قضايا وآراء » قضايا وآراء وتحقيقات مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 1/9/2010

- صحيفة 'السفير'
جالا في برج أبي حيدر ودفعا لحوالي 45 متضرراً.. وتعويضات محيط &laqascii117o;الديوان" اليوم.. &laqascii117o;حزب الله" و&laqascii117o;المشاريع" يعوّضان.. والناس تسأل عن أمنها ورزقها
جعفر العطار:

الشيطان، دائماً موجود بيننا. تحوّل مضمون هذه العبارة، إلى لازمة لا مفرّ من قولها في معرض الحديث عن أسباب الإشكال الذي وقع يوم الثلاثاء في الرابع والعشرين من آب في برج أبي حيدر. الشيطان، كما يقول الرجل المحسوب على جمعية &laqascii117o;المشاريع"، مهمته بث الفتن بين الناس دوماً. يقول العبارة لأحد المتضررين الذين انتظر وصول اللجنة المشتركة من &laqascii117o;حزب الله" و&laqascii117o;المشاريع"، أمس، والتي سددت المستحقات في اليوم نفسه، عقب كشف فنيّ على الأضرار من قبل مهندسين مختصين، على أن يتم التعويض في محيط تعاونية &laqascii117o;الديوان" اليوم. يسأل الرجل الثلاثيني، الذي كان مسؤولاً عن قسم الآليات في اللجنة، عن صاحب الحافلة الصغيرة المركونة خلف منزل حسين الحنبلي، فيأتيه الجواب من الجيران: &laqascii117o;إنه ليس هنا"، ثم يصرّ المسؤول في &laqascii117o;حزب الله" على التأكد من صحة الخبر، فيقصد المنزل متأكداً، ويتبين أن الرجل خارج المنزل فعلا.
قبل عملية البحث عن صاحب الحافلة، الذي تُرك له خبر الاتصال باللجنة فور عودته ليصرّح عن الأضرار التي تكبدها جرّاء الاشتباكات، كان أفراد اللجنة المنضوية في قسم المباني يجولون على منزل الحنبلي، فيما بدت علامات الارتباك واضحة على وجه الرجل الأربعيني: &laqascii117o;لقد احترق المنزل بكامله، وكنت قاب قوسين أو أدنى من الموت، لولا رحمة الله. أما الآن، فكيف لكم أن تعوضوا عليّ كل مقتنيات المنزل الأثرية؟". تُسجل، في الاستمارة، كل المعلومات، ليصار إلى تسديد التعويض قبل موعد الإفطار. غير ان الحنبلي، ونظراً لفداحة الضرر الذي لحق بمنزله، فقد تم تأجيل دفع تعويضه إلى ما بعد إفطار الأمس، فيما سددت التعويضات المالية، من قبل &laqascii117o;الحزب" و&laqascii117o;المشاريع"، لأكثر من 30 فرداً تضررت جدران أو ستائر منازلهم أو واجهات محلاتهم التجارية، قبل موعد آذان المغرب، الموعد نفسه الذي وقعت فيه اشتباكات الثلاثاء الأسود، وشملت حوالي 15 شخصاً أصيبت سياراتهم بأضرار مختلفة، بين تلك الجسيمة، إلى السيارات التي تهشم زجاجها. يسحب الحنبلي، بين الدقيقة والأخرى، سيجارة وينفثها بسرعة تتجاوز سؤاله عن الرقم التقريبي للتعويض. يقول انه كان في البسطا عندما استشعر بأن ثمة لجنة قادمة للتعويض. إحساس فقط؟ يؤكد هذا الأمر، معرباً عن سعادته بالخطوة التي أقدم عليها الطرفان، ومتأملاً في الوقت نفسه ان لا تتكرر تلك الليلة المشؤومة.
يبدو شارع برج أبي حيدر نائماً، عند العاشرة صباحاً، لولا مشهد انتشار عناصر الجيش اللبناني مع الآليات الموزعة على المداخل، حيث تبعث هذه الصورة بعضاً من الحيوية وترسم معالم الاستنفار الدائم، أي عكس النوم. يستفيق الشارع على جولة اللجنة، بنظرات مستغربة في بادئ الأمر.
عاشور والعجوز: لا فرق
بعد تلك النظرات، تبدأ المطالبات بزيارة هذا المبنى أو ذاك المحل الذي فقد واجهته، وإما بإلقاء نظرة سريعة على السيارة أو الحافلة التي احترقت أثناء الاشتباكات. صاحب محل عاشور للنظارات يصرخ بأعلى صوته: &laqascii117o;أنا هنا... لا وقت لديّ!". صراخه ليس استفزازياً، بل انه طبيعي. هو يقول &laqascii117o;صباح الخير" بالطريقة نفسها.
تتوجه المجموعة المعنية بالأضرار المتعلقة بالمباني إلى محل عاشور، فيقول لهم الرجل انه خسر واجهة المحل كلها، فضلاً عن خسارته 150 قارورة جلاب كان قد افترشها قبيل وقوع الإشكال على الرصيف، ثم اختفت بعد الإشكال. تُسجل استمارة باسم عاشور. يشكرهم الرجل، ويعود إلى عمله بالوجه المتجهم نفسه، وصوته الأجش يقول: &laqascii117o;يا جماعة... هذا المحل أيضاً قد تضررت واجهته!". تمضي المجموعة في طريقها لاستكمال الجولة، قبل أن يتسنى لهم فرصة سماع صوت عاشور، على الرغم من انه يضاهي مكبرات الصوت. عاشور كان يقصد بالمحل ذاك، صالون سمير العجوز: رجل ستيني، جلس على كرسي خشبي أمام صالون الحلاقة العتيق الذي يملكه، منتظراً قدوم المجموعة إلى محله للاستفسار عن الأضرار التي تكبدها. هو، كما يقول، خجل من مناداتهم، تماماً كما خجل جاره الذي جلس إلى جانبه قبالة محل الحلويات الذي يملكه، والذي تضررت واجهته. العجوز كان في منزله، الواقع في الشارع نفسه، إبان وقوع الاشتباكات. يجزم أنها كانت ليلة قاسية. يقول ان ما حصل هو قضاء وقدر، لافتاً النظر إلى ان اللجنة لم تسأله عن الأضرار لأنها لم تنتبه إليه، مبرراً: &laqascii117o;هم السباقون إلى الخير دائماً". تستكمل مجموعة المباني جولتها التفقدية في المنطقة، والتي شمل تعويضها حتى الأضرار البسيطة كثقوب الجدران غير الظاهرة، فيما راحت المجموعة الثانية المعنية بالآليات، أي السيارات والحافلات والدراجات النارية، تجول على المتضررين الذين صاروا يتوافدون من منازلهم أو أشغالهم، لضرورة وجودهم شخصياً وتعبئة الاستمارة، بعد إبراز الأوراق التي تثبت ملكيتهم للآلية المتضررة.
كابوس الجيش.. والعودة إلى المرض
من منطقة الاشتباكات الأولى، إلى المنطقة الثانية التي احترق فيها مبنى تعاونية &laqascii117o;الديوان"، يُلاحظ انتشار عسكري للجيش بين المنافذ المؤدية للمكان، وصولا إلى شارع &laqascii117o;الأوزاعي" في المزرعة، حيث التعاونية. وحيث الرجل الذي رفع ورقة تقول: &laqascii117o;لا اله إلا الله.. ساعدوا هذا العجوز المسكين". هو ليس عجوزاً، ولن يساعده أحد. لمشهد العسكر عند الناس طابع أمني، يجلب الراحة النفسية إلى حد ما، خصوصاً عقب وقوع إشكالات كتلك التي وقعت مؤخراً، غير ان هذا المشهد، تحوّل إلى كابوس عند صاحبة محل الألبسة المواجه لـ&laqascii117o;الديوان" ندى عيتاني. هي تقول ان هذا المشهد كفيل بعدم دخول أحد على محلها، كما المحال المجاورة.
يبدأ الحديث مع السيدة الأربعينية بنبرة منخفضة الصوت بادئ الأمر، لترتفع وتيرة الصوت والنبرة معاً بغتةً، في أثناء الحديث عن اللجنة التي ستزورها اليوم لتقويم الأضرار، قائلة: &laqascii117o;لقد خسرت، في الشكل، واجهة المحل فقط، وبعض الألبسة. لكن، هل سيعوضون لي عن الأسبوع الذي مرّ، والأسابيع التي ستمر، من دون أي أرباح مالية؟ من دون أي بيع، بسبب خوف الناس، والنسوة تحديداً، خصوصاً واننا على أبواب العيد، وهذا هو وقت رزقنا الحقيقي؟!". تقول عيتاني، التي يُعتبر محلها من أهم المحال التجارية في الشارع، انه وصل بها الأمر إلى ان طلبت من عنصر الجيش المتمركز على آليته قبالة محلها، ان ينتقل إلى مكان آخر، علّ النسوة يتجرأن بالدخول إلى محلها قبل حلول عيد الفطر، إلا ان العسكري أخبرها بأن الأمر ليس بيده. عيتاني تقول انها لا تريد تعويضاً من أحد. هي مستاءة جداً وغاضبة. تكر سبحة الهجوم: &laqascii117o;لقد عشت ليلة لا يستطيع أن يتخيلها أحد، وقد حتمت عليّ أن أعود لتعاطي حبوب تهدئة الأعصاب التي أقلعت عنها منذ مدة طويلة. هل سيعوضون عنّي كل الأموال التي خسرناها خلال هذا الأسبوع؟ التعويض الحقيقي، هو أن يتركونا في حالنا. لا نريد شفقة من أحد. اتركونا فقط". على الرغم من محبتها السياسية لطرفي الإشكال، كما تقول، إلا ان الأرزاق لا علاقة لها بأي جهة سياسية. هي تحب &laqascii117o;حزب الله" الذي يقاتل إسرائيل. تحلف السيدة بالله انها لم تبع أي قطعة ثياب منذ وقوع الإشكال. تشتد عضلات وجهها في أثناء الحديث: &laqascii117o;ألا يكفينا ظلم الدولة؟ ألا يكفينا اننا عشنا منذ الولادة على الحروب؟ ماذا يُفترض أن نقدّم بعد؟ لقد أصبحنا فرجة للناس".
أبو عبد.. وصورة &laqascii117o;السيد"
أبو عبد رجل مشهور في الحي، خسر أيضاً واجهة محل اللوحات الفنية الذي يملكه، والتي يقدّر ثمنها بحوالي 1500 دولار أميركي، فضلاً عن احتراق سيارة نجله التي كانت مركونة أمام المحل. الدراجات النارية المحروقة عن بكرة أبيها ما زالت في الشارع. تزينه، ليصبح أكثر &laqascii117o;إشراقاً": أكثر سواداً. بخجل، يرفع الرجل الستيني نسخة عن إيصال تبرّع لـ&laqascii117o;هيئة المقاومة الإسلامية"، ليقول ما مفاده أنه يحبّ الخط الذي ينتهجه &laqascii117o;حزب الله" بوجـه إسـرائيل. ثم، في الأسلوب الخجول نفسه، يسحب صورة ويسأل ممازحاً: &laqascii117o;هل تعرف من هذا؟". طبعاً. انها صورة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. يضحك العيتاني مزهواً. الرجل فخور بأنه لم يغضب من الخسارة التي لحقت به، غير انه، في الوقت نفسه، لا يريد أن يشعر بالغبن. يتذكر، بالأسلوب الذي يخلط فيه الحديث الآني بذكرياته، ان &laqascii117o;السيد" قد أرسل له شهادة شكر منذ سنوات، على دعمه للمقاومة. لا يلبث أن يدخل في صلب الموضوع &laqascii117o;نتمنى أن يعوضوا علينا ما خسرناه فعلاً". من التعويضات، التي لم يشأ التوسع في الحديث عنها، يعرّج أبو عبد إلى التحليل السياسي حول الإشكال، قائلاً انه ثمة طرف ثالث دخل على الخط ويتمنى الا يقع الحزب مرة أخرى في مثل هذه الأفخاخ.


- 'السفير'
بيروت أُمُ الحوادث!
نهلة الشهال:

ليس هناك أسخف من محاولات البعض، ممن يظن نفسه مدافعاً عن المقاومة وحزب الله، تكرار التأكيد على أن وراء صدام برج أبي حيدر &laqascii117o;أياد مدسوسة" يجب اكتشافها، أو أنه لا يجب &laqascii117o;تضخيم" ما جرى. ففي بلد كلبنان، هو محط أنظار العمل الاستخباراتي لكل العالم، ولإسرائيل بالأخص التي يُكتشف لها كل يوم عملاء متنوعون تمكنوا من اختراق كل المؤسسات، يصبح الكلام عن وجود مفتعِل لحادثة ذلك الحي البيروتي المكتظ والمختلط مذهبياً، مجرد عبث لا يبرهن على شيء. لأنه يُفترض بحزب الله أنه يَفترِض وجود أشكال متنوعة من &laqascii117o;مشعلي الصواعق" القادرة على تفجير الشحنات في كل متر مربع من البلاد. العملاء والمدسوسون ليسوا حجة، بل هم معطى يدخل بالضرورة في حسابات الوجود والعمل القائمين. كما ليست حجة، ولا هي قابلة للتحول مادة للمحاجة، أن جماعة 14 آذار قد فركوا أيديهم فرحاً بما جرى، وأن كل طرف منهم يستخدم الحادث ـ &laqascii117o;يستغله" ـ لقطف ثماره لمصلحته. أليس ذلك تعريف العمل السياسي؟ وهل يُنتظر سواه من خصوم يسعون للبرهان على صحة مواقفهم، وتعزيزها، فهل إذا تقدم لهم حدث مناسب سيتركونه؟ ما جرى في برج أبي حيدر سيُستخدم حتى نخاعه الشوكي، وكل خطة عمل لحزب الله لا تُدخل ذلك في اعتبارها كجزء من المعطيات الموضوعية للواقع، فاشلة. هذا أولاً ومبدئياً. سيسير التحقيق في مجراه، وسيتم الكشف عمن أطلق الرصاص على مسؤول حزب الله في الحي ومرافقه، فأرداهما في ثوان. ولكن ذلك، ولو جرى بأفضل الشروط، لا يمكنه تعديل الصورة التي انطبعت في الأذهان، ولا معانيها. وهي تقول إن حزب الله يستخدم قوته ـ حتى لو لم تكن القوة العسكرية الكبرى بل تلك الميليشياوية، وهي تستظل بالأولى ـ في تفاصيل الوضع الداخلي. صحيح أن قتيليه لم يكونا مسلحين، صحيح أنهما حضرا لإزالة توتر سخيف أعقب خلاف &laqascii117o;حاراتي" و&laqascii117o;شبابي" على ركن سيارة، صحيح أن مسئول حزب الله الذي قتل يحظى بشعبية خاصة لدى مختلف تكوينات ذلك الحي. ثم ماذا؟ هذه المعطيات لا تغير في الأمر ـ السياسي ـ شيئاً: حزب الله، بما يملك من قوة لا تُقارن بما لدى سواه، أصبح في نهاية المطاف مسؤولاً عن كل نأمة تصدر عن جماعته، فكيف إذا حدث قصف وقتل وإحراق محال وبيوت بل وجامع؟ ثم إن حزب الله لا يملك ترف الخطأ. فعلاوة على ما يمثله انطلاقا وتعريفاً، تلقي بوزنها على منكبيه كل الإشكاليات المرتبطة بملف اغتيال الرئيس الحريري، ومعها دلالات ما جرى في 7 أيار 2008، حين رد على محاولات التسلل لقصم ظهره عبر قرارات الحكومة في 5 أيار، بالسيطرة على كل بيروت خلال ساعات، بانضباطية مدهشة أضافت وزناً هائلاً إلى تفوقه العسكري، الهائل أصلاً. هي وضعية تراجيدية كما في الملاحم الإغريقية، فيها تطلب غير إنساني وقد يكون غير واقعي أو مستحيل أصلاً. ولكن حزب الله يعرف قبل غيره أن إدارة التوازنات المحيطة بوجوده تضعه أمام مهمة لا يقوى عليها غير أنصاف الآلهة. ونحن نعرف أن التنظيمات السياسية مهما بلغت من الضبط، فهي مصنوعة من بشر، وأن تمددها في الأزقة والزواريب يحمل معه بالضرورة شروط الواقع، ومنها وقوع حادث في برج أبي حيدر، ومنها أن &laqascii117o;يفلت" الشباب غضباً لساعة من الوقت، متمردين على قيادتهم على ما قيل ـ وهو خطير جداً ـ أو أن يستنسب مسؤولهم المباشر تركهم يفشون خلقهم، أو يخطر بباله أن عليه الحفاظ على هيبة حزبه (مهابته؟) بهذه الطريقة، وكل واحدة منها أخطر من الأخرى. وتلك إشكالية كبرى، قد يسعى بعض الحمقى من نصحاء المقاومة إلى حلها بالتحدي، على طريقة &laqascii117o;بلطوا البحر"، أي أن قوة حزب الله يجب أن تردع المغامرين الصغار فيعتبر الكبار. وثمة خشية دائمة من أن يصيب قيادة حزب الله، ليس غرور القوة، بل الاطمئنان إلى بيئة واسعة حاضنة، مكتسبة ومنحازة، قد تُتفه الحادث، علاوة على تركيزها على بديهيات المظلومية والاستهداف، فتشيع جواً عاماً (في بيئتها) هو مزيج من التجاهل والعناد، كما تصغِّر، ولو بعض الشيء، من شأن ما جرى في إدراك المعنيين بالإدراك. ثم هناك مأزق اللعبة السياسية: فقد تكون قيادة حزب الله راغبة في إعلان نزع السلاح من أحياء بيروت نفسها، أو وبالأدق إخفاؤه، واعتبار ظهوره محرماً تماماً. ولكن من يضمن التزام الأطراف الأخرى بالوجهة نفسها. ومن يضمن أن حوادث متلاحقة، استفزازية أو بلهاء، لن تلي وتدفع المناصرين إلى الرد عليها حين يطفح الكيل بهم. والاهم، فكيف يجري إخراج ذلك كله دون أن يبدو كهزيمة في الصراع القائم؟ ألا تتبع السياسة، في إدارتها ومحصلاتها، توازنات القوى؟ فهل يمكن لطرف أن &laqascii117o;يزور" إرادياً تلك التوازنات ضد مصلحته؟ وهل يمر الأمر، بمعنى انه يصبح عملياً وفعالاً؟ لا شك أن قيادة حزب الله تناقش اليوم هذه الأمور بجدية، وستصل إلى نتائج. فحتى لو تم تجاوز حادث برج أبي حيدر هذه المرة، (وهو لن يمر بلا آثار تتراكم)، فسواه مرشح غداً وبعد غد للتكرار. في سابق عهدها، عاشت منظمة التحرير في لبنان وضعاً مشابهاً، وقد غلبها الواقع سريعاً ـ لأسباب بنيوية خاصة بها بالدرجة الاولى، وإنما أيضاً لأسباب موضوعية تتعلق بما ورد أعلاه ـ فجنحت إلى الحل السهل، وهو مطابقة مسلك تنظيمها اليومي مع توازن القوى القائم المختل لمصلحتها بقوة، وكان ذلك كارثة عليها. فإما يستلم حزب الله السلطة في لبنان بصورة صريحة (وهذا غير وارد لديه)، أو يجيب بقوة ناصعة ومركبة بالضرورة على الإشكال ـ الأصل. كان الله في عونه! .


