قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 23/9/2010

- 'النهار'
الحركة الإيرانية تخرق الجمود وتحاصر دمشق.. التذكير بالطائف يعيد استدراج عروض للمسيحيين
هيام القصيفي:

... وبدا جلياً خلال التطورات الأخيرة في بيروت، ان الانعكاسات الاقليمية للصراع الايراني - العربي، تأخذ مدى اوسع واكثر حدة. وخطورة التفاصيل التي تنعكس على شارعي الفريقين، بدأت تنذرهما  بأن ثمة خلايا نائمة يمكنها ان تستفيد من المناخ السائد للعبث بالامن على مستوى يطيح بكل التفاهمات المضبوطة تحت سقف التهدئة. وفي حين يوجه مجلس الوزراء دعوات التهدئة الى اللبنانيين كأن القادة السياسيين  ينأون بأنفسهم عن التوتير محملين اللبنانيين مسؤوليته، يعيد طرفا الأزمة اعادة برمجة خطابهما السياسي وجدولة أولوياتهما، بما يشكل انتاجاً جديداً للمشهد السياسي، بعيداً عن سيف المحكمة والقرار الاتهامي.
ففي خضم الازمة التي عاشها لبنان منذ العام 2005، تفلت الصراع السني - الشيعي من مذهبيته بعدما غطى الطرفان نفسيهما بفريق مسيحي مع هذا الطرف او ذاك، فجاء التوسع الافقي للطرفين بمثابة تغطية لفتنة كانت تشتعل وتخبو مع كل تطور اقليمي. وفي عز هذا الصراع المكبوت، جاء دفاع الرئيس سعد الحريري، نائبا ورئيساً للوزراء، عن اتفاق الطائف وتمسكه بالمناصفة في وجه المثالثة، بمثابة طمأنة للشريك المسيحي الذي وقف معه منذ 14 شباط 2005.
ومنذ يومين، وبعد سلسلة مواقف ملتبسة لـ'حزب الله' من الطائف، واستبداله باتفاق الدوحة، وفي عز معركة 'المطار'، برز موقف النائب محمد رعد متحدثاً باسهاب عن ضرورة تطبيق اتفاق الطائف. وموقف 'حزب الله' الآتي من خارج سياق التطورات الامنية والسياسية الأخيرة، طرح في طياته تطمينات من نوع آخر للفريق المسيحي الذي وقف معه في معركة مصيرية، حين اكد ضرورة تطبيق الاتفاق بكل بنوده.
وتستغرب اوساط  مسيحية فاعلة توقيت هذا الكلام الذي يطرح علامة استفهام على الهدف من اعادة التمسك بالطائف. والاتفاق كما ساهم المسيحيون في صوغه كل لا يتجزأ، وينقسم قسمين واحد يتعلق بالصلاحيات واعادة تكوين السلطة، والآخر بالصراع العربي - الاسرائيلي؟ فهل يتصل كلام رعد بالجزء الاصلاحي الذي يرضي حليفه المسيحي الاساسي النائب ميشال عون، ام بالصراع مع اسرائيل. مع العلم ان الطائف حدد اتفاق الهدنة سقفاً لهذا الصراع وتمسك بالاتفاقات الدولية وجامعة الدول العربية كراعيين للوضع الجنوبي ومندرجات الصراع مع اسرائيل. في حين ان الحزب في معركته المفتوحة أطاح اتفاق الهدنة ولا يعترف بالقرارات الدولية كالقرار 1559 والمحكمة الدولية في حين يبدو موقفه ملتبساً من القرار 1701، ويحصر الحل العربي بالعلاقة المنفردة مع سوريا.
وتتعامل الأوساط مع هذا الطرح على قاعدة انه يأتي في اطار اعادة ترتيب كل فريق اوراقه وترتيب بيته الداخلي وتجميع صفوفه على نحو استعدادي للمعركة المقبلة. ومن هذه الزاوية تفهم محاولة كل طرف اجراء تعيينات وتشكيلات واقامة تحالفات جديدة وتظهير شخصيات وتعويم اخرى في لحظة مصيرية. وعصب هذه الحركة لدى الطرفين الساحة المسيحية، لا سيما انه تبين لـ'تيار المستقبل' ان معركته الاخيرة ظلت معزولة مسيحياً، في حين علا صوت النائب العماد ميشال عون الى جانب حلفائه في معركة غير مفهومة مسيحياً، وفي حين كانت بكركي تشكل دوماً السند الذي يلاقي اي تحرك 'مستقبلي' او من قوى 14 آذار، وهذا ما لم يحصل أخيراً مما استدعى تحركا في اتجاهها. ولعل في ما حدث في الاعوام الماضية فائدة بالدفع الى اجراء مراجعة نقدية  لأخطاء ارتُكبت في ادارة المعارك السياسية والانتخابية، وباتت معالجتها ضرورية قبل هبوب العاصفة مجدداً.


- 'السفير'
أليـس ذلـك جليـاً؟!
محمد شري:

في 30 آذار 2005 كتبت مراسلة جريدة &laqascii117o;الحياة" في باريس رنده تقي الدين تقول:
&laqascii117o;غداة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سأل إعلاميون أجانب نجليه بهاء وسعد عمن في ظنهما قتل والدهما:
فرد سعد متسائلا: أليس ذلك جلياً؟
وتحولت هذه العبارة، كما تضيف رنده تقي الدين، إلى شعار للمخيمات الشعبية في ساحة الشهداء.
ما كان جلياً بالنسبة للشيخ سعد الحريري غداة عملية الاغتيال، تبين بعد أكثر من خمس سنوات انه خطأ فادح تم التراجع عنه، بعد أن سبّب ما سبب للبنان ولسوريا من إساءات وأضرار.
لم يسبق في التاريخ أن استقطبت جريمة اغتيال لشخصية سياسية أو غير سياسية كل هذا الاهتمام الدولي وكل هذه التداعيات، كما حصل مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري. ومن المفيد مراجعة شريط الأحداث منذ لحظة الاغتيال لتسجيل عدة ملاحظات، تبين أن ما جرى منذ تلك اللحظة لم يكن مجرد خطأ، وهنا لا نعني السيد سعد الحريري، بل أصحاب القرار الدولي الذين واكبوا هذه الجريمة كما لو أنهم كانوا بانتظارها.
ـ في 14 شباط 2005، كان الانفجار الإرهابي الذي أودى بحياة الرئيس الحريري ومرافقيه وعدد من المواطنين الذين صادف وجودهم في مكان الانفجار.
ـ في 15 شباط 2005 صدر رئيس مجلس الأمن الدولي قرارا باسم المجلس، يطلب فيه من الأمين العام للأمم المتحدة متابعة الوضع في لبنان عن كثب، ورفع تقرير عاجل حول مسببات هذا العمل الإرهابي وظروفه ونتائجه.
ـ في 18 شباط 2005 أعلن الأمين العام انه سيرسل لجنة تقصي حقائق إلى بيروت لجمع المعلومات اللازمة لرفع التقرير، ضمن المهلة المحددة له، وكان على رأس هذه اللجنة المحقق الإيرلندي بيرت فيتزجيرالد.
ـ في 25 شباط وصل فيتزجيرالد إلى بيروت مع محققين ومستشار قانوني ومستشار سياسي.
ـ في 16 آذار أنهت اللجنة عملها، أي بعد عشرين يوما فقط من وصول رئيسها إلى بيروت، وبعد شهر واحد فقط من حصول الجريمة، عشرون يوما كانت كافية للجنة كل أعضائها أجانب، غير ملمين بالموضع اللبناني وتعقيداته وتفاصيله للإجابة على كل ما هو مطلوب منها، حول مسببات وظروف ونتائج عملية الاغتيال، وإصدار توصيات خطيرة تطال الشأن القضائي والأمني والسياسي في البلاد. لقد تعامل الجميع معها، كما لو أنها قرارات وأحكام نهائية، تم اعتمادها لاحقاً وتطبيقها بالحرف ولم يكن ديتليف ميليس إلا منفذا أمنيا لاستنتاجات وخلاصات فيتزجيرالد التي يمكن اختصارها بأن لبنان في تلك الفترة دولة قاصرة وفاشلة ويجب وضعها تحت الوصاية الدولية.
من الواضح ان التعامل الدولي مع هذه الجريمة وبهذه السرعة لم ينطلق من مجرد الرغبة بتحقيق العدالة ومعرفة الحقيقة، ولا يمكن إلا لمدعي السذاجة المفرطة أن يعتقد مثل هذا الاعتقاد بالنسبة لمؤسسة مجلس الأمن الدولي وحسابات مصالح الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. الأهم في هذه المراجعة أن نعيد قراءة بعض ما ورد في تقرير فيتزجيرالد الذي لم يكشف في تقريره الخطير أياً من مصادره ولا الشخصيات التي التقاها، وكان ينسب استنتاجاته إلى مصادر مجهولة كما لو أنه يكتب تقريراً صحافياً في صحافة من الدرجة الثالثة.
لن نعيد قراءة كل التقرير لكننا نتوقف عند نقاط لم يتم الالتفات ولا السؤال عنها، لا سيما بالنسبة لتيار المستقبل تحديداً، الذي جعل من تقرير فيتزجيرالد السلاح الأمضى في هذه القضية.
يقول فيتزجيرالد في الفقرة الحادية عشرة من تقريره:
في 11 أيلول 2004 أقر مجلس الأمن القرار 1559، وهناك اعتقاد واسع في لبنان وخارجه، أن الرئيس الحريري دعم هذا القرار، وقالت مصادر عديدة إن السلطات السورية حمّلت الرئيس الحريري شخصياً مسؤولية اعتماد هذا القرار".
السؤال من أين نشأ الاعتقاد الواسع داخل لبنان وخارجه من أن الرئيس الحريري دعم القرار 1559، مع انه وكل فريقه السياسي نفى ذلك الأمر، ومن هي المصادر التي أشارت إلى أن السلطات السورية حمّلت الرئيس الحريري شخصيا مسؤولية اعتماد هذا القرار؟
هل كان الرئيس الحريري يدعم القرار 1559 بالفعل؟ وإذا لم يكن هذا الأمر صحيحاً، وهو كذلك، وفقاً لكل مواقف الرئيس الشهيد وأبرزها تلك التي صرح بها عشية اغتياله لصحيفة &laqascii117o;السفير"، فكيف لسوريا المعروف عنها سعة اطلاعها ومعلوماتها في الساحة اللبنانية أن تتبنى معلومة غير صحيحة وترتب عليها لاحقاً مع ما كان يعتقده سعد الحريري جلياً، وبمستوى إجراء بحجم عملية الاغتيال؟!
ويقول تقرير فيتزجيرالد أيضاً:
في 2 تشرين الثاني 2004، نجا الوزير مروان حماده من محاولة اغتيال، وبدأ يسيطر جو من التشنج، شعر به كل شخص انه مهدد، كما علمت البعثة من مصادر داخلية وخارجية ان الحريري وجنبلاط كانا خائفين على حياتهما، واعتبرا ان محاولة اغتيال حماده حلقة في مسلسل الصراع مع سوريا.
ثم في فقرة أخرى يقول:
أعرب كل الذين تحدثوا للبعثة بمن فيهم المسؤولون الأمنيون عن شكوكهم في قدرة، أو إرادة الأجهزة الأمنية اللبنانية، على توفير الأمن للشخصيات السياسية المهددة بالخطر، والأهم، ما قاله آخرون، كما جاء في التقرير، أن الثقافة السائدة في لبنان تقضي بأن يحمي السياسيون أنفسهم بوسائلهم الخاصة".
وهذا إقرار بواقع يعرفه الصغير كما الكبير في لبنان، فكيف بالنسبة لشخصية بحجم ودور وإمكانات وعلاقات الرئيس الشهيد، خاصة في وقت يقول التقرير انه كان يشعر بهذا المستوى من الخوف ومن سوريا ومن نظامها الأمني في لبنان.
فهل كان الرئيس الحريري من السذاجة إلى حد تسليم أمنه أو اعتماده في المسؤولية عن أمنه، على الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية، لا سيما انه لم يكن في موقع السلطة آنذاك؟
ألم يكن للرئيس الحريري أمنه الخاص الفائق الاحتراف والمهنية؟ ألا يتحمل هذا الجهاز المسؤولية الأولى عن حماية أمن الرئيس الحريري؟ من يقف على رأس ذلك الجهاز، وأين مرجعياته وتشعباته وعلاقاته؟ من الذي قرر ومن قرر خط ومسار موكب الرئيس الحريري في ذلك اليوم المشؤوم؟ ومن الذي اطلع على هذا الأمر قبل حصول الجريمة؟ من المؤكد أن مسؤول الأمن الأساسي ليس من فريق المرافقين الذين ذهبوا ضحايا مع الرئيس الشهيد.
أليس من السذاجة لمحقق مثل فيتزجيرالد أن يصل إلى استنتاج أن الأجهزة الأمنية اللبنانية فشلت في توفير الحماية للحريري ووفرت بالتالي إطاراً ملائماً للاغتيال؟
وهل كان الرئيس الحريري من السذاجة ليعتمد في أمنه على عدد العناصر التي يوفرها له جهاز حماية الشخصيات في قوى الأمن الداخلي، ولماذا لم نسمع شيئا عن التحقيق مع هذا الجهاز؟
3ـ نقطة أخيرة يقول فيتزجيرالد في قراءته للظروف السياسية التي جرت فيها عملية الاغتيال، إنه لأول مرة في تاريخ لبنان، تبرز كتلة معارضة لسوريا ضمت ممثلين من كل الطوائف والأحزاب باستثناء حركة &laqascii117o;أمل" و&laqascii117o;حزب الله"، وبدت هذه الكتلة قادرة على استقطاب الأكثرية في الانتخابات، وقد لقيت دعم المجتمع الدولي وبدت واثقة من إجبار سوريا على تنفيذ الطائف أو القرار 1559، وسط هذه الكتلة القوية كان هناك رجل اعتبر المهندس الفعلي لها رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 شباط 2005.
هنا مرة أخرى الســؤال لتــيار المستقبل: هل كان الرئيس رفيق الحــريري هو المهــندس الفعلي لحـركة المعارضة ضد سوريا في تلك المرحلة وكان يظهر غير ما يضمر؟ هل كان الرئيس الحريري يناور أو يخادع سوريا كما اعتبرها فيتزجـيرالد وفقاً لمصادره من الداخل والخارج كما يقول داعما للقرار 1559؟
إذا لم يكن الرئيس رفيق الحريري المهندس الفعلي لحركة المعارضة آنذاك، وإذا لم يكن الرئيس الحريري داعما للقرار 1559، فكل ما بني على أساس هذه التهمة الباطلة مفروض انه باطل. وما تبين للرئيس سعد الحريري مؤخرا أن اتهام سوريا باطل، فإن اتهام المقاومة أو عناصر فيها سيكون باطلا إلا إذا افترضنا على طريقة فيتزجيرالد ومصادره المجهولة انه كان ضد المقاومة أيضا ويظهر العكس.
ارحموا رفيق الحريري في مثواه الأخير.
باختصار، إنها &laqascii117o;لعبة الأمم" التي أودت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن ثم أودت بلبنان على مدى خمس سنوات، وما زالت التداعيات مفتوحة للأسف على أخطاء وخطايا جديدة، وغموض وباطنية ورياء ونفاق لبناني عريق في التاريخ والتقاليد.
... وعلى رأي الشيخ سعد: &laqascii117o;أليس ذلك جلياً".  


- 'السفير'
استعادة التوازن إلى ميزان القوى في لبنان
جميل مطر:

جاءت تبرئة سعد الحريري لسوريا من تهمة اغتيال والده رفيق الحريري لتستفز أطرافاً متعددة في لبنان كما في خارجه، ولتطلق عقال تصعيد جديد في الأزمة السياسية اللبنانية. أصابت التبرئة تماسك التحالف المعتمد على حزب المستقبل الذي يرأسه الحريري، وعلى كل حال لن تكون هذه المرة الأولى التي يتهدد فيها هذا التحالف، فقد فاجأه النائب وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي قبل عام عندما انقلب بموقفه المناهض بشدة لسوريا إلى موقف المؤيد بقوة لها. وراح أنصار الحريري، من المسيحيين خاصة، يبحثون عن تفسير لقرار البراءة بدون محاكمة، ولم يمنعهم من الانفراط سوى اطمئنانهم إلى أن سعد ما كان برأ سوريا لو لم تكن هناك موافقة من المملكة العربية السعودية، وما كانت السعودية توافق أو تشجع سعداً ما لم تكن قد أطمأنت إلى وعود سورية معينة ومنها ضمانات بسلامة المسيحيين اللبنانيين.
يعتقد بعض ممن تحدثت إليهم من المحللين اللبنانيين أن الارتباك الذي ساد أوساط حلف الحريري ربما لفت الأنظار بعيداً عن ارتباك أشد داخل أوساط حلف الممانعة الذي يقوده حزب الله، مثل جماعات الرئيس الأسبق ميشيل عون وسليمان فرنجية. لاحظت أيضاً أن قليلين انتبهوا إلى أن قيادات أخرى، وبخاصة داخل تيارات السنة، مثل الرئيس سليم الحص، ينتابها قلق شديد بسبب التطور المتسارع للأحداث في لبنان نحو التدهور، ولا شك أن غياب الحريري عن بيروت عدة أيام قضاها في السعودية أضافت إلى الارتباك السائد على كافة الجبهات في الساحة السياسية اللبنانية، وبخاصة بعد أن أعلن أن رئيس قوى الأمن الداخلي السابق اللواء جميل السيد قرر العودة من باريس، بعد أن صدر قرار باستدعائه للتحقيق في اتهامات أدلى بها قيل إنها أساءت إلى سمعة القضاء اللبناني.
عاد الحريري من المملكة ليؤكد تمسكه بثوابت ستة، أهمها في واقع الأمر ثلاثة هي عدم التراجع عن دعم المحكمة الدولية والتمسك بالعلاقة الطيبة مع سوريا التي التزم بها بعد تبرئته لها. أما الثابت الثالث فهو حماية الاحتضان العربي للبنان في ظروفه الراهنة. والمقصود بالاحتضان العربي في ذهنية السياسة اللبنانية هو التوافق القائم حاليا بين السعودية وسوريا حول الشأن اللبناني، أو كما يطلق عليه استراتيجية الاحتماء بالثنائية &laqascii117o;السينية" نسبة إلى حرف السين في السعودية وحرف السين في سوريا.
قابلت في لبنان من ذكرني بما كتبته منذ عقدين أو أكثر عن فضل الرياض على تدشين عملية قوات الردع العربية التي تطورت فكرتها بعد شهور من إطلاقها لتقتصر على الجيش السوري وحده، ممثلا للجامعة العربية لوقف الحرب الأهلية في لبنان. أعرف، ويعرف آخرون عاصروا هذه التطورات في السبعينيات، أنه حين ناشد بعض القادة المجتمعين في القمة العربية المنعقدة في القاهرة الرئيس السادات بالموافقة على أن تقود مصر قوات التدخل في لبنان لوقف الحرب الأهلية قبل أن يتسع رحاها، أجاب السادات وقتها بأنه لن يسمح لجندي مصري واحد بالاشتراك في أي مهمة خارج الأراضي المصرية وبخاصة في &laqascii117o;الوحل اللبناني"، وكانت هذه أول إشارة تصدر عن القيادة السياسية المصرية تكشف عن النية في الانسحاب من المشاركة في أي التزامات مترتبة عن دور سابق لعبته مصر في قيادة أو توجيه النظام الإقليمي العربي. كانت سوريا راغبة بطبيعة الحال، في تقلد هذا الدور وبخاصة إذا كانت أول ممارسة له ستجري على المسرح اللبناني، وكانت السعودية جاهزة للعب دور خاص بشرط أن لا يتجاوز هذا الدور أمرين، هما أن تمارس التوجيه عن بعد، بمعنى عدم المشاركة بقوات كبيرة، وثانيها توفر الشرعية الثابتة للتدخل عن طريق جامعة الدول العربية. وبالفعل صدر قرار إنشاء قوات ردع عربية مستنداً إلى ثلاثة تطورات هي: الرغبة المصرية في الانسحاب من قيادة العمل العربي المشترك، والرغبة السورية في التدخل بسرعة وإن منفردة، والرغبة السعودية في وقف التجاوزات من جانب الفلسطينيين وقوى أخرى وحماية مسيحيي لبنان.
قابلت لبنانيين يحاولون قراءة الحاضر والمستقبل باستلهام الماضي وبخاصة هذا الجانب منه. فكما أن العرب الآخرين، وبخاصة الأقرب إلى الشأن اللبناني، كانوا حريصين في السبعينيات، ومرة أخرى في التسعينيات، على التدخل بعزم وحماسة وسرعة لوقف تجاوزات، باعتبار أن التجاوزات في ساحة متأزمة أو على هامشها تكفي شرارة واحدة منها لإشعال حريق هائل في لبنان، ومنه إلى المشرق بأسره. ها هم نفس عرب السبعينيات يعودون، وقد بدا عليهم الحرص وإن بحماسة أقل ولكن بعزم أكيد، على التدخل لوقف ما يعتقدون أنها تجاوزات، إن أفلت عيارها سيكون من العسير لجمها أو التفلت من عواقبه. المؤكد أن بعض سلوكيات أطراف حزبية لبنانية تجاوز الحد الذي يمكن أن يتحمله لبنان في الحال الراهنة.
مرت شهور أطلق عليها لبنانيون فترة &laqascii117o;هدنة السياحة"، وهي فترة حرص أغلب اللبنانيين على المحافظة على هدوئها ليعم خير السياحة على الجميع وتهدأ النفوس. ومع ذلك حدث في برج أبي حيدر ما عكر صفاء هذه الهدنة، وأمكن بسرعة محاصرته ومنع امتداده إلى مناطق أخرى. صحيح أنه خلّف آثارا سلبية، وبخاصة على ناحية الشكوك المتبادلة وبالتحديد حول مستقبل ترتيبات الأمن في بيروت. وبعد انقضاء فترة الهدنة أطلق الحريري مفاجأة تبرئة سوريا من جريمة اغتيال والده، وكان طبيعياً ومتوقعاً أن تستعد كل الأطراف السياسية في لبنان لاحتمالات نشأة وضع جديد لتوازن القوى الداخلي في لبنان، على ضوء التغيير القوي الذي سيطر على العلاقة السورية اللبنانية، باعتبارها العنصر الحاسم في أزمة صراعات لبنان الداخلية وعلاقاته الإقليمية.
وفي القاهرة سمعت من أحد المتابعين للشأن السوري حديثاً عن توقعات بتغيرات، غير جوهرية ولكن محسوبة، في العلاقة بين حزب الله والقيادة السورية، أعرف أن كثيــرين لديهم أماني أن يكون هذا التغير بداية مرحلة ينعزل فيها أو يُعزل حزب الله ويوضع فيها للمقاومة اللبنانية سياج لا تتخطاه داخلياً وخارجياً، ولدى آخرين أماني أوسع وأكبر عن تقليص النفوذ الإيراني عموماً في بلاد المشرق. يذهب هؤلاء إلى حد الربط بين مرور الرئيس الإيراني على دمشق في طريقه إلى نيويورك واتصالات كثيفة بين قيادات في الحلف الدائر في فلك المقاومة وقيادات سورية. يحق لبعض أصحاب الأماني أن ينتظروا تحولا جذرياً في السياسة السورية، ولكن واجبهم أن يدرسوا الثوابت في دور سوريا في لبنان، وأولها حرمان أي طرف أياً كان من أن يصل بسلاحه أو بنفوذه ومصادر تمويله إلى موقع قوة يسمح له بالإخلال بتوازن القوى في لبنان. وأعرف أنه هو نفسه الثابت الأهم بين ثوابت دور السعودية في لبنان.
يبقى من الضروري أن نعرف إن كان السوريون والسعوديون قد توصلوا إلى قناعة مشتركة بأن خللاً في توازن القوة اللبناني قد وقع فعلاً، وإن كان هذا الخلل يستوجب إصلاحه فوراً، وإن كانت سوريا مستعدة للتدخل لإعادة التوازن إلى نقطة توازنية جديدة، وإن كان الوضع الإقليمي والدولي مهيئاً لهذا التدخل.


- 'السفير'

التعسف ممنوع بعد الآن!
واصف عواضة:

انتهت أو تكاد، العاصفة السياسية التي اجتاحت البلاد خلال الاسبوعين المنصرمين، ولكن كالعادة من دون أساس يمنع تجددها في أي لحظة، باعتبار أن القضايا العالقة بقيت عالقة، ولم يفض النقاش في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الى معالجات ترقى الى مستوى الاحتقان الذي يسود البلد.
ومرة أخرى تؤكد الطبقة السياسية اللبنانية بغالبيتها، عجزها أو عدم رغبتها في مقاربة المشكلة الحقيقية في لبنان، وهي تتلخص في وصول النظام السياسي القائم على الطوائف الى طريق مسدود، وأن المطلوب إصلاحات جذرية تنطلق من استكمال اتفاق الطائف الذي يدّعي الجميع التمسك بمضامينه. وعليه يفترض بالمواطنين اللبنانيين أن يستعدوا لعاصفة سياسية جديدة يؤمّل أن تبقى كلامية وإعلامية على حد ما وصف رئيس الحكومة العاصفة الحالية.
هذا من حيث المبدأ، أما في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان عادة، فإن تطورات الاسبوعين الماضيين ينبغي التوقف عندها، علّ العبرة تنفع المؤمنين، وكان أبرزها الاستقبال &laqascii117o;المدوّي" للواء جميل السيد في المطار، والذي شكل مادة دسمة لتسجيل نقطة جديدة على &laqascii117o;حزب الله" والمقاومة في كتاب &laqascii117o;الانقلاب على الدولة".
صحيح أن جميل السيد لم يكن بحاجة الى حماية ومواكبة واحتضان من المطار الى منزله. فالرجل لم تصدر بحقه مذكرة توقيف، ولا حتى تم إبلاغه مذكرة الاستدعاء. وصحيح أن &laqascii117o;حزب الله" لم يكن بحاجة الى كل هذه المواكبة السياسية والأمنية التي جرّت عليه ردود فعل صاخبة وشعارات وعناوين كبيرة وبرّاقة، وهو يعرف سلفا أن مجرد التنفس بات محسوبا عليه. ولكن الصحيح ايضا أن جميل السيد ورفاقه الضباط وآخرين ايضا، هم رمز المظلومية والتعسف الذي مورس عليهم طوال أكثر من خمس سنوات، بينها أربع في السجن، وسنة ويزيد من التجاهل والتغاضي عن حق البراءة الذي أعطي لهم من دون منّة. حتى انهم لم يتلقوا كلمة اعتذار، لا هم ولا عائلاتهم التي أهينت وأذلت، وبات أبناؤها يذهبون الى جامعاتهم وأماكن عملهم متخفين بستار المذلة التي لحقت بآبائهم، وهم يعرفون انهم أبرياء براءة الذئب من دم يوسف.
لقد دخل جميل السيد السجن تعسفا. وكان يمكن أن يدخله مجددا وتعسفا بحجة المطالبة بحق دفع ثمنه سلفا، وبنفس الأيدي والوسائل السابقة. ولكل هذه الاسباب، ربما ذهب &laqascii117o;حزب الله" الى المطار بنوابه ورجال أمنه وسياراته الرباعية الدفع وحلفائه، وعن سابق تصور وتصميم، للقول بالفم الملآن لكل عين تقشع وأذن تسمع: &laqascii117o;التعسف ممنوع من الآن وصاعدا، خصوصا اذا جاء من سلطة يفترض بها أن تحمي الناس من التعسف". لم يذهب الحزب للانقلاب على الدولة. فالسلطة في نظره كرة من نار، ومجنون من ينقلب عليها أو يضعها في حجره.
قد يقول قائل ان جميل السيد ليس قديسا كي تدفع المقاومة من رصيدها في سبيله. بالتأكيد إنه ليس قديسا، ولكن من هو قديس في هذا البلد فليرمه بحجر. ولو فتح جميل السيد أوراقه وملفاته للذين يدعون القداسة لانهارت هياكل الثلج على أصحابها. ان الرجل مجرد مظلوم يسعى وراء حقه للتاريخ. وهذا لا يمنع أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ماتوا مظلومين ايضا، ومن حقهم أن تتكشف حقيقة ظلمهم.
وعود على بدء. انتهت العاصفة أو تكاد، لكنها مرشحة للهبوب في أي لحظة من جديد، لأن البلد فعلا بحاجة الى دولة عادلة، عبثا التفتيش عنها في نظام طائفي بات في طريق مسدود.  


- 'النهار'

تعليقاً على مقالات محور 'مع رمزية رحيل كامل الأسعد: علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر'هل أصبحت الشيعية السياسية طرفاً برّانياً في الكيان اللبناني ؟
بقلم غسان المفلح:

معذرة على تدخلنا في هذا الملف الشائك والمعقد لبنانيا وإقليميا، ولكن عنوان الملف لفت نظري، ووضعته عنوانا لهذا التدخل لكنه عنوان 'غير بريء' ينبئ وكأن الطائفة الشيعية الكريمة هيكل برّاني على الكيان اللبناني؟ وهذا أمر يوضح حقيقة أخرى يتضمنها العنوان، وهي أن صاحبه لا يعترف بلبنان أصلا، ومع ذلك سنتجاوز هاتين الملاحظتين مبدئيا، لنقل إن لبنان قام بمسيحييه ومن أجلهم أيضا، ولم يشعر سنته بالاغتراب بحكم محيطهم العربي السني، لم يشعروا بأنهم انفصلوا عن محيطهم العربي عبر سوريا الحاضن العروبي حتى عام 1974، حيث بدأت سوريا  تعد العدة لكي تكون طرفا لبنانيا داخليا، ويعود هذا الأمر للرئيس الراحل حافظ الأسد، وللقوى السياسية اللبنانية آنذاك، وخاصة المسيحية منها.
وأيضا لهذا البحث التاريخي إشكالياته المتعددة، والتي تجبرنا على الدخول على خط الممارسة السياسية السورية لبنانيا، وهذا أمر تطرقت إلى جانب منه نجاة شرف الدين في مشاركتها في هذا الملف. نعم تأسيس الكيان اللبناني كانت الطائفة الشيعية فيه، حالة برّانية من جهة وجوّانية من جهة أخرى، برّانية لأنها كانت خارج الفعل السياسي في لحظة تكوين لبنان، ولم يكن لها من التعبيرات ذات البعد الطائفي، بل نخبها كانت منخرطة في الأحزاب الوطنية اللبنانية. برانية لأنه لم يكن لها غطاء دولتي لا إقليميا ولا دوليا. برّانية لأنها كانت أفقر الطوائف، فأتت ملحقة بالكيان اللبناني، وكأنها كمّالة عدد. يد عاملة لإقطاع لبناني عابر للطوائف، وهذه حقيقة. ما كان يمكن إلحاق مسيحييي الجنوب بالكيان اللبناني، دون إلحاق القرى الشيعية. الإقطاع الشيعي ومن ضمنه عائلة المرحوم كامل الأسعد وغيرها من العائلات الإقطاعية الشيعية، كانت تريد الحماية كما يقال، من إقطاع مسيحي مدعوم فرنسيا وغربيا، ومن إقطاع سني مدعوم إقليميا أقصد عربيا، فقبلت بما منح لها، وبغض النظر عن التعداد السكاني، منذ اللحظة التأسيسية للبنان، كان أهم بند فيها، أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيا وبصلاحيات استثنائية، بغض النظر مورست أم لا؟
وبقيت الحال بين أخذ ورد لبنانيا، وتحديدا بين فاعليات الجانب السني وفاعليات الجانب المسيحيي متأثرة بعوامل التفجر الإقليمي العربي - الإسرائيلي. دون أن ننسى دخول مصر الناصرية على الخط اللبناني، والمرحلة الشمعونية 1958 والذي أوضح انه لم يكن للشيعة السياسية دور يذكر لا في قيام تلك المحطة، ولا في نتائجها بعد إنهاء تلك الحرب الداخلية المحتدمة سياسيا، والتي اقتضت تدخلا غربيا مكثفا وعربيا عبرت عنه مصر أكثر آنذاك.
جاء السيد الإمام موسى الصدر وأسس حركة المحرومين، التي كانت أول حركة ذات معنى يمكن أن نطلق عليها قيام الشيعية السياسية في لبنان. وحاولت هذه الحركة أن تتحرك لتحسين الوضع الشيعي وإعادة هيكلة الكيان اللبناني بما يتناسب مع طموحاتها، ووزن الطائفة الشيعية في لبنان. وكان العلاّمة الراحل حريصا على استقلالية التمثيل السياسي للشيعة، رغم أنه كان يحاول بناء علاقة جيدة مع سوريا. في المقابل كانت علاقته جيدة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وشكل في ما شكله غطاء لبنانيا - شيعيا لتواجد المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني.
لكن رغم أن حياته انتهت بلغز لم تعرف نتائجه حتى اللحظة ولا من هو الجاني، إلا أنه يسجل للرجل، أنه كان حريصا على استقلالية حركته السياسية عن التدخلات الدولتية سواء كانت إقليمية أم دولية. كذلك يجب ألا ننسى أنه لم يكن على علاقة جيدة بالإمام الخميني، ولم يكن مقتنعا بنظريته حول ولاية الفقيه، لذلك ساهم بمأسسة المرجعية الشيعية، مأسسة تبعد عنها غطرسة مثل تلك النظريات السياسية، ذات الشبهة الاستبدادية.
صحيح أن الأمام الصدر كان مع الدخول السوري إلى لبنان، ولكنه كان مدركا أن هذا الدخول أمر لا مفر منه من جهة، ومن جهة أخرى حاول أن تكون سوريا سندا للشيعية السياسية التي تشكلت على يديه، حيث لم تكن الثورة الإيرانية قد حدثت بعد. واستفادت سوريا من هذا الأمر، ووصلت أيضا قوتها إلى صيدا، لكن السوريين كانت عينهم بداية على المسيحيين، الذين قلبوا لها ظهر المِجَنّ بعد أن حمتهم القوات السورية من قوات الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
بعد هذا الحدث بدأ الحديث يرتفع عن تغيير في النظام السياسي اللبناني، فيكون للشيعة حصة أكبر في هذا النظام. في الواقع يُسجل للإمام الصدر تأسيس هذه المطالبة شيعيا بتغيير النظام اللبناني، وبدأت سوريا تعد العدة لجذب الطائفة الشيعية معتمدة على العديد من العوامل. لكن هنالك أمر ربما تكشف عنه الإيام، فالإمام الصدر، لم يكن سوريا في هذا المنحى أكثر مما كان شيعيا لبنانيا - رغم أنه من أصول ليست لبنانية.
ونجحت الثورة الإيرانية 1979، ومنذ البداية كان من الواضح أنه لا المجلس الشيعي الأعلى ولا حركة المحرومين (امل) بوارد الانخراط مع إيران رغم غياب الإمام الصدر 1978. وإيران لم تكن جاهزة بعد لكي تتدخل إقليميا في لبنان، وعندما دخلت إيران على الخط كانت 'حركة أمل' في صراع مع ما تبقى في لبنان من مقاومة فلسطينية، وبدعم سوريا، وبانفراد مؤسسي عما سمي الحركة الوطنية اللبنانية. وتأسس 'حزب الله' بمساعدة إيرانية - سورية.
وبدأت الشيعية السياسية تأخذ منحى جديدا إقليميا ولبنانيا.
وما جرى لا حقا، يجعلنا نعود لنقول إن الشيعية السياسية المتمثلة الآن في 'حزب الله' وملحقه 'حركة أمل'، لأنها أصبحت ملحقا سياسيا بـ'حزب الله' أكثر مما هي فاعلية حقيقية، عادت هذه الشيعية السياسية عبر سلاحها - المقاوم وغير المقاوم - لتبقي الشيعية طرفا برانيا على الكيان اللبناني لأنها تريد فرض شروط أطراف خارجية على مجمل الكيان اللبناني. قوية عسكريا، هذا صحيح، ومدعومة إقليميا أيضا هذا صحيح، ولكن الصحيح أيضا أنها أعادت للشيعية السياسية برانيتها عن الكيان اللبناني، رغم قدرتها على تفجيره في أي لحظة. الآخرون بالتأكيد لهم امتداداتهم الإقليمية والدولية، ولكنهم كانوا منذ البداية اكثر لبنانية، لأنهم هم الأكثر استفادة من اللحظة التأسيسية للكيان اللبناني.
الشيعية السياسية الآن أقل استقلالية تجاه القوى الإقليمية الداعمة لها رغم وحدة قرارها، وهذا هو الخطير في الموضوع.
صحيح أن أهم تيار يحسب على الطائفة السنية أيضا يحمل السمات نفسها، ولكنه أكثر استقلالية ولديه فاعليات أخرى داخل الطائفة السنية ولها قوة على الأرض، وكذا الحال بالنسبة للقوى المسيحية. لهذا قلنا إن الشيعية السياسية الآن تحتاج إلى كثير من الإجابات عن أسئلة، حول طبيعة العلاقات مع إيران ومع سوريا، حيث الخطر أنه كلما تتقدم الأمور كلما تتحول الشيعية السياسية طرفاً أكثر برانية في الكيان اللبناني.
لم أجد ما يمكنني أن أختم فيه هذه المقالة سوى أنني في هذا السياق لم أستطع الحديث عن موضوعة الدولة اللبنانية والمؤسسات والمواطنة ولم أجد تعبيرات سياسية عابرة للطوائف يمكن أن يستند عليها المرء في قراءته للوحة اللبنانية، وهذا هو المأزق!.


- 'الديار'

المطلوب من &laqascii117o;حزب الله" مبادرة تحمي الوطن
نزار عبدالقادر:

تجاوز مجلس الوزراء أول امس قطوع الوقوع ضحية الصخب السياسي المسيطر على المسرح السياسي منذ عدة اسابيع، ولكنه لم يتجاوز اسباب الازمة المتفاقمة على خلفية ما يمكن ان يحمله القرار الظني الخاص بالمحكمة الدولية من اتهامات لعناصر من حزب الله حول ضلوعهم في جريمة اغتيال الرئيس الحريري،او على خلفية شهود الزور وضرورة محاكمتهم في لبنان، وما تفرّع منها لجهة الاتهامات التي ساقها اللواء جميل السيد ضد القضاء ومؤسسة الأمن الداخلي، مما استوجب الادعاء عليه من قبل النيابة العامة التمييزية.
تستمر المواقف التصعيدية من قبل فريقي كتلة المستقبل وكتلة حزب الله مدعومة من العماد ميشال عون بما يؤشر بأن الأزمة مستمرة بانتظار عودة وزير العدل ومطالعته حول شهود الزور، وبانتظار ان تثمر الضغوط السياسية والاعلامية عن وقف مفعول مذكرة الجلب الصادرة بحق اللواء السيّد.
واللافت كان الكلام المنسوب للسيد حسن نصرالله بأن موقف حزب الله من رئيس الحكومة سعد الحريري سيتقرّر بنتيجة تعامله مع مضمون القرار الظني الذي سيصدره المدعي العام الدولي دانيال بلمار. ويؤشر هذا الكلام على ان القرار الظني ومستقبل المحكمة الدولية ما زالا يشكلان نقطة المحور في المأزق السياسي المرتقب بلوغه في الاشهر المقبلة.
من غرائب الامور ان يشارك اعلاميون ومفكرون وكتاب في هذا النقاش الصاخب، والذي يجري خارج كل أطر القانون العام والمؤسسات الاساسية في الدولة او لنقل على حسابها، كما يتجاهل أطر الشرعية الدولية التي شكّلت المحكمة الخاصة بلبنان بقرار من مجلس الامن الدولي وتحت الفصل السابع تحديداً. واللافت ان أحد الكتاب والصحافيين قد ذهب في مقابلة تلفزيونية صباح امس الى القول بامكانية ان يتنازل الرئيس الحريري واهالي الشهداء الآخرين عن حقهم في الدعوى المقامة امام المحكمة الدولية وبطلب الغاء هذه المحكمة من اجل تجنيب البلد مخاطر الفتنة الداخلية، وذلك قياساً على العفو الذي صدر في نهاية الحرب الأهلية والتي تسببت بأكثر من مائتي الف قتيل وجريح ومفقود.
فات هذا الكاتب والصحافي الألمعي تحسس وادراك الفوارق المادية والسياسية والقانونية والمعنوية بين الحالتين، حيث تبقى جرائم الحرب ضمن المسؤولية الجماعية لكل القيادات السياسية اللبنانية والفلسطينية بحيث تتحمّلها جماعياً مكونات اساسية من المجتمع اللبناني بالاضافة الى مجموعة واسعة من القيادات الحزبية والسياسية، وبأن أية محاكمات يمكن ان تجري ستؤدي الى الغاء قسم كبير من الحياة السياسية، بما سيؤدي الى تخريب التوازنات القائمة على المستويين السياسي والاجتماعي. ولا بدّ ايضاً من لفت نظر المفكّر الألمعي الى أنه في معظم حالات القتل التي جرت اثناء الحرب لم تكن الضحية مستهدفة بالذات، ولكنها وقعت في أغلب الأحيان ضحية الصدفة او ضحية القصف والقتال العشوائي بين مختلف القوى التي شاركت في الحرب.
اما في الحالة الثانية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعها من اغتيالات وتفجيرات فانها لم تقع عن طريق الصدفة او نتيجة انفجار عشوائي، بل ارتكبت ضمن مؤامرات محكمة ومن اجل تحقيق مكاسب سياسية واضحة، تهدف الى تغيير المنحى السياسي، والى هيمنة فئة على السلطة من خلال اعتماد العنف والتصفية الجسدية لمجموعة من القيادات السياسية والاعلامية.
اما في اختلاف المفاعيل المترتبة على الحالتين، فان التبرير السياسي للعفو عن المشاركين في الحرب الاهلية فقد جاء ضمن الجهود الوطنية والعربية والدولية من اجل انهاء الحرب وحل جميع الميليشيات المسلحة، وبما يشكّل ضرورة ماسة لاحلال الاستقرار العام واعادة تشكيل السلطة الشرعية لممارسة وظائفها الاساسية. اما في الحالة الثانية فان المطالبة بكشف الحقيقة وتحقيق العدالة تبقى ضرورة وطنية ماسّة من اجل حماية المجتمع والدولة من عبث المجرمين الطامعين بتحقيق مكاسب سياسية خارج اطر القانون والدستور. من هنا فان التمسك باستمرار المحكمة الدولية في العمل على كشف الجناة ومن وراءهم والاقتصاص منهم هو واجب وطني، ومن المعيب ان تتنكّر اية قيادة وطنية او سياسية له لانه يشكل المظلة التي تحمي رؤوس جميع اللبنانيين من عبث المتآمرين.
نحن نعيش في ظل دستور الطائف والذي كرّس قواعد التوافقية السياسية بين القيادات وبين الطوائف المكونة للمجتمع اللبناني، متجاوزاً بذلك كل الحواجز والعقبات التي كانت تفرّق بينهم وتؤدي الى شلل الدولة والى انتفاضات شعبية او مسلحة.
في رأينا تشكل المقاربة المعتمدة الآن من حزب الله والتيار الوطني الحر وبعض قوى المعارضة الاخرى خروجاً فاضحاً على قواعد الديموقراطية التوافقية، والتي تفترض وجود تعاون فعلي ومستمر بين قيادات مختلف الطوائف من اجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والامني وتحقيق مصلحة البلاد العليا. لقد ذهب البعض في حراكهم السياسي الى أبعد من الحدود المسموح بها لممارسة لعبة المعارضة من ضمن الدائرة التي رسمها الدستور والاعراف السياسية، بحيث بات يهدد وحدة البلاد وكيان الدولة. يؤكد ما يجري الآن من صخب سياسي، مترافق مع تهديدات علنية بحصول فتنة شيعية - سنية على تخلي بعض القوى عن فرائض الديموقراطية التوافقية، وانتفاء ارادة التعاون بين قيادات اساسية لثلاث طوائف، مع كل ما يمكن ان يستحضر هذا التعاون من اعتدال وقبول للآخر.
تفترض ان تكون تجربة حزب الله الغنية سواء من خلال العمل المقاوم وما خلّفه من انضباطية فكرية ومادية لدى مختلف قياداته، وايضا الفكر التنظيمي المعمم داخل الحزب، بالاضافة الى حصافة الرأي الناتجة عن الايديولوجية الدينية مصدر إلهام موجّه لسلوكيته السياسية، وبشكل يؤكد على احترام مبادئ الديموقراطية التوافقية ومنع الانقسامات الطائفية والمذهبية، كخطوة اساسية للحفاظ على الوحدة الوطنية التي شكلت لاكثر من عقدين المظلّة الحامية للمقاومة ضد الغدر الاسرائيلي. من خلال هذه الفرضية لا بد من ان يتوقع اللبنانيون ان تجري قيادة حزب الله مراجعة تقييمية للمسار السياسي الراهن، وان تتعرف بنتيجتها الى القواعد والشروط اللازمة لبناء قواعد الثقة مع شرائح واسعة من القيادات اللبنانية المسيحية والاسلامية، من اجل تحقيق التناغم السياسي ضمن مفاهيم التوافقية السياسية، واستعادة وحدة ودعم جميع اللبنانيين لمشروع بناء الدولة.
ان الاستمرار في ممارسة الضغوط على رئيس الحكومة وتيار المستقبل أو على الطائفة السنية ككل لن يكون في صالح التوازن الوطني الذي تحققه الديموقراطية التوافقية، والتي تفترض مراعاة مصالح جميع مكونات المجتمع التعددي. لا بدّ من العودة عن منطق الاستقواء بالاكثرية العددية او بالسلاح من اجل استعادة التوازنات السياسية والاجتماعية وعلى أساس انها توازنات بين اقليات، لا وجود بينها لفريق مهيمن على السلطة.
لا يمكن تجاوز مخاطر المحكمة الدولية وما يمكن ان يحمله القرار الظني من اتهامات لعناصر من حزب الله من خلال استعمال فائض القوة المتوفر لحزب الله، وان اللجوء الى استعمال هذا الفائض من القوة في شوارع بيروت او في المطار سيؤدي الى نتائج عكسية بحيث يؤدي الى مزيد من الانقسامات العامودية بين الطوائف والمكونات السياسية. وتدعو الحكمة ان يتخلى حزب الله عن اسلوب المكابرة والقول بأن 7 أيار هو يوم مجيد، وعن استعداده للقيام بـ7 أيار جديد. ان الطريق السليم والأمين لمعالجة الاخطاء الجسيمة الماضية لا تكون بالمكابرة من جديد بعمل يشبه 7 أيار.
ان المقاربة العقلانية واعتماد لغة الحوار بدل لغة التصعيد هي كفيلة باستعادة التناغم السياسي بين قيادات الصف الاول، بما يؤمن الارضية الصلبة للعودة الى منطق وقواعد الديموقراطية التوافقية، والى الاحتكام لمؤسسات الدولة بدل اسلوب التصعيد الاعلامي او الاندفاع المسلح الى الشارع.
ان المخرج العملي الوحيد لمواجهة مخاطر القرار الظني وما يستتبع ذلك من مجريات في المحكمة الدولية لن يكون من خلال تأجيج الانقسام بين الطوائف ولا من خلال تخريب الدولة بل من خلال صيانة الصيغة التوافقية، وتقوية الدولة بحيث تستطيع حماية مصالح كل الفئات اللبنانية. وسيكون دون شك، من مصلحة جميع الفئات حماية المقاومة وعدم التفريط بقدراتها المادية او سمعتها المعنوية.
هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجهه اللبنانيون، ويبقى الأمل كبيراً في ان يبادر قياديو حزب الله الى تصحيح مسار الازمة الراهنة واستعادة التوازن الوطني بين كل مكونات المجتمع. في غياب ذلك فليس هناك من بديل لخيار المحكمة الدولية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد