قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 15/9/2010

- صحيفة 'الأخبار'
عودة إلى برج أبي حيدر: &laqascii117o;ومن الحلف ما قتل"
فرج الأعور(كاتب لبناني):

جاء اشتباك برج أبي حيدر بين حزب الله والأحباش في شهر آب المنصرم بمثابة إعادة لحلقة قديمة من مسلسل اشتباكات الزواريب البيروتية التي كانت تحدث على نحو شبه يومي أثناء الحرب الأهلية، وخاصة في منتصف الثمانينيات، في الفترة التي تلت الاجتياح الإسرائيلي و&laqascii117o;انتفاضة" 6 شباط التي انتهت بعودة الجيش السوري إلى بيروت في عام 1986.
وإذا كان بعض المواطنين ما زالوا يتمتعون بإعادة بعض المسلسلات المحلية القديمة المرة تلو الأخرى على تلفزيون لبنان، فإن جميع الناس أصيبوا بالهلع من إعادة هذه الحلقة بالذات، التي تحولت إلى فيلم رعب في أذهان الذين حضروها، سواء مباشرة أو على الشاشات، ليس فقط لأنها ذكّرت هؤلاء بفترة مشينة من تاريخ البلد بل لأنها مثّلت أيضاً &laqascii117o;مسطرة" لما يمكن أن يحدث إذا وقعت الفتنة المذهبية المنتظر أن يؤدي إليها صدور القرار الاتهامي &laqascii117o;الموعود" من المحكمة الدولية.
والهلع المذكور أعلاه زاد عليه الحزن والأسى اللذان ألمّا بالجمهور الحريص على المقاومة في لبنان وعلى صورة هذه المقاومة لدى الرأي العام في لبنان والوطن العربي (ولا نعني هنا الجمهور المذهبي اللصيق بحزب الله، بل الجمهور العريض العابر للطوائف). والحزن والأسى لم يأتيا من حادثة الاشتباك بحد ذاتها بقدر ما أتيا من الطريقة التي تعامل حزب الله بها مع الحادث والطريقة التي اتبعها &laqascii117o;لحل المشكل" وتبعاته.
فقد تعامل الحزب مع الاشتباك وكأنه خلاف بين فريقين (حليفين؟) لا علاقة لسكان بيروت والمواطنين اللبنانيين والرأي العام به. فعُقدت اللقاءات، وأجريت المصالحات، وأُلّفت اللجان المشتركة بين الحزب والأحباش، واتُّفق على دفع التعويضات للمتضررين، وانتهى الأمر. أما البشر الذين أذهلهم منظر الرصاص والقذائف الصاروخية، سواء في برج أبي حيدر أو على شاشات التلفزيون، فلم يتوجه إليهم أحد من الحزب بكلمة سوى الدعوة إلى التقليل من أهمية ما حدث وإلى نسيانه وكأنه لم يكن.
وممّا يدعو للعجب أيضاً، أن حزب الله بدا كأنه متفاجئ بمسارعة رئيس الحكومة سعد الحريري لاستغلال ما حدث من خلال قيامه بزيارة جهة واحدة من سكّان برج أبي حيدر وأخذ الصور معهم أمام سياراتهم ومحالّهم التجارية المدمرة وأداء صلاة الجمعة، بإمامة المفتي، في المسجد المحروق في المنطقة. ويبدو أن المفاجأة حدثت لأن سعد الحريري قرر عدم ترك الفرصة الشديدة الإغراء، فخرج على قوانين اللعبة الجديدة المُتفق عليها والتي استجدت بعدما انتظمت زياراته الدورية إلى دمشق على خطى والده من قبله. علماً بأن الحزب يجب أن يدرك أن الزيارات الدورية لدمشق لا تلغي وجود فريقين متصارعين في البلد، واحد يريد استمرار المقاومة وآخر يريد الخلاص منها بأي ثمن.
وارتبك الحزب مرة أخرى في مواجهته شعار &laqascii117o;بيروت منزوعة السلاح" الذي أطلقه سعد الحريري وفريقه إمعاناً في استغلال وقوع الاشتباك. فبدل الرفض المطلق للشعار (الذي يلقى قبولاً لدى الرأي العام)، بداعي الجهوزية بوجه إسرائيل، وإعطاء الحجة للفريق الآخر لتكرار محاولة الخلط بين سلاح المقاومة والسلاح &laqascii117o;الشوارعي" المنتشر لدى &laqascii117o;حلفاء" المقاومة، كان على الحزب المسارعة إلى رفض التفرقة بين بيروت وباقي المناطق اللبنانية وتطوير الشعار إلى &laqascii117o;لبنان منزوع السلاح". وكان على الحزب أيضاً المبادرة إلى طرح نزع السلاح &laqascii117o;الشوارعي" من جميع الأطراف، ومن الفريقين المتصارعين في البلد على حد سواء. بل كان يمكن الحزب لو أراد أن يستعيد الرأي العام فعلاً، أن يبادر إلى النزع الفعلي للسلاح &laqascii117o;الشوارعي" من أفراده غير المنخرطين في المقاومة أولاً، ومن حلفائه ثانياً، والإبقاء فقط على سلاح المقاومة. وللّذين يستهْوِلون هذا الأمر، نسأل هل المقاومة بحاجة فعلاً إلى سلاح &laqascii117o;شوارعي" سواء في أيدي أفراد من حزب الله، أو في أيدي &laqascii117o;الحلفاء" من أحزاب وحركات وجمعيات وسرايا و&laqascii117o;لجان عمل مقاوم" في مختلف المناطق اللبنانية؟ والجواب عن هذا السؤال هو، حسب اعتقادنا، النفي. ومن المفيد التذكير هنا بأن هذا السلاح تحول إلى عبء في 7 أيار عندما حاول الحزب استعمال بعض حلفائه كواجهة في بيروت وبعض المناطق.
وبمناسبة الكلام عن 7 أيار، يجب التذكير بأن على حزب الله، كي يتخلّص من صورة &laqascii117o;البعبع" المذهبي التي التصقت به، أن يتحول إلى ضامن للسلم الأهلي في البلد بالاشتراك مع الجيش اللبناني. لا بل إنّ وأد الفتنة المذهبية، التي يجري الحديث عنها كثيراً هذه الأيام، يستلزم أخذ الحزب هذه المسؤولية على عاتقه بمنتهى الجدية. ويبدأ هذا الأمر باتخاذ الإجراءات الداخلية التي تضمن عدم إمكانية اشتراك أي من أفراده أو مجموعاته في اشتباك مماثل لاشتباك برج أبي حيدر في المستقبل وفي أي ظرف من الظروف.
وتكمن الأهمية الشديدة لهذا الأمر من واقع أن المعركة الدائرة حالياً بشأن المحكمة الدولية هي برأينا معركة على &laqascii117o;صورة حزب الله". فالهدف الأساسي لمُدَوْزني حركة المحكمة، من أجهزة استخبارات غربية (أو بالأحرى أميركية وإسرائيلية)، هو نزع صورة المقاومة الفعّالة بوجه إسرائيل عن الحزب، وإلصاقه بصورة الميليشيا المذهبية المتقوقعة على نفسها والجاهزة لضرب المذاهب الأخرى في لبنان. أي بمعنى آخر، عزل الحزب عن الرأي العام اللبناني والعربي، وحصر الجمهور الحاضن للحزب في الوسط الشيعي فقط. والخطر في هذا الأمر هو مساهمته في تحويل إيران إلى العدو الأساسي في نظر الشارع العربي بدلاً من إسرائيل، وهو ما تعمل عليه أجهزة الاستخبارات المذكورة ليل نهار.
ومن المؤكد أن الذين هم وراء المحكمة الدولية لا يطمحون لسوق قيادات حزب الله إلى لاهاي ومحاكمتهم هناك كما سيق سلوبودان ميلوسيفيتش من قبل. فلا خوف من هذه الناحية على الحزب الذي لم تتمكن إسرائيل من إسقاط شعرة واحدة عن رأس أي رمز من رموزه في حرب تموز. لكننا بصراحة نخاف على الحزب ونخشى أن تنجح الأجهزة الغربية في تحطيم صورته وعزله إذا لم يتمكن من خوض معركة المحكمة بكفاءة تحاكي كفاءته العسكرية.
وكان الحزب قد بدأ هذه المعركة بداية جيدة من خلال الحملة الإعلامية التي قادها السيد حسن نصر الله. لكن هذه الحملة ليست كافية وحدها على الإطلاق، واستكمالها يبدأ بالمعالجة الحقيقية لأسباب اشتباك برج أبي حيدر ونتائجه ولا ينتهي بمبادرة الحزب إلى الانفتاح الحقيقي على &laqascii117o;الخارج" اللبناني والعربي على حد سواء. فالحزب يعاني من قصر علاقاته التحالفية على الجهات والشخصيات المستعدة لتلقي الأوامر عبر الأقنية الاستخبارية، والمستعدة للعمل بالأوامر والتصريح بالأوامر والاتصال بالغير بالأوامر ونقل الرسائل بالأوامر. وغني عن القول إن هذا النوع من العلاقات لا يبني رأياً عاماً ولا يؤدي إلى تحلّق الجماهير حول المقاومة. فالأمثلة على &laqascii117o;اختراع" الجماهير المؤيدة للأنظمة العربية، المعتدلة منها والممانعة، أكثر من أن تعد وأن تحصى. لكن المحسوم أن الرأي العام في منطقتنا، أو ما يسمى بالشارع العربي، هو في مكان آخر تماماً.
ونتمنى أخيراً ألا تكون حرية حركة الحزب في الانفتاح على الغير، وفي خوض معركة المحكمة أمام الرأي العام، مقيدة من بعض &laqascii117o;الحلفاء"، وألا نصل إلى يوم نضطر فيه إلى القول &laqascii117o;ومن الحلف ما قتل".


- صحيفة 'الحياة'

مقتدى الصدر في لبنان عابر لا مقيم

هيثم الطبش:

العناوين العريضة المعطاة لاحتمالات انتقال مقتدى الصدر للعيش في لبنان، تندرج كلها تحت محاولات الزعيم الشيعي للخروج من وطأة الضغوط الإيرانية المتراكمة على عاتقه في ملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، لجهة دعم إعادة تكليف نوري المالكي برئاستها. الصدر الذي كان حليفاً لإيران اشترط على طهران ابعاد اسم المالكي عن اي خيارات قد تتبناها في هذا الصدد ووضع هذا الشرط مدخلاً لتسوية الملفات الشائكة الأخرى بينهما. ومع الإصرار الإيراني على ترشيح المالكي، لما ترى فيه من مميزات تؤهله للوقوف في وجه منافسه الرئيسي إياد علاوي بامتداداته العربية والاستقلالية، يبدو ان الجرة قد انكسرت في شكل شبه نهائي بين الطرفين.
تفلت الصدر من الضغوط الإيرانية باللجوء الى الساحة اللبنانية لا يعني حكماً دخوله الى موقع أكثر استقراراً، لا سيما في ظل التوتر المتنامي الذي يشهده الداخل اللبناني وتحديداً على المستوى السني - الشيعي في المرحلة الراهنة.
فلبنان بكونه تربة خصبة قابلة لاحتضان كل انواع بذور الفتن الناتجة من النزاعات الخارجية، ينوء منذ فترة تحت وطأة مخاوف الصدام السني - الشيعي بعناوين مختلفة وسط شواهد كثيرة تؤشر الى ان القادم من المواجهات لن يكون أقل خطورة تحت أي عنوان أتى.
بالتالي فانتقال الصدر للعيش في لبنان من شأنه ان يثير تساؤلات عن مدى تقبل الشارع اللبناني عموماً والشيعي، خصوصاً لمثل هذه الخطوة لناحية معرفة الظروف السياسية، التي ستحيط بها في مرحلة أولى وستحكم استمراريتها لاحقاً.
وهنا يطرح سؤال عما إذا كان الانقلاب في المواقف بين الصدر والإيرانيين ناتجاً من دور اميركي موظف في هذا المجال ام أنه تعبير عن مخاوف تجسدها حركة مقتدى الصدر، وبالذات تحدي الصدر لمرجعية السيستاني &laqascii117o;الصامتة" وإعلائه من شأن مرجعية الصدر &laqascii117o;الناطقة" القادرة على إعلان التحدي والمطالبة بالتغيير.
هذا الحديث، يؤسس للقول بأن خروج الصدر الى بيروت، إذا ما حصل، لا يعني التغيير الكثير، لا سيما ان الحضور الإيراني في لبنان يعتبر قوياً في ظل نفوذ حزب الله، ويرسم بالتالي تساؤلات عن الجهة التي ستعطي الغطاء وستؤمن المتطلبات اللوجستية لتواجد مقتدى في بيروت.
فهل تستطيع الحكومة اللبنانية مثلاً استقبال شخصية بحجم مقتدى الصدر وتأمين الحماية من مخاطر قد يتعرض لها، أقله على المستوى الأمني.
لكن ثمة مستفيداً آخر من احتمال لجوء الصدر الى لبنان، فسورية الباحثة عن دور وامتداد في العراق تريد ايضاً ورقة رابحة يمكن استثمارها في بازار المصالح المتبادلة بين دمشق وطهران، وهي تتحرى فرص تعزيز وجودها في العراق. في المقابل، ثمة رأي آخر يشير الى ان الاختلاف الإيراني - السوري على تفاصيل الوضع العراقي لم يصل بعد الى حد يدفع بدمشق لتبني شخصية معارضة للسلوك الإيراني ورعاية وجودها في لبنان، وأن خطوة من هذا النوع، إن حصلت، تعني وصول الأمور الى خلاف أكبر بين الحليفين لا سيما في ضوء الحديث المتزايد عن احتمالات معاودة المفاوضات السورية - الإسرائيلية في شكل مباشر هذه المرة وبرعاية أميركية، الأمر الذي لن يرضي الجانب الإيراني. المتابع للشأن اللبناني يعرف ان تعاظم نفوذ حزب الله وانجراره وراء الرغبات الإيرانية لن يسهّل إقامة طرف مناوئ لإيران بحجم مقتدى الصدر. ومع الأخذ في الاعتبار ان مقتدى واصل دراسته الحوزوية في ايران في مسعى للجمع بين كونه قيادة سياسية ووصوله ليكون مرجعية دينية، إلا ان تواجد سليل العائلة الصدرية في بيروت سيطرح ايضاً تساؤلات على الساحة الشيعية ومدى تقبلها لهذه الشخصية.
حزب الله وحركة أمل، اللذان يفرضان هيمنة على السواد الأعظم من الشيعة، حددا مرجعيتهما، فالأول يرتبط بولاية الفقيه بينما ترتبط الحركة بالسيد علي السيستاني، وبالتالي فالصدر لن يكون إلا على طرف نقيض مع الطرفين في هذه المعادلة. ولذا لا يبدو &laqascii117o;باب الحارة" الشيعية اللبنانية مشرّعاً امام زعيم التيار الصدري القادم على أجنحة الخلاف مع إيران، التي تبدو ممسكة بزمام الأمور في الأوساط الشيعية من خلال سطوة حزب الله على المستويين الشعبي والسياسي.
بهذا المعنى، فإن المحسوم هو أن شيعة لبنان على كل المستويات يرحبون بزيارة مقتدى الصدر الى لبنان إن كانت لأيام أو لقضاء فترة راحة، لكن الإقامة الدائمة أو الطويلة سيكون لها حسابات دقيقة تضيف الى التعقيد اللبناني مكوناً جديداً يفسد التوازن الهش.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد