- 'الديار'
مشكلة تواصل وسلوك وثقافة
فؤاد أبو زيد:
قياساً على ما يجري على امتداد الساحة السياسية في لبنان، منذ شهور عدّة، من حيث الخطاب السياسي المتبادل بين الفريق الذي يدعو الى الانضواء تحت مظلة الدولة، و&laqascii117o;تحييد" لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية، وبين الفريق الذي يصرّ على استراتيجية يجب على لبنان اعتمادها، تقوم على ثلاثية المقاومة والشعب والجيش، ويعتبر ان الدعوة الى &laqascii117o;الحياد" تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة واسرائيل، قياساً على هاتين الاستراتيجيتين المتعارضتين، يمكن الاستنتاج، انه فوق الخلاف البارز في نظرة كل فريق الى ما يجب ان يكون عليه مستقبل لبنان، هناك قطع كامل في مفهوم التواصل حول معنى الكلمات المستخدمة من جهة، كما هناك سلوك وتربية وادبيات وثقافة تختلف بين فريق وفريق.
اقسى تهمة يمكن ان توجّه الى انسان او حزب او تيار او فئة، ان يقال انهم خارجون على الدولة، فالخروج على سلطة الدولة يعني الخروج على القوانين والدستور والنظام العام، والميليشيات التي اخذت اثناء الحرب سلطات الدولة بسبب غياب الدولة وانهيارها، ما زالت حتى اليوم تنعت بأنها استولت على مقدّرات الدولة وحكمت الناس خلافاً للدستور والقوانين والنظام الديموقراطي القائم على مبدأ الانتخابات وتداول السلطة، والدولة عندما غابت عن ابناء الجنوب وتركتهم طعماً للفوضى والفاقة، ملأ الفراغ ضباط وجنود من الجيش اللبناني تقطعت بهم السبل هناك، ووجدوا حالهم في نهاية المطاف مع فريق كبير من اللبنانيين، في قبضة الاحتلال الاسرائيلي.
هذه العودة الى التاريخ القريب للتأكيد على مدى اهمية وجود الدولة والسلطات الرسمية في حياة الانسان، وانتظام الشأن العام واستقراره، ولذلك فان المطالبين بأن تمسك الدولة وحدها بالقرارات ذات التأثير المباشر على حياة الناس وامنهم واستقرارهم وازدهارهم لا يمكن ان يكونوا عملاء لاميركا واسرائيل، بل هم وطنيون مخلصون قدّموا تضحيات كبيرة وجليلة وغالية من اجل بلدهم وقيام دولتهم، خصوصاً وان هؤلاء، وعلى الرغم من مآخذهم، ومآخذ شريحة كبيرة من المواطنين على وجود السلاح في ايدي فريق واحد من اللبنانيين، يعلنون، ولا احد يريد ان يسمع، بأن السلاح يبقى حيث هو، انما تحريك هذا السلاح واستعماله يجب ان يكونا بيد الدولة، فاين هي الجريمة في هذا الطرح، ولماذا تحوير الطروحات والكلام، وترداد المعزوفة بأن هؤلاء يريدون نزع سلاح المقاومة خدمة لاسرائيل.
اما في ما خصّ موضوع حياد لبنان او تحييده، فان المغالطات وقلب حقيقة ما يقال، يدخلان ايضاً في صلب هذا الموضوع، وبمثل ما تم استبدال جملة &laqascii117o;السلاح يبقى حيث هو" بجملة &laqascii117o;نزع سلاح المقاومة" والبناء عليها لكيل الاتهامات وتوزيع النعوت، يتم ايضا استبعاد كلمة &laqascii117o;تحييد" والاصرار على كلمة &laqascii117o;حياد"، على الرغم من ان اصحاب هذا الطرح شرحوا مراراً وتكراراً الفرق الكبير ما بين تحييد وحياد، فلبنان ليس محايداً بالنسبة الى قضية العرب الامّ، اي القضية الفلسطينية، ولكن من الواجب تحييد لبنان عن الصراعات ما بين الدول العربية، والصراعات ما بين الدول الاقليمية والمجتمع الدولي، وهذا حق وواجب وضروري ومن صلب مصلحة لبنان، علماً بأن طرح حياد لبنان الايجابي حتى بالنسبة الى القضية الفلسطينية، انما هو نابع من شعور الاكثرية الساحقة من اللبنانيين بأنهم قدّموا اكثر من واجبهم حيال هذه القضية، وآن لهم ان يرتاحوا، والذين يطرحون مثل هذا الطرح ليسوا اغبياء ولا عملاء ولا جبناء، ومن حقهم الدستوري ان يتمتعوا بحرية الكلام في دولة تلتزم الديموقراطية نظاماً للحكم دون ان يهانوا او يسفّهوا.
يبقى أخيراً، واجب كشف زمرة، ما يدعى &laqascii117o;بأصوات اسيادها"، وهي زمرة تضم عدداً من النواب القدامى والنواب الحاليين، تسلقوا سابقاً وبالامس، وسيتسلقون غداً طالما ان قانون الانتخاب لم يغيّر او يبدّل، على سيقان هذا الحزب او ذاك، او هذا الزعيم او ذاك، ليصلوا الى مجلس النواب، وعندما يصلون، عليهم دفع الثمن، والثمن هو حمل المباخر ومسح الجوخ، وشتم الخصوم، والتطاول على اصحاب القامات الكبيرة وطنياً واخلاقياً وانسانياً، مثل غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وغيره من القيادات الوطنية السيادية، ومن الصدف المتعمّد حصولها، ان هؤلاء مسيحيون بالهوية، اما بالممارسة والفعل فهم يوضاسيّون على استعداد لبيع كنيستهم ورأسها بأقلّ من مقعد نيابي او وزاري.
بعد حادثة الانفجار &laqascii117o;الغامض" في زحله وقبل ساعات من زيارة البطريرك صفير الى اكبر مدينة مسيحية في الشرق، وبعد مناشير تهديد مسيحي صيدا وشرقها بالمغادرة او القتل، وبعد محاولات تهميش اكثرية المسيحيين وعزلهم مع قياداتهم، لم يعد الكلام وحده عن الوحدة والعيش الواحد يجدي، ما لم يقترن بخطوات حقيقية وعملية من الدولة، ومن الشريك الاخر لحماية الوحدة والعيش الواحد.