامه رسالة الى الأطراف اللبنانيين جميعاً من دون استثناء، يجوز معها التعميم، لكنها تشكل مجموعة رسائل الى فرقاء محددين في الوقت نفسه، أولاها، وهي المباشرة الى بعض حلفاء دمشق، الذين تقول هذه المصادر انهم &laqascii117o;يجتهدون" في شكل مغاير للواقع، في الانتقادات التي يوجهونها للحريري متجاهلين التواصل الدائم بينه وبين القيادة السورية إما لمتابعة مواضيع محددة والتفاهم عليها وإما لمعالجة مشاكل تطرأ، وهو تواصل لم يتوقف فجاء كلام الأسد ليحسم الأمر في ما يخص مواقف بعض هؤلاء الحلفاء. وتضيف الأوساط المواكبة لعلاقة الحريري بدمشق على ذلك بالقول: انها ايضاً رسالة بالدرجة الثانية الى بعض حلفاء الحريري من مسيحيي قوى 14 آذار الذين يواصلون انتقاد سلوك سورية حيال لبنان وهي رسالة في الدرجة الثالثة الى حلفاء آخرين يفترض ان يحسبوا حساب رغبة دمشق في استكمال تحسين العلاقة مع الحريري في التعاطي مع المعادلة اللبنانية الحالية. وهذا يشمل سياسة زعيم &laqascii117o;التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون. والرسالة قد تكون موجهة بطريقة من الطرق وفي درجة أقل الى &laqascii117o;حزب الله".وكشفت الأوساط المواكبة نفسها ان الاتصالات الشخصية المتواصلة بين الحريري والأسد، سواء بمبادرة من الأول أو بمبادرة من الثاني لم تنقطع ولا تخرج الى حيز العلن إلا قليلاً، إذا تسربت من طرف ثالث يكون علم بها، مشيرة الى ان اتصالاً جرى بين الرجلين الأسبوع الماضي قبل إبداء الحريري رغبته في زيارة دمشق في سياق جولته العربية تمهيداً للقائه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، عبّر فيه الأسد عن ارتياحه الى مواقف الحريري التي أعلنها خلال الأسابيع الماضية، قاصداً فيها ردوده على التهديدات الإسرائيلية للبنان وسورية بحجة تمرير دمشق صواريخ &laqascii117o;سكود" الى &laqascii117o;حزب الله"، وتشديده على عدم وجود إثباتات في هذا الصدد وتركيزه على رغبة العرب في السلام واستمرار رفضه من قبل إسرائيل...الخ...
- 'الحياة'
التحالف الشيعي يتحرك جنوباً تكريساً للتزكية و &laqascii117o;الشيوعي" يُعد لمناوشات احتجاجاً على حصته
محمد شقير:
لا خوف على اللوائح الائتلافية المدعومة من &laqascii117o;حزب الله" وحركة &laqascii117o;أمل" لخوض الانتخابات البلدية في الجنوب الأحد المقبل، من خرق يستهدفها باعتبار أن المنافسة تبقى محدودة ورمزية ولا يمكن أن تتعدى &laqascii117o;مناوشات" بلدية من هنا وأخرى من هناك، خصوصاً أن التحالف الشيعي نجح حتى الآن في تأمين فوز أكثر من 40 بلدية بالتزكية وهو يعمل حالياً على رفعها الى ما يفوق السبعين بلدية من أصل 190 بلدية سكانها من الشيعة موزعة على أقضية قرى قضاء صيدا - الزهراني، صور، النبطية، بنت جبيل ومرجعيون.وعلمت &laqascii117o;الحياة" من مصادر مواكبة للتحرك الذي يقوم به التحالف الشيعي باتجاه المرشحين المنفردين لضمان فوز المجالس البلدية بالتزكية ان هناك امكانية لرفع عددها الى أكثر من نصف العدد العام للمجالس البلدية لا سيما أن معظمها يتوقف على اقناع هؤلاء المرشحين بسحب ترشيحهم أو اعلان عزوفهم عن خوض الانتخابات.ولعل الدور الأكبر في هذا المجال يعود لرئيس المجلس النيابي نبيه بري المرابط منذ حوالى اسبوعين في دارته في مصيلح - قضاء النبطية - يستقبل ويودع المرشحين لاخلاء الساحة أمام اللوائح الائتلافية لتفوز بالتزكية أو ما شابه ذلك. فبري تحوّل مع إقامته في مصيلح الى &laqascii117o;شيخ صلح" يسترضي المرشحين ويعمل على استيعاب غضبهم الناجم عن استبعادهم من اللوائح الائتلافية من ناحية ويرعى المصالحات بين العائلات المتخاصمة ويقنع بعضها بالقبول بالمنصب الاختياري في مقابل تنازلها عن تمثيلها في المجالس البلدية، ويقف على خاطر بعضها الآخر للتنازل عن مرشحها لرئاسة البلدية لمصلحة اللوائح الائتلافية.ومع أن بري ومعه قيادتا &laqascii117o;حزب الله" و &laqascii117o;أمل" حقق تقدماً لتعبيد الطريق أمام فوز اللوائح الائتلافية ونجح في تنعيم موقف معظم العائلات التي أظهرت تمرداً على اللوائح ولأسباب تتعلق باستبعادها منها، فإن المنافسة بقيت محصورة في عدد قليل من البلدات والقرى، ويحاول الحزب الشيوعي اللبناني الافادة من &laqascii117o;حرد" بعض العائلات أو المرشحين على قرار التحالف الشيعي ويعمل لتوظيف هذه الحالة في تركيبه للوائح مكتملة وأخرى ناقصة في الجنوب.لكن ليس في مقدور &laqascii117o;الشيوعي" أن يقدم لوائحه للجنوبيين وكأنه يشكل رأس حربة في مواجهة التحالف الشيعي نظراً الى أنهم يدركون سلفاً أن لا خلفية سياسية لاعتراضه على تأليف اللوائح خصوصاً وأنه متحالف مع التحالف في بلدات معينة ومتمرد عليه في بلدات أخرى.فـ &laqascii117o;الشيوعي" لم ينجح في تظهير موقفه كحالة سياسية نموذجية مناوئة للتحالف الشيعي وهو الحزب الذي يقف مع التحالف في خندق سياسي واحد على رغم أنه استبعده من لوائحه في الانتخابات النيابية الأخيرة، وبالتالي ينطلق في اعتراضه من احتجاجه على جائزة الترضية المعطاة له أسوة بالأحزاب والتيارات الحليفة لـ &laqascii117o;حزب الله" و &laqascii117o;أمل" وعلى رأسها &laqascii117o;السوري القومي الاجتماعي" و &laqascii117o;البعث العربي الاشتراكي"، ناهيك باضطرار الحزب الى الانسحاب بلدياًَ من بعض القرى، وعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن ما لجأ اليه في بلدة ميس الجبل (قضاء مرجعيون) يعود الى استبعاده كلياً من اللائحة الائتلافية ورفض التحالف الشيعي مبدأ تمثيله ولو بعضو واحد من أصل 18 عضواً يتشكل منه مجلسها البلدي.لذلك فإن &laqascii117o;الشيوعي" حاول أن يشهر سلاح الاعتراض في وجه التحالف الشيعي خلافاً لموقف &laqascii117o;القومي" و &laqascii117o;البعث" من دون أن يكون لموقفه أي تداعيات سياسية يمكن أن تهدد انخراطه في جبهة الأحزاب الحليفة للمقاومة.وعزت المصادر نفسها السبب الى أن &laqascii117o;الشيوعي" لم يقرر، على رغم ما لقيه من احراج أخرجه من بعض اللوائح الائتلافية، أن يرسم لنفسه مسافة سياسية تمكنه من أن يميز نفسه عن التحالف الشيعي كأساس لاكتساب تأييد اليساريين القدامى الذين هم في غالبيتهم من المنتمين سابقاً الى &laqascii117o;الشيوعي" واستقالوا منه على مراحل بسبب مواقفه من أبرز المحطات السياسية التي لم يستفد منها للاعلان عن استقلاليته التامة من التحالف الشيعي.وبكلام آخر فإن &laqascii117o;الشيوعي" لم يحسن التصرف أمام المحاربين القدامى من الحزب على أنه ليس ملحقاً بهذا الطرف أو ذاك وأن لديه من الاستقلالية ما يتيح له أن يقول لا أو نعم في الوقت المناسب وتبعاً للأحداث السياسية المتسارعة على الساحة اللبنانية.وبطبيعة الحال ليس المقصود من هذا الكلام إقحام الحزب في موقف معاد للمقاومة بمقدار ما أنه لم يحتفظ لنفسه بهامش سياسي يستطيع من خلاله استرداد الشيوعيين السابقين أو فتح الباب أمام تصحيح علاقته بهم.كما أن &laqascii117o;الشيوعي"، عبر اتباعه سياسة الاعتراض الموسمية المترتبة على استبعاده من الانتخابات أكانت نيابية أو بلدية، لا يستطيع التأسيس لموقف مستقل عن التحالف الشيعي وهذا ما أفقده صلته الدائمة بالشيوعيين السابقين أو بقدامى اليساريين وبعضهم من لم يقرر الانتقال الى الضفة السياسية الأخرى أي الالتحاق بقوى 14 آذار، مع أن حلفاءه يرفضون تقديم اغراءات له تبرر مواقفه الرمادية من مجريات التطورات في لبنان، وهذا ما تبين برفض الائتلاف الشيعي حتى إشعار آخر التسليم له بمقاليد السيطرة على المجلس البلدي في بلدة حولا - قضاء مرجعيون - مع أنها تعتبر آخر &laqascii117o;القلاع الحمر"، ليس في الجنوب فحسب، وإنما في كل لبنان.وفي ضوء كل ذلك، لا بد من الاشارة الى أن اللوائح التي سيشكلها &laqascii117o;الشيوعي" في عدد من القرى تضم العدد الأكبر من المتضررين من الائتلاف الشيعي الذين قرروا الانخراط في لوائحه لغياب لوائح منافسة أخرى ومن باب تسجيل مواقف اعتراضية خصوصاً اذا ما تبين أن معظمهم ينتمون تلقائياً الى أهل البيت الواحد أي &laqascii117o;أمل" و &laqascii117o;حزب الله" اللذين لديهما القدرة على استردادهم في الوقت المناسب وإنما على دفعات.كما لا بد من التأكيد أن الفرز البلدي الذي يرعاه &laqascii117o;الشيوعي" لن يشكل حالة سياسية ناشئة يمكن أن تؤسس لمنافسة دائمة لـ &laqascii117o;حزب الله" و &laqascii117o;أمل" باعتبار أن الحزب لم يكن السبّاق في تشكيل لوائحه وأصر على التريث لمعرفة ما سيترك له من &laqascii117o;حصة" في البلدية هي أقرب الى إشراكه رمزياً في المجالس البلدية ليقتصر تمثيله على حضور &laqascii117o;تجميلي" لا يتجاوز عملية &laqascii117o;الماكياج" التي لن تبدل من ميزان القوى في البلديات.وتبقى المهمة الأساسية أمام المجالس البلدية العمل من أجل استرداد هذه المجالس &laqascii117o;للمشاعات" التي وضعت عليها اليد في عدد من القرى ويقوم المستفيدون منها باستغلالها لمصالح خاصة لا تمت بصلة للمنفعة العامة. هذا اذا ما أخذنا في الاعتبار أن بلدات كبرى في قضاءي مرجعيون وبنت جبيل لم تعد تملك أرضاً يمكن الافادة منها في اقامة مشاريع إنمائية عامة، ما يترتب على &laqascii117o;حزب الله" و &laqascii117o;أمل" الاعداد لخطة تعيد لهذه البلدات الأراضي التي تصنف على أنها مملوكة من الدولة أو تلك التي تعتبر خاضعة لملكية المجالس البلدية.