ـ صحيفة 'النهار'
'NBN' و'المنار' أعلنتا وقف بث مسلسل 'السيد المسيح'
'الخبر الحلو' وصل: محطتا الـ'NBN' و'المنار' اعلنتا وقف بث مسلسل 'السيد المسيح'. في تلك اللحظة، علا التصفيق والزغاريد في القاعة التي اكتظت بجمع من المؤمنين الذين اندفعوا باكرا الى التجمع والصلاة، 'على نية وقف المسلسل المتضمن مغالطات مسيئة الى المسيح والمسيحيين'. وهذا الاعلان كان حصيلة مساع أجريت على مستوى عال في الساعات الـ 24 الماضية لنزع فتيل اي تشنج مسيحي - اسلامي، وكان واضحا انه اثار ارتياحا في الصفوف المسيحية. 'الخير العام لا يزال فوق كل اعتبار، والكلمة التي يقولها الشعب مسموعة'، على قول رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام المطران بشارة الراعي تعليقا على قرار الوقف.
وفي حصيلة اليوم الاخير من ازمة المسلسل، اتصالات مكثفة على اكثر من صعيد لايجاد حل للمسألة، 'قرار طوعي' من المحطتين بوقف بث المسلسل، 'لقاء شكر ومحبة' في المركز الكاثوليكي للاعلام، بدلا من مؤتمر صحافي للراعي لعرض 'المغالطات المسيئة' التي يتضمنها المسلسل، 'حامل للخبر الحلو'، ترحيب مسيحي على مستوى الكنيسة والمؤمنين، توضيح من الامن العام للدور الذي اداه، وحدده 'بمساع لإيجاد حل توافقي'، وليس 'باصدار أي قرار بوقف المسلسل'، ومواقف سياسية ودينية، في وقت تبين ان المسلسل بدأ عرضه قبل ان ينال موافقة الامن العام، على ما عُلِم.
'لقاء شكر ومحبة'
قبل الموعد المحدد، تجمع حشد من المؤمنين المسيحيين في قاعة المركز الكاثوليكي للاعلام في جل الديب، رافعين الصلوات والتراتيل، وسط حر شديد احكم قبضته على المكان. في الثانية عشرة ظهرا، حُدِّدَ المؤتمر الصحافي للمطران الراعي. لكن اكثر من ساعة مرت... في انتظار 'حامل الخبر الحلو'، على ما سمّاه الراعي.
وكان ذلك 'الحامل الخبر' وزير الاعلام طارق متري الذي شقّ طريقه الى المنصة، برفقة الراعي، ومدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبده ابو كسم، ومدير اذاعة 'صوت المحبة' الاب فادي تابت. وتقدم الحضور النائب نديم الجميل، والأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب مروان تابت، مستشار وزير الإعلام اندريه قصاص، ومديرة 'الوكالة الوطنية للاعلام' لور سليمان صعب وعدد من الصحافيين.
وكان أول المتكلمين الخوري ابو كسم الذي خاطب الحضور: 'لقد أتيتم باكرا إلى المركز بفعل محبة، وبدأتم الصلاة. وكلنا شاكرون لله عليكم وعلى النتيجة التي توصلنا اليها مع وزيري الداخلية زياد بارود والاعلام طارق متري، والمدير العام للامن العام وكل المسؤولين والقيمين على محطتي NBN والمنار. كان من المقرر عقد مؤتمر صحافي لاعلان بعض المغالطات في المسلسل. واستعضنا عنه بلقاء شكر ومحبة، محبة اللبنانيين واحدهم للآخر وتفهمهم لعاداتهم وطقوسهم وخصوصياتهم، مما يعزز العيش المشترك'.
تلاه الراعي بكلمة توجّه في مستهلها الى متري 'حامل الخبر الحلو'، شاكرا 'من اتخذوا القرار الذي ستعلنه، مما يعني ان الخير العام لا يزال فوق كل اعتبار، وان الكلمة التي يقولها الشعب مسموعة وتؤخذ في الاعتبار'. كذلك شكر 'المساعي التي بذلها المسؤولون عن المنار والـNBN، خصوصا رئيس الجمهورية الذي أخذ على عاتقه هذه القضية، ووزيري الداخلية والاعلام والامن العام الذي تعاون معنا'.واشار الى ان 'فرحتنا كبيرة جدا، ليس لأننا حققنا انتصارا. الانتصار هو للحقيقة. وكل ما في القصة انه عندما سمعنا بوجود هذا الفيلم، تحركنا في اللجنة الاسقفية والمركز الكاثوليكي واذاعة 'صوت المحبة'، واتصلنا بالمسؤولين كي نتدارك أي شيء. وبالفعل، بدأت هذه المساعي الاثنين الماضي، واستطعنا أن نحصل على مختصر للفيلم، وأبدينا ملاحظاتنا ان ثمة امورا تمس بشخص المسيح والعقيدة المسيحية. وهذا لا يعني ان ذلك مقصود. لكن بدلا من ان يستمد صانعو الفيلم معلوماتهم من الأناجيل الأربعة التي تعترف بها الكنيسة، وهي اناجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا، اعتمدوا انجيل برنابا المنحول الذي لم تعترف به الكنيسة يوما، وكتب في الجيل الخامس عشر. لذلك جاءت أحداث الفيلم غير صحيحة، ومنحولة، ومنتقصة، ومجتزأة، مما يثير قلة قيمة واحترام للوحي الإلهي ولشخص المسيح والكنيسة والمسيحية. وقد كتبنا هذه الامور، ونحن سعداء بأنهم اخذوها في الاعتبار. واذا حصلت مزايدات في الاعلام، فنحن لسنا معها. نحن مع الحقيقة العظيمة'.
وعبر عن فرحه 'الكبير، باسم الجميع، بأننا لا نزال في لبنان قادرين، مع تنوع ثقافاتنا ودياناتنا، وخصوصا المسلمين والمسيحيين، على وضع الخير العام فوق أي أمر آخر. والقرار الذي اتخذ، ويعلنه الوزير متري، نقدره، لأنه يعني أننا ما زلنا يسمع بعضنا البعض، واننا نتهيأ للسينودس الخاص من اجل الشرق الأوسط الذي نعمل له معا'. وذكّر بأنه 'سبق ان عملنا معا، مسيحيين ومسلمين، للتحضير للسينودس الخاص من اجل لبنان، لاسيما في صياغة النصوص في لبنان وروما. وأفضل طريقة هي ان نكون نتهيأ معا للسينودس الخاص من اجل الشرق الأوسط، والذي نحن شركاء فيه، بحيث نعطي مثالا للعالم أننا قادرون، مسيحيين ومسلمين في لبنان، على التطلع إلى الخير العام المشترك والحقيقة الموضوعية'.
وقال: 'كان المقصود بهذا اللقاء اليوم ليس التسبب بفتن او اي شيء آخر. كل ثلثاء من كل اسبوع نلتقي في ندوة صحافية لطرح القضايا العامة المختصة بالشأن العام، لتنوير الرأي العام موضوعيا، بحيث يتمكن الانسان من التصرف برأيه وضميره المستنير باسم الكنيسة. نحن هنا باسم الكنيسة في لبنان، ونتكلم باسم 6 كنائس كاثوليكية، وبالتالي نتصرف بمسؤولية. وارجو ان نجرد هذا الموضوع (المسلسل) من اي شيء آخر، ومن كل معان اخرى، وننظر الى جمال اللقاء، وما سنسمعه من الوزير'.
وزفّ متري 'خبرا بتّم تعرفونه كلكم، هو انني أُخبِرت من ربع ساعة او ثلث ساعة، خلال توجهي الى جل الديب، ان محطتي المنار والـNBN ستعلنان وقف بث المسلسل'. وقد اثار كلامه هذا موجة من التصفيق على وقع زغاريد عمّت ارجاء القاعة. واضاف: 'لقد بثتا من عشر دقائق بيانين اعلنتا فيه وقف المسلسل'.
وقال: 'من الامس، كان حواري مع رئيس مجلس إدارة المنار والمدير العام للـ NBN بروح طيبة جدا. وسمعت من اللحظة الاولى حرصا على عدم الإساءة الى الايمان المسيحي وعلى احترام مشاعر المسيحيين. وكنا نبحث في الصيغة المناسبة للتعبير عن هذا الحرص. وكانت الافكار كثيرة، لكن الفكرة الأنسب، على ما اعتقد، ولا احد يخالفني الرأي، كانت وقف بث المسلسل. وقد توصلنا اليوم الى اتفاق في هذا الصدد.
اعتقد ان المشكلة والحل، إذا كنت أستطيع أن أسميهما كذلك، ابعد من السياسة والقانون. ونكون قللنا من اهمية ما حصل ومعناه اذا عمدنا الى تفسيره بالسياسة او القانون. هناك جانب ربما في ذهن بعض اللبنانيين له علاقة بالسياسة. ونحن اللبنانيين نبالغ أحيانا في تفسير كل شيء بالسياسة. وثمة جانب قانوني، والبعض يتعامل مع مشكلات من هذا النوع وفقا لما تسمح به القوانين، علما ان كل القوانين تفسر، وتفسيرها خصوصا في قضايا تتعلق بالرقابة يختلف تبعا للظروف والمفسرين.
لذلك اقول ان المسألة ابعد من الاثنين معا، وتتعلق بكيفية فهمنا للعلاقات الاسلامية-المسيحية في بلد مثل لبنان، وتتعلق بمعنى لبنان، وليس اقل من ذلك. وأستقي من كلام سيدنا (الراعي) في الرسالة التي وجهها الى المدير العام للأمن العام، ويقول فيه إن هناك مبدأ في الحوار بين المسلمين والمسيحيين يقوم على أن لكل مؤمن الحق في أن يفسر ايمانه بنفسه، وان على الآخر ان يحترم تفسير إيمانه وعقيدته. وعادة، نحاول دائما، مسيحيين ومسلمين - ولا ننجح دائما - ألا يتحدث أحدنا عن دين الآخر بطريقة لا يجد فيها الآخر نفسه، إيمانه وتاريخه وفهمه لعقيدته. ومن دون هذا المبدأ، لا حوار بين المسلمين والمسيحيين بالمعنى الحقيقي للكلمة.
بالطبع، ليس كل لبنان يحاور. وليس بالضرورة أنه ورد في ذهن من اعد الفيلم او اراد بثه، هذا المبدأ الرئيسي من مبادئ الحوار بين المسيحيين والمسلمين. لكن النتيجة ان المحطتين كأنهما تقولان ضمنا، من خلال القرار الطوعي الذي اتخذتاه بالإحجام عن بث المسلسل، انهما تريدان احترام هذا المبدأ. وما حصل اليوم خطوة مهمة يمكن أن نبني عليها للمستقبل. تعلمون أن هناك أفلاما كثيرة في العالم عن يسوع المسيح تستقي معلوماتها من مصادر يمنة ويسرة، وينزعج المؤمنون منا عندما يشاهدونها.
لكن لبنان له خصوصية معينة. وعرض هذا الفيلم الذي أعده مسلمون في بلد مثله، يجذب جمهورا من المشاهدين يضم مسلمين ومسيحيين. واللبنانيون يفتخرون بأن لبنان بلد اللقاء المسيحي – الاسلامي، وإذا فقد هذا المعنى، فقد الكثير من مبررات وجوده وخصوصيته. وبهذا المعنى، هو حالة خاصة لا تنطبق على (عرض) اي فيلم في مكان آخر. وبسبب حرية الاعلام والابداع السينمائي والكتابة الابدية، يذهب بعضهم الى بعيد ويكتب ما يشاء وعن اي موضوع كان، ولم يعد هناك مقدس، لا في الادب المعاصر، ولا في السينما المعاصرة. لكن الحالة اللبنانية تتميز، لان هناك قرارا طوعيا من المحطتين لم نتفق عليه سلفا، ولا علاقة له بتقييد حرية الإبداع السينمائي او الفكري على الإطلاق، بل له علاقة باحترام بعضنا البعض، في ظل هذا المبدأ الذي اشرت اليه. وأقول إن ما حصل اليوم خطوة نبني عليها للمستقبل سابقة، بحيث تصير نوعا من قاعدة للتعامل بيننا. وهذه هي اهمية ما حصل اليوم'.
واختتم الاب تابت اللقاء بكلمة شكر فيها للمحطتين 'مبادرتهما الطوعية'، متمنيا على 'الجمهور الحاضر في القاعة ألا يفهم أن هناك رابحا وخاسرا. في النهاية، لبنان هو الذي ربح، وكلنا ربحنا'. وأمل في 'ألا يكون هناك كلام عشوائي. وما طلبناه حصلنا عليه. ونشكر التلفزيونين، علما أن شراء البرامج مكلف جدا. وقد ضحيا بالإنتاج، لأن عرض المسلسل قد يتسبب ببعض الحساسيات والمشاكل'.
'الامن العام لم يوافق'
وردا على سؤال عن دور الامن العام في هذه القضية، قال ابو كسم: 'عادة ننتظر منه ان يرسل الينا اي فيلم عن المسيحية. وقد سألنا قبل اسبوع، وأُجِبنا ان الفيلم لم يصل بعد. فأجريت والاب تابت اتصالات شخصية، منتدبين من المطران الراعي، بالمحطتين، وطلبنا ارسال الفيلم. وقد فعلتا ذلك الثلثاء. وقلنا لهما شفويا الاربعاء اننا نرفض عرض الفيلم، وسنعدّ ملاحظات خطية. وقد استمهلتهما يومين قبل بثه، لتسليمهما الملاحظات. لكن يا للاسف لم يحصل ذلك، وحصل ما حصل. واليوم لا ننظر الى ما حصل وكيف، بل الى النتيجة. والنتيجة اهم. لبنان انتصر والعيش المشترك انتصر'.
وسئل عمن يتحمل مسؤولية بث الفيلم قبل امراره على الامن العام، 'اذا لم يكن مرّ عليه'، فاشار الى ان 'الفيلم لم يكن حصل على موافقة الامن العام حتى البارحة. وقد عرضت اول حلقتين منه (من دونها)'.
بيان المحطتين
في غضون ذلك، اصدرت 'المنار' و'NBN' البيان الآتي: 'مسلسل 'السيد المسيح' الذي اختارته القناتان لجمهورهما في شهر رمضان المبارك يضيء على الشخصية العظيمة لنبي الله عيسى بن مريم عليه السلام وعلى رسالته الالهية، ويعكس بكل تمجيد واجلال وتعظيم مسيرة حياته وآلامه وتضحياته ولدوره وصورته. لكن القناتين قررتا وقف عرضه خلال دورة شهر رمضان المبارك، مراعاة منهما لبعض الخصوصيات، وللحؤول دون محاولة التوظيف السلبي'.
الامن العام: لم نوقف البث
كذلك، اصدرت المديرية العامة للامن العام البيان الآتي: 'توضيحا لخبر بثته وسائل الإعلام عن قرار المديرية بوقف بث مسلسل المسيح على شاشتي المنار والـNBN، تؤكد المديرية عدم صدور أي قرار مماثل، وإنما قام الأمن العام بمساع بين إدارتي المحطتين والمرجعيات الدينية والسياسية المعنية، لإيجاد حل توافقي لوقف بث المسلسل، وبمبادرة من إدارتي المحطتين'.
من جهة اخرى، صدرت مواقف عدة من المسلسل.
&bascii117ll; الرئيس أمين الجميل رأى ان 'الفيلم يتضمن مغالطات مسيئة ومساسا بالعقيدة المسيحية في شكل يتناقض مع نصوص الأناجيل الأربعة المعترف بها مسيحيا'. وقال: 'هذا العمل يتناقض مع روح العيش المشترك والاحترام المتبادل بين كل الأديان والمذاهب التي تشكل نسيج المجتمع اللبناني. ومن المستنكر عرض مسلسل يحتوي على هذا الكم من المغالطات التي تثير النعرات، ونحن في غنى عن ذلك تماما. ولا شك في أن هذه الممارسات تباعد بيننا وهي ليست رغبة اللبنانيين'.
&bascii117ll; وزير العمل بطرس حرب: 'الضجة التي أثارها المسلسل في الأوساط المسيحية كانت بمثابة دق ناقوس الخطر للفت الى الإهانة التي تطول المسيحيين، وهي ظاهرة لم يكن من الممكن تجاوزها وتجاهلها ومواصلة عرض المسلسل الذي تسبب بها'. ونوه 'بقرار المحطتين الذي يعكس الشعور بالقيم المشتركة والعيش الواحد. وهو بديهي وضروري نظرا الى ما كان يمكن ان يتسبب به استمرار عرضه من اشكالات تطول الوحدة الوطنية ومبادئ الاحترام المتبادل بين اللبنانيين، وبالتالي الامن والسلم الاهلي في لبنان'.
&bascii117ll; النائب نديم الجميل في حديث الى 'اذاعة لبنان الحر': 'لسنا في ايران لعرض المسلسل في حال نال رخصة من طهران، بل يحتاج الى رخصة من الامن العام والدولة اللبنانية، وهو ليس ضمن المقاومة او سياسة حزب الله. وذكّر بأن 'البلد مبني اليوم على الانفتاح والتواصل وقبول الآخر، واذا كان الوضع مختلفا عن ذلك، فلنبحث فيه'.
&bascii117ll; رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن: 'لم تكن خطوة توقيف المسلسل من باب إثارة أي نعرة طائفية، بل هي خطوة جريئة لعدم إثارة حساسيات واعتبارات دينية تتعلق بالنظرة إلى مفهوم السيد المسيح وصلبه'. ورأى ان 'ما حصل جزء من الحماية والوقاية الضروريتين في هذه الظروف الدقيقة والحرجة التي تدأب إسرائيل على تغذية أي ثغرة وإشعال نارها (...)'.
&bascii117ll; المكتب الإعلامي لبطريركية الروم الملكيين الكاثوليك قال ان 'البدء بعرض المسلسل خطأ بذاته، ومواصلة عرض حلقاته في ظل الرفض الكنسي والشعبي أمر مستغرب ومرفوض ومدان، ايا تكن الحجج والالتزامات المادية، لأن أمن المجتمع اللبناني يجب أن يكون في رأس اهتماماتنا كلنا، وأن نكون جميعا حرصاء على المشاعر والقيم لدى كل الناس'، مؤكدا 'مسؤولية الدولة، برئاساتها ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية والقضائية والإعلامية، عن الأمن الروحي للمواطنين. وهذا مكرس في الدستور والشرع والمواثيق التي تحكم التنوعية والتكاملية بين أبناء الجماعات الروحية في لبنان'.
وشدد على أن 'كرامة الأديان وكرامة الإيمان والمؤمنين مسؤولية عامة يجب احترامها، بعيدا من المزايدات والمجاملات والادعاءات غير المستندة إلى أي ثبت تاريخي أو عقيدي'.
&bascii117ll; مرصد الحريات الاعلامية في الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة- لبنان قال: 'ربما كان المقصود من نية المسلسل تقريب وجهات النظر بين المسيحيين والمسلمين. الا ان الامر انعكس سلبا، لما تضمنه من مغالطات عن جوهر العقيدة المسيحية. والمراجع الكنسية هي وحدها المؤتمنة على كلمة الحق الفصل، في حقيقة كل ما يكتب أو يقال عن مسيح إيمانها'. ورأى ان 'من حق كل جماعة دينية أو فكرية أن تعرض إيمانها ونظرتها في كل قضية بما تراه متفقا مع مراجعها الأساسية، على ألا تتضمن رسالتها دعوات صريحة الى انتهاك حقوق الآخرين. من هنا ليس من الصدق والحق والعدل في شيء، إيهام المشاهدين أن ما يعرض عليهم، هو شخصية المسيح الحقيقية، وهذا ما تندّد به الكنيسة'.
ـ صحيفة 'الأخبار'
&laqascii117o;السيد المسيح" ضحية &laqascii117o;العيش المشترك"
باسم الحكيم:
من مسلسل &laqascii117o;السيّد المسيح"بلد الحريّة يُخفق في امتحان الحريّة، وهو البلد ذاته الذي لا يعرف كيف يحمي صحافييه. بالأمس، ضربت المراجع الدينيّة من جديد، مصوّبة سهامها على مسلسل بعنوان &laqascii117o;السيّد المسيح" تعرضه قناتا &laqascii117o;المنار" وnbn، بحجة أنه يتضمن &laqascii117o;مغالطات"... بقيّة السيناريو معروفة، لأننا شهدناها مئات المرّات منذ الاستقلال العتيد. خاتمة على الطريقة اللبنانيّة: تجنباً لـ&laqascii117o;الفتنة الطائفيّة"، أو تسيّس الموضوع، أعلنت المحطتان أمس وقف عرض المسلسل خلال رمضان &laqascii117o;مراعاة لبعض الخصوصيّات، وللحؤول دون أي محاولة للتوظيف السلبي"، مستبقتين طلباً من الأمن العام بذلك.
لكن قبل الخاتمة، كان لا بدّ من مشاهد توتّر وتشويق (مستهلكة هي الأخرى)، إذ كرّت سبحة المزايدات السياسيّة ومحاولات الاحتواء الفئويّة والطائفيّة. بل بلغت الأمور &laqascii117o;الذروة"، مع التهديد بتظاهرات في المناطق اللبنانيّة. وكان لا بدّ لفكّ فتيل الأزمة من أن تتدخّل الآلهة الإغريقيّة التي هبطت من السماء. فقد بادر وزير الإعلام طارق متري شخصياً لحلّ المعضلة، &laqascii117o;حرصاً على عدم الإساءة إلى الإيمان المسيحي"... وتبنى كلاماً للمطران بشارة الراعي بأن &laqascii117o;لكل مؤمن الحق في أن يفسر إيمانه بنفسه، وأنّ على الآخر أن يحترم تفسير إيمانه وعقيدته. وعادة، نحاول مسيحيين ومسلمين، ألا يتحدث أحدنا عن دين الآخر بطريقة لا يجد فيها الآخر إيمانه وتاريخه وعقيدته". هكذا صار بلد الحريات &laqascii117o;حالة خاصة"، &laqascii117o;لأن العمل (عن عيسى الناصري) أعده مسلمون". وهي مسألة دقيقة في بلد الحوار واللقاء الإسلامي ـــــ المسيحي، ولبنان بجناحيه وغير ذلك من أدبيات فولكلوريّة كاذبة.
&laqascii117o;محاكم التفتيش" أطلقها المركز الكاثوليكي للإعلام، عندما طلب الحصول على نسخة من المسلسل لمراجعتها، ولو اقتضى ذلك تأجيل بثّه &laqascii117o;خوفاً من تضّمنه ما يسيء إلى المسيح". ويشدّد مدير المركز الأب عبدو أبو كسم على نقل كلامه بحرفيته، إذ يقول: &laqascii117o;اتصلنا بالمدير العام لمحطة nbn قاسم سويد للحصول على نسخة من العمل، وأجرينا اتصالاً مشابهاً بمسؤول العلاقات العامة في &laqascii117o;المنار" إبراهيم فرحات، لأن القناتين أعلنتا عرض المسلسل. وكان الجواب أنهما لا تملكان سوى الحلقات الأولى منه، لكنهما رأتا أنه يدعو إلى التقارب بين المسلمين والمسيحيين، ويهدف إلى تعزيز العيش المشترك".
سيناريو على الطريقة اللبنانيّة، مع أزمة وتشويق وتدخّلات علويّة ونهاية &laqascii117o;سعيدة"ويضيف أبو كسم: &laqascii117o;لو كان مرجع العمل هو القرآن الكريم وحده، لما كان عندنا مشكلة، لكنّ اعتماده على إنجيل برنابا المحرّف الذي لا تعترف به الكنيسة هو المشكلة، إذ ينكر ألوهية المسيح ويتضمن تحريفاً للأحداث الحقيقيّة". ويثني أبو كسم على وقف بث المسلسل على &laqascii117o;المنار" وnbn، وإن كان عرضه مستمراً على فضائيات أخرى (!): &laqascii117o;المهم ألا يعرض في لبنان، لأننا نعيش في بلد متعدد الطوائف".
وكشف رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بشارة الراعي في مؤتمر صحافي عقد ظهر أمس عن تضمن المسلسل تحريفاً في المعتقد المسيحي. وذهب الراعي أبعد بالقول إن &laqascii117o;العمل يقوّض كل أسس الدين ومعناه ويخلق فتنة". وشكر مدير إذاعة &laqascii117o;صوت المحبة" الأب فادي تابت المحطتين على مبادرتهما الطوعيّة، قائلاً: &laqascii117o;أرجو ألا يفهم أن هناك رابحاً وخاسراً، لأن لبنان هو الرابح".
وإذا كان سلوك المؤسسة الدينيّة له ما يبرّره، فإن المفاجأة الكبرى في هذا السيناريو التراجي ـــــ كوميدي، جاءت من... البرلمان اللبناني. الذين يراهنون على &laqascii117o;انفتاح الوجوه الشابة"، فيه سيخيب ظنّهم وهم يستمعون إلى نديم الجميل ينثر جواهره المعهودة: &laqascii117o;لسنا في إيران لعرض مسلسل &laqascii117o;السيد المسيح". وفي حال أخذِ رخصة من طهران، فهو بحاجة إلى رخصة من الأمن العام اللبناني، وهو ليس من ضمن المقاومة أو سياسة حزب الله".
يضيء المسلسل (إنتاج إيراني) على &laqascii117o;شخصيّة النبي عيسى ابن مريم وعلى رسالته الإلهيّة ويعكس مسيرة حياته وآلامه وتضحياته ولدوره وصورته". وهو مأخوذ من فيلم للمخرج نادر طالب زاده قبل عامين، وعرض ضمن مهرجان السينما الإيرانيّة في قاعة &laqascii117o;رسالات" في بيروت، ويقوم على تقديم وجهتي نظر مختلفتين لحياة المسيح، وصولاً إلى صلبه من وجهة النظر الأولى وإلى صلب يهوذا في وجهة النظر الثانية. وقدّم المخرج فيلمه &laqascii117o;رداً إسلامياً على فيلم Passion Of The Christ لميل غيبسون". وقال: &laqascii117o;نريد من خلاله إقامة جسر بين المسلمين والمسيحيين، لفتح حوار يوجد أرضيّة مشتركة بين الديانتين السماويتين"، مضيفاً أن &laqascii117o;ليس عيسى الذي صلب، بل يهوذا الذي خان المسيح وأراد تسليمه للرومان ليقتلوه".
توقف المسلسل في لبنان، لكن المشاهدين يمكنهم متابعة الحلقات الباقيّة على أكثر من فضائية منها: قناة &laqascii117o;ساحل" التي يملكها المنتج عبد الرزاق الموسوي، وقناة &laqascii117o;نسمة".
ـ صحيفة 'السفير'
المسيح الإله والمسيح الرسول: خلاف تاريخي ترعاه المساكنة
واصف عواضة:
حسنا فعلت محطتا &laqascii117o;المنار" والـ&laqascii117o;أن بي ان" بوقف عرض المسلسل التلفزيوني &laqascii117o;السيد المسيح" بعد الضجة والاحتجاجات التي أثارتها الكنيسة المارونية عبر المركز الكاثوليكي لوسائل الاعلام، واعتبرت فيها ان المسلسل يسيء الى السيد المسيح والمسيحية بشكل عام.
وكان رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام المطران بشارة الراعي قد حذر من ان المسلسل يشكل &laqascii117o;فتنة مذهبية طائفية، وضرباً للميثاق الوطني والعيش المشترك"، مطالباً &laqascii117o;بوقفه فوراً"، وداعياً الى مؤتمر صحافي عقد أمس وحشد جمعاً من المحتجين امام المركز الكاثوليكي للاعلام. وسبقت ذلك اتصالات بين عدد من كبار المسؤولين شملت رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، وبالتأكيد بلغت الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله اللذين حرصا على قطع الطريق على الجدل الدائر، بعيداً عن مضمون المسلسل ومدى اساءته، لأن وحدة اللبنانيين والحؤول دون الفتنة فوق كل اعتبار.
يذكر ان المسلسل هو من انتاج ايراني، ويأتي بعد مسلسل &laqascii117o;النبي يوسف" الذي انتجته ايران السنة الماضية ولاقى رواجاً ونجاحاً باهرين. وفي حين يشدد المدير العام لمحطة &laqascii117o;أن بي ان" قاسم سويد أن المسلسل &laqascii117o;لا يسيء الى المسيحيين اطلاقاً، وقد تأكدنا انه مشغول وفقاً للقرآن الكريم"، يؤكد المطران الراعي ان &laqascii117o;المسلسل مسيء، لانه يستقي معلوماته ليس من القرآن، بل من انجيل برنابا المنحول والمرفوض من الكنيسة الكاثوليكية. لذلك، فان كل الاحداث التي يتضمنها، اما محرّفة، واما غير صحيحة واما غير دقيقة. اذاً هناك بلبلة للضمائر وافساد للحقائق".
ويضيف الراعي ان &laqascii117o;المسلسل ينكر الوهية السيد المسيح. وبحسب ما ورد فيه، يقول السيد المسيح، على لسانه، انه ليس ابن الله، وانه عبد الله ويأتي بعده من هو النبي الحقيقي محمد، وهذا اغتيال لسر المسيح وإنكار لألوهيته، كذلك هو اساءة الى يسوع المسيح مخلّص العالم. ويبين المسلسل أيضاً ان السيد المسيح لم يصلب، بل صلب عنه يهوذا، وان لا قيامة. وهذا يعني انه يقوّض كل أسس سر المسيح، علماً ان هذا السر قائم على موت المسيح فداء عن العالم والجنس البشري وقيامته التي هي تبرير لكل الجنس البشري. وبذلك يقوض المسلسل كل اسس المسيحية". والواقع ان الجدل حول الوهية المسيح سابق لظهور الاسلام، حتى انه كان موضع خلاف داخل الكنيسة المسيحية في الثلث الاول من القرن الخامس الميلادي، اي قبل الرسالة المحمدية بنحو قرنين من الزمن. وقد جاء القرآن الكريم ليثبت هذا الخلاف، مقدماً عيسى بن مريم نبياً وروحاً لله وليس إلها، وهو ما ورد على لسان المسيح في &laqascii117o;سورة مريم" بعد ولادته مباشرة وجاء فيه:
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا. يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا. ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). وكلمة يمترون هنا تعني يشكّون.
ويتبين من هذه الآيات مدى التباين في النظرة الى المسيح مع الذين يؤمنون بألوهيته. وكان من الطبيعي ان يثير مثل هذا الأمر جدلاً حول مسلسل تنتجه دولة اسلامية، حتى ولو التزمت القرآن سبيلاً الى عرض وقائعه، وهو ما لم يثره مسلسل &laqascii117o;النبي يوسف" الذي لم يجد ربما من يثير جدلاً حول بعض مضامينه.
وكما اسلفنا سابقا فان الجدل حو الوهية المسيح سبق الاسلام، وشكل خلافاً عميقاً داخل الكنيسة النصرانية. ولعل اكثر من احاط بهذا الجدل هو الكاتب المصري المعروف يوسف زيدان في روايته الشهيرة &laqascii117o;عزازيل" التي القت الاضواء على هذا الموضوع، وأثارت جدلاً واسعاً، لأنها تناولت الخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة حول طبيعة المسيح ووضع السيدة العذراء، والاضطهاد الذي قام به المسيحيون ضد الوثنيين المصريين في الفترات التي أضحت فيها المسيحية ديانة الأغلبية المصرية. وقد أصدر سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأنبا بيشوي، بياناً اتهم فيه مؤلف الرواية بالإساءة إلى المسيحية، مشيراً إلى أنه أخذ فيها منحى المؤلف دان براون في روايته شيفرة دافنشي. وقد ظهّرت الرواية معتقد المذهب &laqascii117o;النسطوري"، وهو مذهب مسيحي يقول بأن يسوع مكون من جوهرين يعبر عنهما بالطبيعتين وهما: جوهر إلهي وهو الكلمة، وجوهر إنساني أو بشري وهو يسوع. وبحسب &laqascii117o;النسطورية" لا يوجد اتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص يسوع المسيح، بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهية، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على السيدة مريم العذراء كما تفعل الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية (الكنائس البروتستانتية لا تطلق اسم والدة الإله على العذراء) لأن مريم وهي من البشر، بحسب النسطورية، لم تلد إلها بل إنساناً فقط حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب، فيكون هذا المذهب بذلك مخالفاً للمسيحية التقليدية القائلة بوجود أقنوم الكلمة المتجسّد الواحد ذي الطبيعتين الإلهية والبشرية. يُذكر أن تأسيس هذا المذهب رُبط بالكاهن نسطور (386 - 451 م). وهو ولد في مدينة &laqascii117o;مرعش" ضمن ولاية سوريا الرومانية، وتلقى علومه اللاهوتية على يد &laqascii117o;ثيودور المصيصي" في أنطاكية. وفي عام 428 م عينه الامبراطور &laqascii117o;ثوردوسيوس الثاني" بطريركا للقسطنطينية خلفا لسيسنيوس الأول. وقد تم اتهامه بالهرطقة التي عرفت فيما بعد باسمه &laqascii117o;النسطورية"، حيث رفض أن تسمى مريم العذراء &laqascii117o;أم الله" بل يجب أن تدعى &laqascii117o;أم المسيح".
حاول نسطور التوفيق بين تصورين لاهوتيين مختلفين حول المسيح، كان الأول يؤكد على أن &laqascii117o;المسيح الله" قد ولد كإنسان من العذراء، مما يعني أن العذراء هي أم الله، بينما أصرّ الفريق الثاني على أن الله كجوهر خالد لا يمكن أن يولد من أحد. لذلك اقترح &laqascii117o;نسطور" تسوية بين الفريقين بأن دعا مريم العذراء &laqascii117o;أم المسيح" عوضاً عن &laqascii117o;أم الله". غير أن هذا الحل لم يحظ بقبول أي من الفريقين.
آمن &laqascii117o;نسطور" بأنه لا يمكن أن تكون هناك وحدة بين ناسوت المسيح ولاهوته، أي بين المسيح الإنسان والمسيح الاله، فالله لا يمكنه أن يتألم ويتعذب ويموت، بالمقابل فإن امتلك المسيح كامل الالوهية فهذا يعني انه لا يمكن أن يكون مثلاً.
هاجم البابا &laqascii117o;كيرلس الأول" (بطريرك الإسكندرية) آراء &laqascii117o;نسطور" معتبراً اياها متعارضة مع التجسد الالهي في المسيح، مما دعا الامبراطور ثيودسيوس الأول إلى عقد مؤتمر &laqascii117o;أفسس" الأول عام 431 م لمناقشة القضية. كان الامبراطور داعماً لنسطور غير أن كيرلس نجح في كسب بابا روما كلوستين الأول إلى جانبه، وبالتالي نجحوا في إدانة نسطور بالهرطقة وعزله عن كرسي القسطنطينة.
خلال انعقاد المؤتمر وصل يوحنا الأول بطريرك أنطاكية ومعه أساقفة الشرق، ولما وجدوا أن البابا كيرلس الأول ومن معه نجحوا في إدانة نسطور عقدوا مؤتمرهم وأدانوا فيه كيرلس، ورفع كلا الجانبين دعويهما إلى الامبراطور الذي عزل كلاً من نسطور وكيرلس ونفاهما، وقد عاد البابا كيرلس بعد سنوات عدة.
خلال الاشهر التالية عُزل 17 أسقفاً من الذين أيدوا نسطور كما أُجبر يوحنا الأول على انكار النسطورية في آذار 433م. وفي عام 435 م تم نفيه إلى مونستاري بالقرب من الخارجة في مصر. وخلال الرحلة تعرض موكب نسطور إلى هجوم من قبل العصابات مما أدى إلى جرحه. وأحرقت كتاباته بأمر من ثيودسيوس الثاني، وما بقي منها حفظ باللغة السريانية. وتم التأكيد على هرطوقية آرائه مرة أخرى في مؤتمر خلقدونية 451 م.
رغم الحرمان إلا أن آراء نسطور استمرت وحظيت بالعديد من الاتباع الذين يتحدثون بالسريانية بشكل اساسي، وقد استمرت الكنيسة بقوة في شرقي نهر الفرات في حماية الامبراطورية الساسانية كما انتشرت باتجاه الشرق حيث وصلت إلى المغول واعتنقتها قبائل النايمان المغولية. أما اليوم فما تزال النسطورية مستمرة تحت اسم الكنيسة الآشورية. ويقول المطران &laqascii117o;مار سرهد يوسب جمو" من الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، ان هذا المذهب انتشر بشكل رئيسي بين مسيحيي العراق وبلاد الفرس بتشجيع من الساسانيين، وذلك لاعتقاد الساسانيين أن ابتعاد المسيحيين القاطنين في مملكتهم عن إخوانهم من مسيحيي الإمبراطورية الرومانية سيسهل لهم السيطرة عليهم.
وقد اعتنقت &laqascii117o;النسطورية" جماعات من مسيحيي الهند. وفي القرن السابع امتدت إلى الصين وحتى منغوليا. ويوجد في مدينة شيآن الصينية نصب حجري أقامه أحد المبشرين النساطرة سنة 781 م، وكان هذا المذهب هو السائد بين مسيحيي شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، وكانت البحرين هي مركزهم الرئيس هناك، وهو المذهب الذي تتبناه كل من كنيستي المشرق القديم والآشورية الشرقية. كما اشتهر النساطرة في العلوم والفلك والطب والرياضيات والفيزياء، وقد برزوا في النهضة العباسية بمشاركتهم بعلومهم في بناء هذه الحضارة فاعتمد عليهم الخلفاء.
في اي حال، يتبين مما تقدم ان ستة عشر قرناً من الزمن لم تفلح في ايجاد حل لهذا الخلاف الاساسي حول الوهية المسيح سوى المساكنة بين الكنائس المسيحية بين بعضها البعض، وكذلك بين المسيحية والاسلام في اطار من الاحترام المتبادل بين الاديان والمعتقدات، ذلك ان التسوية الجذرية مستحيلة بين المعتقدين المسيحي والمحمدي. فلا المسيحية المؤمنة بألوهية المسيح مستعدة للمساومة على معتقدها، ولا النص القرآني الثابت يفسح في المجال امام المسلمين في التعديل او التأويل او الاجتهاد. وعليه لا بديل عن التعايش والمساكنة والابتعاد ما أمكن عن اثارة المشاعر والحساسيات في هذا الموضوع. ومن هنا، وعلى الرغم من النيات الحسنة للمنتج الايراني في تظهير صورة السيد المسيح كان يفترض ان تحظى صناعة هذا المسلسل بالمزيد من الدرس والتمحيص، تجنباً لفتنة جديدة او لـ&laqascii117o;حرب مقدسة" جهدت منطقتنا طويلاً لمحو آثارها. فالمشكلة التي ليس لها حل، يستحسن طيها وتجنب اثارتها وتفادي ما ينجم عنها من صراعات عبثية.
ـ 'النهار'
المسلسل الإيراني الطويل
علي حمادة:
فضيحة مسلسل 'السيد المسيح' الذي كانت محطتا 'المنار' والـ'ان بي ان' بدأتا بعرضه، يميط اللثام عن خلفيات الكثير مما أصاب لبنان في الآونة الاخيرة، فالمسلسل ايراني يقدم 'قراءة' اسلامية (بتصرف) لحياة السيد المسيح، وهو في الحقيقة موجه الى جمهور مسلم في بلد غالبيته الساحقة مسلمة مثل ايران. لكن 'الفهم' الخاص للمتأثرين بنظام 'ولاية الفقيه' جعلهم لا يعيرون ادنى اهتمام للحساسيات الخاصة في لبنان، وخصوصا ان النصف المسيحي في لبنان اعتبر ان المسلسل ذهب ابعد من إثارة حساسيات، الى الطعن بجوهر الديانة المسيحية نفسها.
هذه هي السلوكيات التي يجري فرضها على اللبنانيين، هي عقلية، وهي الوجه الآخر لسياسة فرض السلاح على اللبنانيين من دون التوقف عند آرائهم المعارضة، لا بل الرافضة لمنطق غريب يريد ان يصنع لبنانيين، واحد 'بلطجي' مستكبر بسلاحه، وآخر مذعن مستسلم. فهل هذا لبنان القابل للحياة؟
بالعودة الى المسلسل الايراني، فإن وقفه كان اضعف الايمان، وما كان على الكنيسة وحدها ان تتصدر الحركة الاحتجاجية، بل كان على اكبر كتلة نيابية مسيحية في البرلمان ان ترفع الصوت. ولكن بدلا من ذلك كان النواب الاكارم حيارى وهم يتابعون اجتماع النائب ميشال عون بوفد 'حزب الله' الذي وصفه بـ'أهم حليف استراتيجي'! كيف لا وهو اعتاد ان يسلس قياده لـ'حزب الله' الى حد استسقائه تدخلا عسكريا فتنويا من الحزب في المناطق المسيحية؟ ألا تكفي الفتنة المقيمة منذ ايار 2008، وهي التي يشعر المرء بأنها ستعود الى الاشتعال مع اعلان 'حزب الله' الحرب على المحكمة الدولية بناء على رفضه الحقيقة والعدالة بحد السيف؟
لقد قيل الكثير عن احتمالات المرحلة المقبلة، والحق ان قبول 'حزب الله' الضمني بالتعامل مع مكتب المدعي العام دانيال بلمار وبتسليمه المعطيات التي ادلى بها السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي الاخير، يعني ان ثمة سقفا يقبل به الحزب راهنا، وان ثمة وقتا مستقطعا قبل انفجار الازمة. ولكن الحزب يعرف تمام المعرفة ان ابتزاز اللبنانيين شيء، وابتزاز المجتمع الدولي شيء آخر. فنسف المحكمة مستحيل مهما فعل، ولو ذهب الى حد تنفيذ انقلاب يجري الاعداد له في هذه الاثناء. فقلب النظام في لبنان ليس لعبة. والاعتماد على دمى في الطوائف الاخرى (بعضها يستعرض استعداداته منذ الآن) لتغطية الانقلاب ليس لعبة. ومحاولة الانقلاب على النظام تهربا من احقاق الحق في قضية رفيق الحريري لن تكون سهلة المنال على النحو الذي يجري الحديث عنه. فلبنان ليس غزة. والحلفاء القدامى والجدد لن يمكنهم الذهاب بعيدا في عملية تسليم البلد.
في الخلاصة، نحن لا نعرف قيمة المعطيات التي قدمها السيد حسن نصرالله. ولكننا نثق بأن مكتب المدعي العام بلمار سيشبعها درسا وتمحيصا، ثم يتصرف بها وفق قيمتها وصدقيتها. فلننتظر رأي بلمار وفريقه، فملايين اللبنانيين يثقون بالمحكمة ويعتبرونها البوصلة.
- صحيفة 'صدى البلد'
استحضار سورية من الطرفين
علي الأمين:
فيما كانت الاسابيع القليلة الماضية منصات لدفعات من المواقف اطلقها الامين العام لحزب الله باتجاه المحكمة الدولية، والتحقيق الدولي بشكل خاص، يستعد رئيس الحكومة سعد الحريري، من خلال حفلات الافطار الرمضانية المعهودة في قصر قريطم، الى تظهير جملة مواقف تتصل بدعم خيار المحكمة الدولية كمرجعية لمعرفة حقيقة من اغتال والده الرئيس رفيق الحريري. وفي هذه الاطلالات المرتقبة، خلال ليالي شهر رمضان، لن يخرج رئيس الحكومة على ما سمي مسلك التهدئة الذي حرص السيد نصرالله على سلوكه، لا سيما مع ختام اعمال القمة السعودية – السورية - اللبنانية في بيروت.
يقف سعد الحريري في ليالي هذا الشهر ليجدد زعامته للطائفة السنية، وليخاطب ابناﺀها من موقع الرئيس ومن موقع ابن الشهيد الذي لم يزل يعد مناصريه واللبنانيين عموما انهم سيعرفون من اغتال ومن خطط ونفذ، لذا ليس من طريق الى هذه المعرفة سوى المحكمة الدولية.
وكما كانت مناسبات حرب تموز 2006 ومناسبة ولادة الامام المهدي مناسبات سياسية ودينية ومنصات ارادها السيد حسن نصرالله ليكشف، لجمهوره اولا والرأي العام ثانيا واخيرا، اليد الاسرائيلية في اغتيال الحريري، يجد الحريري وسيلة، في مثل هذا الشهر ومناسباته، الى محاكاة جمهوره وتوجيه الرسائل في اكثر من اتجاه، تعكس نزعة التسامح واستعدادا للتعاون في مواجهة اي مخاطر والتمسك بالمحكمة.
فالفتنة السنية – الشيعية، التي يحاول البعض اعادة استحضارها، ليست في برنامج السيد نصرالله، كما انها ليست من مشاريع الرئيس الحريري. واذا كان الرجلان بحكم الواقع يشكلان رأسي الحربة في اي فتنة داخلية تقع، فهما ايضا، انطلاقا من زعامة كل منهما لطائفته، يستطيعان ان يمنعا حصولها او يزيلا عناصر قد تؤدي الى انفجارها. اذا كان البلد مسرحا لمسلسل اطلالات السيد نصرالله حول المحكمة الدولية، فهل ينسحب الحال على ان تشهد قريطم مسلسلا من الاطلالات الرمضانية عبر مواقف يطلقها الحريري وتشكل مجالا لاستعراض القوة، وان كانت ناعمة؟
في خطاب السيد نصرالله ان المقاومة في لبنان هي هدف اميركي- اسرائيلي وعربي وربما اوروبي، واغتيال الرئيس الحريري كان وسيلة لاستهدافها، كما هو ايضا انشاﺀ المحكمة الدولية التي وصفها بالاسرائيلية. وحرب تموز 2006 احدى تجليات المؤامرة الاسرائيلية، وإن كانت المقاومة من افتتح الحرب بخطف وقتل جنود اسرائيليين وتجاوزها الخط الازرق.
اذن امام هذه المخاطر التي لا مفر منها، يقترح حزب الله ارساﺀ معادلة الشعب والجيش والمقاومة، وهي معادلة لا تجد لدى اللبنانيين ترجمة لها او نموذجا سوى ان يستحوذ حزب الله على ادارة الشأن الامني والعسكري، او في الحد الادنى رعاية الانقسام وعدم الانسجام بين المؤسسات الامنية والعسكرية، الى جانب اعتماد سياسة الجزر الامنية داخل المؤسسات الامنية والعسكرية، على ما يستتبع ذلك كله دخول الدولة، من خلال مؤسساتها، في لعبة تجاذبات اقليمية تستحضر مجددا الدور السوري فيها. وهو دور يكاد يتقاطع على استحضاره، كما يظهر، السيد نصرالله والرئيس الحريري.
هكذا يصبح استحضار سورية حريريا أقل كلفة من مشهد 7 ايار جديد، كما ان حزب الله يريد من يعينه على حجم المؤامرات التي تتعرض لها المقاومة، وكما يوحي نصر الله ان العالم كله يتواطأ للقضاﺀ عليها. لذا تبدو دمشق، مطلبا ليزيل عن كاهل المقاومة اعباﺀ امنية، فالمقاومة لا تبدو واثقة بجهاز لبناني قدر ثقتها بالاجهزة السورية رغم السوابق 'العنجرية'.
سعد الحريري يستضيف السفير السوري على احدى موائد رمضان كما هو مرتقب، وقامت السيدة بهية الحريري بخطوة مشابهة قبل اسابيع في صيدا مصحوبة بترحيب احتفالي. حزب الله يأنس لعلاقة مع سورية يريدها اساسية معه، ولا يريد دخولا مباشرا وشرعيا سوريا الى المؤسسات العسكرية والامنية، ويأمل ان يكون سفيره فيها.يريد حزب الله ان يكون هو الرئة الامنية لسورية في لبنان. تيار المستقبل يريد علاقة قوية مع سورية، علاقة قوية لكف شر البعض من جهة وترسيخا لموقعه في السلطة. بين حزب الله والمستقبل ثمة ذرائع عديدة للقول أن أوان بناﺀ الدولة والسيادة والعدالة لم يحن بعد ايها اللبنانيون.
ـ 'النهار'
أولاً وأخيراً صراع قناعات !
نبيل بومنصف:
لم تقتصر مفاعيل حرب الاغتيالات في لبنان على الكوارث والتصدعات والحصاد الدامي فحسب، بل اقامت معادلة 'القناعة الاتهامية' التي يختصر عبرها كل فريق ليس خسائره فحسب، بل مجمل رؤيته الى الأزمة الدخلية وارتباطاتها بالقوى الخارجية.
تبرز هذه المفارقة مجددا عند مشارف استكمال 'حزب الله' لقناعة اتهامية تكاد تختصر كل رؤيته والفريق الذي يتحالف معه، ليس بازاء اسرائيل وحدها التي يتهمها باغتيال الرئيس رفيق الحريري بل ايضا بازاء الفريق الخصم في الوطن. وسيعاني الحزب الذي يثبت قدرة ساحقة على ان يكون القاطرة العملاقة لحلفائه ما عانى منه خصمه من قبل.
ظل فريق 14 آذار خمس سنوات يبحث عن سؤال هائم: لماذا لا يصدقوننا وكل القرائن التي نملك تدل على صحة الاتهام السياسي بدليل ان الضحايا ضحايانا ومن صفوفنا فقط؟ لماذا اذاً 'يكرهوننا' الى هذا الحد؟
كان لدى 14 آذار كمّ هائل ايضا من 'قرائن ظنية' ومحاضر وصور ولو غير جوية ولو من غير الاستطلاع الاسرائيلي. ولكن القناعة الاتهامية ظلت قناعة 14 آذار ولم تتطور يوما الى قناعة اوسع فيما يتجندل الشهداء تباعا في اشرس حصاد دموي.
الآن دور الحزب في رد السؤال ونيل المردود اياه. ولن تتجاوز قناعته حدود جمهوره وحلفائه، علما ان قدرة السيد حسن نصرالله الفائقة والمشهودة في صوغ المضبطة الاتهامية لا تحتاج الى اثبات، بدليل انه تمكن في اقل من شهر ونصف شهر من تبديد القناعة الاتهامية الاولى لفريق 8 آذار التي كانت تتهم جهات اصولية بالاغتيال واقامة الاتهام الكامل لاسرائيل على انقاضها دونما اي جهد في 'اقناع' الحلفاء.
معنى ذلك ان فريقي لبنان المتصارعين على كل شيء ينقلان الى المحكمة الخاصة بلبنان، ليس ملف الرئيس الحريري والشهداء الـ14 الآخرين الذين اغتيلوا بعده فقط، بل مجموع ملفات الازمة الكيانية اللبنانية، ولا حاجة الى مزيد من سيناريوات. ولكن المحكمة محكمة، شاء ذلك من شاء وأبى من أبى، حتى إشعار آخر، ويستحيل ان تتجاوز اختصاصها الى حل ازمة القناعات الاتهامية المتصادمة والمتصارعة لان من استولدها، اي مجلس الامن الدولي، بدا لوهلات وحقبات عدة عاجزا بنفسه عن ان يتعامل مع الكيمياء اللبنانية المعقدة.
في لبنان ارخص الامور واشدها تسطيحا ان يسبغ منطق عشائري على العدالة. واكثر الامور تعقيدا هي تناول الملفات الجدية بلغة جادة رصينة. ولعل اصعب ما سيواجهه اللبنانيون في الآتي من الاسابيع والاشهر هو تصاعد صراع القناعات بخلفية الظن ان معركة كهذه ستقتحم أسوار لاهاي، ولا احد يدري او يجزم بمفاعيل هذا الصراع على المحكمة نفسها. فحذار خداع النفس بهدنة رمضان.
ـ 'النهار'
من اغتال رفيق الحريري؟
سليم نصار ـ لندن:
آخر شهر كانون الاول 1968 أطلقت عناصر من 'فتح' صاروخا على طائرة تابعة لشركة 'العال' الإسرائيلية كانت متوقفة فوق أحد مدارج مطار اثينا. وعلى الفور عقدت الحكومة الاسرائيلية جلسة طارئة تحدث فيها وزير الدفاع موشيه دايان عن ضرورة انزال عقاب مؤلم يؤذي لبنان، باعتبار ان عناصر 'فتح' وصلت الى اثينا من بيروت على متن طائرة تابعة لشركة 'الميدل ايست'.
وقال دايان في كلمته ان العملية الانتقامية يجب ان تردع الحكومة اللبنانية عن السماح لـ'فتح' باستخدام ارض الجنوب قواعد تدريب على الاعمال الارهابية. ثم اوكل الى 'الموساد' قرار اختيار عملية الاقتصاص التي استهدفت طائرات شركة طيران الشرق ا