قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 9/8/2010

- صحيفة 'الأخبار'
القتل الرمزي
خالد صاغية:

اللبنانيّون على موعد اليوم مع مؤتمر صحافي قد يطول لساعات. يقال إنّ المعلومات التي ستُعرَض خلاله تحمل الكثير من المفاجآت. كان يمكن المتعةَ أن تكون مضاعفة لولا زيارة الملك عبد اللّه والرئيس بشار الأسد. لكن، رغم أجواء التهدئة، ورغم إخفاء الكثير من المستور، تنبئ التسريبات بليلة مليئة بالتشويق. وهو تشويق لا يضاهيه إلا بدء الاشتباه بشخصيات عامّة ومعروفة بتهمة التعامل مع إسرائيل.
لقد زخرت الأيّام القليلة الماضية بشائعات لا نهاية لها عن توقيف عدد من المشتبه فيهم. قيادة الجيش اضطرّت إلى إصدار بيان نبّه من &laqascii117o;مغبّة إطلاق الاتهامات جزافاً"، وحذّرت فيه &laqascii117o;مروّجي الشائعات من أنّها لن تتهاون في الحفاظ على سمعة عسكريّيها". لكنّ الشائعات لم تطل الجيش وحده. يكاد كلّ مبنى في لبنان ينظر سكّانه بعين الحذر بعضهم إلى بعض. فبعدما اشتُبه بضبّاط حاليّين وسابقين، وبموظّفين في قطاعات حسّاسة، وبمواطنين عُرفوا بتاريخ نضالي طويل ضدّ إسرائيل، لم يعد أحد &laqascii117o;فوق رأسه خيمة". وفي جوّ مسموم بالانقسامات السياسيّة والطائفيّة، يبدو الميل الأوّلي للناس إلى تصديق الشائعات، لا بل تمنّي ثبوت صحّتها.
وذلك من علامات العيش في بلاد لم تتمكّن القنوات السياسيّة من إدارة انقساماتها. حتّى &laqascii117o;صيد العملاء" دخل السباق. مقابل فايز ك.، يُنتظر الانقضاض على فريسة دسمة من الطرف الآخر، مِن قِبل جهاز أمنيّ مختلف عن الجهاز الذي أوقف العميد المتقاعد.
كذلك بالنسبة إلى مؤتمر اليوم. لا يبدو التشويق نابعاً من انتظار أدلّة تشير إلى احتمال تورّط إسرائيل في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بقدر ما هو نابع من ترقّب ما إذا كان السيّد حسن نصر اللّه سوف يبوح بأسماء شخصيّات عامّة متورّطة بفبركة شهود الزور.
وبغضّ النظر عن التثبّت من الاتهامات بالعمالة أو عدمه، ومهما يكن حجم التورّط في تضليل المحكمة الدوليّة، فإنّ المدهش حقاً هو هذا الجوع المزمن عند اللبنانيّين إلى &laqascii117o;قتل" بعضهم بعضاً. وإذا كان المأمول ألا تتجدّد الحرب الأهليّة التي انتهت منذ عشرين عاماً فقط، فإنّ القتل الرمزيّ هو السائد حالياً. هكذا &laqascii117o;يُقتَل" حزب اللّه باتّهامه باغتيال الحريري، وهكذا &laqascii117o;يُقتَل" تيّار المستقبل باتّهامه بتضليل التحقيق باغتيال مؤسّسه، وهكذا &laqascii117o;يُقتَل" التيّار الوطني الحرّ باتّهام أحد رموزه بالعمالة لإسرائيل...
القتل شغّال. لا داعي لانتظار الحرب.


- 'الأخبار'
جمهور الحقيقة: لعبة توم أند جيري
ضحى شمس:

الخيانة، الكراهية والفقر. في هذا المثلث التراجيدي الأشبه بمسرحيات شكسبير، يجد جمهور تيار المستقبل في عكار نفسه، متروكاً، متجرّعاً مرارة من تعرّض لخيانة أقرب الناس إليه، فيما لا يبدو مستقبله في ظل التغيرات الإقليمية واضحاً، أما صدقيّة المحكمة الدولية؟ فبالنسبة للكثيرين بينهم مجرّد &laqascii117o;شيء انتهى"
الحرّ. يتراقص الهواء الساخن المتصاعد من محرك السيارة المتجهة بنا شمالاً، كألسنة لهب لا لون لها، فيتراقص معه مشهد الطريق الممتدة بإسفلتها العتيق الى &laqascii117o;مجاهل" عكار. في العقل أيضاً، تغلي أسئلة راهنة. وفي القلب ارتجاف قلق من طرحها على مواطنين عبّئوا لسنوات مذهبياً على خلفية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يعود التوتر مع عودة سيناريوهات المحكمة الدولية الخاصة، ليرخي بظلاله في ظل إحساس بالخيبة والعجز وكره الذات، فكيف بالآخر. موجة الحرّ غير المسبوقة، وأكسسواراتها اللبنانية من تقنين متزايد للتيار الكهربائي وللمياه وحال الطرقات، يجعل من عكار، ككل المناطق، بيئة حاضرة للتفجير في أي لحظة، لولا رحمة... اليأس. تدوير الكلام ليس مهماً في تصريحات السياسيين. التلميحات المبطّنة هي ما يبقى في أذهان مواطنين استنبطوا &laqascii117o;شيفرة" يفكّكون بها تصريحات سياسييهم. كلام هذا الجمهور، الذي اخترنا عشوائياً بعض من يمثله من معاقل السنّية السياسية بالمعنى الحريري في عكار، ينضح بالمرارة. كيف يذهب ابن الشهيد، صاحب الدم، الى سوريا التي لا تزال في أذهانهم متّهمة؟ لم يكلّف أحد نفسه أن يشرح لهؤلاء، الواقعين جغرافياً تحت ظل الجارة الشمالية، كيف أصبحت فجأة &laqascii117o;كعبة" سياسية يحجّ الجميع إليها! وقود التظاهرات المليونية هم ركاب البوسطات الممطرة &laqascii117o;ملايين" على الساحات، والملبية بكل إخلاص نداء ابن الشهيد، متى أراد وأينما أراد و&laqascii117o;زيّ ما هيّي". عُبّئوا كمرجل كراهية، قاربوا الانفجار، ارتكب بعضهم مجزرة بحلبا يندى لها جبين الحرب الأهلية، خسروا، ازدادوا كراهية، ثم تركوا لمصيرهم في المكان الذي أرادوا بأي ثمن الخروج منه: على هامش الوطن.
اليوم، تعود مظاهر التوتر المذهبي ولكن بدون قدرة على &laqascii117o;ترجمتها" ميدانياً: مشهد المصالحة السورية السعودية لا يسمح بذلك. لكن ما الذي بقي من صدقية المحكمة الدولية في أذهان &laqascii117o;جمهورها" بعد كل التطورات؟ الضياع في سؤال كبير: من يكذب علينا؟ معطوفاً على الإحساس بالخيانة. يولد هذا الإحساس، للمفارقة، شعوراً طبقياً: الكبار الأغنياء يتصالحون ويتركون الصغار في الشارع نهباً لما اختزنوه من كراهية وخوف: هل تعود سوريا مرة أخرى بمباركة سعودية الى لبنان؟ وما الذي سيحصل لـ&laqascii117o;الصغار" بعد كل ما قاموا به إثر اتهام سوريا و&laqascii117o;إعدامها" إعلامياً؟
تكاد تأخذ نفَساً عميقاً قبل دخول المنية، لشدة تحسّبك لردود أفعال صوّرت لك عنيفة. الرجل بالفانيلة البيضاء والشورت، والذي كان يمسك بنربيش بلاستيكي يرش منه المياه على أرضية مغسل السيارات مستمتعاً بالرذاذ البارد، بدا لنا بداية طيبة. حرص الشاب، الذي قال لنا بداية إنه &laqascii117o;ما في مشكلة" بالنسبة إلى ذكر اسمه، ليعود فيغير رأيه في نهاية المقابلة، على تمييز نفسه عن أهل المنطقة. فهو &laqascii117o;صاحب كيف، كل يوم باخذلي 3 أو 4 بيرة، أعزّ أصحابي من بكفيا"، يقول ذلك لسبب ما. نسأله عن الزيارة الملكية الرئاسية، وإن كانت قد نجحت في تخفيف التوتر في البلاد. يردّ وهو يكنس الهواء بظاهر كفه &laqascii117o;وأنا شو بدّي باللي راح واللي إجا؟ خلّيني بعيد. شاغلينا بلقمة الأكل"، ليقفز فجأة الى &laqascii117o;أنا بحب حسن نصر الله ومفهوميّته. وبحب رجوليته"، يصمت لينظر إليّ مباشرة وهو يقول: &laqascii117o;أنا سنّي" يقولها كأنما ليدلّل على مدى &laqascii117o;غرابة" ما يقول. ويتابع &laqascii117o;عشت حياتي لم أكن أعرف السني من الشيعي، حتى التحقت بالخدمة العسكرية". ثم &laqascii117o;تابعت الأخبار، فوجدتها تافهة. ببساطة: إذا مات فقير فلا أحد يدري به، وإن مات غني كل العالم بتطلع وراه". لكن، ما الذي يعجبه في نصر الله و&laqascii117o;الموسم" معاكس لمشاعر من هذا النوع؟ يقول: &laqascii117o;فهمان. واثق من نفسه، ورجّال". ولكن، هل هذا سبب لنفي ما يشاع عن اتهام &laqascii117o;عناصر غير منضبطين" من حزبه؟ يقول: &laqascii117o;أنا لا أتهمهم مطلقاً. أعوذ بالله. إذا في شي عاطل عم ينقال، عم ينشروه جماعة سعد (الحريري رئيس الوزراء)، كرّهونا فيه. سعد كنت أحبه" تساءلنا إن كان للانتخابات النيابية الأخيرة علاقة بما بدا لنا إثر تكراره، إنه مؤشر لتحوّل الرأي العام في المنية؟ الجواب بالإيجاب. يروي الرجل عن اللاعدالة في توزيع &laqascii117o;الأموال الأنتخابية"، أي الرشى، بلهجة لا يخالجها أي شك بأن ما يقوله شيء &laqascii117o;عادي"، مشتكياً كيف أن رئيس تيار المستقبل السابق في الشمال &laqascii117o;جاب 6 ملايين دولار بالكراتين" حسب زعمه، لكنه &laqascii117o;كان يفيد أقاربه وزلمه". ثم يختم بالحكمة الآتية: &laqascii117o;الاستفادة مش كخ، لما بتكون الأيدي أمينة، بس ناس تاخذ وناس لأ؟ ليه؟".
غير بعيد عنه، عند زاوية الشارع، يجلس رجل ستّيني على حجر أمام محل مقفل. لا تفهم ماذا يفعل هنا. ربما يتسقط بعض الهواء، مزجياً الوقت بمراقبة السيارات العابرة، وهو يسقط خرزات مسبحته الواحدة فوق الأخرى مستأنساً بصوت طقطقتها. نسأله عن رأيه في زيارة الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله بن عبد العزيز، فيجيب بتعب: &laqascii117o;أنا ما بحكي بالسياسة". لكنه يحكي: &laqascii117o;بس جملة واحدة: مرجعية سعد الحريري وحسن نصر الله صارت واحدة: سوريا". يستشهد بالانتخابات الأخيرة: &laqascii117o;سألهم؟ (يقصد سعد) مين بحط كاظم (الخير) ولا كمال(الخير) قالوا له حط كاظم. ومن هنا بدأ كل شيء. فأمّ كاظم سورية، أي أنه عديل عبد الله الأحمر. فهمت؟ يعني بدك تقولي اليوم المنية نص مع هيدا ونص مع هيدا. بس الاتنين مرجعيتهم بشار؟".
على مقربة من المكان، حلاق كان يعمل قصاً في شعر زبون. يقول أحمد (..) إنه يحس &laqascii117o;بيأس. السياسة كلها مش مزبوطة. كل إنسان منحاز لطائفته. أكثرية السياسيين عم يشتغلوا بطوائفهم. ونحن قرفانين من هالشي. المحكمة الدولية؟ شيء انتهى. ما في محكمة دولية. مغمغوها". هل يقصد أن القاتل معروف؟ يقول: &laqascii117o;أكيد، بس بالسياسة ما فيهم يقولوا". ومن هو برأيه؟ يقول &laqascii117o;معروفة: السوريين. ولكنهم عاملين حركيشة لحسن نصر الله حتى يشتغلوا متل ما بدهم. يريدون خراب البلد". ولكن المحكمة الدولية ابتعدت عن سوريا. يجيب: &laqascii117o;أميركا ما الها علاقة. اكيد اسرائيل لها علاقة". وهل يظن ان زيارة الرئيس والملك بردت الأجواء؟ يجيب: &laqascii117o;الزيارة لم تكن لازمة. بشار (الأسد) عمل بلبلة بالبلد لما إجا. هناك من يحبه، وهناك من يكرهه. أنا أحبه (!) لأن كلمته كلمة. مش متل اللي عنا". والملك عبد الله؟ يقول &laqascii117o;لا أعرف عنه شيئاً". أما التوتر في البلد؟ فيقول &laqascii117o;الجو للآن عادي. الناس ما قامت بعد عنا بالمنية ما في توتر"! وما الذي قد يسبب التوتر إذاً؟ يقول: &laqascii117o;إذا سعد طلع ع التلفزيون وقال ما لازم بشار يجي. ما بيجنوا الناس؟ أكيد". ثم يقول &laqascii117o;أتريدين رأيي كمواطن؟ المحكمة الدولية بالنسبة لي مثل (المسلسل الكرتوني) توم اند جيري: ساعة بيقولولك طلعوا قرار، ساعة رح يلغوها، كلو عم يركض ورا كلو وما مفهوم شي. ما بقى عندي ثقة بالمحكمة". ثم يسأل: &laqascii117o;هلق هيدي المحكمة أليست للحريري؟ كم مضى على مقتله؟ ألم يعرفوا من هو القاتل بعد؟ متل ما قلتلك: توم اند جيري". وهل هو مع اتهام حزب الله؟ يجيب: &laqascii117o;لا يجب اتهام نصر الله. أنا ضد. لأنه وقف وقفة بوجه اسرائيل الجيش نفسه لم يقفها". الزبون بين يديه، والذي كانت رغوة الصابون تملأ وجهه فتح فمه ليقول الحكمة الآتية &laqascii117o;يا عمي، لما كان هناك فت مصاري، كان بدّهم الحقيقة. اليوم ما عاد حدا بدو إياها".في الطرقات الداخلية، نعثر على كاراج لتصليح الآليات وقف فيه بعض الرجال، كلهم بالفانيلة في هذا الحرّ الدبق برغم ان الغروب قد حلّ. أحدهم، كان ينزل أكياساً من شاحنة متوقفة. ما إن يسمع السؤال حتى يأخذ برواية أنه كان بشاحنته على المصنع حين وصل &laqascii117o;درج الملك"، يقصد السلم الكهربائي لطائرة الملك عبد الله، والذي استخدمه في مطار بيروت. نتحول الى رجل بقربه &laqascii117o;لا أصدق أنه نصر الله" يقول رداً على موضوع صدقية المحكمة، ويستطرد كأنما يسأل نفسه: &laqascii117o;لكن من؟ سوريا؟ ليس لها مصلحة. لم لا يقال إنها فتنة من اليهود وأميركا حتى يخربوا البلد"؟ ثم يضيف متعجباً: &laqascii117o;انو كل أميركا هلق ما بقى يتطلعو الا بمأتم الحريري؟" (يقصد تركيز التلفزيونات العالمية على الحدث أيامها) أنا مع انسحاب سوريا من لبنان، سعد يروح لعند السيد ويسلم عليه".
يتدخل رجل &laqascii117o;الدرج الملكي" ليقول ان الشيعة هم من قتلوا الرئيس الحريري. أخيراً بعض الكلام الطائفي، نكاد نقول! ولم يظن ذلك؟ نسأله، وإذا به يجيب: &laqascii117o;لأنهم بيزرّكولي! أنا بفضّي نقلات وين ما كان بلبنان، عندهم بالضاحية كمان. بس بيضلّو يزرّكولي: الحريري تبعك، عمر تبعك، أشيا هيك وأنا بنقهر. بس ما فيني قول شي". نسأله لم لا يشكوهم؟ فيرد: &laqascii117o;يقولون لي انهم حراس نصر الله، ما فيني عليهم!" تبتسم محاولاً ان تجيبه بأن حراس نصر الله لا يعرفون عن أنفسهم بهذه الصفة لو كانوا حقيقيين، لكنك تتنبه الى أنه على شيء من البساطة.
تحاول الإفلات من كبايات العصير، توفيراً لكلفة الضيافة على الناس، لكنها سرعان ما نزلت على صينية فضة من المنزل فوق الكاراج. تبقى لتسمع الرجل يقول &laqascii117o;إجا سعد الحريري وضبّ كل هالزعامات السنية وبس بقي هوي. هيدا شي مش مزبوط. في ناس كل عمرها تشتغل. ليه حتى يقعدوهم ببيتهم؟". تنقطع الكهرباء فنغرق في عتمة دامسة. كانت الساعة قد شارفت على الثامنة مساء. يسأل الرجل: &laqascii117o;طيب هاه: نحنا لا بحرب ولا شي. ليش عم تنقطع الكهرباء؟".
في بحنين، البلدة الحريرية الاخرى، &laqascii117o;نورت" ايضاً. اي ان الكهرباء انقطعت بمجرد دخولنا لمحل الخلوي الذي كان لا يزال فاتحاً ابوابه في هذه الساعة. الشابان في الداخل على مستوى من العلم كما بدوا لنا. نسأل حسام البقاعي، رأيه بما يحصل في بلبلة المحكمة الدولية، فيجيب بقرف مهذب &laqascii117o;ما حضرت. ما تابعت"، لكنه برغم ذلك يسال: &laqascii117o;هلق بدي أسألك سؤال: إذا حكى الكبار مع بعضهم والزغار ما عم يردوا؟ لشو؟" ويشرح: &laqascii117o;واحد رئيس 8 آذار، وواحد رئيس 14(الأسد وعبد الله) يا ترى نصر الله رح ينفذ اللي قاله بشار؟". لا يتأخر الجواب: &laqascii117o;لأ. فمصلحته لا تقضي بذلك! سوريا تصحح علاقتها بالسعودية، وهناك خلاف بين سوريا وإيران. فرنسا ارسلت للسوريين مندوباً وزبطت العلاقات معهم. ومبينة ان سوريا ستتسلّم أكثر من قبل. فهي سلّفت السعودية حين هدّأت اللعب بين الحوثيين والسعودية".
والمحكمة الدولية؟ &laqascii117o;كله كذب. أحمد فتفت مع مين؟ مع سعد. لما كان يحكي عن بشار، كان يقول ان له علاقة (باغتيال الحريري). لو بيعرف سعد ان بشار له علاقة كان راح لعنده؟ برأيي لأ. هلق الاتهامات لحسن نصر الله. خلص الشعب قرف من كل الكذب، من كل النواب. نحن في بحنين مسميّين على سعد الحريري. روحي شوفي نسبة السرطان اللي طالعة طلوع من ورا مدخنة معمل دير عمار (لإنتاج الطاقة) روحي شوفي الحملان الضعيف لشجر الليمون تحت خطوط التوتر العالي. حبة الليمون انجق هالقد (يكوِّر ثلاثة أصابع تدليلاً على صغرها). يا ترى سعد الحريري مهتم لنا؟ ماتوا الشباب كرمال سعد (7 أيار) تاني يوم كانوا (الزعماء) عم يتعشّوا سوا". ثم يبلغ انفعاله مداه فيقول: &laqascii117o;فلتسمح الحكومة وليوم واحد بالهجرة. ما بيضلّ حدا من عمر 30 ونزول بلبنان". ثم يقول رجل ثان كان واقفاً: &laqascii117o;المحكمة مسيّسة قدّ ما بدِّك، كرمال يتركوا لبنان مزعزع. إنو قد ما فيكن قتّلوا بعضكن، وهيك عم يصير".
ولكن من هو صاحب المصلحة بترك لبنان &laqascii117o;مزعزع". يجيب فوراً: &laqascii117o;إيران وأميركا واسرائيل". ثم يردف: &laqascii117o;ما حرام لبنان؟ أحلى جيش وأحلى مطار. كانت أميركا تستحلي تجي لعنا. هيك يصير فينا؟ لا والله انا اليوم ما بفتخر إني لبناني. في دعاية عالتلفزيون كان يطلع فيها واحد يقول أنا أميركي، (وآخر) انا فرنساوي، ولما توصل عاللبنانية بيقولوا: انا سني، أنا مسيحي، أنا شيعي.. لا والله ما بفتخر".
يعود الأول إلى الكلام: &laqascii117o;الرؤساء عملوا شرخ بين اللبنانيين ما بينوصل. يمكن من عقلي (لو ترك وحده) لو التقيت شيعياً لاتفقت معه، بس ما بيخلونا".
مؤشرات إضافية
عتمة دامسة على الطريق الى حلبا، غداة عيد الجيش في الأول من آب، بدت اللافتات المرفوعة على طول الطريق مؤشراً إضافياً إلى تحولات المزاج الشعبي هنا. يقول مضيفنا العكاري ان هذه اللافتات التي ترحب كلها بالجيش بمناسبة عيده، كانت منذ سنتين ترحب بالمناسبة نفسها بقوى الأمن الداخلي! امام مدخل مخيم نهر البارد، لم يجد الجيش مكاناً افضل ليرفع نصباً لشهدائه في معركة &laqascii117o;مخيم البارد". اما معركة تموز التي سقط فيها للجيش شهداء في مركز الاستخبارات القريب؟ فلا نصب لهم. &laqascii117o;الحقيقة" تضرب من جديد.
بالقرب من المكان الذي حصلت فيه مجزرة حلبا، يجلس شاب وصديقه في العتمة، امام محل للصوتيات، مستأنسين بحركة السيارات الليلية. يبدو حاسماً في إجابته &laqascii117o;حقيقة ما في. كم رجل سياسي قتل عندنا؟ لا أحط بذمتي، ولكن أليس القاتل لبنانياً؟ أكيد لبناني، ولكنه أداة للخارج". نسأله ومن له مصلحة بتوتر البلد؟ نظن ان الجواب بديهي، لكنه يرد: &laqascii117o;حسن نصر الله، بدو يعمل البلد شيعة"! مضيفاً: &laqascii117o;بدو يعملها إيران خاصة إذا اجتمعت إيران مع سوريا لأن العلويين ضد السنة!". لكن، ألم ينس اسرائيل؟ يجيب فوراً: &laqascii117o;والله لو بشوفها لنتفها تنتيف باسناني. حدا بيجي مع اسرائيل ضد نصر الله؟".
في العتمة الدامسة، نتوقف على الأوتوستراد بجانب مجموعة من الشبان كانوا يسندون حائطاً الى جانب الطريق. لا تفهم لماذا يقفون هناك فلا شيء مميزاً في الحائط: ليس أسفل مبنى، وليس زاوية وليس حتى تحت عمود الكهرباء. نسألهم اسئلتنا، فيأخذون بالضحك، خجلين بعض الشيء، وعدوانيين ايضاً بعض الشيء. لا تتأخر عن فهم ان الشباب &laqascii117o;محبحبة شوية". نسألهم ونحن نهمّ بركوب السيارة &laqascii117o;حدا بدو فيزا يا شباب؟". وإذا بهم يتجهون جميعا إلينا، متسائلين &laqascii117o;بأدّيش؟" فيما كان أحدهم يقول بسخرية: &laqascii117o;شفتوا كيف جابتنا كلنا لعندها بكلمة؟".


- 'الأخبار'
بناة المحكمة زعزعوا صدقيتها
داود خير الله(أستاذ في القانون الدولي بجامعة جورج تاون):

تُعتبر الثقة بعدالة المحكمة وتجردها، أية محكمة، من جانب المجتمع المعني بقراراتها، شرطاً أساسياً لفاعلية هذه القرارات وإيجابية أثرها. ولا تشذ عن هذه القاعدة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فبقدر ما تحوم الشكوك حول نزاهة المحكمة الدولية واستقلالها وتجردها، بقدر ما تتحول النظرة للمحكمة من مصدر للعدالة وإحقاق الحق إلى أداة لإيقاع الظلم.
من أسف أن معظم ما قام به بناة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يدفع إلى التشكيك بتجردها واستقلالها عن المآرب السياسية وينال من صدقيتها، وما يلي هو عيّنة من الأدّلة على ذلك:
1) الاتهامات والأحكام المسبقة التي كان يطلقها مسؤولون رسميون، وخاصة في الدول التي كانت لها الباع الأطول في إقامة لجنة التحقيق أولاً، ومن ثم المحكمة الدولية، بحق أطراف معينة منذ اللحظة الأولى لاغتيال الرئيس الحريري، وقبل إجراء أي تحقيق أو الحصول على أيّة أدلّة.
2) التجاوزات الهادفة التي ارتكبتها لجنة التحقيق الدولية، برئاسة ديتليف ميليس، بما في ذلك مخالفة معظم أصول التحقيق الجنائي، إن لجهة انتهاك مبدأ سرية التحقيق أو لجهة بلوغ استنتاجات قطعية في أول تقاريرها دون الاستناد إلى أيّة أدلّة مقبولة قانونياً، واستغلال تلك التقارير لاستصدار قرارات تعسفية من مجلس الأمن الدولي. وكذلك اتخاذ إجراءات ليس لها مبرر قانوني، مثل اعتقال الضباط المسؤولين عن الوضع الأمني في لبنان.
3) إنشاء مجلس الأمن، لأول مرة في تاريخه، محكمة دولية هدفها محاكمة المسؤولين عن جريمة لا تعريف ولا عقوبة لها في القانون الدولي، ويطبق بشأنها القانون الوطني حصراً (في وضعنا القانون اللبناني). ويتجاهل مجلس الأمن مجرد التحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الذي هو في صلب القانون الجنائي الدولي ومبرر إقامة كل المحاكم الدولية التي سبقت المحكمة الخاصة بلبنان. وقد ارتكبت إسرائيل هذه الجرائم بحق لبنانيين في فترة تلت اغتيال الرئيس الحريري وسبقت إنشاء المحكمة، أي في عام 2006.
4) لأول مرة، ومن المستبعد جداً أن تتكرر، يلجأ مجلس الأمن إلى الفصل السابع من الميثاق الأممي لإنشاء محكمة أساسها القانوني اتفاقية لم تستوفِ الشروط الدستورية لإبرامها، إن لجانب الجهة الصالحة للتفاوض بشأنها، أو لجهة موافقة السلطة التشريعية للدولة عليها التي هي الطرف الأساسي في هذه الاتفاقية، ما يطرح علامة استفهام كبرى حول قانونية المحكمة.
5) لأول مرة تنشئ الدول المقررة في مجلس الأمن محكمة دولية بموجب الفصل السابع لا تنظر بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي كانت تعتبرها هذه الدول المبرر الوحيد لإقامة محاكم جنائية دولية بموجب الفصل السابع.
6) ولأول مرة يقيم مجلس الأمن محكمة دولية باللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق الأممي لا تموّل من الموازنة العامة لللأمم المتحدة، بل تتولّى تمويلها دول متطوعة هي في الغالب القوى التي عملت على إنشاء المحكمة، بالإضافة إلى لبنان طبعاً، ما يطرح علامات استفهام إضافية بشأن استقلالية المحكمة بقطع النظر عن نزاهة قضائها.
هذه عيّنة من الأفعال الاستثنائية التي تدفع إلى الحذر وتثير الشبهات حول الأهداف الحقيقية وراء إنشاء المحكمة، والتي قامت بها الدول المنشئة للمحكمة الدولية. ونستثني هنا ما قام به الطرف اللبناني من تنازلات عن حقوق سيادية ومخالفات دستورية كأن يتنازل بعض من السلطة الإجرائية، (بعد استقالة عدد من الوزراء في الحكومة وإبعاد رئاسة الجمهورية عن القرار بشأن إبرام الاتفاقية المنشئة للمحكمة)، عن صلاحية السلطة القضائية في تطبيق القانون بالنسبة لكل الجرائم التي ترتكب في لبنان والتي يفرضها الدستور اللبناني، فضلاً عن مخالفة مبدأ فصل السلطات.
لا سابق للجهود التي بذلتها قوى دولية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، بهدف إقامة إجراءات قضائية على الصعيد الدولي للبحث عن قتلة الرئيس الحريري ومعاقبتهم، وهي تدّل على الأهمية التي تنيطها هذه القوى بعملية الاغتيال وآثارها على مصالح سياسية لها. فلم يسبق أن حظي اغتيال شخصية سياسية، مهما علا شأنها، بالاهتمام الدولي الذي لقيه اغتيال الحريري. فاغتيال رئيسة وزراء باكستان مثلاً، بنازير بوتو، التي لا تقل شهرة عن الرئيس الحريري، والتي اغتيلت في ظروف مشابهة، لم يلق اهتمام مجلس الأمن ولا الدول صاحبة القرار في توجهاته.
مهما كان الرأي باستقلالية القضاء الدولي ونزاهته وتجردّه، وخاصة في ما يتعلّق بالمحاكم الدولية التي تقام خصّيصاً للنظر في جرائم معينة، مهمّ جداً ألا يصرف النظر عن الأسباب والدوافع الفعلية التي حملت بعض القوى إلى بذل جهود غير مألوفة دولياً لإقامة محكمة فريدة من نوعها في أساسها القانوني واختصاصها وظروف نشأتها.
إن استصدار الدول المقتدرة قرارات من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا يفسّر بحجّة التوق إلى العدالة أو الرغبة في الاقتصاص من الجاني أو الراعي لجريمة قتل مهما علا شأن الضحية. فليس هناك سابقة بهذا الشأن. الجهود تلك لا يبررها سوى مصلحة عليا غالباً ما تكون في نطاق الأمن القومي للدول المقتدرة. إذا كان هذا المنطق مقبولاً، فعلينا إذاً أن نحاول إلقاء الضوء على الدوافع الحقيقية وراء جهود الدول التي بدونها لا يمكن استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي ولا يمكن بالتالي المحكمة أن ترى النور.
بعد سقوط الاتهام باغتيال الرئيس الحريري عن السوريين وإطلاق سراح الضباط المعتقلين وإخراجهم من دائرة الاتهام، لننظر بهدوء إلى الجهة التي يمكن أن تكون وراء اغتيال الرئيس الحريري، فنبدأ بتسليط الضوء على ما لحق اغتيال الرئيس الحريري من أحداث وتطورات، وذلك بهدف اكتشاف المستفيد الأكبر وربما الوحيد من هذه الجريمة. على أثر اغتيال الرئيس الحريري أُخرجت سوريا من لبنان وأُلصقت بها تهم اغتياله، اعتُقل الضباط المسؤولون عن الأمن، عمل الإعلام وبعض السياسيين على تشويه صورة الرئيس لحود وإبعاده عن القرار في كل ما يتعلق بإنشاء المحكمة الدولية، أُدخل لبنان في أزمة حكم وانقسام، وشحن مذهبي لا يزال يعانيه حتى الآن. فمن هو المستفيد الأكبر من كل ذلك؟ وبالتالي من يمكن أي يكون وراء هذه الجريمة ووراء إجراءات قضائية مسيّسة؟ وبهدف تظهير الصورة وإكمال الترابط بين الأهداف والنتائج، لنعد قليلاً إلى الوراء:
لعّل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 كان يصحبه اعتقاد أو أمل القادة الإسرائيليين بأنّ حزب الله كحركة مقاومة سوف يزول بزوال الاحتلال الإسرائيلي. ولكن بعد الإدراك بأنه باق، وبفعالية، وهو يلعب دوراً هامّاً في مساعدة الدولة على بسط سيادتها على الأرض والمياه والأجواء اللبنانية، وهو عامل أساسي في تنمية ثقافة المقاومة وانتشارها، وكان له تأثير في قيام الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أصبح القضاء على حزب الله هدفاً استرتيجياً ملحّاً بالنسبة لإسرائيل.
حتى عام 2004 كان الوجود السوري في لبنان يحظى بتأييد الولايات المتحدة، وكان يصفه بعض مسؤوليها بأنه عامل استقرار في لبنان. حاولت إسرائيل عن طريق أصدقاء لها في الولايات المتحدة إغراء سوريا في المساعدة على إنهاء الوجود العسكري لحزب الله في لبنان. فقدّم، على سبيل المثال، توم لانتوس، وقد شغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي وكان من أقرب المقرّبين لإسرائيل، تعهداً للسفير السوري في واشنطن، الدكتور عماد مصطفى، بأنه يضمن لسوريا بقاءً دائماً في لبنان مقابل المساعدة في إنهاء الوجود المسلّح لحزب الله. فلمّا لم يلق العرض الصهيوني ــــ الأميركي استجابة لدى السوريين، أصبح لا بد من وضع خطّة مستقلة متكاملة للقضاء على من اعتبره الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، خطراً وجودياً على إسرائيل.
من الطبيعي أن تستهدف هذه الخطّة إضعاف حزب الله، عن طريق عزله وتجريده من داعميه ومؤيّديه، وخلق مناخ عدائي له في الداخل اللبناني وفي الخارج. فكان قرار مجلس الأمن الرقم 1559 في أيلول 2004 ويتضمن أهدافاً ثلاثة: (1)الانسحاب السوري من لبنان، أي قطع الرعاية والدعم العربي المباشر والأساسي لحزب الله (2) منع التمديد للرئيس لحّود الذي بصفته الممثل الأعلى للشرعية كان مصدر الدعم الرئيسي لحزب الله في لبنان (3) نزع سلاح المقاومة. وبالرغم من أنّ التجاوزات والأخطاء التي ارتكبها مسؤولون سوريون قد هيأت القسم الأكبر من اللبنانيين للمطالبة بالخروج السوري من لبنان، إلا أنّ القرار 1559 لم يكن بذاته يضمن الخروج السوري السريع من لبنان، فكان لا بّد من حدث يكون بمثابة زلزال سياسي، كما يقول وليد جنبلاط، يحتّم إنهاء الوصاية السورية ويعجّل بها، ويخلق شرخاً مذهبياً يسهل استغلاله في إضعاف حزب الله داخليّاً، فكان اغتيال الرئيس الحريري. وقد تحقق كل ذلك بمساعدة تعبئة سياسية وحملة إعلامية على المستويين الدولي والمحلّي كانت بمنتهى الفعالية.
ولإعطاء مصداقية للاتهامات والادعاءات السياسية، بدءاً بما كان يصدر عن البيت الأبيض، وكذلك للحملة الإعلامية التي تشيع بأن سوريا هي وراء اغتيال الرئيس الحريري، ومن أجل إخلاء الساحة الأمنية لتسهيل عمل الاستخبارات الخارجية في زرع الجواسيس وتعميق الفتنة في آن، كان لا بّد من إيجاد هيئة قضائية دولية لاختلاق تهمة تورّط كبار الضباط المسؤولين عن الأمن في لبنان كجزء من المؤامرة السورية لاغتيال الحريري. فتكتسب كذلك عملية تلفيق التهم وجهاً شرعيّاً، إذ يصبح الاتهام قراراً للعدالة الدولية وليس مجرّد ادّعاء أطراف ذات مصالح خاصة. وهكذا كان.
أمّا الرئيس لحّود الذي لم ينجح القرار 1559 في منع تمديد مدّة رئاسته، فقد عزله رعاة القرار 1559 وممثّلو الأمم المتحدة للتفاوض على الاتفاقية المنشأة للمحكمة الدولية ولو أدّى ذلك إلى مخالفة الدستور اللبناني في ما يتعلق بإبرام الاتفاقيات الدولية، وبالتالي التشكيك في قانونية المحكمة.
فإذا اعتبرنا أنّ ما يقوله المسؤولون الإسرائيليون عن حزب الله بأنه يمثل خطراً وجودياً على إسرائيل هو جدّي، ومن غير المنطقي التشكيك بذلك لأنّه مصدر أساسي لانتشار ثقافة المقاومة ويرفض الاستسلام للأمر الواقع، فهل من شكّ في أنّ إسرائيل سوف تفعل المستطاع مباشرة ومن خلال أصدقاء وحلفاء لها للقضاء على هذا الهاجس الوجودي.
ففي ضوء الأهميّة التي توليها إسرائيل للقضاء على حزب الله، وبالنظر للجهود غير المألوفة التي بُذلت في إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وما سبقها من أحداث وإجراءات على المستوى الدولي، وأخذاً في الاعتبار النفوذ الذي كان يتمتع به أصحاب القرار من أصدقاء الدولة العبرية في إدارة الرئيس بوش في ما يتعلق بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وبخاصة داخل البيت الأبيض وفي مجلس الأمن، فهل يجوز استبعاد أن تكون إسرائيل وحلفاء لها وراء اغتيال الرئيس الحريري، وبخاصة من كان لسقوطهم بعده أثر هام في تعميق الشرخ في الداخل اللبناني واستعداء شريحة كبرى من اللبنانيين لحزب الله، وكذلك دور أساسي في إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟
هذه بعض الاستنتاجات المنطقية المبنية على الوقائع التي تلت اغتيال الرئيس الحريري. أما القرائن على اهتمام إسرائيل بالمحكمة الدولية ودورها في تجريم حزب الله فيمكن ملاحظتها من خلال اهتمام إسرائيل بأن تأخذ العدالة مجراها في لبنان منذ اللحظة الأولى لاغتيال الحريري، ومن خلال تصاريح مسؤوليها وإعلامها عما توصلت إليه المحكمة الدولية بشأن توّرط حزب الله في الجناية التي هزت لبنان وما ستؤول إليه الأوضاع في لبنان بعد صدور القرار الاتهامي عن المحكمة. وحرصاً من إسرائيل على الثأر للرئيس الحريري، أبدت خشيتها من أن يتساهل ابنه، رئيس الوزراء اللبناني، في الثأر لدم أبيه.
كل ذلك يثقل كاهل المحكمة لجهة الصدقية والاستقلال عن المآرب السياسية لمنشئي المحكمة بقطع النظر عن نزاهة القضاة القيمين عليها ومهنيتهم.
أما بالنسبة للإجراءات القانونية التي تبنّتها المحكمة لضبط عملها، فهناك خروج على الضمانات الأساسية لحقوق المتهمين. وعلى سبيل المثال، وكما أكد رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي في بيان نُشِر في 4 آذار 2009، &laqascii117o;تستطيع الدول تقديم معلومات إلى الادعاء أو الدفاع قد تفيد تحقيقاتهما، وذلك سراً بدون أن يكون المتلّقي ملزماً بكشف هوية مانح تلك المعلومات". وبموجب مواد عدة في الإجراءات القانونية للمحكمة، تستطيع إسرائيل أو أية دولة أخرى تزويد المدعي العام لدى المحكمة الدولية بمعلومات قد تكون مزوّرة لا يستطيع الإعلان عن مصدرها إلا إذا وافق هذا المصدر، وإذا أخذنا بالحسبان ما يمكن النشاط الإسرائيلي في ميدان التجسس في لبنان، وخاصة في فرع الاتصالات، أن ينتج من سجلات مزورة، فهل في ذلك مدعاة اطمئنان لتجرد المحكمة وتحصينها واستقلالها عن إرادة بعض منشئيها وأصحاب المصلحة في انحرافها؟ فضلاً عن ذلك، مثّل قرار المحكمة بعدم صلاحيتها في ملاحقة شهود الزور الذين كان لهم الدور الأبرز في الظلم الذي صدر عن لجنة التحقيق الدولية، وهو ظلم شارك فيه القضاء اللبناني، عاملاً إضافياً في تقويض الثقة بتجرّد المحكمة واستقلاليتها في البحث عن الحقيقة.
إذاً، ما العمل؟
لا بد من إنشاء هيئة قوامها أفراد مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة المهنية، ويتمثل فيها: الأطراف السياسية في لبنان كافة، ومهمتها القيام بالتحقيق في كل ما هو متوافر من أدّلة بشأن اغتيال الرئيس الحريري، والذين سقطوا بعده، وأن تضع هذه الأدلة أمام المحكمة الدولية. ففي ذلك فوائد عدة: أولاها استعادة بعض السيادة التي تنازل عنها لبنان من خلال القبول بتحويل حق وواجب القضاء اللبناني في تطبيق القانون اللبناني بشأن جريمة ارتُكبت في لبنان. ومن شأن مثل هذه الخطوة تعطيل عوامل الفتنة ورأب الصدع الذي بدأ يتعمق داخل المجتمع اللبناني على أثر اغتيال الرئيس الحريري وتولّي أطراف خارجية التحقيق وإقامة المحكمة. وكذلك وربما الأهم هو مساعدة المحكمة في تحصين تجردّها واستقلالها عن إرادة صانعيها وإزالة الشوائب التي رافقت نشأتها. ولا يجوز القول إن في ذلك مساساً بنزاهة المحكمة واستقلاليتها، أو بالمبادئ الضامنة لبلوغ العدالة. مبدأ أساسي من مبادئ العدالة في القضاء الجزائي هو الفصل بين التحقيق والمحاكمة. أمّا إذا بادرت الدول المنشئة للمحكمة إلى إلغائها، فتكون قد أوضحت هدفها من وراء إنشاء المحكمة ووفرت على لبنان المطالبة بإلغائها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد