ـ صحيفة 'النهار'
مع رمزية رحيل كامل الأسعد: علاقة الشيعة بالكيان بين الماضي والحاضر [9]
باشرت 'قضايا النهار' محوراً تحت عنوان 'مع رمزية رحيل كامل الأسعد: علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر'.بعد تقديم جهاد الزين (طائفة بين ارتباكين... ومغامرة كبرى- 25/8/2010)، ساهم طلال عتريسي (ماذا يريد الشيعة من دولتهم- 25/8/2010)، وسعود المولى (مشروع الإمام الصدر المستقبلي أصبح هو أيضاً من الماضي- 29/8/2010)، ونجاة شرف الدين (سوريــا والشيعــة اللبنانيون – 1/9/2010)، وطلال خوجة (لعنة الموقع- 3/9/2010)، والشيخ علي خازم (الشيعة بين 'الولاية' والمواطنة- 6/9/2010)، ومنى فياض ('أمل' المتأرجحة- 8/9/2010)، وفارس اشتي (القيادات الشيعية: من الصراع في الكيان إلى الصراع عليه- 13/9/2010)، ويوسف معوض (عطوفة 'كامل بك' والثورة المستحيلة - 16/9/2010(. اليوم يساهم محمد علي مقلد:
الكتابة عن الشيعة أو عن أية طائفة أخرى، خارج سياق بناء الوطن والدولة الحديثين هي جزء من كتابة التاريخ العثماني أو الإسلامي أو العربي. أما نحن فقد اخترنا أن نكتب عن التاريخ السياسي للبنان الحديث، أي منذ بداية تأسيسه عام 1920، ولهذا نتناول الشيعة وموقعهم في عملية بناء الوطن ودورهم في عملية الانتقال من نظام الملل العثماني إلى الدولة. مبرر الكلام عن دورهم بالتحديد مزدوج : من جهة، لأن عقل المحاصصة، وهو عقل مشترك بين كل المحاصصين على اختلاف طوائفهم، سعى و لا يزال يسعى، إلى الحؤول دون الانصهار الوطني، فتحولت مهمة بناء الوطن مهمة مؤجلة على الدوام، مع ما ترتب على ذلك من تناحر باسم الطوائف وحروب أهلية. هذا هو أحد أسباب الفشل الدائم في كتابة تاريخ وطني للبنان. ومن جهة ثانية، لأن الشيعة، في هذه المرحلة من تاريخ لبنان، هم الذين يحملون، في سباق البدل، الراية التي سبقتهم إلى حملها المارونية السياسية في بداية تكوين الدولة والوطن.
أوصى الشيخ محمد مهدي شمس الدين 'أبناءه من الشيعة الإمامية، في كل وطن من أوطانهم... أن يدمجوا أنفسهم في مجتمعاتهم... لا أن يخترعوا لأنفسهم مشروعا خاصا يميزهم عن غيرهم...فالشيعة يحسّنون ظروف حياتهم ومشاركتهم في مجتمعهم عن طريق اندماجهم في الاجتماع الوطني العام...' وقد كان لهذه الوصية المنشورة عام 2002 ما يبررها في واقع الشيعة بعد مرور ثمانين عاما على بداية تكون لبنان الحديث.
من مؤتمر الحجير الذي بحث مسألة انضمام الجنوب إلى دولة لبنان الكبير، حتى خروج الوزراء الشيعة من الحكومة والاعتصام في مخيم 'الداون تاون' انتفاضا على الدولة، ثلاثة أجيال. الجيل الأول لم يتردد بين الخيارين اللبناني والعربي، كما هو شائع، بل بين خيار الدخول في الدولة، دولة لبنان الكبير أو الدولة العربية، وخيار البقاء في عصر الولاية. أو أنهم ترددوا في اختيار التبعية، للبنان ومن ورائه فرنسا، أم للدولة العربية ووراءها الإنكليز. وكانت حسابات من اجتمعوا في وادي الحجير تستند إلى موازين القوى الاقليمية والدولية، من جهة، وإلى موقف شيعي تاريخي يناهض الدولة من الأساس، حديثة كانت أو غير حديثة. مع ذلك، ساعدت ظروف محلية ودولية على تغليب كفة الساعين إلى الدخول في دولة لبنان الكبير.
الشيعة الذين دخلوا، طوعا أو كرها، في نطاق الدولة، فرضوا أنفسهم عليها فقراء داخل حزام البؤس في ضاحيتي بيروت الجنوبية والشمالية، أو منتشرين في المهاجر، وانكبوا على تحصيل العلم، فكان منهم جيل ثان ولد في مرحلة النكبة والخيبة والحرمان، ما جعله يميل جهة اليسار ويفضل على الدولة اللبنانية دولة قومية أو أممية. ومع هذا الجيل أخذت تتكون بفعل الحرمان والاعتداءات الاسرائيلية وعجز السياسيين اللبنانيين قضية إسمها قضية الجنوب، حلت محل قضية الوطن أو كانت منافسة أو موازية لها، وشكلت مدخلا تسللت منه أزمات المنطقة كلها. ثم ما لبثت، مع انخراط الشيعة في المشروع الوطني، مشروع الدولة، أن تحولت إلى قضية لبنان الأولى.
من رحم هذه المرحلة نشأ جيل ثالث، ترعرع في أحضان أزمة اليسار القومي والدولي وأزمة النظام العالمي وتغذى من آثار النكبة والنكسة والهزائم العربية ومن انتصار الثورة الإيرانية، فشحن شعار 'الإسلام هو الحل' بشحنة مذهبية وأضفى عليه طابعا إيرانيا خمينيا، مضيفا شعار ولاية الفقيه، إلى شعارات قديمة سبق اختبارها : الاشتراكية والوحدة العربية والوحدة السورية والخلافة، الخ. بفعل إضافة هذا البعد إلى البعدين الاجتماعي والقومي، فقدت قضية الجنوب طابعها الوطني وتحولت قضية 'شيعية'، احتكرتها الشيعية السياسية وجعلتها نداً لقضية بناء الوطن والدولة وحولتها مادة تحريض مذهبي.
ما طرح على الشيعة طرح على سواهم، في مرحلة الاستقلال الوطني: الدخول إلى الحضارة الحديثة من باب الدخول في الدولة الحديثة. ولم يكن هذا الخيار سهلا عليهم ولا على سواهم من الطوائف اللبنانية الخارجة لتوها من نظام الملل العثماني. المسيحيون وحدهم كانوا جازمين وحازمين في اختيار الخلاص من حكم السلطنة، في حين يرى مؤرخون من السنة أن شهداء لبنان وسوريا الذين علق مشانقهم جمال باشا كانوا يستحقون الشنق لأنهم تعاونوا مع الغرب ضد السلطنة.
على أساس هذا المعيار، اكتشف الشيعة، بعد قيام لبنان الكبير، أن الدولة قد تشكل حماية لهم ولسائر الأقليات الدينية من طغيان المذهب السني على دول المنطقة ومجتمعاتها. فاندمجوا في لبنان الكبير وباتوا أكثر المدافعين عن الكيان اللبناني المهدد بتعقيدات القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي. غير أن القوى السياسية اللبنانية كلها، غير المقتنعة بنهائية الكيان، والمرتبطة بمشاريع إقليمية ودولية، شجعت الشيعية السياسية على المطالبة بحصتها من كيان مبني على المحاصصة بين متنفذين ينتمون إلى كل الطوائف (يوسف بك الزين والد النائب عبد اللطيف الزين أنشأ مشروع مياه الشفة من نبع الطاسة وعند قيام الدولة سلمه لوزارة الموارد المائية بينما راح السياسيون والموظفون الشيعة في المرحلة الأخيرة يتحاصصون إدارات الدولة ومواردها المالية). ما دفع بمسار الاندماج هذا إلى التقطع هو تحول لبنان من وطن إلى ساحة، وقد لعب الشيعة دورا غير محمود في عملية التحول هذه، فانحازوا إلى جانب الفلسطينيين ضد الدولة اللبنانية، ثم إلى جانب النظام السوري في صراعه مع الثورة الفلسطينية، وبلغ بهم العداء للثورة الفلسطينية حد الترحيب بالجيش الاسرائيلي إبان اجتياحه الأراضي اللبنانية ثم تدمير المخيمات الفلسطينية، وقبل أن يزلزلوا الأرض تحت أقدامه في مرحلة لاحقة، ثم انحازوا في المرحلة الأخيرة إلى المشروع الإيراني السوري ضد الوحدة الوطنية اللبنانية، وذلك إسوة بكل من انحاز، من اللبنانيين، إلى مشروع حلف بغداد أو المشروع القومي العربي أو الناصري أو المشروع الأممي أو مشروع الوطن القومي المسيحي أو مشروع الدولة الإسلامية، أو مشروع دولة الخلافة، الخ. الكل سواء في خيانة المشروع الوطني اللبناني، مشروع بناء الوطن والدولة.
النخب الشيعية خرجت إلى الوطن من عائلات دينية وعائلات سياسية عريقة في تاريخها السياسي والثقافي. الرئيس عادل عسيران تخرج من الجامعة الأميركية في الثلاثينات من القرن الماضي، ومن تلك البيوت الدينية والسياسية ذاتها تخرج أوائل الجامعيين وفي مرحلة لاحقة أوائل اليساريين. النجف كانت تخرج مشايخ مثقفين ثقافة دينية عالية والجامعات خرجت أبناء المراجع الدينية (الشاعر عبد المطلب الأمين إبن العلامة محسن الأمين تخرج من كلية الحقوق عام 1939 وتولى وظيفة قائم بالاعمال في سفارة سوريا في موسكو عام 1947 وانتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني، وأخوه هاشم كان عضوا في مكتبه السياسي). ربما كان ذلك دافعا لفورة علمية واسعة النطاق رعتها الدولة اللبنانية بتعميم التعليم الرسمي، فلم يعد يخلو بيت جنوبي من خريج جامعة، وبات المناخ الغالب هو المناخ العلماني. كان ذلك أحد إنجازات قيام الدولة وانخراط الجنوبيين فيها. ومن المؤسف أن هذه الفورة العلمية والعلمانية قد تراجعت مع الجيل الثالث، ليطغى بديلا منها مناخ من التعصب الطائفي والمذهبي وثقافة الطقوس الشكلية، وتراجع دور المرجعيات الدينية لمصلحة من تخرجوا من الحوزات الدينية بمستويات ثقافية متدنية تذكر بحال الأزهر يوم دخول الفرنسيين أو بحال الأديرة في أوروبا في القرون الوسطى، وأنهار مستوى التعليم الرسمي والخاص، وتشوه دور الجامعة اللبنانية لاسيما حيث تسيطر الشيعية السياسية في الإدارة أو في الجسم الطالبي. وبعد أن كان الجنوب يخرج من كل بيت شاعرا أو أديبا أو واحدا من أهل القلم ومن أهل العلم والثقافة، راحت تنمو من جديد ظاهرة الأمية.
أما التراجع المرعب فقد تجسد على الصعيد السياسي بصعود نخب جديدة متحدرة من ثقافة التشبيح الميليشيوي، أي ثقافة تدمير الدولة، وتدمير معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص، واستبدلت هذه القيم بقيم التزلف والاستزلام الرخيص مع ما يعنيه ذلك من تدمير لسلم القيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية. (المفتاح الانتخابي في القرية أو المنطقة، وهو الصف الثاني من السياسيين، كان يتحدر من بيوت الوجهاء المحليين، وكان يدفع من ماله من أجل الزعيم). مع الجيل الثالث عادت السلطة كما كانت ما قبل قيام الحضارة الحديثة، على ما يقول المفكر سمير أمين: ما قبل الحضارة الحديثة السلطة هي السبيل إلى الثروة أما في الرأسمالية فالثروة هي الطريق إلى السلطة. مع الجيل الثالث، جيل الشيعية السياسية تضاعف عدد الأثرياء ممن تحاصصوا المال العام، و تقلص عدد رجال الدولة وأثرى سياسيو الصف الثاني من المفاتيح الانتخابية والوجهاء الجدد. إنه عصر التشبيح على الدولة.
مع الجيل الأول كانت تغلب على الجنوب صورة الفقر والحرمان وزراعة التبغ والهجرة القسرية إلى حزام البؤس. مع الجيل الثاني غلبت النهضة العلمية والثقافية وبدايات البحبوحة المالية من بلاد الاغتراب، ومع الجيل الثالث أخذت تبرز طبقة من حديثي النعمة ثم أعداد كبيرة من خريجي الجامعات الأميين تحولوا إلى جيش من العاطلين عن العمل. وبعد أن كان عدد البيوت الدينية محدودا مع الجيل الأول، آل الأمين وشرف الدين وابرهيم ومغنية وسواهم، نبتت كالفطر ظاهرة المعممين من خريجي الحوزات الدينية وقراء العزاء وتعممت ثقافة التكفير والتحريم ومكبرات الصوت والحد من الحريات، فتبدلت عادات وانهارت قيم ودمرت تقاليد، ولم يبق من جنوب الستينات، جنوب الجيل الثاني، لا التسامح ولا التنوع السياسي والديني والثقافي، فصفيت، خلال الحرب الأهلية أو الاحتلال الاسرائيلي، بؤر قليلة من غير الشيعة أو ضيق عليها وحوصرت وكثر الكلام عن جنوب شيعي وقضية شيعية وشعب شيعي، وعن بيئات طائفية ومذهبية، وعن غلبة واستئثار وخوف من طفرة ديموغرافية، وما إلى ذلك من عوامل التخويف والتفرقة والتفتيت والشرذمة. مأثرة كبرى تنسب إلى الشيعة والجنوبيين في صورة أساسية هي الانجاز التاريخي المتمثل بتحرير التراب الوطني اللبناني من الاحتلال، غير أن الشيعية السياسية وظفت هذا الانجاز في غير مصلحة الوحدة الوطنية اللبنانية. إنها تحولات جذرية، لا نحكم لها أو عليها، لكننا نقيسها بمؤداها السياسي وبمدى ما أثرت سلبا أو أيجابا على الوحدة الوطنية اللبنانية وعلى عملية بناء الوطن والدولة. فقد أفضت هذه التحولات الجذرية إلى تحول الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت إلى نوع من الغيتو الطائفي الخارج عن سلطة الدولة وقوانينها.
علاقات تاريخية، اقتصادية وثقافية جمعت الجنوب اللبناني مع فلسطين، وتحملت قرى منه عبء النكبة وتحمل كله عبء القضية الفلسطينية بعد النكسة وقيام الثورة الفلسطينية. غير أن حسابات السياسة تختلف عن حسابات التاريخ والجغرافيا والثقافة والاقتصاد. والفارق الأساسي المستجد هو وجود الدولة، إذ إن لبنان صار دولة في اللحظات ذاتها التي كانت تغتصب فيها الأرض الفلسطينية والتي كانت تنشأ فيها دول عربية مستقلة عن السلطنة.
علاقات الجنوب ذي الغلبة الشيعية بالقضية الفلسطينية كانت محل تجاذب كبير، دخلت على خط التأثير فيه عوامل محلية وإقليمية ودولية. بلغ التجاذب أشده مع الجيل الشيعي الثاني الذي التزم يساريوه وقوميوه القضية الفلسطينية، ووظفوا ثورتها في الحرب الأهلية بين اللبنانيين، بينما راح فريق من هذا الجيل ينتصر للنهج السوري في مواجهة الثورة الفلسطينية، وكانت محصلة هذا التجاذب أن الشيعة تدربوا على أيدي المقاومة الفلسطينية وتعلموا منها حمل السلاح، إلى ان حملوه ضدها بقسوة وضد إسرائيل ببطولة وبسالة وضد الدولة اللبنانية بغباء الشيعية السياسية التي لم تتعلم من الجيل الأول أن مشروع الدولة هو الضمانة الوحيدة لكل الأقليات.
في المرحلة الأخيرة تحولت القضية الفلسطينية مطية، وصارت الشيعية السياسية جزءا من المشروع الاستبدادي المهيمن في العالمين العربي والاسلامي، المشروع الذي يعتمد نظرية المؤامرة ليتنصل من مسؤوليته عن الهزائم والخيبات والنكبات والتخلف السياسي والثقافي والاقتصادي، الخ، محملا 'العدو الصهيوني' مسؤولية المؤامرات على بلدان العالم العربي وشعوبه، (وهذا، بلا شك، من طبيعة المشروع الصهيوني وأصله وفصله). غير أن الصراع العربي الاسرائيلي(لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) تحول ذريعة للتغطية على كل أنواع الفساد الداخلي وخصوصا للتغطية على تهديم بنية الدولة، إما بتعطيل مؤسساتها أو استبدالها بمؤسسات موازية أو بإلغاء دور القضاء وتشويه دور الجامعة اللبنانية، أو بتعميم ثقافة الاستخفاف بالقانون العام وبالمال العام وبكل ما هو مشترك للشعب اللبناني وللوطن والدولة.
ومن المؤسف أن الشيعية السياسية لم تتعلم من تجربة اليسار التقدمي والقومي ولا من تجربة المارونية السياسية أن الحماية المؤكدة لكل الأقليات اللبنانية ( لبنان هو مجموعة أقليات) لا تأتيها من الخارج، وأن استدراج الخارج والاستقواء به في الصراعات الداخلية لا يفضي إلا إلى مزيد من الانقسامات والحروب الأهلية، وأن التضحية في سبيل ' حلفاء ' الخارج ومشاريعهم هي تضحية مجانية أقرب إلى الانتحار. الشيعية السياسية اليوم وصلت إلى ذروة مغامرتها في تقطيع أوصال الدولة وهي تمنّي النفس في أن يكون مشروع ولاية الفقيه أملها في بلوغ مغامرتها نهاية سعيدة. لبنان اليوم يأمل أن يأتي الجيل الشيعي الرابع لينقذ الشيعة ويساهم في تنفيذ وصية الإمام محمد مهدي شمس الدين الداعية إلى أن ينصهر الشيعة اللبنانيون بشعبهم ويجسدوا الوحدة الوطنية في أجلى معانيها ويتحصنوا ضد محاولات جعلهم، مع سواهم من الطوائف، أحصنة طروادة لمشاريع القوى الخارجية الصديقة أو العدوة، القريبة والبعيدة، وينهضوا معا في بناء لبنان، وطنهم النهائي، وفي بناء دولته، دولة القانون والمؤسسات والعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص والحريات والديموقراطية.
المساهمة المقبلة:وجيه قانصوه تضخم الخصوصيات
المحور من اعداد جاد يتيم
ـ صحيفة 'الأخبار'
لبنانان: قنديل أو صقر
خالد صاغية:
وحدها شاشة &laqascii117o;أم. تي. في" استطاعت، أمس، تقديم المشهد السياسي اللبناني. فضمن برنامج &laqascii117o;بموضوعيّة"، استضاف الزميل وليد عبّود النائب عقاب صقر والنائب السابق ناصر قنديل. وكما هو معروف، فإنّ هذين الرجلين اكتسبا شهرتهما من قدرتهما على الكلام من دون توقّف لتسويغ أيّ موقف رسميّ يصدر عن &laqascii117o;النظام". النظام الحريريّ بالنسبة إلى الأوّل، ونظام الإدارة السوريّة (التي كانت الحريريّة جزءاً منه) بالنسبة إلى الثاني. استطاعت الشاشة أن ترسم، أمس، مشهداً سوداويّاً. فمَن نُكِب بمتابعة البرنامج، ساوره شعور بأنّ كلّ ما تشهده البلاد اليوم من سجالات وتوتّرات، يمكن اختزاله بنوعَيْن من الـ&laqascii117o;لبنان" يقترحهما الطاقم السياسي على اتّساع مروحة اختلافاته: لبنان ناصر قنديل أو لبنان عقاب صقر.
أمّا من أسعفه الحظّ في تجنّب هذا البرنامج، فلا بدّ أنّه سمع خلال نشرات الأخبار الموقف الأسبوعي الذي أدلى به النائب وليد جنبلاط إلى جريدة &laqascii117o;الأنباء". وجنبلاط، عادةً، لا تعوزه المواقف. فهزّة رأس منه تتصدّر العناوين الأولى لصحف كثيرة. لكنّ جنبلاط خذل جريدته الحزبيّة هذا الأسبوع. وبدلاً من أداء دور السياسي، اختار كتابة مقال ساخر من النوع الذي يكتبه الصحافيّ حين &laqascii117o;يُزرَك" بالوقت، أو حين تفرغ جعبته من المواضيع. وحين يقوم بذلك سياسي من طراز وليد جنبلاط، فهذا يعني أنّه رغم التوتّر الشديد الذي يسود البلاد، فإنّ السياسة في استراحة هذا الأسبوع، حتّى لا نقول إنّها دخلت في إجازة مفتوحة. فأيّ دور للسياسة والسياسيّين ما دام الضبّاط يتولّون السجال وصناعة الأحداث بأنفسهم. وأيّ دور للسياسة والسياسيّين ما دامت الدول الراعية لهذا الفريق أو ذاك، اختارت أن تأخذ دور المتفرّج ريثما تُحلّ الأمور العالقة في ما بينها في أماكن أخرى من المنطقة. وأيّ دور للسياسة والسياسيّين حين تكون شروط اللعبة السياسية غير موجودة، ووسائل &laqascii117o;الأكشن" قد أصبحت في مكان آخر. بات الترحُّم على الطاقم السياسي التقليدي غير مستبعد. فـ&laqascii117o;أكلة الجبنة"، مهما بلغ بهم الفساد دهراً، تبقى مصلحتهم الأساسيّة الحفاظ على &laqascii117o;الجبنة". العزاء الوحيد هو أنّه لا يمكن ناصر قنديل وعقاب صقر أن يصرخا معاً إلا في برنامج تلفزيوني. أمّا على أرض الواقع، فصراخ أحدهما يعني انتهاء دور الآخر.
ـ 'الأخبار'
هل أعددْنا لهم ما استطعنا من قوّة؟
سماح ادريس:
&laqascii117o;في زحمة الحلول يتحدّث الزعماءُ عن حربٍ قادمة. ولكنّ الزعماء ــ ويا أسفي ــ لا يَعْلمون أنّ الحربَ القادمة... قادمة!" (من أغنية لخالد الهبر).
لا يحتاج المرءُ إلى قراءة كلّ صفحات المذكّرة التي أرسلها دانيال كورتزر إلى مجلس العلاقات العامّة الخارجيّة الأميركيّة، وهي بعنوان &laqascii117o;حرب لبنانيّة ثالثة" (تمّوز 2010)، ليكتشفَ حجمَ الخطر الداهم الذي يتهدّد لبنانَ من ضربة إسرائيليّة قادمة. بل نكتفي بإيراد ما يأتي: إنّ احتمالات وقوع حرب إسرائيليّةٍ ثالثة على لبنان في غضون الشهور 12ــــ18 &laqascii117o;تتصاعد باطّراد"، و&laqascii117o;إنّه ليس واضحًا أنّ إدارة [أوباما] ستستطيع حشدَ حجج قويّة لدعم موقف يدعو إسرائيلَ إلى ضبط النفس، وإلا هدّدتها الإدارةُ بعمل دبلوماسيٍّ في حال شنّها الحربَ" (1).
كما أنّ المرء لا يحتاج إلى الاطّلاع على عشرات المقالات المنشورة في الصحف الغربيّة والإسرائيليّة التي تتناول استعداداتِ دولة العدوّ للحرب على لبنان. بل بمقدوره أن يكتفي بمقال ديفيد هورويتز (جيروسالم بوست، 8/8/2010) عن الاستثمارات الهائلة التي خصّصتْها لتعزيز بنية الدفاع المدنيّ منذ آب 2006 تحضيرًا لصدّ عمليّات هجوم &laqascii117o;ثأريّة" يشنّها عليها حزبُ الله أو غيرُه.
وأخيرًا، فإنّ في مكْنة المرء أن يتجاهلَ التهديداتِ الإسرائيليّةَ المتواصلةَ ضدّ لبنان منذ سنوات باعتبارها محض &laqascii117o;تهويل" و&laqascii117o;حربٍ نفسيّة". لكنْ هل يستطيع أن يتجاهل، على وجه الخصوص، تهديدَ وزير الدفاع الإسرائيليّ إيهود باراك بضرب &laqascii117o;أيِّ هدف يخصّ الدولةَ اللبنانيّة، لا حزبَ الله فقط" (واشنطن بوست، 26/7/2010)؟
وفي المقابل، لننظرْ إلى ما فعلناه، نحن اللبنانيين، في &laqascii117o;مواجهة" الحرب القادمة، القادمةِ فعلاً، بعد شهرين أو أربعة، أو بعد عامين أو عشرة، ما دامت إسرائيلُ الصهيونيّةُ على قيد الحياة، إذ لا حياةَ لها من دون الهيمنة والاستئساد والاحتلال والعنصريّة، كما خبِرنا كلَّ هذه العقود.
1ــــ فمعسكرُ 14 آذار يطالب، في حملةٍ مسعورةٍ ولكنها منسّقة، ببيروت &laqascii117o;مدينةً منزوعةَ السلاح".
2ــــ و&laqascii117o;المعارضةُ" اللبنانيّة تقتتل في ما بينها داخل زواريب بيروت.
3ــــ وأجهزةُ الأمن تكتشف المزيدَ من العملاء والمخْبرين لحساب العدوّ الإسرائيليّ. ويترافق ذلك مع ارتفاع نغمتيْن في الخطاب السياسيّ اللبنانيّ: الدفاعُ عنهم أو عن بعضهم، وإلقاءُ تبعات وجودهم على الطوائف الأخرى (باستخدام منطق &laqascii117o;البيئة الحاضنة").
أما ما لم تفعلْه الحكومةُ اللبنانيّةُ في مواجهة الحرب القادمة، القادمة فعلاً، فهو: 1) بناءُ ملاجئ وتجهيزات إنذار. 2) مناقشة جدّيّة لعرض إيران الأصوليّة تسليحَ الجيش اللبنانيّ، بعدما ثَبَتَ بالملموس أنّ شعاراتِ السيادة والحريّة والاستقلال لم تتحقّقْ بالاعتماد على أميركا الديموقراطيّة وعلى سلاحها (الفعّال في الداخل اللبنانيّ فقط). 3) كفُّ يد المحكمة الدوليّة عن قضيّة مقتل الحريري لثبوت إمعان هذه المحكمة في تخريب السلْم الأهليّ اللبنانيّ (الهشِّ أصلاً) عبر مواصلتها التلميح إلى ضلوع حزب الله في الجريمة، في مقابل غضِّها النظرَ عن شهود الزُّور. 4) إصدارُ بيان رسميّ لبنانيّ بتبرئة حزب الله من دم رفيق الحريري، بعدما برّأ ابنُه، سعد، النظامَ السوريًّ، نتيجةً لإلهام ربّانيّ، أو لقدرة العاهل السعوديّ على إقناعه بـ&laqascii117o;الحقيقة" بعد خمس سنوات. 5) رفعُ دعوى دوليّة على إسرائيل وباراك بتهمة تهديد لبنان، وذلك استنادًا إلى المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنصّ على وجوب أن تمتنع الدولُ الأعضاءُ &laqascii117o;عن التهديد باستخدام القوّة أو استخدامها [فعلاً]". 6) مطالبة محكمة العدل الدوليّة بإصدار رأي استشاريّ يحدِّد العواقبَ القانونيّةَ لتهديد إسرائيل باستخدام القوة اللامتكافئة ضدّ لبنان، وباستهداف البنية التحتيّة المدنيّة اللبنانيّة، في حال نشوب نزاع مسلّح بين البلدين (2).
فلنتأملِ الآن ما فعلناه في لبنان مؤخّرًا في مواجهة تهديدات العدوّ، بادئين بأطروحة &laqascii117o;نزع سلاح بيروت".
الحقّ أنّ هذه الأطروحة اكتسبتْ زخمًا كبيرًا بعد اشتباكات برج أبي حيدر منذ عدّة أسابيع بين حزب الله وجمعيّة المشاريع، وقبلها اشتباكات &laqascii117o;اليوم المجيد" في 7/5/2008، ولكنّ لها سوابقَ أقدمَ بكثير. مَن مِن أبناء جيلي يَذْكر، مثلاً، &laqascii117o;زعماءَ" بيروت (من ممثّلي السنّيّة السياسيّة خاصّة) حين توجّهوا في صيف 1982 إلى أبي عمّار يتوسّلون إليه أن يغادر بيروت، هو و&laqascii117o;مسلّحوه"، ضنًا بسلامتها من القصف الإسرائيليّ؟
سلامة بيروت؟
حسنًا. انسحب أبو عمار و&laqascii117o;مسلّحوه". ولكنْ دخل عملاءُ إسرائيل، وذبحوا بالبلطات آلافَ المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين في مخيّمَي صبرا وشاتيلا، المنزوعَي السلاح. أيستطيع النائبان نهاد المشنوق وعمّار الحوري، وهما من أبناء ذلك الجيل، ولكنهما منزوعا الذاكرة على ما يبدو، أن يُنسيانا الجثثَ التي تكوّمتْ أو تعانقتْ في أزقّة المخيميْن في منتصف أيلول 1982؟ أكان مطلبًا عقلانيًا نزعُ سلاح بيروت والمخيّمات آنذاك، بصرف النظر عن النقد القاسي والمشروع والواجب للتجاوزات الفلسطينيّة المقيتة؟ وهل يحظى الفلسطينيّون وقيادةُ المقاومة الإسلاميّة اليوم بـ&laqascii117o;محبّة" أكبر، لدى إسرائيل وعملائها، من تلك التي حظي بها أبو عمّار و&laqascii117o;مسلّحوه" عام 1982؟
إنّ أكبرَ خطيئة يرتكبها لبنانيٌّ أو فلسطينيٌّ (ولا توازيها إلا خطيئةٌ أخرى سنتطرّق إليها عمّا قريب) هي أن يُلقي سلاحَه ما دامت إسرائيلُ الصهيونيّةُ موجودةً! على السلاح أن يبقى، وأن يزيدَ، وأن نتدرّبَ عليه، شابّاتٍ وشبّانًا... وكهولاً إذا أمكن. فالعدوّ متربّصٌ بنا، ما بقينا مرفوعي الرؤوس، مقاومين من أجل تحرير فلسطين والخلاصِ من الاستعمار وبناءِ الوحدة العربيّة. هذا أولاً.
ثانيًا، إنّ الكلاشنيكوف والآر. بي. جي والرمّانات اليدويّة، التي يَسْخر منها سمير جعجع وغيرُه ممن يُلْقون اليومَ على مسامعنا دروسًا في &laqascii117o;المقاومة الفعليّة"، لا تحمي المدنيين من غدر العدوّ الإسرائيليّ وعملائه فحسب، بل كانت هي أيضًا التي تصدّت لإسرائيل بين عامَي 1982 و2000، وهي التي طردتْها شرَّ طردة من بيروت وصيدا والجبل. لا، لم تكن الكاتيوشا و&laqascii117o;الفجر" و&laqascii117o;الرعد" و&laqascii117o;الزلزال" وأسلحةُ المقاومة الثقيلةُ الأخرى هي التي صَنعتْ مجدَ المقاومة الذي سطعتْ شمسُه من بيروت، بل الأسلحةُ الخفيفةُ التي امتشقها أبطالُ صيدليّة بسترس وكورنيش المزرعة ومحطّة أيّوب ومقهى الويمبي. الشهيد خالد علوان، بمسدِّسه (أو بمسدّس د. عبد الله سعادة كما يُشاع)، لا براجمة صواريخ، قَتل ضابطيْن إسرائيليّيْن وجرح ثالثًا حين كانوا يحتسون البيرة، بكلّ صلف، في بيروت، إحدى حواضر النهضة القوميّة التقدميّة العربيّة، قبل أن ينهالَ عليها المالُ الخليجيُّ ومالُ الأن. جي. أوز، مصحوبيْن بثقافة &laqascii117o;التمكين" و&laqascii117o;التنمية المستدامة" و&laqascii117o;حلّ النزاعات بالطرق السلميّة". إنّ المطالبين بنزع سلاح بيروت قسمان: قسمٌ لا يَعرف الضغينةَ التي تكنّها إسرائيلُ لبيروت، هذه المدينة التي أطلقتْ شرارةَ المقاومة وصنعتْ روحَها من روايات غسان كنفاني وأشعار محمود درويش وكمال ناصر ورسوم ناجي العلي وأخلاق شفيق الحوت ومثابرة أنيس صايغ؛ وقسمٌ يتمنّى أن تأتي إسرائيلُ لتخلّصَنا من المقاومة والشيعة، وبظهرهم &laqascii117o;الأحباش" والأوباش وجماعة جبريل (ولا بأس في بقاء بعض الوهّابيين والسلفيين والدحلانيين لاستخدامهم عند الحاجة). بيروت هذه، في الزمن السعوديّ ــــ الأميركيّ المتعفّن، لم تعد تنتخب المحامي الناصريَّ ولا الاقتصاديّ الليبراليّ الهاجس بفلسطين، بل ساقتها أخطاءُ السياسة الرسميّة السوريّة ومذهبيّةُ بعض أطراف المقاومة والمساعداتُ الحريريّة وانهياراتُ اليسار إلى أن تنتخبَ لوائحَ الـ&laqascii117o;زيّ ما هِيّ"، وإنْ ضمّت هذه اللوائحُ شابًا يَفْخر بتعاون أبيه مع إسرائيل، وقبلَه سيّدةً طبختْ لشارون أشهى الأطباق (على ما لا يملّ الرفيق أسعد أبو خليل من تذكيرنا)، وكهلاً نقل البندقيّةَ من الكتف الحصّيّة إلى الكتف الحريريّة، فضلاً عن حشد من الإمّعات الانتهازيين: لا طعمَ لهم ولا رائحة، يهزّون رؤوسَهم لكلّ نكتة باهتة نطق بها &laqascii117o;محسوبُكم سعد"، ويقهقهون طربًا لأيّ خطإ لغويّ اقترفه. في بيروت اليوم نوّابٌ يزعقون ضدّ السلاح، هكذا بالمطلق، دونما تمييز بين سلاحين: سلاحٍ ينبغي أن يبقى في بيروت (وغيرِها)، وآخرَ ينبغي أن يُزال من بيروت (وغيرِها) حرصًا على السلاح الأول وعلى كرامة بيروت وعروبتِها ومقاومتها. فأسلحةُ الجنوب والضاحية والبقاع وبيروت وكلِّ مناطق لبنان الأخرى هي، في المنطق الاستراتيجيّ الإسرائيليّ، وحدةٌ مترابطةٌ، أمسدّساتٍ كانت أمْ رشّاشاتٍ أمْ قنابلَ أمْ صواريخَ أمْ هواتف نقّالةً وغيرَ نقّالة؛ ولذلك فإنّ الأسلحة، في المنطق الاستراتيجيّ المقاوم، يجب أن تكونَ هي أيضًا وحدةً مترابطةً في كلّ الأمكنة والمجالات. ونزعُ سلاح إحدى حلقات هذه الوحدة مقدّمةٌ لإزالة شرعيّته في أمكنةٍ أخرى قد لا تَشْهد تماسًا مباشرًا مع إسرائيل ولكنها ــــ مع ذلك ــــ خزّانٌ بشريٌّ أو إمدادٌ سياسيٌّ أو معلوماتيٌّ للمقاومة.
بيْد أنّ المشكلة لا تنحصر في منطق نوّاب 14 آذار أو نوّابِ بيروت الحريريين فقط. بل تمتدّ لتشملَ عجزَ المقاومة و&laqascii117o;المعارضة الملتبسة" عن حماية هذا السلاح أو تبريرِه، حتى باتت أطروحةُ &laqascii117o;نزع سلاح بيروت" مقبولةً لدى بعض أنصار المقاومة أنفسِهم! هنا أيضًا يمدُّنا تاريخُ ما قبل سنة 1982، وبعيْدها، ببراهينَ وافرةٍ على أنّ أطهرَ القضايا تغدو أشدَّها تلوّثًا بسبب &laqascii117o;التجاوزات" و&laqascii117o;الاستثناءات" التي تحوِّل السلاحَ أداةً لتكريس المذهبيّة والفئويّة، وخدمةِ المصالح الإقليميّة، و&laqascii117o;التشبيحِ"، وفرضِ الخوّات، واغتيالِ الخصوم داخل ما يُفترض أنه &laqascii117o;ضمن الخندق الواحد" (مَن يَذْكر كيف قضى نخبةٌ من وطنيي هذا البلد ومثقفيه: حسين مروّة، مهدي عامل، كمال خير بك، بشير عبيد،...؟). فما الذي أعدّته المقاومة (حزبُ الله تحديدًا) لتبرِّر وجودَ سلاحها وسلاحِ حلفائها في بيروت (وخارج الجنوب عامّةً)؟ لا شيء. ببساطة، لا شيء، إلا كلامًا قديمًا يحاول أن يطمْئننا إلى أنّ حادثة برج أبي حيدر &laqascii117o;عابرةٌ" افتعلها &laqascii117o;مدسوسون".
وقانا الله شرَّ الـ... (ما عكسُ العابر والمدسوسين)؟
خلاصةُ القول إنّ وجودَ السلاح في لبنان (والمنطقةِ المحيطةِ بكيان العدوّ) ضرورةٌ لا مَحيدَ عنها، ولكنّ تنظيمَه يساوي ضرورة وجوده. والمسؤوليّة الأساسيّة في تنظيم السلاح المقاوم تقع في المقام الأول على حزب الله. غير أنها تقع بدرجة أقلّ على قوى المعارضة التي لا تني تتلقّى السلاحَ (والأموالَ) من الحزب المذكور، ولكنها قلّما عالجتْ حالاتِ التسيّب وما يُزعم أنه اختراقاتٌ داخليّةٌ نفّذتْها أجهزةٌ خارجيّة. وتنظيمُ السلاح يتطلّب غرفةَ عمليّاتٍ مشتركة، دائمةً، تَضْرب بيدٍ من حديد على كلّ مَن يسعى إلى إفقاد السلاح المقاوم شرعيّتَه في حروب الزواريب والطوائف والمذاهب والزعامات. لكنّ السؤال يبقى:
هل يستطيع حزبُ الله أن يقضي على أحد الأسباب الأساسيّة لـ&laqascii117o;الاشتباكات الوطنيّة" الداخليّة، عنيْنا الحالةَ المذهبيّةَ في بيروت (ولبنان)؟
تصْعب الإجابة، لا لأنّ الأميركيّين والإسرائيليّين والعملاءَ يَعْملون منذ مدّة، بدأبٍ واضحٍ، على إحداث فتنةٍ سنّيّةٍ ــــ شيعيّةٍ مستطيرةٍ في لبنان شبيهةٍ بما يحدث في العراق، فحسب؛ بل أولاً وأساسًا بسبب غياب حالةٍ وطنيّةٍ ديموقراطيّةٍ عامّة. نعم، يستطيع حزبُ الله وأحزابُ &laqascii117o;المعارضة الملتبسة" أن تخفِّفَ من الاحتقان المذهبيّ بالتأكيد، ولكنّ القضاءَ المبرمَ على المذهبيّة لا يتأتّى بإفطاراتٍ رمضانيّةٍ وتبويسِ لحًى واستذكارِ لحظات التعايش السنّيّ ــــ الشيعيّ في التاريخ (مع إغفال اللحظات الشنيعة الكثيرة الأخرى التي استفاض في الحديث عنها الباحثُ السوريّ جورج طرابيشي) (3). وهذه الحالة الوطنيّة العامّة تبدو مفتقَدة، للأسف، بسبب انهيارٍ أصاب القوى العلمانيّةَ، حتى تحوّل بعضُها إلى محض مستوعَبِ حنينٍ إلى المجد الغابر، وتحوّلَ بعضٌ ثانٍ إلى محض &laqascii117o;عينٍ أمنيّةٍ" لحزب الله، وتحوّل بعضٌ ثالثٌ إلى ما يُشْبه فريقًا إعلاميًا تكاد أن تنحصرَ مهمّتُه في تدبيج بياناتٍ &laqascii117o;غبّ الطلب" تدافع عن حزب الله دفاعًا تُعْوِزُه الثقافةُ التاريخيّةُ والابتكارُ أحيانًا. إنّ الحالة الوطنيّة الديموقراطيّة العامّة مبعثرة، خجولةٌ، واهيةُ الإمكانيّات، متناقضةٌ في ما بينها إلى حدّ الطعن في الظهر والمواجهاتِ الكلاميّةِ المؤلمة، لكني لا أرى غيرَها ــــ نظريًا ــــ إطارًا شعبيًا لبنانيًا يحمي المقاومةَ ويَرسم خارطةَ طريقٍ محتملةً لتجاوز الطائفيّة والمذهبيّة لمصلحة المواطَنة.
البيئة الحاضنة للعملاء والمخْبرين هي لبنانُ بأسْره حين يبتعد عن فلسطين والعروبة وتزداد الحاجةُ إلى تنظيم السلاح المقاوم (والداعمِ للمقاومة) مع تزايد اكتشاف العملاء، ومع اتضاح حقيقةٍ مُرّةٍ: وهي أنّ ما يسمّى &laqascii117o;البيئة الحاضنة" للعملاء لا تخصّ طائفةً واحدة، بل تخترق المجتمعَ اللبنانيَّ بمختلف &laqascii117o;عائلاته الروحيّة". وليس من المبالغة القولُ إنّ الطائفة العميلة هي اليومَ، على مستوى بنيانها، أكثرُ المؤسّسات اللبنانيّة إلغاءً للاحتكار الطائفيّ (كي لا نمعنَ في السخرية ونقول: ... وتطبيقًا لـ&laqascii117o;العلمانيّة")! بل لا مبالغةَ في الزعم أنّ البيئة الحاضنة للعملاء والمخْبرين هي لبنانُ بأسْره حين يبتعد عن فلسطين والعروبة، وحين يتشبّث بطوائفه بديلاً، وحين يواصل حرصََه على أن يكون &laqascii117o;وسيطًا محايدًا" في الصراع بين الظلم الإسرائيليّ والعدالة الفلسطينيّة.
1- كورتزر، بالمناسبة، ليس نكرةً في الولايات المتحدة: فقد كان سفيرَها في مصر (أثناء عهد كلينتون)، ثم سفيرَها في الكيان الصهيونيّ بين عاميْ 2001 و2005 (أثناء عهد جورج بوش الصغير)، قبل أن يقرّر التقاعدَ من العمل للإدارات الأميركيّة منصرفًا إلى السلك الأكاديميّ (جامعة برينستون).
2- أدين بالفكرتين الأخيرتين للرفيق نورمن فنكلستين، الذي يضيف أنّ مبادرة رسميّةً لبنانيّةً كهذه ستدفع الرأيَ العامّ الدوليّ إلى التركيز على الخطط الحربيّة الإسرائيلية المتعمّدة ضدّ لبنان، وقد تدفع محكمة العدل الدوليّة إلى إنذار قادة إسرائيل بأنّ تطبيقهم 'عقيدة الضاحية' سيجعلهم مجرمي حرب ـ الأمر الذي قد يردعهم قليلاً.
ـ صحيفة 'السفير'
عن الحزب والمطار و&laqascii117o;الأمراء" و&laqascii117o;الجمهور"
جعفر العطار:
تحوّل مشهد مواكبة &laqascii117o;حزب الله"، بسياراته الأمنية الفارهة والمموهة، للواء جميل السيد في أثناء عودته من فرنسا السبت الفائت، إلى مادة جذب في أول الأمر، ثم انتهى المطاف، مع بداية التحليلات السياسية لمواقف الفريقين المتخاصمين، إلى أن &laqascii117o;الحزب" خرق كل القوانين عندما &laqascii117o;اجتاح" المطار. كان المشهد، سياسياً وكبيراً جداً، يدل إن دل على رسالة تنحصر في أطرها السياسية، يدركها الطفل الصغير قبل الكبير: &laqascii117o;نحن، الحزب، مع هذا الرجل.. حتى نهاية المعركة، ولا يفكر أحد بتوقيفه". اذا استدعي جميل السيد هكذا نتصرف، فكيف اذا استدعي عنصر في المقاومة أو كادر من كادراتها في لعبة &laqascii117o;القرار الظني" القاتلة؟
إنها قصة البلد الذي وُلد ومعه قطعة الجبنة الشهيرة. قصة طوائف ولعبة سياسية، يعرف الصغير قبل الكبير، أن مفاتيح حلها أكبر من هؤلاء الذين يبشّرون &laqascii117o;جماهيرهم" بخرابٍ مقبل على البلد. إنها قصة أخرى. غير ان &laqascii117o;اجتياح المطار"، الذي رُسم على نحو هجوم عسكري، كان يُقدّر أن ترفع فيه الرشاشات وتُرمى القذائف، مع احتمال حجز رهائن (من المسافرين) لا يزال مصيرهم مجهولاً – ربما، وغيرها من التكهنات التي رددها كثيرون، كانت ضمن إطار اللعبة السياسية نفسها، فيما الواقع يقول إن سبب رواجها هو أمر واحد: وجود كاميرات صوّرت تلك المشاهد.. فقط وكان مطلوباً من المنظمين أن تصور كل التفاصيل حتى لا يغيب أي منها عن المشهدية. بديهي أن يُستفز المرء من تلك المشاهد - في ظل &laqascii117o;الحرب" السياسية التي فتحت أبوابها على كثير من المواقف - معتبراً تلك الخطوة السياسية بمثابة عرض للعضلات المنفوخة بالقوة الأمنية والعسكرية لحماية السيد. حتى أن أصدقاء المقاومة وبعض جمهورها لم يكن سهلا عليه الدفاع عن الصورة... وبديهي أن يرى &laqascii117o;جمهور" الفريق الآخر في صور المواكبة الأمنية تحدياً واضحاً، فيما تُرفع صدور &laqascii117o;الجمهور" الحزبي المنافس، مزهوة، من المشهد نفسه.
لكن كيف يُفسّر، كما تم تفسيره خلال مواقف دراماتيكية مركزة، ان &laqascii117o;الحزب"، أمنياً وقضائياً، اجتاح واحتل المطار، فيما صالون شرف المطار يستقبل يومياً رجال أعمال وأمراء من دول الخليج، ورجال سياسة وأصحاب نفوذ ووفوداً عسكرية وأمنية أجنبية وصناديق سوداء لا يستطيع لا الجمرك اللبناني ولا الأمن العام الاقتراب منها؟. كيف يُفسّر ان &laqascii117o;الحزب" اقتحم المطار عنوةً، بينما سبق لحرس سرية رئاسة الحكومة أن واكب جوني عبده في زيارته الأخيرة لحضور زفاف عائلي، وقد سُطرت في حقه مذكرة توقيف وليس استدعاء، ثم أعيد توصيله إلى مدرج المطار بالطريقة نفسها، تلك التي ربما لا تعتبر تعدياً على كل القوانين، ولو تم إيجاد التخريجة القانونية غب الطلب في العدلية.
كيف يُفسّر ان &laqascii117o;الحزب" احتل المطار، لأنه فتح صالون الشرف للسيد جميل السيد، في اليوم الذي كان س. ن. قد وصل من عمان وجلس في الصالون المحاذي لضيوف السيد، وسياراته الخاصة تنتظره في الباحة نفسها التي دخلت إليها سيارات &laqascii117o;الحزب"؟ كيف تشن الوسائل الإعلامية حرباً على &laqascii117o;الحزب" لأنه احتل المطار، فيما يحق لأي مواطن أن يحجز صالون الشرف، عقب كتاب يرسله إلى مديرية &laqascii117o;الطيران المدني"، يقضي بدفع 500 ألف ليرة لبنانية، ويخوله المكوث مدة ساعة مع وفد يضم عشرة أشخاص وعدد من السيارات المرافقة؟
كيف يُفسرّ ان &laqascii117o;الحزب" اجتاح أمن المطار، في الوقت الذي يحق لأي متموّل، أو أمير خليجي، ان يرسل (ليس هو طبعاً) كتاباً إلى وزارة الخارجية يطلب فيه فتح صالون الشرف (غير صالون الشرف الوثير)، حتى تتم الموافقة وتصل أضعاف السيارات التي أدخلها &laqascii117o;الحزب" إلى الباحة الخارجية، والتي لم تدخل – كما تردد في الأوساط السياسية والإعلامية - إلى الباحة التي يحق للرؤساء الثلاثة فقط أن يتوجهوا إليها؟
كيف يُفسّر ان &laqascii117o;الحزب" استباح أمن المطار، فيما القيّمون على أمن المطار يجمعون على ان ذاك المشهد يتكرر يومياً هناك؟ ألم تشاهدوا محطة &laqascii117o;نيو تي في" تخرق الأسوار أربع مرات من أربع جهات وفي بعضها مع عدة النقل المباشر؟ لماذا يتحوّل مشهد سياسي مستفز، إلى مشهد &laqascii117o;عسكري" مخالف للقوانين ويمهد لانقلاب صارت خطوات تنفيذه قاب قوسين أو أدنى، في حين يقول المشرفون أنفسهم إن أمن المطار مستباح من أبرز الجهات السياسية والأمنية يومياً، إما عبر &laqascii117o;لعبة" تبادل الخدمات، وإما عبر فرض النفوذ الذي لا مناص من تنفيذه؟ كيف يُفسرّ ان &laqascii117o;الحزب" اجتاح المطار، وخرق قوانينه (التي لا رقيب عليها)، فيما لم يسأل أحد من أهل الساسة، وحتى &laqascii117o;الحزب" نفسه، لماذا حاول فراس حيدر الهروب من وطنه إلى الخليج، عبر صندوق عجلات الطائرة، ثم قضى نحبه بعدما تسلل، واجتاح أمن المطار فاراً من لوثة البلد والعوز، متأملاً العودة مع تلك اللقمة لذويه، لقمة العيش؟ &laqascii117o;حزب الله"، وليس من السهل الدفاع عنه، لم يحتل المطار يوم استقبل جميل السيد، لكنه قرر أن يجعل لسقف معركته مظلة عالية جداً، و&laqascii117o;جماهيره" على طريقتها تردد:&laqascii117o;نحن معكم". &laqascii117o;جمهور" الضفة المقابلة جدد عهوده، ولا يزال. بل إنه يقول إن &laqascii117o;الحزب" أرسل له &laqascii117o;هدية" مجانية: &laqascii117o;لقد جعلنا نعود لنقف إلى جانب الرئيس سعد الحريري، بعد زيارته الأخيرة إلى دمشق ومقابلة &laqascii117o;الشرق الأوسط"، إذ كنا نعيد التفكير بمواقفه الأخيرة. لكن &laqascii117o;الحزب"، مشكوراً، أعاد الأمور إلى نصابها".
ـ 'السفير'
خسر عقاب في مواجهة جميل.. لكن الطموح ليس عيباً
جهاد بزي:
لا أحد غير النائب عقاب صقر لمواجهة اللواء جميل السيد. شاب بأناقة وشعر وبشرة وجه تدل على عناية خبراء في عالم الجمال. نجم من نجوم الشاشة، يقارع فنانيها. متحدث ممتاز تنساب لغته جذابة توحي دائماً بشمولية في الرؤية السياسية، وصلابة، من غير تعنت في الموقف المتخذ عن قناعة وعمق. حجة حاضرة، وسخرية مهذبة وذكية تقطف انتصاراتها من خصمها من دون أي جهد يذكر. صورة السياسي العصري تسويقها مطلوب ومرغوب عند &laqascii117o;التيار الأزرق" الذي يحضنها، بل يراها من أفضل صوره.
وصقر، وإن كان لم يتبرع من تلقاء نفسه لمواجهة السيد، فلا شك أنه تحمس بشدة لهذه المهمة مع واحد من أكثر السياسيين و&laqascii117o;الأمنيين السابقين" إثارة للجدل، في الوقت الحاضر على الأقل. فمثل هذه المواجهة ستضع النائب في تحدٍ يحب أن يخوض مثله، هو الذي أظهر قدرات مذهلة بالفعل في القفز من صفة إلى صفة، ومن مرحلة إلى مرحلة، ومن طبقة إلى طبقة. لكن صقر، في تصديه للواء السيد، قفز خارجاً عن سياقه المعتاد كسياسي مهذب يغريه التفكر بالاستراتيجيات أكثر مما يغرق في إطلاق الاتهامات والنعوت وفي اللجوء إلى الإثارة البوليسية المبتذلة.
انفعل صقر في رده على جهل السيد به، فتحدث عن &laqascii117o;صناديق دعارة سوداء" وعن &laqascii117o;احذية".. وعن &laqascii117o;فساد سياسي" يحتاج إلى علماء لتفسير مفهومه. خاض صقر في وحل ما تحت الحزام السياسي الفالت في لبنان. رفعَ الصوت صارخاً في السيد كمن يقف خارج بيت الأخير ليدعوه إلى الخروج والمنازلة. واستمر يناور حتى وقع في إحراج تلفزيوني لم يقع فيه سياسي قبلاً، حين أصرت الزميلة في &laqascii117o;نيو تي في" سمر بو خليل، وبعد اتصال السيد بها (من باريس)، على استنطاق النائب لاسم من سماه الوسيط، وظل صقر يرفض ذكر الاسم الذي كان واضحاً أنه ممنوع من أن ينطق بأي حرف منه في ذاك الصباح، حتى بدا مؤتمره الصحافي المشهود أمس مجرد محاولة لرد اعتبار.. محاولة متأخرة لملاكم من الوزن الخفيف لم تنفع كل استعراضاته في الحلبة، إلا في أن يلكم نفسه، بعدما عجز عن استدراج خصم يعرفُ وزنه جيداً، ويتعامل مع نفسه بناء على هذا الوزن...
لم يكن صقر موفقاً البتة في المواجهة مع السيد، لأن هذا لم يكن لينازله. متخرج من مدرسة حربية درسها الأول الاعتداد بالنفس، يبدو أن كل ما فيه مجبول باعتداده اللامتناهي بنفسه. الضابط الذي كان، وما يزال، يرى نفسه من الاساتذة الكبار في شطرنج الإعلام والسياسة، حرّك في زمن سلطته بيادق كثيرة. وقّت لها زمن صعودها إلى الشاشات، ولقّمها ما ينبغي قوله للخصم، وعلمها اساليب اللعب معه، وأساليب الاستدراج إلى الحلبات. وجعل أناساً يساجلون أناساً.. وفي الظل حيث كان يستمتع بالجلوس، كان يتفرج مستمتعاً بالسيطرة من خلف الستار، حيث لا صوت يُسمع ولا صورة ترى، ومع ذلك، فالحضور كلي وتام.
والسيد إذ خرج إلى الضوء بعد خروجه من السلطة، لم يخسر لياقته ولم يخسر مهارته التي تبدو موهبة صُقلت مع الوقت، بعكس موهبة النائب التي لم تختمر بما يكفي بعد. أكثر من ذلك، فإن السيد عرف أن ترفعه على مبارزة خصم يكفي لإسقاطه بالضربة القاضية، من دون أن يلكمه، بل بأن يتركه يلوح بساعديه كيفما اتفق، حتى يصيب نفسه. خسر عقاب صقر هذه المرة. لكن لا بأس. ما زال شاباً، والطموح ليس عيباً.
ـ 'الأخبار'
غسان سعود:
يؤكد أحد المسؤولين السوريين أن تصريح الرئيس سعد الحريري بشأن شهود الزور واعتذاره من دمشق أتى عبر &laqascii117o;الشرق الأوسط"، وهي صحيفة سعودية شبه رسمية. وبالتالي، لا وجود لأي مؤشرات بوجود نية سعودية للرد في بيروت على ما تعرضت له السعودية في بغداد. وإنما هناك تغاضٍ سعودي عن محاولة المحكمة الدولية النيل من حزب الله ـــــ أبرز حلفاء دمشق في لبنان. وبحسب المسؤول السوري، فإن الموقف السعودي يستوجب استكمال النقاش السوري ـــــ السعودي الذي شهد قصر بعبدا جزءاً منه، مع التأكيد أن دور السعودية في المرحلة السابقة كان إيجابياً، وقد سمع الرئيس سعد الحريري نصائح إيجابية، بحسب المعايير السورية.
وبالعودة إلى العراق، يؤكد المتابعون أن القيادة السعودية تعرف أن سوريا غير سعيدة بالتخلي عن علاوي، وهي تعلم أن الكثير من الفاعلين في النظام السوري ينظرون إلى رئيس الحكومة العراقية السابق باعتباره رفيقاً بعثياً وصديقاً صادقاً وزعيماً يطمئن سوريا أكثر بكثير من المالكي. وفي ظل الاستعدادات الأميركية للانسحاب من العراق وتنامي النفوذ الإيراني في بلاد ما بين النهرين والمباركة الأميركية المتوقعة للمالكي، تتوقع دمشق أن يتجاوز السعودي الصفعة البغدادية ويتصرف بمرونة، وأن يسعى إلى استمرار التنسيق مع سوريا في الموضوع العراقي (هناك دائماً انتخابات سابقة ولاحقة)، لا إقفال الأبواب السعودية في بغداد بوجه السوريين.
ـ 'السفير'
احتقان لبنان المسموح.. وتسويات المنطقة كلها: الانفجار الكبير ممنوع.. وخط واشنطن ـ دمشق سالك
سامي كليب:
الاحتقان الحالي في لبنان مخيف، ولكن تحوله الى انفجار كبير يبدو مستبعداً في الوقت الراهن، ذلك ان ثمة جهوداً كبيرة تبذل في المنطقة لإنضاج تسويات في مناطق لها أولو