صحيفة دايلي ستار 13/3/2008
مايكل يونغ
لقد بعثت إيران في الأسابيع الأخيرة برسالة للقادة العرب, ومن خلالهم تسربت هذه الرسالة للإعلام.واتسمت الرسالة بالقليل من بالفظاظة :إن لبنان في مأزق طويل الأمد ولكن طهران لن تسمح بأن يفلت الوضع الأمني من أيديها.إن الإيرانيين يماطلون لحين مجيء إدارة أمريكية جديدة في واشنطن,وبالنسبة للبنان فهي لن تلح على حل للأزمة السياسية في البلد لأنها بذلك تكون قد تخطت سوريا.
إذا أردنا أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكوب,فإنها قد تكون أخبار جيدة نسبياَ.ذلك يعني أن إيران تعطي حرية الاختيار لسورية بالنسبة لموضوع الرجوع إلى لبنان,ولكن في نفس الوقت تعيقهم بمنعهم من اللجوء إلى أي حرب أهلية- سوريا تريد دفع حزب الله إلى حرب أهلية لحماية مصالحها.وإذا أردنا أن ننظر إلى النصف الفارغ من الكوب,يمكننا أن نستنتج قول الإيرانيين أنهم لن يتدخلوا لحل النزاع الحاصل في لبنان,وعواقب ذلك ممكن أن يرتد على مؤسسات البلد واقتصاده.
ولكن السؤال الذي يجب طرحه هو:هل سوريا حقا مستفيدة من الفراغ الحاصل في لبنان؟من الحكمة القول إن نظام بشار الأسد لا يملك شيء ليخسره. وبفرضه فراغ كهذا يقوي من سطوته,وبالنسبة إليه إن الإدارة الجديدة لن تكون أسوء من إدارة بوش الحالية.عاجلاً أم أجلاً سيمنع الانقسام العربي السوريين من الرجوع إلى قلب السياسات الإقليمية وخصوصاً إذا ساء الوضع الفلسطيني,وحول كفاح حماس المسلح سوريا إلى محاور أساسي .
يمكن أن يكون ذلك صحيحاً,ولكن يمكننا أن ننظر إلى الأمر من وجهة نظر ثانية- ستكون أقل إفادة لدمشق -في البداية فرض سوريا فراغاً في لبنان يؤدي إلى الانتقاص من قدرتهم على قولبة هذا الفراغ .إن المشكلة في نظام بشار الأسد أنه صارم ومتهور.انه يخشى أن يقبل بانتخاب قائد الجيش العماد سليمان لأن ذلك ممكن أن يسوي الوضع مع سوريا بشكل لا يمكنها نقضه. وبنفس الوقت فإن ذلك يظهر عدم قدرتها على تقديم أي خطة بديلة. إن خطة سوريا الوحيدة هي الإعاقة لا أكثر ولا أقل.ومن دون ذلك البديل- أو بالأحرى من دون وجود البديل الذي يضمن حكم سوريا المطلق في لبنان- فإن الأسد لن ينتظر طويلاً قبل إعلانه عن كيفية تفضيله للحكم السوري في لبنان,إن في ذلك إشارة إلى نقاط الضعف في السلوك السوري.
إن المشكلة الثانية تتجلى بالتهور السوري الذي لم يجلب سوى الدمار.إن الأسد يتصرف اليوم كما تصرف مسبقاً مع التمديد الأخرق للرئيس أميل لحود في 2004.أنه يعتقد أن الترهيب وحده سيحقق لسوريا مآربها.من النادران يزعج الزعيم السوري نفسه ويقوم بإعلام رعاياه بسياسته.فإنه حتى الآن يستخدم نفس الطريقة السابقة التي استخدمها في البرلمان اللبناني حين فرض إبقاء لحود بالقوة والذي أثار مشكلة,إن إصراره على إعادة فرض الهيبة السورية على لبنان أدى إلى أزمة إقليمية أو حتى دولية ما دفع بالجميع للتركيز على حرمان سوريا من أي مكاسب.
إن المماطلة ليست في صالح الأسد خاصة في ما يخص المعضلة التي أوجدها النظام السوري والتي بقيت بعد العام 2005.لغاية الآن الخيار صارم تماماً: لبنان أو محكمة الحريري.لقد علم الأسد بطريقة أو بأخرى في السنتين الماضيتين أن الطريقة الوحيدة للحصول على صفقة فيما يخص المحكمة هي بوضع حد للهيمنة السورية على لبنان.ما لا يمكنه الحصول عليه لبنان واختفاء المحكمة في آنٍ واحد, وهذا هو بالضبط ما تطالب به سوريا, مع العلم أن المجتمع الدولي لن يقبل بذلك.
إن فرصة سوريا للاختيار بين المحكمة ولبنان تتبخر بسرعة.في غضون العشرة أشهر القادمة ستجد سوريا أن العديد من مسئوليها يواجهون تهماً قانونية كان يمكن تجنبها.لقد حاول نظام الأسد مراراً وتكراراً إحباط المحكمة ولكن عوضاً عن ذلك ساعدت في تسريعها.في أوائل 2006,قليل من الدول العربية أرادت أن ترى اغتيال الحريري يذهب إلى المحكمة.أما اليوم, فالجميع, وبالأخص السعودية, يرون أن المحكمة هي أفضل السبل المتاحة لإحداث في تحالف سوريا وإيران وانعكاسه على لبنان والعراق وفلسطين.
إن الوقت في لبنان لا يلعب في صالح سوريا. إن نجاحاً واحداً ل14 آذار كان كفيلاً أن ينقل بسلاسة صلاحيات لحود بعد رحيله إلى حكومة السنيورة.إن حملة الاغتيالات السورية كانت مقررة لتغيير موازين القوى داخل البرلمان والحكومة,ولكن تأثيرها الأقوى كان لمنع الأغلبية البرلمانية من الانخراط في العمل السياسي على أرض الواقع,لقطع الطريق أمام انتخاب سليمان.لقد سمحت سوريا لحكومة السنيورة في البقاء في مكانها,والانخراط في العمل السياسي وتعزيز قبضتها أكثر في الوزارات الرئيسية مثل الدفاع والداخلية والعدل والشؤون الخارجية والمالية.لقد أتاح ذلك للأغلبية بأن تكون شبكات حماية داخل الجيش وأجهزة الأمن والمضي قدماً في محكمة الحريري وتصوير نفسها على أنها المثل الحقيقي للدولة وتصوير سوريا وحلفائها بأنهم معادين للدولة.
وأخيراً إن الوقت قد لا يعني شيئا بالنسبة للإدارة المقبلة في واشنطن.إذا تصور الأسد أن الأمور سوف تتغير مع قدوم رئيس أمريكي جديد فهو مخطئ.أولاً وقبل كل شيء فإن النظام السوري ذائع الصيت بكونه مغامر رديء-ولقد علم ذلك وزير خارجية الولايات المتحدة كولين باول من خلال تجربته عندما كذب عليه الأسد بشأن تجارة سوريا غير المشروعة مع العراق في 2001. لن يكون بمقدور أي رئيس جديد أن يحسن العلاقات بين مع سوريا والتي ستكون مسألة ذات أولوية خلال فترة توليه الرئاسة, وخاصة أن أهم هدف للانفتاح على إيران سيكون من الصعب ترويجه محلياً وخاصة إذا كانت مثقلة بالانفتاح على دمشق.
ثانياً, من غير المرجح أن توافق سوريا على الحد الأدنى من الشروط الأمريكية لأجراء الحوار:القبول بان فترة حكمها في لبنان قد انتهت نهائياً وأن تنهي دعمها لحماس وحزب الله, وأيضاً بالنسبة للقاعدة في العراق.لا يمكن لأي إدارة أن تدخل في محادثات جادة من خلال المطالبة بأقل من ذلك.على الرئيس الجديد أن يقدم شيئا قبل المخاطرة وفتح محادثات مع سوريا, ولكن الأسد كما هي عادته سيفتح باب المفاوضات ويسأل عما ستقدمه له الولايات المتحدة في المقابل.
ثالثاً,يجب على السوريين أن لا يستخفوا بالرئيس جورج بوش,فهو لا يزال أمامه عشرة أشهر قبل انتهاء ولايته ويستطيع خلالها أخذ قرارات بشأن سوريا يصعب للإدارة الجديدة أن تغيرها,هذا على افتراض أنها تريد أن تغير شيئاً. ويشمل ذلك العقوبات الاقتصادية وتثبيت الآراء ضد سوريا دولياً واتخاذ قرارات في مناطق سنية في العراق من شأنها أن تجعل إشراك سوريا لا داعي له.والأهم من ذلك إن جهود الولايات المتحدة تشمل ضمان إنشاء محكمة الحريري الدولية في أقرب وقت ممكن,وان يصدر المدعي العام المستقبلي للمحكمة دانيال بيلمير تقريره قبل رحيل الإدارة الحالية,ووفقاً لدبلوماسيين في بيروت وكما يعلم بوش أنه لن يقوم أي خلف له بالتعاطي مع الأسد في حال ثبوت تورط سوريا في مقتل الحريري وخاصة إذا رفضت أي تعاون مع المحكمة.
ممكن أن لا يكون الوقت في صالح سوريا,حتى ولو كان بمقدور إيران أن تتحمل الانتظار,هذا الواقع يفرض علينا طرح السؤال التالي:هل أولويات إيران تفرض عليها تقويض أولويات سوريا رغم تحالفهما؟لا يوجد أي إجابة واضحة,ولكن وبطريقة غريبة لم تبدو سوريا بعيدة عن تحقيق مساعيها في لبنان,وأي لعب في عقارب الساعة سيكون أخر أخطائها الفادحة.