- 'السفير'
في مجلس الرئيس بشار الأسد
طلال سلمان:
مؤكد أن الرئيس السوري بشار الأسد هو أكثر العرب انسجاماً مع نفسه وارتياحاً إلى مواقفه بنجاحاتها التي حققت لسوريا، وله شخصياً، مكانة متميزة تتجاوز النطاق العربي والمستوى الإقليمي بل والدولي أيضاً. لقد عادت سوريا &laqascii117o;رقماً صعباً" لا يمكن تجاهله في أي بحث في شؤون هذه المنطقة التي ينتبه العالم لأهميتها أكثر مما ينتبه لذلك معظم المسؤولين في العواصم العربية. وليس جديداً القول إن دمشق أكثر عاصمة عربية تستقبل ضيوفاً، بينهم رؤساء دول، ووزراء لدول كبيرة، وموفدون رسميون وموفدون أكثر أهمية، أحياناً، لكنهم يفضلون عدم الإعلان عن زياراتهم. أول الكلام: لبنان، وإن اختلفت نبرة السؤال. لم يعد الوضع في لبنان هاجساً مقلقاً للنظام في سوريا. مركز الاهتمام الآن عودة الروح إلى العلاقات بين البلدين التي وصلت ذات لحظة قدرية إلى مستوى &laqascii117o;شعب واحد في دولتين".
لكن ذلك من الماضي، وصفحة الماضي قد طويت بكل ما يسعد فيها وما يحزن، بوجوه النجاح فيها والفشل المدوي. سعد الحريري ضيف على الرئيس شخصياً ثلاث مرات. المرة الأولى هي الأصعب، لكن الصراحة المطلقة أنجحت اللقاء الأول وفتحت الباب لعلاقة تكتسب تدريجياً، المزيد من الإلفة والود. لا بد من طرد الشكوك والريب ليمكن التطلع إلى المستقبل. يجب القطع مع ماضي الاتهامات والافتراءات. الشرط أن يترك أمر جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بكاملها، إلى المحكمة الدولية، وليس أن تنقل &laqascii117o;الإبرة" من موقع سوريا إلى موقع &laqascii117o;حزب الله". من يرد علاقات طبيعية تستعيد وشائج الأخوة عليه أن يهجر الشك لا في سوريا وحدها بل كذلك مع القوى ذات الرصيد الجهادي المميز. لا يفيد أن يبرأ النظام في سوريا ثم توجه التهمة، بالإيحاء والتسريب المشبوه إلى الحليف الاستراتيجي لسوريا في المواجهة مع العدو الإسرائيلي. وليد جنبلاط بذل جهداً للخروج من الموقع الخطأ واستعادة علاقة التلاقي على الثوابت الوطنية والقومية مع دمشق. هو موضع الترحيب، ولا نقاش في الماضي. تيمور يبدأ من النقطة الصح. الحرص مؤكد على موقع الرئاسة ودور رئيس الجمهورية. ينتظرونه خلال أيام في دمشق. العلاقة مع العماد ميشال عون تحتل موقعها الطبيعي في العلاقة باختياره. الحرص على الجيش مؤكد. خريطة الطوائف والمذاهب معقدة وتفرض ذاتها على المنطق السياسي. غياب المناخ العربي الموحد يفتح أبواب المخاطر. تستبطن الدول الطوائف. تتكلم باسمها أحياناً. تجد إسرائيل لها موقعاً، حتى ولو لم يقصد بعض القادة الطوائفيين. العلاقة مع الدول العربية بعضها جيد. بعضها عادي. المشكلة مع مصر معقدة أكثر مما يظن. ثمة من سعى إلى تخريبها. إعادتها إلى سويتها تتطلب جهداً استثنائياً ممن خربها.. هناك. أما تركيا فيطيب الحديث، في مجلس الرئيس بشار الأسد، عن الدور المهم جداً والحيوي جداً الذي لعبته وتلعبه قبل &laqascii117o;أسطول الحرية" وعبر المواجهة الدموية، وعبر المواقف الحازمة حافظة الكرامة والهيبة، وبعد ذلك كله. لقد قدمت تركيا إسرائيل للعالم متلبسة بالقتل العمد. فضحت طبيعتها العنصرية، فضحت حقيقة حصارها: هي لا تحاصر شعب فلسطين في غزة، حتى الموت، فحسب، بل إنها تحاول جعل البحر الأبيض بحيرة إسرائيلية. لقد هتكت حرمة الشرعية الدولية. لقد خرقت كل القوانين والأعراف. ارتكبت ما يتجاوز القرصنة. جيشها بوحداته الخاصة، بالمظليين في المروحيات، باشروا القتل لإرهاب العالم كله. وردّت تركيا كما ينبغي أن تردّ دولة أساسية في المنطقة، وبحكم متجذر في أرضه وفي أوساط شعبه. حكم يحترم نفسه، ويرى في فلسطين، ممثلة بغزة المحاصرة حتى الموت، قضيته أيضاً، بدوافع يختلط فيها الوطني مع الديني مع الإنساني. إنه شرف تركيا ومن حق حكومتها أن تدافع عنه بالوسائل جميعاً. ثم إنه موقف تشارك فيه تركيا العديد من دول أوروبا فضلاً عن العديد من دول عدم الانحياز. ليست دمشق بحاجة لأن تصدر البيانات تأييداً للموقف التركي. هي ترى نفسها فيه وليس معه فحسب. ولعلها قد لعبت دوراً في ما يراه بعض العالم تحولاً جذرياً في هذا الموقف. وتركيا لا تلغي إيران ودورها في المنطقة. التكامل ممكن بل ومطلوب، ويمكن لسوريا أن تلعب دوراً مهماً في هذا المجال. &laqascii117o;الثلاثي" لا يشكل &laqascii117o;محوراً ضد الآخرين". لكنه عامل حماية لصالح المنطقة وتأمينها. ونجدة غزة واجب وطني وقومي وإنساني، وليست تلبية لنداء العاطفة الإسلامية وحده. العالم كله وبعض أوروبا خاصة، يشارك في الحملة لنجدة غزة وفك الحصار الإسرائيلي عنها. تقدير خاص للمطران كبوجي الذي شارك ـ برغم تعب السنين ـ للمرة الثانية في حملة لنجدة هذا الشعب المحاصر والمحصور والمتروك وسط بيوته ومدارسه وأكواخ لجوئه (السابق) المهدمة. المسألة ليست طائفية. هي قضية إنسانية، فضلاً عن كونها قضية قومية ووطنية. لهموم العراق مساحتها الخاصة. يتناقص الخوف من شبح الحرب الأهلية. لقد وفرت الانتخابات فرصة لخيار قيام حكم وطني جامع يؤكد الهوية العربية لهذا البلد الشقيق والجار، ويساعد على تضميد جراحه. دور دمشق أن تغلب أسباب التفاهم على التناقضات. المصارحة ضرورة، وتنسيق المواقف مع إيران التي يصعب عليها نسيان حرب صدام الطويلة عليها، ومع تركيا التي تنظر بحذر إلى موقف الأكراد، ومع السعودية، ومن خلفها دول الخليج، كل ذلك ضروري لحماية وحدة العراق. يتوافد الرسل من واشنطن، فيهم من أهل الحكم وفيهم من المعارضة. الكل مهتم بدور سوريا. صدرت بعض الإشارات الإيجابية، عملياً (قطع غيار للطائرات المدنية) ولقد ردينا على التحية بالتحية. لا تحول جذرياً. لا مجال للمراهنة على تغيير جدي في الموقف من إسرائيل. الرئيس أوباما هدف لحرب توحي وكأن الغاية من إيصاله إلى سدة الرئاسة قد تحقق وانتهى الأمر. وأغلب الظن أنهم سيعملون ضد ولاية ثانية له. إنهم يتسببون في إحراجات وإشكالات لكشف ضعفه، يومياً، لا سيما في كل ما يتصل بإسرائيل. دفعه إلى الحرب على إيران: &laqascii117o;إن لم تهاجمها القوات الأميركية سنهاجمها بقواتنا". يقول له الإسرائيليون. منطق روسيا والصين: &laqascii117o;سنتفادى الحرب بعقوبات نعرف استحالة تنفيذها. سنحذف من القائمة كل ما يتصل بحياة الإيرانيين".
الهموم السورية ثقيلة: الاقتصاد، أولاً. لم تتحرك النخوة العربية، ولو للاستثمار والتوظيف في سوريا. المساهمات محدودة جداً. الجفاف ألحق بسوريا أضراراً ثقيلة. لا تشكل تركيا منافساً خطيراً للصناعات السورية. في البداية تأثرت حلب بعض الشيء، ثم عوّضت &laqascii117o;باقتحامات" في تركيا ذاتها. وها أن أكثر من مئة وخمسين مصنعاً يقوم السوريون ببنائها الآن في مصر. والخاتمة عودة إلى لبنان. لا بد من إنعاش العلاقة بما ينفع الناس حتى يلمسوا خيرات الأخوة. بين المشاريع المطروحة للنقاش تحويل الحدود اللبنانية ـ السورية إلى منطقة استثمار مشترك، يفيد منها الفلاحون وأهل الأرض على طرفي الحدود. لا بد أن يلمس كل مواطن في سوريا كما في لبنان بأن &laqascii117o;الأخوة" مصدر خير ينعكس على حياته بشكل محسوس. برنامج الرئيس السوري بشار الأسد مزدحم بالمواعيد. لكن لبنان له أولوية في العاطفة كما في الاهتمام السياسي. أما فلسطين فلا تغيب عن أي لقاء. إنها القضية، في الماضي والحاضر والمستقبل.
- 'النهار'
'التتريــــك' مجــــدداً
نايلة تويني:
سمعت كلاماً كثيراً في الأيام الماضية عن الضعف العربي والوهن العربي والتراجع العربي، وأنا أعلم بالتأكيد أن الناطقين به ليسوا من الأعاجم وإن كانوا يدينون لهم بالولاء، والانتماء. في مقابل الكلام المسيء الى العالم العربي، يبرز المديح الاستثنائي للاتراك، وقد تحولوا الشعلة التي تضيء الدرب الى فلسطين والأسطول الذي يحرّر غزة. صاروا في الواجهة، وتقدموا على كل المساعي والتضحيات التي قدمتها دول وشعوب عربية، وكأن قضية فلسطين ظلت حيّة على مدى كل تلك السنين من دون توافر الدعم، ولو مادياً، لها.هل التهجم على الحال العربية هو حركة بريئة من أناس فاض فيهم الغضب والحزن المتراكمان، أم هو خطّة مفتعلة منذ سنوات بهدف إضعاف الحالة العربية لمصلحة النظام الايراني ومحوره الذي اضاف اليه تركيا اليوم. تلك التركيا الطامحة الى لعب دور اقليمي، والتي تريد ردّ الصاع الى المجتمع الدولي وتحديداً الاوروبي الذي لم يفتح لها مصراعي الباب حتى ساعته. لا نريد خلق حال عداء ضد تركيا، اذ لا مصلحة لنا في ذلك، ولكن ليس من مصلحتنا أيضاً التحامل على كل الدول العربية لمصلحة ايران وتركيا. رغم كل ما حصل، ورغم حملات التهليل والتعظيم، لم تلجأ تركيا الى قطع علاقتها باسرائيل، وهي لم تنتفض لو لم يسقط لها ضحايا، وقد شاهدت كل الحروب والجرائم بأم العين طوال الأعوام الماضية، والطويلة. تحاول تركيا ان تلعب دوراً فقدته مع انتهاء الحكم العثماني الذي طال أمده، ويحاول بعض الفلسطينيين ومعهم بعض العرب، او المسلمين، التمسك بخشبة خلاص، متناسين انهم يسقطون دورهم كعرب، ويساهمون في إلغاء هويتهم، ويجعلون مصائرهم في السلة التركية التي ستفيد من الوضع الراهن لتحسين شروط لعبتها والامساك بالمزيد من أوراق تلك اللعبة، للتقدم، علينا حتماً. فهل يحن بعض العرب الى زمن 'التتريك'؟.
- 'النهار'
هل يكون الدور التركي مكمّلاً للدور الإيراني أم منافساً له؟.. خلط أوراق وتغيير تحالفات في المنطقة
اميل خوري:
يعتقد البعض في قوى 14 آذار بان دخول تركيا على خط الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي والعربي – الاسرائيلي بقوة، قد يخلط اوراق التحالفات في المنطقة وخصوصا في لبنان، ويقيم ربما ما يشبه صراع محاور جديدة تجعل اللبنانيين ينقسمون في ما بينهم، ليس بين سوريا وايران اذا ما افترقتا بل بين ايران وتركيا، ويصبح على سوريا نفسها ان تختار ايضا بينهما، وهذا من شأنه ان يجعل حزب الله في مكان والمتحالفين معه في مكان آخر.والواقع، ان موقف تركيا الاخير من اسرائيل بلغ ليس حد المواجهة الكلامية كما مع ايران، بل حد المواجهة الدموية التي قد تتصاعد من اجل كسر الحصار على غزة، وان هذه المواجهة في حال حصولها قد تتطلب تدخل مجلس الامن والدول الكبرى ليصبح الحل المطروح تسوية سلمية شاملة لأزمة الشرق الاوسط تفرض على جميع الاطراف المعنيين تحت طائلة التهديد بفرض عقوبات على من يرفض هذه التسوية.ولفت البعض في قوى 14 آذار قول النائب وليد جنبلاط في حديثه الى برنامج 'كلام الناس'، انه 'يتمنى على الخطاب الايراني ان يكون موازنا للخطاب التركي ازاء اسرائيل'، وهذا معناه ان الطريقة المجدية في مخاطبة اسرائيل هي تلك التي تعتمدها تركيا وليس ايران التي تهدد بازالة اسرائيل من الوجود في المنطقة وبالاصرار على الحصول على السلاح النووي اسوة بها، فيما اقتربت الدول الكبرى من الاتفاق على فرض عقوبات عليها.وعندما يدعو النائب جنبلاط في حديثه التلفزيوني الى استيعاب سلاح المقاومة، في اطار استراتيجية دفاعية، فمعنى ذلك انه بات اقرب في تفكيره الى قوى 14 آذار منه الى بعض قوى 8 آذار وكأن شيئا ما قد يحدث في المنطقة بعد فرض عقوبات على ايران يجعلها معزولة عربيا ودوليا وتأخذ تركيا دور الانقاذ باعتماد خطوات عملية وليس بالخطب الرنانة.وعندما تأخذ تركيا هذا الدور من ايران فإنها لا تجعل دول الجوار تشعر بالخوف والقلق كما شعرت بهما وهو مع ايران، بل على عكس ذلك، فانها تتعاون مع تركيا على انجاح مهمتها، ومنها على الاخص المملكة العربية السعودية ومصر وحتى سوريا المتحالفة مع ايران، لا تستطيع الا ان تكون متعاونة مع تركيا من دون ان تبتعد او تنفصل عن ايران.والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تعود المنطقة وتنقسم بين محورين جديدين: المحور التركي ومن معه عربيا واقليميا ودوليا، والمحور الايراني ومن معه، ام ان ايران ومن معها تلتقي عندئذ وتركيا ومن معها، على بذل جهود مشتركة لانجاح تسوية سلمية شاملة لأزمة الشرق الاوسط ولا سيما للقضية الفلسطينية لب هذه الازمة فتنعم المنطقة عندئذ بالامن والسلام والاستقرار وينتهي الصراع المزمن مع اسرائيل. ثمة من يقول ان ايران التي تكون واقعة تحت ثقل العقوبات والعزلة الدولية، قد لا تكون قادرة على ان تكون في موقع التصدي والمواجهة خصوصا عندما تكون تركيا هي التي تقوم بالدور المطلوب بمباركة عربية واقليمية ودولية، ولا يعود عندئذ في امكان اي طرف غير راغب في السلام وله مصلحة في استمرار وضع اللاحرب واللاسلم عرقلة هذا الدور او افشاله، بل ان تحقيق السلام هو الذي يوقف سباق التسلح ويجعل البحث في خلو المنطقة من السلاح النووي ممكنا...
- 'السفير'
المجتمع المدني يقاوم
ساطع نور الدين:
عندما تتولى منظمات المجتمع المدني العربية والأجنبية قيادة الصراع على فلسطين، وتستقر الأنظمة العربية في مقاعد المشاهدين المحايدين، وتكتفي تنظيمات المقاومة بدور المشجعين والمصفقين، تقتحم القضية الفلسطينية عوالم جديدة، هي أدنى بما لا يقاس من عالمها السابق الذي كان أحد أهم مكونات الهوية السياسية والثقافية للعرب، وأعلى بما لا يدع مجالا للشك من جميع أساليب وأيديولوجيات المواجهة الراهنة للمشروع الاسرائيلي.
