ـ صحيفة 'الأخبار'
دمشق للحريري: حزب الله هو الخطّ الأحمر
ابراهيم الأمين:
أوردت الأوساط القريبة من رئيس الحكومة، سعد الحريري، أنه عاد من دمشق بتفاهم مع القيادة السورية على أمور كثيرة، تخص تطوير العلاقات بين البلدين. لكن ما أضافه المقربون من الحريري أن الأخير عاد مرتاحاً إلى موقف الرئيس السوري بشار الأسد للتطورات الجارية في لبنان، لكن من دون تفاصيل. إلا أن التوضيحات الإضافية من جانب مساعدي الحريري أخذت بعداً من نوع آخر، وخصوصاً عندما صار الحديث يتناول تعليقات وتفسيرات من النوع المختلف. منها التحليلات المبالغ فيها لمعنى الصورة الثلاثية التي جمعت الأسد والحريري ووزير خارجية تركيا داوود أوغلو.
وفي سياق التحليل السياسي والإعلامي لهذه الصورة، يعود هؤلاء إلى الصورة التي سبق أن جمعت الأسد مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وأخذت المقارنة بعداً إضافياً عندما أجاد هؤلاء في البحث واعتبار الصورة الجديدة بديلاً مقترحاً من الرئيس السوري للصورة القديمة. ولمزيد من التوضيح، يذهب أحد أبرز أمنيّي 14 آذار إلى القول إن سوريا لم تكن في أجواء ما أعلنه نصر الله في خطابه الأخير، وإنها لا تتفهم ما يجري، وهي قلقة على السلم الأهلي وتدعم إعادة التوحد والحوار. ثم يترك فريق الحريري للعموم استنتاج أن دمشق هي إما تتفهم &laqascii117o;نقزة" رئيس الحكومة وفريقه من مواقف نصر الله، وإما أنها على الحياد.
سبق هذه الاستنتاجات تحليل آخر رافق زيارة الحريري الأولى لدمشق، مفاده أن سوريا هي صاحبة المصلحة في هذا النوع من التواصل، وأنها تسعى إلى توسيع دائرة التواصل مع الفريق القريب من السعودية، وأن الأسد في صدد الابتعاد عن التحالف مع إيران وحزب الله.
كيف يستوي التحليل بأن سوريا تريد الابتعاد عن المقاومة العربية التي كانت مصدر الرهان والقوة؟إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ لأن في هذا الفريق من يقود تناقضاً داخلياً هو الأغرب من نوعه في سياق مقاربته العلاقة مع سوريا. فمن جهة، يتحدث هؤلاء عن أن دمشق نجحت واستطاعت تجاوز كل دوائر الضغط التي تعرضت لها على مدى السنوات الخمس. ومن جهة ثانية، هم يعتقدون أن سوريا تواجه أزمة وتريد التخلص من عبء التحالف مع إيران. فيما يعرفون أن سوريا عندما تعرضت للضغط خلال تلك الفترة كانت أمام خيار الابتعاد عن إيران، مقابل أخذ موقع متقدم في الوضع الإقليمي، وكان عليها كذلك الابتعاد عن الدور الراعي لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، وتحديداً وقف التواصل مع حزب الله وإقفال بوابة الدعم العسكري والعمل على إبعاد قادة حماس والجهاد الإسلامي وقوى المقاومة الفلسطينية من دمشق. ومع ذلك، فهي لم تقبل بذلك، وواجهت الضغوط على مختلف أنواعها. حتى إن صحافياً إسرائيليا كتب أخيراً تعليقاً لافتاً عن الأمر، قائلاً إن الأسد رفض مشورة كثيرين طالبوه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وقرر المغامرة بالعلاقة مع المقاومة، لكنه فاز في هذه المغامرة.
والسؤال هنا: كيف يستوي التحليل؟ والآن بعدما ربحت سوريا خياراتها، كيف ستعود عن التحالفات التي قامت عليها سياستها في الفترة الصعبة، وهي ذاهبة نحو تحالفات مع الفريق الذي خسر الرهانات، وهو الآن يعيد ترتيب مواقعه والنظر في حساباته؟
وبالعودة إلى آخر التحليلات، فإن المنطق الذي يريد فريق الحريري وبقية قوى 14 آذار العمل عليه، هو القائل بأن سوريا الآن تفضل مقاربة الأمور من زاوية الحفاظ على ما حققته من مكاسب في السنوات الأخيرة، وأنها لن تتأخر في اختيار العلاقة مع الدولة اللبنانية إذا ما أُجبرت على الاختيار بينها وبين حزب الله.
هل من إمكان لفهم هذه &laqascii117o;التحشيشة"؟
بدايةً، ولناحية المعلومات، فإن المحادثات التي أجراها الرئيس الحريري في سوريا، أو تلك التي أجراها معاونوه مع مساعدين للرئيس السوري، ركزت على ملفات كثيرة من بينها الملف الأكثر حساسية الآن والمتصل بمواقف السيد نصر الله، والخشية من لجوء المحكمة الدولية إلى خطوة غبية تستهدف المقاومة، وقد سمع الحريري ومساعدوه موقفاً واضحاً، فيه الآتي:
إن سوريا تريد تأكيد موقفها الداعم للسلم الأهلي في لبنان، وهي ترى في الانقسام مصدر خطر على سوريا نفسها، وإن تجربة سنوات الانقسام الأخيرة دلت على ذلك. كذلك تعتقد سوريا أن الأمور تحتاج إلى حوار يقوم على حد أدنى من الثقة المتبادلة التي تتيح التوصل إلى تفاهمات على الأمور الاستراتيجية، كما على الأمور الحياتية اليومية في لبنان. لكن سوريا تحتفظ بثوابتها:
أولاً: إن قوى المقاومة العربية، وفي طليعتها حزب الله، وعلى رأسه السيد نصر الله، هي خط أحمر يطابق الخط الأحمر المرسوم حول النظام في سوريا.
ثانياً: إن سوريا تعيد التأكيد أن التحالفات في لبنان يجب أن تقوم على حوارات وتواصل ومصارحة.
ثالثاً: إن سوريا لا تثق بالعمل الجاري في ملف التحقيق الدولي الخاص بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهي تلفت انتباه من يهمه الأمر إلى أن ما يحفظ الاستقرار هو الابتعاد عن الفبركات وخلافه.
ثمة قاعدة واضحة لدى المسؤولين السوريين، تقول إن الأمور قد تكون متجهة إلى مزيد من التعقيد، لكن الأهم في المسألة هو أن الحريري وفريقه يظهرون تفهماً لهواجس حزب الله، لكنهم عندما يصلون إلى مرحلة الإجابة يقفون مرتبكين: ليس في يدنا ما نقوم به، كل الملف عند الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية.
ـ صحيفة 'الحياة'
مفاجآت نصرالله ... وعون
حسان حيدر:
كنا نعتقد ان &laqascii117o;حزب الله" سيعلن في ذكرى حرب تموز(يوليو) مفاجآت لاسرائيل تقض مضجع سياسييها وتربك قادة جيشها وتتركهم في حيرة مما ينتظرهم فيما لو أقدموا على مغامرة عسكرية جديدة في لبنان، على ما درج عليه منذ وقف اطلاق النار قبل أربع سنوات، لكن المفاجأة الفعلية كانت انه خصص &laqascii117o;مفاجآته" هذه المرة للبنانيين، فأنذرهم بسوء عاقبة المحكمة الدولية وقسمهم الى فسطاطين: بيئة مقاومة وبيئة حاضنة للعملاء، ليس بينهما منطقة رمادية، فزاد بينهم التوتر الذي لم ينخفض أصلاً منذ إعلانه حالة الحرب الابدية مع الكيان الصهيوني والتي لن تنتهي كما قد يخيل للبعض باستعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ... وشجرتي زيتون عند مفترق طرق يتكتم عنه ولا يعرف موقعه الا الموغلون في العلم، وأحدهم حليفه النائب ميشال عون. وهذا الأخير لم يتبرأ من تهمة &laqascii117o;العلم" هذه في تصريحاته التي تشبه الفتاوى والنبوءات، بل أصر على انه ضليع بتفاصيله وشدد على صحة &laqascii117o;سيناريو الفتنة" الذي نسب اليه واعتمده الحزب أساساً لموقفه &laqascii117o;الجديد" من المحكمة، وقال: &laqascii117o;لا أنفي هذا السيناريو اطلاقاً. هكذا تخيلته. أنا رجل عسكري واختصاصي في الحرب الثورية، أعرف كيف تكون".
لكن عون قطع هذه المرة خطوة اضافية في تأكيد صدقية تحالفه مع &laqascii117o;حزب الله" فأدخل نفسه طرفاً في الفتنة إياها التي يحذر منها، وقال لأمينه العام &laqascii117o;يريدون أن يقتلوكم مرة ثانية يا سيد"، حتى كاد الدمع ينفر من عينيه وهو يدخل مفتخراً &laqascii117o;موسوعة كربلاء".
اما &laqascii117o;القتلة" الذين يقصدهم عون فمعروفون: انهم قضاة المحكمة الدولية ومحققوها، وكل من ينتظر القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري، ومن يعتبر المحكمة مؤسسة دولية قائمة بذاتها لا يستطيع أحد أن يؤثر على قراراتها التي تبنى على حقائق التحقيق وحدها، يضاف اليهم كل الذين بقوا أحياء بعد &laqascii117o;بروفة" السابع من أيار(مايو).
كذلك اقترب عون خطوة اضافية من المرجعية الأعلى لحلفه المقدس، أي طهران، فتبنى أسلوب كشف الغيب والمؤامرات الذي يبرع فيه قادتها، ويضع العالم كله في كفة وإيران في كفة موازية، ولا يقبل ايضاً المناطق الوسطى أو الموشحة بين الاسود والابيض، فإما ان تكون مع الثورة او ضدها، وإما ان تكون مع المقاومة او عميلاً لإسرائيل. وهكذا يصبح المحتجون في شوارع طهران على تدهور معيشتهم واستلاب ارادتهم شركاء لـ &laqascii117o;الشيطان الأكبر" وجواسيس ومارقين، ويصبح من يرفض الزج بلبنان في صراع دائم وملتبس الاهداف متآمراً يستحق ان ينزل به عقاب &laqascii117o;تغيير قواعد اللعبة"، حتى لو لم يكن طرفاً فيها.
والجهد الذي يبذله عون مرة بعد أخرى لإثبات اخلاصه لحليفه وقدرته على التكيف مع كل ظرف واجتهاد جديدين، هو بالتأكيد جزء من انخراطه في منظومة اللونين التي لا تقبل ثالثاً، وتماهيه الى حد الذوبان في تحالفه، لكن الخشية هي ان يصل الامر به الى اكتساب &laqascii117o;ملكة الانتحار" التي تلوح في خلفية سلوك حلفائه داخل لبنان وخارجه.
ـ صحيفة 'السفير'
&laqascii117o;التوافق" في خدمة بيئة العمالة وتبرير التساهل /وطـن بخيانـات متبادلـة
نصري الصايغ:
I ـ بيئة العمالة و&laqascii117o;التوافق" اللبناني
نبه السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، من تفشي العمالة بين اللبنانيين. رأى الى الظاهرة وخطورتها، في مجتمع بات يعتاد على التعامل بخفة مع هذه الجريمة، ردد أن المستوى بلغ دركاً متدنّياً، في اعتبار الخيانة وجهة نظر.
حذر السيد من بيئة الخيانة، المولدة والحاضنة وأحياناً المدافعة عن عمالة. ويبقى أن ما قاله السيد، مراعياً الحساسيات اللبنانية، أقل مما يجب أن يقال، فغياب المحاسبة &laqascii117o;بقرار توافقي"، وغياب العقوبة المناسبة، لضرورات &laqascii117o;التوافق"، وتناسي الماضي، لأن لبنان لا يحتمل فتح الجراح، وألف &laqascii117o;لأن" مشابهة. لا تلجمنا عن فتح ملف، أغلقه &laqascii117o;التوافق" مراراً، حفاظاً على ما قد يتبقى من لبنان.
كان اكتشاف عميل أو جاسوس، كل عقد أو عقدين من الزمن في لبنان، يثير ردود فعل حاسمة. ومع تطور الطوائفيات ونموّها وغلوّها واكتساحها، البنى السياسية في لبنان، واستجداء هذه الطوائفيات، قوى خارجية لتدعيم مواقعها أو تنفيذ طموحاتها الشهوانية، وصلت الأمور الى استجداء إسرائيل والتعامل العلني معها، وفتح بيروت بالمدفعية المشتركة.
ماذا كانت نتيجة ذلك؟
العفو عما مضى من خيانات... لم يندم أحد، لم يعتذر أحد... لم يحاسب أحد... وصار البيت اللبناني حاضنا لخيانات بحجم اجتياحات. خرج الإسرائيلي واستمر العملاء. ثم تحرر الجنوب. وحصل تواطؤ &laqascii117o;توافقي" على المحاسبة &laqascii117o;بالتي هي أحسن"، وليس بالتي هي تستحق من عقوبة. ويحكى عن عودة عديد هؤلاء الى الحياة السياسية والطائفية، بكفاءة &laqascii117o;توافقية" نموذجية.
عقوبات يسيرة. لم يمت الذئب، ولكن الغنم قد فني.
سؤال: أي بيئة مزغولة هي البيئة اللبنانية؟ سؤال آخر: &laqascii117o;هل جرت إعادة تأهيل وطنية لمن نال عفواً بالتوافق؟ سؤال لا بد منه: &laqascii117o;كيف يجلس الجميع إلى طاولة مجلس الوزراء، بالتوافق، ويفاجأ بأن بيئات لبنان السياسية، منتجة لأردأ أنواع العملاء؟
II ـ &laqascii117o;بيت بمنازل كثيرة" مقفلة!
حدد الدكتور كمال صليبي مكان إقامة لبنان. تاريخه يدل على أن شعوبه أقامت ردحاً من أزمنة في &laqascii117o;بيت بمنازل كثيرة". وفي هذا البيت (مشروع الوطن المستحيل) شروط للإقامة السليمة، وقد كانت نادرة، ومحاذير للإقامة الحذرة، وقد كانت شاقة جداً.
غالباً ما حوّل اللبنانيون &laqascii117o;بيتهم" الى ركام، حريقه من داخله ورياحه من خارج قريب و... بعيد. هو وطن مغلق من دواخله. مقفل الأبواب في ما بينه، ومشرّع لكل ما يهب ويدب في محيطه الغريب ومحيطاته النائية.
كان لا بد من تغيير العنوان الذي ابتدعه صليبي. فبعد امتحانات لبنانية دامية، مشبعة بالأحقاد، مثقلة بالاتهامات والارتهانات، وبعد صخب الأعوام العشرة الفائتة، بما أوتيت من دفع طائفي وغلو مذهبي أفضيا الى امتناع التوافق (بلد الديموقراطية التوافقية)، والإقامة على شفا نقيضين حادين كحد السيف، بات من المنطقي تغيير مكان إقامة لبنان، المحايدة تقريباً، من &laqascii117o;بيت بمنازل كثيرة" ليصبح نزيلاً في مكان إقامة جديد: &laqascii117o;بيت بخيانات متبادلة".
...ويسألونك عن العملاء والجواسيس والخيانات! ويطيب لهم أن يجدوا في التفسير تبريراً، لا قصاصاً. وتطمئن نفوسهم، إذا توزعت الخيانات بالعدل. فالتعادل في الخيانة، مطلب وطني، حفاظاً على &laqascii117o;السلم الأهلي"، بعد خراب الروح وفقدان الصواب الإنساني.
...ويسألونك، لماذا تتكاثر العمالة في بلد، لم تكف مقاوماته المتسلسلة عن التضحية، منذ العام 1968 والعرقوب و&laqascii117o;فتح لاند"، وصولاً الى المقاومة الإسلامية، مروراً بقافلة من بواسل الأمة، بأسماء قومية ويسارية وشيوعية وعلمانية وبعثية وما فاضت به كرامة أمة؟ من أين هذا الدفق من العملاء؟
III ـ بابل الانتماءات والخيانات
&laqascii117o;بيتي بيت صلاة يدعى وقد جعلتموه مغارة للصوص"، حمل المسيح سوطه وطرد خونة البيت خارج فنائه. كانوا جمهرة من الفريسيين و&laqascii117o;أولاد الأفاعي" (وهي شتيمة غليظة لم يتورع المسيح عن استعمالها بشدة).
البيت اللبناني المتعدد، يتربى فيه شعبه على قياس نزعاته وميوله وغرائزه. يتأهل في بيئات متنابذة. مرجعيته الوطنية، مطارح ثقافية ومذهبية مضادة للوطن. الوطن وحدة ناسه على اختلافهم الطبيعي، فيما لبنان، فرقة ناسه على اختلافاتهم المصطنعة. &laqascii117o;لا بنيت من الشوك عنب، ولا من العوسج تين". البيئة اللبنانية، خائنة للبنان، وفيّة فقط، لأوصياء القبض على لبنان واللبنانيين.
ماذا يتعلم اللبنانيون في بيوتهم؟ ماذا يدرسون في مدارسهم؟ أي تربية وطنية تحضنهم؟ أي سمّ وطني يرضعون؟ أي ثقافة سياسية يتدثرون؟ أي لغة يتكلمون؟ أي بابل هذا البلد؟
نصف شعبه يخوّن نصفه الآخر. ولا براءة لأحد. إسرائيل عدو وشر مطلق لقسم من شعبه، وجار لا مفر منه (في التعبير المبرمج على النفاق) لقسم آخر. سوريا شقيق مميز، لبعضه، وشقي مميز لبعضه الآخر. فلسطين قضية مقدسة وانتماء قومي وعاطفي ووجداني وسياسي، لبعضه، وهي ذاتها، مأساتنا وفضيحتنا واختلافنا ولا طاقة لنا على الاقتراب منها، بل هي شر يلزم تجنبه.
كوندليسا رايس، شقيقة تستحق خطف قبلة لمراضاتها، وسيسون شقيقة أخرى، تستحق استقبالا حافلا، وتصفيقاً حاراً، أشد وقعاً من الترحيب بغبطة البطريرك الماروني، في معقل بكركي بالذات.
وهاتان الشقيقتان، ملعونتان في لبنان الآخر. وفي لبنان، أكثر من لبنان. فلكل منا لبنانه، النافي للبنان الآخر.
أليس من هنا تنبت السياسة، ومن ذيول السياسة هذه، يصير الحرام حلالاً، وما هو على ذمة الحلال يتحوّل حراماً.
فأي وطن هذا الذي ليس فيه مواطن واحد ينتمي إليه من خلال علاقته المباشرة به... كل مواقف لبناني، مدعي وطنية. وطنه طائفته، فإن ذهبت شرقاً شرّق معها، وإن غربت غرّب بها. وأن تدولبت، مثل دواليب الهواء، دار معها 360 درجة.
هذا في الأساس، أما في مفارق الحياة، فأي ثقافة تسود اليوم، خارج بيئة المقاومة ومن معها؟ في أي بيئة اقتصادية يعيش اللبناني: &laqascii117o;ثقافة الربح السريع. الحياة سلعة. القيم سلعة، العلم سلعة. الدين سلعة". كل ما يمت الى &laqascii117o;الفاست فود" هو لبنان اللبنانيين. يريد اللبناني أن يصير ثرياً، إما بهجرة مبشرة، وإما بصفقة مدبرة، وإما بمفسدة مقررة، وإما بسمسرة غب الطلب... يعيش اللبناني وفق نمط بطلت فيه القيم، بل خسفت فيه الأخلاق. فصاحب القيمة مذموم ومرذول ومهان، وصاحب الأخلاق متخلف وغير عصري ويحكي كلاماً منفوخاً.
بعضه، هذا اللبنان، يتباهى بأنه يدوس على القيم والقوانين، ولا يقيم وزنا إلا للثروة، ولا يستطيب إلا &laqascii117o;الدفع الرباعي" في السياسة والوطنية والاقتصاد والسيارات، فأي مواطن تستولده هذه البيئة؟ أي ضمانة يتسلّح بها، كي لا ينزلق إلى اللاوطن؟
IV ـ من يعلّم الناس الحرام؟
حلم اللبناني الحديث، أن يترك وطنه. يحلم بالسفر والهجرة، وكسب جنسية ثانية، خوفاً من غدر الأزمنة اللبنانية. جيل بعد جيل، يترك اللبنانيون لبنانهم يأساً منه، ومن سياسييه ومن سياساته... حتى الطوائفيون يخونون طائفتهم ويخلعون عنهم لبنان، من أجل، إما لقمة عيش كريمة، وإما لبذل كرامة للقمة لئيمة، في مغترب يستحوذ على جهدهم وعقلهم وعطائهم.
ويأس اللبناني الحديث من إصلاح &laqascii117o;بيته بمنازله الكثيرة"، يأس مبرم، لا جدال فيه. هو يائس من السياسة. يعرف بحسه أنها فاسدة، ولو كان شريكا فاعلا فيها، بدافع غريزته الطوائفية، يعرف انه في خضم صراعه الطوائفي، لن يصل إلى إصلاح. إذا تعاطى السياسة، فبكيدية فالتة، وليس بهدف سياسي يرجح العمل الوطني. يائس من إصلاح أدنى مرفق حيوي. يائس من الضوء، من الماء، من التعليم، من سوق العمل، من الطرق، من الريف، من المدينة، من &laqascii117o;ثورة العقارات"، من أرباح المصارف...
ويولّد اليأس الكفر بالوطن، ولو كان وطنه روحياً في مصاف القديسين.
... ويسألونك، لماذا هذا الكم والنوع من العملاء؟ ولماذا لا يسألونك مثلا عن هؤلاء الذين لم يسألهم أحد، أو لم يجرؤ أحد على سؤالهم: &laqascii117o;من أين لكم هذا وذاك وذلك وهكذا دواليك"؟
نعم. من أين؟ كيف؟ وبأي سرعة؟ وفق أي قانون؟ وطن سائب يعلّم الناس الحرام.
ثم، لا يحلم اللبنانيون أحلاماً متشابهة. من يحلم بالتحرير لا يجد شريكاً له، من مضارب الأحلام الأخرى، لكل طائفة أحلامها. يفتش اللبناني عما يَتّهم به لبنانياً آخر من غير طائفته وملته ومنبره السياسي. يريد أن يلصق به تهمة. عالم السياسة في لبنان ممتنع عن البراءة. الكل يتهم الكل، وعليه، اللبنانيون في معظمهم، إما إيرانيون أو سعوديون أو سوريون أو أوروبيون عالميون أو من أتباع &laqascii117o;المجتمع الدولي" بقيادة باراك أوباما بوش. كوم.
ولائحة الاتهام الســياسية بلغــت من الغلوّ أن بات كل فــريق، من فريقي السلطة، يتهم عن جد، وبفعالية، وبشدة، بأنه مســيّر، ولا وجود ذاتياً له. فالمقاومة إيرانية ـ سورية، تسليحاً ونقداً، وجماعة 14 آذار، كلهم، من جماعة آل سعود، نقداً وعداً وعديداً (بلا عدة). والبعض لا يشرب إلا من النبع العالي، من واشنطن تحديداً.
وعليه، فإن من كان يتهم سوريا بقتل الحريري، يطيب له، بعد فشل التهمة الأولى، أن يكون حزب الله هو المتهم، وأن بلمار على حق، حتى ولو أخفى في إضباراته ملف شهود الزور.
أي لبنانيين هؤلاء الذين لا يعيشون إلا على التخوين المتبادل، أي بيت هذا البيت الذي تتربى فيه الخيانات المتبادلة، إلى حد تعليق لبنان برمته، على منعة الإعدام. كما حدث بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ثم... وبناء عليه... فإن أجهزة الدولة المختصة بالكشف عن العملاء، مختصة أساساً في إيقاع الخصوم الطائفيين، في مصيدة الاتصالات، التي قد تقدم حجة على تورط عناصر من حزب الله، في الجريمة.
V ـ القرار الظني.. والظن به
يعيش اللبنانيون أياماً عصيبة. يسألون عن موعد الفتنة. يحيون إرهاصاتها، قبل إعلان القرار الظني. قرار يصوّب على عناصر حزب الله، بعدما كان متوقعا بشدة، منذ سنة تقريباً، أن يصوب على سوريا.
قيل، وللقول أرجحية هنا، إن ملف الاتهام الأول (وهو لم يصدر) تم وضعه وتصنيعه وتبويبه وتلقينه، من خلال قوى لبنانية، تعاونت مع شهود زور معلنين ومعروفين، لتدبيج شهادات أخذت التحقيق في اتجاه اعتقال أربعة ضباط، واتهام النظام السوري بالجريمة.
وفشلت المحاولة. أطلق سراح الضباط، وسراح شهود الزور لا يزال طليقاً. لم يستدعهم أحد. ممنوع المساس بهم. محرّم تسليم ملفاتهم، كي لا تكشف المحاكمة الخيانة الكبرى التي ارتكبها كبار جداً، في علم التزوير.
وقيل أيضا، وفي القول أرجحية، إن الاتجاه الراهن للقرار الظني، قد تم رسمه وتخطيطه وتبويبه وتلقينه، من خلال القوى اللبنانية ذاتها، فبرّأت سوريا، وقدمت رزمة من الشواهد تقوم على اتصالات قام بها أعضاء ينتسبون إلى حزب الله.
ليس شربل ق. ومن قبله ومن بعده، سوى أدوات تنفيذية صغيرة، في عملية تزوير كبرى، تجري في أقبية محلية، تتنصت وتحلل وتلصق التهم بالمقاومة.
ليس للخيانة دين أو مذهب؟
صح.
لكنّ لها عمقاً في ثقافة لبنان السياسية. ثقافة تسمح لفريق لبناني بطعن فريق آخر... كلما سنحت له قوة خارجية تساعده.
ـ 'النهار'
رداً على الغمز من قناة 'حزب العائلة' / عن الثوريين المتحدين وأتباعهم
أيمن جزيني (مدير تحرير موقع 'المستقبل' الالكتروني – كاتب سياسي):
(تنشر 'قضايا النهار' القسم الاول من مقالة الزميل جزيني التي ترد على بعض ما ورد في محور الامس حول 'المؤتمر التاسيسي لتيار المستقبل'. أما الجزء الثاني الذي لم ينشر بسبب ضيق المساحة أساساً، فهو يتعلق بشرح أفكار وشعارات لتيار 'المستقبل').
ثمة في لبنان ثورة على الموضة، ثورة رائجة. بعض الصحافيين والمفكرين، (صفة المفكر تنطبق على اشتغال هؤلاء بالأفكار وليس على قيمة أفكارهم المعرفية)، يعشقون اعطاء انفسهم صكوك براءة ثورية.
وفي هذا الإطار تأتي الأفكار التي طرحت في مقالي الكاتبان فارس اشتي وطلال منجد في صفحة 'قضايا النهار' أمس حين تحدث الدكتور اشتي عما أسماه 'محورية القائد/الزعيم' بينما غمز الزميل منجد من قناة 'حزب العائلة'.
المسار الثوري والمتقدم والحداثي بالنسبة للبعض إذن، يتلخص في اعتراضهم على وراثة الزعامات والوجاهات كما تورث الأملاك المنقولة وغير المنقولة. يرون في هذا الضرب من الوراثة ما يؤخر البلد عن التقدم ويمنع اتصاله بالحداثة. مع ذلك لا يفت في عضدهم انهم يختارون ضحاياهم الفكرية بعناية. ينتقون بدقة في ما بينها ويسبغون على بعضها صفات ثورية وتقدمية، ويمنعونها عن البعض الآخر.
وهناك ايضاً معلم آخر من معالم الاحتجاج الذي يجيدونه: إذا كان الوارث يملك من متاع الدنيا ما يؤهله لاكتساب صفة رجل الأعمال الثري، تصبح قضيته أسوأ. ولا يعود امامه من مجال لدخول جنة الحداثة والتقدم والثورية. الثورة والتقدم بالنسبة لهؤلاء تتعلق بالإرث اكثر مما تتعلق بالصيرورات التاريخية، هذا في لبنان والعالم العربي فقط. اما إذا سألتهم تطبيق نظرتهم الضيقة هذه على اميركا مثلاً، يحجمون. لأنهم لا يستطيعون منح العصاميين الاميركيين هذه المنحة، بنجامين فرانكلين مثلاً لا يستطيع ان يكون ثورياً وحديثاً، لأنه أميركي، مع أنه كمثل معظم مقدمي أميركا عصامي كامل الصفات.
الأحكام تتصل بلبنان والعالم العربي فقط. والنتيجة واضحة: يستحيل ان يخرج من صلب الزعيم زعيماً، او من صلب المفكر مفكراً. على أي حال، ربما يجب ان نستثني الاستاذين غسان تويني وجميل مروة وغيرهما كي يستقيم منطقهم على أكمل وجه. هؤلاء جميعاً هم ابناء صحافيين مبرزين، ولم يمنعهم إرثهم الغني من ان يصبحوا ما هم عليه اليوم.
في السياسة، الأمثلة ابرز وأكثر حدة، ريمون اده هو ابن اميل اده، ومصطفى سعد ابن معروف سعد، ووليد جنبلاط ابن كمال جنبلاط، والمير طلال ارسلان ابن المير مجيد. لنكتف بضرب الأمثلة في هذه الجهة، ذلك ان مفكري البلد الثوريين وصحافييه الغاضبين، لا يتذكرون هؤلاء. يحبون الانتقاء والاختيار، ويديرون اذن الجرة نحو الجهة التي تناسبهم. لذا لا تهدف هذه الأمثلة إلى اثبات عبقرية اي من المذكورين أعلاه، بل لتهفيت حجج الثوريين التقدميين.
لنذهب ابعد من الاسماء والألقاب. الثوريون المتحدون وتابعوهم يجدون في هذه الحجج سبباً وجيهاً لإعدام مستقبل البلد. كيف يمكن ان يكون المستقبل مشرقاً، إذا لم يكن ثمة تغير في وجوه الزعامات وتبدلاً حاسماً في أسمائهم؟ مع ذلك قامت الدنيا ولم تقعد على توزير السيدة ريا الحسن: من هي هذه المرأة التي كلفت بإدارة المال العام؟ لا بأس ان يصبح الدكتور حسين الحاج حسن وزيراً، اما ريا الحسن، مع ان الاسم مناسب، بل مطابق، فليست اهلاً لمنصبها. ثم يعترضون على الدور الذي يؤديه احمد الحريري في 'تيار المستقبل'، لكنهم يرون في تصريح العماد ميشال عون الشهير، يوم قال: 'كرمال عين الصهر ما تتشكل الحكومة'، قوة شكيمة وشجاعة تليق بقادة الثورات. يعترضون على لغة السيدة نايلة معوض، لكنهم يرون سليمان فرنجية فصيحاً: 'هوي هيك، يعبر بطريقته ويجيد التعبير عما يريد التعبير عنه'. ويغمزون من ثقافة فؤاد السنيورة ولغته العربية السليمة، لكنهم يؤلهون فصاحة رئيس 'كتلة الوفاء للمقاومة'.
مفهوم ان يكون لكل طرف سياسي او معنوي او اي شخص الحق في الاعتراض على من يشاء بالحجة التي يريد ويراها مناسبة. وليست هذه الانتقائية التي يعتمدها هؤلاء مما يمكن استهجانه في الحياة السياسية اللبنانية. لكن هذا لا يمنع ان يطالب هؤلاء بالكف عن استجداء الثورات والأفكار التقدمية لإصدار أحكامهم في حق فئة محددة من السياسيين او الصحافيين. والحق ان في هذه الانتقائية ظلماً ما بعده ظلم. ذلك ان تصدر بعض قادة '14 آذار' في المشهد السياسي العام، لم يحصل بسبب انتماءاتهم العائلية او الطائفية، بمقدار ما كان تعبيراً صادقاً عن طموحات وتطلعات فئة من اللبنانيين. قبل العام 2005، وقبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري تحديداً، لم يكن ثمة في البلد من يستطيع ان يقدّر ان اي قائد او زعيم في وسعه جمع عدد هائل من اللبنانيين في ساحة واحدة، للاستماع إلى خطابه وما سيعلنه من مواقف.
المسألة ان استشهاد الرئيس الحريري وضع البلد برمته على المحك، وكان لا بد من انتاج خط سياسي، او خطوط سياسية متباينة ومختلفة، تعبر عن رؤيتها لمستقبل البلد بمعنى من المعاني. هذا ما حدث في '14 آذار' تحديداً، وهذا ما حدث بشكل او بآخر في '8 آذار'. وأسباب الشك والالتباس في ما يخص تجمع '8 آذار' لا تتعلق بحجم الحشود بمقدار ما تتعلق بطبيعة الخطاب السياسي الذي يصدر عن هؤلاء.
لنتذكر انه ما خلا حزب الله المستجد على الساحة السياسية، بمعنى انه اكثر الاحزاب فتوة، ليس ثمة في هذا التجمع قوى سياسية يمكن القول انها انتجت جديداً على مستوى الخطاب السياسي. الحزب القومي السوري الاجتماعي هو هو منذ عقود، والتنظيم الشعبي الناصري على حاله منذ أزمان، والاتحاد الاشتراكي العربي يجتر مقولات فارغة، ولا تنفع طلاقة لسان السيد ناصر قنديل في تغطية السموات بالقبوات. الخطاب هو نفسه منذ عقود، وليس ثمة ما يمكن إضافته.
بصرف النظر عن رأي الثوريين المتحدين بطبيعة خطاب '14 آذار' واستهدافاته، فهذا أمر يمكن مناقشته بروية وهدوء في محطة أخرى، إلا أن ما يعجز هؤلاء عن التصدي له يتعلق بحداثة هذا الخطاب في الحياة السياسية اللبنانية. وربما لهذا السبب بالضبط يواجه هذا الخطاب بحملات تخوين لا تنتهي. ولهذا السبب تحديداً، يرتاب فيه الثوريون المتحدون، ويصوبون سهامهم عليه.
خطاب قوى '14 آذار' مستجد وحديث في الحياة السياسية اللبنانية، لأنه خطاب تأسيسي بكل المعاني، فهو خطاب ينطلق من مسلمة ان البلد يعاني من مشكلات لا حد لها، وان ليس ثمة من استطاع ان يجترح حلاً وخطاباً ينقذ البلد من عثراته التي ولدت معه. حتى خطاب حزب الله نفسه، صاحب انجاز التحرير من الاحتلال الإسرائيلي هو خطاب ناقص، لأنه يحرر لبنان من إسرائيل لكنه يستسلم استسلاماً تاماً أمام موجبات ورغبات الجيران والأصدقاء.
قد يكون خطاب '14 آذار' متعثراً في بعض المحطات، لكنه المحاولة الوحيدة في العقود الأخيرة التي تنطحت لحل هذه المعضلات كافة. على هذا ليس موضوع السيادة والحرية والاستقلال، الذي يتندر عليه صحافيو '8 آذار'، موضوعاً منجزاً ومحسوماً. لطالما كان هذا الموضوع شائكاً ومتعباً، ولطالما عرف قادة '14 آذار' وجمهورها ان الطريق إلى تحقيق هذا كله هي طريق جلجلة هائلة، فكرياً وثقافياً وسياسياً ونضالياً. لكنه طريق يستحق ان يسلك.
ـ 'النهار'
رسالة إلى أركان الحوار
نايلة تويني:
ما دامت المشاورات التي باشرها رئيس الجمهورية مع الزعماء السياسيين محصورة، كما يبدو، بأركان الحوار الوطني سعياً إلى إعادة التهدئة السياسية والإعلامية في البلاد، فإننا نضع بين أيدي الرئيس وهؤلاء الأركان بعض الحقائق الأساسية التي برزت إلى الواجهة خلال موجة التصعيد الأخيرة:
أولا: نذكّر أركان الدولة وأركان الحوار جميعاً بالتزاماتهم المقطوعة، على الأقل منذ اتفاق الدوحة، مروراً بجولات الحوار المتعاقبة، وصولاً إلى البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية، إذا كانت هذه التسمية لا تزال جائزة وتتسم بالواقعية. هذه الالتزامات تفرض بالحد الأدنى، واجب اعتماد الصراع السياسي السلمي الديموقراطي، أياً تكن الظروف، وتالياً التسليم للدولة بإدارة هذا الصراع عبر مؤسساتها، وليس عبر اللجوء مجدداً إلى الشارع. وهذه الالتزامات توجب على الجميع ترجمة ما يتحفوننا به ليل نهار من وعي لمخططات إسرائيل، ومعنى ذلك أن أي فتنة داخلية أو تهويل بفتنة هو خدمة كبرى تقدّم إلى الدولة العبرية. فما الذي استجد اليوم حتى يعود التهويل وتكبير الكلام وإرعاب الناس بالفتنة؟ وأين الالتزامات والوفاء بها، وما قيمتها إذا كانت كل هبّة سياسية تستطيع بالتهويل العودة إلى الشارع؟
ثانياً: إن المحكمة الخاصة بلبنان تمثل لشريحة كبيرة من اللبنانيين الأمل الوحيد في وضع حد نهائي وحاسم لجرائم الاغتيالات وكشف حقيقة من اغتال شهداء لبنان، ولن يغير هذا الاقتناع أي شيء وأي تطور، والمحكمة وحدها معنية بأن تثبت صدقيتها الكاملة وتجرّدها الكامل، وهذا استحقاقها أمام المجتمع الدولي الذي أنشأها. والقضية الجوهرية للمحكمة هي كشف الحقيقة فقط ومعاقبة من اغتالوا الشهداء، وليس الاضطهاد السياسي لأي طرف بريء. في هذه الحال لا يعقل التسليم بمحاكمة المحكمة سلفاً، وهي لا تزال في طور التحقيق وحتى قبل أن يصدر القرار الاتهامي. ولبنان الرسمي التزم هذه القاعدة بإبرامه تفاهماً مكتوباً مع المحكمة، وبإدراج توافقه على هذا التفاهم في البيانات الوزارية المتعاقبة، وأي خروج عن هذه القاعدة يعني إطلاق رصاصة الرحمة على لبنان الدولة كلاً أمام العالم.
ثالثاً: إن أركان الحوار معنيون بدرجة اكبر بوضع حد حاسم لموجة الترهيب والتهويل الإعلامية والسياسية والنفسية التي ترافق هذه الموجة التصعيدية، والتي تكشف نيات مبيّتة يراد من ورائها العودة بلبنان إلى أيام شبيهة بعهد النظام الأمني المشؤوم. وللتذكير فقط، فان الشعب اللبناني الذي استشهد من اجل حرياته مَن استشهدوا، والذي صمد وقهر احتلالات ووصايات وأنظمة غاشمة، لن يرضخ بطبيعة الحال لأي ترهيب يأتيه من الداخل، ولكنه ايضاً لا يرتضي لأي طرف في الداخل أن يفرض نفسه على شركائه في الوطن من طريق الترهيب.
ـ 'النهار'
النضج لا القوة
علي حمادة:
لا يختلف اثنان في لبنان على ان خطاب السيد حسن نصرالله الاخير الذي ألقاه في مناسبة 'يوم جريح المقاومة' خطير للغاية، وقد تضمن جملة مواقف اهمها اعلان الحرب على التحقيق الدولي والمحكمة، مستبقا بذلك القرار الظني الذي يتوقع صدوره خلال السنة الجارية. وجاء اعتبار نصرالله القرار الظني مفبركاً، واتهام المحكمة بأنها اداة اسرائيلية تعمل في سياق استهداف 'حزب الله' توطئة لما سيكون عليه الوضع في المرحلة المقبلة، وخصوصا اذا ما تم ادراج اسماء عناصر او مسؤولين من الحزب في عداد المشتبه فيهم بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومن هنا فإن قول نصرالله إن حزبه عصي على الاختراق يعني بالنسبة الى كثيرين احد امرين: اما ان القيادة لا تعرف كل ما يجري تحتها، واما انها حقيقة لا تخترق فيكون اي متورط من العناصر او القيادات الامنية جزءاً من قرار الحزب نفسه!طبعا هذا الامر لا ينطبق إلا في حال تضمين المدعي العام دانيال بلمار قراره الظني اسماء واتهامات تمس الحزب، واستطرادا في حال انتهاء المحاكمات بالادانة والحكم.
ليس صحيحاً ان احداً في الخط الاستقلالي يعرف مضمون القرار الظني، وما من احد يعرف ما اذا كان سيتضمن اسماء عناصر او مسؤولين من 'حزب الله' في دائرة التورط والضلوع. وبالتأكيد فإن كلام رئيس اركان الجيش الاسرائيلي غابي اشكينازي الذي يتوقع فيه صدور القرار الظني في ايلول المقبل، وبالتالي حصول قلاقل في لبنان، لا يعكس بالضرورة معلومات فعلية اكثر مما يعكس رغبة اسرائيلية في المساهمة بتوتير الوضع اللبناني الداخلي، عبر مزيد من تورط 'حزب الله' في نزاعات داخلية، وهو يعطي الحزب وحلفاءه مادة دسمة يمكن استغلالها لرفع منسوب التوتر المذهبي والطائفي المؤدي الى عنف مؤكد ما لم يتوقف 'حزب الله' عن التوتير والشحن. فجريمة اغتيال رفيق الحريري لا يمكن ان تمر مرور الكرام كائناً من كان الطرف المتورط، في الخارج ام في الداخل. والامر لا يتعلق بسعد الحريري، ولا بوليد جنبلاط بل بكون لبنان لا يمكن ان يستمر في سلوك سياسة النعامة الى ما لانهاية ازاء جرائم قتل كبرى بدأت مع كمال جنبلاط واستمرت مع قادة كبار آخرين وصولا الى الحريري وسائر شهداء ثورة الارز. وتعامل 'حزب الله' مع توتره وخوفه من القرار الظني لا يمكن عبر طرح معادلة 7 ايار جديدة بوجه اللبنانيين. واللعب بالنار والنجاة منها مرة لا يصح في كل مرة. من هنا كان على السيد حسن نصرالله ان يتوقف قليلا عند حقيقة سيكتشفها مع الوقت ومفادها ان القوة عنصر مهم في لبنان، ولكن الاهم هو ان يكون لك اصدقاء. و'حزب الله' حاضراً يفتقر الى اصدقاء في لبنان. وهو معزول في الخارج، ويشعر بوطأة العقوبات التي بدأت تطبق جديا على الجمهورية الاسلامية في ايران.
ان العمل في الداخل اللبناني يحتاج الى نضج، والقوة لا تأتي بالنضج حكماً بل ان النضج يمنح قوة في زمن الضعف، ويمنع جنوح القوة نحو الانتحار في زمن الاحساس بالانتشاء بالقوة. ونحن اليوم في مرحلة تحتاج الى نضج اكثر منها الى النشوة. انها مرحلة معقدة يمكن ان تودي بالقوي نحو الهاوية ما لم يدرك ان نظرية البشر فوق البشر انتهت مع النازية قبل نحو سبعين عاما.
ان الهجوم على المحكمة باستغلال كل كبيرة وصغيرة ولا سيما على مستوى جواسيس اسرائيل في قطاع الاتصالات، والموقف المسبق من القرار الظني، والوعد بالتصعيد ضد ما يسمى اليوم 'البيئة الحاضنة للعملاء'، لن تؤدي الى تخويف اللبنانيين بل ستعمق الهوّة بين معظم اللبنانيين و'حزب الله' ايا تكن صفته التمثيلية. فالتحكّم بطائفة شيء، اما التحكّم بكل اللبنانيين فأمر آخر، وبعض التملّق والمداهنة من هنا وهناك لا يختصران حقيقة مشاعر اللبنانيين تجاه فريق يصر على مجافاة النضج والحكمة في التعامل مع الواقع اللبناني. فلننتظر ونر.