- صحيفة 'النهار'
قضية الشيخ حسن مشيمش:تراخي 'حزب الله' وتخدير 14 آذار
بقلم فيديل سبيتي(صحافي) :

يرجو بعض الساسة اللبنانيين ان تكون العلاقات اللبنانية – السورية في سبيلها الى التحوّل بين دولتين مستقلتين ذواتي سيادة، وهم يروجون لهذه الفكرة علّ كثرة الترويج تؤدي الى نوع من التصديق. وهذا الترويج يصب في مصلحة مختلف السياسيين في البلد، سواء كانوا حلفاء سوريا او كانوا يكنون العداء لها منذ العام 2005.
فأن تصبح تلك العلاقات أقرب الى علاقة بين دولتين، لكل واحدة منهما سفارة في الأخرى، يلغي مقولات الوصاية التي من المفترض ان ثورة 14 آذار قد أنهتها الى غير رجعة، وهذا في مصلحة سياسيي ما يسمى ب14 آذار. أما العلاقات الندية التي تخفف من مقولات التدخل السوري في لبنان عبر فرقاء سياسيين ينفذون أجندتها، فهذا مطلب من مطالب ساسة فريق 8 آذار. ففي كلا الحالين يربح الفريقان، الاول بأنه حقق الاستقلال والسيادة، والثاني بأنه غير مرتهن. لكن بالنسبة لمواطن مثلي ينظر الى الامور من منطلق مصالحه الشخصية والمرتبطة بالآخرين الذين يحيطون به ويعيشون في فضاء حياته، فإن العلاقات اللبنانية السورية ما زالت كما كانت عليه قبل 'ثورة الارز' او 'انتفاضة الاستقلال' التي خسرت انا شخصيا بسببها عددا من الاصدقاء والرفاق الذين أحبهم، في اغتيالات وتفجيرات متفرقة.
ما أتخذه دليلا على ما أشعر به هو ما جرى الشهر الماضي على الحدود اللبنانية السورية، اذ بينما كان رجل الدين الشيعي المعارض لـ'حزب الله'، الشيخ حسن مشيمش إمام بلدة كفرصير، يعبر الحدود السورية برفقة زوجته وأخيه بهدف إقامة شعائر العمرة في السعودية، تم توقيفه من قبل فرع من فروع الامن السوري، وما زال معتقلا منذ ذلك الحين حتى اليوم من دون أن يعرف أحد شيئاً عنه ولا عن مكان إعتقاله ولا عن الاسباب التي أدت الى ذلك، هذا رغم طلب أهله للمساعدة والتدخل من حلفاء سوريا في لبنان للكشف عن مصيره، وعلى رأس هؤلاء 'حزب الله' الذي كان مناضلا في صفوفه في زمن سابق وبعيد، يرقى الى السنوات الاولى التي بدأ فيها الحزب بالظهور.
لم تثمر المناشدات بالتدخل لهذا الحزب ومسؤوليه (هم في معظمهم من أصدقاء الشيخ المعتقل) أي معلومات او اشارات الى رغبة فعلية من قبل الحزب للتدخل في هذه القضية التي تعني عائلة جنوبية سقط منها عدد من الشهداء في صفوف الحزب، ويعني بلدة جنوبية دمرت في حروب عدة منذ العام 1982. وهذا التراخي من قبل الحزب في التعامل مع القضية دفع الى خروج أقاويل وشائعات تفيد بأن 'حزب الله' المنزعج من الشيخ مشيمش لا يرغب بخروجه من المعتقل السوري.
بغض النظر عن هذه الشائعات، فإن للحزب حساباته التي تسمح له بالتدخل او عدمه، ولكن ما لا يفهم في الامر هو عدم تدخل الجهات الرسمية المختصة التي بدت خرساء صماء وبلا حيلة أمام قضية اعتقال أحد مواطنيها، وكأن إبرة العلاقات اللبنانية السورية قد خدرت كل أعصابها. هنا لا مجال للكلام عن دور ساسة 14 آذار في هذا الموضوع - وللمناسبة كان عدد من ساسة الفريق من أصدقاء الشيخ المخطوف، وكان يحسب في بلدته الجنوبية على فريق 14 آذار - ولا مجال للكلام على دور هؤلاء فهم في معظمهم لا يعرفون موقعهم السياسي في هذه الآونة، أي أيُّ رِجْل في 'الفلاحة' وأيُّ رِجْل  في 'البور'.
قد تطول فترة غياب الشيخ حسن مشيمش، وقد لا تطول. قد يكون قد نال قسطا وافرا من التعذيب وربما لا، ولكن في كل الاحوال من يضمن لنا نحن المواطنين اللبنانيين الذين نعترض على الدور السوري السياسي المستمر على شاكلة انواع مختلفة من الوصاية، او على أدوار سياسية داخلية نعتقد انها تأخذ البلاد إلى أفخاخ سيعلق فيها اللبنانيون عاجلا ام آجلا، من يضمن لنا ان لا نقع قيد الاعتقال أو الخطف أو... من يملك شجاعة الاجابة على هذا السؤال؟.


- 'النهار'
علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر: سوريــا والشيعــة اللبنانيون
بقلم نجاة شرف الدين:

اقتضى تزايد عدد الكتاب المساهمين في محور 'مع رمزية رحيل كامل الاسعد: علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر' تسريع وتيرة النشر، ولهذا نقدم الى اليوم موعد مساهمة الزميلة نجاة شرف الدين بدل الجمعة المقبل.
عندما أطلق الامام موسى الصدر في العام 1976 كلامه الحاسم بقوله 'لا ضمانة للبنان لمنع التقسيم سوى سوريا' لم يكن ذلك وليد اللحظة السياسية فقط بل اعتبر انه يستشف المستقبل ولا سيما التهديدات الاسرائيلية للجنوب اللبناني فحاول تمتين العلاقة اللبنانية السورية من أجل حماية لبنان.
هذا الموقف الداعم والمدافع عن الدخول السوري الى لبنان في بداية الحرب الاهلية عززه بعلاقته وثقته بالرئيس الراحل حافظ الاسد وإشادته بـ 'دور وموقع سوريا القومي بقيادة الاسد من أحداث لبنان والحيلولة دون تنفيذ مؤامرة التقسيم'.
لقد وضع الامام الصدر حجر الاساس في العلاقة الشيعية - السورية بعد أن عاشت الطائفة منذ قدوم الامام الصدر في العام 1959 تحولا في إتجاه وضعها على الخريطة السياسية اللبنانية نتيجة حرمانها من إمتيازات في السلطة لدى تشكل النظام السياسي ما بعد الاستقلال. وقد شهدت هذه المرحلة انكفاء للشخصيات الدينية في مقابل اهتمام القيادات الاقطاعية بالمصلحة الشخصية وليس لحساب تكوين تيار سياسي.
في بداية الستينات دعا الصدر الى بناء العمود الفقري للشيعة من خلال مأسسة الطائفة فكان المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وهيئة نصرة الجنوب وصولا الى العام 1970 مع قيام مجلس الجنوب بعد اعتصام دعا إليه الصدر.
في موازاة العمل المؤسساتي للامام الصدر والتعبئة الداخلية للطائفة ضد إسرائيل التي اعتبرها 'شرا مطلقا' أسس حركة المحرومين التي تحولت الى أفواج المقاومة اللبنانية 'أمل' كإطار عسكري لحركة المحرومين مع اندلاع الحرب الاهلية في العام 1975.
لقد عمل الامام الصدر على تحصين الموقع الشيعي الداخلي من خلال دعوته الى بناء الدولة العادلة والى بناء علاقة إستراتيجية مع سوريا من أجل تعزيز هذا الموقع وقد لعب دوراً أساسياً في التقريب بين سوريا والمقاومة الفلسطينية مما أدى الى علاقة متوترة مع الفلسطينيين، وبين سوريا ومصر وهو ما بدا واضحاً من خلال الوثيقة الدستورية في العام 1976.
هذه العلاقة التي بناها الصدر مع الاسد الاب استكملت بعد تغييبه في العام 1978 مع حركة أمل ورئيسها الرئيس حسين الحسيني الذي حافظ على الارث الصدري بالنسبة لهذه العلاقة وهو لعب دوراً أساسياً أيضاً فيما بعد من خلال موقعه كرئيس لمجلس النواب ما بين عامي 1984 و1992 ورعايته لاتفاق الطائف.
العلاقة السورية توطدت كذلك مع حركة أمل بعدما ترأس الرئيس نبيه بري الحركة في العام 1980 وكانت إنتفاضة 6 شباط والحروب الداخلية التي جرت بالتنسيق مع سوريا وصولا الى إتفاق الطائف الذي حدد هذه العلاقة المميزة بين لبنان وسوريا وحسم موقع الطائفة الشيعية كإحدى الطوائف الثلاث الكبرى، الموارنة والسنة والشيعة.
الواقع الشيعي عاش أيضاً على إيقاع المتغيرات الاقليمية والدولية مع قيام الثورة الايرانية في العام 1979 وبداية نشأة 'حزب الله' في العام 1985 من رحم حركة أمل وكان الاصطدام الدموي الاول في العام 1987 دليلا على التنافس الايراني - السوري على القرار الشيعي الذي لم يحسمه سوى التلاقي الايراني السوري.
في التسعينات ومع بداية تطبيق إتفاق الطائف برعاية سورية وحل الميليشيات بقي سلاح المقاومة خارج دائرة السلطة السياسية لحماية لبنان من التهديدات الاسرائيلية.
في العام 1992 ترأس نبيه بري المجلس النيابي ودخل الرئيس رفيق الحريري الى نادي رؤساء الحكومات ثم ترأس 'حزب الله' السيد حسن نصر الله بعد إغتيال السيد عباس الموسوي فكانت مرحلة عنوانها التلاقي بين المقاومة والاقتصاد وضابط الايقاع الاساسي لتوازن تلك المرحلة هو سوريا.
العلاقة الشيعية مع سوريا ثبتت في تلك المرحلة بمشاركة إيرانية عبر الثنائي الشيعي 'حركة أمل' و'حزب الله' وكان الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب في العام 2000 أول محطة اختبار لمستقبل العلاقة مع بداية الضغوط الداخلية من أجل سحب سلاح المقاومة والكلام الذي بدأ عن إعادة انتشار القوات السورية في لبنان تطبيقاً لاتفاق الطائف ومع غياب الرئيس حافظ الاسد ووصول الرئيس بشار الاسد الى سدة الرئاسة في سوريا.
لقد شكلت المرحلة السورية الشيعية في عهد الرئيس الاسد الابن مرحلة جديدة حافظت على الحلف الاستراتيجي مع الثنائي الشيعي من خلال دعم المقاومة عسكريا إضافة الى دعم الموقف الشيعي الداخلي سياسياً.هذه العلاقة كانت لا تزال تتأثر أيضاً بالتغييرات الاقليمية. فبعد حرب العراق وتعزيز النفوذ الايراني فيه ومع اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان في 14 شباط من العام 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005 والتحقيق الدولي الذي أدى الى إنشاء المحكمة الدولية بقرار من مجلس الامن الدولي استطاعت الطائفة الشيعية تجاوز مرحلة غياب الداعم الاساسي لمشروعها، وهو سوريا مع المحافظة على موقعها سياسياً وتقويته عسكرياً بعد حرب تموز 2006، وصولا الى إتفاق الدوحة الذي كرس الثلث المعطل أو الضامن في حكومة الوحدة الوطنية.
لقد شكلت مرحلة ما بعد إغتيال الرئيس الحريري اختباراً حقيقياً لمدى العلاقة الاستراتيجية بين سوريا، والثنائي الشيعي 'حزب الله' و'حركة أمل' وقد عملت سوريا دور العراب في تقريب العلاقة، بين 'أمل' و'حزب الله' التي قامت على التفاهم بين المقاومة السياسية للرئيس بري والمقاومة العسكرية لـ'حزب الله' من أجل تعزيز الدور الشيعي الذي يلتقي إستراتيجياً مع منطلقات سوريا في نظرتها الى الصراع مع إسرائيل وحق المقاومة في الدفاع عن الارض.
لقد أعطى الصراع مع إسرائيل للشيعة موقعاً متقدماً في الواقع السياسي اللبناني وعزز العلاقة مع سوريا وهو يعتبر من أسس هذه العلاقة. وعلى الرغم من المتغيرات العديدة التي عاشتها المنطقة لم تتحول هذه العلاقة الى ظرفية نتيجة الجغرافيا والسياسة، والرئيس بري يكرر دائماً 'ان سوريا تشكل العمق العربي الوحيد للبنان'، وحتى مع دخول إيران على خط هذه العلاقة ورغم الاختلاف في بعض القضايا في المنطقة بين إيران وسوريا إلا ان الثابت في هذه التحولات هو الحاجة الاستراتيجية غير المتأثرة بالتطورات الظرفية، ما بين الشيعة في لبنان وسوريا.


- 'النهار'
أن تكون داخل الصف الواحد... أدعى للاشتباه
بقلم محمد مشموشي:

لم يدرك أهالي منطقة برج أبي حيدر، ومعهم البيروتيون واللبنانيون جميعا، معنى الدعوة الى التهدئة وممارستها قولا وعملا، الا بعد أن شاهدوا حيهم والأحياء المجاورة تتحول ساحة معركة حربية ليل الأربعاء الماضي. في المقابل، لم يعرف هؤلاء سر اصرار البعض على توتير الأجواء وابقاء البلد في حالة احتقان، الا بعد أن استمعوا الى المتحاربين في ما بينهم يصفون ما جرى بأنه 'حادث فردي' من جهة، ولسبب 'تافه' من جهة ثانية، وأنه بعد ذلك كله لا بد من فرضية أن يكون وراءه طرف ثالث أو، كما يقال في الحروب، طابور خامس!
ولعل الأسابيع القليلة الماضية كانت تجسيدا فعليا، وعلنيا في بعض الحالات، لهذه المقارنة. ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يكرر بصورة يومية دعوته الى التهدئة ويلتزم الصمت ازاء الحملة على القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعلى المحكمة الخاصة بلبنان، كان العاملون على التوتير لا يكتفون بمطالبته بالكلام (هدفهم المبيت، والمعلن لدى البعض، تخليه عن التحقيق وعن المحكمة) بل يضيفون اليها حملة عليه شخصيا وعلى فريقه وحكومته، مرفقة بتهديدات ب7 أيار جديد في جانب وباسقاطه وحكومته في الشارع – أو في البرلمان، كما لمح الأمين العام لـ'حزب الله' السيد حسن نصر الله – في جانب آخر.
ولقد كانت معركة برج أبي حيدر، برغم ما قيل عن فرديتها وعن تفاهة أسبابها، الذروة التي لم يكن بد من أن تصل الحملات السياسية والاعلامية وعمليات التوتير والحقن المستدام في الشارع اليها.
واذا لم يكن الانتشار السريع للمسلحين بعد لحظات من بدء المعركة، وتوسع الأعمال الحربية الى مناطق النويري ورأس النبع والبسطا والبربير، وشمولها مواقع لم يكن لها علاقة ب 'الحادث الفردي' ومنازل سكنية ومؤسسات تجارية ومساجد، دليلا عمليا على ذلك، فأي دليل آخر هو المطلوب؟!
واقع الحال، أن الطرف اللبناني في 'جبهة المقاومة والممانعة'، السابقة قولا وفعلا، لا يضع لنفسه (هل يقف وحيدا هنا؟) الا هدفا يكاد يكون وحيدا على الصعيد العملي: ابقاء لبنان في حال 'الممانعة' الداخلية، أي في حال اللا دولة، سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي – الاجتماعي، في انتظار أن تتضح صورة التطورات التي تتفاعل حاليا في المنطقة من فلسطين الى العراق الى ايران. وطبعا لبنان بنتيجة ذلك. ويعتمد هذا الطرف، من أجل تحقيق هدفه، على واقعين اثنين عمل جاهدا في خلال السنوات الماضية على انتزاع اعتراف اللبنانيين، وحتى العرب وبعض دول العالم، بهما: وجوده على الأرض بدعوى 'المقاومة' ضد الاحتلال والدفاع عن لبنان في مواجهة العدوان، ومشاركته في مجلس النواب والحكومة تحت عنوان 'الوحدة الوطنية' وحاجة الجميع الى مشاركة الجميع في السلطة بينما يواجه البلد أحد أكبر التحديات في تاريخه الحديث.
وليس الا ساذجا، حتى لا نقول غبيا، من يتجاهل ذلك العدد الكبير من العصي التي وضعها هذا الطرف في طريق الحكومة، وحتى في طريق مجلس النواب، في خلال الشهور الماضية (والتي سبقتها مع  حكومة الرئيس فؤاد السنيورة) في الوقت الذي كان يوسع فيه سيطرته الفعلية على الأرض ومواقع تحكمه بها شمالا وجنوبا وبقاعا وجبلا. اما مباشرة أو بواسطة الحلفاء.
وأية خدمة جلى تقدمها له، في هذا السياق، معركة برج أبي حيدر، المعركة التي وقفت فيها الدولة، بأجهزتها العسكرية والأمنية والمخابراتية والقضائية، على الحياد في انتظار 'الاتفاق' بين المتحاربين على وقف اطلاق النار؟! بل، وأية صورة ظهرت فيها اللا دولة المصنوعة هذه، تبريرا (وفق المفارقة التاريخية بين غياب الدولة وحضور الثورة) لبقاء الوضع اللبناني حاليا وفي المستقبل رهينة ما تؤول اليه التطورات في المنطقة؟!
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلم يعد هناك شك في أن هذا الطرف في 'جبهة المقاومة والممانعة' لن يكتفي، في ما يتعلق بالقرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والمحكمة الدولية، بنظريته عن اللا دولة وتحكمه بالأرض بديلا منها، بل انه سيتجاوزها عمليا الى اقامة 'دولته' الخاصة على انقاضها عبر 'انقلاب' قسري لم تعد أدواته ولا أهدافه ولا معالمه خافية على أحد.
التهديد بالفتنة المذهبية على خلفية القرار الظني المنتظر من المدعي العام للمحكمة الدولية، وحديث المهددين أنفسهم عن اصرارهم على تفاديها، دليل على ذلك،
والتهديد باسقاط الحكومة في الشارع، أو من خلال القنوات الدستورية في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب، دليل ثان، والتشكيك بقوى الأمن الداخلي، وحتى بالجيش، مرة بدعوى التقصير في ملاحقة الجواسيس والعملاء أو بتهمة التغطية عليهم، ومرة تحت عنوان اتفاقات التسليح والتجهيز والتدريب التي تعقدها مع الدول الأجنبية، دليل ثالث، والقول بعد ذلك كله أن مثل هذا الوضع لا يمكن أن يستمر وأنه لا بد من تغييره، فضلا عن اعلان القدرة على احداث هذا التغيير، دليل رابع لا يفعل الا أنه يختصر القصة من أولها الى آخرها.
... وهل من خدمة تقدمها معركة برج أبي حيدر أفعل من هذه الخدمة تقدم الآن بالذات، وفي سياق الحرب المعلنة على التحقيق والمحكمة الدوليين، لأصحاب هذه النظرية؟
على افتراض أن ما شهدته بيروت، ولبنان كله، حادث فردي في جانب منه ولسبب تافه في جانب آخر، وأنه ربما لا يجوز تضخيمه والبناء عليه، لكن السؤال الكبير يبقى: هل يجوز في المقابل تهوين الأمر على الضحايا الأبرياء الذين هُجِّروا من بيوتهم أو رُوِّعوا أو احرقت ممتلكاتهم، أوالتقليل من أهميته وخطورته على مستقبل البلد والسلم الأهلي بين مواطنيه؟
وأن تكون المعركة الحربية قد نشبت بين أبناء الصف الواحد، والخط السياسي الواحد، فذلك ما يدعو في الواقع الى زيادة الاشتباه بأن يكون وراء الأكمة ما وراءها.
فالمعارك الكبيرة، بل الحروب بما فيها الحروب العالمية كما كان الحال في الحرب العالمية الأولى، قد تبدأ بأحداث فردية ولأسباب تافهة بدورها. وما يتمناه اللبنانيون هو أن لا تكون معركة برج أبي حيدر مؤشرا الى حرب، بل وحروب، من هذا النوع.  


- 'النهار'
التطورات اللبنانية بعيون مراقبين في العاصمة الفرنسية..أبو دياب: النفوذ السوري مقابل مستلزمات السيادة..المحكمة تتمتع بكيان مستقل يمنع التدخلات فيها
بيار عطاالله:

الرؤية الى الوضع اللبناني من العاصمة الفرنسية تختلف عنها من بيروت، فالكاتب او المحلل السياسي يبتعد هناك عن المؤثرات اليومية والعاطفية ويقارب ما يجري بموضوعية ودقة أكثر، وعلى هذه القاعدة يقول الباحث خطار ابو دياب استاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس والمعهد الدولي للجغرافيا السياسية وأحد القريبين من دوائر القرار الفرنسية في ما يتعلق بالشرق الاوسط ولبنان تحديداً، إن الادارة الفرنسية تدرك جيداً ان قوتها العاملة في الجنوب ليست قوة ردع، وانها في حال اتخاذ قرار بالحرب او اشتعال جبهة الجنوب مع اسرائيل لا تقدر على التصدي لأي من الطرفين المتنازعين لأن دورها سياسي فحسب وقوتها مستمدة من الغطاء السياسي الدولي وليست من الامكانات العسكرية المتوافرة لها ميدانياً. وفي رأي ابو دياب ايضاً ان لا خوف من اخذ القوة الدولية رهائن في اي نزاع محتمل، لانها كما تقول الاوساط الفرنسية قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة منطق يريد العودة بالوضع اللبناني الى الثمانينيات وحقبة الرهائن الاجنبية وما خلفت من اثر سلبي جداً على لبنان.
ابو دياب الذي يزور لبنان حالياً يشدد على ان موقف فرنسا ثابت لم يتغير بدءاً بالعام 1968 في دعم سيادة لبنان واستقلاله، ويقول ان الادارة الفرنسية توصلت خلال العامين 2007 و2008 بعد نزاع 'تاريخي طويل' مع دمشق نتيجة لنظرتها الى لبنان وحجم الدور السوري فيه، الى تسوية اكملت بحسب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ما كان قد بدأه الجنرال غورو عام 1920 عند اعلان قيام لبنان الكبير. وفحوى هذه التسوية استناداً الى مصادر الادارة الفرنسية انتفاء الرغبة السورية في العودة عسكرياً الى لبنان، في مقابل تأييد فرنسا للنفوذ السوري في لبنان والاعتراف به. ويضع الفرنسيون استناداً الى ابو دياب شرطاً لهذه المعادلة هو الا لا يتعارض النفوذ السوري في بيروت مع مستلزمات الاستقلال والسيادة اللبنانية. واستطراداً يعتبر ان التنسيق بين رئيس الجمهورية اللبنانية والقيادة السورية يشكل مدعاة الى الارتياح لدى الفرنسيين الذين ينظرون الى هذه العلاقة برضى ويعولون على تحقيق المزيد من التقدم في العلاقات بين الحكومتين اللبنانية والسورية في اتجهات محددة، مثل مسائل ترسيم الحدود بين البلدين وقضية المعتقلين والمفقودين في السجون السورية وغيرها من الامور العالقة بين البلدين. ويجزم الباحث اللبناني المقيم في باريس منذ سنين عدة والخبير في شؤون الادارة الفرنسية ومنهجية تفكيرها، ان ثمة اقتناعاً راسخاً لدى الادارة الفرنسية الحالية بأن السعي المتواصل الى حل ملفات الشرق الاوسط ولبنان وفلسطين هو افضل من لا شيء. وان ترسيخ الاجواء الايجابية لا بد من ان يؤدي في نهاية المطاف الى التوصل الى نهايات ايجابية. ويشير في هذا الاطار الى ان تعيين جان كلود كوسران لتحريك الملف الاسرائيلي – السوري ليس بعيداً عن هذه التوجهات.  
القوة الدولية ومنطق الرهائن
اما في شأن القوة الدولية العاملة في الجنوب، فيعتبر ابو دياب ان الاشكالات التي حصلت قبل مدة بين الكتيبة الفرنسية العاملة في اطار 'اليونيفيل' و'الاهالي' الذين يحظون برعاية 'حزب الله' انما كانت معروفة المرامي والاهداف لدى الفرنسيين. وهو اذ يحمل قيادة الكتيبة الفرنسية بعض المسؤولية لعدم التنسيق مع قيادة الجيش اللبناني في بعض جوانب تحركها الميداني، الا انه ينسب الى مصادر فرنسية ان 'حزب الله' اراد توجيه رسائل واضحة الى باريس في شأن القرار 1929 الصادر عن مجلس الامن في 8 حزيران 2010 والذي فرض عقوبات على ايران. ويخلص الى ان 'الرسالة وصلت الى من يعنيه الامر، لكن التلاعب مع القوة الدولية في ظل ما تتمتع به من غطاء دولي لحركتها ليس بهذه السهولة'. ويضيف ابو دياب، ان 'الحديث عن اخذ قوة 'اليونيفيل' رهائن في حال حصول هزة كبيرة او تعميم الفوضى في الوضع اللبناني، انما هو منطق يفتقد الى الصواب، وإذا كانت هذه القوات لم تنتشر حسب الفصل السابع، فانها تتمتع بصلاحيات الدفاع عن نفسها استناداً الى الفصل السادس المعزز مما يجعل محاولة الاعتداء عليها مواجهة مع المجتمع الدولي برمته'، الامر الذي يعتبر ابو دياب ان 'سوريا لا تحبذه وهي المعنية لاسباب عدة بحماية القوة الدولية اولاً وبتأمين استمرار علاقاتها الممتازة مع الاتحاد الاوروبي ثانياً.
مفاعيل الدوحة والمحكمة
وعن تحذير الرئيس الفرنسي ساركوزي من غرق لبنان في دوامة العنف مجدداً والموقف من المحكمة الدولية، يقول ابو دياب ان 'هناك خشية لدى الدوائر الفرنسية من انتهاء مفاعيل اتفاق الدوحة داخلياً وعدم احترام ما اسفرت عنه القمة الثلاثية السعودية – السورية – اللبنانية، والعودة الى استخدام لغة التهويل لفرض اجندات معينة، والادهى خشية الفرنسيين من ربط الكثير من الصراعات الاقليمية بالساحة اللبنانية والخلط بين المحكمة الدولية وما يجري في العراق واليمن وغيرهما والعقوبات الدولية على ايران خصوصاً. وقد ابلغت فرنسا كل المعنيين بالوضع اللبناني سواء في بيروت ام في المحيطين الاقليمي والعربي ان موضوع المحكمة الدولية خرج من نطاق التدخل السياسي لأي كان، بمعنى او بآخر'. واستطراداً يجزم ابو دياب انه 'ما دام مجلس الامن الدولي قد اقر نظام المحكمة ووافق عليه، فإن هذه المحكمة اصبحت تتمتع بكيان سيادي دستوري وقانوني لا يمكن ان الاحتكام اليه او التعامل معه الا من خلال مقتضيات القانون الدولي واحكامه. وتالياً إن نشر القرار الظني او عدم نشره مسألة سيادية في يد المدعي العام دانيال بلمار وحده، ولا تستطيع باريس او واشنطن او غيرها التعديل في الامر'.
وقال ان 'كل ما يحكى عن حركة موفدين وشخصيات الى العواصم الغربية صحيح، لكن المعطيات التي تنشر عن نتيجة هذه الزيارات ليست دقيقة، والمحكمة بما تتمتع به من شخصية قانونية مستقلة لا سلطة لأي قوة عليها'. واضاف: 'لم يقل احد متى سيصدر القرار الظني، وكل ما حكي عن هذا الموضوع تكهنات واعتقاد لدى البعض بأنه قد يصدر خلال الاشهر الثلاثة المقبلة. لكن هذا القرار لن يصدر ما لم تتوصل المحكمة الى قرائن وادلة قاطعة. ثم ان محكمة بهذا الحجم لا يمكنها التلاعب بالمعطيات، فهي تخضع لرقابة المنظمات الدولية والعالم بأسره (...)'.
وفي رأي ابو دياب ان لا مصلحة للفرنسيين ولا للعرب عامة في فتنة سنية – شيعية والظروف الاقليمية والدولية ليست مهيأة لتكرار تجربة 7 ايار 2008، لأن اتفاق الدوحة كرّس دور سوريا في لبنان، ولأن الوضع اللبناني والاقليمي يزخر بالكثير من التعقيدات التي تمنع تحويل لبنان غزة ثانية، وهذا الامر تدركه قيادة 'حزب الله' جيداً'. وفي ظل هذه المعادلة يدعو ابو دياب الى 'البحث في حجم الدور السوري في هذا الاقليم من الشرق الاوسط ومدى علاقاتها بايران وتركيا والى اين ستصل هذه العلاقة، اضافة الى علاقتها المستحدثة مع المملكة العربية السعودية'. وفي رأيه ايضاً ان 'لا  اوهام حيال قدرة سوريا على التحكم في قرارات 'حزب الله' والعلاقة الايديولوجية القائمة بينه وبين ايران. اما الرهان على فك التحالف السوري – الايراني فهو رهان غير ممكن لأن سوريا تريد ثمناً باهظاً يتمثل في المفاوضات على استعادة هضبة الجولان المحتلة ودور النظام السوري في اللعبة الاقليمية والمنطقة العربية، في حين ان الادارة الاميركية لا تريد التطبيع مع دمشق قبل تلمس خطوات ايجابية في لبنان والعراق، الى مطلب اخر يتمثل بخفض علاقات سوريا بإيران و'حزب الله' وحركة 'حماس'.
ويخلص ابو دياب الى 'ان هناك رهاناً فرنسياً على دور سعودي – سوري – تركي لمنع اي مغامرة في لبنان، ولاقناع الجميع بأن المعادلة الحالية تبقى هي الأفضل'.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد