- صحيفة 'الأخبار'
فتنة بالسلاح الأبيض
خالد صاغية:
لعلّ أطرف وأقسى ما وُصف به حادث برج أبي حيدر، هو أنّه &laqascii117o;عادي". مطلق الوصف، وهو مسؤول إعلاميّ، عاد وبرهن على &laqascii117o;عاديّة" الحادث، قائلاً إنّ المياه عادت إلى مجاريها بين الطرفين الحزبيّين اللذين تواجه عناصرهما في أحد شوارع العاصمة. والواقع أنّنا نحن اللبنانيّين نعيش منذ زمن أحداثاً وأوضاعاً لا تمتّ إلى العيش العاديّ بصلة. إلا أنّ كلّ جهد النظام السياسيّ، بأجنحته المختلفة، ينصبّ على مهمّة تكاد تكون وحيدة: إقناعنا أو إيهامنا بأنّ ما يجري عاديّ، لا بل شديد العاديّة، وبشكل مطلق. هكذا &laqascii117o;بَلَع" اللبنانيّون أموراً كثيرة، لكن أن يصبح القتل في الشوارع أمراً عادياً بعد مرور ربع قرن على انتهاء الحرب الأهليّة، فهذا ما يتطلّب من السلطة وأجنحتها جهداً دعائياً مضاعفاً. ويبدو أنّ ثمّة من بدأ يتبرّع ببذل هذا الجهد. هناك مثلاً من يتبرّم من عدم طيّ صفحة ما جرى. يُراد للأمر أن يتلفلف كما تجري العادة. فاللفلفة هي أيضاً من الأمور العاديّة. وحين لا ينتهي الأمر بتعزية أهالي الضحايا، يجب البحث دائماً عن مآرب سياسيّة خبيثة. صحيح أنّ ثمّة من يحاول استغلال الحادث لإذكاء الفتنة أو لتحقيق مكاسب صغيرة، لكنّ من يحاول التصرّف وكأنّ شيئاً لم يحصل، يسهم هو الآخر في إذكاء الفتنة وفي تحقيق مكاسب سياسيّة صغيرة. لكنّ ماكينة بروباغندا &laqascii117o;تعويد" اللبنانيّين على الحوادث الأمنيّة تشتغل أيضاً على خطّ آخر. وكأيّ بروباغندا ذكيّة، ينبغي للشعار المرفوع أن يمرّر الرسالة بأقلّ الطرق مباشرةً. هكذا طلع علينا شعار جعل بيروت الإداريّة منزوعة السلاح. وبدأت الدولة بأعلى هرمها تؤلّف اللجان للعمل على تحقيق هذا الهدف. لكنّ تخصيص بيروت دون سائر المناطق لا يناقض المساواة بين اللبنانيين وحسب، لكنّه يشرّع بطريقة غير مباشرة انتشار السلاح بين أيدي المواطنين وداخل منازلهم في المناطق الأخرى. فـ&laqascii117o;بيروت منزوعة السلاح" تعني &laqascii117o;زحلة مسلّحة" أو &laqascii117o;صيدا مسلّحة"... بكلام آخر، نودّع 7 أيّار لنستقبل مجزرة حلبا. لكنّ الأخطر من ذلك كلّه، هو أنّ شعار نزع السلاح من بيروت يعني ضمناً أنّه لا أحد يريد نزع فتيل التفجير السياسي من بيروت. أليس غريباً هنا أن يكون بعض المتحمّسين لنزع السلاح من بيروت هم الذين يصعّدون لتوتير الجوّ السياسيّ، ويعيدون بثّ ذبذبات الحقد الطائفي؟ ثمّة من يحاول أن يقول: أهلاً بالفتنة المذهبيّة... لكن بالسلاح الأبيض.
- صحيفة 'النهار'
ما دامت السلطة الفلسطينية ولبنان لا يستطيعان توفير الأمن لإسرائيل.. المفاوضات لأتّخاذ الترتيبات اللازمة تكون مع سوريا وإيران...
اميل خوري:
... ولا يختلف وضع الحكومة اللبنانية عن وضع السلطة الفلسطينية في ما يتعلق بتوفير الامن لاسرائيل كي تجعل اسرائيل تنسحب من بقية الاراضي اللبنانية التي تحتلها اذا ظل 'حزب الله' ومن معه يرفض التزام نتائج المفاوضات بين لبنان واسرائيل عند حصولها، اذا ظل هذا الحزب يرفض إلقاء سلاحه او التخلي عنه الا اذا تحقق السلام الشامل والعادل في المنطقة وأمكن التوصل ايضا الى اتفاق على برنامج ايران النووي. وفي معلومات المصادر الديبلوماسية ذاتها ان ما عرقل الاتفاق بين سوريا واسرائيل من خلال الوسيط التركي رغم ان التوصل اليه كان قريبا جدا هو تحقيق الامن الثابت والدائم لاسرائيل ليس عبر حدودها مع سوريا وهي حدود آمنة وهادئة منذ سنين رغم بقاء الجولان محتلا، انما عبر حدودها مع لبنان نظرا الى تأثير سوريا على 'حزب الله' وكذلك تأثير حليفتها ايران. لكن سوريا امتنعت عن تعهد وقف مرور الاسلحة عبر اراضيها الى 'حزب الله' في لبنان كي تتوقف اعمال العنف المتبادلة. وترى المصادر اياها ايضا ان نتائج المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية لن تتوصل الى تحقيق السلام حتى بعد الاتفاق على أسسه، ما لم تتحقق 'الترتيبات الامنية الحقيقية' التي تطالب بها اسرائيل وتعتبرها من الاولويات. وكذلك الامر بالنسبة الى المفاوضات بين لبنان واسرائيل عندما تجرى لان من يستطيع تحقيق هذه الترتيبات الامنية هو سوريا او ايران او كلتاهما، كونهما تمونان على 'حزب الله' في لبنان وعلى 'حماس' في غزة. وهذا يعني ان على الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي التفاهم اولا مع سوريا وايران حول موضوع السلام الشامل في المنطقة اذا كان تحقيقه يتطلب تحقيق الامن اولا لاسرائيل، وهذا لا يتحقق الا اذا توقفت ايران عن ارسال الاسلحة الى لبنان وغزة او منعت سوريا مرورها عبر اراضيها. ولكلا الموقفين ثمن. فسوريا تريد انسحابا اسرائيليا كاملا من الجولان والتوصل الى تحقيق سلام شامل في المنطقة وعندها يصبح الامن ثابتا ودائما لكل دول المنطقة، وايران تريد اتفاقا على برنامجها النووي قبل ان تلتزم تحقيق هذا الامن، والا ظلت قادرة بفعل تحالفها مع سوريا، على ارسال الاسلحة الى الاحزاب والتنظيمات المتشددة وتعتقد بان سوريا ستبقى ملتزمة معها هذا الموقف حتى ولو ضمنت استعادة هضبة الجولان المحتلة لان استمرار تحالفهما يبقى هو الاهم. فهل اخذت اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي في الاعتبار هذا الوضع القائم في المنطقة فيبدأ البحث في ما يهم اسرائيل وهو الامن كمدخل للسلام وليس العكس وهذا الامن لا يتحقق بمجرد الدخول في مفاوضات اسرائيلية – فلسطينية واسرائيلية – سورية ولبنانية، بل بمفاوضات مع سوريا وايران حول كيفية اتخاذ الترتيبات الامنية الحقيقية التي تطمئن اليها اسرائيل لكي تستطيع اقناع الشعب الاسرائيلي بجدوى الانسحاب من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
ـ صحيفة 'المستقبل'
المعركة مع المحكمة' وصف يختصر به 'حزب الله' طبيعة المرحلة / المعادلة المدنيّة قادرة على تفكيك صاعق 'التخوين والتعنيف والتخويف'
وسام سعادة:
لم ينتبه الكثيرون، في حمأة معركة برج أبي حيدر، إلى استخدام أمين عام 'حزب الله' السيد حسن نصر الله الذي كان يتحدّث في موازاة الحدث وقتها، لمصطلح 'المعركة' بقصد وصف طبيعة الصراع الذي يخوضه مع المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان، وبالتالي بقصد وصف طبيعة 'المرحلة'. يطرح ذلك بالتأكيد علامات استفهام حول الميدان المرتقب للمعركة، وحول طبيعة الأسلحة التي ستستخدم فيها، خاصة وأنّها لن تكون 'معركة مباشرة' مع طاقم المحكمة الدوليّة بحدّ ذاته، وتعطف على هذه علامات استفهام حول القول الأخير للنائب نوّاف الموسويّ الذي ذهب إلى أنّ هناك من يستفيد من حادثة برج أبي حيدر 'للتوصّل إلى إجراءات من شأنها غلّ أيدي المقاومة في الدفاع عن نفسها في ما لو صدر القرار الظني باتهامها'. إلى ذلك، فإن وصف المرحلة بـ'المعركة' ضدّ المحكمة الدوليّة يبيّن حجم الإختلاف بين أسلوب 8 آذار في التعاطي مع هذا الملف، وبين الأسلوب السودانيّ في التعاطيّ مع المحكمة الجنائية الدوليّة. فالأسلوب السوداني عدّ قرارات هذه المحكمة تدخّلاً إستعمارياً كلاسيكياً وآثر التظاهر بـ'اللامبالاة' مستخفاً بقرار توقيف الرئيس. أمّا أسلوب 8 آذار فهو يستبق القرار الظني، ويعرض مضامين قرار لم يفرغ بعد من كتابته، ويطالب في الوقت نفسه بإلغاء القرار الظنيّ. وهذه العبثية الممعنة في 'المجال الإفتراضي' تترجم نفسها أصنافاً غير مسبوقة من التوتّر الخطابيّ والسياسيّ والأهليّ والأمنيّ والنفسيّ إلى درجة تضيع معها آخر مظاهر الكاريزما والمحاجّة في هذا الفريق، وتتصدّع فيها معادلة 'التخوين والتعنيف والتخويف'.وهنا بالذات بيت القصيد اليوم. إذا كان هناك من يخوض 'معركة' مع 'المحكمة الدوليّة' من دون أن يكون ميدان هذه المعركة هو المحكمة نفسها، فثمّة أكثريّة لبنانية آن لها أن تباشر بتفكيك معادلة 'التخوين والتعنيف والتخويف' التي تحكم البلد بشكل مثقل على الأقل في السنتين الأخيرتين. بمعنى آخر، فإن إعادة الوصل بين الحركة الإستقلالية والمجتمع المدني لأجل تفكيك هذه المعادلة هو الطريق الإجباريّ لإنقاذ البلد، وإنقاذ المؤسسات والسلم الأهلي. أمّا المحكمة الدولية فلا داعي لإنقاذها لأن لا خطر عليها، والجميع بات يعرف ذلك في سرّه اليوم.لقد بيّنت الفترة الأخيرة عن استعادة المجتمع المدنيّ لحيويّته بشكل جزئيّ، وعن عودة اهتمام الحركة الإستقلاليّة بهذا المجتمع المدنيّ أيضاً بشكل جزئيّ، والمطلوب اليوم تكثيف العمل في هذا الإتجاه لأنّ ما كان غائباً في 7 أيّار 2008 لم يكن السلاح في مواجهة السلاح، وإنّما المجتمع المدنيّ الحيويّ المناضل كما عبّر عن نفسه في أيّام إنتفاضة الإستقلال وثورة الأرز. بقدر ما يكون المجتمع المدنيّ ناهضاً في الأسابيع والأشهر المقبلة بقدر ما تكون المرحلة هي معركة مظفرة للديموقراطية والعدالة وسيادة القانون وحقوق الإنسان وثقافة السلام. معادلة المجتمع المدنيّ الحيويّ في مواجهة 'التخوين والتعنيف والتخويف' تعني إذاً: أقصى 'لاعنفية' يبديها هذا المجتمع المدنيّ، وأقصى مطالبة من جانب المجتمع المدني للدولة وقواها الشرعيّة لممارسة واجباتها 'القامعة' للمخلّين بالأمن والخارجين على القانون. وهنا لا يُفهم بالمجتمع المدنيّ 'جمعيّات وروابط' بقدر ما يفهم به المجتمع المدنيّ بمعناه الجماهيريّ الأوسع، أي بالمعنى الذي يشمل البيئات المنخرطة في الأحزاب السياسية الإستقلاليّة كما البيئات الإستقلاليّة المستقلّة. وبعد حادثة برج أبي حيدر ثمّة فرصة تاريخية لكي تولد وتكبر كرة ثلج مدنيّة في هذا الإتجاه، كما كانت قد برزت في بداية هذا الشهر كرة ثلج مدنيّة أخرى تتعلّق بمبادرة بعض هيئات المجتمع المدنيّ الإستقلاليّ إلى الإعتصام دفاعاً عن المحكمة الدوليّة، ثم دفاعاً عن الحرّيات. يمتلك الشعب اللبنانيّ مقدّمات أساسيّة للدفاع عن نفسه: المحكمة الدولية، القرار 1701، إتفاق الدوحة في ما خصّ تحريم اللجوء الى العنف. هذه المقدّمات ستكون كافية تماماً لضرب معادلة 'التخوين والتعنيف والتخويف' فيما لو تحرّك المجتمع المدنيّ على هذا الأساس، وهذا الأمر هو الآن ضروريّ، وأكثر من واقعيّ، وسيشكّل الفارق الأساسيّ عن 7 أيّار، وعن أيّ مشاريع أو أحلام 'إنقلابيّة' أو 'فتنوية'. وشرط ذلك هو تطوير قناعتين. القناعة الأولى بأنّ الفريق الفئويّ الشموليّ هيمنيّ وتوسّعي وإنقلابيّ في طبيعته. القناعة الثانية بأنّ المناعات والمضادات الحيوية اللبنانية غير قليلة وبعضها يمكن ان يكون مفاجئاً بالنسبة الى أي توجّه إنقلابيّ فئويّ. بمعنى آخر يمكن المجازفة بالمعادلة التالية: هذا الفريق مشبّع بالسلاح بما فيه الكفاية، لكنّ إنعدام أي خصوصية وطنيّة لديه عن مصادر توجيهه وتعبئته وتمويله تفقده أي ثوريّة ضروريّة لممارسة الفعل الإنقلابي بشكل متقن.