قضايا وآراء » إن لم تكن لبنانياً فلن تكون إعلامياً عربياً مؤثراً

مجلة آرابيان بيزنس ويك
بقلم وائل مهدي
هذا ما يخيل إلى قارئ قائمة أقوى الإعلاميين العرب ضمن قائمة أقوى مائة شخصية عربية التي أصدرتها أريبيان بزنس هذا الأسبوع.
فمن بين 14 إعلامياً عربياً على القائمة ثمانية منهم من لبنان أي أكثر من النصف بقليل، مما يعني وجود هيمنة ولكن كلها هيمنة مرتبطة بالبث وبالإعلان وليست بالمحتوى باستثناء جورج قرداحي الذي أثرته سنوات العمل الإذاعي عليه وجعلت الثقافة عنده مفتاح لشهرته وإن كان برنامجه استنساخ لأحد البرامج الغربية بالكامل، ولكن يحسب لجورج "إبداعه" في تعريب المحتوى ليبدو "عربياً" لمن لا يعرف حقيقة البرنامج.
ولكن ماذا حل بالعرب من الجنسيات الأخرى وهل سيشهد الإعلام العربي هيمنة لبنانية في المستقبل القريب؟
من ناحية الهيمنة والانتشار فهذا صحيح، ومن ناحية التأثير فهذا صحيح، ولكن من ناحية التنوير والتثقيف فلا ولن يهيمن الإعلام اللبناني على الإعلام العربي. الإعلام اللبناني إعلام تجاري بحت استفاد الإعلاميين فيه من قدم التجربة لديهم ومن تحرر المجتمع والدولة من القيود الاجتماعية.
ولكن ليست لبنان وحدها التي تبلي قنواتها بلاءً حسناً إذ أن قناة الجزيرة القطرية هي أيضاً هيمنت عربياً وإن كان اللبنانيون لم يسيطروا عليها مما يبقى مجالاً لغير اللبنانيين في المنافسة على الفضاء العربي.
والذي يمعن التفكير سيجد أن المستقبل في البث هو للدول ذات الأسواق الصغيرة مثل لبنان وقطر التي لا تستطيع الاعتماد على أسواقها الصغيرة للوصول إلى مستوى عال من الربحية ولهذا كان الانتشار الإقليمي هو مفتاح القنوات التي تصدر من هنا وهنا وليس الاهتمام بشأن الأمة العربية كما يزعمون.
الأمة العربية عند الإعلاميين اللبنانيين - وأقصد هنا القائمين على مشايع البث والنشر- مرتبطة بمصالحهم التجارية كما هو الحال مع السياسيين اللبنانيين. وحياة المواطن العربي عندهم هي مادة جيدة لبرنامج يستقطب العديد من الإعلانات لا غير.
ولبنان تمتاز عن باقي دول المنطقة بكون إعلامها يعدّ نوعاً من "البروكسي" الذي لم يعد يمثل رأيها بل رأي الداعمين من الخليج الذي يستخدمونه للهروب من تسلط وزارات الإعلام على ما يريدون بثه من برامج، فالمجتمع عند التاجر وسيلة للكسب وثقافة المجتمع لا تهم ما لم تكن ربحية.
واتفق في السنوات الأخيرة التوجه الليبرالي السعودي مع التوجه الليبرالي اللبناني لتكون ثمرة هذا الاتفاق هي البث الإعلامي المكثف الذي يستهدف اجتثاث المجتمع المحافظ من جذوره.
والإعلام اللبناني رائد من ناحية تقليد التجربة الغربية بالكامل والإبداع في الإعلام اللبناني ليس مرتبط بمفهوم الإبداع وهو الابتكار بل محصور في الإبداع بمعنى كيفية نسخ تجربة أمريكية و"تعريبها" بطريقة يخيل للمشاهد أنها عربية الأصل وكانت وتكون النتيجة دوماً جنين مشوه من أب وأم لا قدرة لهما على الإنجاب بل على التجارب العلمية والتلقيح بواسطة الأنابيب.
ما يراه العديدون نجاحاً أراه مسخاً كـ"فرانكشتين" الذي لا يعلم من هو ولا كيف جاء إلى الوجود. تجربة فاشلة وسطحية ولكنها تقنياً وفنياً من أفضل الموجود على الساحة في ظل التراجع الرهيب لمصر التي تصارع للحاق على خطى لبنان ولكن الطفل المصري مشوه ألف مرة أكثر من الطفل اللبناني الذي لم يأتي من أب وأم طبيعيين بينما الطفل المصري جاء من أب وأم طبيعيين ظنا وجهلاً أن القبح والتشوه يدران مالاً فقاما بتشويه الجنين مثلهما عمداً.
مستقبل لا يبشر بخير للمشاهد العربي الذي يجب أن يتأقلم على "انتهاك الخصوصيات" تحت مسمى "الحريات"، وعلى بناء جيل "مشوه" من الشباب تحت مسمى "رعاية المواهب الشابة" وعلى "التقليد المعرب" تحت مسمى "الإبداع الإعلامي".
المواطن العربي سلعة إعلامية ونشكر هنا الإعلام اللبناني على ترسيخ هذا المبدأ في عقول الشركات المنتجة ووكالات الدعاية والإعلان. ولننظر ما هو الجيل العربي الذي سيقدمه لنا الإعلام اللبناني. ويا ترى كم إعلامياً ليبرالياً في السعودية يتمنى أن يكون لبنانياً حتى تكون له الحرية في عرض قضايا بلده والعيش معها في "عيشوا معنا".
آلة إعلامية منظمة تدعمها آلة إعلانية جبارة ساعدا الإعلام اللبناني على الهيمنة عربياً على عقول ملايين السطحيين من أبناء الوطن "السطحي" الكبير وهذا ما كان ينقص التجربة المصرية التي فشلت بسبب غياب الإعلان والتوجه الإقليمي وقلة الدعم الخليجي وقلة الكادر القادم من الخارج وقلة البرامج المستوردة. هذا بالإضافة إلى الطعنات المركزة من القطاع العام المصري الذي ظل ينتج لسنين عدة مالا يرغبه السوق ولكن لا وجود لمبدأ السوق في الفكر البيروقراطي الذي نشأ عن فكر اشتراكي عقيم.
نموذج لبناني أخر للعمل الإعلامي التجاري البحت يجسده صاحبه السعودي والذي يوجد ضمن القائمة. والذي استفاد هو أيضاً من التجربة اللبنانية في استيراد الأفكار والبرامج وفي بيع وشراء خصوصيات الناس تحت مسمى برامج الواقع ولا عجب أن تكون له مجموعة إعلامية مربحة ولا عجب أن يكون ضمن القائمة فهو "لبناني" أيضاً وإن اختلفت الأسماء والمسميات.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد