ـ صحيفة 'الأخبار'
دراما الحريري وحزب الله
حسان الزين:
في هذه المرحلة التي تحمل عنوان انتظار القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية في شأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تُقاس درجة حرارة حزب الله بالمسافة بينه وبين سعد الحريري.
المسألة، والظروف، إذاً، صعبة ودراميّة ومشوّقة. فسعد الحريري في موقع من يريد الحقيقة، فيما حزب الله، وفق المعلومات أو ما يُقال إنه معلومات، هو أو عناصر منه أو مقرّبون منه، في موقع المتَّهم. ويشاء هذا السيناريو المفتوح على الاحتمالات أن يَشعر حزب الله باستهدافه، وأن يقف سعد الحريري في دور الساكت عن طمأنة المتهم والتقدّم في اتجاهه، وأحياناً في دور المصرّ على تركه يواجه قدره وحيداً مهما كان الثمن، وأحياناً أخرى في دور المتجاوز له نحو محاولات لإعادة رسم الخريطة السياسيّة في لبنان والمنطقة من دونه، بل على حسابه.
سعد الحريري في هذا لا يبدو في صدد الخروج عن النص والتسلسل الآلي لعمل المحكمة، ويبرّد أعصابه ويدوزن إيقاعه تحت شعار ترك المحكمة تأخذ مجراها ولا شيء سيحصل خارجها، ولا سيما إذا جرى التوافق مع سوريا... فهذا سيُنتج إمساكاً للوضع.
هذه هي الدراما. والعقدة تفرض نفسها تحت وطأة الصراع الحاد والقاسي بين مسار المحكمة والعدالة من جهة، وخيط الأخوّة في الوطن أو في الدين من جهة أخرى. وتفترض هذه العقدة الدرامية التي تُحضر معها عقدة أوديب وعقدة قميص عثمان، وربما غيرهما، بعض المشاعر والنزاعات الداخلية النفسيّة والأخلاقيّة، لكن حتى اللحظة لا يظهر على سعد الحريري أيٌّ من هذا. وهكذا، تنتقل الكاميرا إلى حزب الله وسيّده حسن نصر الله حيث الدراما والمشاعر والحركة.
هنا التشويق والثراء المشهدي العاطفي والمخزون التراثي الكربلائي الطويل والعميق ومحطّاته القريبة زمنيّاً.
في المقابل، لا يعني انجذاب الكاميرا إلى حزب الله وسيّده أن الجهة الأخرى من المسرح جامدة. ثمة فيها، سرّاً وعلناً، حركة درامية من نوع آخر. ففي موازاة تنامي الفعل الدرامي على جبهة حزب الله، تتحرك الخيوط الدرامية للمستقبل. هنا، يضع اللمسات الأخيرة لحزبه، وهناك يرمم العلاقات مع سوريا، وهنالك المحكمة تسير في خطوات قدريّة أقرب إلى الموسيقى التصويريّة. وبين هذه وتلك، وبين هنا وهناك وهنالك، الصراع الإقليمي والدولي... وإيران محاصرة مستهدفة وحزب الله في الواجهة.
وسط هذا، غدت حركة سعد الحريري وملامحه غنيّة، باتت مركزَ الغموض الدرامي وإحدى ألعابه التشويقيّة. فالبرودة معه باتت تقول الانتظار الذي يُخفي ما هو آتٍ؛ والصمتُ موعد مع النطق؛ والمشي المتأنّي المتأنّق تأجيج للغموض والإثارة؛ والسفرُ حياكة في الكواليس؛ والظهور في الصورة رسالة؛ والغيابُ دفع للآخرين إلى المقدّمة والمنبر؛ والكلام العام توجيه للتفاصيل... الخ. كل هذا، يستبطن توتّراً مصدرُه صعوبة اللحظة وخطورتها والاستعدادات النفسيّة والمعرفيّة لهذه الشخصيّة الدراميّة، إضافة إلى تركيبة بيتها المستقبلي والآذاري وما في هذا من تعدّد رؤوس واتجاهات ومصالح.
تختزن هذه الحلقة الدرامية العديد من الإشارات والخيوط. ثمّة ما يوحي بأن طبخة ما يجري إعدادُها في المنطقة، وصفتُها جذبُ سوريا من إيران بإعطائها دوراً في العراق... وفي لبنان. والهدف من هذا محاصرة حزب الله وحلفائه.
وبمعزل عمّا إذا كان هذا صحيحاً أو لا، وعمّا إذا كان الرهان على تحقيقه سذاجة أو ذكاءً، وعمّا إذا كان حان وقته أو لا، إنّه خيط ترقص عليه الدراما. وهذه دخلت مرحلة جديدة بإيقاع أسرع، إلى درجة أنها تبدو في أحيانٍ كثيرة بحاجة إلى أكثر من شاشة.
أخيراً، ليس المقصود بالقول إن حرارة حزب الله تقاس ببعد الحريري عنه أي إشارة عاطفيّة تذكّر بالأغاني وتعطي الحريري امتيازاً. الأمر ليس كذلك، فحرارة الحريري نفسه، وآخرين كثيرين، باتت من حرارة حزب الله وسرّها وريموت كونترولها في يد حزب الله، ولا سيما مع إطلالات نصر الله الذي لا يمكن سعد الحريري أن ينافسه.
ـ صحيفة 'النهار'
مهمّات مستعجلة للأمنيّين!
راجح خوري:
مرة اخرى يقف لبنان على فوهة بركان. ومرة اخرى تغرق البلاد في موجة متصاعدة من الاحتقان والتوتر. مرة جديدة يصل منسوب القلق الى السماء، بعدما تم ضبط 'الانفجار الكبير' على دقات ساعة القرار الظني، الذي يفترض ان تصدره المحكمة الدولية في الاسابيع المقبلة كما قيل.
ليس هناك اي مبالغة في تصوير هذا الواقع المؤسف. يكفي ان يقرأ المواطن في هذا البلد السعيد، التصريحات والاتهامات والتحليلات والسيناريوات، لكي يتحسس رأسه ويتخوف من ان تنفجر الارض من تحت اقدامه في اي لحظة!
وعندما يقرأ اللبنانيون ان حوادث 7 ايار من عام 2008 ستكون 'مجرد نزهة'، مقارنة بما قد يجري من تحرك للسلاح والمسلحين، اذا وجهت المحكمة الدولية، الذي يتهمها السيد حسن نصرالله بانها اسرائيلية، على خلفية اختراق العملاء الاسرائيليين لأجهزة الاتصالات. ثم عندما يقرأون تصريح 'قيادات' تدعو الى قلب الطاولة، فان كل ذلك يعيد بناء ما يمكن ان نسميه 'البيئة الملائمة' لإشعال الفتنة البغيضة بين اللبنانيين، وهو ما عرفه هذا البلد في بدايات 'الحرب الاهلية' ومع فصولها وجولاتها... ويا للعار!
لن نتوقف اطلاقا عند الجدال القائم بين 'حزب الله' وقوى 14 آذار على 'البيئة الحاضنة' و'إسرائيلية المحكمة'(!) وما الى ذلك من عناوين استباقية. نريد تحديدا الحديث عن 'البيئة الملائمة' للتخريب والتفتين ومحاولة اشعال نيران الحرب الاهلية، وخصوصا بعدما وصل الاحتقان الى حدود مقلقة جدا.
نريد ان نوجه الكلام تحديدا الى الساهرين على الامن في لبنان. الى الاجهزة المتنافسة حتى حدود الغيرة والحسد، في تعقب الجواسيس والعملاء واعتقالهم. نريد هذا لان مسؤولية الامنيين في لبنان باتت الآن مضاعفة في خطورتها ودقتها.
فاذا كان رصد العملاء والجواسيس والقبض عليهم امرا ملحا ومصيريا، لانهم يكشفون الوطن امام العدو الاسرائيلي ويعرضونه لكل الاخطار والمؤامرات، فان رصد المخربين والقتلة والمفخخين الذين يدفعهم العدو بالتأكيد الى اشعال الفتنة، بارتكاب جرائم يراد من ورائها اغراق البلاد في حمى الدم والعبثية والجنون...
ان رصد هؤلاء وضربهم في مهد تآمرهم هو ايضا امر في منتهى الاهمية والضرورة.
ان تصاعد وتيرة الاحتقان وهبوب رياح الانقسام والبغضاء، وغرق البلاد من اقصاها الى اقصاها في هذه المشاعر الملتهبة، توفر بلا ريب 'البيئة الملائمة'، التي تجعل من اي جريمة مدروسة يرتكبها العملاء شرارة لإشعال الفتنة!
واذا كان لبنان مسرحا مفتوحا للجواسيس والعملاء الذين يظهرون كالفطر، فان في وسع العدو الاسرائيلي الذي يريد دائما اغراق لبنان في الفتن والحروب الاهلية، ان يدفع عملاءه لارتكاب جريمة او سلسلة من الجرائم المدروسة هنا او هناك، هدفها الايحاء الخبيث، ان هذه الفئة من اللبنانيين هي التي نفذتها على خلفية طائفية او مذهبية.
وعندما نتحدث عن 'البيئة الملائمة' لإشعال الفتنة، الآن، فلأننا نريد ان نذكر المسؤولين في هذه الدولة البائسة وزعماء الاحزاب المتطاحنة، والساهرين على الامن في كل الاجهزة، بأن الجرائم المفتعلة هي التي دفعت اللبنانيين الى المتاريس في الماضي، وبان الجثث التي كانت تلقى هنا وهناك في السبعينات، هي التي اشعلت حرب المجانين التي استمرت عقدين من الزمن.
أمس عثر على جثة قتيل والى جانبها ورقة كتب عليها 'هذا مصير العملاء'، ثم سرعان ما تبين انها مجرد جريمة فردية تتصل بـ'علاقات شخصية'. هذه الورقة التي تركها القاتل عند الجثة تشكل رسالة تنبيه الى ان البلد المخترق بالعملاء الاسرائيليين الى هذه الدرجة، والغارق في الاحتقان والتوتر الى هذا الحد، عليه اساسا ان لا يوفر 'البيئة الملائمة' التي تساعد الاعداء في اشعال برميل الضغائن والبارود، وعليه الآن ان يتنبه اكثر للعملاء في الاتصالات وفي محاولات اشعال الفتنة!
ـ 'النهار'
الوضع الحساس يرتبط بتفاعل الإتهامات للمحكمة الدولية
خطوات إستيعابية أجابت عن تساؤلات نصرالله
روزانا بومنصف:
قدمت الحكومة اللبنانية في الايام الاخيرة مجموعة من الاجوبة عن الاسئلة التي أثارها الامين العام لـ'حزب الله' السيد حسن نصرالله في خطابه الجمعة الماضي في 16 تموز الجاري وصعد فيه الحملة على المحكمة الدولية واصفاً إياها بأنها مشروع اسرائيلي. وهذه الاجوبة طالت من حيث المبدأ التفاصيل دون الجوهر باعتبار ان ما اثاره السيد نصرالله في موضوع التسريبات يتناول وسائل اعلام خارجية، فضلاً عن المواقف الاسرائيلية في هذا الشأن.
والمخرج الذي بدا ممهدا لتهدئة موقف الامين العام للحزب اتصل بثلاثة امور على الاقل كان أثارها في شكل اسئلة او تحذيرات وتلقى اجوبة عنها. هذه الاجوبة كانت علنية في غالبيتها على رغم انه من المحتمل انها وصلت اليه على نحو مباشر نتيجة اللقاءات التي عقدها والاتصالات التي أجريت معه. فشعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي قدمت تقريرها في شأن دورها في كشف المتهم بالعمالة لاسرائيل في شبكة الاتصالات على نحو رسمي، كما نشر اعلاميا توضيحا لمسار الامور ومآلها والثغرة التي تمثلت في اداء وزارة الاتصالات وتلكؤها في التجاوب مع طلب شعبة المعلومات . وقد فتحت هذه الثغرة الباب على تنافس ظاهري وواقعي بين الاجهزة الامنية في لبنان.
الامر الآخر تمثل في موافقة مجلس الوزراء على رفع تقرير تفصيلي عن شبكات التجسس الاسرائيلية الى مجلس الامن باعتبارها خرقا للقرار 1701 واعتداء على لبنان. ومع ان هذا الامر يلبي حاجة مهمة للدولة اللبنانية ككل وليس لـ'حزب الله' فحسب، فقد كان لهذا الاخير تحفظات كبيرة عما اورده الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون في تقريره الاخير عن القرار 1701 بادراجه موضوع شبكات التجسس ووصفه إياها بانها مزعومة، كما لو ان في الامر تشكيكا دوليا في صحة كشف شبكات التجسس الاسرائيلية في لبنان، وفق ما رأى وزراء الحزب. ويقتضي الامر ان يرسل لبنان في المرحلة المقبلة تقارير موثقة عن شبكات العملاء بحيث تشكل مستنداً مؤكدا لأي انتهاك اسرائيلي للقرار 1701. وهو الامر الذي يعني ايضا ان الحكومة اللبنانية تطمئن السيد نصرالله الى انها تولي موضوع العملاء وشبكات التجسس اهمية موازية لتلك التي يوليه إياه الحزب ولا حرج لديها في تبني ذلك وفي رفع تقرير في شأنه الى مجلس الامن، وخصوصاً ان من التفسيرات التي قدمها نواب الحزب لخطاب الامين العام انه اراد 'ان يلفت الى خطر التمادي الاسرائيلي في العدوان على لبنان وكشفه على المستوى الامني' كما قال النائب محمد رعد.
الخطوة الاستيعابية الاخرى رآهـــا البعض في ما اعـلنه رئيس الحزب التــــقدمي الاشـــــــتراكي النائب وليد جنبلاط غداة لقــائه الامين العام لـ'حزب الــــله' وقبل ساعات من المؤتمر الصحافي الذي عقده هذا الاخير، اذ قال النائب جــــنبـــــلاط في حديث مـــتـــلــفــز انــه مسؤول عن 5 ايار والقرارين اللذين اتخذا آنذاك بما يشكل اجابة عن أحد الاسئلة التصـــعيدية التي طرحها السيد نصرالله بحدة موحيا ان هناك متورطين كباراً انطلاقا من هذين القرارين مما اضطر الحزب الى استخدام سلاحه في الداخل في 7 ايار في بيروت والجبل.
الى هذه العوامل كانت هناك الاتصالات واللقاءات التي بدأها رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالتنسيق مع دمشق، وفق ما تؤكد بعض المصادر، بحيث تشكل هذه المساعي السبيل لاحتواء التصعيد عبر مروحة اكبر من المساعي لا تقتصر على الحزب وحده.
هذه المواقف المحلية شكلت مجتمعة عوامل لنزع فتيل التصعيد الذي احدثه خطاب السيد نصرالله، علما ان الاتصالات مع دمشق كانت في هذا السياق وهي تشكل الاساس ولو انها بدت بعيدة عن الواجهة الاعلامية في ظل الاصرار على إظهار امرين معا هما حرص سوريا على الحزب وتهدئة الاجواء التي حملتها المواقف الاخيرة للامين العام للحزب.
وتقول مصادر معنية ان الحزب يظهر اقتناعا بأن هناك هجوما يستهدفه في حين ان ما قام به حتى الآن ليس هجوما استباقيا ولا وقائيا بل هو موقف دفاعي بعدما استشعر خطراً محدقاً به.
والمعالجة تحت شعار التهدئة استهدفت في الساعات الاخيرة امرين يتصلان بالمخاوف التي أثارها خطاب السيد نصرالله وبالتخوين. اذ فهم المتصلون بالحزب انه لم يقصد اتهام احد بالبيئة الحاضنة التي تحدث عنها السيد نصرالله، اي طائفة او جهة سياسية، اذ خفف هؤلاء من وقع ما بدا اتهاما لفئة لبنانية كبيرة كما أكدوا ان الحزب لا ينوي توسل العنف.
ومع ان عناصر التهدئة انطلقت قبل المؤتمر الصحافي على اساس انها ممهدة لما سيقوله الامين العام لـ'حزب الله'، فان الامر الأخطر وفق ما اعتبر مراقبون كثر يبقى مشكلة الحزب مع المحكمة ووصفها بانها مشروع اسرائيلي وشن حملة عليها انعكست سلباً عليه بالذات من حيث توجيه الانظار اليه بعدما كان الامر مجرد تسريبات وتكهنات صحافية غير مؤكدة. فضلا عن انه ساهم في اشاعة اجواء تصعيد وتوتر تفاعلت على اكثر من صعيد سياسي وهددت بترك اثارها على مستويات اخرى امنية وغير امنية كان سيحمل الحزب مسؤوليتها بصرف النظر عن اسبابها. ويعتقد كثر ان الاجابة عن هذين الامرين تتجاوز التهدئة المباشرة الراهنة الى مشكلة اكثر بعدا.
ـ صحيفة 'المستقبل'
أهل السنّة ومهمات المرحلة الراهنة: التمسّك بخيارات رفيق الحريري.. لإنجاح سعد الحريري!
نبيل خليفة *:
يعقد 'تيار المستقبل' مؤتمراً عاماً في 25 و26 تموز الحالي في 'البيال' بيروت. إنه أول مؤتمر عام وتأسيسي للتيار/الحزب لأنه يتناول كافة النواحي: الفكرية والسياسية والإستراتيجية والإدارية. هذه المتداخلة تتناول، من موقع جيو ـ سياسي، مهمات الحزب خاصة وأهل السنة عامة في المرحلة الراهنة، وتندرج تحت أربعة عناوين:
أولاً: الوضع الجيوبوليتيكي في المنطقة ومنها لبنان.
ثانياً: التحديات التي يواجهها أهل السنة في المشرق العربي، وفي لبنان خاصة.
ثالثاً: الخيارات التاريخية، بعناوينها الكبرى، التي اتخذها الشهيد رفيق الحريري، في مرحلة التحولات الكبرى وشكلّت منعطفاً في تاريخ لبنان الحديث.
رابعاً: كون هذه الخيارات التاريخية المعيار الوحيد لإنجاح مهمة ودور سعد الحريري، ليس كمجرد رئيس للحكومة اللبنانية وزعيم أهل السنة فقط، بل كقيادة وطنية في مرحلة مفصلية في تاريخ لبنان.
أولاً: الوضع الجيوبوليتيكي
في الشرق الأوسط
إذا كان علم الجيوبوليتيك يعني تحليل الصراعات بين القوى السياسية للسيطرة على/ أو للنفوذ في /مجال جغرافي معين، فإن منطقة الشرق الأوسط تمثل، كما قال خبير استراتيجي غربي، 'مركز أزمة العالم. وإن لبنان يقع في نقطة مركزية من هذه المنطقة'. هذا يعني باختصار أن كل القوى الإقليمية والدولية تسعى للسيطرة على المنطقة وان لبنان واقع في قلب الإعصار لأنه بفعل موقعه وتركيبته نقطة التقاطع والتلاقي والتصادم بين هذه القوى.
وإذا كانت القوى الغربية (أميركا وأوروبا) قد سعت، وتسعى دائماً لتأكيد نفوذها في المنطقة، تأميناً لمصالحها النفطية وحماية لأمن إسرائيل، فإن البارز على الساحة هو اندفاع قوى إقليمية (عربية وصهيونية وأعجمية وتركية) لتأكيد وبسط نفوذها أيضاً، مما يؤدي حكماًَ إلى تصادم التوجهات بفعل اختلاف المصالح واختلاف، بل تناقض الأيديولوجيات.
وحيث إن الصراع العربي الإسرائيلي هو الصراع المحوري الأول في المنطقة، تقوم إسرائيل بمحاولتين خطرتين:
الأولى: تحويل في جوهر هذا الصراع من كونه صراعاً وجودياً قومياً إلى ديني يهودي إسلاميّ
الثانية: خلق صراع بديل ديني- مذهبي بين السنة والشيعة بحيث يخسف الصراع العربي الإسرائيلي ويصبح هو الشغل الشاغل لسكان المنطقة والعالم.
ثانياً: التحديات التي يواجهها
أهل السنة في المشرق العربي
في سياق ما تقدم، يواجه أهل السنة في المشرق العربي جملة تحديات يمكن اختصارها كما يلي:
1 تآكل وترهل النظام العربي، الذي هو نظام عربي سني جرت هندسته بعد الحرب العالمية الأولى وكان طربوشه جامعة الدول العربية وزاويته الأساسية مصر العربية. فلا النظام تجدد، ولا جامعة الدول العربية جرى إصلاحها منذ ما قبل منتصف القرن العشرين.
2 الانعكاس السلبي لنتائج الحروب العربية الإسرائيلية، والوصول إلى وضع دولي/ إقليمي سمح بقيام صلح بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وهو ما ولّد شعوراً بالمرارة والإحباط لدى قسم غير قليل من الشارع العربي السني باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية سنية إسلامية بامتياز!
3 تحسس الشباب العربي السني بمأزق الديموقراطية في بلدانهم. فهم يعيشون في بلدان فيها تسلط أكثر مما فيها سلطة، بسبب غياب الثقافة الديموقراطية.
4 إن قوة بل قدرة الدول العربية، صارت محسوبة، بل ومرهونة على اسم 'الزعيم الملهم' بأكثر مما هي مبنية على مجتمع المعرفة أي مجتمع الحداثة، مجتمع الديموقراطية والحرية والتقدم العلمي.
5 ولعّل أبرز وأخطر التحديات هو بروز يقظة الأقليات التي كانت تشعر باستبعادها وتهميشها داخل النظام العربي السني ولا سيما الأقلية الشيعية بمختلف فروعها: من إيران الثورة في الخليج وصولاً إلى حزب الله وولاية الفقيه على المتوسط. ووجدت إسرائيل نفسها، بل وضعت نفسها في قلب هذا الصراع كونها نموذج الدولة والأقلوية وراحت تلعب على حبال الفتنة الطائفية: من باكستان إلى لبنان إلى اليمن، مروراً بإيران والعراق وسوريا ودول الخليج العربي الفارسي.. ولا تزال!
6 ولم تكتف هذه الحركات السياسية/ العسكرية/ الحزبية/ الأقلوية، بالعمل على إيجاد مكان ومكانة لها في الأنظمة الوطنية لدولها، بل إنها عملت على اعتماد لعبة 'الصولد السياسي' أي العمل على إسقاط النظام العربي السني المشرقي واستبداله بنظام إقليمي جديد أعطاه الإيرانيون صفة 'الشرق الأوسط الإسلامي' دون السعي إلى إخفاء هويته الصحيحة وهو انه نظام إيراني ذو خلفية شيعية، وهو أمر تظهره وتبرز الإيديولوجيات المعلنة والشعارات والخلفيات المذهبية للحركات الشيعية في مختلف دول المشرق العربي والخليج!
7 تحقيقاً لأهدافها في إضعاف وتهميش النظام العربي السني تمهيداً لإزاحته، إذا أمكنها ذلك، عمدت هذه الحركات إلى اختيار أهم نقطة ضعف لدى السنة: أنظمة وجماهير، ألا وهي القضية الفلسطينية، متخذة منها رافعة تاريخية لتأكيد مصداقيتها في وجه 'التخاذل' العربي، فصارت القضية الفلسطينية بيد جهتين: أناس يعانونها (السنة) وأناس يستغلونها (الشيعة). وصار من الصعب، حتى على الشارع السني، ان يفرق بدقة بين من يحيا القضية الفلسطينية شعباً ودماً وأرضاً ومذهباً.. وبين من يستخدمها ورقة رابحة في حمى الصراع الذهبي بحرفية عالية!
ثالثاً: الخيارات التاريخي
للرئيس رفيق الحريري
إن أهم ما ينبغي على المجتمعين في 'البيال'، وفي أي مكان، حول فكر ودور رفيق الحريري، ان يفعلوه، هو التوكيد على طبيعة وجوهر خيارات رفيق الحريري. فهي ليست مجرد خيارات سياسية يمكن تعديلها أو تبديلها أو المقايضة عليها أو المناورة من خلالها. فهي ليست خيارات حول أمور عادية أو ثانوية أو مرحلية أو تكتيكية يجب أن يبقى واضحاً في الأذهان أن خيارات رفيق الحريري هي خيارات تاريخية بامتياز، وهذا هو جوهرها ومدى أهميتها وخطورتها. إنها تاريخية لأنها شكلت تحولا جذرياً في تاريخ لبنان وصولاً إلى المنطقة. وهذه الجذرية التاريخية تقوم على فلسفة رباعية الأبعاد، فلسفة الواقع، حتى وان لم يتفلسف رفيق الحريري طوال حياته:
البعد الأول: هو أولوية الكيانية النهائية للبنان. وهذا المنحى شكل بعداً جديداً في الفكر العربي الإسلامي وخاصة السني. تجاوز فيه رفيق الحريري تجربة رياض الصلح الرائدة لمصالحة السنة مع الكيان اللبناني، لصياغة رؤية جديدة تصل إلى حد الالتزام والإلزام التاريخيين بهذه الكيانية النهائية بفضل الصراحة والوضوح والاقتناع والإقناع المبنية على المصلحة والمنفعة في آن.
البعد الثاني: هو نهاية الميثاقية المسيحية ـ الإسلامية كشرعة حياة لبنان، كفلسفة حياة مبنية على الشراكة ثم الأخوة وقائمة ومستمرة خارج حاسوب الأرقام الديموغرافية. لقد أعطى رفيق الحريري للديموقراطية بعداً جديداً قدم فيه الحضارية الديموقراطية على العددية الديموقراطية، وبهذا خلق سابقة، ليس في حياة لبنان فقط بل في حياة شعوب الأرض حيث تتقدم قيم الحوار والتفاعل والتثاقف والتنوع والتعدد والانفتاح على قيم الوحدانية الأيديولوجية المغلقة!
البعد الثالث: هو الليبرالية كفلسفة حياة: في الدين والمجتمع والفكر والسياسة والاقتصاد والسلطة ومثل هذه الليبرالية التي اثبتت نجاحها ونجاعتها على امتداد العالم لمتحضر وأسقطت الاشتراكية، هي التي تؤكد وتحمي وتسهم في:
ـ إرساء الديموقراطية في حياة المجتمع بكل قطاعاته.
ـ ترسيخ العروبة الحضارية، عروبة القرن الحادي والعشرين، عروبة الجامعات وليس عروبة الثكنات أو المخابرات. ومن هنا اهتمامه بدعم ومساعدة 34 ألف طالب جامعي للدراسة في لبنان والخارج! هذا هو سلاحنا الحقيقي في مواجهة المستقبل... وبناء المستقبل!
ـ بمثل هذه الرؤية وهذا التصميم يمكن بناء مجتمع قوي وفاعل ومتماسك هو مجتمع المعرفة، مجتمع الاعتدال والتوازن، مجتمع ينتج المعرفة ويستخدمها في مختلف ميادين النشاط البشري، مجتمع يقوم على/ويساهم في/التنمية والتطور والتقدم!.
البعد الرابع: هو كون رفيق الحريري بذاته قيادة تاريخية وليس مجرد زعيم سياسي. وهي قيادة تمثلت وترسخت في جملة عناصر أعطتها طابعها التاريخي، ومنها: الكاريزما الشخصية، محبة الناس له وثقتهم به وطاعتهم له كونه يحيا معاناتهم ويجسد مصالحهم، ولأنه يحمل مشروعاً مستقبلياً لهم يعبر عن مصلحتهم ومصلحته في آن، وكونه يتمسك بمفهوم السلطة بينهم ومعهم لا بالتسلط عليهم، وتلك علامات الحرية والديموقراطية والشرعية!
.. هذه باختصار كل الأبعاد التاريخية لخيارات رفيق الحريري التي وضعته في مواجهة مع الايديولوجيات التوجيهية (Dirigisme) والأصولية والاستبدادية والأقلوية والأنتي ـ لبنانوية!
رابعاً: إنجاح سعد الحريري: كيف؟ ولماذا؟
إن مشروع رفيق الحريري يستمر عبر سعد الحريري. هذا صحيح نظرياً. لكن أعداء مشروع رفيق الحريري لا يريدون لسعد الحريري ان ينجح. ان تحليلاً هادئاً لكل ما يحدث في لبنان اليوم يؤكد ان المطلوب هو شطب خيارات رفيق الحريري التاريخية وذلك من خلال إبعاد سعد الحريري وحلفائه، وفي مقدمهم حزب المستقبل عن هذه الخياراتّ!! انطلاقاً من هذه المسلمة، على مؤتمر 'البيال' أن يبدأ بصياغة إستراتيجيته للمرحلة الراهنة، آخذاً في الاعتبار ان ما تسعى إليه 'القوى المعروفة' و'المتنوعة'، هو تفتيت وإضعاف وتهميش تيار المستقبل، مستخدمة كافة الأساليب والوسائل لتحقيق ذلك. فهي تريد هذا الحزب جسداً بدون روح. وأهم هدف لديها: الفصل بين السنة والمسيحيين! وإحراج القوى الراديكالية الحريرية تمهيداًَ لإخراجها (الرئيس السنيورة مثلاً).
أمام هذه الهجمة الشرسة على ارث رفيق الحريري الوطني وعلى سعد الحريري حامل رسالة أبيه، ينبغي على الباحثين الاستراتيجيين، وعلى عكس ما توحيه المظاهر، ان يدركوا ان لدى سعد الحريري خمس أوراق أساسية لمواجهة المرحلة القادمة يمكنه ان يستخدمها:
1 ـ تراث والده التاريخي الذي يستمد قوته وفاعليته من فلسفة الحرية.
2 ـ سلطة ولاء معنوية لبيت الحريري على شريحة واسعة من أهل السنة وقوى أخرى فاعلة في لبنان والمنطقة (لفظة منطقة مهمة هنا).
3 ـ الاعتماد على وعي المسيحيين اللبنانيين، ذلك ان انتقال السنة إلى الموقع الاستقلالي مع رفيق الحريري أعاد المسيحيين الى المعادلة الوطنية. فعلى هؤلاء المسيحيين (مسيحيي 14 آذار) أن يدركوا المعنى العميق لهذا التحول السني باتجاه خيارهم التاريخي من زمن يوحنا مارون. لذا لا يحق لأية جهة بينهم ان تتذرع بأخطاء تكتيكية لارتكاب خطأ استراتيجي فادح. ان تفاهم جهات مسيحية مع قوى أخرى يجعل من المسيحيين قوة تعطيل لا قوة تفعيل. وهذا بارز في المأزق الذي يعكسه المنحى الانقلابي لدى قيادة هذه الجهة!
4 ـ طالع 'سعد' للبنان بتحوله الى دولة نفطية غنية وواعدة وبالتالي فهي دولة ذات قيمة ذاتية وثقل استراتيجي. ولذا فهي ستحظى بحماية القوى الدولية في وجه قوى الهيمنة وزرع اللااستقرار في ربوعه.
5 ـ تبقى الورقة الخامسة التي هي الأخطر. فلئن تجاوزت الضغوط حدودها من الأقربين والأبعدين، يبقى لسعد الحريري ان يستخدم ورقة الممانعة الحقيقية، وهي إغلاق الباب بوجه الجميع والعودة إلى النضال في قلب الجماهير 'الحريرية' التي أحبته وبايعته جهاراً وتكراراً.
.. أجل، إن نجاح وإنجاح سعد الحريري واجب وطني،
ولكن سعد الحريري ومحبيه لا يفتشون عن اي نجاح كان.
فهو قادر أن يكون عدة مرات رئيساً لوزراء لبنان. ولكنه مدعو، لمرة واحدة وحاسمة، لأن يكون قائداً تاريخياً في لبنان، وللبنان!
ولن يكون كذلك إلا إذا تمسك هو وكل مؤيديه ومريديه؛ بالخيارات التاريخية لوالده الشهيد رفيق الحريري.
ذاك هو المعيار!
وتلك هي الرسالة!
20/7/2010
* باحث في الفكر الاستراتيجي
ـ صحيفة 'الديار'
القرار الظني وتداعياته
اوديت ايوب:
من الطبيعي ان يهاجم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المحكمة الدولية التي ستصدر قرارها الظني في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري اذا كانت ستتهم عناصر من الحزب ظلماً، لأن ذلك سيظهر المؤامرة الدولية على لبنان والرغبة الاسرائيلية لتفكيكه داخليا ونسف العيش المشترك ولو ما زال هشاً بين اللبنانيين وزرع الحقد في نفوس ابناء البلد الواحد.
يجب أن يرفض اللبنانيون جميعهم تسييس المحكمة الدولية وأن يتحلوا بعقلانية عالية لمعالجة قضية المحكمة وسط المحاولات الاسرائيلية لتوجيه اصابع الاتهام الى حزب الله وارباك الساحة اللبنانية.
لكن الغريب هو الهجوم الحاصل من قبل حزب الله ضد الحكومة والتهديد بتكرار تجربة السابع من أيار على نطاق اوسع والقول أنه في حال اتهام الحزب ستكون له تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية.
كان خطأ جوهريا ما فعله رئىس الوزراء السابق فؤاد السنيورة بحق المقاومة في 5 أيار عام 2008 عندما طلب توقيف شبكة اتصالات خاصة للحزب، لكن قرار المحكمة هو دولي وليس محلياً، فلا يمكن ان نحمّل مسبقا الأطراف اللبنانية مسؤولية القرار الظني الذي ستصدره المحكمة.
لا يوجد أي عذر مبرر لتكرار أحداث السابع من ايار خصوصا في وجه فرقاء عزل لا يملكون سلاحاً يمكن ان يوازي سلاح المقاومة. ففي حال حصول صدامات بين المقاومة وتيار المستقبل أو أيا كان، فان المعركة محسومة سلفاً لمصلحة حزب الله كونه القوة العسكرية الأقوى على الساحة اللبنانية.
وعندما اتهمت مجلة &laqascii117o;دير شبيغل" الالمانية حزب الله بجريمة الحريري، دانت قوى 14 آذار هذا الخبر معتبرة إياه انه يضلل التحقيق ويؤثر في مصداقية المحكمة الدولية.
اما الذين يتهمون حزب الله بأنه ينوي السيطرة على البلاد واسقاط الحكومة، فذلك لا يصب في مصلحة المقاومة والدخول في فتنة داخلية ولا السيطرة على الحكم في لبنان بالقوة، اذ يؤدي ذلك الى اضعاف موقعها لبنانيا واقليميا. فماذا حدث مع حماس عند وصولها الى السلطة واستلامها زمام الامور في الضفة الغربية؟ برزت نقاط ضعفها وخسرت هالتها بعد ان كانت تمثل حالة شعبية ظهرت في حجم التصويت في الانتخابات الفلسطينية. وبات الوضع الفلسطيني متأزماً أكثر من السابق مع رفض المجتمع الدولي التعامل مع حركة متشددة مثل حماس.
من هذا المنطلق، وحفاظاً على شرعية المقاومة التي تكمن قوتها بمجابهة اسرائيل واستخدام سلاحها لحماية لبنان من اي تهديد اسرائيلي، يجب التنبه الى عدم الانزلاق في أي مواجهة داخلية، لان ذلك لا يخدم سوى اسرائيل المترقبة عن كثب للتطورات اللبنانية والتي تنتظر بفارغ الصبر اغراق حزب الله بنزاع طائفي ومذهبي مع ابناء بلده.
فصورة لبنان المستقر والهادىء والذي يسوده التوافق بين الأطراف السياسيين تزعج اسرائيل، لذا يجب على جميع الافرقاء التحاور والتخلي عن لهجة التصعيد والتهديد التي تزيد الطين بلة، لاستدراك التوتر الحاصل ومن اجل منع فتنة داخلية وصدامات بين جميع اللبنانيين قبل فوات الاوان.