- صحيفة 'السفير'
موقع سلاح المقاومة في منظومة التسوية الداخلية
أحمد جابر:
مسألة سلاح المقاومة، المتداولة خلافياً، شأن وطني عام، يتجاوز الخوض فيه حزب الله، ليطال كل اللبنانيين الذين ارتضوا المقاومة المسلحة كخيار، في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي لأرضهم، وكسبيل للإدلاء بمساهمتهم اللبنانية العروبية، في ميدان الصراع العربي مع إسرائيل، وكتأكيد على ارتباط لبنان بالمصير العربي العام، من بوابة تحديد حصته الواجبة في صناعة هذا المصير، وفي جبه الأخطار التي تستهدفه في حاضره وفي مستقبله. هذا الاختيار &laqascii117o;الايجابي" لسياسة المقاومة العسكرية، قوبل بمواقف لبنانية مختلفة، راوحت بين رفض الخيار ومناهضته، وبين القبول به على مضض، أو الحيادية حياله والتذمر منه، بين حين وآخر، ودائما بحسب الظرف السياسي اللبناني السائد... ما نشهده اليوم، ليس أقل من إعادة تحديد خيارات عامة، تجري كلها مجرى &laqascii117o;الوطنية اللبنانية"، دونما ذهاب الى اتهام مسبق بالالتحاق او الارتهان او الارتباط بخارج ما، هذا دون ان تنفي &laqascii117o;اللبنانية" الصواب أو الخطأ عن المقاربات السياسية المتقابلة والمتناقضة. لكل في ميدان المواجهة السياسية الدائرة، ان يحدد منطق خياره، وعلى &laqascii117o;أبناء المقاومة" أن يكونوا المبادرين في هذا الميدان، طالما ان فعلهم، صار في دائرة الاختلاف، وان مردود أعمالهم، ينعكس على مجمل المصير الوطني، لجهة استقراره واستئناف مسيرته الطبيعية، او لجهة اهتزازه وتعليق اطمئنانه على سارية المستقبل المجهول!! عليه، ما المنطق الناظم لخطاب &laqascii117o;المقاومين" وما عناصر تماسك أطروحاتهم؟ يحتل التلويح بالخطر الاسرائيلي الدائم على لبنان، محور مرافعة &laqascii117o;المقاومة" عن ضرورة استمرار امتلاكها لسلاحها، وتستدل على تجليات العدوان الاسرائيلي الدائم، من الانتهاكات الدورية لقواته، السيادة اللبنانية، على الأرض كما في الأجواء... انتقال النقاش &laqascii117o;المقاوم" من حلقة السلاح الضيقة الى رحاب المسؤولية الوطنية العامة عن السلامة اللبنانية، يفتح مقاربة &laqascii117o;الأمن الوطني" على متفرعات شتى تتجاوز الشق القتالي، ويطرح مسألة المرجعية الناظمة لشؤون &laqascii117o;الأمن"، بما تمليه من حسابات سياسية، وما يترتب عليها من كلفة مادية، وما ينجم عنها من انعكاسات داخلية وخارجية...
من المنطقي، في هذا المجال، أن تكون &laqascii117o;الدولة" هي المرجعية، طالما ان الشأن شأن وطني، ومن المسلّم به ان يناقش &laqascii117o;أبناء الدولة" في قدراتها وفي التزاماتها، وفي حيثيات استقامة دورها، وفي ضوابط وضمانات توازنها... بما يؤمن حقا، بقاء &laqascii117o;الدولة" في موقع الضمانة العليا العامة، لكل تعبيرات رعاياها، والحارسة فعلا، لقواسمهم المشتركة، والضابطة لحدود توترهم، من خلال الاعتراف بمرجعيتها، &laqascii117o;كمحتكر" لأدوات القوة، وكمستخدم أوحد لسلطة القانون. تحت سقف مرجعية الدولة، لا بأس من الحديث المستفيض، عن مكامن الخطر التي يختزنها وجود إسرائيل، على حدود لبنان الجنوبية. تتعدّد الاجتهادات في هذا المضمار، ولتعدّدها وثائقه ومستنداته واستشرافه ايضاً. ليس غريباً القول مثلاً، بخطر ثقافي يتهدّد &laqascii117o;الوضعية الثقافية" اللبنانية، والجهر بخطر اقتصادي عام يمثله الاقتصاد الإسرائيلي، في منافسته للاقتصاد اللبناني، والإشارة الى خطر &laqascii117o;اجتماعي" يستحضره أي تسرع في إقامة &laqascii117o;علاقة" مع البنية الاسرائيلية... والبنية اللبنانية على ما هي عليه من هشاشة، في التعريفات وفي البديهيات!! ضمن هذه المنظومة من الأخطار، يحتل الخطر الأمني مركزه الطبيعي، وفي هذا المجال لا ضرورة، بل من الضرر، الركون إلى مقولة &laqascii117o;قوة لبنان في ضعفه"، لكن من غير المفيد، وعلى خط موازٍ، النفخ في &laqascii117o;أسطورة القوة اللبنانية"، والاستطراد منها الى مقولات &laqascii117o;الردع وتوازن الرعب..."، وما إلى ذلك من مقولات لا تتفق وواقع الحال الاستراتيجي مع العدو. بعيداً من المقولتين، يمكن للنقاش ان يذهب فعلاً الى معالجة شأن حماية الحدود، دفاعيا، وله ان يستفيد من تجارب سابقة على هذا الصعيد، تبدأ من دعم صمود المواطنين في أرضهم، وتمر بوسائل حمايتهم، وتصل إلى كيفية تنظيم مساهمتهم القتالية في الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم... وتعين آلية إدارة هذه العملية الدفاعية، من ضمن الخطة القتالية العامة المقرّة من جانب &laqascii117o;الدولة"، المسؤولة دائماً، عن أمن الوطن والمواطنين.
هذا النقاش، الذي يدور على مستوى &laqascii117o;تقني"، لا يشكل سوى القشرة الظاهرة من الموضوع، وكان الأمر يسيراً، لو ان المعضلة تقتصر على التقنيات، لكن لبّ الموضوع الخلافي، لبنانياً، كان ولا يزال، موقع &laqascii117o;أصحاب كل شعار" في التشكيلة الداخلية، ووزنهم المقرر، او المستهدف، في هذه اللحظة المصيرية من عمر الوطن اللبناني. عليه، يصير الحديث حديث ضمانات، وإنتاج معادلات، ورفض صيغ سياسية والسعي إلى استيلاد صيغ اخرى... الخ. في هذا السياق، لنلاحظ، ان &laqascii117o;الخيار المقاوم" يتراجع نفوذه كلما تراجع الى دائرته الأهلية الخاصة، لذلك فإن ضمانته الأولى تقع ضمن دائرة الكتلة الشعبية اللبنانية الأوسع، وسياجه الأهم إعادة إنتاج التوافق حوله. عملية إعادة إنتاج الاتفاق حول حيثيات &laqascii117o;المقاومة"، دوراً وخطاباً ومرجعية، لا تعني التسليم المسبق من قبل طرف أهلي لطرف أهلي آخر، لكنها تعني، وبعمق، إدراك التحولات، والسعي للوصول الى تسوية تجنّب &laqascii117o;الجمع الأهلي" احتمال &laqascii117o;الكسر" الوطني العام. على هذه الخلفية، من حق &laqascii117o;المقاومين" أن يظهروا عدم ارتياحهم الى خطب عدد من أفرقاء الداخل، وأن لا يركنوا إلى التاريخ السياسي للبعض منهم. كل ذلك مفهوم، داخلياً، ومفهوم ايضاً، وبعمق، ألا يقدِّم &laqascii117o;المقاومون" أوراق قوتهم سلفاً، ومجاناً، بل أن يطلبوا لذلك ثمناً سياسياً، يرونه منسجماً مع جوهر خيارهم، ومتسقا مع الحد اللازم من دورهم، الذي أسسوا له على رافعة انجاز التحرير التاريخي، الذي كان مأمولاً من اللبنانيين أن يحوّلوه إلى مادة استقلالية، تضاف إلى الاستقلال اللبناني الأصلي عام 1943.
هذا الحق، &laqascii117o;للمقاومين"، الذي يجب ان يكون موضع فهم، يصير غير مفهوم عندما يُستوحى منه الإصرار على مسلك وحيد الجانب، لا يعير انتباها الى هواجس &laqascii117o;الأطياف" اللبنانية الأخرى، ويضغط في اتجاه نزول هذه الأطياف عند تعريفاته لأدواته، التي لها اسم &laqascii117o;لبناني" آخر، هو اسم إدامة التفوق لمجموعة لبنانية على آخرين، على رغم أنف كل التبدل السياسي الواقعي، والوقائعي، المعاند لاستدامة &laqascii117o;التفوق المخصوص". عندها ينتقل الأمر من &laqascii117o;الخوف على المقاومة"، كما عبّرت غالبية لبنانية ذات يوم، الى الخوف منها، كما تعلن خطب كثيرة هذه الأيام!!
ما الذي يستطيعه أهل المقاومة، اليوم، تبديداً للهواجس السياسية، المحقة أو المغرضة، التي يُدلي بها أكثر من طرف &laqascii117o;أهلي" لبناني؟! في حوزتهم أكثر من مسألة جدية، يمكن ان يكون لها الأثر الحاسم في إيصالها الى عتبات المعالجات المعقولة، المفتوحة على تسوية عقلانية ممكنة. الإضافة الأهم التي يستطيعها المقاومون، هي التزامهم سقف الدولة، في مقاربة شؤون &laqascii117o;المنظومة الدفاعية" عن لبنان، التي صارت موضع تداول، والتي يُرجى أن تنفتح أمامها مسالك &laqascii117o;التوازنات الأهلية" القلقة، ليصير ممكناً بالتالي، صياغة أحكامها.
أما الإضافة الثانية الهامة، فهي الاضطلاع بدور فاعل لدى الحلفاء الإقليميين، يصبّ في مصلحة المحصلة اللبنانية العامة، في ميدان العروبة، وفي مجال إدارة العلاقات مع العمق العربي والإقليمي.
دون إطالة، يؤشر مسلك &laqascii117o;مقاوم" كهذا، إلى بذل الجهد في ميدان تقديم الضمانات المتبادلة. وعليه يجب أن يكون مفهوماً أن لكل جهد يبذل ثمناً داخلياً، إذن فما هو الثمن الذي يجب ان يقدم الى سلاح &laqascii117o;الشيعية السياسية"، وإلى مسعاها وتنازلاتها، طالما أن الكل بدأ منذ زمن رحلة البحث عن الأثمان؟
لقد قرأ بعض اللبنانيين في التعرض لسلاح المقاومة رسالة &laqascii117o;اطمئنان" إلى إسرائيل، ويعلن الجميع، ان المقصود هو إرساء حصانة لبنانية شاملة، لذلك يظل سؤال: ما السبيل الى ذلك يلحّ على كل الأذهان؟.
- 'السفير'
خلاف حول عدد الجثث
ساطع نور الدين:
الحدث الجدي الوحيد الذي شهده الاسبوع الماضي هو صدور المذكرة التي كتبها السفير الاميركي السابق دانيال كرتزر عن مركز العمل الوقائي التابع لمجلس العلاقات الخارجية، تحت عنوان &laqascii117o;حرب ثالثة في لبنان"، والتي تتضمن اول تقدير اميركي شبه رسمي لاحتمالات الحرب الإسرائيلية على لبنان، والخيارات الاميركية المتاحة لتفاديها او، اذا تعذر ذلك، لمساعدة اسرائيل على تحقيق أهدافها السياسية.
المذكرة لا تتميز بأي عبقرية سياسية خاصة، ولا تعبر عن نبوغ كاتبها الذي كان سفيراً في مصر وإسرائيل ومرشحاً لمنصب في الادارة الحالية الى جانب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لكنه بقي في الظل.. الى ان صدر له هذا النص الذي يوحي بأن ثمة في واشنطن من شرع في البحث الفعلي لا في اندلاع الحرب بل في وقفها، وما اذا كان يتوجب على ادارة الرئيس باراك اوباما ان تحذو حذو ادارة الرئيس جورج بوش التي حالت دون التوصل الى وقف مبكر لإطلاق النار لانها ارادت معاقبة سوريا وايران، ام ان عليها ان تتدخل على الفور، أي في الايام الاولى من الحرب، لإنهاء العمليات العسكرية، واستثمار نتائجها السياسية في الحوار مع دمشق وطهران.
الحرب آتية، في خلال الاشهر الـ12 او الـ18 المقبلة، حسب السفير كرتزر الذي يقترح اختبار سلسلة من الخطوات للحؤول دون اشتعالها، لكنه في ما يشبه التسليم بقضاء الله وقدره ينتقل الى مرحلة ما بعدها والفرص والآفاق السياسية التي تفتحها، واين وكيف يمكن لواشنطن ان تحقق مكاسب من الحرب، خصوصاً اذا لم تؤد الى خسائر مدنية فادحة في لبنان يمكن ان تعطل المسارات الفلسطينية والسورية والإيرانية..
المذكرة بحد ذاتها ليست حدثاً، لكن خلفيتها وسياقها وربما ايضاً بعض ايماءاتها، لا يمكن ان تعزل عن جو يسود الدوائر الدبلوماسية في واشنطن ونيويورك ويوحي بان الرئيس اوباما الذي اعلن هزيمته الكاملة امام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدى لقائهما الودي والحميم في البيت الابيض قبل اسبوعين، فوّضه التصرف بحرية مطلقة على الجبهة اللبنانية وفق ما تقتضيه المصلحة الامنية الاسرائيلية.. واوعز من جهة اخرى الى ادارته والمؤسسات المتصلة بها بإعداد تقديرات وتوصيات بالموقف الاميركي في حالة الحرب، لانه وكبار المسؤولين الاميركيين السياسيين والعسكريين فقدوا ثقتهم بقدرة اسرائيل وكفاءتها في خوض الحرب والانتصار فيها.
المبدأ حُسم، والرئيس أوباما الذي يستعد لمعركة انتخابية حاسمة في الكونغرس الخريف المقبل يريد ان يكسب ود اسرائيل ورضا الناخب اليهودي، من خلال ليس فقط تفويض نتنياهو شن الحرب على لبنان، بل أيضاً من خلال التعهد بتمويلها وتغطيتها وربما ايضا الاسهام فيها، لان واشنطن ستكون المسؤولة الوحيدة عن وقفها وعن توظيف نتائجها. التوقيت لم يُحسم بعد. لعله ترك لتقدير رئيس الوزراء الاسرائيلي. والنصر لم تحدد شروطه ومعاييره تماماً، لأنه لم يتم البت في عدد الجثث اللبنانية التي يمكن ان تمثل دليلاً قاطعاً عليه!.
- 'السفير'
أنـا والعـراق.. فرصـة رجائنـا
هاني فحص:
أنا هاني فحص اللبناني الشيعي الذي امتلأت ذاكرته بالحرمان والتهميش، وهو إذ يشعر ـ كشيعي ـ بأنه أتيح له من خلال العلم والعمل والمشاركة، ان يمتلك مقداراً من القوة، إذا ما بالغ فيه خسره، وإن أحسن استثماره بالشراكة الوطنية وبناء الدولة الجامعة القوية والعيش المشترك وإنتاج المعرفة وتنمية الموارد والانفتاح على الأشقاء والأصدقاء والحوار مع الأعداء، لعل العداوة تتحوّل الى تفاهم أو تسالم، فإنه يحول الحرمان التاريخي الى استحقاق مستقبلي، بدل أن يحوله الى نكد اجتماعي وسياسي يعطل الطاقات ويهدر الثروات.
أنا المسلم الذي يعاني، وإن كان يشارك أحياناً في حالة الفصام والتجزئة والعنف والإرهاب وتبذير المال وتبديد المخزونات... ويخاف على المسلمين من توسيع مطامحهم فوق الممكن والمستطاع في أممية جرّبها غيرنا وعاد بعد فشلها إلى بناء أوطانه القومية... ويتمنى ان يعود المسلمون الى مفهوم المواطنة التي تمر بالحدود الإقليمية وتعود الى اوطانها لتحفظ الجميع بالجميع وطناً وشعباً.
وأنا أشم رائحة رغبات امبراطورية ذات نكهات مذهبية، منها ما جرّبناه ونرحب بأهله اذا ما وظفوا تاريخهم وحاضرنا في سبيل نهوضهم ومشاركتنا في النهوض، ومنها ما هو أحلام امبراطورية مستجدة تفضل القوة المادية على القوة المعنوية، وتفضل النفوذ والاختراق على الدور الذي لا يتم إلا بالتفاهم معنا، وهي في سبيل ذلك تستخدم القضايا الكبرى وأحياناً ضد اهلها وتخلط العام الاسلامي بالخاص المذهبي وان كان ذلك ضد مصالح القوم أو أهل المذهب.
أنا العربي الذي حلم وعمل وضحى وقبل بالفقر وآثر العلم على الجهل من اجل التحرير والتحرر والتقدم والوحدة، فانتهى الى مزيد من الجهالة والتخلف والتأخر والفقر والجهل والمرض والتبعية والتجزئة ونفاد الثروة وتهديد الكيانات بالطائفية والمذهبية والصراعات الاتنية والحزبية. بسبب فهمه الناقص والمشوه للعروبة، واستقالته من دوره الوطني من أجلها ومن دون طلب منها، واستقالته من شركائه ورفاقه في منتجاته الحضارية بالذهاب إلى العنصرية التي حوّلت العروبة الى مشروع يلغي نفسه بإصراره على إلغاء الآخر المختلف الشريك.
أنا الذي كان يرى في مصر ضمانة في دورها وموقعها وهي تتحوّل الآن من رافعة الى عبء... وكان ينتظر فلسطين التي ابتعدت، ويمني نفسه بالخير النفطي اذا ما هدده الفقر والخراب... فيرى النفط يتبخر بفعل الاصدقاء والاعداء وفعل القصور والتقصير في الادارة والتنمية... ويخاف من الانقلابات التقدمية التي ادت الى مزيد من الموت والفقر والرجعية.
لقد وجدت نفسي محاصراً باليأس والإحباط، وكان همي أن لا أعدي الآخرين بيأسي، لكنهم يائسون مثلي... ان كانوا في عمري... ويخافون من تسرب اليأس الى أحفادهم بعدما اخذ يدهم اولادهم.
هذا ولم أتوقف عن البحث عن فرصة للرجاء، وفشلت اكثر من مرة، الى ان لاح لي العراق ولو عن طريق قبلته على مضض لأنه لم يكن لي أمل في غيره... وقلنا البيت أهم من الطريق الى البيت، على ان يكون لنا في العراق بيت... بعدما قيل لنا ان العواصم الفاعلة مستقبلاً لن تتعدى ثلاثاً: انقرة وطهران وتل ابيب وخفنا من الثالثة، وحاولنا ان نخفف خوفنا بالطمأنينة في الآخرين، وان كنا لا نجد ضمانة او مشجعاً على ذلك حتى الآن، رغم بعض المظاهر والشعارات العظمى. الى ان لاحت بغداد الممكنة بكل المعايير وما ان اصبحت في ايدي ابنائها الذين ضحوا من اجلها حتى بدت بعيدة جداً او مستحيلة!
لماذا ايها السياسيون العراقيون؟ لقد انتظرناكم فإلى أين أنتم ذاهبون؟ لماذا يسير العراق على طريق الصومال؟
- صحيفة 'النهار'
أبو مازن: حدود التلاشي
سمير غطاس (كاتب مصري):
.. هو بالتأكيد لم يكن يقصد المناورة، ليس فقط لأنه يفتقد الى حد كبير هذه المهارة التي كان يتقنها الى حد التفوق والاحتراف سلفه الراحل ابو عمار، ولكن لأن ما قاله كان ببساطة يعكس الحقائق الخطيرة التي تتراكم يوميا على الارض وتعاظمت الى حد التورم بما لم يعد من الممكن الاستمرار الى ابعد من ذلك في السكوت عليها او تجاهلها والتغافل عنها.
كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس – ابو مازن صرح بعد لقائه الاخير بالرئيس الاميركي اوباما في البيت الابيض يوم 9/6/2010 ان 'حل الدولتين آخذ في التلاشي'. لم يكن ابو مازن يناور باطلاق مثل هذا التصريح، ربما كان يصرخ او يستصرخ وقد يكون صرح بذلك تعبيرا عن يأسه القاتل من الرهان على الموقف الاميركي بعدما لم تخرج اية ادخنة بيضاء من اجتماعه مع اوباما وعاد من هذا اللقاء ليس بأكثر من خفى حنين، فيما تذوي وتضمحل الفرص القليلة اصلا للتوصل الى حل الدولتين في ظل حكومة نتنياهو خاصة اذا ما استكمل فترة ولايته الاولى الى نهايتها المقررة بأربع سنوات فيكون بذلك اول من فعلها بعد سلسلة متوالية من الاخفاقات التي لحقت به شخصيا وبأسلافه الذين لم يفلت اي منهم من الوقوع في فخ الانتخابات المبكرة (شمعون بيريس اخلى مكانه لنتنياهو في انتخابات مبكرة عام 1996، ونتنياهو هزم امام ايهود باراك في الانتخابات المبكرة 1999 وشارون فاز عليه في انتخابات مبكرة عام 2001، قبل ان يخوض هو الآخر الانتخابات المبكرة في 2004 و2006 ثم يذهب الى ابعد مدى في غيبوبته المستدامة ويخلفه اولمرت الذي ازيح حزبه كاديما عن ترأس الحكومة بعد الانتخابات المبكرة ايضا في 2009).
لكن المثير للدهشة حقا ليس موقف اوباما او نتنياهو وانما موقف ابو مازن نفسه الذي بدا وكأنه اكتشاف متأخر جدا للحقائق التي لا تخطأها العين. فقد تبين لابو مازن مهندس اوسلو في عام 1999 ان طريقه لا يقود الى حل الدولتين، وفي العام 2000 لم تفلح صيغة كلينتون في توليد الدولة الفلسطينية من رحم كامب ديفيد الثانية، ثم تأكدت هذه الشكوك عندما اجتاح شارون الضفة الغربية في 2003 واقام جدار الفصل العنصري، وعندما استولت حماس بالقوة على غزة بمباركة اسرائيلية وكرست فصلها عن الضفة بات حل الدولتين خلفنا، ولكن الاهم والأخطر من كل ذلك هو الواقع الاستيطاني اليهودي المتنامي في الضفة الغربية والقدس والذي ادى الى خلق حقائق مناطقية ذات معنى استراتيجي بعيد المدى يتمثل فيما يأتي:
1- ان المستوطنات طمست الخط الاخضر ما يجعل مسألة الانفصال الى دولتين مهمة غير ممكنة حسب تعبير رئيس حركة السلام الآن في اسرائيل في فبراير – شباط 2009.
2- انه بات هناك كتلة ديموغرافية حرجة من المستوطنين اليهود يصل عددها الى نحو نصف مليون مستوطن في الضفة والقدس، والاخطر من ذلك انها تتزايد بمعدلات عالية جدا تصل الى 5٫5 % بسبب النسبة العالية للولادات في صفوف اليهود الحريديم المتدينين والشرقيين واستمرار الهجرة من داخل اسرائيل الى المستوطنات. ويمكن ملاحظة خطورة ارتفاع نسبة التزايد السكاني للمستوطنين مقارنة بنسبة الزيادة في اسرائيل التي تصل الى 1%. وهو ما يشير الى التوقعات الخطيرة للزيادة المضطردة للكتلة الديموغرافية للمستوطنين التي تكاد تنسف تماما رؤية حل الدولتين ولا تصيبها فقط بالتلاشي حسب تصريح ابو مازن.
3- ان الاستيطان ليس نشاطا عشوائيا لجماعة غوش امونيم او لمجلس يشع وانما هو ركن اساسي في طبيعة النظام السياسي الاسرائيلي الذي يحتم تشكيل ائتلافات حكومية، والمحافظة على ثبات الائتلاف يستوجب الحفاظ على الاستيطان ومن ثم تقويض حل الدولتين.
4- انه لا مجال لترويج الاوهام حول اقتلاع الكتل الاستيطانية او تفكيكها لأنه لم تعد هناك امكانية لاستنساخ نموذج بيغن- شارون، آباء اليمين القومي الذين كانت لهما القدرة على تفكيك يميت في سيناء وغوش قطيف في غزة لأنهما من بناها.
5- ان جيش الدفاع الاسرائيلي الذي بات اكثر من 30%من ضباطه وجنوده من المتدينين لن تسند له اية مهام للمس بالوضع الاستيطاني الراهن، ولا توجد في اسرائيل بدائل اخرى تناط بها هذه المهمة المستعصية. وهذه المعطيات الخمسة لا تصنف في خانة السرية وهي ليست طارئة بل هي اسبق ربما بكثير من التصريح الاخير لأبو مازن عن تلاشي حل الدولتين، لكن الاكثر ادهاشا في تصريح ابو مازن هو الاضافة التي قال فيها: 'نحن لا نقبل حل الدولة الواحدة واسرائيل لا تقبله '، كان يمكن ان يكون مفهوما ومقبولا ان يقول ابو مازن ان حل الدولتين يتلاشى واسرائيل ترفض حل الدولة الواحدة ولا يتبرع مجانا بالاعلان عن رفضه لحل الدولة الواحدة، لأنه اذا كان حقا صادقا في تصريحه حول تلاشي حل الدولتين، وهو بالتأكيد كذلك، فإن الاستنتاج المنطقي يحتم عليه التفكير جديا في الانتقال الى خيار استراتيجي بديل والكف عن التعلق بأوهام هذا الحل الذي يتلاشى او يتبدد، وربما وجب التحذير هنا بشدة من مغبة القفز الى استنتاجات شعبوية تستدعي شعار استراتيجية الكفاح المسلح في الوقت الذي تعاني فيه هذه الاستراتيجية من ازمة بنيوية عميقة الزمت القوى التي كانت تتبناها على التراجع العملي عن تطبيقها او ممارستها رغم انها بالطبع ما تزال ترتزق من الاتجار بشعاراتها.
وتبدو الخيارات الفلسطينية الاستراتيجية البديلة اكثر تعقيدا لأن ايا منها لا يتحقق عن طريق اعتماد اساليب العنف او المقاومة المسلحة، وهذا الامر ينسحب على القوى التي ما تزال تتعلق باستراتيجية حل الدولتين او تلك التي باتت تميل اكثر لتبني استراتيجية الدولة الواحدة سواء بسواء.
والان بعد تصريح ابو مازن عن تلاشي حل الدولتين فإنه يلزم تفحص لائحة الخيارات التي يمكن اجمالها في الخيارات التالية:
1- الاستراتيجية الفياضية: وتنسب هذه الاستراتيجية لرئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض الذي لقبه الرئيس الاسرائيلي بيريس 'بن غوريون فلسطين' لان استراتيجيته تكاد تنسخ تجربة ما يسمى ' بالدولة المتدحرجة' التي تسعى الى ان يبرهن الفلسطينيون اولا لانفسهم وللعالم عن جدارتهم العملية في بناء كل المؤسسات المؤهلة لاستحقاق الدولة المستقلة وفقا للمعايير الدولية والديموقراطية، ومن ثم دعوة الاسرائيليين والمجتمع الدولي للاعتراف باعلان اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وكان الاتحاد الاوروبي اعلن في اكثر من بيان رسمي عن دعمه لبرنامج واستراتيجية فياض. وكان فياض توقع في حديث ادلى به للصحافة الاسرائيلية ان يتم الاعلان عن اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في اغسطس – آب 2011. ورغم وجاهة وجدية هذه الاستراتيجية فإنها تعاني مع ذلك من نقاط ضعف قاتلة ربما كان من ابرزها عدم استناد فياض الى قاعدة تنظيمية واسعة، اذ رغم التنامي المضطرد لشعبية فياض في الشارع الفلسطيني وفقا لكل مؤشرات ونتائج استطلاعات الرأي فإن غالبية الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح تكاد تحجب دعمها لفياض بل وتحرض ضده وتتحين الفرصة للانقضاض او الانقلاب عليه، ومن جهة اخرى يمكن لاسرائيل، التي اعلنت رفضها لاستراتيجية فياض، تدبير ما يكفي من ذرائع لتدمير كل ما بنته هذه الاستراتيجية من مؤسسات وبنى تحتية مؤهلة للدولة المستقلة والعودة به الى المربع صفر.
2- استراتيجية الدولة الواحدة: وقد يكون من الضروري ان يتوافق الفلسطينيون اولا على المفاهيم الخاصة بهذه الاستراتيجية في ظل الخلط المؤسف للمفاهيم المتعلقة بالدولة الواحدة الليبيرالية والديموقراطية، دولة المواطنين، والدولة الواحدة ثنائية القومية، وفيما عدا الدعوة التي اطلقتها لفترة محدودة منظمة التحرير الفلسطينية في مطلع السبعينات من القرن الماضي لاقامة دولة واحدة فلسطينية ديموقراطية لكل مواطنيها، فإنه يصعب كثيرا الاستدلال من مخزون الوعي السياسي الفلسطيني والعربي على اي استراتيجية او مشروع او حتى افكار متماسكة للنموذج المتخيل فلسطينيا للدولة الواحدة. وعدا عن اللعب الصبياني بالمسميات والالفاظ فإنه، لم يبذل بعد ادنى جهد سياسي لدراسة وتحليل النماذج المتعددة للدولة الواحدة التي انتجتها تجارب الشعوب الاخرى، ولا يوجد بالطبع اي توقع او تصور للكيفية التي يجب اعتمادها لاستبدال حل الدولتين بحل الدولة الواحدة وامكانية تجسيد هذا الحل الافتراضي في الواقع العملي والفعلي.
وربما وجب توجيه الفلسطينيين والعرب الى مراجعة الدراسة الاخيرة التي كتبها البرفسور ميرون بنفنستي بعنوان: من الآن دولة واحدة ثنائية القومية، والتي اكد فيها ان اسرائيل شطبت حل الدولتين وانها تحولت، دون اعلان او ضجيج، الى دولة ثنائية القومية لكنها تعاني من اختلالات فادحة وعدم تماثل فظيع بين القوميتين 'وسيطرة تامة للقومية اليهودية – الاسرائيلية على قومية فلسطينية محطمة من ناحية اقليمية واجتماعية ' في هذه الدولة الواحدة. (موقع هآرتس كانون الاول – ديسمبر 2009). وقد يكون من الضروري التحلي بقدر اكبر من الشجاعة للاعتراف بأن الفلسطينيين والعرب غير مؤهلين الآن ولا في المستقبل المنظور ولا على اي صعيد او مستوى للمطالبة بالدولة الواحدة، لكن الوقت دائما لا يفوت من اجل التعديل و الاستدراك شريطة ان نتعامل مع هذا الامر الجدي خارج اطار العقلية الاستهلاكية للشعارات والبدء بالانكباب على دراسة خيار الدولة الواحدة في ابعاده المتعددة ونماذجه المتنوعة، وآخذين بعين الاعتبار ان الدولة الواحدة ثنائية القومية لا تقام الا بالتوافق وبالاعتراف المتبادل بين المجموعتين القوميتين العربية الفلسطينية واليهودية الاسرائيلية.
لم يكن ابو مازن وحده من توصل، ولو متأخرا، الى حقيقة تلاشي حل الدولتين فعلى الجانب الآخر كان موشيه ارنس احد ابرز صقور المعسكر اليميني في اسرائيل ووزير الدفاع السابق قد توصل بطريقته الى النتيجة نفسها لكنه فاجأ الجميع عندما نشر في هآرتس يوم 2/6 الماضي مقالا بعنوان: 'جنسية اسرائيلية للفلسطينيين' اقترح فيه ادماج الفلسطينيين في الضفة في نسيج المجتمع الاسرائيلي وان يحصلوا على حق الاقتراع وقال 'اسرائيل ستحتاج الى مواجهة تحدي غير سهل فهل تستطيع الثبات لهذا التحدي'؟
ربما بات حديث التلاشي الآن اكثر وضوحا، فأذا لم يكن من المعقول ان نصفه بالمناورة فإنه ليس من المقبول ان نختزله في تصريح عابر، ويزداد هذا الامر خطورة عندما يتعلق بمصير الشعب الفلسطيني وحل الدولتين، فإذا كان هذا الحل يتلاشى، وهو كذلك، فإن السؤال الذي يجب ان نطرحه اولا على انفسنا هو: وماذا بعد حديث التلاشي وهل نستطيع نحن ايضا الثبات لهذا التحدي، هذا هو السؤال وتلك هي المسألة.