ـ 'المستقبل'
'الفينول' من 'قوة سلام' إلى قوة 'فرض السلام'
أسعد حيدر:
لن ينسى اللبنانيون 12 تموز 2006. على الأرجح يتمنى اللبنانيون من مارون الراس المطلّة على فلسطين المحتلة في الجنوب إلى القبيات وما بعدها في الشمال المتداخلة مع سوريا، ألا يتكرّر ما حصل بعد خطاب السيد حسن نصرالله الذي كان الخطاب الأول في سلسلة من الخطب 'الصادقة' التي شكّلت 'اقوى سلاح هجومي في الحرب' كما يصفها الإسرائيليون اليوم، وذلك حتى لو حقق وأنجز 'نصرين إلهيين'، وليس 'نصراً إلهياً' واحداً. لكن بين التمنّي والواقع مسافة ضوئية. ذلك أن قدر لبنان واللبنانيين أن يعيشوا على وقع حرب محتملة. كل يوم تشرق فيه الشمس، ولا يسمع فيه اللبنانيون أصوات القصف الجوّي والبرّي، وتساقط الأبنية دافنة معها 'ذاكرة' آلاف العائلات، هو بلا شك يوم آخر تُكتب فيه حياة جديدة قد لا تكون أفضل لكن على الأقل دون خوف وجراح لا تندمل.
قدر اللبنانيين، أن يعيشوا في دائرة مقفلة من الخوف من الحرب. أربع سنوات، والسؤال اليومي يبقى متى ستقع الحرب؟ كل فترة، يتم فيها تحديد تاريخ جديد للحرب. ينتهي الموعد ليتم أخذ موعد جديد. ليس بيد اللبنانيين حيلة لمواجهة هذا القدر. العدو الإسرائيلي أمامهم، وهو عدو مغتصب وطامع، إن لم يكن بأرضهم فبمياههم وقرارهم اليومي، وخلفهم 'مقاومة' مهما قسا 'حزبها' عليهم فإنها تبقى ضرورة إن لم تكن واجباً للدفاع المشروع عن النفس.
ما يقلق اللبنانيين ويزعجهم حتى لو جرى التسليم بوجود شريحة داعمة لـ'حزب الله' بلا قيد ولا شرط ان قرارهم ليس بيدهم، وأنّ الحرب قد لا تكون لأجلهم ولا دفاعاً عنهم، وإنما لأنه كُتب عليهم حمل 'صليب' المقاومة عن الآخرين، الذين وإن كانت المقاومة ضمن حساباتهم المحلية، إلا أنّها تبقى جزءاً من حسابات اقليمية أكثر تعقيداً بكثير من الحسابات الصغيرة للبناني المتعلق بأرضه.
استمرار التعبئة والتدريب والجاهزية قائم على الجبهتين من 'الخط الأزرق'. كل طرف يعمل على الاستفادة من دروس حرب تموز 2006، حتى يرفع رصيده من الربح من جهة، ويخفف من كلفة خسائره من جهة أخرى. في إسرائيل يعترفون علناً بأنّ 'المقاومة' أكدت جملة معادلات يجب البناء عليها لمواجهتها وضربها مستقبلاً، ومنها:
[ ان 'المقاومة' 'غيّرت وجه المنطقة' ويبدو ذلك في 'التحوّلات بعيدة المدى التي طرأت على الساحتين الفلسطينية واللبنانية معاً.
[ انّ 'المقاومة' ليست 'موضة ايديولوجية عابرة'.
[ لا أمل بتحقيق انتصار عسكري ساحق على غرار حرب 1967.
أما البديل الإسرائيلي من كل ذلك فهو 'شن حملة استنزاف متأنية طويلة الأجل'. هنا السؤال الكبير عن ماهية 'الحملة الاستنزافية' التي بالتأكيد لن تكون إسرائيلية عسكرية فقط، ولا على مساحة جغرافية محدودة، وإنما هي حملة مشتركة لقوى عديدة وعلى مساحة العالم. السؤال الذي يشكل الوجه الآخر له هو: كيفية مواجهة الأفخاخ التي تنصبها مثل هذه الحملة، حتى لا نقع فيها ونصرخ انها المؤامرة.
من ذلك ان توجهاً حقيقياً يسود في أوساط غربية وخصوصاً فرنسية، في مواجهة الكلام العالي عن تسلح 'حزب الله' في جنوب الليطاني بالصواريخ وبناء المستودعات والدشم والأنفاق، بتغيير وظيفة 'الفينول' في الجنوب من 'قوة سلام' إلى 'قوة تفرض السلام'. وهذا يتطلب تغيير تركيبة قوات 'الفينول' واعتماد المركزية والتركيز على 'قوة تدخل سريع'. باختصار شديد نقل القرار 1701 من تحت البند السادس إلى البند السابع المتعلق بالإرهاب ومحاربته، وإذا لم يتيسر ذلك، يكون البديل تطبيق البند الثاني عشر من القرار حرفياً. حالياً نجحت المقاومة ومعها لبنان من 'فتح' تولين، بكثير من شق النفس. ليس بالضرورة أن تسلم 'الجرّة في كل مرة'. يجب الكثير من الحذر، والسير ببراعة بين الألغام. لا يمكن للعقل الغربي أن يصدق ان تعرّض المدنيين للقوّة الفرنسية هو 'عمل عفوي وغير منظم'، ولا يمكن لأي قيادة عسكرية مهما بلغت ضغوط قيادتها السياسية عليها بلع نزع سلاح جنودها وضباطها بسهولة ودون مرارة. لذلك يجب عدم الانزلاق في 'تجربة جديدة'، إلا إذا كان خيار المواجهة والصدام متخذا.
في جميع الأحوال، يبدو أنّ القرار الاقليمي حالياً، وتحديداً في تل أبيب ودمشق الأكثر وعياً وإمساكاً للوضع في المنطقة 'التخفيف من حدّة التوتر'. لذلك موجة التصعيد التي وقعت طوال الأيام العشرة الأخيرة إلى انحسار، مع احتمال الدخول في مرحلة من التهدئة والهدوء وتجربة الحلول السياسية، لأشهر عديدة مقبلة.
من ذلك، هبوط الوحي على إسرائيل بالانفتاح باتجاه الفلسطينيين ودمشق في وقت واحد من خلال الدعوة إلى البدء فوراً بمفاوضات مباشرة. السلطة الفلسطينية أمامها استحقاقات كثيرة حتى تقرر القبول أو الرفض. أما دمشق فإنها تملك زمام قرارها بيدها. أمام الدعوة الإسرائيلية الملحّة يجب انتظار ردود فعل دمشق. لكن من الواضح واستناداً إلى الأنباء المسرّبة من إسرائيل نفسها ان السيناتور الأميركي سبكتر الذي التقى شيمون بيريز وايهود باراك، حمل إلى الرئيس بشار الأسد دعوة 'مفتوحة لمفاوضات مباشرة وعلى مستوى منخفض في البداية'. إسرائيل استبشرت خيراً من دعوة الرئيس بشار الأسد لحليفه رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان 'لتهدئة الأزمة بين أنقرة وتل أبيب حتى تستطيع تركيا الاستمرار في دور الوسيط'، لتوجه الدعوة المفتوحة إلى الأسد للبدء بمفاوضات مباشرة. إسرائيل تعتبر فتح مسار المفاوضات المباشرة مع دمشق جزءاً أساسياً من حربها ضد 'حزب الله' و'المقاومة'. من الطبيعي أن الحسابات الإسرائيلية لن تتطابق مع الحسابات السورية. لكن هذا هو الهدف الإسرائيلي البارز، وهو كيفية توجيه ضربة إضافية في حرب الاستنزاف ضد المقاومة.
مشكلة إسرائيل أنها وهي ترى ان المقاومة ليست 'موضة ايديولوجية عابرة' تتحدث كثيراً عن ضرب المقاومة، مع العلم ان الشيء الوحيد الذي يبقي 'المقاومة' ويغذيها ليس الايديولوجيا، فقد تغيرت الايديولوجيا مرات عديدة وبقيت المقاومة، هذا الشيء هو الاحتلال. زوال الاحتلال هو الذي ينهي دور المقاومة. وإسرائيل لا تريد فهم هذه المعادلة. ربما تعرفها لكن ماذا يبقى لها ومنها إذا أنهت الاحتلال والاستيطان من ايديولوجيتها؟
ـ 'المستقبل'
مفاجآت صغيرة لدى إقرار التمديد لـ'اليونيفيل' في آب
ثريا شاهين:
ينعقد مجلس الأمن الدولي غداً الاربعاء لمناقشة تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي مون حول مجريات تنفيذ القرار 1701. وعلى الرغم من ان المجلس لن يُصدر اي ردة فعل حول التقرير بعد النظر به، الا ان المشاورات والمداخلات التي سيقوم بها ممثلو الدول ستعطي صورة اوضح عما ستكون عليه جلسة المجلس في آب المقبل، والتي ستخصص للتمديد للقوة الدولية العاملة في الجنوب لتنفيذ هذا القرار 'اليونيفيل'.
وبدأ لبنان تحضيراته لتقديم الطلب الرسمي الى الامين العام للمنظمة الدولية للتمديد سنة لـ'اليونيفيل' من دون تعديل في مهمتها ولا في عديدها. وتتوقع مصادر ديبلوماسية بارزة، ان يتم تقديمه بعد مرور جلسة الاربعاء، ولايزال هناك متسع من الوقت، مع ترجيح تقديمه الاسبوع المقبل، بحيث تكون اتضحت اكثر المعطيات الدولية نتيجة جلسة الاربعاء، وربما تحتاج الظروف الى دراسة وافية من جانب لبنان لاستشراف آفاق المواقف الدولية، وما اذا كانت الاطراف الدولية باتت تعتبر موضوع الاحداث الاخيرة قصة وانتهت، ام لا.
والبيان الذي صدر عن الجلسة الاخيرة للمجلس كان ذا لهجة صارمة، ولاحظت المصادر ان مواقف الدول الاعضاء كانت عالية اللهجة ايضاًَ، حتى ان موقف كل من روسيا الاتحادية وتركيا كان عالياً، وكلها شددت على ضرورة احترام القرار 1701، وقوات 'اليونيفيل' ومنطقة عملياتها. والاتراك الذين باتوا في سياق تحالف ما مع 'حزب الله' و'حماس'، وعلى درجة متوازية من الامور في المنطقة، كانت لهجتهم صارمة، مع انهم وقفوا ضد القرار 1929 القاضي بفرض عقوبات مشددة على ايران، ومع كل ما يمكن ان يؤثر على العلاقات التركية الاميركية، رفضت تركيا اي إخلال بالقرار 1701.
وبالتالي، فإن لا غطاء من اي جهة دولية لمن يقوم بأعمال ضد القوة الدولية، أما الغطاء الاقليمي فدونه صعوبات في ظل التثبت من ان استعمال مثل هذه الوسائل ضد 'اليونيفيل' ليس مجدياً، بالنسبة الى طهران. حتى انه بالنسبة الى دمشق، فأي غطاء لمثل هذه الوسائل في ظل المواقف الدولية المتشددة حول ذلك، سيجعل العبور من الدور الايراني عبر الدور السوري المطلوب، اكثر صعوبة، لاسيما في مرحلة من الحوار الدولي السوري.
ومع ان المصادر لم تستبعد وجود مفاجآت صغيرة في إقرار التمديد لـ'اليونيفيل'، على سبيل عناصر جديدة قد ترد في نص مشروع القرار الذي تعده فرنسا كالعادة، فإن الواقع يختصر في النقاط التالية:
ـ من المحتمل ان تزيد الدول الكبرى في السياسة من لهجتها المتشددة، فضلاً عن اتباع هذه اللهجة في البيانات الدولية او القرارات، انما على الارض، وهذا هو المهم، لن تدخل 'اليونيفيل' في مواجهة مع اي طرف وستلتزم بالخطوط المرسومة وفقا لقواعد الاشتباك في ادائها لمهمتها. وليس هناك من مجال لاعطاء قواعد الاشتباك تفسيرا اوسع مما هو مطلوب.
ـ ان حرية الحركة للقوة داخل منطقة عملياتها موجودة في نصّ القرار وليس مسألة جديدة، انما تم التركيز عليها من اجل احترام دور القوة وعملها ومهمتها.
ـ ليس هناك من نية اقليمية لخربطة الاستقرار الذي توفره هذه القوة، وهذا ما يؤكده الوضع الراهن واستمرار التفاهم الدولي الاقليمي الذي يرسمه دور القوة في الجنوب
ـ 'المستقبل'
ذكرى حرب
فيصل سلمان:
اختارت اذاعة الجيش الاسرائيلي ذكرى حرب تموز على لبنان لتقول ان رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو قد يقدم على مغامرة عسكرية جديدة في لبنان او في غزة.
الذكرى كانت يوم امس، الثاني عشر من شهر تموز للعام 2006 والنتائج باتت معلومة للجميع.
استخدم الجيش الاسرائيلي كل ما عنده من وسائل تدمير جوية وبحرية وبرية طوال ثلاثة وثلاثين يوماً ولكنه لم ينجح في تحقيق اهدافه.
نعم نجح في تدمير عشرات القرى والجسور والمنشآت وإحراق المحاصيل ونجح في تشريد مئات الألوف، ولكن!
لم ينجح الجيش الاسرائيلي في تدمير ارادة اللبناني ولم ينجح في تدمير مقاومته.
في تلك الحرب المجنونة افرغت اسرائيل ما في مخازنها من قنابل، فسارعت الولايات المتحدة الاميركية الى امدادها بما ينقصها عبر جسر جوي من بريطانيا.
في تلك الحرب المجنونة جرى تدمير جزء كبير من الضاحية الجنوبية وطالت النيران مناطق في البقاع.
نام اللبنانيون المهجرون في الحدائق العامة وافترشوا الطرقات ولكن...
لم تمض ايام الحرب الا وكانت ورشة اعادة البناء قد بدأت. واليوم، ها هي القرى المدمرة، قد عادت الى وهجها.
لم تكن الحرب نزهة واللبناني لا يهوى حرباً تدمر بلده كل خمس سنوات او كل عشر سنوات.
يحلم اللبناني بوطن حر وبسيادة حرة ولكنه يحلم ايضاً بأن يكون حراً داخل وطنه وعزيزاً بين قومه.
من أين الطريق الى هذه الحرية؟ هذه الحرية تبدأ من قرار حماية لبنان والطريق الى ذلك القرار يبدأ من مبدأ قيامة الدولة.. الدولة القوية.
ـ 'المستقبل'
بالإذن..
علي نون:
الذكرى الخامسة لحرب تموز 2006 يا أخوان، مرّت بأقل قدر من الإحياء والتذكّر، وغابت المطالعات المعهودة في مثل هذا اليوم، وهذا أمر يلفت النظر..
ولأن المقام جلل ولا يحتمل ثقل الدم، والمناسبة مؤلمة رغم امتعاض البعض من هذا الوصف، ولأن ملابسات تلك الحرب لا زالت الى اليوم تُعالج بالتي هي أستر، ولأن التعويضات للمتضررين لم تنته بعد، ولأن إعادة إعمار القرى والبلدات والمدن الجنوبية والبقاعية التي تهدّمت وتضررت لم تستكمل تماماً، ولأن مئات العائلات المنكوبة تستذكر في هذه الأيام الأحباء وفلذات الأكباد وأضلع الصدور التي تهشّمت وراحت تحت وطأة الإجرام الإسرائيلي، ولأن مشاعر بعض تلك العائلات تشبه الاستحالة وروايات الخيال.. لكل ذلك ولغيره ينزوي الكلام تحت خيمة التورية، وتستعيد هذه مفردات الوجل والخجل لإفساح المجال أمام بعض الملاحظات وليس أكثر!
في إسرائيل أقاموا الدنيا على القيادات الضحلة سياسياً وعسكرياً التي ورطتهم في شعارات وأهداف مستحيلات، ودفعوا بتلك الوجوه الى المتحف عقاباً لها على ما اقترفته، وشكّلوا لجنة تحقيق في كل شاردة وواردة على كل المستويات، ثم ذهبوا الى انتخابات عامة وخرجوا بحكومة مختلطة بدأت منذ اللحظة الأولى في الانكباب على تحضير الحرب الآتية.
.. عندنا صار العكس تماماً (إنسَ التحقيق والمحاسبة والأسئلة وأخواتها) بدلاً من البناء على مظاهر التمام اللبنانيين على بعضهم البعض في طول لبنان وعرضه، واستثمار مظاهر تلقف النازحين في البيوت والمدارس والكنائس في كل قرية وبلدة ومدينة كانت بعيدة عن الحرب، من أجل بلورة موقف سياسي وطني جامع يلغي ما أمكن من انقسامات تشظّت غداة جريمة 14 شباط، بدلاً من ذلك انطلق خطاب التمييز والتوتير والاتهام والتخوين على غاربه وسَرَح ووصل الى 7 أيار وما بعد 7 أيار، وما أدراك ما 7 أيار!
في البال أرطال من الأمثلة والتفاصيل لكنها في مجملها تنحسر أمام سؤال وحيد يشبه الهاجس: كيف ستكون حالنا إذا اندلعت - لا سمح الله - حرب جديدة؟.. وأهم من يفترض أن 'الدنيا' لم تتغير، وأملي الوحيد أن أكون من ضمن الموهومين، وأن أكون مخطئاً في افتراضاتي جداً كثيراً، والسلام.