- 'الديار'
الحريري ونصرالله: الفتنة تعميم للخسارة .. الخارج يوقد وذروة الحاجة لسليمان
عيسى بو عيسى:
يوم زار وزير الخارجية الاميركية السابق هنري كيسنجر لبنان في اواسط السبعينات ولم تستطع طائرته الهبوط في مطار بيروت الدولي وتمت الاستعاضة عنه بمطار القليعات ذكر بعدها كيسنجر انه عند هذا الحين عرفت ان ارض لبنان خصبة جداً للفتنة والقتال، وبعدها اندلعت الحرب اللبنانية ولم يسلم منها طرف محلي او اقليمي الا واصيب بشظاياها، وبقي الفكر الكيسنجري يشكل على مدى السنوات خطة عمل يهودية - اميركية رأسمالها الوحيد الفتنة والتفتيت، ولم يزح عن هذا التفكير اي رئيس او ادارة اميركية منذ ذاك الوقت، وفعلوها في العراق والسودان وفلسطين وبعض الاردن وها هو الاستطلاع الجديد للادارة الاميركية يطل برأسه نحو لبنان على قاعدة عودة المجرم الى مكان ارتكابه الجريمة، فهل ارض لبنان تبدو خصبة للاقلاع من جديد نحو الفتنة وفق مكونات طائفية جديدة؟
تجيب الاوساط السياسية بان ما يحدث مؤخراً على الساحة اللبنانية وتحديداً في الساحة الاسلامية يوحي وكأن الارض اللبنانية باتت خصبة ويانعة الى الحد الذي يبان من خلاله الاصبع الاسرائيلي في الخاصرة اللبنانية من خلال دخول العامل الاسرائيلي على خط المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي، وان احدا من اللبنانيين على مختلف مشاربهم لا يعطي صك براءة من الاستفادة الاسرائيلية لهذا الوضع القائم ما دام المطلوب هو رأس المقاومة في سلم اولويات السياسة الاسرائيلية.
تستطلع الادارة الاميركية ومعها الاسرائيلية او انهت &laqascii117o;طلعاتها" للواقع اللبناني تماما كما اطل كيسنجر من نافذة طائرته للبقاع اللبناني متوجها نحو القليعات محدداً نقاط الضعف في الجسم اللبناني النحيل، وتبدو الرؤية من المنظار الاميركي حسب هذه الاوساط &laqascii117o;جيدة ومثمرة" تمهيداً للانقضاض على ما تبقى من النفس اللبناني وسط الاجواء التي يعيشها اللبنانيون وكأنهم وسط تهيئة سياسية وعملانية وفق المشهد التالي:
اولا: اصبح يقينا ان حزب الله لن يتعامل مع المحكمة الدولية ويعتبرها عملا اميركيا - اسرائيليا بمثابة عدوان مباشر عليه وكما تعامل مع عدوان تموز 2006 سوف يقاوم هذا القرار الاتهامي عن هذه المحكمة بالسياسة والعسكر اذا لزم الامر وهو في مطلق الاحوال سوف يرفض اي اتهام لمجرد اي قريب للحزب وان مسألة امتحانه في هذا الصدد لا لزوم لها لان ردة فعله اظهرها في اكثر من مناسبة واثبت انه قادر على قلب الاوضاع دون السؤال عن النتائج على خلفية ان اتهامه بقتل زعيم السنة السياسي في لبنان مسألة ليس فيها سوى تفسير واحد: خلق فتنة سنية - شيعية لن يربح فيها الحزب ولا غيره من اهل السنة وبالتالي خراب البلد، والى هذا الحد بالذات يعتقد حزب الله ان اتهامه بهذه الجريمة سوف يودي الى هذا المشهد من غير ان يطلبه او يسعى اليه، فهو اكثر المتضررين من &laqascii117o;تكويعة"البارودة من الجنوب نحو الداخل وسوف يعمل حسب هذه الاوساط الى درء وتجنب الفتنة حتى الرمق الاخير اللهم الا اذا فرضت عليه فرضاً بمعنى: يا قاتل يا مقتول، وتتابع هذه الاوساط سردها لموقف الحزب من عملية اتهامه بقتل الرئيس رفيق الحريري لتقول: ان الامام الخميني الراحل كان يوصي: انه مجرد فتح باب الخلاف بين السنة والشيعة هو من اعمال الحرام، وكذلك يقول السيد السيستاني: لا تقولوا اخواننا السنة بل قولوا انهم انفسنا، والى هذا الحد يتمسك حزب الله بمنع الفتنة الحرام ويعتبرها عملاً اسرائيلياً بامتياز لا يجوز الانقياد اليه وكل ما يبعـد الفتنة عن البلاد سوف يقوم به حتى ولو على البعـض من حسابه الخاص انما ليس على سمعة الحزب وهي المطلب الاميركي - الاسرائيلي في المقام الاول، اذا فان القرار المركزي لحزب الله هو خنق الفتنة في مهدها والعمل بكل المستطاع لتجنبها... اللهم الا.. وهذا المسار تعرفه اسرائيل واميركا ويعرفه المحليون في لبنان على اختلاف احزابهم وطوائفهم، والاستطلاع فيه اسرائيليا معروف.
ثانياً: الرئيس سعد الدين الحريري وهو الزعيم الاول السياسي للطائفة السنية في لبنان ومن حقه معرفة من قتل رئيس حكومة لبنان وبالتالي والده وهو يحاول المستطاع للموازاة بين عاملي العدالة والاستقرار في آن معا، وبالرغم من اعتباره ان المحكمة الدولية هي قضية حق لا يمكن الاستغناء عنها ويجب ان تستمر بعملها ومن جهة ثانية يحاول الا تكون مفاعيل المحكمة مؤدية الى فتنة شيعية - سنية وتقول هذه الاوساط ان الرئيس الحريري وقبله والده الراحل الرئيس رفيق الحريري لا يؤمنان بالعنف وسيلة لتحقيق غاية سياسية وبالتالي فان سعد الحريري يعي تماما ان مسألة صدور القرار الاتهامي الذي سيطال افرادا من حزب الله سوف تؤدي اقله الى قلاقل وفتن متنقلة ان لم تكن شاملة مع انه يستغرب ان يؤدي قرار محكمة دولية بحق افراد الى اشعال فتنة بين المسلمين، وفي ثقافة الحريري الابن المستمرة عن والده ما يدعو الى الشك الكبير بالسعي وراء الاقتتال وصولا الى عدم ايمانه بالعمل المسلح بين الناس، واذا ما استطلعت الادارة الاميركية واسرائيل مواقف الرئيس الحريري عن قرب سوف تجدها ضامنة للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين فكيف بالاحرى بين المسلمين انفسهم ولا يستطيع اي فريق محلي او دولي ان يراهن على آل الحريري لاشعال فتنة في لبنان وسوف يتم خداع الاميركي والاسرائيلي اذا ما قيل لهم في يوم من الايام ان بيت الحريري يسعون الى الفتنة، اما والحال انهم يريدون العدالة ومعرفة قاتل قائدهم فليس بالضرورة ان تتلاقى مع امنيات خارجية لتفسيرها مطلبا لاندلاع القتال بين السنة والشيعة، وبهذا يكون القرار المركزي للرئيس الحريري وللسنة في لبنان عموما لا للفتنة بل القليل من العدالة!!
وتعتبر هذه الاوساط ان في اجواء البلاد ثمة لغطا مكثفا ومقصودا بالتوجه محليا نحو الفتنة مع تناسي عوامل اخرى وافرقاء اخرين لديهم القدرة الاستخباراتية والمالية التي تخفي في طياتها اهدافا ودلالات واضحة للعب بالنار، واسهل الامور لدى هذه الدوائر المخابراتية للنيل من لبنان وما هو متوفر حاليا لديها من ادوات هو استغلال القرارالاتهامي لاشعال الارض في لبنان ما دامت الحروب العسكرية والطائرات والبوارج لم تستطع تحقيق اهداف اسرائيل في كسر ذراع المقاومة في لبنان، وبالتالي حسب هذه الاوساط فان استهداف لبنان بكامله وليس مقاومته فحسب يمكن ان ينجح من خلال اشعال الداخل وما دام الداخل اللبناني يرفض الفتنة سرا وعلنا فمن هو القائم بها؟
الاجابة كالتالي: يمكن الركون بشكل كبير الى متانة مواقف الزعماء السنة والشيعة في لبنان برفضهم الدخول في فتنة لن يربح فيها احد وهذا الربح يمكن تعميمه فقط داخل اسرائيل اما في لبنان فسوف يتم تعميم الخراب والدمار وتأسيس الحقد من جديد لاجيال جديدة لعشرات من السنين القادمة وبما ان لا ربح لاي طرف في هذه الحرب مع تأكيد الخسارة الجماعية فان ثمة من يعي الحاجة الى ضامن ينزع هذا الصاعق الصامت داخل البلاد وينتظر الجميع عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي سافر مطمئناً الى صفة الوعي لدى الجميع وضمانة رئيس البلاد اضافة الى كونه رئيساً توافقياً سيشكل حاجة للجميع تكمن في السؤال عنه بشكل مستمر او انتظاره على احر من الجمر، فها هو وزير العدل ابراهيم نجار رفض الكشف عن تقريره على شهود الزور لحين عودة الرئيس سليمان، وها هي الموازنة تنتظر من يضع اصبعه في جرحها سبيلاً نحو النجاح، ومنهم من ينتظر الرئيس ايضاحا لمواقفه من نيويورك، وكافة هذه الانتظارات تؤكد الحاجة الملحة لصمام أمان يحلحل الاوضاع ويفك رموز شيفرات الفتنة تمهيداً لتعطيلها، وبالرغم من هذا الانتظار &laqascii117o;للرئيس الآتي" ببعض العدة لفكفكة بعض &laqascii117o;البراغي" من الرؤوس الحامية فهناك اصوات غاب عن بالها هذه الازدواجية في التعامل مع رئيس البلاد حسب حاجة &laqascii117o;غب الطلب" حيـنما تدعو الانانية الحزبية والمصالح الشخصية فهي تحاول استنكار مواقف رئيس البلاد عن بعد حين تكون مواقفه منسجمة مع الواقـع المحـلي الذي يستـلزم السـير بين النقاط، ومن ناحية ثانية تدعو الى الاشادة بمواقف اخرى لرئيس البلاد عندما تلامس مصلحتهم مفردات من كلام ما للعماد سليمان، وفي هذا الشكل الانفعالي من التعامل مع رئيس للجمهورية لا يريد ان يكون طرفاً تحـت اي ظرف تهرب من المسؤولية ومحـاولـة رمي الاثقال نحو بعبدا فيما يعمدون الى حمل الخفيف منها، ومن اجل هذه الاوزان الثقيلة بالذات يتم انتظار الرئيس لاعادة انتظام ما يحاول البعض تخريبه او سماع الهمس من الخارج وهو الوحيد الذي يشعل حطبا تحت موقد الفتنة بخلاف الافرقاء الاساسيين الذين تنغّص عيشهم مفردات التفريق بين البيت الشيعي والمنزل السني!!.
- 'الأخبار'
اخلـــع العمـــامة وافعـــل مــا شـــئت
فداء عيتاني:
ما دام علماء الدين ورجالاته يتدخلون في السياسة ويرغبون في أن تنقل الصحف كلماتهم السياسية، فهذا يتيح المجال للصحافيين لقراءة ما يقولونه هنا وهناك. وبات ما يقوله أحد المفتين غير مقبول، حتى داخل جدران دار الفتوى، حيث يمكن سماع تبرّم من خطابه الذي أشاد خلاله بأحد أسوأ العهود التي مرت على البلاد.
إنّه خليل محيي الدين الميس، وهو اليوم مفتي زحلة والبقاع، وللحديث عن إدارته للعباد والعلماء صلة لاحقة إذا اقتضى الأمر.
خلال احتفال في السفارة الإيرانية، قال الشيخ الميس إن الخميني ثورة السماء على الأرض، وهو أتى ليجدد هذا الدين. وفي إحياء ذكرى المفتي حسن خالد، يقول الميس إن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مشروع فتنة مذهبية (يمكن مشاهدة الكلمات على موقع yoascii117tascii117be.com).
لكن ما لا يحتمل عقلاً ولا ديناً ولا سياسة، هو ما قاله خلال الانسحاب السوري من لبنان من &laqascii117o;أن السماء تبكي على رحيل الجيش السوري". وخلال الوجود السوري في لبنان، كانت تربط المفتي الميس علاقة باللواء غازي كنعان، وكان بخطبه يشيد بسوريا. وفي أحد الاحتفالات التي أجراها حزب البعث في بلدة السلطان يعقوب التحتا عام 2004، وصف الرئيسَ الراحل حافظ الأسد بالنبي، إذ قال: &laqascii117o;هناك ثلاث حركات تصحيحية عبر التاريخ: الأولى قادها النبي عيسى، والثانية قادها النبي محمد، والثالثة قادها الرئيس حافظ الأسد، ولو كان هناك نبي بعد محمد لكان حافظ الأسد".
المفتي الميس، الذي يشاع عنه أنه سلفي الهوى، يحدثك حين تجالسه بما في نفسه بعفوية أبناء البقاع. لكن في اليوم التالي، بعد أن تنشر ما يقوله، قد يصدر نفياً لما قاله لك، وحتى بلقائه بك.
هو رجل سياسة لبناني بامتياز، وحين استقبل الرئيس الأسبق أمين الجميّل في 19 أيلول الجاري، عقد معه خلوة لمدة عشر دقائق قبل أن ينتقلا معاً إلى قاعة الأزهر، حيث تحدث الميس مؤكداً أنه &laqascii117o;ليس من قبيل المصادفة، لكنها الموافقة، عندما كان الاسمان في البيت ينتميان إلى رسول الله، محمد الأمين ومحمد البشير، وهذا الشعور في التاريخ يعني الانتماء إلى الأمة، الأب الذي رعى الحزب ليرعى الوطن، وكأني به بمن نشأ على يديه من ذرية أراد أن يقربها إلى الوطن، فكان هذان الاسمان، البشير ليبشر، والأمين ليؤتمن على الوطن. وقدركم أن تكونوا مؤتمنين ودفعتم مع غيركم ثمن هذا الائتمان".
أن يتحدث رجل سياسة عن آل الجميّل بهذه العبارات، يكون مجانباً للصواب، ويعبّر عن وجهة نظر متطرفة. أما أن يعبّر عالم دين عن موقف مشابه تجاه آل الجميّل، فذلك ما يدعو إلى الدهشة، بغضّ النظر عن انتماء رجل الدين، أي دين. فيكفي أن يذكر المرء تاريخ آل الجميّل الذي تخلّله القتل وسفك الدماء وتشريد المواطنين، وقيادة البلاد نحو الخراب، وأن يتذكر أن والد أمين هو الشيخ بيار صاحب حرب السنتين وما تلاهما، وشقيقه بشير الذي يحمل صفات النبي بحسب الميس، هو صاحب معارك لا تنتهي ومجازر لا تُعَدّ ولا تحصى، وقد أنهى حياته رئيساً للبلاد على ظهر الدبابات الإسرائيلية. أمّا أمين الجميّل، فهو الذي أوصل لبنان إلى الانهيار الاقتصادي، وأتى بقوات مشاة البحرية الأميركية لتقصف القرى والمدن اللبنانية في الجبل والضاحية، ثم ذهب إلى سوريا في اليوم الأخير من ولايته ليضع نفسه بخدمة الرئيس السوري حينها حافظ الأسد مقابل التجديد لحكمه ستة أعوام أخرى. وهو أمين الجميّل الذي عقد اتفاق السابع عشر من أيار مع العدو الإسرائيلي، قبل إسقاط الاتفاق بفضل حرب الجبل وانتفاضة الضاحية الجنوبية وبيروت وعمليات جبهة المقاومة. ثم يعطيه عالم دين (إلى أي مذهب انتمى) صفة من صفات الأنبياء، فتلك من علامات قيام الساعة.
هل فكّر المفتي الميس فيمَ سيكون عليه موقف إخوته من السلفيين الجهاديين والسلفيين الدعاة أو المدرسيين من موقفه هذا من آل الجميّل؟ وهل سمع من أبناء مجدل عنجر وقب الياس ومكسه وغيرها رأيهم في الرئيس الأسبق للجمهورية، وخاصة أن المفتي يعطي تصاريح أئمة متجولين لبعض مسؤولي السلفية ومشايخهم؟
في دار الفتوى العديد ممن يتبرمون من الحديث الذي حصل في التاسع عشر من أيلول في البقاع، وهم يرون أن في ما قاله المفتي مجانبة للواقع. والكل يعلم أنه لا مجال لمقارنة أحد بنبي الإسلام، وأن محاولة التشبيه بين آل الجميّل ونبي الإسلام غير جائزة، أضف إلى أنها تُظهر كمّ الادعاء والتزلف للشخص الزائر، وعلى نحو مفضوح، ويشيرون إلى أنه ليس كل علماء الدين بعيدين عن التوظيف.
قبل أحداث أيار 2007، أعطى مفتي البقاع قاعات الأزهر وبعض مبانيه لتيار المستقبل، فاستُعملت للإقامة والتدريب لعناصر الشركة الأمنية. وكان يعطيهم دروساً دينية عن الشيعة، وطبعاً كانت تلك الدروس عمليات تحريض منظمة. وكان يقول لمن يسائله: &laqascii117o;ما المشكلة؟ فالشيعة يكدسون أسلحتهم في المساجد والحسينيات". ورغم أنه من دعاة تسلح السنّة، بغض النظر عن وظيفة هذا السلاح، إلا أن ذلك لم يمنعه من زيارة مقر حزب الاتحاد منذ أيام والإشادة بالحركة الناصرية والحزب وقائده عبد الرحيم مراد، الذي يعود ويصفه في لقاءات جانبية بأنه &laqascii117o;شيعي"، نظراً لتحالف مراد الدائم مع سوريا.
لكن المفتي الميس الذي حرّض على مفتي سوريا أحمد حسون، واصفاً إياه بأنه ليس مسلماً، طلب وساطة حسون منذ أسابيع لفتح قناة له في سوريا لإعادة العلاقات مع دمشق. ورغم ذلك، لا يزال الميس يسأل: &laqascii117o;لماذا غيرنا مسموح له أن يحمل السلاح، ونحن غير مسموح لنا؟".
مولانا، اخلع عمامتك وافعل ما شئت.
- 'الأخبار'
تطوير المواجهة وطنيًا
سعد الله مزرعاني:
في تلخيص لسيناريو القرار الظني المتوقّع صدوره، وفق ما سُرّب وما رُوّج إسرائيليًا له، أن يُتّهَم &laqascii117o;حزب الله" عبر عناصر منه، بالمشاركة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. سيثير ذلك ردود فعل مذهبية و&laqascii117o;سيتدهور" الوضع في لبنان كما توقّع وأمل رئيس الأركان الإسرائيلي. سيغرق هذا التدهور &laqascii117o;حزب الله" في أتون اضطراب وربما احتراب أهلي يصرفه عن دوره في التصدّي للعدوّ الإسرائيلي. قد يكون ذلك، إذا سمحت الظروف، مقدّمة لتدخّل إسرائيلي مباشر من أجل المساهمة في تغذية الصراع في لبنان، وتوجيه ضربة عسكرية إذا أمكن، لحزب الله، تحقق ما تعذّر تحقيقه في عدوان تموز 2006.
جدية هذا السيناريو، في أنّه مدعوم من قوى متصهينة في الإدارة الأميركية ومن بعض قوى &laqascii117o;الاعتدال" العربي. وخطورته الأساسية في مقوّماته المحلية، وفي شقيها: السياسي العام بما هو صراع على النفوذ والسلطة والدور... و&laqascii117o;السياسي الخاص"، بما هو الأدوات والغرائز المذهبية والطائفية المستخدمة في هذا الصراع.
في مجرى تحوّلات معروفة في المنطقة، يمكن الاعتبار أنّ العامل الأساسي المعوّل عليه في مشروع الفتنة، إنما هو، حاليًا، العامل الداخلي اللبناني. من هنا ينبع الخطر، وإلى هنا يجب أن تتوجّه المطافئ والمعالجات وحتى التسويات!
في هذا السياق تُطرح عناوين عدّة. أوّلها الحفاظ على السلام الأهلي. وثانيها الحفاظ على المقاومة. وثالثها الحفاظ على المؤسسات. ورابعها السعي لتطوير المواجهة مع العدو وحماته وشركائه والمتواطئين معه.
طبيعي أنّ هذه العناوين منفصلة ومتصلة في آن واحد. وكلّ عنوان قد يتحوّل إلى أولوية في مرحلة من المراحل، وخصوصًا عنواني الحفاظ على السلم الأهلي وعلى المقاومة.
غير أنّ الأساسي في التعامل مع العناوين الأربعة المذكورة آنفًا، إنّما هو الانطلاق من العنوان الأخير فيها، الذي هو تطوير المواجهة مع العدو وحماته وشركائه وعملائه. إنّه المنطلق الذي يجب أن يحكم توجّه قوى المواجهة الوطنية وخطة عملها ومواقفها، حيال البنود الأخرى في انفصالها واتصالها، في الوقت عينه.
ويمكن القول إنّ تطوير المواجهة ضدّ العدو ومشاريعه، إنما يستتبع، بالضرورة، أمرين، أوّلهما الحفاظ على السلم الأهلي، وثانيهما الحفاظ على المقاومة وسلاحها وجهوزيتها. ويتصل بذلك، حتمًا وحكمًا، منع انهيار مؤسسات الدولة، وعدم تعميق الانقسام اللبناني ــــ اللبناني الذي هو الوجه الآخر لأمرين متداخلين أيضًا: تفاقم التدخل والنفوذ الخارجيين في الحياة السياسية اللبنانية، وتعزّز البنى التقسيمية، أي الدويلات التي تمعن في التطوّر والتمدّد على حساب الوحدة الوطنية وعلى حساب الدولة ووحدتها وحصانتها وسيادتها جميعًا!
إنّ الافتقار إلى امتلاك خطة وطنية شاملة هو ثغرة خطيرة في مسار العمل الوطني والعمل المقاوم في لبنان. وليس خافيًا أنّ قوى عديدة يفترض أن تجتمع على توجّه وطني واحد وواسع، تعاني راهنًا التشتّت، كما تعاني شيئاً من التخبّط الذي يسهل معه استدراج بعضها إلى ما يُنصب لها من فِخاخ، أو تهميش بعضها الآخر ليبقى وجه الصراع وشكله طائفيًا ومذهبيًا على وجه التحديد.
تُستغلّ الآن نقطة الضعف المذهبية في البنية التعبوية لحزب الله. ولا ينفع في تدارك نقطة الضعف هذه التلويح باستخدام القوة في الدفاع عن المقاومة. إنّ الانتقال إلى استخدام القوة في ظروف كالظروف الراهنة هو ما يرمي إليه مخططو مشروع الفتنة. هم لا يسألون عن النتائج لجهة المنتصر في النزاع العسكري والاحتراب الأهلي، ما دام المطلوب إغراق المقاومة في حمأة الاحتراب الداخلي الطويل والمكلف!
بديهي أنّ إحداث تحوّل على مستوى التعبئة لدى حزب الله لن يكون أمرًا سهلاً. لكن يبقى، مع ذلك، أمرًا ضروريًا، وحتى مصيريًا، في لحظات ومراحل حرجة كالتي يجتازها الصراع في لبنان حاليًا. وبات من الواجب التأكيد أنّ ما كان نقطة قوّة في مرحلة سيصبح نقطة ضعف في مرحلة ثانية. نعني بذلك إضفاء صيغة مذهبية على الصراع بحيث تبدو إيران و&laqascii117o;الشيعية السياسية" هي العدو، في مواجهة جبهة تمتدّ من واشنطن وتل أبيب و&laqascii117o;شرم الشيخ" وصولاً إلى زواريب &laqascii117o;طريق الجديدة"، و&laqascii117o;برج بو حيدر"، و&laqascii117o;جبل محسن" و&laqascii117o;باب التبانة" في طرابلس!
ومن جهة ثانية، يتبلور أكثر عجز القوى الوطنية التقليدية عن بلورة توجهات وعلاقات وسياسات ومواقف تصلح لأن تصوّب المواجهة نحو هدفها الحقيقي. تبدو هذه القوى في حالة غياب أو التحاق أو تخبّط ما بين الشعارات: فمن جهة، التحذير من المساس بالسلم الأهلي. ومن جهة ثانية، المطالبة بتطوير الفرز وتجذير الانقسام وصولاً إلى إطاحة الحدّ الأدنى من التواصل والتفاعل الداخلي الممثل في الحكومة الراهنة وفي المؤسسات الرسمية. أما بعض القوى الأخرى، فيعبّر دائمًا عن أولويات خاصة، فئوية أحيانًا، وتنافسية أحيانًا أخرى، ومحكومة بالحفاظ على الواقع الطائفي والمذهبي (مع تعديل توازناته)، في كلّ الأحوال. هل يمكن حقًا الحفاظ على السلم الأهلي وعلى المقاومة، وكذلك منع انهيار الدولة والمؤسسات؟ إنّ الجواب هو نعم. وذلك ممكن فقط من خلال تطوير المواجهة فلا تقتصر على الشق العسكري الذي تحققت فيه قفزات وإنجازات مدهشة، باعتراف العدوّ نفسه. لكنّ هذه الإنجازات، وكما ثبت بالتجربة المتكرّرة والقاسية غالبًا، معرّضة للضياع ما لم تنتظم في نطاق خطة شاملة تستقطب تأييد الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، وتلبّي في الوقت عينه، مصالح كلّ اللبنانيين في عدم الانزلاق نحو الفتنة وفي الحفاظ على قوة المقاومة في مواجهة الاحتلال والعدوانية الصهيونيين.
المطلوب هو بناء خطة مواجهة وطنية تمثّل امتدادًا وتطويرًا لتجارب الشعب اللبناني الفذّة، التي حملت عناوين الإصلاح، والعروبة الديموقراطية، والمقاومة الشعبية في كلّ صيغها وأسمائها... وخطة تستلهم أيضًا تجارب الجبهات الوطنية، وأبرزها &laqascii117o;الحركة الوطنية" وبرنامجها في شقيه: مواجهة المخططات الأميركية والصهيونية من جهة، والتخلص من النظام الطائفي ــــ المذهبي، بعد توفير الضمانات لقيام بديل ديموقراطي ركائزه المساواة والعدالة والديموقراطية، من جهة ثانية.
- 'الحياة'
لبنان: بين المحكمة ودولة الطائف
بول سالم:
يُهدد التوتر الراهن حيال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بدفع البلاد ليس فقط إلى مشاحنات ومواجهات سياسية وأمنية ولكن الى زعزعة ما تبقى من مقومات الدولة واتفاق الطائف.
كان قرار دعم المحكمة موضع إجماع في اجتماعات الحوار الوطني العام 2006، وعنصراً أساسياً في البيانات الوزارية لحكومتين مُتعاقبتين. لكن الآن، ومع احتمال اتهام القرار الظني بعض أعضاء &laqascii117o;حزب الله"، يطالب الحزب وحلفاؤه رئيس الوزراء والحكومة بالإنسحاب من المحكمة ووقف التعاون معها.
&laqascii117o;حزب الله" يشير إلى قضية شهود الزور الذين وجّهوا في البداية شكوك المحكمة نحو سورية، كدليل على أن هذه المحكمة لاهي مهنية ولامُحايدة، وبأنها استُخدمت من قِبَل الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، أولاً للضغط على سورية ثم الآن لعزل &laqascii117o;حزب الله" وتقويض نفوذه. وقد حذّر مسؤولون في &laqascii117o;حزب الله" وفي سورية وحلفاء لها، من أنه ما لم يُغيّر رئيس الحكومة موقفه، فإن المحكمة والقرار الظني سيقودان إلى حرب أهلية.
بيد أن رئيس الوزراء سعد الحريري بقي على موقفه، وأعلن أن المحكمة التي تفصل في مسألة اغتيال والده وشخصيات كثيرة أخرى، ليست موضع تفاوض. كما أنه امتنع عن إقرار تحقيق سريع في شأن شهود الزور .
ويعرب النائب وليد جنبلاط، الحليف السابق للحريري، عن تمنيه &laqascii117o;لو أن المحكمة لم تكن"، وهو يحاول، مع الرئيس نبيه بري، أن يجد حلاً توافقياً لهذه المُجابهة. لكن من الصعب ايجاد حل وسط بين قبول أو رفض المحكمة الدولية وقرارها الظني.
لقد بات واضحاً أن القمة السعودية - السورية التي عقدت في بيروت في آخر تموز (يوليو) الماضي، حققت هدوءاً موقتا، لكنها لم تجد حلاً لقضية المحكمة. صحيح أن سورية حافظت على علاقات طيبة مع الرئيس سعد الحريري، لكنها لم تتدخل مباشرة في قضية المحكمة، تاركة &laqascii117o;حزب الله" ليقود الحملة على المحكمة ومُشجِّعة حلفاءها الآخرين في لبنان على رفع وتيرة الضغط. والحال أن سورية تريد من لبنان ان يقطع العلاقات مع المحكمة، لكنها لاتريد تحمّل لائمة فرض هذا الأمر. ويُقال هنا أن العلاقات السورية - السعودية تردّت بعد أن قبلت دمشق بخيار طهران بأن يكون نوري المالكي رئيساً للحكومة العراقية. وهذا التردّي قد يُفسّر جزئياً التصاعد السريع للتوترات في لبنان.
الرئيس الحريري لا يزال على موقفه، على رغم أن استراتيجيته ليست واضحة. بالطبع، لدى حزب الله وحلفائه الموقع الأقوى أمنياً، وما كانت عملية &laqascii117o;اقتحام" مطار بيروت لاستقبال اللواء جميل السيّد الا عرضاً واضحاً أمام أخصامه لقدرة الحزب على أن يفعل ما يشاء ومن دون أي سقف او تردد. كما أن للحزب وحلفائه ما يكفي من الوزراء في الحكومة لإسقاطها دستورياً اذا شاءوا.
في المقابل، ليست لدى الحريري قوة أمنية دفاعية، لكن ربما هو يحسب أن &laqascii117o;حزب الله"، كما سورية وإيران، سيترددون أمام خطر نشوب حرب اهلية مذهبية بين السنّة والشيعة في لبنان، أو على الأقل بأن مثل هذه الخطوة من جانب &laqascii117o;حزب الله" ستكون مُكلفة للغاية له وقد تؤثّر بشدة على صورته في العالمين العربي والإسلامي.
وكان الحريري قد نجح مؤخّراً في تحويل قضية المحكمة إلى خط أحمر سنّي في لبنان، وفي دفع العديد من القادة السنّة الآخرين إلى الاندراج في هذا الموقف. وهو يدرك أنه على رغم أن &laqascii117o;حزب الله" وحلفاءه يستطيعون إسقاط الحكومة، إلا أنهم يريدون منه شخصياً التنازل في هذا الشأن، من جهة لأنه نجل رفيق الحريري الراحل، ومن جهة أخرى لأنه لن يكون من السهل اقناع زعيم سنّي آخر بالحلول مكانه على رأس الحكومة ليقوم علناً بمنح &laqascii117o;حزب الله" ما يريد في هذه القضية الفائقة الحساسية في العلاقات السنية - الشيعية.
وقد يلزم &laqascii117o;حزب الله" الهدوء إلى ما بعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان في الفترة بين 13 و15 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وهي الزيارة التي سترفع وتيرة التوتر مع إسرائيل والغرب، ومع السعودية ومصر ودول عربية أخرى. وفي أي حال، فالتصعيد الداخلي سيبدأ على الأرجح بعد انتهاء هذه الزيارة، وستتوافر لدى &laqascii117o;حزب الله" بالتأكيد مروحة واسعة من الخيارات السياسية والأمنية التي يمكنه استخدامها ضد الحريري. لكن، إذا رفض هذا الأخير الرضوخ، حتى ولو حوصر عسكرياً وسياسياً، فإن البلاد ستدخل مرحلة طويلة من الشلل والتوترات شبيهة بتلك التي حدثت بين أواخر 2006 وأوائل 2008، ولكن بحدة أكبر. فهذه المرة، لن تكون المجابهة سهلة الحل عبر اتفاقية شبيهة باتفاق الدوحة الذي نظّم أمراً واقعاً، بل قد تتضمن انهياراً أوسع لمقومات الدولة ولأجواء الإجماع على اتفاق الطائف.
ان مستوى الانقسام في لبنان وصل الى ابعد الحدود حيث يطال مفهوم الدولة، ومبدأ السيادة، وموقع الدستور والمؤسسات الدستورية، والهوية الوطنية، ووحدة الشعب، وصيغة الحكم وتقاسم السلطة، والسياسات الخارجية والأمنية، وغيرها من القضايا الجوهرية. وإذا طال أمد المواجهة، فقد تجر البلاد الى أزمة سياسية مفتوحة تتعدى قضية المحكمة والحكومة وتشبه مرحلة النصف الثاني من عقد الثمانينات. وفي خواتيم أزمة طويلة كهذه، قد يُصر &laqascii117o;حزب الله" على إعادة النظر في بعض مقومات اتفاق الطائف، ومنها صيغة تقاسم السلطة في البلاد.
والواقع أن &laqascii117o;حزب الله" في وضع مشدود للغاية، فهو قد يُواجه قرارات ظنية دولية، وحرباً مُحتملة مع إسرائيل، أو عزلة إذا ما أحرزت مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية أو السورية - الإسرائيلية تقدماً. وفي المقابل، يتمتع الحزب بهيمنة تاريخية وكاسحة في لبنان، وهو يرى كيف شرّعت الطائفة الشيعية الشقيقة في العراق دورها القوي هُناك. وعلى رغم أن &laqascii117o;حزب الله" تعايش في السابق مع الأمر الواقع وصيغة الطائف، مُفضّلاً التركيز على قضايا الأمن والمقاومة، إلا أنه قد يختار، في ضوء المأزق والتحديات الحادة التي يُواجهها، وفي معترك أزمة مفتوحة الأمد والأفق، أن يستخدم قوته الكاسحة لإعادة فتح ملف الطائف والمطالبة بالدور المركزي لطائفته في الحكم والحكومة.
بالطبع، لاشيء مُحتّماً في هذا السيناريو، كما لن تكون الأمور سهلة إذا ما سارت في هذا الاتجاه. لكن مع ذلك، ولأنه لا يبدو أن ثمة حلاً وسطاً للنزاع حول المحكمة، ولأن هذا النزاع يلامس قضايا وجودية وحساسة جداً لدى كلٍ من الطائفتين السنّية والشيعية في لبنان، فإن المحكمة قد تُسفر ليس فقط عن أزمة سياسية وأمنية، بل عن أزمة دولة ونظام.
ربما لا يزال ثمة وقت لتجنّب التدهور السريع. فجنبلاط يحض رئيس الحكومة على التجاوب مع طلبات &laqascii117o;حزب الله" لإجراء تحقيق سريع حول قضية شهود الزور. ورئيس الحكومة لمح من قبل إلى أنه حتى ولو اتهمت المحكمة أعضاء في &laqascii117o;حزب الله"، فإنه مستعد لتبرئة الحزب وقيادته وتجاوز هذه المسألة. قد يكون في المستطاع العثور على حل وسط على أساس هذه المواقف. لكن، وكما تبدو الأمور اليوم، فإن البلاد مُتّجهة إلى مجابهة مديدة قد تتخطى نتائجها قضية المحكمة ومصير الحكومة الحالية.