قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 6/8/2010

ـ صحيفة 'الشرق الأوسط'
الحرب والتفاوض وأوضاع المنطقة
رضوان السيد:

كان يوم الثلاثاء الماضي في 3/8/2010 يوما صعبا على لبنان. فقد أفاق الناس فيه على الخبر القائل إن الأمين العام لحزب الله، سوف يتحدث في ذلك اليوم، وهو الذي كان قد أجل حديثه إلى الثلاثاء بسبب الزيارات العربية إلى لبنان. وبعد ظهر الثلاثاء حدث الاشتباك بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي على الحدود، وامتد لساعات، وسقط فيه قتلى وجرحى من الطرفين. وكانت خشية اللبنانيين نتيجة التجارب السابقة مع الأحداث التي تقع فجأة، ثم تتحول إلى حروب طويلة. ورغم كثرة التحليلات والأخبار عن الاشتباك واقعا وأسبابا؛ فإن أحدا لا يعرف إن كان مقصودا من أحد الطرفين، أو أنه حدث نتيجة سوء تقدير أو سوء طالع. بيد أن حدوثه يثبت كم أن الوضع هش وغير مستقر، سواء على مقربة من الحدود أو بالداخل على مبعدة منها. فالطيران الإسرائيلي يخترق أجواء لبنان يوميا أكثر من مرة. وقبل شهر نُظمت مظاهرات بجنوب لبنان تحرشت بالقوات الدولية. والمناورات الإسرائيلية ما عاد لجريانها وقت معين، لأنها شبه مستمرة. وحزب الله يتهدد إسرائيل يوميا بالحرب، وإن كان قد قال أخيرا مرارا إن الحرب لن تقع لأن إسرائيل متهيبة من المقاومة، بعد الدرس الذي تلقته في حرب يوليو (تموز) عام 2006.

بيد أن مخاوف الناس هذه المرة، التي دفعت عربا مصطافين كثيرين إلى المغادرة، كانت علتها أجواء عدم التأكد والحذر، نتيجة أحاديث الأمين العام لحزب الله في الأسابيع الثلاثة الأخيرة ضد المحكمة الدولية، التي كان يبدأها بالقول إن الحزب هو الطرف القادر على منع التسوية الظالمة. وكان يشير بذلك إلى مساعي وضغوطات العودة أو التحول إلى التفاوض المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهكذا فإن الناس - من لبنانيين وعرب آخرين - ما دروا كيف سيتحرك الحزب في مواجهة &laqascii117o;التسوية"، وفي مواجهة &laqascii117o;المحكمة". فكان هناك من قدر، وكان هناك من دعا، إلى مواجهة المحكمة الدولية داخليا بأحد سبيلين: إما بالاستيلاء على السلطة بالقوة، أو بانقلاب سياسي يغير الحكومة، ويعطي الحزب وأنصاره الأرجحية، فيمكن عندها الطلب من مجلس الأمن إلغاء المحكمة أو تأجيل قرارها!
أما السيناريو الآخر الذي اعتاد اللبنانيون والعرب على توقعه من جانب الحزب، فيتمثل في الاتجاه للاصطدام بإسرائيل، فينسى اللبنانيون كل شيء ويسارعون للالتفاف من حول الحزب، وينسون المحكمة، وآلام ومحن السنوات الماضية!

أما ما حدث في الواقع، سواء لجهة الاشتباكات في الجنوب، أو لجهة خطاب الأمين العام لحزب الله، فأقل من ذلك بكثير، وهو مخالف لكل التوقعات. فالجيش اللبناني كان هو الذي اشتبك مع العدو، وقد بذل الأمين العام للحزب في خطابه مساء الثلاثاء، جهدا كبيرا ليوضح أسباب عدم مشاركته للجيش ضد العدوان الإسرائيلي الجديد عليه! ومن بين تلك الأسباب: أنهم لا يريدون أن يتطور الاشتباك إلى حرب كما في المرات السابقة، وأن المقاومة ما هوجمت؛ إنما هاجم الإسرائيليون الجيش اللبناني، وأنها أخبرت المعنيين في الدولة اللبنانية، أنها حاضرة وتستطيع المساعدة والرد. وفي النهاية فإن الاشتباك توقف بوساطة &laqascii117o;اليونيفيل" أو القوات الدولية، وأن مجلس الأمن أصدر بيانا رئاسيا دعا فيه الطرفين إلى ضبط النفس.
وجاء خطاب الأمين العام لحزب الله غير متوقع في هدوء لهجته، وإن ظل مهجوسا بإسرائيل وبالمحكمة. في جانب المحكمة رحب الأمين العام للحزب بالجهد العربي للتهدئة، وقال إنه سيعطي هذا الجهد فرصة وصبرا. وجرى الإيضاح لسائر المعنيين والجمهور أن إسرائيل هي التي قتلت الحريري، وأن الدلائل على ذلك سوف يوردها ويعرضها يوم الاثنين القادم. بيد أن الحرب والتهديد بها كان الأعلى صوتا، في خطاب الأمين العام للحزب. فقد أرادت إسرائيل سحق الحزب عام 2006 وفشلت وهزمت، وستعيد الكرّة هذه الأيام أو بعدها. وتابع الأمين العام للحزب أن مصلحة البلاد كانت دائما موضع اعتبارهم، وأنهم في ضوئها كانوا يختارون القتال أو التغاضي، لكنه لن يقف مكتوف الأيدي بعد اليوم إذا هوجم الجيش اللبناني.
لدينا إذن واقعتان: واقعة الاشتباك الذي حصل، وواقعة القرار الظني للمحكمة الذي يخشى الحزب أن يحصل. والواقعة التي يمكن إضافتها في السياق نفسه: الاتجاه للتفاوض المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكنت قد ذهبت - في ضوء أو ظلمة الواقعة الجديدة - إلى أن الطرفين الإسرائيلي والإيراني يميلان للحرب خدمة لأهدافهما في الظروف الراهنة: الإسرائيلي لأنه لا يريد السلام، والإيراني لأنه يعارض التسوية التي لا يكون له دور فيها أو لا يمكنه الإفادة منها وسط الظروف الصعبة التي يمر بها. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فالإسرائيليون مقيدو الأيدي نسبيا بالتفاوض الذي يريدون الدخول فيه أمام أنظار العالم لهذا السبب أو ذاك، وللعلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة وأوروبا التي تريد منهم ذلك. ولذا فقد سارعوا للقول عن اشتباك الحدود - الذي قتل لهم فيه ضابط كبير - إنه حادث معزول. وهو ليس معزولا أبدا إذا وضع في سياق الأشهر والسنوات الماضية، بل وفي سياق حوادث الأيام الأخيرة في غزة وسيناء وعسقلان والعقبة؛ بعد أن صار مرجحا استئناف التفاوض المباشر، وإعلان حماس والفصائل الأخرى عن معارضتهم لذلك. فإسرائيل تريد تضخيم وإبراز &laqascii117o;الرفض" الفلسطيني للسلام دون أن تمضي إلى الحرب الآن، وحماس وحزب الله وحلفاؤهما لا يقبلون التفاوض بهذه الطريقة، لكنهم يترددون كثيرا في إشعال الحرب خشية العواقب، ولأنهم يفضلون الانتظار إلى أن يفشل التفاوض كما هو متوقع، فتنفتح أبواب أخرى للتوتر والتوتير.

أما الآن فالمطلوب من جانب إسرائيل أن تبقى الهيبة قائمة بمعنى أن لا يبدو على الإطلاق لدى الجمهور أن نتنياهو &laqascii117o;يتنازل". والمطلوب من جانب حزب الله وحماس وحلفائهما أن لا &laqascii117o;تطمئن" إسرائيل، وأن لا يطمئن العرب والدوليون إلى خمود المقاومة أو ضعفها، بالاستمرار في صنع التوتر أو الإسهام فيه في هذه الناحية أو تلك. وهكذا يستمر الوضع قلقا غاصا بالشكوك في فلسطين ولبنان، فلا يهنأ للناس عيش، ولا يستقر بهم مقام لا في الصيف ولا في الشتاء، وتصبح حالة اللاحرب واللاسلم هي الحال المعتادة لدى إسرائيل وخصومها!
هل يقوم التفاوض وينجح؟ وإلى أين يتجه الأمين العام لحزب الله؟ قد ينجح التفاوض وقد لا ينجح بالنظر إلى التجارب السابقة. لكن أحدا من الطرفين لا يستطيع رفضه.

أما في الجهة المقابلة فإن الحركات الإسلامية الجهادية تعتبر أن التفاوض يتقدم باتجاه التسوية الظالمة، ولذلك لا بد من إبقاء الوضع قلقا وغير مستقر. وإذا وصل الأمر إلى حزب الله بالذات؛ فإنه ينظر إلى المسألة باعتبارها مؤامرة مزدوجة: هي مؤامرة لإحداث تسوية ظالمة، وهي مؤامرة عليه بالذات لأنها تريد أخذه – فيما يظن - إلى محكمة تحوله إلى تنظيم إرهابي. لكنه وهو يراقب ردود الفعل على ثورانه، آثر تحت وطأة الضغوط العربية، وضغوط الجمهور، أن يخفف اللهجة قليلا، وأن ينتظر نتائج الوساطات، وقال ذلك على وجه التقريب، وعاد لإظهار أشواقه الكبرى لمحاربة إسرائيل. فنجى الله الفلسطينيين واللبنانيين والعرب الآخرين من &laqascii117o;سلام" إسرائيل الموعود، ومن &laqascii117o;مقاومة" ثورييهم العظام، الذين يبدأون بإطلاق النار على العدو، وينتهون إلى اقتحام مدنهم هم، لضرب &laqascii117o;أعداء الداخل"!


ـ صحيفة 'السفير'

حزب الله.. حذار بريق الحكم
زينب مقلد:

الجنوبيون ليسوا متعصبين دينياً أو طائفياً، منهم كانت الأحزاب العلمانية بمختلف مسمياتها, وهم كانوا نواة المقاومة الوطنية اللبنانية التي كانت لها نضالاتها وعملياتها التي لا يستطيع أحد إنكارها. الجنوبي بطبيعته مقاوم للأجنبي، لا رضي بالتركي ولا هو رضي بالفرنسي، ناهيك عن الاسرائيلي الدخيل. وحب الجنوبيين والشيعة بشكل عام لحزب الله قائم، لا لكونه حزباً شيعياً، بل لكونه استطاع دحر اسرائيل لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، ولأن هذا الحزب قد أعاد كرامتنا المفقودة وثقتنا بأنفسنا وأمننا في ديارنا.. ولأنه جعل الأعداء يدركون أن انتهاك بلادنا لن يكون نزهة لهم من الآن فصاعداً.
ومن الشيعة انتقل حب حزب الله إلى قسم كبير من اللبنانيين. بمختلف طوائفهم ممن يؤمنون بالحرية وبالكرامة الوطنية.

نحن نخاف على حزب الله بقدر محبتنا له وحبنا بالطبع لأنفسنا وكرامتنا وأوطاننا، نخاف عليه من الحكم وفساده، نخاف عليه من أن يصبح مضطرا للمسايرة فيفتقد مصداقيته التي كانت من أسس نجاحه ونجاحنا... تبنى خيار المقاومة وكان صادقا في البذل من أجلها بالغالي والنفيس، زهد في الدخول إلى الحكم وتمسك بذلك، وكان في ذلك الموقف محقاً... ثم لاحظنا أن الحزب بدأ يضعف أمام بريق الحكم وغضّ الطرف عن أمور كانت محظورة بالنسبة له وللشرفاء أمثاله فوقع فيها.. ففي الانتخابات النيابية ما قبل الأخيرة تحالف مع لوائح كان الأجدر به ان يبتعد عنها بعد الحق عن الباطل، وذهلنا من أجل ذلك ولم تصدّق عقولنا ولا عيوننا... ودخل الحزب إلى دهاليز الحكم وطبعاً لم يستطع التغيير في شيء... الفساد كان أقوى منه، كما كان ولا يزال أقوى منا، واتخذت الدول المعادية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من دخوله حجة لتضييق الخناق علينا، وبعد هذه الانتخابات جاءت حكومات فاسدة أو متآمرة، وسقطت فيها رموز تاريخية كالدكتور سليم الحص، وجاء أناس يحار العقل فيهم كيف جاؤوا ومن أين جاؤوا، وحزب الله كان شريكا في كل هذا شاء أم أبى لكونه شريكاً في الحكم... وكان الأجدر به أن ينأى...
تلك غلطة كبيرة كانت، أما الغلطة الثانية فهي تدخل الحزب السافر في الانتخابات البلدية الأخيرة ورضاه بهذه المحاصصة المقيتة بينه وبين حركة أمل في الجنوب وفي إذكاء النزاعات العائلية بحيث يكون للعائلة الكبيرة أكثرية لا تتوافر لعائلة أصغر منها عدداً، وتناسى الإثنان أن العبرة ليست في العدد بل في النوعية والنخبة والتزام النزاهة وحب البذل والعطاء، هذه بدعة وسنرى لاحقاً عواقبها الوخيمة على مسار البلديات وأدائها.

ـ أما بالنسبة لامتناع لبنان عن التصويت في ملف إيران النووي وعدم معارضته لقرار تشديد العقوبات على إيران فهو موقف مخزٍ وكان الأجدر بلبنان وهو المكتوي أكثر من غيره بعدوانية العدو وأن يكون في مقدمة المعارضين.
وقد قال الإمام علي سلام الله عليه: &laqascii117o;أعظم الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر".. حتماً حزب الله كان يتمنى أن يصوت لبنان وبصوت عال ضد هذا القرار الجائر لكنه سكت عن هذا الموقف السلبي حفاظاً على السلم الأهلي وعلى الحكومة أن ينفرط عقدها، وفي هذه الحكومة، حماها الله من هم أشد صهيونية من بن غوريون وعدوانية من نتنياهو. كل ذلك من أجل الحكم. الوزارات مغرية، ومتى بدأ المجاهدون والثوار المناضلون في المسايرة والتنازلات ففي ذلك نهايتهم... ولو أن حماس بقيت في الخنادق تكيل للعدو الضربات لكانت حالها وحال الشعب الفلسطيني أفضل بكثير. حماس محاصرة في غزة وفتح محاصرة في رام الله... الثوار مقتلهم كرسي الحكم. فحذار فخّ الحكم... وهذا كلام من موقع الحب. 


ـ صحيفة 'اللواء'
بين معادلة سليمان ومعادلة نصر الله: أيهما أفضل للبنان؟!
فادي شامية: 

ما زال اللبنانيون منقسمون على <الإستراتيجية الدفاعية>، لكنهم بالوقت عينه مدركون <جميعاً> أن لا سبيل إلى بت هذا الموضوع إلا بالحوار، ولو طال زمانه&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; وما زال فريق من اللبنانيين غير موافقين على ثالوث: <الجيش، والشعب، والمقاومة> أو على الأقل على الفهم الذي يتبناه البعض، بعيداً عن القيد الموجود في النص نفسه؛ <في كنف الدولة>&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; لكن <الجميع> مدرك لحجم الأخطار التي يمر بها الوطن، وللواقع الذي يجعل من <المقاومة> كياناً قائماً، ومؤيَّداً بلا تحفظ، من شطر واسع من اللبنانيين&bascii117ll;
منذ ما بعد انتهاء حرب تموز 2006، بدأ السيد حسن نصر الله في إطلاق معادلات <ردعية> في مواجهة العدو الإسرائيلي؛ معادلة: (إذا حرّكتم فِرقـَكم لاحتلال لبنان) <سنُدمّر فرقكم ودولتكم الغاصبة>، ومعادلة: <إذا قصفتم بيروت أو الضاحية، سنقصف تل أبيب>، ومعادلة: <سنضرب مطار بن غوريون إذا قصفتم مطار الحريري>، ومعادلة: <إذا ضربتم موانئنا سنضرب موانئكم>، ومعادلة: <إذا ضربتم مصافي النفط عندنا سنقصف مصافي النفط عندكم>&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; وصولاً إلى المعادلة التي أطلقها نصر الله في خطابه الأخير: <اليد الإسرائيلية التي ستمتد إلى الجيش ستقطعها المقاومة>&bascii117ll;

والواقع أن المعادلة الأخيرة ذات الصلة بالجيش تحتاج إلى نقاش، لأسباب ثلاثة:

أولاً: لأنها -في الشكل- جعلت الجيش في حماية <المقاومة>، أي أنها جعلت المؤسسة الجامعة والدائمة، في حمى مؤسسة مؤقتة ومختلف عليها أو على أمور جوهرية تتعلق بها&bascii117ll;

ثانياً: لأن هذه النظرية تحمل -في المضمون- مخاطر كبيرة على لبنان؛ الدولة والشعب والجيش&bascii117ll;

ثالثاً: لأنها تتعارض مع معادلة سبق أن أطلقها رئيس الجمهورية، في الثامن من آذار الماضي، عندما قال: <المقاومة تبدأ عندما يعجز الجيش>&bascii117ll;

أي المعادلتين أفضل؟!

لنبدأ في المقارنة من معادلة رئيس الجمهورية&bascii117ll; يقول الرئيس ميشال سليمان لصحيفة عكاظ السعودية، في معرض شرحه الأرضية التي اتفق عليها المتحاورون في طاولات الحوار السابقة: <الخلاصة المبدئية التي بلغناها، هي أن المقاومة يبدأ تفاعلها:

1- بعد وقوع الاحتلال&bascii117ll;

2- أو عند عجز القوى العسكرية الشرعية في القيام بواجبها&bascii117ll;

3- أو عند طلب المؤازرة من قبل القوى العسكرية>&bascii117ll;

وفق هذه المعادلة تكون <المقاومة> في تصرّف الجيش، أي أن <المقاومة> لا تتحرك إلا إذا طلبت السلطة السياسية منها ذلك، لأن الجيش يتبع في نهاية الأمر إلى السلطة السياسية في البلد، وعليه، فإن تقدير الواقع، من قبل فخامة رئيس البلاد ومجلس الوزراء، هو الذي يوجّه الأمور، بما في ذلك طلب دعم <المقاومة>، في حالة ما إذا عجز الجيش أو كان ثمة ضرورات عسكرية توجب المؤازرة&bascii117ll; أما في حالة وقوع الاحتلال، أي بعد العجز الكامل للجيش عن الدفاع الأرض، فإن المقاومة تصبح حقاً مشروعاً لكل مواطن، بغض النظر عن قرار السلطة السياسية&bascii117ll;

هذه هي المعادلة التي أعلنها رئيس الجمهورية، واصفاً إياها بأنها <الخلاصة المبدئية> لما اتـُفق عليه&bascii117ll; وهي المعادلة الفعلية التي تدعم الجيش، وتجعل جميع الداعمين له في تصرفه حقيقةً، كما أنها المعادلة التي تحفظ للسلطة السياسية حقها في القرار وفي إدارة المعركة، وفق ما تقتضيه مصلحة البلاد&bascii117ll;

في المعادلة التي أطلقها السيد نصر الله مؤخراً؛ ثمة <احتماء> بمظلة الدفاع عن الجيش، لانتزاع حق التحرك بشكل مستقل، ووفق التقدير التي يراه <حزب الله>&bascii117ll; يقول السيد نصر الله: <في أي مكان سيُعتدى فيه ? أي من الآن وصاعداً- على الجيش، من قبل العدو الصهيوني، ويكون فيه تواجد للمقاومة، أو يد المقاومة تصل إليه، فإن المقاومة لن تقف ساكتة ولا صامتة ولا منضبطة&bascii117ll; اليد الإسرائيلية التي ستمتد إلى الجيش اللبناني ستقطعها المقاومة>&bascii117ll;

ولإدراك نصر الله المسبق، أن المعادلة الجديدة التي يطرحها، سوف تثير تساؤلات حول حدود دور <المقاومة>، قال: <لا أحد يخرج غداً ليقول: السيد يتفرّد أو أن حزب الله يتفرّد بقرار الحرب والسلم، هذا ليس قرار الحرب والسلم>&bascii117ll; إذاً، نصر الله يعتبر أن الاعتداء على الجيش، يعطيه الحق باتخاذ القرار بالرد، وإذا كان <هناك شباب استطاعوا أن يقفوا ويتفرجوا ويلتزموا بالقرار>، فهذا لن يتكرر، لأن ما جرى ?أي عدم تدخّل المقاومة- جعل قيادة المقاومة أمام <علامة استفهام (ووجود) شيء خارج السياق العام لدينا>، كما قال نصر الله&bascii117ll;

وعليه، يبدو الفارق واضحاً بين ما طرحه رئيس البلاد كـ <خلاصة إجماعية>، وبين ما طرحه السيد نصر الله كـ>رؤية حزبية>، لأن معادلة نصر الله لا تجعل من <حزب الله> في تصرف الجيش بالمعنى الدقيق لمفهوم التصرف، والأخطر أنها تنزع عن السلطة السياسية حقها في إدارة المعركة، بما أن الاعتداء على الجيش يعني <تلقائياً> امتلاك المقاومة حق التدخّل والرد، وتالياً خوض مواجهة قد تنتهي بحرب، وفق تقدير <المقاومة>، لا الجيش، ولا السلطة التنفيذية&bascii117ll;

إذاً، يبدو الفارق، بعد هذا التوضيح، كبيراً&bascii117ll; فأي من هاتين المعادلتين أفضل للبنان؟! أن تكون المواجهة مع العدو بين مؤسسة دستورية، مُجمع على شرعيتها وطنياً، ومعترف بها دولياً، أم مع مقاومة يؤيدها كثير من اللبنانيين لا جميعهم، ولا يعترف بوجودها المجتمع الدولي، والأكثرية الساحقة من دول العالم؟!&bascii117ll; وإذا كانت هذه المؤسسة غير قادرة على صد عدوان كبير -كما هو واقع الحال اليوم- فأيهما أنجح في إدارة الصراع مع العدو؛ أن يخوض <حزب الله> الحرب، بعد أن يعجز الجيش، أو بعد أن يطلب منه ذلك، بناءً على المعطيات المتوفرة للمواجهة، أم يدخل المواجهة بشكل تلقائي؟!&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; غير أن الصورة لا تكتمل إلا بعد توضيح المخاطر التي تتضمنها معادلة نصر الله الأخيرة في المضمون&bascii117ll;

مخاطر معادلة نصر الله <حماية الجيش> في الواقع فإن معادلة السيد نصر الله -وإن كانت تنطلق من ضرورة حماية لبنان ومؤسساته وعلى رأسها الجيش- إلا أنها وفق الصيغة التي أعلنها السيد نصر الله تحمل المخاطر الآتية:

1- تنطلق معادلة نصر الله الجديدة من صيغة: <الجيش، والشعب، والمقاومة> للدفاع عن لبنان، لكنها تقدّم الفهم الأكثر تشويهاً لهذه الصيغة- حتى لو اعتبرنا أن كل اللبنانيين موافقون عليها-&bascii117ll; للتوضيح سنفترض أن الجيش السوري الشقيق تعرّض لعدوان إسرائيلي ?وهذا ما حصل فعلاً قبل مدة عبر غارات معادية استهدفته- فهل تقبل السلطة السياسية في سوريا ?أو أية دولة في العالم- بتذرّع مواطنين لديها بالاعتداء على الجيش، للرد عسكرياً على <إسرائيل>؟! وإذا كان الجواب أن سوريا ?أو أية دولة في العالم- لا تعترف بمعادلة: <الجيش، والشعب، والمقاومة>، فهل تقبل الدولة في لبنان- وهي التي تعترف بهذه المعادلة- بقيام جماعات لبنانية بالرد على <إسرائيل>، من تلقاء نفسها، جراء اعتداء هذه الأخيرة على الجيش؟! وإذا كان الجواب كلا- وهو ما يجب أن يكون- فلماذا نعطي الشرعية لفريق كي <ينتقم> للجيش، ونعتبر أي فريق آخر إرهابياً إذا قام بفعل المقاومة نفسه؟!&bascii117ll; بطبيعة الحال فإن هذه التفرقة لن تكون موجودة فيما لو طلب الجيش نفسه من جهة محددة أن تؤازره، وهذه نقطة جوهرية لحظتها معادلة الرئيس سليمان&bascii117ll;

2- إن إعطاء <حزب الله> لنفسه حق التدخل الفوري في حال اعتُدي على الجيش، من شأنه إرباك الجيش نفسه، لا الدفاع عنه، ذلك أن لكل معركة حساباتها وحدودها وخططها، ودخول طرف آخر على خط المواجهة يؤدي إلى الإرباك، وهذا أمر معلوم في الحروب، لدرجة أن <حزب الله> نفسه، ما كان ليرضى أن يدخل أي حزب يرغب بمساندته في حرب تموز بلا تنسيق معه (وهذا ما حصل فعلاً)، فكيف والجيش قوة مكشوفة، أي متواجدة فوق الأرض، ويسهل استهدافها في حال توسعت المواجهة؟! ثم من قال أصلاً إن توسيع المواجهة وإثخان العدو مفيد في كل زمان ومكان؟!&bascii117ll;

3- على عكس ما قال السيد نصر الله، فإن تدخّل <حزب الله> التلقائي في حال الاعتداء على الجيش، هو بالضبط التفرّد بقرار السلم والحرب، ولا ينفع هنا الاحتماء بالإجماع على الجيش ووطنيته ودوره، لأن قرار السلم والحرب ليس إلا احتكار الدولة -أي السلطة السياسية- تقدير الموقف، وكيفية إدارة الصراع معه العدو، وتالياً تقدير ما إذا المصلحة الوطنية تقتضي الرد أو الاحتفاظ بحق الرد، وما إذا كانت الحسابات السياسية تقتضي التوسع في المواجهة أم حصرها&bascii117ll;&bascii117ll; إيقاف النار أو الاستمرار&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll;، وهذا كله وفق مصالح الدولة العليا&bascii117ll;

4- أخيراً، من البديهي أن لأي حرب تبعاتها التي يتحملها الجميع، لا الجهة التي قاتلت، سواء كان جيشاً أو مقاومة، ومن الطبيعي أن تكون الدولة هي المسؤولة عن تحمّل تبعات الحرب باسم؛ شعبها، وجيشها، ومؤسساتها، وأحزابها&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; والمنطقي -والحال هذه- أن تتبع الجيوش للسلطة السياسية ?كما هو الحال في كل دول العالم- ومن باب أولى أن يسري ذلك على <المقاومة>، وإذا كان هذا الأمر لم يحسم بالنسبة لـ>حزب الله> بعد، لأكثر من سبب، فإن من حق الدولة على الأقل ? وهي التي يشارك فيها الحزب المذكور بقوة- أن تكون في صورة أي توسع للمواجهة باتجاه حرب مدمرة، طالما أنها هي المسؤولة لاحقاً عن الإعمار وبلسمة الجراح والتعويض&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; فمن ذا الذي يضمن لهذه الدولة المسكينة ألا يستفيق رئيس الجمهورية فيها، أو رئيس الحكومة، وكل الشعب، على خبر اعتداء غادر من العدو الإسرائيلي على الجيش، يرد عليه مقاتلو <حزب الله> ? دون إذن الحكومة أو موافقتها- وتندلع مواجهة بلا إعداد أو تقدير؟! وبـ <حسبة> يقدرها فريق، ويتداخل فيها الوطني، بالإقليمي، بالحزبي&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; ألا يمكن أن يقع هكذا سيناريو مستقبلاً، خصوصاً إذا شعرت <إسرائيل> أنها باتت جاهزة للعدوان؟!

في معادلة نصر الله الجديدة: <الجيش يحمي المقاومة، والمقاومة تحمي الجيش، والشعب يحمي المقاومة والجيش معاً>، وما نسي نصر الله أن يذكره أن الدولة تحمي الجميع، لأنها تظلل الجميع، وتعبّر عن الجميع&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; وهنا بيت القصيد


ـ صحيفة 'الحياة'
نظام الفتنة
حسام عيتاني:

يوحي تراجع التوتر في شأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بفعل القمة العربية الثلاثية، أن اللبنانيين تجاوزوا مرة جديدة خطر فتنة سنية – شيعية كادت تذر بقرنها لولا أن تدخّل المصلحون وأهل الخير.
بيد أن ما قبل التهدئة يشبه كثيراً ما بعدها، وينذر هذا بنشوب أزمة إضافية في العلاقات بين الطوائف اللبنانية. والناظر خلف ستار المهاترات اللفظية والإعلامية لن يفاجأ بوجود علّة قديمة تتحكم في رفع حرارة الخطوط الواصلة بين الجماعات، كلما بدا أن مصالحة، بجهود خارجية دائماً، قد تحققت قبل ثوانٍ من وصول عربة اللبنانيين إلى حافة هوة ما لها من قرار.
العلة هذه، ليست غير نظام تقاسم السلطة بين الطوائف، وهو الذي يجعل أنواعاً شتى من المتغيرات تهدد عمله ودوامه. الصراع العربي – الإسرائيلي لا يقل تأثيراً على نظامنا البائس هذا، عن التغير الديموغرافي وتبدل أعداد السكان صعوداً أو هبوطاً. الترجمة الفورية لأي تغيير خارجي أو داخلي هو تشنج الفريق الذي يرى نفسه مهدداً وشروعه في البحث عن مصادر قوة.

المتصفح للحوليات اللبنانية، لن يواجه صعوبة في العثور على براهين السلوك &laqascii117o;البافلوفي" هذا: كل تغير هو إنذار باضطراب أوجه الحياة في لبنان، من السياسة إلى الثقافة. ومن تبدل الأنظمة الملكية في مصر والعراق في خمسينات القرن الماضي، إلى تصاعد الدور الإيراني بعد الغزو الأميركي للعراق، ومن خسارة المسيحيين أكثريتهم السكانية إلى بروز الشيعة كأكثر الطوائف حيوية وتطلباً لحقوق في توسيع التمثيل في مؤسسات الدولة، عوامل شكّلت لوحة الحياة اللبنانية وأسبغت عليها كمية كبيرة من التعابير الرمزية واللغة الإصطلاحية التي تبطن غالباً غير ما تعلن.
ومن السذاجة بمكان الاعتقاد أن تسوية سنية – شيعية، برعاية عربية ودولية حكماً، تقوم على منع توجيه الاتهام إلى عناصر في &laqascii117o;حزب الله" بالتورط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كفيلة بالحيلولة دون الانزلاق إلى الفتنة. فالجولة الماضية من التوتر في لبنان، أي تلك التي انتهت بأحداث السابع من أيار (مايو) 2008، لم يكن &laqascii117o;حزب الله" متهماً في أثنائها بالتهمة المذكورة. فالاحتجاجات التي سبقت الأحداث تلك ومهدت لها وشملت الاعتصام الشهير في وسط العاصمة كانت ترمي إلى إرغام الحكومة على الاستقالة لأسباب تشكل المحكمة الدولية خلفية بعيدة لها.

الخط البياني للخلافات اللبنانية يكشف أن أطراف الانقسام تتغير بتغير المعطى المحلي أو الخارجي. فالانقسام السني – الشيعي سبقه آخر مسيحي – مسلم، وبين هذا وذاك سلسلة من الصراعات الفرعية الشيعية – الشيعية والمارونية – المارونية والدرزية –الشيعية، ناهيك عن حالات فرز عميقة بين الفلسطينيين واللبنانيين وبين هؤلاء وبين سورية وبين هذه وبين الفلسطينيين. ومما يتعين الانتباه إليه أن أياً من الصراعات والانقسامات تلك لم ينته سوى بواحد من حلين: إما القهر العسكري والأمني، وإما اتفاق على تقاسم الغنائم التي تتألف من مال عام وحصص في السلطة وأدوار في العلاقات مع الخارج المنخرط في سياسات لبنان.
عليه، يجوز الجزم أن المرحلة الراهنة من التوتر المخفف بالقمة العربية، سينتهي بعد حين، قريب أو بعيد، نهاية عنيفة أو سلمية، لا فرق طالما أنه سيكون أساس الانقسام التالي وأرضيته.
قيل في أوائل السبعينات، وحيال صراعات وانقسامات مشابهة في المضمون، أن علمنة النظام اللبناني هي المخرج من الدائرة المغلقة هذه. لكن لم تمض سنوات قليلة واكتشف العلمانيون أنهم أضعف من النظام الذي يريدون تغييره، فتفرقوا على قبائلهم لا يلوون على شيء.


ـ 'الحياة'
عن إمكان تفادي الفتنة والحرب
وليد شقير:

يتحدث البعض في لبنان عن الفتنة التي قد تنجم عن صدور قرار ظني عن المحكمة الدولية، كأنها قدر محتوم ويتصرف على أنها آتية لا محالة ويرعب الناس ويضعهم في حيرة حيال مصائرهم ومصير البلد. ويتصرف البعض الآخر على ان الحرب الإسرائيلية على لبنان هي الأخرى قدر محتوم لا مجال لتفاديه أو الحؤول دونه وعدم تجرع كأسه السامة.

وفي المقابل تدل وقائع الأيام القليلة الماضية على ان تجنب الفتنة ممكن وأن تراجع احتمالاتها مرتبط باللبنانيين أنفسهم إذا أرادوا، مهما كانت التدخلات الخارجية التي يمكن أن تخطط لهذه الفتنة ومهما كانت المؤامرة التي يحلو للعقل العربي واللبناني خصوصاً الاستناد إليها في تفسير الكثير من الأمور والسقطات التي وقع فيها فرقاء البلد الذي انزلق الى فخ التقاتل الأهلي مرات عدة بقرارات اتخذها قادة هؤلاء الفرقاء تحت شعارات كبرى وقومية وكونية وإيديولوجية كانت تخفي حضوراً شخصياً أحياناً ومصالح ضيقة أحياناً أخرى وارتباطات بالخارج في كثير من الأحيان. ولطالما أجرى بعض هؤلاء القادة مراجعات اعترفوا فيها بالندم على تلك القرارات التي سبق أن قادت البلاد الى حمامات دماء وموجات هجرة وتخلف في المجتمع يصعب استلحاقه والتعويض عنه إلا بعد أجيال. وهو تخلف ما زال اقتصاد لبنان يحصد نتائجه ومفاعيله الى الآن. كذلك بنيته السياسية التي ازدادت طائفية ورفدتها المذهبية الشنيعة، والتي نجح في تغذيتها بعض العقول المريضة، المنتشية بظروف عابرة، الجاهلة باستحالة ضبط آلة التعصب بعد النفخ فيها.

في السابق، ولمن يجب ان يتعظ اليوم، كان أبرز دليل على إمكان تجنب الفتنة ان الكثير من القيادات التي وصفت إبان الحرب الأهلية اللبنانية بأنها &laqascii117o;تقليدية ورجعية"، لم ينغمس في قرارات الحرب ولم ينزلق الى التسلح والتحريض على رغم احتفاظه بموقعه ومطالبه واعتراضه على الأوضاع.

أما اليوم فإن أبلغ دليل على إمكان تجنب الفتنة هو هذا السيل من التصريحات التي صدرت عن القيادات اللبنانية لمناسبة الخلاف على المحكمة الدولية داعية الى التهدئة وتبريد الأجواء، بعد سلسلة من المواقف التي هددت بالويل والثبور وعظائم الأمور. وأبرز تلك الدعوات، تلك التي صدرت عن الأمين العام لـ &laqascii117o;حزب الله" السيد حسن نصرالله بعد ان كان وضع خصومه السياسيين امام خيارات التأزيم ووعدهم بتصنيفهم في خانة المشروع الإسرائيلي، فأخذ بعض حلفائه يفتعلون التهم لهؤلاء الخصوم ويهددونهم بـ7 أيار جديد وبما هو أدهى منه.

والدليل على ان تحضير أجواء الفتنة أو تجنبها هو في يد اللبنانيين أولاً، أن كلام السيد نصرالله عن التهدئة أراح الساحة السياسية، بعدما كان رئيس الحكومة سعد الحريري جدّد التأكيد انه ملتزم إحباط الفتنة... فهل كانت تلك المساهمة في تراجع المخاوف من الفتنة الى القمة الثلاثية السعودية – السورية - اللبنانية من اجل القيام بها؟ ومع التسليم بحق &laqascii117o;حزب الله" سياسياً في الدفاع عن نفسه إزاء إمكان اتهامه بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إزاء التسريبات الإسرائيلية التي هدفت الى صب الزيت على النار، ألم يكن ممكناً تجنب رمي مسؤولية ما تقوم به إسرائيل على شركاء الحزب في الحكومة والدولة والوطن قبل عقد القمة؟ وهل يعقل ان يُسحب التلويح باتهام بعض هؤلاء الشركاء بالعمالة لمجرد عقد القمة؟ ألا يفرض منطق الأمور ان تُعتبر جريمة اغتيال الرئيس الحريري هي الأصل في الفتنة والتسبب بها والتصرف بمقتضى هذه القناعة لاحتواء تداعيات كل ذلك بدلاً من وضع الساعين الى الحقيقة في خانة الاتهام؟

أما بالنسبة الى قدر الحرب المحتوم، بنظر البعض، فإن واقعة امتناع الجيش اللبناني عن إطلاق النار على الجيش الإسرائيلي وهو يقتلع أشجاراً، يعتبرها لبنان على أرضه، هي دليل على إمكان تجنب هذه الحرب التي تحضر لها إسرائيل. جاء القرار نتيجة حسابات عقلانية بتفادي الانزلاق بالبلد الى مواجهة تستفيد منها الدولة العبرية، تستدرج &laqascii117o;حزب الله" الى قتال يصعب التحكم بمساره. والجديد في ما حصل ان الجيش أحبط احتمال اندلاع مواجهة واسعة، ليس عن تخاذل، بعد ان كان في اليوم الذي سبق أطلق النار على الجيش الإسرائيلي وأنزل خسائر في صفوفه، بحيث لا يمكن اتهامه بالضعف لأن حساباته ارتبطت بالمصلحة اللبنانية لا بأي شيء آخر. فالجيش تصرف على ان القضية ليست قضية شجرة، هو أيضاً، بل قضية حماية البلد


ـ صحيفة 'النهار'
'النقّيفات' بدلاً من 'أم. 16' ؟!
راجح خوري:
 
كيف استطاع المتحدث باسم الخارجية الاميركية أن يسترسل في الرد على الاسئلة المتعلقة بما سمي حرفياً: 'مضاعفات استخدام الجنود اللبنانيين اسلحة اميركية الصنع في المواجهة مع الاسرائيليين'؟!
هكذا بالحرف: مضاعفات استخدام اللبنانيين اسلحة اميركية ضد الاسرائيليين. ولكأن الجيش اللبناني مدجّج فعلاً بالسلاح الأميركي، بما يهدد العدو الاسرائيلي الذي يملـــــك على ما هو معروف وواضح، مفاتيـــــح مخازن الســـــلاح الاميركي المكـــــدّس في القواعــــــد من الخليج الى الولايات المتحدة، مـــــروراً بكل مراكز حلف الاطلسي في أوروبا.
الذين طرحوا هذه الاسئلة على فيليب كراولي، هم بالـــــتأكيد من الاسرائيليين أو الصهاينـــــة، الذين امتــــعضـــوا طبعاً عندما قال، انـــــه يستبعد 'ان يغيّر ذلك بشـــكل جوهــــــري الدعــــم العسكري الذي نوفّــــره للحكومة اللبنانية'!
ولكن هذا يعني ان التغيير ممكن، ولكن ليس بشكل جوهري (!) بمعنى ان اميركا قد تتوقف عن تزويد الحكومة اللبنانية بنادق 'ام. 16' وهي أثقل سلاح اميركي حصلنا عليه حتى الآن، وتستعيض عن ذلك بإرسال 'النقيفات' او 'المقاليع' او المنجنيق، وما الى ذلك من 'الاسلحة البدائية' التي لا تزعج الاسرائيليين!

طبعاً، إن ذلك يدعو الى مرارة السخرية، وخصوصاً ان الشكوى الاسرائيلية من تسليح الجيش اللبناني (مرحباً على تسليح كهذا) تأتي مباشرة بعد موافقة واشنطن على تزويد تل ابيب عدداً من طائرات 'اف 35' وهي الاحدث في العالم، وبالكاد حصل عليها الجيش الاميركي.
ثم ان لبنان هو الذي تعرّض دائما للعدوان والتدمير وبالاسلحة الاميركية، الموضوعة بتصرّف الاسرائيليين، ورغم هذا يستكثر عليه مقاولو الحروب في تل ابيب، الحصول على بنادق وملالات وعربات مجنزرة وسترات مضادة للرصاص واحذية، وما الى ذلك من العتاد البسيط، الذي لا يجوز ان يقارن بما تحصل عليه اسرائيل.
ولعل من الضروري الانتباه الى ان الذين رفعوا ويرفعون في واشنطن، شعار ضمان أمن إسرائيل وتفوّقها على العرب، تعاموا دائماً عن الواقع الذي يؤكد ان حكّام السياسة الأميركية المدمرة في الشرق الاوساط والعالمين العربي والاسلامي، انما هو نتيجة وضع ترسانة الاسلحة الاميركية في أيدي الاسرائيليين وحروبهم وتوسّعهم.

ولعلّ المضحك تماماً الآن، بعد تصدّي الجيش اللبناني للعدو في عديسة، هو انخراط اسرائيل في حملة ديبلوماسية واعلامية واسعة هدفها الضغط على اميركا وفرنسا تحديداً كي تتوقفا عن تقديم المساعدات الى الجيش اللبناني.
لا تنتهي الوقاحة عند هذا الحد، لأن تل أبيب تفترض صراحة ان دول العالم تسلّح الجيش اللبناني لا ليحمي حدوده بل ليتصدى لـ'حزب الله' أو ليستعمل سلاحه في الداخل لا في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية الوقحة.
هكذا بالحرف، ومن دون ان نسمع كلمة منطق مفيدة وعاقلـــــة من كراولي او من غيره للــــــرد على القــــــاتل الذي يريـــد تجريد الضحية من حق الدفاع البسيط جداً عن النفس!


ـ 'السفير'

الجيش اللبناني والحسابات الإسرائيلية الكبرى
 سامي كليب:

 توحي معظم تعليقات الصحف الاسرائيلية الصادرة أمس بأن الجيش اللبناني بات في دائرة الاستهداف، وان الحكومة اللبنانية ستتحمل مسؤولية كل ما قد يحدث عند الحدود. ولكن جل هذه التعليقات يؤكد على استبعاد الحرب في الوقت الراهن، فماذا تريد اسرائيل؟
جزء من الجواب يكمن في ما حصل مؤخرا في المنطقة على المستويات السياسية والامنية، لأن اسرائيل شعرت على ما يبدو بأن ثمة طوقا يضرب حولها لا بد من كسره، وهذا أبرز ما حصل:
- فوضت لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية الرئيس الفلسطيني محمود عباس التفاوض مباشرة مع اسرائيل، متجاوبة مع ضغط أميركي ملح بهذا الخصوص. انتقلت الكرة مجددا الى الملعب الاسرائيلي، وبنيامين نتنياهو أعجز من ان يقدم تنازلات بالمستوطنات وغيرها في الوقت الراهن، وهو أصلا غير راغب بها عقائديا وسياسيا، ويعتقد ان كل تحالفه الحكومي مهدد، فلا بد من إيجاد ذريعة خارجية.
- زار لبنان العاهل السعودي الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الاسد وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بينما كانت اسرائيل تراهن على &laqascii117o;فتيل" القرار الظني في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري لتفجير الوضع الداخلي ضد حزب الله. وظهر مجددا للحكومة الاسرائيلية أن الدعم السوري للمقاومة لا يزال كبيرا، وأن قوى 14 آذار باتت في جزء كبير منها متعاونة تماما مع دمشق خصوصا بعد الزيارات السورية الناجحة لرئيس الحكومة سعد الحريري.
- اضطرت اسرائيل لقبول لجنة التحقيق الدولية بالاعتداء على أسطول الحرية، وهي تدرك تماما أن النتائج لن تكون لمصلحتها وقد تقارب نتائج تقرير غولدستون، وتضاعف تشويه سمعتها التي تأثرت كثيرا بعد استخدام جوازات سفر مزورة لاغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح. هل كان تزامن قبولها بلجنة التحقيق المشتركة، والاعتداءات على منطقة العديسة محض صدفة؟

- تعرضت اسرائيل لإطلاق صواريخ من سيناء صوب العقبة وايلات، وسارعت لاتهام حماس بالتورط ومصر بالتواطؤ، ولكن تبين أيضا أن ثمة بؤرا أمنية ترعاها قبائل في سيناء تساعد المقاومة.
- تكثفت في لبنان مؤخرا عمليات اكتشاف شبكات جواسيس لإسرائيل، كما تم الكشف عن تلاعب بشبكة الاتصالات، ولو استمر الأمر على نحوه الراهن فقد يتم الكشف عن معلومات خطيرة ضد اسرائيل.
- تراقب اسرائيل بقلق كبير المؤتمرات الصحافية للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خصوصا اذا ما كشف عن معلومات جازمة كما وعد بشأن تورطها باغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري.
هذه الاسباب من شأنها دفع اسرائيل للبحث عن مخارج سياسية وأمنية خارج حدودها، لكنها تدرك أن خوضها حربا شاملة ضد حزب الله أو حماس أو ايران تحمل هذه المرة مخاطر كبيرة من الصعب توقع كوارثيتها على الجانب الاسرائيلي. وتسعى بالتالي لتحذير الحكومة اللبنانية من عواقب أي عمل عسكري، على اعتبار ان مثل هذا التحذير سيزيد الضغط السياسي الداخلي والاقليمي على حزب الله لضبط النفس ولمزيد من التهدئة.

ولكنها في الوقت نفسه بدأت تسرب معلومات وتعزز الدعاية ضد الجيش اللبناني، فيقول المعلق سمدار بيري في &laqascii117o;يديعوت احرونوت" ان &laqascii117o;الجيش الاسرائيلي يتابع منذ زمن بعيد التطرف المتنامي في الجيش اللبناني". ويقول عميت كوهين في &laqascii117o;معاريف" انه &laqascii117o;في السنوات الاربع الاخيرة تسللت روح &laqascii117o;حزب الله" الى داخل صفوف الجيش اللبناني" ويعلق عوفر شيلح في الصحيفة نفسها ان &laqascii117o;بين حزب الله والجيش اللبناني في الجنوب علاقات حميمة، ذلك أن الجيش يساعد الحزب على التملص من رقابة الأمم المتحدة، وحزب الله لا يتخطى السيادة المزعومة للجيش".
من الواضح أن الجيش اللبناني بات في دائرة الاستهداف، والتقارير الاسرائيلية المنشورة في الصحف أو عبر الانترنيت تسرب معلومات بأن كل مواقع الجيش اللبناني معروفة تماما لدى الاستخبارات الاسرائيلية ويسهل ضربها.
ولكن ثمة أمورا لا تزال تلجم إسرائيل عن ضرب الجيش اللبناني، أبرزها ان حزب الله أكد دعمه المطلق لهذا الجيش وان &laqascii117o;اليد التي ستمتد اليه ستقطعها المقاومة" وفق السيد حسن نصر الله، وثانيها ان الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا يدعمون الجيش اللبناني بالعتاد (ولو نسبيا) لكي يضبط الامن جنوبا ويتعاون مع &laqascii117o;اليونيفيل"، وثالثها ان اسرائيل لا تزال تعتبر الجيش أقل خطرا بكثير عليها من الحزب.
ولعل ما حصل عند العديسة ومعركة اقتلاع الاشجار، كان بمثابة جرس إنذار، يرتب على الجيش اللبناني واجب الحذر الكبير في كل خطوة مقبلة، ذلك ان اسرائيل بحاجة الى أي &laqascii117o;انتصار" مهما كان حجمه ونوعه لإقناع شعبها بأن جيشها لا يزال قويا بعد ان تقهقرت سمعته 3 مرات في سنوات قليلة، اثنتان في لبنان وثالثة في غزة.

أما الحرب الكبرى، فكل الاستعدادات جارية لأجلها من مختلف الاطراف، ولكن يبدو أن لا مصلحة لأحد في الوقت الراهن بخوضها. والمطلوب إسرائيليا في هذا الوقت هو عدد من بؤر التوتر لتحويل الانظار عما تعدُّه إسرائيل لفلسطين، وانتظار ما سيؤول اليه الملف الايراني، وما سيحصل بعد استكمال الانسحاب الاميركي من العراق. فهل يطول الانضباط؟
تؤكد التجارب السابقة مع اسرائيل ان كل الاحتمالات تبقى واردة وخصوصا العسكرية منها كلما شعر الاسرائيليون بإحراج سياسي أو أمني، أو كلما شعروا بأن العرب وفروا لهم غطاء سياسيا. أثبتت اسرائيل قدرة هائلة على الهروب الى الامام، حتى ولو كان في هذا الهروب هزائم لها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد