ـ 'النهار'
مقدمة لرحلة جهاد الزين النجفية في الدين والدولة:
الفقه الدستوري عاجز عن ترجمة 'الطائفي' إلى 'فيديرالي'
غريبة مقالات جهاد الزّين وما تلاقيه من مستوى رفيع في النقاش لما لها من باعٍ يتعدّى الحرف الصحافي المعهود، وعندي أن اللذّة التي تداعب ذهن قارئها وكثرة المعلقين عليها مزدوج: فطَرْح الكاتب لمواضيع راهنة بقلم فكري يستدرج ردوداً رفيعةَ الأداء، كالتي رافقت من كلّ حدب علمي وسياسي ثلاثيةَ زيارته غير المسبوقة صحفياً للنجف الأشرف والجلوس بين أيدي أعظم مراجعها. لكن سبب رواج المقالة وتداعياتها لا أخالُه ايجابياً بالمطلق، لأن تعبيراً بمثل هذه الغزارة في نظام فكري متكامل هو أهلٌ بمجلاتِ تخصُّص هي للأسف إما غير متوافرة في العالم العربي على وسعه، وإما غير معروفة لصعوبة وصول القارئ إليها رغم وجود الانترنت بسبب سوء التوزيع. ومن تجربتي الخاصة أنني لا أجد في طول العالم العربي وعرضه مجلةً في مجالي القانوني تشفي الغليل، فأعهد إلى صفحة 'القضايا' في 'النهار' لنشر بعضها مقتضباً، مع الحواشي متى انوجدت، وصفحة 'القضايا' قد تكون فريدة في الصحافة اليومية في احتفاظها بحواشي المقالات.
وفي الافتقار إلى رديف في المجلات، يشدني إلى هذه السلسلة المتماسكة من المقالات ما أراه مفيداً في جمعها كتاباً يكون عنوانه 'معالم نجفية في الدين والدولة: المختبر العراقي'، لما توحي به رحلة الزين إلى النجف أوائل الصيف من تواصل مع مناخ كبار الرحالة المفكرين، لا أزال أذكر من أمين الريحاني بينهم في كتاب بديع عن ملوك العرب ما أدهشه في ثورة العشرين البطولية من ريادة للعلماء فيها، رابطين أواصر العراق كلّه وراء رايتهم القيادية، وقد أكّد المؤرخون أمثال حنا بطاطو وبيير جان لويزار هذا النمط المستقر منذ ملاحظات الريحاني البليغة في ثورة العشرين وبعدها.
جهاد الزين طبعاً مختلف، وهو مختلف برحلته إلى النجف لما يرافق النجف اليوم من صدارة في معركة باتت كونية حول العراق ومستقبله، فالعراق الدولة الحرّة الوحيدة في مستنقع الإندحار الخلقي والسياسي العارم في المنطقة، وانعدام الديموقراطية والحريات من أفغانستان إلى موريتانيا، مروراً بالجمالك المستشرية تنزيلاً واستبداداً والأمم الفاشلة failed states من الصومال والسودان إلى لبنان وفلسطين، ولا استثناء لدولةٍ إسرائيليةٍ يمكن نعتها بكل شيء ما عدا بالديموقراطية. ففي سجن الشرق الأوسط الكبير استثناءٌ اسمه العراق (وتركيا إلى حدّ)، وفي قلبه مكانة النجف الأدبية المتألقة حاولت طمسها أربعون سنةً من الطغيان البغدادي ولم تنجح إلا بجعل رمزها المجدد محمد باقر الصدر شأناً عالمياً، وكلُّ مهتمّ في الشأن العراقي، في الداخل والخارج، لا مندوحة في فهمه المعادلة العراقية من دون التمعّن في ما تقوله المرجعية من حاراتها المتواضعة في أزقّة مدينة صغيرة جنوب الفرات يتعدّى أمواتها أضعاف أضعاف أحيائها.
والعراق استثناء مرحلي في السجن الكبير لأسباب عديدة أهمّها أن إنهاء الاستبداد جاء 'هديّة الأجنبي'، على حسب تعبير الكتاب القيّم الذي قدمه الأستاذ فؤاد عجمي، وأن الهدية كانت أيضاً احتلالاً لا تزال نهايتُه محطَّ جدل، وأن الدستور العراقي ليّن طريّ حديث، وقد عجز عن تخطي الصعوبات التاريخية التكوينية عرباً وأكراداً، وسنّة وشيعةً، فلا تزال البلاد تبحث عن حكومتها سبعة أشهر بعد انتخابات نزيهة أُنجزت أسابيع بعد انتهاء المدّة الدستورية التي رسمتها المحكمة الدستورية حدّاً أقصى لإجرائها. فالأمور دائماً عرضة للتردي في ملتقى النهرين، ومن صمامات الأمان الأساسية للبلاد التفاعل العضوي بين المرجعية الدينية والقيادة السياسية.
هذا قلب الرحلة النجفية، يضعها جهاد الزين في باب الترفع عن السياسة والاهتمام حصرياً بثوابت يوحي بها الدين وعلماؤه من دون خوض معاركَ من المحتّم أن يخسروا رصيدهم فيها. بل تكون مقارنة أئمّة مسيحيين في شخص البابا وسنّيين حنفيّين في شخص الإمام التركي فتح الله غولن تتويجاً للرحلة النجفية في زمن في تعبير جهاد الزين ليس 'زمن غير الدينيين في صناعة العلمانية الجديدة. هذا زمن الدينيين في اعادة 'علمنة' الحياة السياسية ومفاهيمها'. وتكريساً لصدق هذا التعبير الدقيق، يبحث جميعنا عن توفيق جديد للمعضلة الدينية في الدولة، أي في رسم فصل كافٍ بين الدين والساسة يجعل الرموز الدينية راضيةً عن مجال كاف للحكّام من دون تهميش القيم الدينية التي يقوم جلّ المجتمع عليها ؛ لا سيّما نظراً الى ما بات ثابتاً في نهاية التاريخ من غلبة الديموقراطية نظاماً مشتركاً يقبل به الجميع على أساس عقد إنتخابي بين الناس والحاكم الدائمِ التبدّل بمشيئة الناخبين، والمحافظة على حقوق الفرد والأقليات في مقابل الحكم الأغلبي.
هذا جاء بعضه في الأحاديث والردود الغزيرة تكملة لطرح جهاد الزين عن معالم 'الدولة المدنية التعددية' والمسافة الضرورية فيها ما بين الثابت الديني والمتحوّل السياسي، على أساس 'العلمانية الإيجابية' التي يراها مشتركة بين الأئمة الثلاثة صانعيها. هذا طرحٌ جامع جديد لا أختلف معه سوى في غياب بعض الجزئيات الطاغية مراراً على منحى الاعتدال والحكمة النابعة من الفكر النيّر. قد يكون الاجتماع على العناوين المطروحة في المقالات المختلفة منطلقاً لها على المدى الطويل، غير أنّ المشكلة عندي في ما يواجهه البحث عن أمة وسط لا إكراه للدين فيها من غلبةٍ مزمنة للتهوّر والمغالاة.
أشكّ في أن يكون المدخل إلى الاعتدال دولة مدنية تحكمها العلمانية الايجابية، وعندي أن نجاح القيادة النجفية النسبي يكمن في قاعدة غير مكتوبة تمنع الرموز النجفية من تبوّؤ المراكز الرسمية في الدولة، فلا نجد رجل دين في الحكومة (أي في السلطة التنفيذية) العراقية لأن مشيئة النجف واضحة في منع هذا المسلك الطاغي في إيران، وهي حسناً تفعل لما اعترى التجربة الإيرانية من زلات وتراجعات ارتبطت بمفهوم للولاية يتعدّى المسافة المنشودة بين طبيعة الدين المطلقة والعملية السياسية اليومية المحكومة بالنسبية. هذا أيضاً حقيقة فعلية في منع الفاتيكان رجال الدين الكاثوليك العمل في السياسة الانتخابية المباشرة، ومن أشهر تجلياتها عزوف القس الكاثوليكي المرحوم روبرت دراينن Drinan عن كرسيه في الكونغرس الأميركي رغم شعبيته الواسعة. هذا الفاصل العملي بين رجل الدين والمنصب التنفيذي أساس نجاح رسالة النجف.
يبقى أن ترجمة الملل والنحل في المجال الدستوري عصيّة المنال في منحىً عجز فقهاء الدستور عن حلّه حتّى اليوم، يعني أن الطائفية مستشرية في الشرق إلى درجة طمس المبدأ الديموقراطي، أي المساواة بين المواطنين بغضّ النظر عن طوائفهم، تحت التقوقع المللي المستبدّ. هذا لا يفينا البابا أو مراجع النجف أو الإمام التركي بجواب شافٍ له. قد يكون النظام الفيديرالي في العراق بداية جوابٍ لمعضلة مزمنة في شرقنا الطائفي، لكن الفقه الدستوري عاجز عن ترجمة المبدأ الطائفي إلى مبدأ فيديرالي، فالفيديرالية دائماٌ جغرافية والطائفية دائماً شخصية. ولا ينفع في المقام حديث عام في الدولة المدنية أو العلمانية مصنّفةً، وقد أخفقت الكنيسة الكاثوليكية إخفافاً مرّاً في الحفاظ على المسيحية في الشرق، والبحث عن خلاصها يبقى أسير المفاهيم الضبابية والعموميات غير المفيدة، كما أخفق العراق حتى اليوم في تجربته الفيديرالية للترفع عن طائفيته المزمنة.
رحلة جهاد الزين النجفية ضرورية، والأسئلة ملحّة ومستعصية في مشوارٍ فكري طويل.
(الولايات المتحدة)
'الرسائل' والمناقشات
&bascii117ll; جهاد الزين:
- 'رسائل' المرجعية الشيعيـة إلى العالم العربي (8/6/2010).
- هذه 'المنازل' ليست المدينة (9/6/2010).
- البابا بينيديكتوس، الإمام فتح الله غولن، السيد علي السيستاني: التوجهات الدينية الثلاثة لدعم 'الدولة غير الدينية' (18/6/2010).
&bascii117ll; أمين عام 'الجماعة الإسلامية' في لبنان ابرهيم المصري: 'رسائل' السيد السيستاني في 'النهار' تساعد على التفاهم الإسلامي العام – حاوره قاسم قصير (22/6/2010).
&bascii117ll; الشيخ ماهر حمود يعلق على 'رسائل' السيد السيستاني: نطمح لعمل فقهي يحطم الموروثات 'الشعبية' السنّية الشيعية، نحن مع 'الدولة المدنيّة' كأمر واقع وليس كمشروع إسلامي - حاوره قاسم قصير (29/6/2010).
&bascii117ll; الشيخ علي حسن خازم: تعقيب على 'ثلاثية' جهاد الزين
- حول السيستاني وغولن (22/6/2010).
- عن المذهب الحنفي والتعددية والتجربة الهندوسية (29/6/2010).
- الإسلام 'التركي' ووظيفة الدينيين (8/7/2010).
&bascii117ll; زياد الصائغ: حول 'رسائل المرجعية الشيعية' لجهاد الزين: كمسيحي عربي تريحني المواطنة والدولة المدنية (15/6/2010).
&bascii117ll; وجيه قانصو: فصل الديني عن السياسي: تقليد النجف التاريخي (22/6/2010).
&bascii117ll; حامد الحمود (الكويت): ملاحظات على 'رسائل' المرجعية الشيعية العليا إلى العالم العربي: هل تستطيع المرجعية بناء 'الدولة المدنية'؟ (2/7/2010).
&bascii117ll; أمين الياس: 'ثلاثية' بينيديكتوس، غولن، السيستاني: بين 'العلمانية الإيجابية' و'العلمانية السلبية' (5/7/2010).
&bascii117ll; سيد رضا شيران: سكولاريسم أو الدهرية (لا العلمانية) والشجرة الممنوعة (8/7/2010)
&bascii117ll; محمد علي مقلد: المعركة الكبيرة هي بين المرجعيات والمعمَّمين (13/7/2010).
&bascii117ll; الخوري باسم الراعي: حول رد سيد رضا شيران على 'ثلاثية بينيديكتوس، غولن، السيستاني' الدولة ما بعد المدنية (14/7/2010).
&bascii117ll; الشيخ مالك الشعّار: تعليق مفتي طرابلس على تقرير جهاد الزين من النجف: 'رسائل' المرجعية تحظى بأهمية كبرى (31/7/2010).
شبلي ملّاط - يوتاه
( شبلي ملاّط محامٍ وأستاذ في القانون، من كتبه في العراق دليل الدستور العراقي (بغداد 2009) وتجديد الفقه الإسلامي (كامبردج 1993 'دار النهار' 1998) وIraq: Gascii117ide to Law and Policy، بوسطن 2009)
ـ صحيفة 'السفير'
&laqascii117o;الأكثرية" تخسر &laqascii117o;تمويل المحكمة" في لجنة المال وأعصابها تحترق على أمل استعادته في الهيئة العامة
ايلي الفرزلي:
من تأجيل إلى تأجيل... تتدحرج اجتماعات لجنة المال والموازنة النيابية. فبعدما تأجلت جلستان كانتا مقررتين أمس الأول، وجد النواب، غير المتابعين لحركة الاتصالات المكثفة التي تجري في الكواليس بين مختلف الكتل، أنفسهم على أبواب قاعة اجتماعات فارغة. رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان أعلن عن تأجيل جديد ولكن هذه المرة ليومين، على أمل أن تعاود اللجنة انعقادها من جديد يوم غد. أمل لا معطيات تعززه حتى الآن، ذلك أن نواب &laqascii117o;المستقبل"، وفي مقدمهم رئيس الحكومة سعد الحريري، يصرون على معاودة مناقشة بند المحكمة الدولية الذي &laqascii117o;سقط بعدم الاقرار" في اللجنة، ومن دون تخطي العرف بعدم اللجوء إلى التصويت.
من هنا، صار لزاماً على من يريد إعادة نقاش تمويل المحكمة انتظار جلسة الهيئة العامة التي ستخصص لمناقشة قانون الموازنة. وهو ما يتوجس منه الحريري، خوفاً من أي مفاجآت محتملة خلال تلك الجلسة، كأن ينسحب نواب من لون سياسي متمايز بين الأكثرية والمعارضة، فتختل المعادلات وتصبح الأكثرية أقلية والعكس صحيح، وعندها يضيع بند تمويل المحكمة الذي سبق وصرفت الأموال على أساسه، ما سيخلق إشكالية قانونية كبيرة، إضافة إلى إشكالية سياسية تتمثل بسقوط الإجماع الوطني على المحكمة بشكل نهائي، بعد سقوطه في لجنة المال.
وإزاء هذه الاحتمالات التي يبدو أحلاها مر بالنسبة لـ&laqascii117o;المستقبل"، يسعى هؤلاء لإيجاد مخارج وتسويات تتيح إمكان إعادة بند التمويل من جديد إلى لجنة المال، وهم يطلبون من رئيس اللجنة التريث تلو التريث والتأجيل تلو التأجيل طمعا بذلك، متناسين أنهم قبل ذلك بقليل من الزمن كانوا يلحون لاقرار الموازنة باسرع وقت ممكن &laqascii117o;من أجل اطلاق عجلة الانماء والمشاريع".
تجاوب رئيس اللجنة مع منطق التريث &laqascii117o;لاعطاء فرصة لحلحلة هذا الجو المشحون، الذي لن يؤدي إذا انتقل إلى اللجنة... إلا إلى زيادة الشرخ السياسي وتجديد التصادم داخل المؤسسات من دون أن يخدم مسألة إقرار الموازنة".
وعلمت &laqascii117o;السفير" في هذا السياق أن الحريري طرح الموضوع على رئيس المجلس النيابي نبيه بري، امس الأول، طالباً منه تسهيل إعادة مناقشة &laqascii117o;بند التمويل" في لجنة المال. إلا أن رد بري كان حاسماً لجهة التأكيد أن ما حصل في اللجنة، من حيث الشكل والمضمون، لا يتعارض مع النظام الداخلي الذي يشير بوضوح إلى أنه إذا لم يتوافر التوافق تؤخذ القرارات بالأكثرية، وهو ما حصل فعلاً. وموقف بري هذا، يأتي ليدعم رأي كنعان بضرورة الالتزام بجدول الاعمال وعدم جواز مناقشة مواد سبق وبت بها، مذكراً بانه لم يسمح بهذا الامر في السابق ولن يسمح به لاحقاً، بغض النظر عن البنود التي تناقش.
وطرحت اشكالية جديدة مفادها هل يحق للهيئة العامة أن تقر بندا لم يقر في اللجنة المعنية، مثل موضوع بند المحكمة في لجنة المال. وقد جاء جواب الرئيس بري حاسما في هذا السياق، حيث أبلغ فريقي المعارضة والأكثرية أن الهيئة العامة سيدة نفسها، وبالتالي لا لزوم لاعادة مناقشة الأمر في لجنة المال، بل تركه للهيئة العامة التي تستطيع أن ترفض نصا مقبولا أو أن تقبل نصا مرفوضا في اللجان.
واذا كان بعض نواب المعارضة، يراهنون على قلب المعادلة في الهيئة العامة، فان أحد أعضاء اللقاء الديموقراطي يجزم أن نواب &laqascii117o;اللقاء" من دون استثناء سيصوتون في الهيئة العامة لمصلحة اقرار بند تمويل المحكمة خلافا لما يتداوله البعض في هذا الشأن.
في هذا السياق، يمكن أن يفهم انقلاب الموقف المستقبلي بين ليلة وضحاها وتحويل الدعوات إلى تسريع إقرار الموازنة خوفاً على انتظام العمل الحكومي، إلى لا مبالاة مطلقة بها أو بموعد الانتهاء منها، فالأولوية الآن هي لمحاولة إصلاح ما انكسر عبر سوء تقدير نواب الاكثرية الذين ظنوا أن تمرير هذا البند سيكون سهلاً ولهذا أصروا في حينها على مناقشته، فيما كان كنعان يدعو إلى تأجيله إلى جلسة 27 الجاري المخصصة لمناقشة البنود الخلافية، وهو ما رفضه المستقبليون في الجلسة الصباحية، قبل أن يعودوا ويطلبوه في الجلسة المسائية، بعدما رأوا أن الامور تخرج عن سيطرتهم وان الكفة تميل لصالح المعارضة التي تبين أنها كانت جاهزة لمناقشة هذا البند ومواجهته أيضاً. وقد رد نوابها على من طلب الإثبات على أن المحكمة أميركية وإسرائيلية، بمطالعة منسقة بين كل نواب المعارضة، أعلنها باسمهم النائب حسن فضل الله واستعاد فيها طريقة عمل المحكمة وما صدر من تسريبات حولها، ومنها كلام غابي أشكينازي، إضافة إلى ما أبلغه الحريري للسيد حسن نصرالله حول القرار الظني و&laqascii117o;المجموعة غير المنضبطة" الخ...
وبعدما نجح نواب المعارضة في التفوق على 14 آذار في جولة بند المحكمة الدولية، حيث جرى للمرة الأولى في تاريخ عمل لجنة المال اللجوء الى خيار التصويت، يصر هؤلاء أن اللجنة لن تطلب بالاجماع من كنعان إعادة درس هذا البند. وهو ما يعني أن الاكثرية ستكون أمام خيارين إما انتظار الهيئة العامة واستكمال مناقشة ما تبقى من بنود الموازنة أو تعليق مشاركتهم في اللجنة.
وبالرغم من دعوة كنعان إلى فصل العمل المؤسساتي عن السياسة، إلا أنه يأمل أن تنعكس أجواء الحلحلة السياسية على عمل اللجنة، فيكون التأجيل الذي تقاطع مع اعتذار عدد من الوزراء عن الحضور، له مردوده الإيجابي ويفوت على اللجنة أن تتحول إلى منبر للسجال السياسي هي بغنى عنه. ويؤكد كنعان أنه إذا ما سارت الامور كما يجب فإن اللجنة ستنتهي من مناقشة الموازنة في الاسبوع الاول من تشرين الاول، وهو ما يعني عدم تخطي الفترة الدستورية المسموح بها.
ـ 'السفير'
العرب مشغولون بالفتنة بين السنة والشيعة ودولة يهود العالم تواصل التهام فلسطين
طلال سلمان:
بينما تعلن إسرائيل نفسها &laqascii117o;دولة يهود العالم" وتفرض قرارها هذا على &laqascii117o;الدول" جميعاً، في الغرب والشرق، وعلى العرب بوجه الخصوص، يتشظى الحلم بتوحد العرب، أقله في الموقف السياسي، وتتباعد أنظمتهم عبر المخاصمات والمناكفات وعمليات الإيذاء المباشر الى حافة حربٍ، أهلية، أو عربية ـ عربية.
إن معظم الدول العربية مهددة الآن، بالتقسيم أو التشظي، بفعل الفتن المصنوعة محلياً أو المستوردة أو المحركة من الخارج، باستغلال سوء الأوضاع نتيجة تردي الحكم والجفاء بينه وبين شعبه.
بعض هذه الدول العربية يتهددها التقسيم على أساس عرقي وعنصري، كما السودان (وربما موريتانيا، وربما الصومال، وبعض دول المغرب العربي)..
وبعض آخر جاءها خطر التقسيم محمولاً على ظهر دبابات الاحتلال الأميركي، وارث الطغيان المحلي، كما العراق، أو بسبب فشل الحكم الفردي في صيانة الوحدة الوطنية وتعزيزها، كما اليمن وأقطار أخرى..
وبعض ثالث يتنامى فيها خطر الانشقاق الداخلي منذراً بحرب أهلية على قاعدة طائفية أو مذهبية، لأسباب تتصل بعجز النظام والنقص في صلابته الوطنية أو استغنائه بنفسه عن شعبه أو تحكيم فئة متصلة بأهله بالقرابة أو بالمصلحة بمقدرات البلاد بحيث يشعر مواطنه بأنه غريب في وطنه.
ومع أن الفتنة داخل المسلمين، وبالتحديد بين السنة والشيعة، هي استثمار سياسي مباشر لإسرائيل خاصة والغرب عموماً، إلا ان بعض أهل النظام العربي لا يتورعون عن المشاركة في النفخ في نارها ويتابعون بلا مبالاة ظاهرة توسع رقعتها وتفاقم خطرها المدمر.
في المشرق العربي، وانطلاقاً من لبنان الى البحرين وبالعكس، مع محطة مركزية في العراق، يجري العمل على مدار الساعة لتمويه الخلافات السياسية، وأولها الصراع على السلطة، باستعادة صفحات من &laqascii117o;الفتنة الكبرى" التي قسمت المسلمين في فجر الإسلام وأضرت بمشروعهم السياسي.
تم &laqascii117o;تحييد" الاحتلال، بوجهيه الإسرائيلي والأميركي، للاندفاع الى حروب تستخدم الماضي لتدمير الحاضر وتنذر بدفع البلاد الى مخاطر هدر المستقبل في مهاوي التمزق والاندثار.
الهزيمة ولادة..
الى ما قبل سنوات كان النضال من أجل التحرر والتوحد والتقدم قد أسقط الفواصل الطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب الواحد، في مختلف أقطار المشرق، خصوصاً، ووحدهم في مواجهة المستعمر والحاكم الظالم المستقوي على شعبه بالأجنبي، مرتفعاً بهم فوق النزعات الانفصالية على أساس عرقي أو طائفي أو مذهبي.. في لبنان، مثلاً، كان للصراع السياسي الى ما قبل ربع قرن، عنوان الضغط الشعبي على النظام لإسقاط احتكار السلطة بذريعة حماية &laqascii117o;الأقلية الطائفية المسيحية" من مخاطر اجتياحها بمطالب الأكثرية الإسلامية، للمشاركة في.. جنة الحكم!
أما اليوم وفي ظل تهالك النظام العربي وتردي أهله واندفاعهم الى طلب الحماية من الأجنبي (ولو كان العدو الإسرائيلي نفسه) فإن الصراع على السلطة يتخذ سياقاً آخر تصور معه الطائفة الشيعية (التي تكاد تخرج من الدين الإسلامي) وكأنها تحاول الاستيلاء على الحكم، وبقوة السلاح، على حساب أهل السنة.
... في حين كان الجميع يرى، الى ما قبل فترة وجيزة، في سلاح المقاومة (التي يتنافى جهادها بطبيعته مع المذهبية والطائفية) قوة للوطن والأمة (والدين بما هو حض على التحرر وحفظ كرامة الإنسان)، فإن النفخ في رماد الفتنة، يسعى لقلب الصورة وتصوير المجاهدين وكأنهم أصحاب مشروع انقلابي يرعاه &laqascii117o;الحرس الثوري الإيراني" للقضاء على &laqascii117o;السنة" باعتبارهم حملة راية العروبة، كأنما القومية والطائفية أو المذهبية هما وجها عملة واحدة!
والى ما قبل سنوات قليلة، كان الشارع الوطني في لبنان (بغالبيته من المسلمين، سنة وشيعة) هو حامي القضية الفلسطينية بوصفها التجسيد الحي للعروبة، يعصم اللبنانيين عموماً، والمسلمين خصوصاً، سنة وشيعة من مثل هذا الانقسام..
أما في العراق فالأمر أكثر تعقيداً.. فكثير من أهل النظام العربي، الذين حرضوا الأميركيين على احتلال العراق وتدميره، انتبهوا متأخرين الى أن &laqascii117o;الشيعة" يشكلون &laqascii117o;أكثرية العرب" من شعبه، والكثرة الغالبة من شهداء حروب طاغية بغداد، سواء ضد إيران (الشيعية؟!) بذريعة منعها من تصدير ثورتها الإسلامية، أو في اجتياحه الكويت، أو في عمليات الانتقام المريع من أهالي الجنوب والوسط ومعظم بغداد التي أعقبت الحربين اللتين لا يبررهما إلا غرور الحاكم الفرد وقد وجد من يشجعه على المغامرة الأولى بتحريض مذهبي، والثانية بالاستكبار وروح الثأر، الى حد الانتحار.
بل ان بعض أهل النظام العربي لم يتورعوا عن احتضان تنظيم &laqascii117o;القاعدة"، ولو بشكل غير مباشر، بوصفه تنظيماً سنياً يعادي الشيعة ويكفرهم علناً، ودفعه الى ضرب الشيعة بالاغتيالات الجماعية والهجوم على مواكب احتفالاتهم الدينية بالسيارات المفخخة ومجازرها المروعة.
تناسى الكل واقع الاحتلال الأميركي وانصرفوا عن مواجهة جنوده كخطوة أولى على طريق تحرير العراق تمهيداً لطرده منه، تحت راية العروبة والاستقلال (والإسلام) وانقسموا عند عتبة السلطة يتنافسون في إعلان الولاء للمحتل، ليحظوا بمواقع حاكمة في ظل الحاكم العسكري الأميركي (ولو بثياب مدنية).
وها هم يعجزون عن تشكيل حكومة، لان أهل النظام العربي قد مدوا منافساتهم ومناكفاتهم واجتهادهم في خدمة الاحتلال الى داخل أرض الرافدين فقسموا العراقيين الى حد استحالة التفاهم على حكومة وحدة وطنية تلبي الأغراض المناقضة لمستثمري الانقسام الطائفي على حساب العراق الذي كان بين الأقوى من الدول العربية.
أما في الكويت فينفخ في نار الفتنة بسبب تخريفات أطلقها بعض المشبوهين في لندن، واعتبرت هجمة شيعية على السنة تستهدف وحدة الدولة التي لا تزال تعاني من آثار غزوة صدام..
وتبقى ملاحظة على الهامش:
لقد تجشم رئيس أكبر دولة عربية (التي تسامت فوق الطوائف والمذاهب والنزعات الدينية) وملك العرش البديل من فلسطين (الأردن) عناء السفر الى واشنطن، والوقوف خلف رئيس حكومة يهود العالم، بنيامين نتنياهو، وأمام الرئيس الأميركي الأسمر باراك أوباما، كشهود زور على صفقة تخلي &laqascii117o;سلطته" ذات الرعاية الاستثنائية عن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه... من غير أن يتنبها الى أن هذا التنازل الخطير يصيب بالضرر الماحق شعب فلسطين كله (أكثر من عشرة ملايين غالبيتهم الساحقة من أهل السنة، والأقلية الباقية من المسيحيين وليس بينهم شيعي واحد!).
ثم عاد الجميع الى بلادهم وقد ازدادوا عزماً وإصرارا على القضاء على &laqascii117o;الخطر الشيعي"، علماً بأن ليس في مصر أو الأردن أو فلسطين أي وجود فعلي للشيعة... وعلماً بأن إسرائيل هي التي توطد بناء دولتها الدينية والعنصرية فوق &laqascii117o;أرضهم" العربية ـ الإسلامية بعاصمتها القدس (التي فتحها عمر وحررها صلاح الدين) كما تقول بعض الشعارات المرفوعة عهداً للقدس باستعادتها وإعادة أهلها المتناثرين في أربع رياح الأرض اليها.. وبعد العودة كان على النظام في مصر أن يواجه تحركاً ينذر بمقدمات عصيان من طرف تيارات قبطية، تجد من يحرضها ويساندها ويدعم مقولتها بأن مصر دولة لدينين (وشعبين) أحدهما أصيل فيها، مغبون ومضطهد، والثاني وافد أخذها بالسيف وما زال يتحكم فيها ويحرم &laqascii117o;شعبها الأصلي" من &laqascii117o;حقوقه في بلاده".
في هذه الأثناء كان إنشاء المستوطنات يتواصل... ومنذ بداية &laqascii117o;عملية السلام" في اوسلو (1993) وحتى تاريخه تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين (الذين يعيشون في الضفة الغربية) ثلاث مرات ليرتفع من مئة وعشرة آلاف الى أكثر من ثلاثمئة ألف في 121 مستوطنة ومئة بؤرة استيطانية أمامية.. إضافة الى أكثر من مئتي ألف مستوطن آخر يحاصرون القدس الشرقية.
وهكذا ينتصر الدين الحنيف على أهل الكفر والشرك، الذين لا بد هالكون بعون الله وإذنه.
والحمد الله من قبل ومن بعد، على نعمه الكثيرة.
ينشر بالتزامن مع جريدة &laqascii117o;الشروق" المصرية
ـ 'السفير'
التداعيات المحتملة للتوتر في لبنان
نهلة الشهال:
كأن الدنيا ستنقلب غداً، كأنها ستنفتح على حرب أهلية لن تبقي ولن تذر، كما هي كل الحروب الأهلية بويلاتها التي تبقى غائرة في النفوس: انظروا كيف أن جيلاً سينمائياً لبنانياً بعد جيل، بينما الشباب منهم لم يعرفوا الحرب الأهلية، ما زالوا ينتجون أفلامهم الروائية والوثائقية عنها. الثقافة تنتمي إلى ـ أو تعبر عن، أو تنبش في ـ الوعي العميق، ذاك المستبطن والمختبئ في تضاعيف دفينة، بينما قد يبدو أننا نسينا، وأن الحياة استعادت بسرعة سطوتها. بل قد يحن البعض، ممن عاش الحرب أو ممن أتى بعدها وسمع عنها، إلى الاستثناء الذي تمثله، إلى دفء حضن &laqascii117o;الجماعة" التي تتشكل عُصابياً، (فلا حرب أهلية من دون هذا الشرط)، بل إلى ادعاء كاذب بأننا &laqascii117o;كنا نعيش أحسن"، لأن كل شيء مستباح، ولأن الاقتصادات الموازية كانت تشتغل مباشرة...
وكلها ترهات بالطبع. فلا أبشع من الحرب الجاهلية، على كل المستويات. وليس مزيج الإحباط العميق والانفلات الاحتفالي الهستيري المستمر (حتى عند قيادة السيارة!) اللذان يطغيان على الحالة النفسية العامة في لبنان إلا واحداً من الأعراض المرضية الناتجة من الحرب الأخيرة. يقال هي لم تتوقف تماماً لأنها أقفلت على زغل. ثم يفسر كل طرف &laqascii117o;الزغل" كما يشتهي. ولكن امتدادات ظلال الحروب الأهلية أينما كان، ورغم أحسن النوايا وأكثر الإجراءات وضوحاً، غالباً ما تكون طويلة، كما تعاند ترسباتها الإزالة. فكيف في مكان لم يعرف لا الرغبة في تصفيتها ولا التدابير الضرورية لذلك؟
هذا مع أن قوى الحرب الأهلية اللبنانية قد لحق بها تبديل. فرغم ما يبدو من استمرارية للطبقة السياسية، هي في أحيان كثيرة &laqascii117o;جينية"، إذ يحل الأبناء محل آبائهم الذين حلوا محل آبائهم، (كوجود أحفاد الجميّل، وفرنجية وجنبلاط... في المجلسين النيابي والوزاري، وفي واجهة الحياة العامة)، فقد وقعت تغييرات كثيرة في تلك الطبقة، في بنية توازناتها الذاتية والبَينية، كما في شخوصها، تجعل من تلك الاستمرارية مجرد ملمح من الملامح التي تكاد تكون فولكلورية، وقد تغيظ (عن حق) الحضاريين &laqascii117o;المودرن"، ولكنها بعيدة عن أن تكون ذات دلالة حاسمة. ففي كل الفئات الطائفية/الاجتماعية، تغير التمثيل، حيث لا يمكن تجاهل ظاهرة الجنرال عون مثلا لدى الموارنة، كتعبير على الأرجح عن رغبة قطاع كبير منهم بتمثيل موحد وفعال وقادر على التواصل مع الفئات الأخرى (كما يظنون)، بل على عقد مواثيق معها تُجدد بشكل من الأشكال الميثاق الوطني، أو التسوية/الصفقة التي جعلت قيام لبنان ممكناً عام 1943. وإن كان حزب الله وقبله حركة أمل، قد عرفا اقتلاعاً جذرياً للطبقة القديمة في فئتهما (رغم التعقيد الأكبر من ذلك الذي يمثله حزب الله)، التي زالت فعلياً من الوجود حتى بالسوِّية الفولكلورية، فإنه لا يمكن تجاهل معنى التوحد الكبير نسبياً تحت راية شخص طارئ على السياسة ولكنه ذو إمكانات متعددة، كرفيق الحريري، الذي أطاح فعلياً (عداء أو تجاهلاً أو استيعاباً) بيوتات التمثيل السني. وتلك ليست مجرد تغييرات شكلية بالوجوه، بل هي تمتلك معانيها العميقة، الطبقية كما &laqascii117o;الحاجتية"، بما هي تعيين الأقدر على القيام بالمهمة.
ولكن أي مهمة؟ إذ يبدو من ذلك كله، أن النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية يجدد نفسه ليس إلا. قد يفخر اللبنانيون بأن نظامهم ذاك، المذموم لديهم إجمالا، ولدى كل تقييم فكري على كل حال، قد بات يُصَدَّر إلى أماكن أخرى للتطبيق، وأعطاه الأميركان تسمية جذابة: &laqascii117o;ديموقراطية المكونات"! ولكن دعونا من ذلك. ما يمكن قوله في هذه العجالة، أنه نظام يدير أزمته المتجددة بلا توقف. ولكن، أليس ذلك تعريف الحرب الأهلية، المشتعلة أو الباردة؟ رغم صحة الإشارة، فما يجب الإضافة عليها هو أن أسس الصفقة/التسوية التي جعلته في وقت من الأوقات &laqascii117o;ضرورياً" قد اختفت، ولم يبق إلا دورانه على ذاته. فقد ارتبطت تلك الأسس بدور كان يؤديه لبنان في المنطقة، كوسيط خدماتي متعدد الميادين (ولا غنى عنه حينذاك)، بين عالم غربي ـ وأوروبا تحديداً ـ وعالم عربي بصدد التكوين، منغلق على نفسه، أو متغير بعنف. لم يعد العالم كذلك، ولم يعد لبنان ذاك الوسيط، ولم يجد بعد لنفسه دوراً.
ولكن ما حاجة بلد إلى &laqascii117o;دور"؟ تلك هي بالواقع الخاصية اللبنانية التي ينبغي تعريفها ودرسها وتعيين التغييرات الطارئة عليها وتحديد إمكان تجاوزها. وهذا مرتبط بتوليد عناصر عقد اجتماعي متجدد ولا غنى عنه، وهي مسألة لم يدر حولها نقاش فعلي، بل رقعت دوماً ترقيعاً، حتى من قبل مناهضي النظام نفسه ونقاده الأكثر راديكالية.
حسناً، هل التوتر الشديد القائم في لبنان، والاستقطاب الطائفي الحاد، والحوادث التي لا تنفك عن الوقوع، والنفخ بالنار الذي يمارسه البعض (ورغم أنهم &laqascii117o;بعض"، فهم كثر) ستؤدي، بحكم شدتها والتراكم، إلى انفجار حرب أهلية في البلد؟ ما زال ينقص المعادلة الشرط الخارجي. وهذا ضروري إجمالاً وبهذا المقدار أو ذاك في كل الحروب الأهلية. وهو حاسم في لبنان، على مدى تاريخ حروبه الأهلية. ويعزز من اشتراط ضوئه الأخضر وجود حزب الله، بما هو ظاهرة تتجاوز مجرد الصراع الداخلي، لتحمل دلالات وتبعات إقليمية... على الأقل. ربما ينبغي توجيه الشكر لحزب الله على وجوده، فلولا ذلك لكان إدقاع النظام القائم كما انتهى، وعجز الطبقة السياسية كلها عن تجديده/تغييره، وتفاهتها إجمالاً، وضيق لبنان بكل المعاني، كل ذلك معاً كان بإمكانه أن يولع ناراً لا يكترث أحد من قوى المنطقة والعالم بإطفائها، أو يسعون ويفشلون، فيتركونها تلتهم الأخضر واليابس.
جعجعة فارغة إذاً؟ ليس تماماً، بل إبقاء سطح الصفيح ساخناً بمقدار مضبوط إجمالاً ـ هو مضبوط رغم &laqascii117o;ميني" مواجهات هنا وهناك، وسعار لفظي مريع أو بواسطتهما ـ بحيث يتمكن من استقبال... الشرط الخارجي للتفجير حين يحين وقته. واللبنانيون يسنون أسنانهم بالانتظار.
يا للأسف! يا للجنون العبثي!
- 'النهار'
معركة 'إلغاء' المحكمة... والدولة: لماذا انهارت 'التهدئة'، أو بالأحرى لماذا تبخرت؟
عبد الوهاب بدرخان:
...فمن الواضح ان التنازل المدروس الذي قدمه الرئيس سعد الحريري، في شأن 'الاتهام السياسي' وادانة شهود الزور، لم يكن كافيا، أوليس هو المطلوب والمتوقع، وإلا لما اتخذت الامور هذا المنحى المتدحرج....وكان السيد حسن نصرالله افتتح الحرب على المحكمة والتحقيق الدوليين بحملة قصف وتلغيم بلغت أقصاها في القرائن التي عرضها. والآن بدأت المعركة على الارض، مما استلزم بروز جميل السيد ليصبح رجل المرحلة مستأنفا الحرب من حيث أنهاها – موقتا – السيد نصرالله بحديثه عن 'السكاكين التي تحفر في القلب'، وقد أكمل اللواء السيد بحملة تحقير للدولة والمؤسسات مع التركيز على رئيس الحكومة الذي سيكون محور التهديف في الفترة الآتية. والخطة تقضي الآن بوضع منظومة قضائية 'مناسبة' للنظر في قضية شهود الزور، ولقطع أي علاقة بالمحكمة الدولية، بعد وقف المساهمة في تمويلها. ولذلك تركز الحملة ايضا على القضاة ورجال الامن غير المرغوب فيهم. وعلى هذا فان 'المحكمة المفبركة' التي سيصار الى تنصيبها ستقاضي 'مفبركي' شهود الزور، وفي ذهنها هدف واحد يراد تحقيقه وهو أن ليس 'الاتهام السياسي' وحده انتهى، وانما 'الاتهام القضائي' ايضا في قضية الاغتيالات. من مؤشرات الاستعجال ان التعرض لرئيس الحكومة شخصيا ثم احتقار القضاء حصلا في أقل من اسبوع، كذلك استعادة غرائز ما قبل 7 أيار ولغته، ثم التحذير من 'فتنة ربما لم يشهدها لبنان من قبل' بلسان النائب حسن فضل الله، وبالأخص بيان 'حزب الله' مستنكرا – يا للسخرية – 'القمع والترهيب' ضد جميل السيد، الذي أراد القضاء مساءلته بشأن اهانته المتعمدة لرئيس الحكومة. لكن المتهم هنا يطالب بقضاء فوق القانون ليكون مؤهلا لمساءلته طالما انه هو نفسه بات فوق القانون بحكم أنه يتمتع برعاية وحماية من سلاح الداخل، وقد ذهب هذا السلاح الى حد مصادرة مطار بيروت لتأمين خروجه منه. اللافت في ما يحصل أنه يعيد تأكيد أن 'الاتهام السياسي' كان له ما يبرره، بل لعله الآن يتجدد. وسواء كان البلد متجها الى فتنة أو الى انقلاب سياسي – أمني، فان الذين ارتكبوا الاغتيالات انجزوا حتى الآن نصف الطريق نحو اغتيال الدولة. هذه الازمة لا يمكن ان تدار بمجرد تفاهمات سعودية – سورية، ولا يمكن أن تنتهي بغلبة التضليل لأنه مسلح، ولا يمكن الغاء المحكمة الدولية لمصلحة المظلومين من شهود الزور، فمن يستعدي المحكمة يستعدي الحقيقة والعدالة. لذلك تبرز الحاجة الى تحكيم يستحسن ان يكون داخليا، لابقاء الازمة تحت 'سقف المؤسسات'، وفقا لتعبير الوزير غازي العريضي، لكن أحدا لم يعد يعرف موقع هذا 'السقف' اذا كان حزب ممثل في الحكومة وضابط سابق يتصرفان على أن المؤسسات وسقفها تحت أقدامهما.
- 'النهار'
ما سرّ الصرخة الساخرة التي أطلقها وليد جنبلاط ؟
سمير منصور:
المظلة السعودية - السورية مستمرّة... وتوقّع خفض منسوب التوتر:...قد تصاعد قلقه منذ ذلك الليل الدامي في محلة برج ابي حيدر والذي 'شكل نموذجاً' لما يمكن ان تشهده العاصمة والبلاد عموماً اذا لم يتم تدارك الوضع' ويلفت الى ان ما جرى في ذلك الليل تم تطويقه من خلال طرفي الاشتباك 'حزب الله' و'الأحباش' من الذي يضمن امكان التطويق في حال تكرار ما حصل مرة جديدة أو في مكان آخر؟
وفي رأي رئيس 'اللقاء الديموقراطي' ان ثمة مسؤولية كبيرة على القوى السياسية للعمل بجدية لسحب فتيل التوتر وإخراج البلاد من مخاطر استمرار التصعيد والسجالات. وهو يرى، وفق أوساطه، ان ما نشهده هذه الايام 'لا يشكل الطريقة الفضلى، لا لمواجهة التحديات الاقليمية وتدارك تداعياتها ومخاطرها، ولا لمواجهة القرار الظني للمحكمة الدولية' في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، على خلفية التسريبات المتتالية التي تفيد أن القرار يمكن ان يتضمن اتهامات لعناصر من 'حزب الله'. وهذه التحديات وفق اوساط جنبلاط، لا تواجه من خلال الشتائم والتوتير الطائفي وعبر وسائل الاعلام. وتقول 'انه انطلاقاً من هذا الواقع المقلق كان تحركه الاخير للعودة الى جادة الحوار الهادىء البناء. صحيح انه عبّر عن الواقع بأسلوب ساخر ولكنه في الحقيقة اراد ان يعبّر عن مرارة ويعكس قلقاً جدياً، اراد اطلاق صرخة في وجه الجميع: حذار استمرار التصعيد وحذار تداعياته الكارثية'. ويبدو واضحا ان جنبلاط يقف 'في منزلة بين منزلتين'، فهو على تواصل مع رئيس الحكومة سعد الحريري ويدعو الى ملاقاته في المواقف التي اطلقها ولا سيما من 'شهود الزور'، كما انه على تواصل مع الامين العام لـ'حزب الله' السيد حسن نصرالله وقد أكد تكراراً انه لا بديل من التواصل بينهما. وقد اوفد الوزير غازي العريضي للقاء السيد نصرالله، وهو يدرك ان هذا اللقاء بات في حاجة الى تحضير. وأوساطه تمتنع عن الدخول في هذا الموضوع مكتفية بـ'اننا بالتأكيد نشجع ونحض على لقاء بينهما' وتعكس 'اجواء جيدة' انطلاقا من رسائل ايجابية عبّر عنها الطرفان وفحواها تأكيد رغبتهما في التهدئة 'وقد ايقنا ان ليس بالتصعيد يمكن الوصول الى تفاهم'. وتتوقع الاوساط الجنبلاطية خفض مستوى التوتر في الايام المقبلة من خلال وقف سيل التصريحات والردود والتي 'لا تقدم ولا تؤخر' وصولاً الى حوار مباشر بين 'حزب الله' و'تيار المستقبل' على كل المستويات وداخل المؤسسات وخصوصا الحكومة التي تضم الجميع بمن فيهم الطرفين. وتلفت الى ان 'العنوان الابرز للسجال وهو شهود الزور سبق ان تم التوافق حوله منذ مدة داخل الحكومة وقضى بتكليف وزير العدل بمتابعة ملفهم واعداد الاقتراحات اللازمة في شأنه فماذا حصل ولماذا اشعال فتيل الخلافات... فلنمهل وزارة العدل ولننتظر قرار مجلس الوزراء في شأن شهود الزور'. وليس بعيداً من المواقف الجنبلاطية، كان لافتاً بقاء رئيس مجلس النواب خارج دائرة السجالات وتميزه عن 'حزب الله' واكتفاؤه بالدعوة من خلال نواب كتلته الى 'تغليب منطق الحوار ومعالجة الخلافات داخل المؤسسات' والاشارة الى ان 'ملف شهود الزور موضوع على طاولة مجلس الوزراء'. كما ان الصمت الذي اعتصم به رئيس 'كتلة لبنان الحر الموحد' النائب سليمان فرنجية والذي قال انه 'تعبير عن موقف' يصب في الاطار نفسه، ولم يدخل فرنجية في السجالات مؤكداً ان 'بعد التصعيد هناك تسوية' فلمَ لا يكون الأمر بأقل خسائر ممكنة؟ و'يُحكي' أن ملف شهود الزور، سيأخذ طريقه قريباً الى المعالجة الحقيقية. وان المظلة السعودية – السورية لا تزال تشكل سقفاً لمنع تطور السجالات الى ما هو أسوأ. وأن 'الأمن والحكومة' خط أحمر ممنوع تجاوزه....
- 'النهار'
تفجير الحناجر!
راجح الخوري:
آخر الصراخ في هذه المرحلة الإصابة بـ'البحّة'، ربما لأنه حتى انفجار الحناجر غير مسموح، فكيف الأمر بالنسبة الى تفجير الاوضاع المحتقنة في لبنان؟ اذاً، اذهبوا الى الهدوء ايها الصارخون الغاضبون...واذا كانت المحكمة قد صارت الآن هدفا، بعد حقبة من التمييز بينها وبين القرار الاتهامي، فإن هناك من اراد استغلال موقف 'حزب الله' وتوظيف حملته ضد الحريري، للانطلاق في دعوة سافرة الى ما يشبه العصيان المدني على بعض مؤسسات الدولة ورموزها، مفترضا ان الفرصة عادت لتشرق من جديد، فلعل التطورات التي قد تحصل تعيد رسم الطريق الى بعبدا...ولكن التدقيق في التطورات الاقليمية، من مستقبل الوضع الحكومي في العراق الى مصير المفاوضات السلمية التي تدفعها واشنطن، مرورا بما وراء جدران واشنطن وطهران، وصولا الى نجاح الرئيس بشار الاسد في اعادة ارساء دور مفصلي اقليمي حيوي لسوريا في اتجاهات كثيرة، كل هذا كان يفرض على الفريقين الصارخين ان لا يذهبوا في هذه المرحلة الى تفجير حناجرهم... وخصوصا ان فرص التفجير لم تنته بعد!
- 'النهار'
لبنان نحو غالِبٍ ومغلوبٍ ؟
سركيس نعوم:
... ماذا قال رئيس الحكومة سعد الحريري بعد عودته وقبل جلسة مجلس الوزراء وإن على نحو غير مباشر وعبر نوابه والقريبين منه؟ وهل ما قاله صحيح ومُقنِع؟ قال: 'اننا لسنا ضعفاء'. وربما قصد بذلك 'شعبه' وربما قصد تياره السياسي وربما قصد فريق 14 آذار. واياً يكن من قصده فإن قوله لا ينطبق على الواقع، ذلك ان الضعف هو السمة الاساسية له ولكل من يمثّل اليوم. وقال: 'اننا اقوياء بالحق'...طبعاً لا يستهدف هذا 'الموقف' الرئيس الحريري الصديق وتياره وحلفاءه، كما قد يظن البعض. بل يهدف الى إطلاع الرأي العام على تنوّع 'شعوبه' على الوضع القائم واحتمالات المستقبل، علّه ينشط ضاغطاً على الجميع لحقن الدماء وللاتجاه نحو التسوية الحقيقية. وتدليلاً على عدم الاستهداف هذا نتحدث ايضاً عن 'حزب الله' فنقول ان نائبه محمد رعد قال: 'ان من قتل الحريري يريد قتل المقاومة'. لكن ماذا فعل حزبه لتلافي قتل المقاومة؟ او النجاح في ذلك؟ وهل ما يقوم به حالياً ينجّيها؟ وهل قتل المحكمة الدولية ينقذها؟ ولماذا لا يتذكر اصحابها منظمة التحرير الفلسطينية ووجودها في لبنان رغم الاختلافات الرئيسية بينها وبين المقاومة وحزبها؟ في النهاية نقول شيئاً قلناه في السابق وهو ان لا احد من الافرقاء اللبنانيين 'مُصلٍّ' على النبي. اي ان الكل مع الذهاب الى الآخر، سواء في رفض الاستسلام او في العمل للسيطرة الكلية. ونقول أيضاً علماً اننا لا نتمنى حصوله وهو ان لبنان يسير وللمرة الاولى منذ اولى ازماته المصيرية عام 1958 نحو 'غالب ومغلوب'. لكن هذا اللبنان هل هو دائم؟ واذا دام فهل تنحصر السيطرة عليه بفئة دون اخرى؟
- 'النهار'
إنكفاء غربي... مفيد ؟
نبيل بومنصف:
...في الانكفاء الراهن للغرب عن المشهد المتفاعل بالاحتقانات اللبنانية، ثمة ما يوحي بعنوانين عريضين يمكن الاستدلال بهما على تغيير محقق، ولو ان احد اسبابه الرئيسية هو تبدل اولويات المجتمع الدولي والغربي تحديدا. الاول هو التقليل ما امكن من عوامل التأثيرات الخارجية على الوضع الداخلي منعا لسقوط لبنان نهائيا في يد السطوة الاقليمية بقطع الذريعة التي غالبا ما يحسن اصحاب هذه السطوة توظيفها لمزيد من السيطرة على هذا الوضع، والثاني المضي في دعم المحكمة الخاصة بلبنان في معزل عن كل الضجيج المتعالي داخليا في لبنان، والى ان تبرز علامات معاكسة لهذين التوجهين، سيحلو لكثيرين ان يدرجوا الانكفاء الغربي في خانة 'الصفقات' والمقايضات التي تستوطن عقول كثيرين تماما كقصة 'المؤامرة' التاريخية. وربما لا يطول الوقت لتلمس عنوان ثالث اهم واوسع و'اجدى' وهو يتعلق بمصالح بعض 'المحور الممانع' مع الغرب وعندها لكل حادث حديث.
- 'النهار'
'زيّان':
بين الموقَّت والموقوتة
لم تقع الوقيعة التي كانوا يلوّحون بها ويمهّدون لها. ولم ينزلق لبنان من جديد الى حرب زواريب وشوارع ومذاهب، حيث يختلط الحابل بالنابل ويُعطى الكلام للقوَّة والسلاح والفلتان. ولم يخلُ البلد من العقلاء والمتبصّرين، كما تراءى للناس بعد 'غزوة المطار'، وظهور الدنيا كأنها أُبيحت من جديد للميليشيات والدويلات. ورجحت مع عودة الرئيس سعد الحريري كفَّة دعاة التهدئة والاحتكام الى لغة الحوار والكلمة الطيٍّبة، بعيداً من منابر التصعيد وشاشات التهييج... إنما هل انتهت؟...
- 'النهار'
تطورات الاستنزاف وأبعاده:
رضوان السيّد:
ليس من الممكن فهم ما حدث في برج أبو حيدر والأحياء المجاورة، وما حدث في مطار بيروت ومحيطه في إطار الصراع السياسي الداخلي وحسب&bascii117ll; ثم إنه لا يمكن فهمه أيضاً باعتباره مؤامرة <جهنمية> لتدمير الوطن وأهله&bascii117ll; والأقل معقولية فهم الأحداث باعتبارها ناجمة عن الصراع الشيعي - السُنيّ في لبنان وخارجه&bascii117ll; إنما الذي لا شك فيه نتائج كل هذه الأمور على البلاد وسكانها، وعلى الدولة وبُناها المؤسسية، وموقعها وسمعتها في الجوار العربي والاقليمي، وفي المجال الدولي&bascii117ll;...تناضل سوريا إن لم يكن لاستعادة الزمام والنفوذ، فلكي ترد الضربات المنتظرة وغير المنتظرة&bascii117ll; ويعمل حزب الله باعتباره نقطة ارتكاز إيرانية في المشرق العربي والخليج&bascii117ll; وفي الألعاب الكبرى، لا تأبه الأطراف اللاعبة للدولة والأمن والمواطنين والاستقرار، بل إنها هي وخصومها المحليين والإقليميين والدوليين، قد يستخدمون <الشرعية> والأمن وعيش المواطني