ـ 'اللواء'
نائب رئيس <معهد انتر برايز> في شهادة له في مجلس الشيوخ الأميركي / دانييل بلاتكا: حزب الله دولة فعالة داخل الدولة اللبنانية ويهيئ الفرصة لإيران لفتح جبهة أخرى لها
ترجمة جوزيف ملكون:
معهد أنتر برايز الأميركي يعد من بين بضعة مؤسسات مهمة في واشنطن تعتمد الادارات الأميركية المتعاقبة عليه في رسم سياستها الخارجية&bascii117ll; وكان نائب رئيس المعهد، دانييل بلاتكا، من بين الذين أدلوا بشهادتهم أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي حول تقييمه لقوة حزب الله، في الثامن من حزيران الماضي&bascii117ll;استهل بلاتكا شهادته بالقول انه أمضى أكثر من عقد يعمل على هذا الموضوع الذي يجري مناقشته&bascii117ll; ومضى يقول: رغم تصاعد الوعي حيال الارهاب والمجموعات الارهابية منذ هجمات أيلول 2001 ظلت السياسة الأميركية حيال لبنان وسوريا وحزب الله مضطربة، مقدار كبير من مؤشرات مختلفة ومقاربات متنافرة. وعلى الرغم من تقديم أكثر من 1.6 مليار دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية الى لبنان منذ 2006 ورغم المجهود المتناغم للوصول الى نظام الأسد في دمشق ورغم الرغبة في مراقبة الدور السياسي والعسكري المتزايد لحزب الله في لبنان، فقد كان لدى ادارة أوباما القليل لاظهار جهودها في الشرق&bascii117ll;
وفي أعقاب اغتيال، رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، عام 2006، اغتيال يروى عن تورط حزب الله فيه، فإن الأسرة الدولية اتخذت موقفاً متشدد نسبياً ضد سوريا ووكلاؤها، وأعطت النتيجة النهائية للسيطرة العسكرية السورية على لبنان العديد منّا الأمل بأن لبنان وضع أخيراً على السكة لاستعادة استقلاله الذي فقده عام 1976&bascii117ll; وبدأ بالتأكيد ان واشنطن لن تتحمل، على الأقل، استغلال الشعب اللبناني من قبل دمشق وطهران&bascii117ll; وقد حصلت تطورات مزعجة في السنوات التالية كان يجب فقط ان تدعم التزامنا بمساعدة لبنان على حماية نفسه من الافتراس السوري والايراني، وفي عام 2006 عبر حزب الله حدود لبنان الجنوبية مع اسرائيل وخطف اثنين من الجنود الاسرائيليين مطلقاً شرارة حرب بين اسرائيل وحزب الله أدت الى خسائر كبيرة في الأرواح بمن فيهم مدنيين لبنانيين&bascii117ll;
كيف يمكن لمجموعة مسلحة واحدة أن تجر دولة ديمقراطية أسميا الى حرب من دون استشارة؟
الأسوأ من ذلك ان اداء حزب الله في ذلك النزاع كشف ما كان البعض يرفض في اسرائيل والولايات المتحدة بأنه مجموعة ارهابيين بل انه ماكنة مقاتلة مسلحة تسليحاً جيداً ومدربة تدريباً حسناً ومحنكة&bascii117ll;
وصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 ودعوته بأن لن يكون هناك سلاح من دون موافقة الحكومة اللبنانية ولا سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية بدا وكأنه بطانة فضية لحرب الصيف بعد اغتيال الحريري الذي أدى الى انسحاب القوات السورية، لكن القرار تم تجاهله بوجه الانتهاكات المتكررة والمفضوحة&bascii117ll;
كانت هناك علامات مخيفة أكثر: انكشاف ان سوريا تسعى للحصول على قدرات نووية مسلحة، وسلسلة اغتيالات لسياسيين مناوئين لسوريا في لبنان وانهيار حركة 14 آذار وسيطرة حزب الله بالسلاح على بيروت عام 2008 واستسلام 14 آذار لمطالب حزب الله بأن يكون له حق الفيتو على قرارات حكومية&bascii117ll;
واستمرت سوريا وايران في اعادة تسليح حزب الله خلال هذا الغليان السياسي&bascii117ll; كانت حركة النقل بطيئة في اعقاب حرب 2006 لكنها سرّعت واليوم حزب الله مسلح تسليحا افضل مما كان عليه عام 2006، طبقاً لما يقوله وزير الدفاع، روبرت غيتس، قال ان سوريا وايران تزوّدان حزب الله بالصواريخ والقذائف بقدرات متزايدة ونحن اليوم عند نقطة يملك فيها حزب الله صواريخ وقذائف أكثر من معظم الدول في العالم&bascii117ll;
لننظر إلى ما ورد في الصحف عن تطورات هذا العام فقط&bascii117ll; أفادت صحيفة <التايمز> اللندنية ان المسؤولين الاسرائيليين والأميركيين يعتقدون ان سوريا نقلت بطاريتي صواريخ سكود الى لبنان حيث يشك في أنها خزنت تحت الأرض في وادي البقاع&bascii117ll; وكانت اسرائيل قد خططت لمهاجمة احدى الشاحنات السورية التي تنقل السلاح الى حزب الله عندما تعبر الحدود اللبنانية لكنها توقفت بناء على طلب أميركي، وما زال المسؤولون الأميركيون يأملون في اقناع سوريا بوقف تجهيز حزب الله بالسلاح من دون تدخل عسكري&bascii117ll;
طبقاً لهذا التقرير فإن صور الأقمار الصناعية أظهرت أحد المرافق العسكرية السرية في <أدرا>، سوريا حيث يجد مقاتلو حزب الله أماكن للعيش وشاحنات لنقل الصواريخ إلى لبنان&bascii117ll;
أبلغت مصادر حزب الله صحيفة <الرأي> الكويتية أن لدى الجماعة القدرة على اطلاق 15 طناً من المتفجرات على اسرائيل كل يوم في حال وقوع حرب أخرى بين الطرفين وان الحزب يملك صواريخ متنوعة ذات حمولة ثقيلة بما فيها صاروخ <زلزال> البالغ وزنه طناً واحداً وصاروخ فتح 110 نصف طن وصواريخ أم 600 &bascii117ll;
ذكرت وزارة الخارجية الاسرائيلية أن الأسلحة التي صودرت من طائرة شحن في بانكوك في كانون الأول الماضي كانت متجهة الى حزب الله وحماس&bascii117ll; وقالت السلطات ان الطائرة التي يعتقد أنها انطلقت من كوريا الشمالية كانت تحمل 35 طناً من الأسلحة بما فيها قذائف و<ار بي جي>&bascii117ll;
تشير التقارير أوائل أيار الماضي أنه في وقت ما من العام الماضي جهزت سوريا حزب الله بصواريخ <ام 600> وهي النسخة السورية المتقدمة لصواريخ فتح 110 الايرانية، ومدى هذه الصواريخ يسمح لحزب الله ضرب تل أبيب من جنوب لبنان&bascii117ll;
أفادت صحيفة <واشنطن بوست> في كانون الثاني، شهر ناشط، ان حزب الله وضع صواريخ بعيدة المدى في عمق لبنان ووادي البقاع، ارهابيو حزب الله أطلقوا صاروخاً ضد الدبابات وضد بلدوزر كان يعمل على ازالة الألغام على الحدود الاسرائيلية - اللبنانية وقتل في الحادث جندي، كما صادرت البحرية الاسرائيلية باخرة ايرانية متجهة إلى سوريا تحمل أسلحة إلى حزب الله من رئيس فنزويلا، هوغو شافيز&bascii117ll;
وذكرت الصحف الكويتية ان مسؤولاً أميركياً قال ان عاملين في حزب الله تدربوا في سوريا على بطاريات صواريخ مضادة للطائرات نوع اس آي2، وأخيراً اكتشفت قوات حفظ السلام الدولية 660 باونداً من المتفجرات قرب الحدود مع اسرائيل (حدث ذلك في كانون الأول ونشر عنه في كانون الثاني)&bascii117ll;
كل هذه التفاصيل وأكثر يمكن ايجادها في موقع <ايران تراك> لكن جميع ما ذكر مجرد أخبار سنة 2010 &bascii117ll;
بكلمة مختصرة، ان حزب الله دولة فعالة داخل الدولة في لبنان تملك ترسانة متنامية من صواريخ معقدة بعيدة المدى&bascii117ll; الحكومة اللبنانية لا تعيقها ولا من مجيب على هذا الأمر إلا النظامين الدكتاتوريين في دمشق وطهران، للأسف أن الآمال التي علقت على القادة اللبنانيين الاستجابة للشعب اللبناني وليس للقوى الأجنبية باستعادة السيطرة على الأوضاع لم تتحقق، ليس هناك رمز مؤثر على ذلك الاخفاق أكثر من حقيقة أنه في الوقت الذي كان رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، يجتمع الى الرئيس أوباما وفريقه، ظهر الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، على شاشة تلفزيون حزب الله، المنار، داعياً جميع اللبنانيين الى احتضان وحماية سلاح حزب الله&bascii117ll;
طبقاً لما يقوله البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) يتسلم حزب الله ما قيمته 200 مليون دولار كمساعدات من ايران سنوياً إضافة الى السلاح، وتشير تقارير أخرى إلى أن الحزب ربما يتسلم أكثر&bascii117ll; كما تجمع الجماعة المال في الولايات المتحدة بما في ذلك القيام بنشاطات اجرامية&bascii117ll; وجرت اعتقالات لجامعي التبرعات ومؤيدي حزب الله في الولايات المتحدة بمن فيهم أحدهم اعتقل الاسبوع الماضي (أوائل أيار)&bascii117ll;
ويتلقى حزب الله تدريباً من <قوة القدس> النخبة التابعة للحرس الثوري الايراني ويتولى هو بالتالي تدريب مجموعات ارهابية مختلفة في قواعده في لبنان، وذكر البنتاغون في نيسان الماضي ان حزب الله اللبناني قام بتدريب المتمردين في العراق وايران ولبنان مقدماً لهم التدريب والتكتيكات والتكنولوجيا في عمليات الخطف وكيفية عمل وحدات صغيرة واستخدام آلات تفجير معقدة مدمجاً الدروس التي تعلمها من العمليات في جنوب لبنان&bascii117ll; بايجاز، ان حزب الله قادر على خوض حرب بالأصالة عن نفسه ولديه شبكة واسعة حول العالم وهو ينمو خصوصاً في أميركا اللاتينية وأقام تحالفات كاملة مع عدة جماعات ارهابية بما فيها مجموعات سنية مهيئاً الفرصة لايران في فتح جبهة ثانية في أي نزاع&bascii117ll; يمكنه أن يفعل كل ذلك تحت واجهة <المقاومة الوطنية> في لبنان لاعباً دور المدافع عن سيادة لبنان وتدريب جماعة ارهابية علماً أنه يشارك في وزارة الحريري بمنصبين وزاريين ويملك الفيتو على صنع أي قرار وطني&bascii117ll;
ما يعنيه ذلك إلى لبنان هو استمرار تآكل الدولة وخضوعها إلى المصالح الأجنبية وفقدان الارادة المستقلة والديمقراطية وتهديداً قوياً لحلفاء أميركا والمصالح الأميركية&bascii117ll; ومنذ حرب اسرائيل - حزب الله اتبعت الولايات المتحدة سياسة تهدف الى تعزيز الدولة اللبنانية على حساب حزب الله، وشمل ذلك مبيعات سلاح بلغت نصف مليار دولار ومساعدات كبيرة، ليس من الواضح كلياً ماذا كانت ثمرة هذه الأسلحة أو المساعدات، إذا كنا نأمل أنها ستشتري نزع سلاح حزب الله فنحن مخطئون&bascii117ll; وإذا كنا نأمل في شراء الاستقلال عن سوريا أو إيران أو نهاية لمعسكرات تدريب الارهابيين والتي أدت تعاليمها إلى موت الجنود الأميركيين فنحن مخطئون&bascii117ll;
لقد اتبعت ادارة أوباما سياسة محددة في الاشتباك مع أسياد لبنان في دمشق&bascii117ll; قال آخرون أنها السياسة الصائبة التي تمنح الولايات المتحدة الفرصة للتحدث مباشرة مع السوريين حول اهتماماتنا&bascii117ll; وقد تحدثنا الى السوريين تكراراً عبر سفارتنا في دمشق أو عبر زيارات منتظمة من قبل كبار المسؤولين في الإدارة، ولم تعط نتيجة، والحقيقة ان دمشق مستمرة في اتباع سياسات بغيضة لمصالحنا والبعض يشك في ان نظام الأسد مستمر في تطوير الأسلحة النووية&bascii117ll;
سرت شائعات مؤخراً أن إدارة أوباما تدرس مسألة الاتصال مباشرة بحزب الله بغية إقامة حوار، وقد اقترح جون برينان، أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض في مكافحة الارهاب أن تجد الولايات المتحدة طريقاً للوصول الى العناصر المعتدلة داخل حزب الله الذي هو منظمة تشويقية (انترستنغ)&bascii117ll;
البيانات تقف بتناقض صارخ مع بيانات مسؤولين آخرين في الإدارة بمن فيهم، ديني بلير، موظف سابق في DNI الذي رفض أوائل العام استبعاد هجوم محتمل لحزب الله على الولايات المتحدة&bascii117ll;
هذه الإشارات المختلطة من واشنطن تعد خطرة ويجب أن يكون لدينا شك قليل بأنه ينظر إلينا في المنطقة على أننا ضعفاء من قبل أصدقائنا وكذلك أعدائنا&bascii117ll;حان الوقت لأن نعيد تقييم علاقاتنا مع لبنان والتحدي الذي يمثله حزب الله، لا أعتقد أننا سنستفيد من تقارب كبير مع دمشق أو مع وكلائهم الارهابيين&bascii117ll;
وأخيراً وفي لحظة معينة يكون من الضروري لنا أن نسأل ما إذا كانت دولارات دافع الضريبة الأميركي تصل الى لبنان لمساعدة أصدقائنا أو رشوة أعدائنا&bascii117ll; إذا كان الدعم للجيش اللبناني لا يذهب لضمان حدود لبنان ولا تخلصه من الجماعات الارهابية، قد يسأل أحدهم إلى أن تذهب؟ سؤال سأله الكونغرس منذ سنوات مضت عندما كان لبنان مركز خطف الأشخاص والطائرات والقتل، نشكر حزب الله، حان الوقت لأن نسأل مرة أخرى&bascii117ll;
ـ 'السفير'
هــل نقــدي أقــوى مــن العمالــة لإســرائيل؟
سولى فاضل:
قد يقول قائل بعد قراءة رسالتي هذه: &laqascii117o;لماذا لا تعملين إلا مع من تشكين منهم؟"، أقول لهم ان جوابي هو أننا نعيش في مجتمع المذهبية الذي بتنا ندافع عنه خوفا على مستقبلنا وعلى مستقبل أولادنا، ولا أرى سببا لهذا الوضع المزري سوى تخليّ الدولة اللبنانية عن سلطتها حيث يذهب أبناء هذا الوطن ضحية التعسف المذهبي القائم على أن &laqascii117o;من لم يكن مع طائفته أو مذهب جماعته فإنه منبوذ منبوذ منبوذ إلى يوم الدين، أو أن يعود طائعا معلنا استسلامه الضمني وفشله بمحاربة من سلّم نفسه خوفا على لقمة العيش".
وغالبا ما يصنف اللبناني شريكه الآخر بالوطن بحسب طائفته، إلا من بعض الخروقات لشخصيات خارجة عن إطار الطائفة، فتعد منبوذة سلفا حيث يحكم عليها بأحكام قاسية. فكيف هي الحال مع امرأة محجبة حجابا يوحي سلفا بتصنيف، إضافة الى المذهبي منه، بتصنيف سياسي مرغوب جدا لدى فئة وجهة ومرفوض جدا لدى فئات أخرى.
والمصيبة الكبرى التي تقع على رأس هذه المحجبة هو إن كانت شكلا توحي بانتماء الى مذهب سياسي، وهي في الحقيقة لا تؤمن كليّا بتوجهات هذا المذهب السياسي والديني.
هنا يظهر الغش من طرفها أولا، غش للمفاهيم والتصنيفات المرتبة داخل عقول الناس وأذهانهم والمهندَسة على نسق واحد.
ويظهر تكاذب الناس، لا سيما من يدّعون الثقافة حيث يأخذون من الأشياء ظاهرها لا أكثر و لا أقل. لدرجة أن ثمة احتفالا أقيم في احدى المؤسسات الثقافية، ولدى دخولها استقبلت من قبل المعنيين على اعتبار أنها مندوبة من تلفزيون &laqascii117o;المنار"، علما بأنها لم تعلق على ذلك، بل ضحكت في نفسها وعلى اللبنانيين الذين آلت إليهم الحال من انكشاف لدواخلهم التقسيمية على صعيد الإعلام أيضا.
ليست المشكلة هنا بل إننا، نحن المصنفات خطأ بالتبعية، لجهة مذهبية ما وسياسية، نجد صعوبة في اختراق آفاق العمل الإعلامي المختلف تصنيفيا عن تصنيفنا الشكلي والظاهراتي.
وهذا يضيّق الخناق من جهتين، أولا من ناحية النبذ من جماعتنا المذهبية، لانعدام الطاعة للجماعة، لتحظى بالأمان الوظيفي والأمان الحزبي والسياسي وكل ما يستتبعه، وثانيا لكون الآخر المدعي للموضوعية لا يقبلنا بسهولة، كون هذا المدعي لا ينظر إليك، إلا من جهة أنك تتبع ظاهريا إحدى الجماعات الكبرى المدعومة ماليا ومعنويا وسياسيا، فلماذا لا تنضم الى جماعتك، يقول في داخله؟
ويرفضونك إن لم تمتثل لآرائهم كليا. ويضعونك في خانة محددة مطلوب منك كالببغاء التأييد والتكرار والدفاع واستجلاب التعابير المخصصة للحزب الممذهب بدرجة أعلى من تمذهب كل الأحزاب.
من جهة أخرى، لا يكفي جماعتك انضواؤك السياسي ودفاعك المستميت قلبا وقالبا عن المقاومة الوطنية والإسلامية، بل عليك تقديم الشيفرة الوراثية لعقلك وأفكارك، ولباسك وإيمانك ومستحباتك وصلواتك. بل إن كشفا مهنيا يكشف أنك مررت في المؤسسات الدينية الإعلامية اللامناهضة، بل المتكاملة معهم، يثير الريبة لديهم، فكيف إن علموا حقيقة موقفك من أهم عقيدة سياسية لديهم، التي على أساسها حاربوا من حاربوا من مراجع دينية، ليست على كل، بأحسن منهم على صعيد عمل مؤسساتها.
إنها السلطة الدينية في بلد يدّعي الحرية، الحرية في أن يهرسوا ويدعسوا أبناء الطائفة ما دام المشكل يبقى داخل الطائفة والمذهب نفسه، ولا يتعدى إلى أبناء الطوائف الأخرى، وتظل الحال كما يقول المثل: &laqascii117o;لا من شاف و لا من دري"، فالظلم لا يزال داخل الطائفة عامرا، فمن يجرؤ على التدخل؟
أنا أتحدى أن تتدخل وزارة العمل بالأمر، فثمة تجربة فاشلة مع هذه الوزارة.
ولعله صار من الضروري أن نشكّل نحن المدعوسين، على ايدي أبناء مذهبنا، طائفة من أجل أن نحقق بعض الاستفادة من غنائم الدولة اللبنانية التي لا تستقبلك كموظف بين صفوف الموظفين إلا إذا كنت متبوعا لرئيس ما، نصبناه نحن، من غير علمنا، حاكما باسمنا وقيّما على لقمة عيشنا اللئيم.
بات مجتمعنا مجتمعا منافقا إلى درجة أنه عندما تلتقي أفرادا منتمين إلى أحزاب هذا المذهب، فتسمع لكل فرد قصة مظلوميته الغريبة، وهي قصص يطالها السكوت والتشكي الداخلي لخوف من فصل وظيفي، وبالتالي خسارة غير معوّضة في مكان آخر، لأن لكل متحزّب مكانه المحجوز داخل حزبه إذ لا يمكنه الانتقال إلى الضفة الحليفة حتى، مهما كان السبب، وأيضا لأننا &laqascii117o;مستهدفون وغير ممكن أن نُطلع الآخر العدو (في الوطن الواحد) على المشاكل الداخلية لمذهبنا" الذي طالما تغنيّنا بأننا أقلية في عالم الأكثرية.
فمن أجل صيانة الأقلية في وطن صغير علينا التستر على مشاكلنا المذهبية أولا، والضغط على أبناء الطائفة، لأنهم بالطبع سيتحّملون نتيجة الوضع الانقسامي الحاد.
هذه المقولة تسهل عمليات الظلم، رغم أننا نتبجح على الملأ بالحق والحقوق ورسالات الحقوق، وبالطبع لا يعدو الأمر سوى كتابات ومحاضرات نظرية، لا تصل الى الحد الأدنى من التطبيق. من هنا بات على المغضوب عليهم من قبل أسياد الطائفة، الانتقال إلى الطائفة التاسعة عشرة في لبنان. وإن شاء الله تكبر وتكبر هذه الطائفة من أجل أن تتبناها إحدى الدول الإقليمية لتنال حقوقا كغيرها، والأمل كبير وكبير جدا في لبنان. ففي السبعينيات كان الشيعة فقراء ومسحوقين، واليوم بعد ظهورين، الأول للسيد موسى الصدر، والثاني للإمام الخميني، باتوا أقوياء، بل أقوى طائفة في لبنان. وبعد أن كانوا يعملون تحت رحمة غيرهم من أبناء الطوائف الأخرى، ورغم معاناتهم من الظلم حيث ان معظم المتصدّين للشأن العام باسم الطائفة آتون من بيئة ووسط فقيرين، إلا أنهم باتوا بعد استشعارهم القوة ينفّسون عن ظلمهم التاريخي بظلم أبناء طائفتهم الذين لم يعرفوا غير الفقر يوما، رغم مراحل الحرب الأهلية اللبنانية، ورغم حرب تموز 2006، ورغم انخراطهم بجبهات المقاومة والجهاد طيلة عقود، ربما لأنهم آمنوا بصدق عقائدهم ولم تجر على ألسنتهم التجارة بالدين والعقيدة.
أنا الموقعة أدناه، بت مهددة لجزء كبير من الطائفة القوية وبات خطري، جراء نص أكتبه هنا وهناك، أعبّر فيه عن آرائي، مقلقا لجماعة توانت عن محاسبة العملاء حرصا على الوحدة الوطنية، ما جعلهم اليوم، أي العملاء، يشكلون أيضا طائفة بحجم الكره والحقد المدفونين فيهم. لكن مهما حاولوا فلن ينالوا من شرف تأييدي للمقاومة بكل ألوانها وخاصة العسكرية. حسبي الله ونعم الوكيل
ـ 'النهار'
إسرائيل ولبنان 'الإقليمي'
رندة حيدر:
يتابع الإسرائيليون باهتمام تطورات الحياة السياسية الداخلية في لبنان، من التحولات في التحالفات السياسية، مروراً بتعثر الحوار الوطني وتأجيل نقاش 'الإستراتيجية الدفاعية'، وانتهاء بعودة النفوذ السوري الى لبنان. وما يهم الإسرائيليين بصورة خاصة معرفة انعكاسات التزامن بين تزايد القوة العسكرية لـ'حزب الله'، وعودة النفوذ السوري الى لبنان.
والأهمية التي يشكلها لبنان اليوم سواء بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، أو للباحثين في مراكز الأبحاث الإسرائيلية تعود بالدرجة الأولى الى الارتباط الكبير لهذا البلد بالتطورات الإقليمية، الأمر الذي يستوجب أخذه في الاعتبار في أي مواجهة إقليمية عسكرية جديدة.
يعتبر الإسرائيليون أن عجزهم عن منع تدفق السلاح الى 'حزب الله' بعد حرب تموز 2006، هو من أهم اخفاقاتهم في منع تعاظم القوة العسكرية للحزب. فهم مثلاً لم يستطيعوا تقديم اثباتات على وجود مخازن لهذا السلاح في منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية الأمر الذي يشكل خرقاً لقرار مجلس الأمن 1701، كما لم يتجرأوا على قصف الشاحنات التي يزعمون أنها تقوم بنقل السلاح من سوريا الى لبنان، كما لم يفلحوا في حمل الدول الكبرى على تصديق مزاعمهم عن حصول الحزب في المدة الأخيرة على صواريخ 'سكود' متطورة بعيدة المدى.
وإذا كانت إسرائيل اليوم مضطرة للإعتراف بأن القوة الصاروخية التي يملكها الحزب باتت تشكل فعلاً عامل ردع حقيقي في وجهها؛ فإن السؤال الذي يطرحه الإسرائيليون اليوم هو ما ستكون عليه وظيفة هذا الردع مستقبلاً: فهل سيشكل توازن الردع القائم حالياً بين إسرائيل و'حزب الله' جزءاً لا يتجزأ من جهاز الردع السوري والإيراني، مما سيجعل تالياً من الحزب شريكاً فاعلاً في أية مواجهة إقليمية عسكرية جديدة في المنطقة؟ أم أن الحزب سيوظف قوته للجم إسرائيل عن مهاجمة لبنان وللدفاع عن سيادته، والحؤول دون تورطه في مواجهة عسكرية جديدة؟
يرى الخبير الاسرائيلي في الموضوع اللبناني دانيال سوبلمان في دراسة جديدة له بعنوان 'عودة سوريا الى لبنان'، أنه كلما ازداد النفوذ السوري في لبنان، كلما ازدادت الالتزامات الإقليمية لـ'حزب الله' تجاه كل من سوريا وإيران. وعلى الرغم من اعترافه بصعوبة توقع الدور الذي يلعبه الحزب في أي مواجهة عسكرية اقليمية، إلا أنه يحسم بأن مستقبل دوره العسكري مع تزايد النفوذ السوري في لبنان سيكون مرتبطاً أكثر فأكثر بسوريا وإيران، وأن إسرائيل تتعامل اليوم مع الردع الصاروخي للحزب بصفته جزءاً لا يتجزأ من الجهاز الردعي السوري.
ترسم هذه المقاربة الإسرائيلية لقوة الردع الصاروخية التي يملكها 'حزب الله'، حدوداً جديدة لحجم التهديدات الإسرائيلية للبنان. فإسرائيل التي تعتبر أنها خلقت توازناً جديداً ناجحاً للردع مع 'حزب الله' منذ وقف عملياتها العسكرية في آب 2006، وتستدل على ذلك بعدم وقوع أي عمل احتكاك عسكري منذ ذلك الحين، لا سيما بعد اغتيال المسؤول العسكري للحزب عماد مغنية؛ تعتبر أن هذا التوازن سيوضع موضع الاختبار من جديد في المواجهة العسكرية الإقليمية المقبلة. والفارق في المواقف الإسرائيلية السابقة والراهنة، أن التهديدات للبنان كانت موجهة سابقاً لردع 'حزب الله' عن القيام بأي عمل ضدها؛ أما اليوم فهي تستهدف ردع الحزب عن التدخل في أي مواجهة عسكرية مقبلة قد لا يكون لبنان ساحتها.
يأخذ هذا الكلام أهمية خاصة في ظل قيام إسرائيل بدرس احتمالات توجيه ضربة عسكرية محدودة للمنشآت النووية الإيرانية، مع موافقة أميركية أو من دونها. وفي دراسة إسرائيلية جديدة كتبها رون تيرا بعنوان 'هل نهاجم إيران؟'، يصل الكاتب الى خلاصة مفادها أن بنيامين نتنياهو مقتنع تماماً بضرورة ضرب إيران، لاسيما أنه هو القائل: 'هذا العام هو 1938، وإيران هي ألمانيا'. وفي رأيه أن الأزمة في العلاقات مع إدارة أوباما، والحائط المسدود في المفاوضات مع الفلسطينيين قد تكون عوامل دافعة في اتجاه عمل عسكري ضد إيران مع اعترافه بالتعقيدات الكبيرة لمثل هذا العمل.
ـ 'النهار'
هل يستطيع الساسة المتحاورون وضع استراتيجية دفاعية للبنان ؟
ياسين سويد:
ترتكز الاستراتيجية الدفاعية لدولة ما وفي كل الظروف على القوى المسلحة، بينما تشكل باقي المرافق على اختلافها النسيج الداعم والمساعد والحاضن لتلك القوى، بحيث يشكل الجميع، في هذه الحالة، ما يسمى 'الاستراتيجية العامة' للدولة. فالعمود الفقري لهذه 'الاستراتيجية العامة' هو الجيش، تعضده الاستراتيجيات الاخرى العائدة الى كل مرفق من مرافق الدولة.
وتوضع الاستراتيجية الدفاعية العامة لأية دولة وفقا للأخطار التي تواجهها، وقوة العدو الذي يُنتظر الاشتباك المسلح معه، وعلى هذا، يقوم كل مرفق من مرافق هذه الدولة بوضع 'الاستراتيجية الدفاعية' الخاصة به، حتى اذا ما اكتملت تلك الاستراتيجيات، تضع الدولة 'استراتيجيتها الدفاعية العامة' التي ترتكز في الاساس على 'القوة الذاتية للدولة' تضاف اليها: قوة الصديق او الاصدقاء المحتملين، في مواجهة قوة العدو او الاعداء المحتملين.
ولا يمكن الحديث عن 'استراتيجية دفاعية عامة ومكتملة' اذا لم تعتمد هذه الاسس في اعدادها، إذ لا يجوز ان تدخل دولة حربا ضد عدو دون ان تؤمن مصادر الاسلحة والذخائر لقواتها، او أن تؤمن مصادر التموين (والرغيف أولا) لشعبها وجيشها، او أن تؤمن لشعبها الملاجئ التي تقيه من غارات طيران العدو ومدفعيته المدمرة والقاتلة، إذ كيف يمكن لجيش ان يواجه العدو، خصوصا اذا كان اقوى منه عدة وعددا، وعسكريوه منشغلو الفكر والبال على أهل وعائلات وأولاد يبيتون على الطوى، أو لا يجدون ملجأ يقيهم نار العدو، وعلى هذا، تتقدم كل وزارة من وزارات هذه الدولة باستراتيجيتها التي أعدتها لحالة الحرب هذه، لكي يقاتل الجندي أو أي مواطن آخر، دفاعا عن وطنه، وهو مطمئن أن عائلته في الخطوط الخلفية في سلام وأمان.
من هذا المنطلق، لا بد لكل وزارة ان تضع 'استراتيجية دفاعية' خاصة بها، وربما نخص بالاهتمام، بالاضافة الى وزارة الدفاع، الوزارات المختصة بتأمين التموين والحماية للشعب وللجيش معا، كتأمين المال والغذاء والملاجئ والطبابة وما شابه.
فهل أن كل وزير من وزراء لبنان سيحمل الى جلسات الحوار هذه ملفه الخاص المتعلق بوزارته، وقد حسب لكل شيء مما قدمنا حسابه؟ لا نظن.
وبعد، سؤال واحد نطرحه على الذين يكررون الحديث عن قدراتنا الدفاعية: كم من المدافع المضادة للطائرات نصبت في مرابضها لحماية المدن في لبنان، وبيروت في مقدمها؟ وكم من الملاجئ بنيت في هذه المدن لايواء العائلات من أي هجوم جوي او مدفعي عدو؟ والجواب معلوم من الجميع.
والأهم من ذلك كله: لمن تكون الإمرة (القيادة) في حالة الحرب هذه؟ أللحكومة، وهي التي لا يوجد بامرتها سوى جيش محدود العديد والعدة وان بلغ من التفوق المعنوي والوطني حدا لا يضاهى، أم لقوى الامر الواقع التي جهزت بكل أنواع الاسلحة، بما فيها الصواريخ البعيدة المدى؟ جييشان متفاوتا القوة متباينا الخطط القتالية، وربما الاهداف، ويخضع كل منهما لإمرة تختلف عن الامرة التي يخضع لها الجيش الآخر.
فأي حوار يمكن ان يصل الى نتيجة مفيدة اذا ظل، كما هو اليوم، حوار طرشان؟
لذا، لا بد للبنان من ان يضع حلا جذريا لمسألة تهدد كيانه، وبالتالي وجوده، وهي: هل يقاتل لبنان العدو بجيشين منفصلين، لكل منهما قيادة مستقلة عن الاخرى، مما يسبب ولا شك انفصالاً وربما تضارباً في القيادات على مختلف مستويات القتال، وبالتالي انفصالا وربما تضارباً في القرارات والمناورات على مختلف مستويات كل من الجيشين في المعركة.
تنص المادة 65 من الدستور، وفي فقرتها الاولى، على ان 'مجلس الوزراء' هو 'السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة' وتعني فقرة 'القوات المسلحة' في هذه المادة كل القوى المسلحة على أرض لبنان، سواء أكانت شرعية، وهذا هو الدستوري، او غير شرعية، وهو ما يخالف الدستور اطلاقا، وما يؤكد أن خضوع تلك القوى للشرعية هو مطلب دستوري.
تجاه هذا التناقض، بل التضارب في المسؤوليات على الصعيد العسكري في لبنان، نرى من الضروري والوطني، بل من الواجب، ان نفكر في حل يرضي الطرفين اللذين يتقاسمان السلاح على الارض اللبنانية، وهما: الدولة والمقاومة الاسلامية، بل ان حل هذه المشكلة يشكل ضرورة قصوى لاستعادة الوحدة اللبنانية، وهو ما يعزز قوة لبنان ووحدة بنيه الى أية طائفة او الى أي رعيل انتموا.
حلول عديدة يمكن ان تطرح في هذا المجال، وقد طرح مسؤول أوروبي واحدا منها (قرأناه في صحيفة 'النهار'، بقلم الصحافي عبد الكريم أبو النصر، وفي تاريخ 25 حزيران) وهو أن 'يوضع سلاح حزب الله في مستودعات الجيش'، وهو حل لا نراه ملائما للبنان في أي حال من الاحوال، وذلك لأن لبنان يحتاج الى هذا السلاح مشرعا في وجه العدو، في أي معركة معه، وليس مطوياً في الصناديق، كما أنه يحتاج الى رجال تتعهده وتتمرن عليه في زمن السلم، ليكون جاهزا للاطلاق في زمن الحرب.
وفي عرضنا للحلول التي خطرت لنا في اثناء بحثنا عن 'استراتيجية عسكرية دفاعية مقترحة للبنان'، وقد عرضناها في كتيب لنا يحمل العنوان ذاته، كما عرضنا عدم توافق تلك الحلول مع الوضع في لبنان، والاسباب التي أدت الى قناعاتنا تلك، وانتهينا الى حل وحيد يتناسب مع الوضع اللبناني، وهو ممكن التطبيق لو خلصت النيات وعمل الافرقاء جميعهم لمصلحة هذا الوطن، وهذا الحل هو:
جيش قوي، بالتنسيق مع مقاومة وطنية قوية (لا طائفية ولا مذهبية) وسلطة وطنية قوية، وذلك هو الحل الطبيعي الذي يرضي اللبنانيين جميعا، إن كانوا يعملون حقا على خلاص وطنهم، كما أنه يحصّن لبنان والمقاومة من التدابير التي تفرضها القرارات الدولية في شأن سلاح المقاومة، وتطالب الدول الكبرى بتنفيذها، إذ تصبح 'المقاومة الوطنية' جزءا من 'القوى الشرعية اللبنانية'.
والسؤال الذي لا بد من طرحه، في هذا المجال، هو: هل ان المقاومة بشكلها الحاضر مستعدة لأن تتخلى عن صفتها (الطائفية او المذهبية)، وأن تقبل في صفوفها كل لبناني راغب في الانتماء اليها، الى أية طائفة او الى أي مذهب انتمى، تماما كما كانت 'المقاومة الوطنية اللبنانية' التي قاتلت الاحتلال الاسرائيلي من عام 1982 حتى عام 1988، وقدمت الكثير من الشهداء من مختلف الطوائف والمذاهب، مع ما يترتب على ذلك من انتقال 'القيادة' من المقاومة الى الدولة، صاحبة الحق الشرعي والدستوري في اتخاذ قراري الحرب والسلم؟ان نجاح الساسة المجتمعين حول طاولة الحوار، والذين يمثلون مختلف الطوائف والمذاهب في لبنان، مرتبط بالاجابة عن هذا السؤال.
ـ 'النهار'
3 مراتب للمعرفة و4 أسفار عقلية و3 مراحل في 'السير والسلوك'
'العرفان' الشيعي.... رحلة 'عرفاء' للوصول إلى الكمال والحقيقة
هالة حمصي:
في الاوساط الشيعية، لا شيء يميّزهم. قد يكون 'العرفاء' بلباس رجال الدين، او بلباس عادي. وقد يكونون تجارا او بحاثة او طلابا او رجال دين او عمالا... ويعيشون 'العرفان' ويمارسونه يوميا. ويمكن معرفة ان ثمة عارفا في المكان، 'من نمطه واهتماماته وكلامه على الاخلاق الحسنة وتربية النفس والعلاقة بالله'... وايضا من سلوكه وعمله. فـ'المسلك العرفاني' منتشر في المجتمعات الشيعية، الاكثر في ايران، وايضا في الهند والعراق. وفي لبنان، هناك ايضا عرفاء.
تستمد كلمة 'عرفان' معناها من المعرفة. و'المقصود بالمعرفة هو المعرفة بالله'، يشرح الباحث في مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي الشيخ محمد حسن زراقط في حديث الى 'النهار'. واهل 'العرفان' هم 'العرفاء'، اي الساعون الى معرفة الحقائق والتمكن من العلوم الظاهرة والباطنة من خلال ما يسمّى الكشف والشهود والاشراق، 'التي يدعي فيها العارف'، على قول زراقط إن 'المعرفة أشرقت على قلبه من الله مباشرة، على تنوع تلك المعارف وتنوع موضوعاتها. وهذه المعرفة إما هي معرفة بالله، وإما معرفة بصفاته، وإما معرفة بخلقه... إلخ'.
'مسلك وليس طريقة'
يُعتَبَر العرفان من 'المذاهب الفكرية المتعالية والعميقة... رؤية في الكون والوجود، تستند في بنيتها المعرفية على المعرفة الوجدانية القلبية. ويمكن ملاحظته من جهتين: الاولى كونه رؤية معرفية، والثانية كونه تجربة سلوك وعمل'(&bascii117ll;). وانطلاقا من ذلك، ثمة أوجه تقارب وتباعد بينه وبين الصوفية. ويقول زراقط إن 'وجه الاشتراك بين المفهومين هو أنهما يعبّران عن نمط الاهتمام بباطن الإنسان وتربية نفسه وتهذيبها، لتكون على استعداد لإشراق المعرفة عليها من منبع العلم الفياض وهو الله'.
أما الفارق بينهما 'فاجتماعي أكثر مما هو منهجي'. يشرح زراقط ان 'التصوف كلمة تدل على تشكيل اجتماعي من خلال التنظيم الذي يعرف باسم الطريقة، أو فلنقل على شكل مدرسة منظمة لها قائد أو مرشد وما شابه، وتعتمد في بعض الحالات على الشكل الظاهري الذي يلبسه بعضهم، وعلى بعض الطقوس والتقاليد... غير ان العرفان مسلك وليس طريقة لها حدودها المرسومة وينتمي اليها الانسان بطريقة معينة، بل يعتمد العلاقات بين راغب في ممارسة هذا الاتجاه وشخص قد يتولى ارشاده وتربيته'.
والاسباب التي لم تسمح للمسلك العرفاني بأن يتحول طريقة لها أتباعها ومريدون في البيئة الشيعية الاجتماعية. 'فالانتماء الشيعي غالبا ما يكون انتماء الى المرجعية التي تكون أحيانا منسجمة مع هذا المسلك، هذا الاتجاه الروحي، وأحيانا لا. وبالتالي يرى الشيعي نفسه مندمجاً مع الجماعة الشيعية كلها عموماً، وإن كان يختار هذا النمط في حياته الروحية. لكن في النهاية، يكون ولاؤه والتزامه للجماعة عموماً، وليس لمدرسة صوفية محددة'.
انطلق العرفان 'كمسلك روحي' مع القرآن والنبي محمد والامام علي وغيرهما من أئمة الشيعة. ويشدد زراقط على ان 'أحد أهم الاهداف التي جاء من أجلها القرآن هي تربية النفس وتهذيبها بمحاسن الاخلاق، وتجريدها من الاخلاق السيئة. وهذه هي الخطوة الاولى في العرفان، بحيث يرى الشخص ما صفاته السيئة، فيحاول ان يتجرد عنها، ويتحلى بالصفات الحسنة عبر تنظيم علاقته بربه من خلال الصلاة والصوم والحج وغيرها من الاعمال العبادية'.
وتصبّ في الاهداف نفسها توصيات النبي في تربية النفس وتهذيبها، والسنّة النبوية، 'أكان في مجال الاخلاق أم في غيره من المجالات'، وكلمات الامام علي و'الادعية المنسوبة اليه، التي تعبر عن اعلى درجات الشوق والمودة التي تربط ما بين الانسان والله'. و'قد بدأ الكلام على المعرفة او العرفان عند متصوفين في القرنين الثالث والرابع الهجريين، أبرزهم ذو النون المصري الذي جعل معرفة الصوفية في مقابل معرفة الحكماء والمكتملين، واعتُبِرَ الغزالي أوّل من عمّق الكلام في المعرفة الصوفية وجعل التصوف نظرية في العرفان بالله مؤدية الى السعادة (*).
وثمة من يقسّم العرفان قسمين: نظري وعملي، الاول يعطي رؤية كونية عن المحاور الاساسية في عالم الوجود، اي الله والانسان والعالم، ويستند فيها على المكاشفة والشهود. والآخر مرتبط بالسلوك والمجاهدة الخارجية، بحيث تكون غاية العارف بلوغ مقام لا يُرَى فيه الا الله. وتعوّل المعرفة العرفانية على 'أداة وحيدة' للوصول الى معرفة الحقيقة والوجود هي 'المجاهدة والرياضة، اذ انه من خلال التزكية وتصفية القلب يمكن السالك الوقوف على حقيقة الوجود من حوله، وبالتالي الى المعرفة الصحيحة بالله وبنفسه وبالعالم (*).
'تجلّي' الله
كذلك، للمعرفة ثلاث مراتب، وفقا لاهل العرفان، هي الشريعة والطريقة والحقيقة، ولـ'السير والسلوك' ثلاث مراحل للوصول الى الكمال والحقيقة هي التخلية، التحلية، والتجلية. 'التخلية هي خلو الباطن من السوء وكل ما يمنع الانسان من الخالق، والتحلية هي تحلي النفس بالصفات الحميدة والفضائل، والتجلية هي تجلي الخالق واشراق نور الحق في قلب العارف' (*).
وفي كل الاحوال، يبدأ الامر 'بقرار شخصي' بعيش هذا 'المسلك' العرفاني. ووفقا لتوجيهات عرفاء، 'على الانسان ان يبدأ المسير. لكن هذه البداية تحتاج الى زاد هو المعارف. فكلما ازداد الانسان معرفة، ازداد عمقا في سيره وسلوكه الى الله...'. ورغبة المريد في التعمق اكثر تجعله 'يحتاج الى من يوجهه'. ويفيد زراقط ان 'عرفاء يقولون، ولا احكم هنا على اقوالهم لا إيجابا ولا سلبا، انه بعد سير الانسان وسلوكه في المنهج، ثمة امور يشعر بها. على سبيل المثال، قد تكون منامات او حقائق تتجلى لديه ويشعر بصحتها بوضوح كبير او تنكشف له بطريقة معينة... وان الحاجة الى المرشد تكون ضرورية في تفسير هذه الحالات الروحية التي تظهر على السالك بغض النظر عن الشكل الذي تأخذه'.
وما يخبره عرفاء عن الله هو 'انهم شعروا بوجوده، وانه تجلى في نفوسهم. قد يكون التجلي حالا من الخوف الشديد من الله، او حالا من الحب الشديد له، او شعورا بالكرم الالهي او الرحمة الالهية'، يقول زراقط، مشيرا الى ان 'الامر يتعلق بكل شخص، والمسألة ذاتية. لله عشرات الصفات. وكل عارف يميل الى صفة منها، فيوجه الحب والرغبة نحوها'.
هذا الكشف او تلك الشواهد تختلف ما بين شخص وآخر، و'لا ضوابط معينة لها'. ويقول زراقط ان 'العرفاء يفسرونها انها نعمة من الله، وان هدف العرفان الاساسي هو ان يقترب العارف من الله، وان كرامات معينة تصير مع الشخص، مثلا المعرفة بالغيب، او ان يُدَّعَي لبعضهم انه يمشي على وجه الماء، او ان الارض تُطْوَى له. لكنهم يقولون ايضا ان هذه الكرامات لا قيمة لها، لانها ليست هي المقصودة، بل يرون أنها تعوق السالك عن الوصول إلى مقصده النهائي وهو الله'.
والتأكد من حقيقة تمتع العارف بهذه الكرامات مسألة صعبة، 'وخصوصا انها تُدَّعى لأشخاص ميتين، او لأحياء تبقى هذه الكرامات عند حدود الدعوة'، على قوله، مشيرا الى ان 'عادة ما يعقّد المسألة أن العارف الحقيقي لا يكون هو من يدّعي. فباعتقاد العرفاء أن ادعاء هذه الكرامات موجب لسقوطه. فمن يدعي لهم هم الناس المحيطون بهم. ولو سئل هو لما أجاب، وينكر هذه الكرامة ولا يتفاعل معها، حتى لو كان مقتنعا بأنه يتمتع بها. فلذلك يقولون إن حديث العارف عن كراماته - وهذه توصية من اهم توصياتهم - تسقطه والمطلوب الكتمان'.
3 شروط ضوابط
ثلاث شروط رئيسية يحددها العرفاء 'لضبط سيرهم وسلوكهم' في العرفان، اتقاء للوقوع في المطبات، 'اولها التزام الشرعية بحرفيتها، ثانيها ان يكون للعارف مرشد، لان المرشد، في اعتقادهم، مرّ بكل الاختبارات التي لا بد من ان يمر بها المريد. فيبين له ما الخطأ، وما هو من الشيطان، وما هو من الله. وثالثها، العقل ضمان من الضمانات. والمقصود بالعقل هو انه اذا انكشفت خلال سير المريد وسلوكه، حقيقة ما مخالفة للعقل، فهذا يعني ان هناك خللا ما، وان المكاشفة مكاشفة خاطئة'.
على صعيد الشريعة، فان مخالفتها تشكل 'مطبا قد يسقط فيه بعضهم بقوله: ما دمت وصلت الى الله، فما حاجتي بعد اليوم الى العبادات؟ فالصلاة للعوام، لأؤلئك الذين لم يصِلُوا بعد'. لذلك، إضافة الى الصلوات الخمس التي يصليها المسلم عادة كل يوم، 'يصلي أيضا العارف ما يسمى في الاسلام الصلوات المستحبة، خصوصا الصلوات التي تتلى بعد منتصف الليل'، يفيد زراقط.
وهل كمية الصلاة التي يصليها العارف هي التي تؤثر في مسيرته ام لا؟ يشرح ان 'الامر يتعلق بكمية الصلاة ونوعيتها. على صعيد الكمية، يعتمد بعض العرفاء صلوات محددة وأذكارا وأدعية خاصة يكررونها في شكل دائم، ويهتمون كثيرا بصلوات الليل، وغيرها من الصلوات التطوعية. من جهة أخرى، الدعاء تعبير آخر عن حالة الوجد او العشق - وفقا لتعابير العرفاء - التي يشعرون بها. كذلك، هناك الاذكار او تسبيحات معينة: سبحان الله، الحمد لله، لا إله الا الله... اما المقصود بنوعية الصلاة فهو افراغ العقل والذهن من كل الهموم وعيش الصلاة بكل معانيها وبشكل روحي، فلا تكون الصلاة مجرد قراءة'.
على صعيد الارشاد، للعرفاء 'كتب رسائل في السير والسلوك العرفاني. وهي موجهة الى الراغبين في الاهتمام بهذا الجانب. ويكتبون فيها تجاربهم الشخصية، ونصائحهم وتوجيهاتهم'. ومنها، يمكن ان يفيد المريد، ان يتبعها او لا. ويشرح زراقط: 'قد يقول الشيخ الفلاني 'المربي' بان يردد المريد ذكراً معينا 100 مرة في اليوم، بينما قد يطلب آخر ترداد ذكر مختلف 100 مرة او اقل او اكثر. ويمكن المريد ان يردد الذكرين معا، وقد يشعر باثرهما على نفسه ام لا هذا امر آخر'.
وتجاه خطر السلوك و'الشطحات'، للمرشد ايضا دور اساسي في 'وضع السالك على الطريق الصحيح، بحيث يدفع عنه الوقوع في الزلل في السلوك، قولا وعملا، لاسيما العجب والغرور، بما يؤدي الى الانحراف ومتابعة الشيطان... (*). فالوقوع في الزلل ممكن جدا، ويلفت زراقط الى 'القول بان على العارف، في الوقت نفسه الذي يحرص فيه على سلوكه، ان يكون حذرا من تسويلات الشيطان له'.
3 مراتب للايمان، 4 اسفار عقلية في رحلة العارف، 3 مراتب للفناء والاحتجاب، 7 مقامات للنفس الانسانية... هذا من المشهور بين العرفاء. ومن المعروف ايضا ان 'العرفان' يجد ارضا خصبة خصوصا في ايران، 'حيث التربية الايرانية قائمة على قبول فكرته'. وفي لبنان، هناك عرفاء، 'وآخرون يدّعون العرفان'، على قول زراقط. ويشير الى 'انه يُنظَر عادة بعين الريبة والشك الى كل شخص يسعى الى جمع المريدين من حوله، لان هذا النمط ليس متداولا لدينا. فعلاقة العارف يجب ان تكون اولا بينه وبين الله في شكل خاص. وان يسأل الناس التحلق حوله يشكل اول عثرة له... وهناك بعض التجارب يُعمَل على محاصرتها. والسبب تربوي فحسب...'.
بالنسبة الى زراقط، 'الاختبار والتجربة هما اللذان يكشفان عن صدق العارف. وتهذيب النفس يظهر في العمل واللسان ومقدار الصدق والامانة. فالعارف الحقيقي هو الذي يكون عمله منسجما مع الحالة الروحية التي يدّعيها'.
( 'العرفان الشيعي رؤى في مرتكزاته النظرية ومسالكه العلمية' من بحوث السيّد كمال الحيدري - مؤسسة الامام جواد للفكر والثقافة.)