- 'النهار'
سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية المقترحة للبنان
بقلم ياسين سويد(لواء ركن متقاعد):
السلاح أداة للقتل، والقتل أهم عناصر الجريمة في أي مجتمع، وعلى هذا، فان وصف السلاح، أي سلاح، بالقداسة، هو أمر منكر ويتجاوز حدود التعريفات والتوصيفات المتعارف عليها. واذا أردنا توضيحا أكثر معقولية، فالقداسة هي للفعل الذي يقوم به المرء من خلال السلاح، وليست، ولا يمكن أن تكون وصفا للسلاح نفسه.
ما دفعنا الى تبيان هذا التعريف 'الخاطىء' للسلاح، هو ما جرى، في العاصمة بيروت، وفي 'برج أبي حيدر' ليل 24 – 25 آب المنصرم، من قتال دموي عنيف بين عناصر من حزبين مسلحين لهما عناصر مسلحة في قلب بيروت وقد أدى هذا القتال الى سقوط قتلى وجرحى.
والواقع المؤلم ان لبنان، بكل مناطقه وطوائفه غابة مكتظة بالسلاح، على اختلاف أنواعه وأحجامه ومصادره، منه ما هو موروث من الحرب الاهلية الكريهة التي امتدت لمدة خمسة عشر عاما من القرن المنصرم ومنه ما هو مستجد منذ مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للبنان واحتلاله العاصمة بيروت عام 1982.
في البلدان المتمدنة والمتحضرة والراقية (ولبنان ليس منها للأسف) لا يقتني السلاح الا أصحاب الحق الشرعي في ذلك وهم: الجيش والامن الداخلي، وتكون مهمة الجيش 'مقدسة' وهي الدفاع عن الوطن، وتكون مهمة الامن الداخلي 'مقدسة' كذلك، وهي حفظ أمن المواطنين.
لم تكن الحرب الاهلية في لبنان انتهت عندما أقدمت اسرائيل على احتلاله وصولا الى عاصمته بيروت، وكان الجيش اللبناني، وكذلك الامن الداخلي، لم يستعيدا بعد، قدرتهما على الدفاع عن الوطن وضبط الامن في البلاد مما أناط بالقوى الشعبية المسلحة القيام بهذا الواجب الوطني، وهكذا وجدت عام 1982 المقاومة الوطنية اللبنانية التي أطلق رصاصتها الاولى، في وجه العدو الاسرائيلي المحتل، المناضل المرحوم جورج حاوي، ورفيقه في النضال محسن ابرهيم، وفي الوقت نفسه، بدأت براعم 'حزب الله' تتفتح، برعاية سورية، وتسليح ايراني (وكانت سوريا، في هذه الآونة، ترعى لبنان كله)، وما ان أطل عام 1988 حتى ضمرت المقاومة الوطنية وانتهت لينفرد 'حزب الله' بمهمة التحرير، برعاية سورية وايرانية دائما، وقد استطاع تحرير لبنان من العدو الاسرائيلي تحريرا تاما عام 2000، فاكتسب، بحق، صفة الحزب المقاوم.
من خلال هذه المقدمة، نستطيع القول ان فعل السلاح والوظيفة التي يختارها له المسلح، هو ما يُكسب الفعل القداسة، وليس السلاح نفسه، فالسلاح الذي يقاتل العدو على الحدود هو سلاح لا صفة له، وأما فعل قتال العدو بهذا السلاح فهو الذي يكسب المهمة التي قام بها صفة القداسة.
ماذا نقول اذاً، عن السلاح الذي استخدم لسفك دماء الابرياء في قلب العاصمة بيروت، وأقام جواً من الهلع والخوف والرعب لدى سكان تلك المنطقة؟
لا شك، إطلاقاً، في أن السلاح الذي استخدم في هذه الحرب 'الأهلية الداخلية' ليس سلاحاً مقدساً، باعتبار أن فعل السلاح والوظيفة التي اختارها المسلحون لسلاحهم، وكذلك المهمة التي انتدبوه لها، ليست مقدسة، ولا يمكن أن تكون كذلك، على الاطلاق.
وبناء على ما تقدم، يعتبر اي سلاح، غير شرعي، على أرض لبنان، وخصوصاً في مدنه وبلداته وقراه، أداة قتل وتدمير، ولا يمكن أن يكون غير ذلك اطلاقاً.
والسؤال الذي لا بد من ان يراود الخاطر هو: الا يعتبر سلاح المقاومة، في قلب بيروت، أو في قلب المدن والقرى اللبنانية، سلاحاً شرعياً؟
والجواب عن ذلك هو في القرار الذي اتخذته الحكومة في بيانها الوزاري الذي اقره المجلس النيابي الممثل للشعب اللبناني، وهو أن 'الشعب والجيش والمقاومة' هم القوى المخولة الدفاع عن الوطن، دون تحديد لموقع السلاح، صراحة، في هذه المعادلة، مع 'الرغبة الشعبية' الحارة في أن يكون هذا السلاح في وجه العدو، على الحدود الجنوبية، وليس في شوارع المدن والبلدات والقرى اللبنانية وأحيائها، وقد ازدادت 'الرغبة الشعبية' هذه بعد احداث 'برج أبي حيدر' المأسوية.
وبعد هذه الأحداث، وضحت الصورة، وأصبح من المفيد اظهارها كما يلي:
1 – ليس المطلوب أن ينزع السلاح من بيوت فحسب، بل من كل المدن والبلدات والقرى في لبنان، لئلا يظل هذا السلاح رافداً يرفد المتقاتلين في بيروت، في كل حين.
2 – إن انتشار السلاح، في مختلف أنحاء لبنان هو دليل صارخ على ضعف الدولة اللبنانية وعجزها، وليس دليلاً على اقتدارها وقوتها.
3 – بعد اجلاء العدو الصهيوني عن ارض لبنان بسلاح المقاومة، اضحى اي سلاح يمتلكه اي حزب او أية فئة، في المدن والبلدات والقرى اللبنانية، سلاحاً غير شرعي، وبالتالي، لا يمكن ان يؤدي اية مهمة مقدسة.
إلا أننا، اذ نتوقف أمام الصيغة التي اختارها لبنان (الرسمي) شعاراً لقتاله ضد العدو الاسرائيلي، وهي: الشعب والجيش والمقاومة، نرى لزاماً علينا أن نعتمدها صيغة رسمية وشعبية شرط ان تخضع للمبادئ الآتية (وهي المبادئ التي نراها ضرورية ولازمة لوضع استراتيجية دفاعية للبنان)، خصوصاً اذا كانت 'الشرعية اللبنانية' ترى أن تحتفظ المقاومة بسلاحها (رغم انتهائها من المهمة التي انجزتها)، وذلك حرصاً منها (وهي محقة) على مواجهة الغدر الاسرائيلي بكل القوى الممكنة وهي 'الشعب والجيش والمقاومة'، إلا انه، لتأكيد هذا الحرص، نرى ان من واجب الدولة ان تتسلم زمام المبادرة، وأن تعمد الى تحقيق المعادلة التالية: جيش قوي، بالتنسيق مع مقاومة وطنية قوية، وسلطة وطنية قوية.
وتتطلب هذه المعادلة الأسس الآتية:
الاساس الاول: الدولة القوية والقادرة والمتحررة من كل ضغط اجنبي، اقليمي او دولي، والتي تضع، نصب عينيها ان أمن لبنان واهله فوق كل اعتبار، معتمدة، في ذلك، على قوة الشعب بتضامنه واتحاده.
والاساس الثاني: الجيش الذي يجب ان يعزز ويقوى ويسلح باحدث انواع الاسلحة واكثرها كفاية لرد اي عدوان مسلح، بحيث يشكل الدرع الواقية للوطن، اي 'درع' أخرى.
والاساس الثالث: مقاومة وطنية قوية ومتماسكة وقادرة على استيعاب كل لبناني راغب، حقا، في القتال ضد العدو الصهيوني، ومستعد لبذل الدم والنفس فداء للوطن، الى اي حزب او اية فئة او طائفة او مذهب انتمى.
وذلك يتطلب ما يأتي:
1 – ان تسعى الدولة الى الانتقال من حال 'الشراكة الطائفية' الى حال 'الوطن' وذلك يتطلب:
أ – ضبط التربية الوطنية في مختلف المدارس الرسمية والخاصة، بحيث تفرض عليها منهاجا موحداً يتعلم فيه الجميع العلم نفسه وينهلون من ثقافة واحدة لا ثقافات متعددة، وهو ما قصرت عنه الدولة منذ اقرت الدستور المنبثق من وثيقة الطائف (1989 – 1990) حيث نص الدستور (في مادته الخامسة والتسعين) انشاء هيئة وطنية 'لالغاء الطائفية السياسية'، كما نص (في مادته الثانية والعشرين) انشاء 'مجلس نيابي لا طائفي'، ومجلس شيوخ 'يراعي حقوق الطوائف'، وهذه هي اولى الخطوات للانتقال بلبنان من مفهوم الشركة الطائفية الى مفهوم الوطن؛ باعتبار ان لبنان وطن للجميع، متساوين متكافئين، دون تمييز بين طائفة واخرى، او بين مواطن وآخر.
ب – تعميم ثقافة المقاومة لدى جميع المواطنين، بحيث يقتنع الجميع ان الشعب، بكل احزابه وفئاته وطوائفه، هو الرديف الحقيقي للجيش في حال الاعتداء على لبنان، وان الانخراط في صفوف المقاومة لاداء هذا الواجب الوطني جزء من المهمة الوطنية الجامعة.
ج – تعميم الاقتناع بأن اسرائيل عدو حقيقي للبنان، وان الاعداد لمواجهتها يتطلب اجماعاً وطنيا مبنيا على قناعات ثابتة لا تقبل الشك ولا التردد ولا التكاذب، والسعي لتعميم هذا الاقتناع بمختلف الوسائل التربوية والتثقيفية والاعلامية.
2 – ان تعدّ الدولة جيشاً قوياً عديداً وعدة وسلاحاً، وذلك يتطلب:
أ – استكمال عديد الجيش، سواء بالتجنيد الاجباري، أم بالتطويع الاختياري، ورصد الموازنات الخاصة بذلك.
ب – تعزيز الجيش بمختلف انواع الاسلحة البرية والجوية والبحرية ومن مختلف المصادر، والسعي الى انشاء مصادر ذاتية لذخائر اي سلاح يمتلكه هذا الجيش، لئلا تتحكم الدولة المصدرة للسلاح بذخيرته وفقا لاغراضها السياسية، بحيث لا يعود للسلاح اية قيمة ان فقدت ذخيرته.
ج – ترسيخ ثقافة المواجهة لدى العسكريين كافة، جنوداً ورتباء وضباطاً، تدريبا وتوجيها، بحيث يرسخ في اذهان العسكريين جميعا، على اختلاف رتبهم، ان الجيش ليس ارتزاق بقدر ما هو دعوة ورسالة واداء واجب وطني مقدس.
د – ترسيخ ثقافة المقاومة لدى العسكريين كافة، مما يؤمن تعاونا كاملاً بين جناحي الدفاع: الجيش والمقاومة.
هـ – يضع الجيش، وفقا للاستراتيجية العامة للدولة، استراتيجية عسكرية دفاعية، بالتنسيق مع المقاومة، وباشراف الدولة.
3 – ان تتحول المقاومة، في الشكل والمضمون، من مقاومة فئوية او مذهبية او دينية (المقاومة الاسلامية) الى مقاومة وطنية، وذلك يتطلب:
أ – اقتناع المقاومة الحالية (المقاومة الاسلامية) بهذا التحول الجذري في بنيتها الحاضرة، بحيث تصبح مؤهلة لقبول الآخر في صفوفها، مهما كان المعتقد الديني او الحزبي لهذا الآخر، اذا كان لبنانيا صادق الوطنية، وصادق الايمان بالانتماء الى المقاومة.
ب – ويفترض هذا التحول للمقاومة، في الشكل والمضمون، تغييرا في 'التشكيل الهرمي للمقاومة'، بحيث تقوم 'قيادة جماعية' هي مزيج من لبنانيين مختلفي المذاهب والطوائف والعقائد (الحزبية)، شرط ان يكون المنتمي صادقاً في انتمائه. وربما يشكل هذا التحول اول مدماك تضعه المقاومة في صرح لبنان الجديد: لبنان الوطن لا الشركة الطائفية.
ج – تضع المقاومة، لنفسها، استراتيجية عمل، وفقا للعدو: نياته واسلوب عمله، وسلاحه، والاهداف التي يتوخاها من اي اعتداء يفكر في القيام به، على ان تكون متلائمة مع الاستراتيجية العامة للدولة، ومع الاستراتيجية العسكرية الدفاعية التي يضعها الجيش..
د – تلتقي الاستراتيجيات الثلاث: الاستراتيجية العامة للدولة، والاستراتيجية العسكرية الدفاعية للجيش، واستراتيجية العمل المقاوم، تلتقي جميعها في استراتيجية عسكرية دفاعية عليا تقوم على التالي:
1 – تظل المهمة الاساسية في الحفاظ على لبنان والدفاع عنه على عاتق الجيش اللبناني الذي يجب ان يحظى بكل عناية واعتبار، وخصوصا في مجال تأمين السلاح والعتاد، باعتباره مسؤولاً رئيسياً عن الحماية الحقيقية للبنان.
2 – التنسيق والتكامل بين الجيش والمقاومة في امور الدفاع، وباشراف من الدولة بنفسها، بحيث تشكل منظومة دفاعية هي عبارة عن هرم من ثلاثة اركان: الدولة والجيش، والمقاومة.
3 – تكون القيادة العليا لهذا 'المثلث الدفاعي' للدولة اللبنانية ممثلة 'بمجلس الدفاع الاعلى'، مع الكثير من حرية العمل لكل من الجيش والمقاومة، وفي امور الدفاع نفسها، على ان لا يخرج ذلك عن الاستراتيجية العامة للدولة، التي تمتلك، حصراً، قرار السلم والحرب.
- 'النهار'
محور مع رمزية رحيل كامل الأسعد:علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر: تضخم الخصوصيات
بقلم وجيه قانصو:
باشرت 'قضايا النهار' محوراً تحت عنوان 'مع رمزية رحيل كامل الأسعد: علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر'.
بعد تقديم جهاد الزين (طائفة بين ارتباكين... ومغامرة كبرى - 25/8/2010)، ساهم طلال عتريسي (ماذا يريد الشيعة من دولتهم - 25/8/2010)، وسعود المولى (مشروع الإمام الصدر المستقبلي أصبح هو أيضاً من الماضي- 29/8/2010)، ونجاة شرف الدين (سوريــا والشيعــة اللبنانيون – 1/9/2010)، وطلال خوجة (لعنة الموقع - 3/9/2010)، والشيخ علي خازم (الشيعة بين 'الولاية' والمواطنة - 6/9/2010)، ومنى فياض ('أمل' المتأرجحة- 8/9/2010)، وفارس اشتي (القيادات الشيعية: من الصراع في الكيان إلى الصراع عليه - 13/9/2010)، ويوسف معوض (عطوفة 'كامل بك' والثورة المستحيلة - 16/9/2010)، ومحمد علي مقلد (الإنقاذ على يد الجيل الشيعي الرابع؟ - 21/9/2010). اليوم يساهم وجيه قانصو:
السؤال عن العلاقة، بين الكيان اللبناني الذي يرمز إلى هوية وانتماء موحِّدَين ويُجسد الإطار الجامع والناظم لكل مكونات المجتمع وأوجه الحياة العامة، والشيعة بصفتهم مكوَّناً اجتماعياً ذا خصوصية دينية وثقافية، لا يفترض بالضرورة ثنائية فاصلة بينهما، بل هو سؤال عن التغذية والتأثير المتبادل، وعن منطق وبنية العلاقة الراهنة التي تحكم الطرفين، ومدى قدرة الكيان اللبناني ومسعاه التاريخي في هضم المُكوَّن الشيعي داخل نسيجه الاجتماعي، وصهره لإرادات هذا المكوَّن داخل مجال انتظامه السياسي العام، ومدى فعلية اندماج الشيعة داخل الكيان الجامع ومساهمة القوى الشيعية في بلورة وتثبيت هذا الكيان إطاراً ومرجعية نهائية وثمرة عليا لكل نشاط سياسي وتطلع ايديولوجي.
إنه بحث في العلاقة بين كائنين، يختلفان في وظائفهما وتمظهرهما الخارجي والتاريخي، وتَجمَعُهُما في الوقت نفسه روابط عُضوية، تجعل الواحد منهما شرطاً لوجود الآخر، وعاملاً مكوِّناً له. فلا الشيعة في لبنان تكوين ثابت ومغلق قبل الكيان اللبناني وبعده، ولا الكيان اللبناني شيء منجز وقائم بذاته، تمت إضافته إلى التكوين الشيعي، إضافة ضَمٍ ومُجاوَرَة. فكل تفاعل وتحوُّلٍ وقوة وضعف يَحدُثُ في أحد الطرفين، هو عين التفاعل والتحول الذي يحدث في الطرف الآخر. وكل تعريف وتصور ووظيفة ودور لطبيعة الكيان اللبناني هو بطريقة أو بأخرى تعريف وتصور ودور للتكوينات الدينية والتضامنات الداخلية، البِدْئِيَّةِ منها والطَوعِيَّة، والعكس صحيح. فالتكوين العام وليد التقاء الإرادات الخاصة وتوافقها على العيش في ظلِّ ناظمٍ أعلى ذي إرادة موحَّدة، والتكوين الخاص مرآة للعام في تفاصيل التزام هذا الخاص بقيم جامعة مع الخصوصيات الأخرى، وخضوعه لسلطة معنوية آمرة تملك حق إعلان (Declaration) المبادئ والتشريعات، وتنفيذها ولو بالقوة (Enforcement).
حديثنا عن الكيانين هنا، ليس حديثاً عن أسوارٍ إسمنتية نقولبها مرة واحدة ونهائية، بل هو حديث عن تكوينات تتحدد بغيرها وبما يميزها عنها في آن واحد، أي تتحدد بما تحمله من مائز ذاتي، وبما تفرضه عليها الترتيبات والبيئة التي تجمعها مع التكوينات الأخرى، من تفاعلات وتحولات ومسارات. فالكيانات الاجتماعية والثقافية والسياسية، العامة منها والخاصة، تتقوم بالتفاعل المتبادل بينها، وتخضع لمسار مستمر من التفكيك وإعادة التركيب. ما يعني أن فهم العلاقة بين الشيعة والكيان اللبناني، يتطلب التركيز على الجانب المتحرك الذي هو جانب تاريخي، وعلى الجانب الثابت الذي هو جانب بنيوي. فالجانب التاريخي يساعد في التعرف إلى سياق هذه العلاقة منذ بدايات تأسيس الكيان اللبناني وحتى زماننا الراهن، ليكون بالإمكان تفسير الكثير من تعقيدات وإرباكات الواقع الراهن، والكشف عن الوجهة المستقبلية لمسار هذه العلاقة بعد تحسس منطق علاقة مستحكم يستلزم نتائج حتمية مقبلة. أما الجانب البنيوي، فيُسهِّل الكشف عن ذلك الثابت الذي يتكرر ويستمر في كلا الكيانين، رغم تزاحم الأحداث المتعاقبة والمتغيرة، ليتم بذلك إزاحة النقاب عن مرتكز تكويني في الكيان اللبناني ظل يتحكم في متغيرات الأحداث وتتابعها، وعن ذهنية عامة يتسم بها الوعي الجمعي الشيعي، تشكل خلفية ومُوجِّهاً لكل أنماط العلاقات العامة.
مع إعلان لبنان الكبير، انفصلت الفكرة اللبنانية عن الفكرة العروبية، وأخذت تنسج لنفسها لباسها وعقيدتها وسياقها النفسي والتاريخي. إلا أن الإعلان عن الكيان لم يأت تعبيرا عن إرادة عامة وتجسيداً لالتزام اجتماعي مشترك بين جميع مكونات المجتمع اللبناني، بل جاء ليلبي خصوصية وتطلعات ملة خاصة داخل الكيان الجديد، الأمر الذي فرض سياقات سياسية وثقافية متفاوتة للملل الخاصة في قبول الهوية الجديدة والتكيف معها، ومسار اندماجها داخل إطار سياسي ناظم لها.
جاءت فكرة الكيان اللبناني ملبية لاستراتيجية الدول الكبرى آنذاك، وعلى قياس طائفي خاص. فبتنا نشهد ولادة كيان سياسي يسبق تكوينه الإجتماعي والثقافي، وأصبحنا أمام كيان يحضن وحدات سكانية وطوائفية مغلقة على بعضها البعض، لا تجمعها ذاكرة تاريخية موحدة، وتتسم بالإختلاف في الطبائع والأمزجة النفسية الجمعية، ولا يوحدها هوية متفق أو متسالم عليها، ولا توجد أطر اجتماع سياسي تصهر اراداتها وتدمج قواها السياسية، ولا مبادئ نظام سياسي واضحة وشفافة توزع الموارد بينها بنحو عادل. أي نجحت الفكرة اللبنانية في أن تصبح كيانا جغرافيا وسياسيا معترفاً به، لكنها بدأت فكرة جوفاء، تعوزها الهوية الثقافية الجامعة، وينقصها الإجماع على ثوابتها، وتعاني تعثرات تاريخية تسببت في مراكمة التناقضات لا امتصاصها، وزيادة الحواجز النفسية والثقافية بين الطوائف، مع العجز عن خلق مجال اندماجي عابر لها.
شكل الميثاق الوطني عام 1943، انطلاقة للكيان اللبناني، بصيغته السياسية والإجتماعية، على مبدأ الشراكة الإسلامية والمسيحية، ولم يعد وطنا قوميا مسيحيا. إلا أن هذا الكيان لم يتقدم خطوة واحدة في اتجاه ترسيخ الدولة الحديثة، التي تقوم على استقلالية المجال السياسي العام عن المكونات الاجتماعية الخاصة. إذ أنشأت الدولة، من خلال الدستور، بذرة نفيها من داخلها، حين تعاملت مع الطوائف كوحدات مستقلة بالكامل عن الدولة، وأنشات لها (الطوائف) صلاحيات ذاتية خاصة بها، مكنتها من منافسة الدولة نفسها في إدارة مساحة واسعة من السلوك الفردي والعلاقات الإجتماعية (الإرث، الأحوال الشخصية، العلاقات الزوجية، حضانة الأطفال، القيم والمعتقدات..)، الأمر الذي ضيق مرجعية الدولة في تنظيم وإدارة مصالح المجتمع وحمايته، وأقصاها عن مساحة واسعة من مساحات المجال العام، وتُرِكَ للطائفة ملء هذه المساحات، من دون أن تملك الدولة صلاحية حماية نفسها مما هو مناقض لجوهرها وحقيقتها ووظيفتها. كل ذلك أدى إلى تُشكِّل نظام مصالح داخل كل طائفة تزاحم المصلحة العامة وتقوضها، وتنشئ مرجعيات سياسية ذات ارتكاز طائفي لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها. كما أدى إلى تضييق خيارات الفرد السياسية، وإثقاله وتقييده بإكراهات الخصوصية الثقافية والدينية، التي تنامت مع الزمن لتصبح عصبية سياسية لاغية لعصبية الإنتماء للدولة، وموهنة لفاعلية التضامنات الاندماجية، ومُحدِثة ملازمة صارمة بين الإنتماء السياسي والانتماء الديني، تجلت بانقسام وصراع اجتماعيين حادين مع أدنى جدل سياسي.
أمام كيان طائفي فاقد لمجال عام مستقل، وللحد الأدنى من المعتقدات المشتركة والتمثلات العامة، عرف لبنان سياقات اجتماعية متفاوتة داخل تركيبته المجتمعية، سواء أكان متعلقاً بالإنخراط في مشروع الدولة أو في الإنصهار في بوتقة هوية ثقافية وسياسية جامعة. وقد ساعد على هذا التفاوت، هو أن أجزاء كبيرة من لبنان تم إلحاقها بلبنان الكبير، وهي أجزاءٌ كان أكثر شيعة لبنان من سكانها. ما وضع الشيعة أمام معضلة التكيف مع واقع جديد، لم يكونوا شركاء في صناعته، وأصبحوا أمام هوية جديدة تتمحور حول ذاكرة جبل لبنان وساحله، أي هوية لا تعنيهم بشيء وليسوا جزءا من تاريخها، وأصبحوا جزءاً من كيان لم يجدوا لأنفسهم مكانا فيه. هذا بالإضافة إلى الخلل الكبير، باستثناء عهد فؤاد شهاب، في التنمية الذي لحق بمناطقهم، ما جعل المسار الشيعي السياسي، على المستوى الشعبي، يأخذ شكلاً إحتجاجياً، وجد في الإيديولوجيات اليسارية ملاذا مريحا للتعبير عنه.
كانت معضلة الشيعة منذ بداية تشكل الكيان اللبناني مزدوجة، تتمثل من جهة في التكيف النفسي والاجتماعي مع الكيان الجديد، بمعالمه الثقافية المصطنعة وصيغته السياسية المجحفة في توزيع الموارد، وتتمثل من جهة أخرى في انتزاع الإعتراف بحقهم ودورهم السياسي داخل هذا الكيان. وهذا لم يكن ممكناً في البنية الإقطاعية القائمة، التي تنزع إلى إلغاء الحراك الاجتماعي وتضييق دائرة التعبير السياسي في المجتمع واختزال مصالح هذا المجتمع بمصالح نُخبة قليلة تؤمِّنُ لها سيادتها واستمراريتها.
بدأ الشيعة يتطلعون إلى أطر جديدة ناظمة، ويبحثون عن تضامنات سياسية جديدة وبديلة، تمكنهم من انتزاع الاعتراف بهم، وتُسهِّل انخراطهم في الحياة السياسية. فكانت الأحزاب اليسارية، ذات الخطاب الاحتجاجي على الواقع السياسي اللبناني والعربي، أحد تلك المداخل. حيث نجحت هذه الأحزاب في تعبئة الأجيال الشيعية الجديدة والناقمة على الواقع، داخل مشاريع ثورية ذات خلفية إيديولوجية وغايات انقلابية. وقد ساهمت التجربة اليسارية، في ظهور نخب شيعية جديدة منافسة للنخب الإقطاعية، وقادرة على التعبئة والتحريك الشعبيين، وعلى التعبير عن النقمة الشيعية والشعور بالظلم بمطالب سياسية واضحة. الأمر الذي كسر عزلة الطائفة الشيعية عن محيطها الاجتماعي والسياسي، وقذف بها من خلال نخبها الفتية في قلب المعركة السياسية الداخلية.
بيد أن التطلع الأممي والقومي لهذه الأحزاب، جعلها عاجزة عن الإستجابة للتطلع الشيعي الذي كان مستهلكاً في مطالب حياتية صعبة، أكثر من انشغاله بآفاق إيديولوجية أو ثورية. أي كان الهم الشيعي هماً اجتماعياً وحقوقياً وإنمائياً، في حين كان هم الأحزاب اليسارية، تغييرياً وانقلابياً، يطاول الكيان السياسي ومنظومة القيم الإجتماعية والدينية السائدة. ما أوجد مفارقة، بين أحزاب تهدف إلى تغيير النظام على وقع إيديولجي خاص، وواقع شيعي يطمح إلى أن يكون جزءاً من هذا النظام على وقع مطالب اجتماعية وسياسية.
بدا واضحاً، بحكم البنية الطائفية للنظام اللبناني، أن الشيعة كانوا بحاجة إلى أطر أو تضامنات خاصة من داخل النسيج الشيعي، وخطاب نابع من داخل تكوينهم الخاص، ينسجم مع مزاجهم النفسي والثقافي، ويتحسس تطلعاتهم الاجتماعية، ويعبر عن همومهم ومعاناتهم بمطالب سياسية مُحددة وواضحة، ويحقق لهم شراكة فعلية داخل النظام السياسي وفي عملية توزيع موارد البلد وخيراته.
استطاع الإمام موسى الصدر، تلبية هذه الحاجة، فكان مشروعه الأكثر فاعلية وقربا وفهما للخصوصية الشيعية اللبنانية. فعمل على تحويل الإحتجاج الشعبي إلى مطلب سياسي لا يقبل الاستثمار في مشاريع ثورية متحمسة، وإخضاع التطلعات القومية والايديولوجية للاعتبارات المحلية اللبنانية. كما عمل على تحويل الشعور بالحرمان والإجحاف إلى خطاب مطلبي وقوة انتظام سياسي وشكل تعبير إحتجاجي، فركز على العمق الإجتماعي لحركته مع تغييب كامل للمحركات الإيديولوجية، وشرع في تأسيس مؤسسات ناظمة لشؤون الشيعة الدينية والاجتماعية، ما جعل حراك الصدر السياسي يتخذ مع الزمن عمقاً وحضوراً لبنانيين، ساهم إلى حد بعيد في تقليص اغتراب الشيعة عن الدولة، وتسهيل اندماجهم بالكيان اللبناني، واندراج مطالبهم ضمن لائحة الاهتمامات الرسمية.
بيد أن تغييب الصدر، وتصدع مؤسسات الدولة زمن الحرب الأهلية وتفككها إلى سلطات محلية، مع طروء الاجتياح الإسرائيلي الكامل عام 1982 لجنوب لبنان، وإنسحاب السلاح الفلسطيني من المشهد، وقصور أو تقصير الدولة في معالجة محنة الجنوب المبتلى بالإحتلالات الدائمة، ما تسبب بفراغ ميداني واسع للدولة وانكماش لجدوى الدولة في وعي الشيعة، كل ذلك أدى إلى تراجع مشروع السيد الصدر، الذي رأى في الكيان والهوية اللبنانيين، مستقراً نهائياً لنضالات الشيعة، وفي الدولة اللبنانية مرجعاً حصرياً في إدارة الأزمات ومعالجتها وسقفاً أعلى لأي نشاط سياسي.
في لحظة الفراغ القاتلة تلك، ظهرت الثورة الإسلامية في إيران، وأظهرت عناية خاصة بالمكون الشيعي اللبناني، لأكثر من سبب، وبدأت تتشكل هوية جديدة ذات مضامين دينية عقائدية وتطلعات سياسية كونية لا تراعي ولا تتقيد في التزاماتها بالحدود الجغرافية والتاريخية لتواجد الشيعة، وتنافس بطريقة أو بأخرى مستلزمات الإنتماء للكيان اللبناني. أخذت هذه الهوية تدفع، بطريقة مُنَظَّمَة، في اتجاه ملء الفراغات التي سببها الاغتراب الظرفي عن الكيان اللبناني، وأخذ المحدد الديني- المذهبي يتوسع إلى درجة احتكاره جميع محددات الذات والهوية الشيعيتين.
شكل الإنخراط في مشروع الثورة الإسلامية في إيران، العابرة في شعاراتها وطموحاتها للحدود، وسيلة عند الكثيرين في لبنان لإثبات الذات والتعويض عن الحرمان، وفرصة عالية في بناء قوة ضاغطة ضد الإحتلال الصهيوني وضد تهديدات قوى الداخل. إلا أن الحاجة المتبادلة بين الثورة وأتباعها في لبنان، تحولت علاقة عضوية واستراتيجية لا يمكن تفكيكها، جعلت من مناطق نفوذ أتباعها، التي هي عملياً جميع مناطق الشيعة في لبنان، امتداداً إقليمياً للقيادة في إيران، وجعل من إيران العمق الحيوي الخارجي للطائفة الشيعية، الذي يضمن لها قوة عسكرية ومنعة سياسية ووفرة اقتصادية غير معهودة في تاريخ الشيعة في لبنان.
استطاع اتفاق الطائف أن يرفع معضلة حرمان الشيعة في لبنان، وانتقل اللاعب السياسي الشيعي ليصبح شريكاً حقيقياً في كل مجريات الدولة وإدارة شؤونها. بيد أن الطائف، أبقى على البنية الطائفية للنظام، ورسخ إيديولوجية أو فلسفة ميشال شيحا، في اعتبار لبنان مجموعة أقليات وإثنيات وحضارات وأعراق وطوائف، يكون السبيل الوحيد للتوازن بين هذا الخليط هو قيامه على قاعدة طائفية، ويكون التمثيل السياسي والاجتماعي العادل لهذه المجموعات، هما مبرر وجود لبنان ومبدأه. إذ بدون مشاركة هذه الجماعات كمكونات ثقافية ووحدات اجتماعية قائمة بذاتها داخل الكيان اللبناني، فإن هذه الجماعات ستتبعثر وسيتبعثر معها لبنان.
هذا يعني، أن صيغة الطائف أبقت الطوائف كيانات مغلقة، وساهمت في تضخيم وتغليب الانتماء الخاص على حساب الإنتماء العام، وعززت واقع الثنائية المتعارضة والمتصارعة، بين قواعد الولاء التي تنسجها قوى ونظم مصالح كل طائفة من جهة، وقواعد الولاء العام الذي أخذ يهِنُ ويذبل بسبب تآكل مؤسسات الكيان مع الزمن من جهة أخرى.
يمكن تلمس درجة معينة من ثنائية الإنتماء وازدواجية الولاء داخل كل طائفة. وهي ثنائية ذات جذور زمنية بعيدة في تاريخ الطوائف اللبنانية، إلا أنها اتخذت أخيراً وضعاً مقلقاً، خاصة في الطائفة الشيعية، حيث لم يقتصر الأمر فيها على ترسيخ ثنائية مؤسسية مع الدولة، بل أدى تنامي قوة الانتظام العسكري الخاص داخل هذه الطائفة (وهو قابل أن يسحب نفسه مستقبلاً داخل الطوائف الأخرى)، بالإضافة إلى لعب قوى داخلها لأدوار ومهمات محلية وإقليمية وانخراطها في تحالفات والتزامات دولية، إلى تجاوز حقيقة الأحزاب السياسية بصفتها قوى وسيطة بين المجتمع (أو الفرد) والدولة، وإلى انتزاع مساحة كبرى من مهمات الدولة وصلاحياتها، أو التصرف في بعض الممارسات كأنها بحكم المعدومة.
هذه الحقيقة تركت آثاراً ثقافية داخل المجتمع الشيعي، تمثلت في خلق حالة تساكن ملتبس ومتعارض بين انتماء عام ووعي بهوية جامعة من جهة، وانتماء سياسي-ثقافي خاص ذي عمق إيديولوجي وتسويغ اجتهادي مذهبي من جهة أخرى. وهو تساكنٌ تعمل مؤسسات ثقافية ومنابر إعلامية مُنظَّمَة، على الترويج له وترسيخه في مألوف الوعي الشيعي العام.
نجح الشيعة في انتزاع الإعتراف بهم وبحقهم، إلا أن بنية الكيان اللبناني الطائفية، حالت دون تشكل مجال سياسي مستقل ومرجعية عليا وناظمة للقوى المحلية. كما أن تقصير القوى والنخب الشيعية، في دوزنة الإنتماء المذهبي، وفي العمل على ابتكار وتعميم وترسيخ وعي مُرَكَّب يوازن بين العام والخاص ويحفظ لكل حقه وموقعه، بالإضافة إلى امتداد إيراني، ذي بعد استراتيجي وعمق إيديولوجي وإسناد ديني-مذهبي، لم يتم حتى الآن رسم حدود ضابطة له وحافظة في الوقت نفسه للخصوصية اللبنانية للشيعة. كل ذلك، خلق التباساً وتشويشاً شعبيين حول مقتضيات الإنتماء إلى كيان سياسي جامع لخصوصيات ثقافية ومذهبية متعددة، وحوَّلَ بعض القوى الشيعية، التي يفترض بها أن تكون منبرا مطلبيا للمجتمع وجسر اتصال بين الفرد والدولة، وحدات منعزلة وقائمة بذاتها ومُرسِّخة لسيادة عليا لها، يُمَكِّنُها من تنصيب نفسها، وحدة سياسية عليا ومرجعية الأمر النهائية دخل المكون الاجتماعي الخاص للطائفة.
يبدو أن لبنان واقع داخل دائرة مغلقة، تتمثل من جهة في الأثر السلبي الذي يحدثه تضخم الخصوصيات في الدخول في الدولة الحديثة، وتتمثل من جهة أخرى في أثر بنية الدولة الطائفية في تضخم هذه الخصوصيات ومنافستها لوظيفة الدولة. وهي حلقة يمكن الخروج من أسرها، بإحراز تحررين، أحدهما تحرير الدولة وإلغاء وصاية وتأثير الطوائف المباشر عليها، وثانيهما تحرير الفرد من استبداد الهوية الخاصة، من خلال استعادة مفهوم الهوية المركبة والمتوازنة بين العام والخاص، وتشكيل مجتمع سياسي يضم تضامنات تقوم حصراً على عقيدة الإنتماء الوطني العام. وهما تحرران، أو خياران، يبدو أن فرص تحققهما الحالية شبه معدومة، بحكم فائض القوة عند بعض الأطر الخاصة بما يتجاوز قدرة الدولة على ضبطه أو استيعابه، وبحكم احتكار الإنتماء الطائفي لمفهوم الهوية وحقيقة الذات، وهو انتماء آخذ في الانتفاخ بشكل خطير، ما يهدد بانفجار كارثي، أو بنهاية لبنان.
- 'النهار'
من حقيبة النهار الديبلوماسية.. الحكومة لن تنزع الشرعية عن المحكمة.. تفجير الأوضاع يضرب التفاهم السعودي - السوري
بقلم عبد الكريم أبو النصر:
'خطورة المعركة البالغة القسوة والحدة التي يشهدها لبنان وتشكل تهديداً للسلم الأهلي للدولة ومؤسساتها وأركانها قد تصل الى حد إسقاط الحكومة ونشر الفوضى، ناتجة من ثلاثة عوامل أساسية هي: أولا انها معركة أكبر من لبنان ولن تتوقف بقرار لبناني وهدفها الأساسي، وهو إلغاء المحكمة الخاصة بلبنان المكلفة النظر في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية أخرى ومنع صدور القرار الظني، غير قابل للتحقيق، إذ أن المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن والدول البارزة والمؤثرة يرفض أخذ هذا البلد وأبنائه رهائن لمنع تحقيق العدالة ويرفض كذلك الإستسلام لخصوم المحكمة. ولذلك ستواصل المحكمة في رعاية مجلس الأمن والدول الكبرى مهمتها من أجل كشف حقائق جريمة إغتيال الحريري ورفاقه وجرائم أخرى وهو هدف كبير في حد ذاته ستكون له إنعكاساته المحلية والإقليمية والدولية، ثم من أجل تحديد الفريق المتورط في هذه الجرائم وتوجيه الإتهام الى أشخاص معينين إستناداً الى أدلة وقرائن ومعلومات صلبة وقاطعة تمهيداً لمحاكمتهم في حضورهم أو غيابياً. ثانياً - إن رئيس الحكومة سعد الحريري بذل أقصى الجهود من أجل تأمين العدالة والإستقرار معاً من منطلق أن التضحية بالعدالة تهدد الإستقرار، لكن خصوم المحكمة يريدون إنتزاع تنازلات أكبر منه، ليس قادراً على تقديمها وتتناقض والمصالح الحيوية للبنانيين وتطلعاتهم وأمانيهم المشروعة. ثالثاً- إن هذه المعركة تشكل أول إختبار جدي وحقيقي لمدى صلابة التفاهم السعودي – السوري وقدرته على تأمين الحماية للبنان وأمنه وإستقراره وسلمه الأهلي، وتفجير الأوضاع بسبب المحكمة سيعرض هذا التفاهم لهزة قوية وسيعني فشل تجربة المشاركة في الحكم بين الغالبية والأقلية وانهيار المصالحة الوطنية وسيشكل تهديداً للدولة ومؤسساتها وخرقاً لاتفاق الدوحة الذي يحظر إستخدام السلاح والعنف في الصراع السياسي الداخلي'.
هذا هو تقويم مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس معنية مباشرة بهذه القضية. وأوضحت المصادر أن التفاهم السعودي - السوري حول لبنان شهد ثلاث محطات رئيسية بعد التأزم الشديد بين البلدين إثر إغتيال الحريري. وهذه المحطات هي الآتية:
أولاً- الملف اللبناني كان عنصراً أساسياً في المصالحة بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد مطلع 2009 بعد حرب غزة، وقد حصلت السعودية آنذاك، بعدما طلبته، على تعهد من النظام السوري للإمتناع عن القيام بأي عمل يؤدي الى عرقلة أجراء الإنتخابات النيابية في حزيران 2009، بتركها تتم في أجواء طبيعية وهادئة ومن دون تدخلات بحيث يختار اللبنانيون بحرية ممثليهم الشرعيين. وأجريت الإنتخابات في ظل هذا التفاهم وفاز فيها فريق 14 آذار وحلفاؤه من الإستقلاليين بالغالبية النيابية والشعبية خلافاً لتوقعات دمشق وحسابات حلفائها.
ثانياً - بعد إعلان نتائج هذه الإنتخابات تم الإتفاق بين القيادتين السعودية والسورية على ضرورة تعزيز التفاهم اللبناني الداخلي من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري تحديداً تضم ممثلين للغالبية والأقلية من أجل دعم الإستقرار السياسي والأمني وتعزيز مسيرة البناء الداخلي. وتشكلت حكومة الحريري في تشرين الثاني 2009 بعد استشارات صعبة ومعقدة وجاء بيانها الوزاري بمثابة تعاقد سياسي بين الأفرقاء اللبنانيين لإدارة شؤون البلد في أجواء من التوافق الوطني. وشمل هذا التعاقد التمسك بالمحكمة وتقديم الدعم لها.
ثالثا- إنطلقت بعد تشكيل الحكومة، وفي رعاية السعودية، عملية 'تطبيع' العلاقات وتطويرها بين الدولتين اللبنانية والسورية على أساس الإحترام المتبادل لإستقلال كل من البلدين وسيادته ومن أجل تأمين المصالح الحيوية المشروعة للبلدين والشعبين وليس لبلد واحد على حساب الاخر، وبحيث تتم معالجة المشاكل والقضايا العالقة من طريق الحوار والتفاهم بعيداً من منطق الهيمنة والتبعية. وكل ما قام به سعد الحريري مذذاك، بما فيه زياراته لدمشق ومحادثاته الطويلة مع الرئيس الأسد، يدخل في إطار تنفيذ عملية 'تطبيع' العلاقات بين الدولتين المستقلتين وتسوية المشاكل العالقة تدريجاً وعلى مراحل بما يضمن مصالح اللبنانيين.
حقائق التفاهم السعودي – السوري
وأفادت المصادر الديبلوماسية الأوروبية المطلعة، إستناداً الى المعلومات التي حصلت عليها من بيروت ودمشق والرياض وعواصم أخرى، أن التفاهم السعودي – السوري حول لبنان لن يستمر كما هو بل إنه سيتعرض لإنتكاسة جدية إذا ما أدت المعركة على المحكمة والقرار الظني الى إدخال البلد في دوامة الإقتتال الداخلي الواسع، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً- إن التفاهم السعودي - السوري حول لبنان لم يتحقق على أساس معادلة تقضي بوقف عمل المحكمة وبإقناع القاضي بلمار بالتخلي عن إصدار قراره الظني في مقابل الحفاظ على التهدئة الأمنية والسياسية والسلام في لبنان وعلى حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري. إذ ليس ممكناً، أساساً، التفاهم على معادلة كهذه، وفقاً لما يروجه البعض، لأن مصير المحكمة لن تحدده دولة أو مجموعة دول إذ أن المحكمة مؤسسة قضائية دولية أنشأها مجلس الأمن ويحرص على رعاية مهمتها وهي تعمل بشكل مستقل عن المصالح والحسابات السياسية لأي جهة أو فريق. بل إن التفاهم السعودي - السوري نشأ على أساس معادلة أخرى تقضي بتحسين العلاقات بين الرياض ودمشق والعمل من أجل تحقيق المصالحة العربية الواسعة وإقدام القيادة السعودية على تشجيع 'تطبيع' وتطوير العلاقات بين لبنان وسوريا، في مقابل إحترام نظام الأسد الواقع اللبناني وإستقلال هذا البلد والمساعدة في تدعيم الأمن والإستقرار فيه ومنع حلفائه من إستخدام السلاح والعنف لمحاولة فرض مطالبهم بالقوة على الأفرقاء الآخرين.
ثانياً - تلقت باريس وواشنطن معلومات من شخصيات لبنانية وعربية بارزة مفادها أن خصوم المحكمة والمنزعجين منها يريدون أن تتخذ حكومة الحريري رسمياً وبمبادرة من رئيسها قراراً تعلن فيه نزع الشرعية عن عمل المحكمة وتؤكد رفضها من الآن فصاعداً التعاون معها ومع أي قرار ظني يصدره القاضي بلمار، وتطلب فيه من الأمين العام للأمم المتحدة ومن مجلس الأمن إتخاذ الإجراءات والخطوات اللازمة لوقف عمل هذه المحكمة ولاقفال ملف جريمة إغتيال الحريري ونقل القضية الى القضاء اللبناني. وترى المصادر الأوروبية المطلعة أنه يستحيل تنفيذ هذا المطلب، أيا يكن مسار الأوضاع في لبنان، لأن المحكمة تتمتع بشرعية لبنانية وعربية ودولية حقيقية ولأن مجلس الأمن سيرفض الإستجابة لأي طلب كهذا في حال تقديمه، ولأن الحريري وحلفاءه وكذلك الرئيس ميشال سليمان ورئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط نفسه سيرفضون هذا الطلب، كما إن القيادة السعودية ترفض دعم طلب كهذا لأنها متمسكة بالمحكمة وبضرورة كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في جريمة إغتيال الحريري وفي جرائم أخرى مرتبطة بها إستناداً الى أدلة ومعلومات وقرائن صلبة وقاطعة ووفقاً لأعلى المعايير القانونية وليس إستناداً الى إتهامات سياسية. كما إن السعودية تفصل، مع مجموعة كبيرة من الدول، بين عمل المحكمة ومسار الأوضاع في لبنان. ولذلك لم يكن هذا الطلب جزءاً من التفاهم بين الرياض ودمشق حول لبنان.
ثالثاً- أرادت السعودية من خلال تفاهمها مع سوريا إنهاء المواجهة بين نظام الأسد والقوى الإستقلالية وتحقيق المصالحة بين لبنان وسوريا في إطار تأمين مصالح اللبنانيين المشروعة وتدعيم مقومات الإستقرار والسلم الأهلي. ولم تقصد السعودية إرضاء سوريا على حساب لبنان أو إضعاف الإنجازات والمكاسب التي حققها اللبنانيون، ولذلك فهي ترفض إستغلال تقاربها مع سوريا من أجل تفجير الأوضاع في لبنان، كما ترفض أن يدفع هذا التقارب فريقاً من اللبنانيين الى الإستقواء على الآخرين وإستخدام السلاح والعنف من أجل فرض مطالبه على الأفرقاء الآخرين لأي سبب من الأسباب. وحصول ذلك يشكل إنتهاكاً للتفاهم السعودي – السوري لان دمشق مسؤولة عن تصرفات حلفائها وأعمالهم.
خسائر تفجير الأوضاع
رابعاً- رفض السعودية وجهة النظر القائلة أن تحقيق العدالة يهدد الأمن والإستقرار والسلم الأهلي ويؤدي الى تفجير حرب أهلية في لبنان وأن التهدئة الأمنية والسياسية تستمر شرط التخلي عن العدالة ووقف عمل المحكمة. ذلك أن تبني وجهة النظر هذه يعني الإستسلام للعنف والسلاح مما يشكل تهديداً لمصير لبنان وهو ما ترفضه السعودية. كما أن السعودية ترفض أن تتحرك وتعمل خارج إطار الشرعية الدولية وأن تكون في حال مواجهة مع مجلس الأمن والمجتمع الدولي من أجل إرضاء طرف إقليمي أو فريق لبناني، وهي تدرك تماماً أن مجلس الأمن لن يرضخ لمطالب المنزعجين من عمل المحكمة كما أن دولاً كبرى ترفض هذا الخيار، لأن حصول ذلك لن يهدد الأمن والإستقرار في لبنان فحسب، بل يشكل سابقة ذات إنعكاسات سلبية خطرة على الساحتين الإقليمية والدولية. ويدرك المسؤولون السعوديون من خلال إتصالاتهم أن وقف عمل المحكمة أمر مستحيل.
خامساً - السعودية تدرك تماماً، مع دول أخرى معنية بمصير لبنان، أن هذا البلد يقع في دائرة الخطر الشديد وأنه يتحمل مسؤوليات وأعباء أكبر من طاقاته وإمكاناته، سواء نتيجة حسابات جهات إقليمية أو نتيجة الصراع الإيراني – الدولي وإنعكاساته على الأوضاع الداخلية اللبنانية أو نتيجة التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بشن حرب عليه بسبب إمتلاك 'حزب الله' أسلحة وصواريخ متطورة تشكل تهديداً إستراتيجياً للدولة العبرية وفقاً لما يقوله المسؤولون الإسرائيليون، أو نتيجة تصميم دول بارزة على تفكيك التحالف السوري – الإيراني سواء بالوسائل الديبلوماسية السلمية أو بالضغوط المكثفة وإستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر. ولذلك فإن إستخدام ملف المحكمة لتفجير صراعات داخلية حادة ولضرب صيغة التوافق الوطني على إدارة شؤون البلد، قد يشجع جهات خارجية على إستغلال الوضع الداخلي المتفجر والمتفكك لضرب لبنان وإلحاق الدمار والخراب فيه من غير أن يؤدي ذلك الى وقف عمل المحكمة أو الى التوقف عن ملاحقة المتورطين في جريمة إغتيال الحريري وفي جرائم أخرى مرتبطة بها، بشكل أو بآخر.
وقال لنا ديبلوماسي أوروبي بارز مطلع على هذا الملف: 'يخطىء الذين قد يفكرون في إستخدام العنف والسلاح لمنع تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في جريمة إغتيال الحريري وفي جرائم أخرى، لأن إقدامهم على هذه المجازفة الكبرى يجعلهم يدخلون في عملية خاسرة وبالغة الخطورة بالنسبة اليهم. وأي تفجير للأوضاع في لبنان بسبب المحكمة والقرار الظني سيجعل المسؤولين عنه في حال صدام مع المجتمع الدولي ومع دول بارزة وسينعكس سلباً على التقارب السعودي – السوري وسيؤدي الى تأزم العلاقات بين نظام الأسد ودول غربية بارزة وسيهدد عملية 'تطبيع' العلاقات اللبنانية – السورية، إذ انه ليس ممكناً مواصلة هذه العملية في غياب حكومة وحدة وطنية وفي ظل مواجهة حادة بين حلفاء دمشق الرافضين المحكمة والإستقلاليين وحلفائهم المتمسكين بها. وهذا يعني أن إستخدام القوة والعنف لمواجهة المحكمة وقراراتها سيقضي على المكاسب التي تحققت في الأشهر الاخيرة بين لبنان وسوريا، ولو لم تكن هذه المكاسب في حجم توقعات الغالبية الكبرى من اللبنانيين وآمالها، كما انه يضعف مقومات التقارب السعودي – السوري ويزيد الشكوك الغربية حيال سوريا وسياساتها، ومن غير أن يؤدي ذلك كله الى وقف عمل المحكمة أو الى تغيير الأوضاع في لبنان سياسياً وشعبياً لمصلحة مستخدمي العنف والسلاح'. وأضاف: 'إن اللهجة القوية والعالية النبرة التي يستخدمها معارضو المحكمة وخصومها ليس معناها أن أصحابها أقوياء فعلاً وقادرون على تأمين مطالبهم وفرض شروطهم على الآخرين. بل أن خصوم المحكمة يلجأون الى التصعيد الكلامي والى الحملات السياسية والإعلامية البالغة الحدة والمرفقة بالتهديدات، لأنهم خائفون من المحكمة وقراراتها وخائفون من مخاطر اللجوء الى الخيار المسلح وخصوصاً حين يفشل هذا الخيار في تحقيق أهدافهم'.
ـ 'الديار'
لبنان أمام القانون الاسرائيلي الجديد بتعويضات عن &laqascii117o;ممتلكات اليهود"!
ذو الفقار قبيسي:
لماذا في هذا التوقيت بالذات، أصدر الكنيست الاسرائيلي قانونا يقضي حرفياً &laqascii117o;بأن الحكومة الاسرائيلية ملزمة بالمطالبة بتعويض عن ممتلكات اليهود التي تركوها في البلاد العربية بعد طردهم منها عقب قيام دولة اسرائيل عام 1984"، وفي نص مقصود به الابهام وسعة الاجتهاد والتفسير. فهناك فارق بين من &laqascii117o;ترك البلد العربي" وبين من &laqascii117o;طرد من بلد عربي".
ولعل المقصود بهذا الابهام ترك المجال واسعا، بحيث يمكن لاسرائيل أن تطالب بتعويض عن أملاك من تركوا من اليهود طواعية وبين من &laqascii117o;طردوا" قسرا، مع ان اليهود لم يطردوا من بلد عربي كما يوحي القانون.
وعلى النسق نفسه يهود لبنان الذين لم يطردوا من لبنان. بل اننا نذكر انه حتى بعد قيام كيان اسرائيل، كانت السوق المصرفية في لبنان حافلة بوسطاء المال اليهود. كما انه كان في الجيش اللبناني حتى بعد قيام كيان اسرائيل ضباط يهود، الأمر الذي جعل النائب الراحل اميل البستاني يطالب ليس بطردهم من لبنان، وانما فقط بان يتركوا الجيش اللبناني لسبب مهم ومنطقي، هو ان الجندي أو الضابط في لبنان لا يمكن ان لديه &laqascii117o;ولاءان": ولاء للبنان وشعبه وجيشه، وولاء مستمد من تفسير اليهود لثوراتهم بان اسرائيل هي ما يسمونه &laqascii117o;أرض الميعاد".
ويبقى السؤال: لماذا في هذا التوقيت بالذات يصدر هذا القانون عن الكنيست؟
الأرجح انه في غمرة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو الآن، وطرح مواضيع التوطين والتعويض لللاجئين الفلسطينيين، تود اسرائيل مواجهة الاعتراضات أو المطالب العربية، بالزعم ان اليهود بينهم أيضاً لاجئون بسبب الضغوط أو القيود العربية، وانهم بدورهم لهم حقوق التعويض أيضاً، على غرار ما نص عليه قرار الأمم المتحدة الداعي بالعودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.
وهكذا فان على لبنان أن يحتاط الآن، لمايمكن أن &laqascii117o;تبتكر" اسرائيل من مزاعم يهودية بشأن أي ممتلكات كانت يوماً لليهود في لبنان. علما ان لبنان لم يسبق أن صادر أو استحوذ على أملاك لليهود على أرضه. بل هناك منهم من باع ما يملك، وهناك من ترك ولا يملك، وهناك من ترك وراءه &laqascii1