ابتكار تلك الطرق المدنية السلمية لفك الحصار عن مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة، هو حتما أضعف الايمان وليس أشده. الأساطيل المتوجهة الى القطاع تقوم بعمل إنساني وأخلاقي لا جدال فيه، لكنه عمل دعائي أيضا يهدف الى فضح دولة إسرائيل وسلوكها الوحشي إزاء الفلسطينيين وأبسط حقوقهم المعيشية.. التي احتلت مكان حقوقهم الوطنية والسياسية المعلقة أو المؤجلة في انتظار اكتمال شروط يضعها المسؤولون في مختلف أنحاء العالم، ويقبلها المتضامنون الذين يغامرون بأرواحهم من أجل إيصال المعونات الغذائية والصحية الى أطفالهم، وهي استعادة وحدتهم الوطنية التي يفترض أن تنزع عن جناحهم الإسلامي شرعية تمثيله أو بعضا منها، وبلورة خطتهم السياسية التي تتلاءم مع الوقائع التي فرضها الاسرائيليون على الارض الفلسطينية. هو عمل من خارج السياسة، التي يفترض أن تشتمل على الدعاية لدى الرأي العام العالمي لكنها لا تقتصر عليها، ان ترفع غصن الزيتون لكنها لا تكتفي به، وتحاول دائماً فتح جبهات للاشتباك مع العدو وإطلاق النار عليه، في أي مكان في العالم، وفتح قنوات الاتصال مع أي حليف أو نصير محتمل للقضية برمتها وليس لبعدها الإنساني والأخلاقي الذي يحفز أساطيل الإغاثة الدولية خاصة على الدخول في سجال مع دولة إسرائيل ومعاييرها الإنسانية والأخلاقية، فيما يعيد الى الأذهان جانبا من الحملات التي شنها الغرب على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.. حيث يجب الاعتراف بأن مقاومة السود كانت أهم وأفعل من مقاومة الفلسطينيين على اختلاف تنظيماتهم وقياداتهم السياسية. الجمهور الغربي الذي يتعاطف مع أساطيل الإغاثة وسعيها لإنقاذ سكان غزة من محنة إنسانية وصحية ومعيشية، يقود في اتجاه تكرار التجربة الافريقية الباهرة، على المدى البعيد، الذي لا يمكن تقصيره إلا بقراءة دقيقة لنضال السود في أقصى جنوبي القارة، حتى ولو اتضح أنها عودة بالقضية الفلسطينية الى نقطة البداية التي سبق أن تجاوزتها في مراحل عديدة من الصراع، عندما حازت في الماضي القريب الاعتراف الدولي شبه الإجماعي بشرعيتها وبندقيتها وخطابها السياسي، وعندما كانت تختزل توق العرب ومعهم شعوب العالم الثالث كله الى الحرية والاستقلال والسيادة. قد تبدو الرحلات البحرية في اتجاه غزة انتكاسة للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي انحدرت أولوياته القصوى الى السعي فك الحصار عن مليون ونصف مليون مواطن، لكن ذلك الجمهور الغربي الذي يعبر اليوم ولو بشكل خجول ومحدود جدا عن تعاطفه مع تلك المسألة الإنسانية هو السلاح الوحيد المتبقي في معركة كثر فيها عدد المشاهدين والمشجعين العرب، وندر فيها عدد المقاتلين الأشداء والمفاوضين الدهاة.
- 'السفير'
رسائل بدماء قتلى أسطول الحرية
ميشيل كيلو:
في المراجعة التي أجراها الجيش الإسرائيلي لحرب عام 2006، قال رئيس أركانه الحالي غابي أشكنازي ما معناه، لم يكن الجيش آلة قتل فعالة. يجب أن ندربه على القتل خلال السنوات الخمس القادمة، وأن نجعله يقتل العدو بلا رحمة، ومن دون تمييز. تقول العمليات الحربية التي نفذها جيش العدو بعد عام 2006 إنه صار آلة قتل بلا تمييز أو رحمة. ويشير سلوكه خلال هذه العمليات إلى الاحترافية الرفيعة، التي بلغها في قدرته على القتل بلا تمييز، فقد قتل إبان حرب غزة من دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، ودمر الزرع والضرع، ولم يوفر مسكناً أو مشفى أو مدرسة أو روضة أطفال أو مسجداً أو مزرعة أو ورشة حدادة. واعترف جنوده أن الأوامر الصادرة إليهم كانت تلزمهم بإطلاق النار على أي شيء يتحرك، ولعل عدد الأطفال المرتفع بين القتلى يكون خير شاهد على ما أراده أشكنازي: بناء جيش من القتلة، لا يراعي اعتباراً ولا يلتزم بعرف أو ميثاق، يقتل كل ما ومن تقع عينه عليه. هذا الطابع برز في أشنع صوره خلال مجزرة أسطول الحرية، التي فاقت في وحشيتها ما عرفته غزة من وحشية مجنونة أثارت إدانة العالم بأسره، وأرعبت حتى حكومات الدول الصديقة لإسرائيل، التي أفزعها حجم الهمجية المصاحبة للقوة المستخدمة....