قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 27/9/2010

ـ 'السفير'
العرب جميعاً أمام المحكمة الدولية
طلال سلمان:

 بات العالم يتحدث عن &laqascii117o;العرب" بصيغة الماضي! فمن أجل السلطة في الحاضر دمّر أهل النظام العربي مستقبل الأمة، وتسبّبوا في إشعال مجموعة من الحروب الأهلية اللاغية لهوية أقطارهم، فانشغل كل شعب عربي بهمومه الثقيلة، ناظراً بعين الشك والريبة إلى أشقائه من جيرانه الأقربين، مفترضاً أنهم إنما يستفيدون من نكبته... وكل ذلك بتحريض مكشوف من أهل النظام فيه.
بديهي والحال هذه أن تسقط عن العدو الإسرائيلي ملامح العدو، وأن يصير طرفاً له حق الرأي في الشؤون الداخلية لأي نظام عربي، باعتباره شريكاً في المسؤولية عن أمن المنطقة التي يطمح الآن لأن يكون &laqascii117o;سيدها" تحت المظلة الأميركية، خصوصاً وقد باتت له في البيت الأبيض في واشنطن الكلمة الفصل مع الرئيس الأسمر.
فأما في لبنان فليس جديداً القول إننا نعيش داخل حرب أهلية مفتوحة منذ ست سنوات، وإن كانت جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد أجّجت نيرانها فامتدت ألسنتها لتشمل أنحاءه جميعاً بطوائفها ومذاهبها، مستدعية نجدات سريعة من أهل النظام العربي ومن &laqascii117o;الدول" تحت القيادة الأميركية، ومن ضمنها بطبيعة الحال، إسرائيل.
ليس التحقيق الدولي في الجريمة إلا إعلان وصاية دولية على لبنان، وبالتالي فإن ما نتج عنه لم يكن إلا بمثابة توسيع دائرة الحريق إلى جواره السوري، وتحريض اللبنانيين بعضهم ضد البعض الآخر إلى حد الافتراق في الموقف حتى إزاء الحرب الإسرائيلية في تموز 2006... ومن ثم حول إسرائيل ذاتها، بحيث بات طلائع عملائها قادة مبرزين في الحاضر والمستقبل!
لم يعد &laqascii117o;العدو" واحداً، وكانت تلك نتيجة طبيعية لكون الشعب المفترض واحداً قد تشطّر إلى طوائف متواجهة ومذاهب مهتاجة تكاد تندفع إلى الاقتتال، مسقطة كل ما جمعها بالتاريخ والجغرافيا والمصلحة وروابط القربى والمصاهرة والغد الذي يكون واحداً أو لا يكون أبداً...
صار الانهيار في لبنان قرار اتهام ضد العروبة، ومحكمة دولية لمستقبل الأمة جميعاً... فلكل ما نتج عن الجريمة، حتى اليوم، وما &laqascii117o;يتنبأ" به &laqascii117o;العرافة" الدولي، ولو بألسنة وأقلام محلية أو &laqascii117o;عربية"، وإن ظل أفصحها &laqascii117o;الإسرائيلي"، قد أصاب مقتلاً في وحدة لبنان، شعباً ودولة ومقاومة، وأصاب سوريا شعباً ورئيساً وجيشاً، في حين أن هذا الناتج كان ـ بالمطلق ـ لمصلحة إسرائيل والإدارة الأميركية وفرنسا باعتبارها وكيلاً محلياً لواشنطن في بيروت.
لم يلحق بإسرائيل أي أذى، بل جاءتها المنافع والتبريكات والتبرئة المجانية، من دون أن تطلبها، بل لقد قبلها البعض في ما يتجاوز دور الشاهد بالعدل إلى المحقق المنصف والقاضي بالعدل!
ولم تصب المصالح الأميركية بأية أضرار، بل لقد وجدت فائضاً في المتطوعين لحمايتها والدفاع عن تعاظمها &laqascii117o;لإنعاش الاقتصاد المأزوم" في الوطن الصغير المهدد في مستقبله.
ولم ينقص حجم النفوذ الفرنسي، على وجه الخصوص، بل لعله قد تعاظم مع افتراض البعض افتراق &laqascii117o;العهد الجديد" في باريس عن سياسة شيراك الأميركية!
كذلك ليس جديداً القول إن فلسطين ـ القضية في طريقها إلى الاندثار، بعد مسلسل التنازلات التي ذهبت بجوهر القضية وأساسها المكين، ممثلاً في الأرض، ومكّنت للمنطق الإسرائيلي المعزز بالتأييد الأميركي المفتوح لإعلان إسرائيل دولة يهود العالم.
ذهبت &laqascii117o;السلطة" التي تمثل خلاصة ما في النظام العربي من ترد وتسليم بالأمر الواقع، مهما كان مهيناً، إلى التفاوض العبثي وهي تعرف النتيجة سلفاً. كانت محاطة بالأضعف والأرخص من أهل النظام العربي والنص الأوضح في استسلامه أمام المطالب الأميركية ـ الإسرائيلية... فكانت النتيجة اعترافاً عربياً صريحاً بإسرائيل دولة يهود العالم، من دون أن يوقف نتنياهو الذي يكاد يصنف &laqascii117o;صديقاً كبيراً" لأولئك الأهل، بناء المزيد من المستوطنات أياماً، حفظاً لكرامة من سفحوا كراماتهم على أعتابه.
وهذا طبيعي تماماً... فالإسرائيلي يعرف، قبل الأميركي وأكثر منه، أن هذه &laqascii117o;السلطة" لا تمثل، فعلياً، شعبها الفلسطيني، المنقسم على ذاته والمقسم نتيجة الاحتلال الإسرائيلي والتخلي العربي بين &laqascii117o;سلطتين" تأخذانه إلى الحرب الأهلية، وليس إلى التحرير، وبالتالي إلى التفاوض من موقع القوة الذي تتيحه له قضيته المقدسة. (...)
إن ألسنة نار الفتنة تطل من البحرين، وتجد من ينفخ فيها في الكويت..
أما اليمن فيبدو أنها قد انزلقت إلى فتنة من طبيعة معقدة يختلط فيها المذهبي بالسياسي بالجغرافي بمطامع الجوار المزكي للنزعة الانفصالية.
الطريف أن &laqascii117o;الطبيب المعالج" في هذه الحالات جميعاً هو المستفيد الأول من التلويح بنار الفتنة، أو النفخ فيها، ليفيد ليس فقط في فرض حمايته بالطلب، وإنما كذلك لبيع دول أهل الثروة في شبه الجزيرة العربية كميات هائلة من الأسلحة التي لا تعرف كيف تستخدمها، فضلاً عن أنها لا تنفع كثيراً في حروب المذاهب، وإن نفعت ـ ربما ـ في إلحاق أذى بالغ بالعرب والمسلمين جميعاً. إنها كمن يقصف جاره بقنبلة ذرية فيكون الدمار عنده كما عند الجار، بل ربما أشد، خصوصاً إذا كان حديث العهد بأسلحة الدمار الشامل!
هنا أيضاً يطل طيف إسرائيل باعتبارها المستفيد الأول من هذه &laqascii117o;الفتنة الكبرى" وقد تجددت بأوامر صريحة من الخارج (غير المسلم) ولمصلحة الخارج (الذي طالما قاتل العرب عندما لاح احتمال أن يصيروا أمة قوية وقادرة على بناء مستقبلها بإرادتها الحرة.
... وبالتأكيد فإن مثل هذا المستقبل كان ممكناً بناؤه اليوم لو أن أهل النظام العربي يؤمنون بشعوبهم وبحقها في حياة كريمة أول شروطها الاعتراف بهويتهم الجامعة التي لا تقبل الجدل.
كل العرب أمام المحكمة الدولية، وليس لبنان وحده. فأهل النظام العربي لا يتورعون عن اتهام شعوبهم بالأخطر من الجرائم ليحاسبوا عليها ممّا يمكن لعروشهم ذات السلطة الإلهية!
لقد ذهب أهل النظام العربي بشعوبهم إلى محاكمة دولية سوف تدينهم من قبل، بل ومن دون أن تسمعهم، لأنها مجرد رعايا، لا رأي لهم في شؤون بلادهم وليس لأعدادهم أي حساب.
بإحصاء بسيط سنكتشف أن محكمة دولية ما تحاكم شعب مصر، وشعب السودان، وشعب اليمن، وشعب العراق، وشعب سوريا، فضلاً عن لبنان إلخ... وأن الأحكام تتجاوز أهل النظام العربي فتبرئهم، بل وتزكيهم على خدماتهم التي تتجاوز المعقول، فيكون ذلك حكماً إضافياً بإنكار وحدة شعوبهم وجدارتها بمستقبل يحفظ لها كرامتها مع الخبز.
لعلها الذكرى الأربعون لغياب جمال عبد الناصر قد حكمت السياق وأملت الاستنتاجات.
إن العرب اليوم بلا قيادة، تائهون عن طريقهم إلى غدهم، مساقون إلى مسلسل من الفتن والحروب الأهلية لا تنتهي.
في ظل هذه المخاطر تطل ذكرى القائد العربي الذي حاول فنجح أحياناً، وأخفق أحياناً، ولكنه أكد البديهة: إن هذه الأمة واحدة، تكون قوية بوحدتها وحرة في أرضها ومؤهلة في صناعة مستقبلها، أو تحاكم أمام &laqascii117o;الدول" ويحكم عليها بخسارة حقها في الحياة، وتصير أرخبيلاً من الطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر المقتتلة إلى يوم الدين.
ولعل دولة يهود العالم اللاغية لفلسطين هي أول الطريق إلى ذلك اليوم الموعود.
    

ـ 'السفير'
يسوّقون لمعادلة إلغاء المحكمة يســاوي إلـغــاء المقـاومــة!
معن حمية:

... إن الكلام عن معادلة جديدة عنوانها، &laqascii117o;لا محمكة ـ لا مقاومة"، يضع &laqascii117o;المحكمة" كحلقة من حلقات مشروع الفتنة الذي تقوده &laqascii117o;إسرائيل" للنيل من المقاومة، فهل هذا ما يريده البعض في لبنان؟
ان مقاربة الموقف من المحكمة الدولية بين من هم مع المحكمة ومن هم ضدها هي مقاربة خاطئة، ولا تستقيم مع الواقع لأن اللبنانيين جميعاً يريدون معرفة الحقيقة وكشف المجرم الحقيقي. وعلى القوى التي تقول أنها مع المحكمة، أن تبدد هواجس من تعتبرهم ضد المحكمة. لكن أي صورة تستطيع قوى ألـ&laqascii117o;مع" تقديمها بعد كل ما أحاط بمسار المحكمة الدولية من شبهات أدرجت عملها وكل ما قامت به في خانة التسييس المكشوف، سواء من خلال التسريبات الإعلامية أو عبر تصريحات المسؤولين &laqascii117o;الإسرائيليين" والغربيين، أو من خلال تقارير المحققين الدوليين منذ ديتليف ميليس الذي تبنى شهادات الزور...
وكيف يمكن لقوى ألـ&laqascii117o;مع" أن تقنع من تعتبرهم قوى الـ&laqascii117o;ضد"، أن المحكمة ستحكم بالعدل والقسطاس، في حين بدأنا نسمع تسويقاً لمعادلة جديدة بأن &laqascii117o;لا محكمة ـ لا مقاومة"، وهذا التسويق ينطوي على اعتراف ضمني بأن المحكمة وجدت لتكون في مواجهة المقاومة... وأن العرض الضمني حالياً هو إلغاؤها مقابل إلغاء المقاومة!
المحكمة الدولية مشكوك بصدقيتها لأنها تهمل فرضية تورط &laqascii117o;إسرائيل" بجريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما زاد الشك بها، هو تجاهلها للمعطيات والقرائن الثبوتية التي قدمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول تورط العدو &laqascii117o;الإسرائيلي" في الجريمة.


ـ 'السفير'

ابواب دمشق المفتوحة
ساطع نور الدين:

عادت الزيارات اللبنانية لدمشق الى سابق عهدها، الى وتيرة لم تكن مألوفة حتى قبل نيسان العام 2005، لتشهد على ظاهرة صحية في العلاقات اللبنانية السورية، وعلى ظاهرة مرضية في العلاقات اللبنانية - اللبنانية التي تقف على حافة حرب اهلية جديدة...
عادت المياه الى مجاريها الطبيعية، التي لا تستبعد المزيد من الفضائح اللبنانية والكثير من الأخطاء السورية، قبل أن تكتشف الدولتان والشعبان أن الزيارات ليست تواطؤاً بل هي ضرورة وواجب. (...)


ـ 'الأخبار'
القوّات 2010: حداثويّة تتكلّم لغة الماضي
ابراهيم الأمين:

لم تكن الأعلام اللبنانية ترفرف في ساحة ملعب جونية. الحشود ليست قليلة بالنسبة إلى فريق لا يزال يصرّ على مفاهيمه الأولية، رغم أن التغييرات التي عصفت به وبالبلاد لا تتناسب وخطابه. سمير جعجع نفسه يحاول جاهداً تجاوز قوانين الحياة. يريد أن يبدو على شكل أبناء المدينة. يعرف أنّ الترييف الذي أصاب بيروت، والتجمّعات المدينية على الساحل ليس أمراً عادياً، وأنّ الأمر يحتاج إلى جيلين على أقل تقدير حتى يمكننا الحديث عن عناصر شَبَه أو تطابق مع أبناء الأحياء الهادئة. والذاكرة المعيشة ليست كتلك التي يمكن الحديث عنها لمجرد أننا نودّ التغيير. الفارق بين سمير الأمس وسمير اليوم هو نفسه الذي قام بينه وبين زوجته ستريدا منذ تعارفهما. حاولت الفتاة الغنوجة صادقةً طمأنته إلى أنها لا تشعر بفروق اجتماعية بينهما، وهي محاولات تشبه محاولاته الصادقة للتشبّه بها. ومنذ اليوم الأول الذي قررت فيه إلباسه بذلة وربطة عنق، بدا كأنّه في ثياب أبيه. وظل الأمر كذلك لأنه في لحظة الاصطدام الاجتماعي بينهما، لا يبقى أيّ معنى لكل عناصر التفوّق المكتسبة.
لا القوة تنفع ولا الهالة ولا الإحساس بالأمان، تماماً كما هي الحال بين سمير جعجع وبيار الضاهر. الأخير ابن عائلة غنية، لكنه كان شديد الإعجاب بالمناضل البشرّواي، الساعي إلى تحسين أوضاعه وشكل تعبيره عن الانتماء إلى القضية المسيحية. تحوّل إعجاب بيار وأبيه بسمير إلى محاولة للتماهي، من خلال فتح المنزل ومحاولة تحويل طالب الطب فرداً طبيعياً من العائلة. لكنّ الاصطدام بخلفية المصالح، والافتراق الناجم عنه، يعيدان إلى الواجهة، وفي لحظة واحدة، كل الفروق الاجتماعية التي كان يُفترض بالنضال المشترك محوها.
ثمة دونية مضمرة تواجه فوقية سافرة في العلاقة بين أبناء الريف والإقطاعيين أو النافذين في المدينة. كان جعجع ذروة التمثيل الاجتماعي للّذين ظلوا على الدوام وقود معارك الزعامات الإقطاعية في جبل لبنان. لكن جعجع سرعان ما أدرك أن التغيير لا يجري عن بعد. والقسوة وفرض الأمر الواقع بالحديد والنار خلال سنوات الحرب، لم يجعلاه مواطناً أصلياً في كسروان. والرغبة في الانتماء إلى جبل لبنان لا تجري فقط من خلال نقل السكن إلى قلبه. فها هي بيروت تعجّ بالوافدين إليها خلال العقود الخمسة الماضية. جيلان من البشر تكوّن وعيهما في المدينة والأحياء على اختلاف تفاوتها الاجتماعي. لكن سر الانتماء في بلد مجزّأ على هذا النحو، يبقي سعد الحريري غريباً مثله مثل نبيه برّي. وكل الياقات المرتّبة والسيّارات المرفّهة والمنازل المجمّلة من الخارج أو الداخل لا صلة لها بروح المدينة الأصلي. ولم يكن ممكناً لرفيق الحريري بدعم من كل قادة الحرب والمترهّلين من أهل الإقطاع أن يجعل وسط بيروت على شكل مختلف عن صورتها الحالية. هكذا تكون معراب بناءً على شكل أبنية الأغنياء في الريف، منزلاً منفرداً له، لا يشاركه فيه أحد من غير أهل داره، لكنه يحتاج إلى هذا الحصار الذاتي بكميات من الباطون والحراس. تماماً كما هو بيت سعد الحريري الحالي في &laqascii117o;الوسخ التجاري"، أو قصر رئاسة المجلس النيابي في عين التينة. لا حرارة متصلة بالأرض كما هي حال ما بقي من منازل في عين المريسة أو أحياء الأشرفية المختفية خلف غابات الباطون.
لم ينتبه سمير جعجع إلى أنه لا يزال وافداً، وإلى أن عقد الاجتماع في ساحل كسروان لا يمنحه الشرعية الشعبية، أو يزيل من ذاكرة المكان وأهله صورة الكثيرين من الذين ملأت أسماؤهم الجدارية خلفه. وهي صور أبناء الريف الذين استدعاهم الإقطاع السياسي للمارونية السياسية. أولئك الذين يعرفهم اللبنانيون جميعاً في كل المناطق، حيث جرت تسميتهم الميليشيات. وحتى اللحظة لا ينفع تعلّمهم أو أشغالهم الجديدة ودخلهم المرتفع في جعل الارتقاء الاجتماعي طبيعياً.
لا يزال جعجع ممثّلاً لحالة قبلية تنحصر فعاليتها في جيب شمالي صغير. وليس في وجهها سوى أعداء من البيئة نفسها، ثقافياً وفكرياً ودينياً واجتماعياً. ولن يكون بمقدور أحد إدخال تغييرات جوهرية على صورتها. الصراخ سمة المتحدثين فيها، والعبوس والوشوم إشارة إلى كيف يلفت انتباه الحاضرين. وعلى الجميع التقيد بالمظهر نفسه، وبالصوت نفسه وبالكلام نفسه، وحتى عندما يتغير المظهر الخارجي، تبدو الثياب كلها من مصدر واحد. صار أبناء بشري جميعاً، مؤيدين كانوا أو معارضين لجعجع، مسؤولين شاؤوا أم أبوا عن أفعاله. نجح هو والآخرون من خصومه في جعل أبناء بلدته الفقيرة في وضعية تشبه أتباع وليد جنبلاط. وصار هو بطلهم الوحيد. يتخيّلونه على صورة المسيح، ويرون في خطبه دروساً تحاكي ما ورد في الأناجيل. يشكون في منازلهم من الضيق الاقتصادي. يظهرون استعداداً عملياً لفعل أيّ شيء يرضي زعيمهم، ولو تطلّب الأمر منهم العودة إلى الحرب، لكنهم لن يهتموا أبداً لسماع رأي الآخر، إن كان يسألهم عن أحوالهم.
فجأةً بدا جعجع في عالم آخر. هو لا يقدر على تقليد أبناء جبل لبنان دون الالتزام بقواعد اللعبة. يمكن وليد جنبلاط أن يشتمه يومياً، لكنه حتى إشعار آخر، لن ينجرّ إلى صدام معه. لأنّ جنبلاط في نهاية الأمر، هو الشريك الإضافي في إعادة الاعتبار إلى جبل لبنان كمركز للحكم والقرار. وحالة جعجع هنا، هي في جعل ناسه يسيرون خلفه وهو يحاول انتزاع الشارع من بين أيدي الآخرين. يخاطب العونيّين، ويقاتل حزب الله، ويحابي المستقبل، لكن جهده الحقيقي هو في اصطياد ما أمكن من القاعدة الكتائبية، وجعل نديم بشير الجميل يسير خلف قيادته هو. وها هو يعرض على &laqascii117o;شخصيات" 14 آذار ذوات الحيثيات البلدية أن تكون جزءاً من فريقه. عرض على فارس سعيد وميشال معوض أنه يقدر على منحهما حيثية تشبه حيثية جورج عدوان، لكن الشرط الحاسم هو انضمامهما إلى &laqascii117o;القوات" مباشرةً لا مواربة.

لا يزال جعجع يمثّل حالة قبليّة محصورة في جيب شمالي... وأعداؤها أبناء بيئتها دينياً واجتماعياً وثقافياً
يبدو سمير جعجع مثل أبناء تنظيم &laqascii117o;القاعدة". أولئك الذين يقولون إنهم يطبّقون ما تعلّموه على أيدي المؤسسة الدينية الراعية في المملكة، ثمّ اكتشفوا أنّ جهادهم يتضارب مع مصالح المملكة، فحصل الانفصال. هكذا هو جعجع يتذكر ما تعلّمه على أيدي منظّري الجبهة اللبنانية، ورجالاتها من السياسيّين والكنسيّين. وعندما أراد حصته، وجد نفسه في حالة الاصطدام. لكنّ المشكلة أنه لم يعر اهتماماً إلى أنّ الانهيار أصاب أولاً قاعدة أساتذته، وأنّ ما يمثله ميشال عون اليوم، هو نفسه التعبير عن رفض تجربة الجبهة اللبنانية بكل متفرعاتها وشخصياتها. بهذا المعنى، يمكن فهم تعابير وجه سامي الجميل في احتفال &laqascii117o;القوات"، وهو يرمق الحاضرين بنظرة المستغرِب كيف أنّ الناس يسيرون خلف الابن سمير، ولا يكترثون لأبناء المعلم بيار، فيما يحاول نديم الجميل استغلال صورة والده العملاقة لاكتساب موقع متقدم بين الحشود التي لا يمكنها أن ترى أحداً غير القائد الذي يشبهها.
لا شيء في مكانه، والاستعارة لا تنفع في كل الأوقات. حتى عندما استعار جعجع شاشات البث لخطابه، بدا غير ملتزم شروطها. تجمّد رأسه بعكس الحركة المطلوبة. ونسي أنّ الخطاب الجماهيري لا يقوم على حفظ الكلمات الرنانة أو معرفة توقيت النطق بها بنبرة مختلفة. كان عليه أن يكون أكثر عفوية. وكان عليه استغلال الذاكرة لكي يتأكد بنفسه أنه لا يزال هو نفسه، أن يدعو مرافقه ليسأله عن منظره لا أن ينتظر ثناء ستريدا على اكتمال مشهده الخارجي. أمّا العيون وحركة الأيدي والنظر إلى الحشود ومخاطبة الآخر غير الموجود في المكان، فكلها تدل على حالة غير طبيعية، لا ينفع في علاجها غير طبيب أكمل علومه ولم يكتفِ بعلوم أوّلية انتهت كدرس في الجراحة العشوائية على طريقة الجزّارين.
وفي مكان آخر، يبدو سمير جعجع مثل بقية القواتيّين، يحتاج إلى الثقة بالنفس كل صباح. هم لا يكتفون بالحشد الذي جمعوه في ملعب جونية للقول إنهم قوة فاعلة على الأرض. ظلّوا على الدوام يحتاجون إلى بودي معلولي لكي تكون الصورة أكبر من الواقع. هم لا يحتاجون إلى وسائل العمل النقابي لجعل الناس يشعرون بأن الحشد أكبر وأكبر، فلا داعي إلى إقفال الطرقات بالسيارات لجعل الناس ينظرون إلى الازدحام على أنه حشد قواتي، ولا كثرة الأعلام تحوّل العصيّ إلى رجال، ولا أصوات مكبّرات الصوت تجعل الناس مقتنعين بما يرونه. ولا تقليد حزب الله يعيد قوات الصدم إلى الخدمة. حتى مخاطبة شباب التيار الوطني الحر وشاباته، لا تفيد في كسر طوق الانعزالية الذي يلفه جعجع حول نفسه وحول أعناق مريديه. ذلك أنّ حدة الانقسام السياسي في لبنان، ووضوح طبيعة المعركة في المنطقة، لا يفسحان مجالاً للمتلاعبين والمزوّرين، وكان عليه الاكتفاء بصورته كما هي. لأنه، رغم كل شيء، يجب النظر إليها وأخذها في الاعتبار.


ـ 'الأخبار'
عزيزي السيّد كاسيزي
خالد صاغية:

في مقابلته التلفزيونيّة الأخيرة، حذّر النائب سليمان فرنجيّة من صدور قرار عن المحكمة الدوليّة يتّهم أفراداً من حزب اللّه باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مشيراً إلى أنّ قراراً كهذا هو بمثابة إعلان حرب. في المقابل، أعلن، أمس، رئيس حزب الكتائب، أمين الجميّل، أنّه &laqascii117o;إذا كان الخيار بين المحكمة ـــــ ولو حصلت بعض الإشكالات على الأرض ـــــ واللامحكمة، فأنا مع المحكمة"، مضيفاً إنّه يؤكّد موقفه هذا &laqascii117o;مهما تكُن تداعيات القرار الظنّي".
يكاد هذان الموقفان يختصران الموقف اللبناني من المحكمة الدولية. فالخيار الحقيقي الوحيد المطروح أمام اللبنانيّين اليوم هو الآتي: إمّا المحكمة والفتنة، وإمّا اللامحكمة واللافتنة. أمّا الموقف المبدئيّ القائل بالمزاوجة بين المحكمة والسلم الأهليّ، كما يعبّر عنه سمير جعجع مثلاً، فلا مكان له في عالم السياسة وعلى أرض الواقع. قد تكون هذه الحقيقة جارحة وموجعة، وهي كذلك فعلاً، لكنّها الحقيقة الواقعة اليوم، الآن وهنا.
باستطاعة البعض التذاكي، كما يفعل بعض نوّاب المستقبل حين يتساءلون: ومن قال إنّ المحكمة ستتّهم أفراداً من حزب اللّه؟ وباستطاعة آخرين أن يقلّلوا من هول المأساة، مذكّرين بأنّ الكثير من القرارات الاتّهاميّة لم تصمد أمام المحاكم الدوليّة وجرى التراجع عنها في سياق المحاكمات. لكنّ الجميع يعرف أنّ الجميع بات يعرف أنّ أصابع الاتّهام ستُوجَّه نحو عناصر من حزب اللّه، وأنّ دولاً تتدخّل لتأجيل صدور القرار، وأنّ المدّعي العام الدولي دانيال بلمار لا يعيش في جزيرة &laqascii117o;العدالة" المعزولة.
الواقع أنّه لو كان القرار الاتّهاميّ حكماً مبرماً، لربّما جازت المجازفة في شأنه. فمن حقّ شعب أن يقرّر خوض حرب من أجل الدفاع عن مفهوم العدالة على أرض وطنه. لكنّ المأساة الحقيقيّة هي أنّ القضاة والعدالة الدوليّة باستطاعتهم أن ينتظروا سنوات كي يتأكّدوا من صحّة اتّهاماتهم، وأن يأخذوا وقتهم في المرافعات أمام قوس المحكمة، لكنّ لبنان 2010 لا يستطيع أن ينتظر. لأنّ لبنان 2010 يقع على الضفّة الشرقيّة للبحر الأبيض المتوسّط، في تلك المنطقة التي غزاها الجيش الأميركي يوماً باسم &laqascii117o;حرب عادلة"، وسبّب غزوه انفجار ما يسمّى الفتنة السنّية ـــــ الشيعيّة.
عزيزي السيّد كاسيزي،
من حقّك أن تصرّح بأنّ أحكام العفو السابقة لم تساعد لبنان على العيش بسلام. ومن حقّك أن تصرّ على أن تأخذ العدالة مجراها، هذه المرّة، مهما كان الثمن. لكن، عليك أن تدرك جيّداً أنّ مقرّ المحكمة الدوليّة هو في لاهاي، أمّا قراراتها، فستنفجر في بيروت.


ـ 'النهار'
تفاؤل حذر بمفاوضات إسرائيل والفلسطينيين
سركيس نعوم:

يبدو ان عملية السلام على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي تستأثر بقسط وافر من اهتمام الرئيس الاميركي باراك اوباما رغم كل المشكلات الداخلية التي يعانيها، والتي يتوقع كثيرون من الاميركيين ان تضيف اليها الانتخابات النصفية في الثاني من تشرين الثاني المقبل مشكلة جديدة. وقد لاحظ ذلك كل الذين استمعوا الى خطابه في افتتاح الجمعية العمومية للأمم المتحدة الاسبوع الماضي. طبعاً المشككون في صدق النية السلمية لأوباما أو في قدرته على ترجمة صدق نيته تسوية نهائية بين اسرائيل والفلسطينيين يزداد عددهم يوماً بعد يوم. أولاً، لأن تجارب الماضي البعيد والمتوسط لا تشجع على توقع ضغوط اميركية منتجة على اسرائيل التي عليها عملياً ان تعطي الفلسطينيين اكثر مما تأخذ منهم، علماً ان ما تريد اميركا منهم ليس بالقليل على الاطلاق. وثانياً، لأن قدرة اسرائيل على ممارسة تأثير ضاغط على ادارة اوباما كما على الادارات السابقة لها لا تزال كبيرة. وثالثاً، لأن الوضع الداخلي لرئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو لا يبدو مرتاحاً كثيراً وخصوصاً بعدما بدا انه صار اسيراً أو رهينة بارادته طبعاً، لليمين المتطرف ولا سيما الذي يمثله وزير خارجيته افيغدور ليبرمان.
ويبدو ايضاً من خلال ايحاءات فلسطينية واسرائيلية وكذلك من خلال تمسك اوباما وإدارته  بتجميد الاستيطان اليهودي حرصاً منها على استمرار المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية التي لم تبدأ إلا منذ وقت قصير جداً - يبدو ان تسوية ما لمشكلة الاستيطان هذه قد تكون وضعت على نار حامية. الا ان المواقف الاخيرة التي سمعها العالم امس من مسؤولين فلسطينيين تشير الى عودة التمسك بتمديد تجميد الاستيطان الذي انتهى مفعوله أمس ورفض أي تسوية جزئية لهذا الأمر تحت طائلة الانسحاب من المفاوضات. وقد يكون سبب ذلك تشدد نتنياهو وموافقته على تسوية شكلية لا يستطيع محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ان يستعملها لتغطية استمراره في المفاوضات المباشرة.
ما هي حقيقة ما يجري بين الفلسطينيين والاسرائيليين مباشرة وعبر الاميركيين أو هل هناك فعلاً ما يبرر 'تفاؤل' البعض في استمرار المفاوضات بين الفريقين واقتناع البعض الآخر بأنها ستتوقف أو ستجمد من الفشل في تمديد تجميد الاستيطان في الضفة الغربية؟
يعطي متابعون اميركيون لعملية السلام وخصوصاً للمسار الفلسطيني – الاسرائيلي فيها جوابين عن ذلك. يفيد الأول، وهو يعود الى ما قبل اكثر من اسبوعين، ان المعنيين الاميركيين متفائلون ولكن بحذر في المفاوضات المباشرة، وإمكان اجتيازها العقبات الكأداء، وتمهيد الطريق امام تسوية سلمية معينة أو اطار جدي لتسوية نهائية. فرئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحدثا مباشرة احدهما مع الآخر اكثر من مرة وقررا عدم التعرض لحل كل الموضوعات البارزة والشائكة في آن واحد تلافياً لانهاء المفاوضات قبل ان تبدأ. وقد وافق الرئيس الفلسطيني على عدم اثارة موضوع المستوطنات التي سيستمر بناؤها لأنها ستكون داخل الاراضي التي ستصبح جزءاً من اسرائيل بعد التسوية. وفي المقابل وافق رئيس الوزراء الاسرائيلي وخصوصاً الآن على عدم اثارة، موضوع اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة اسرائيل. ذلك ان هذا الموضوع ستبحث فيه لاحقاً عندما يجد المتفاوضان ومن معهما من عرب ومجتمع دولي حلاً أو حلولاً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين (تعويضات مالية – لم شمل عدد من العائلات – عودة البعض الى الضفة وغزة). واتفق المسؤولان على ان يتركز البحث في المرحلة الحالية على الحدود النهائية (ولا يشمل ذلك القدس الشرقية) والامن. وتوصلا الى تفاهم بديهي يفيد ان اتفاقاً بينهما على الموضوعين المشار اليهما من شأنه دفع نتنياهو الى التخلص من المتشددين والمتطرفين داخل حكومته وإن اقتضى الأمر الاتفاق مع حزب كاديما وزعيمته تسيبي ليفني.
اما الجواب الثاني، وعمره أيام قليلة، ومصدره المتابعون الاميركيون انفسهم فيفيد ان المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية ستستمر. لكنها ستواجه مأزقاً هو تجميد الاستيطان في الضفة الغربية. ويفيد ايضاً ان ضغوطاً تمارس حالياً من الاميركيين على نتنياهو لتمديد هذا التجميد، رغم معرفتهم ان استجابته ستثير له ازمة داخل حكومته قد لا ينجح في تجاوزها بسبب غياب اي 'حل' او مشروع حل حسي بين يديه. ويفيد ثالثاً أن الحل للأزمة هذه يبقى بناء المستوطنات على اراض ستكون داخل دولة اسرائيل، وان تبادلاً للاراضي سيحصل بين الفريقين، كأن يأخذ الفلسطينيون اراضي مأهولة باخوان لهم في مقابل المستوطنات اليهودية. ويفيد رابعاً، ان المعنيين في الادارة الاميركية لا يزالون متفائلين ولكن بحذر ايضاً ومصممين على دفع الفريقين الى تحقيق نتائج ايجابية. ويفيد خامساً، ان واشنطن اطلعت رئيس الجمهورية والحكومة اللبنانيين على كل ما يتعلق بالمفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية وكذلك الرئيس السوري بشار الاسد. وقد أُعطي لبنان تأكيدات ان لا توطين لفلسطينيين على ارضه في التسوية النهائية.
ماذا يمكن ان يوقف المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية ولا يكون في صلب الازمة الثنائية بين فريقيهما؟
يجيب المتابعون الاميركيون انفسهم ان المفاوضات المذكورة ستُعلق اذا وضع 'حزب الله' علانية وعلى نحو رسمي يده على لبنان. وأمر كهذا ربما تستغله اسرائيل لإكمال استعداداتها الدفاعية ولمضاعفة التأييد الاميركي لها. مع الاشارة الى انها لن تقدم على اي شيء يدفع الحزب الى 'الاستيلاء' على لبنان.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد