قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 7/10/2010

- 'اللواء'
استحالتان
عامر مشموشي:

مستحيلان، لا يصنعان تسوية، الاستحالة الأولى أن يرتضي حزب الله ومعه سوريا وإيران، بالاتهام الموجه إليه أو إلى بعض كوادره في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والاستحالة الثانية أن يقبل سعد الحريري إلغاء المحكمة الدولية عن طريق إسقاط الاتفاق القائم بين لبنان والمحكمة&bascii117ll;
وفي ضوء هاتين الاستحالتين، ليس هناك من يرى طريقاً إلى التفاهم على حلول وسطية، تفضي إلى تسوية على غرار تلك التي تمت في الدوحة، لأن المواقف المعلنة والمستندة إلى دعم خارجي متوازية ولا تلتقي في منتصف الطريق الذي يخرج الوضع الداخلي من النفق&bascii117ll;
فحزب الله ينتظر من سعد الحريري وتياره الإعلان عن موقف سياسي حاسم يرفض اتهامه أو بعض كوادره بالضلوع في جريمة اغتيال والده، والمدخل إلى هذا الاعلام، القبول بإحالة من يسميهم بشهود الزور امام القضاء اللبناني لمحاكمتهم ومعرفة من فبركهم ولقنهم ومولهم وحماهم ولا يزال، وهذا الإعلان مؤداه أن المحكمة الدولية أميركية - إسرائيلية هدفها اتهام حزب الله لعزله وملاحقته، ويتوجب على مجلس الأمن إلغاءها، لدرء الفتنة في لبنان ولمنع نارها من الاشتعال&bascii117ll;
وهو (حزب الله) لا يمكن أن يتراجع عن القرار الذي اتخذه في هذا الخصوص، حتى وان وقف الجميع ضده، بمن فيهم حليفاه سوريا وإيران، لأن القضية بالنسبة إليه قضية حياة أو موت&bascii117ll;
اما سعد الحريري وتيار المستقبل الذي يعرف تماماً ما يريده حزب الله، يرى أن ثمة استحالة في الاستجابة لما يريده، حتى ولو كان راغباً في ذلك، فالغاء المحكمة التي انشأها مجلس الامن الدولي، ليس بيده، وهو أكّد ذلك مراراً وتكراراً، وكان موقفه واضحاً منها ومن شهود الزور، وهو مسجل في محاضر مجلس الوزراء وفي محاضر الاجتماعات التي عُقدت مع حزب الله وفي كل البيانات التي صدرت عن تيّار المستقبل وكتلته النيابية&bascii117ll;
وبين هذين الاقتناعين أو المتضادين تدور معركة ضارية تحت سقف التفاهم السوري - السعودي الذي اهتز بقوة، بعد تصريحات الوزير وليد المعلم، ودعوته صراحة إلى عدم إصدار القرار الاتهامي وإلغاء التحقيق والمحكمة الدولية واعتبار انهما غير موجودين كشرط لمنع إشعال الفتنة الطائفية في لبنان، وبعد القرار الذي أصدره القضاء السوري بتوقيف 33 شخصية لبنانية، نيابية وأمنية وقضائية وإعلامية، ومن أقرب المقرّبين إلى سعد الحريري، ما يطرح فرضية أن النية هي في الذهاب إلى مواجهة أكثر اتساعاً وخطورة من أجل تقويض ما تبقى من مرحلة ما قبل اتفاق الدوحة ومفاعيله السياسية والأمنية، وهذا ما حمل جهات دولية وعربية على الاعراب عن قلقها الشديد من المنحى الذي يتخذه الخلاف الدائر بين اللبنانيين حول المحكمة الدولية وملحقاتها، متوجهين إلى الأطراف اللبنانية بدعوات الى التحلي بالحكمة والتعقل وإعطاء الأولوية لمصلحة بلدهم وسلامته على المصالح الشخصية والفئوية&bascii117ll;


- 'الديار'

الإستنابات السورية و&laqascii117o;ساعات التخلّي" الآتية: مأزق سعودي ــ سوري أو حلّ على الطريقة الجنبلاطيّة؟
عيسى بو عيسى:

دخلت سوريا وبشكل سريع يوازي انتهاء القمة الايرانية - السورية على خط المحكمة الدولية وبالتالي الوضع اللبناني برمته وفيما كانت حتى الأمس القريب تحاول عبر مواقفها المعلنة ملامسة الوضع اللبناني وحتى مسألة اتهام حزب الله بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفجأة وسعت سوريا من دخولها على خط النار اللبناني بعدما ظن اللبنانيون ان تمتين العلاقة بين سوريا والرئيس سعد الدين الحريري جار على قدم وساق تمهيداً لتوسعها. وتقرأ اوساط سياسية مطلعة في هذا الاندفاع السوري الواضح والرسمي تحولاً اساسياً من الاوضاع اللبنانية وحصراً من حداثة العلاقة بين شخصي الاسد والحريري، وتأتي هذه الاندفاعة من خلال مواقف رسمية ترجمها كل من وزير الخارجية وليد المعلم ومساعده فيصل المقداد وفيما يشبه القرار النهائي للتمترس السوري من مسألة المحكمة الدولية جزم المقداد ان سوريا واللبنانيين بريئان من دم رفيق الحريري وبالتالي اضاء على الجانب الذي ظن فيه فريق 14 آذار بالتباعد بين سوريا وحزب الله ليقول السوريون من جديد: ان سوريا والحزب في خندق واحد، وتقول هذه الاوساط ان هذه &laqascii117o;الكبسة" السورية الزائدة على الوضع اللبناني ما هي الا ترجمة لواقع جديد سوف تكون تداعياته محلية واقليمية ابتداء من العراق وايران وصولاً الى العلاقات السورية - الاميركية ومدى ارتياح سوريا خارجيا وداخليا، وتعتبر هذه الاوساط ان هذه الهجمة السورية الواضحة تمت ترجمتها بواسطة البريد القضائي الذي جاء كرسالة سياسية واضحة من النظرة السورية للواقع اللبناني وترجمة عملية لواقع التحالف القائم بين سوريا وحزب الله، ولم تأبه سوريا ازاء هذا التحالف المتين ان تصدر استناباتها القضائية بعد أقل من 4 ساعات معدودة على مغادرة نجل العاهل السعودي دمشق مما يعني امرين لا ثلاث لهما:
1- اما فشل مهمة الامير السعودي واحباط مسعاه لتهدئة الوضع في لبنان.
2- او ان تكون السعودية قد رسمت خطة عمل اجرائية للخلاص من هذا الواقع اللبناني الضاغط وبالتالي غض الطرف عما ستفعله سوريا ضمن ضوابط التفاهم القائم بين البلدين.
وتشـير هذه الاوسـاط الى مدى هشاشة الوضع اللبناني في الفترة الراهنة لتذكر ان مجرد استنابات قضائية سورية يمكن معالجتها على غرار سابقاتها قد هـزت البلد فـكيف ستكون مفاعيل القرار الاتهامي اذا ما طال حزب الله بعد ساعات من صدوره بحيث يمكن الاشـارة بالتالي الى مدى هشاشة العلاقة التي كانت قائمة بين الرئيس بشار الاسد والرئيس سعد الدين الحريري على اعتبار ان صدور هكذا استنابات قضائية بالمـعنى المجـرد لا يمكن ان يبطل هذا الود المستحدث بيـنهما ولـكن اخذ هذه الاستنابات باتجاه القراءة السياسية اوجد ازمة حقيقية مع سوريا حيال جدية هذه الـعلاقات، ويأتـي فـعل منـبت السوء هذا ليضيء على ركـائز العـلاقة المهـتزة مؤسساتياً بين لبنان وسوريا والتي لم تستطع العلاقة الشخصية بين الاسد والحريري مداواتها على خلفية نظرة سوريا الى الحريري الذي &laqascii117o;يربح الوقت" والى تطلع الحريري نحو دمشق لبناء علاقات ندية، وفي هاتين النظرتين عدم ثقة لا في اطار المؤسسات ولا على المستوى الشخصي والا ما معنى ان تذكر الاستنابات كل الفريق المحيط بالرئيس الحريري حصراً بغية التخلي عنهم، وتقرأ هذه الاوساط في هذا الفعل بالذات &laqascii117o;ردة" من حزب الله بالواسطة الذي لطالما طالب الحريري بالتخلي عن فريقه فجاء الرد من قبل سوريا بالذات معللاً قضائيا، وتضيف: بغض النظر عن تثبيت مبدأ المساواة في النظرة الى &laqascii117o;فريقي" العمل لدى الحريري والسيد حسن نصرالله فان ثمة ميزانا قائما حاليا يتساوى مع الوضع السياس المستجد والعلاقات السعودية - السورية، وهذا الميزان يتلخص بالموقف المطلوب والموحد من قبل طرفي النزاع في لبنان &laqascii117o;بالتـخلي" كـل واحـد عـن جـزء منه، فالمطلوب من حـزب الـله ان يتـخلى عـن بعض العناصر غير المنضبطة تمهيداً لمحاكمتهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي المقابل المطلوب من الرئيس الحريري التـخلي عـن فـريقه المتهم بأنه شاهد للزور. وحقيقة الأمـر وبعـيداً عـن التشابه عن فريقي العمل لدى الـطرفين، فـإن حـزب الله يعتبر التخلي عن اي عنصر منـه هـو بمـنزلة اتهام للحزب بأكمله، والرئيس الحـريري يـرفـض التخلـي عـن فريقه، وتقف سوريا وراء هـذا الفعل فيما تقف السعودية بالواسطة وراء المطـلب الآخـر ومـا دامت العلاقات بين السعودية وسـوريا شـبه عالـقة على البعـض مـن التفـاهـم المتبـقي فان هـذه الاوسـاط تـأمل ان لا يفعـل فعل التخلي عما تبقى من &laqascii117o;حسن الجوار" بين البلدين وبالتالي فان الوضع معلق بالتمام هناك على ما يتم التعويل عليه لبقاء الوضع مستقراً في البلاد وهذا ما يؤكد عليه الرئيس نبيه بري الذي ما زال متفائلاً بالرغم من كل ما يجري بأن ثمة خيطا ما زال يربط العلاقة السعودية - السورية حول معالجة الوضع في لبنان، ولكن هذه الاوساط تعتبر ان مجرد استهداف الفريق الحريري بأكمله من قبل سوريا فان العديد من علامات الاستفهام يمكن طرحها على مدى المتانة التي تجمع العلاقات بين البلدين، وان السعودية وفي أبسط الاحوال وأقلها دعماً فهي لن تترك محيط الحريري فريسة للقضاء السوري اللهم الا اذا كانت هناك قطبة مخفية تبدأ بمعالجة شاملة لمسألة شهود الزور تتولاها الدولتان تمهيدا لامتصاص القرار الظني في اسسه وتداعياته ومن هنا بالذات تعول هذه الاوساط على دور السفير السعودي علي عبدالله العسيري الذي يعيد صورته الى الاذهان التحرك الذي كان يقوم به السفير السابق عبد العزيز خوجه، وما تحرك العسيري باتجاه كل الاطراف سوى بداية لعدم اصابة الجميع بما اصاب النائب وليد جنبلاط بساعة التخلي.


- 'النهار'
لبنان 'الدولة الفاشلة'
بقلم رنده حيدر:

لم تكن إسرائيل بحاجة الى التذرع بالزيارة التي ينوي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القيام بها الى لبنان، كي تصّعد لهجتها ضده، وتوجه التهديدات له. فالحرب النفسية والاستخبارية التي تخوضها ضد 'حزب الله'، وضد الحكومة والشعب اللبنانيين لم تهدأ منذ توقف المعارك في صيف 2006. ولكن المختلف في رسائل التهديد والوعيد الإسرائيلية الأخيرة، أنها أقرب الى أن تكون تدخلاً إسرائيلياً سافراً في الحياة السياسية الداخلية اللبنانية المأزومة. الأمر الذي يدفع الى التساؤل هل نحن أمام عهد إسرائيلي جديد من التدخل المباشر في الحياة السياسية في لبنان؟
 لقد باءت محاولات التدخل الإسرائيلية في الصراعات المسلحة التي شهدها لبنان في السبعينات والثمانينات بالفشل الذريع، واضطر الإسرائيليون الى الاعتراف بعجزهم وفشل دورهم في تغيير معالم الحياة السياسية في هذا البلد، لكن ذلك لم يوقفهم يوماً عن متابعتها عن كثب، ومراقبة ما يطرأ عليها من تطورات ودراسة انعكاسات ذلك على إسرائيل.
 في رأي إسرائيل هناك خطران يتهددانها من لبنان: خطر سلاح 'حزب الله'، وخطر تحول لبنان أكثر فأكثر نموذجاً 'للدولة الفاشلة' (بحسب الدراسة التي كتبها يوآل جونزسكي وأمير كوليك في معهد دراسات الأمن القومي)، أي دولة غير  قادرة على حل نزاعاتها من دون مساعدة وتدخل دول أخرى ذات مصالح وأهداف وغايات قد تشكل 'خطراً استراتيجياً' على دولة إسرائيل.
من هنا تعتبر إسرائيل أن تصاعد النفوذ الإيراني في لبنان، العسكري والسياسي، يشكل تهديداً 'استراتيجياً' مباشراً لها، لا سيما في ظل الخطورة البالغة التي توليها لمسألة امتلاك إيران للسلاح النووي، واعتبار ذلك يشكل تهديداً وجودياً لها. من هنا يمكن تفسير اللهجة التصعيدية الأخيرة لها تجاه زيارة أحمدي نجاد الى لبنان.
تعكف إسرائيل على ايجاد ما تعتبره الحل الناجع لمواجهة خطر سلاح 'حزب الله'، إما بالوسائل العسكرية، أو بالوسائل السياسية. وقد قامت القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي باستخلاص دروس حرب 2006، ووضعت الخطط العسكرية التي تعتبرها كفيلة بضرب قوة الحزب العسكرية واضعافه، مما قد يؤدي الى تغيير المعادلة السياسية الداخلية في لبنان. أما على صعيد الحلول السياسية فقد جربت إسرائيل حتى الآن استخدام الضغوط الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، والضغط على الدولة اللبنانية، ولكن ذلك لم يثمر في رأيها عن أي نتيجة ملموسة تضع حداً لقوته العسكرية.
مع بدء المساعي الأميركية لتحريك مسار المفاوضات مع سوريا، وظهور تيار داخل قيادة الجيش الإسرائيلي مؤيد لها، برز مجدداً اقتناع اسرائيلي  بإمكانية أن يؤدي التوصل الى إتفاق سلام مع سوريا الى احتواء مشكلة سلاح'حزب الله'، أو على الأقل الى وقف دعم سوريا لتزويد الحزب بالسلاح، هذا الى جانب اقتناعهم بأن التسوية السلمية ستؤدي حتماً الى ابعاد سوريا عن إيران، واضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.
حتى الان لم ينجح هذا الفريق في اقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن مصلحة إسرائيل تقضي بالعودة الى المفاوضات مع سوريا. والسبب كما يقول المقربون منه أنه لا يثق بأن مثل هذه المفاوضات قد تدفع سوريا الى وقف دعمها لـ'حزب الله' أو ستجعلها تبتعد عن إيران. ولكن نتنياهو لا يستطيع من ناحية أخرى تجاهل المساعي الأميركية المبذولة لتحريك المسار السوري، والاستمرار في التمسك بسياسة الصمت. وعليه عاجلاً أم آجلاً عليه ان يبدي رأيه الواضح من الموضوع.
من المنتظر أن تواصل إسرائيل حملتها على زيارة أحمدي نجاد الى لبنان، سعياً الى توتير الوضع على حدودها الشمالية. ولكن الراجح هو أن يبقى هذا في حدود التوتير اللفظي مع أنها تسعى جاهدة لايجاد طريقة ليس فقط لإبعاد نجاد عن بوابة فاطمة، وإنما لوضع حد للنفوذ الإيراني السياسي المتنامي في لبنان.  


- 'الحياة'
التسوية السنية - الشيعية من منظور التاريخانية
منير الخطيب(كاتب سوري):

ما يجرى من احتقانات بين السنة والشيعة في منطقة المشرق العربي تصل إلى درجة الاحتراب في بعض البلدان وتشي بأن القادم من الأيام أعظم يؤشر أولاً إلى أن مناهج وأدوات التراث العربي - الإسلامي لم تستطع إنجاز تسوية تاريخية بين المذهبين والجماعتين، لا بل إن هذه المناهج والأدوات عمّقت ووسعّت الفجوة بينهما. ويكفي لأي عاقل، يملك أدنى قواعد المحاكمة العقلية، أن يتأكد بأن ألفاً وأربعمئة عام كانت كافية لاختبار هذه المناهج والأدوات. فهي لم تجلب لنا خلال هذا التاريخ الطويل، إلا دماءً فوق دماء، وتحاجزاً فوق تحاجز.
ويؤشر ثانياً إلى أن الإشكالية السنية - الشيعية لم تأت على ظهر الدبابات الأميركية، وليست نتيجة مؤامرة صهيونية، بل هي أقدم بمئات السنين من نشوء الأمبريالية والصهيونية، ومن نشوء النظام الرأسمالي العالمي، وأنها إشكالية متموضعة في متن التاريخ العربي - الإسلامي، نشأت من صلبه واستمرت بفعل اشتغال آلياته الداخلية.
ويؤشر ثالثاً إلى أن أشكال الحكم التي تعاقبت في هذا التاريخ، والقائمة على مبدأ العصبية &laqascii117o;الخلدوني"، سواء كانت خلافة أم إمارة أو سلطنة، عززت هذا الانقسام وجذرته، بحكم عجزها التكويني عن خلق فضاء مشترك في المجال  الاجتماعي، ونقلها الاختلاف الاجتماعي إلى المجال السياسي، حيث يؤدي هذا النقل إلى الاحتراب الداخلي. لذا يمكن القول بضمير بارد إن التاريخ العربي - الإسلامي هو تاريخ إنتاج وإعادة إنتاج الحروب الأهلية من خلال طبيعة الحكم القائم على مبدأ الغلبة.
ويؤشر رابعاً إلى أن الأيديولوجيات ما فوق الوطنية، لاسيما القومية منها، التي لم تمنح شرعية للكيانات القطرية، التي تشكلت بعد اتفاقات سايكس – بيكو، واعتبرتها ضرباً من مغالطة تاريخية، أقول إن تلك الإيديولوجيات كانت عابرة للوطنية بشعاراتها وراياتها، ودون وطنية بممارساتها وأدواتها. فكانت تلك الشعارات تقنّع بنى وتشكيلات ما قبل الدولة الوطنية، لاسيما المذهبية والطائفية والإثنية، وتعيد الاعتبار للمجتمع التقليدي الذي قطعت سيرورة تطوره صدمة الحداثة. ألم تتجذر المذهبية في بنية المجتمع العراقي في ظل حكم صدام حسين القومي العربي، حارس البوابة الشرقية للوطن العربي؟!
كذلك، ألا يقف السنة والشيعة في لبنان على حافة الاحتراب، في مناخ تأوج شعارات المقاومة والمواجهة، نيابة عن الأمتين العربية والإسلامية، لدى حزب الله؟!
هذا الاستقراء لواقع الأيديولوجيات ما فوق الوطنية، يجعلنا نقول دون أدنى تحرج: إن صلابة البنى ما قبل الوطنية كانت تتصاعد طرداً مع تصاعد وتائر تشدد الأيديولوجيتين الإسلامية  والقومية!
ويؤشر النزاع ذاته خامساً إلى أن مفاهيم مثل الفتنة ووأد الفتنة والحفاظ على وحدة المسلمين سنة وشيعة هي عبارة عن &laqascii117o;كلامولوجيا" برسم النفاق أو الغباء السياسيين. السنة والشيعة لم يتوحدوا عبر تاريخهم الطويل، ولن يتوحدوا، ببساطة شديدة لأن المجتمع التقليدي لا يمتلك ولا يمكن أن يمتلك أدوات لوحدة الاختلاف. ألا يكفي ألف وأربعمئة عام لتجريب المجرب؟ إن مفاهيم مثل الفتنة، المجتمع الأهلي، الملة، العرف، الشرع، الشورى، التآخي، تنتمي إلى منظومة ثقافية واجتماعية وأخلاقية، لا يمكنها الارتقاء إلى منسوب حالة الاندماج الوطني.
بينما يعلمّ المنهج التاريخاني الذي يؤكد وحدة تقدم المجتمعات أن تأخر العوالم المتأخرة برز لأن هناك عوالم متقدمة، وأن حاضر المجتمعات المتقدمة هو مستقبل المجتمعات المتأخرة، هذا إذا أرادت هذه الأخيرة تجاوز وضعية التدمير الذاتي وتحقيق اندماجها الوطني من خلال بناء دولها الوطنية، والانتقال إلى منظومة ثقافية واجتماعية وأخلاقية قوامها التعدد والاختلاف في إطار الوحدة، ومن خلال ثنائية مجتمع مدني / دولة وطنية. المجتمع المدني، بعكس المجتمع الأهلي، يصون التعدد الطائفي والمذهبي والإثني، ودولة القانون، الدولة/الأمة، بعكس &laqascii117o;دولة" /الملة، أو &laqascii117o;دولة" تشارك الطوائف، تحفظ وحدة المجتمع السياسية.
إن اللبنانيين يحتربون منذ ميثاق 43 وذلك لأنهم ينقلون اختلافاتهم الطائفية والمذهبية من مجالهم الاجتماعي إلى المجال السياسي، أي إلى الدولة التي هي ضمان الوحدة الاجتماعية. كذلك يحترب العراقيون، سنة وشيعة وأكراداً، لذات الأسباب.
التاريخانية تعّلم أيضاً أن العلمانية أحد مبادئ نشوء الدولة الحديثة، بوصفها شرط حيادها تجاه الأديان والمذاهب والعقائد، وهي الإطار التاريخي الوحيد حتى الآن الذي أنتجته البشرية لتجاوز حالات التكسير المجتمعي العمودية، والذي مكن الغرب من تصفية حروبه الداخلية ونفيها إلى الأبد. لا يزال كذلك هو الإطار الوحيد لجبر الكسر السني – الشيعي، الذي عجز عن جبره التاريخ العربي- الإسلامي طيلة هذه القرون الطويلة.
والتاريخانية تعلمنا أن بناء هويات متمحورة على المستقبل، متجاوزة حالة &laqascii117o;الهويات القاتلة" (ذلك أن الهويات الطائفية والمذهبية هي بنى قاتلة للذات أولاً، ومتقاتلة في ما بينها ثانياً، ومتقاتلة مع الآخر ثالثاً)، هويات قوامها السلم الأهلي، والتعاقد الاجتماعي، وسيادة القانون، والتعدد والاختلاف داخل الوحدة، هويات تجنب المنطقة العربية ويلات حروب عبثية ومدمرة، يقتضي، أول ما يقتضي، أن تتجاوز النخب في بلادنا عقدة الهوية، وعقدة الخصوصية العربية، وعقدة الاعتقاد بأن الغرب قادم إلينا لتدمير ثقافتنا ومحو تاريخنا. فالفارق ما بين الهوية وعقدة الهوية فارق شاسع.
إن البدء بمسار بناء هويات نافية للهويات &laqascii117o;القاتلة"، وفي مقدمه إنجاز تسوية تاريخية ما بين السنة والشيعة، يتطلب أولاً تأصيل الحداثة بعامة والعلمانية بخاصة في ثقافتنا. فالعلمانية هي الأداة الوحيدة التي ابتدعتها العبقرية البشرية لإنجاز هذه التسوية.


- 'السفير'
أوبريان تكرس في مطالعتها &laqascii117o;شهود الزور الدوليين"
حكمت عبيد:

&laqascii117o;الانقلاب" هو التعبير الدقيق لطلب الدائرة القانونية في الأمم المتحدة من رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي انطونيو كاسـيزي والمدعين العامين ومحامي الدفاع، الامتناع عن اعطاء المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد أي مستند يريد الإطلاع عليه قبل الحصول على إذن مسبق من الأمم المتحدة.
إنه &laqascii117o;انقلاب" على وظيفة المحكمة ومهمتها المحددة بإظهار الحقيقة في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري بموجب الصكوك المؤسسة لها وبالتالي على وظيفتها المتمثلة بإقامة عدالة حقيقية وسريعة لمعرفة وكشف مرتكبي جريمة الحريري والاغتيالات التي تكون ذات صلة.
تستدعي القراءة الهادئة لطلب المستشارة القانونية للأمين العام للأمم المتحدة باتريـشيا أوبريان طرح أسئلة وملاحظات بديهية، وأخرى أساسية يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
أولاً، كيف يحق للأمم المتحدة أن تعمد إلى الطلب بحجب وثائق أساسية تتصل بعمليات التضليل الممنهج طوال فترة عمل لجنة التحقيق الدولية، مع إدراكها أن ما حاول القيام به هؤلاء الشهود الفاقدين للمصداقية بلغ مرحلة تهديد السلم الأهلي في لبنان لا بل السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك العلاقات بين دولتين جارتين.
ثانياً، إن حجب هذه الوثائق يعتبر بمثابة التغطية المباشرة على أفعال جرمية ارتكبها أشخاص منظمون واعون للفعل الجرمي التضليلي، وهم بذلك حرّفوا مسار التحقيق لسنوات أربع.
ثالثاً، جاءت التوصية بمثابة قرار أو حكم سياسي يصدر عن مستشارة قانونية وليس عن &laqascii117o;المحكمة" التي لها وحدها الحق بإصدار أحكام وتقييم المخاطر المترتبة عن تسليم الوثائق أو عدمها.
رابعاً، لقد تجاوزت الأمم المتحدة منطق الاستشارة غير الملزمة التي طلبها الرئيس كاسيزي، وتحدثت بلغة الأمر، حتى بلغ الأمر بها حد المساس بصلاحية قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين... وصولا الى تسجيل &laqascii117o;نقطة" عليه من خلال القول إنه لم يذكر ضمن القيود المرافقة لقرار منح السيد بعض الوثائق المحددة والمتصلة بقضيته الشخصية، &laqascii117o;لم يذكر صراحة أن أي وثائق أو مواد خاصة بلجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، وأية وثائق ومواد أخرى بحوزة الأمم المتحدة حول الملف الجزائي، غير قابلة للانتهاك بموجب أحكام المادة الثانية من اتفاق امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها".
خامسا، لم تلتفت باتريـشيا أوبريان جيداً للأسئلة التي أوردها فرانسين في الفقرة 57 من قراره الصادر في 17 أيلول الماضي لاسيما السؤالين الثالث والرابع واللذين توجه بهما للطرفين (السيد والمدعي العام القاضي دانيال بيلمار)، &laqascii117o;هل تطبق قيود وحدود أخرى" على قرار تسليم اللواء السيد بعض الوثائق، &laqascii117o;وفي حال وجود قيود وحدود أخرى"، هل تطبق على كل المواد التي يطلب المستدعي الحصول عليها أو على البعض منها فقط، وفي هذه الحال على أي منها؟
سادسا، لقد شكل قرار فرانسين مادة مهنية موضوعية، من خلال منح &laqascii117o;المستدعي" حق المثول أمام قاض لعرض قضيته غير أن أوبريان، كتبت &laqascii117o;توصيتها" بلغة &laqascii117o;الأمر لي" وبالتالي حاولت أن تجهض العمل القضائي المهني الذي اعتمده فرانسين، الأمر الذي اعتبره بعض المحللين بمثابة إهانة لفرانسين، والإنقلاب على وظيفة المحكمة وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات، كيف يمكن للأمم المتحدة أن تتدخل في شأن قضائي صرف، وترسم حدوداً لسلطة قاض يرأس غرفة وله وحده الحق بتقدير الموقف في ضوء ما يتبلغه من آراء، وفي تقدير بعض المتابعين فإن هذه التوصية ستكون موضع نقاش حقيقي داخل &laqascii117o;المحكمة" كونها تشكل محاولة لايجاد تغطية دولية على &laqascii117o;شهود" ارتكبوا جرائم موصوفة في الافتراء والتضليل... ويمكن القول إنه بعد مطالعة أوبريان، أصبح يمكن أن يطلق على بعض شهود الزور صفة &laqascii117o;شهود زور دوليين" استنادا الى المسار الذي تنقلوا فيه من سوريا الى بيروت ثم باريس، وبعدها ماربيه الأسبانية وصولا الى الرياض، كما هي حال &laqascii117o;شاهد الزور الدولي" محمد زهير الصديق الذي يخضع منذ خمس سنوات لحماية أجهزة استخبارات عربية ودولية.
سابعا، لعل السؤال الأبرز في هذا السياق، يتعلق بما إذا كانت هذه التوصية ـ الطلب لحماية رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس ورفاقه وشركائه، أم لحماية الأمم المتحدة نفسها التي لعبت دور الشريك السياسي في تعميم الظلم والفوضى طوال الفترة التي تلت إغتيال الحريري وحتى قيام المحكمة في آذار 2009.
وتلفت أوساط متابعة إلى أن توصية الأمم المتحدة تهدف بوضوح إلى حماية ميليس الذي قام بدوره كاملاً وفقاً لما طلب إليه من أمين عام الأمم المتحدة وبعض الدول المعنية في مجلس الأمن الدولي، حيث كان واضحاً في طلب أوبريان الجانب المتصل بالحماية السياسية لبعض الموظفين الكبار في الأمم المتحدة وربما في عواصم أخرى، ممن كانت لهم مساهماتهم في تسـويق الإتهام السياسي، وذلك من خلال قولها أن &laqascii117o;الممارسة الثابتة التي تعتمدها الأمم المتحدة لدى النظر في تلبية طلبات الكشف عن الوثائق أو تلبيتها بعد إخضاعها للتنقيح، تقوم على تحديد ما إذا كان الكشف:
أ- يشكل خطراً على سلامة الأفراد المذكورين في الوثائق.
ب- ينتهك واجب سرية تدين به الأمم المتحدة لطرف ثالث.
ج- يقوض سرية آليات صنع القرارات الداخلية في الأمم المتحدة، بما في ذلك آليات صنع القرار في هيآتها السياسية مثل مجلس الأمن.
إن البند الأخير، يؤكد المسار السياسي للمحكمة... ويسقط الخيار المهني.  


- 'السفير'

تخريب دولي للمحكمة
غاصب المختار:

عندما حذر رئيس كتلة &laqascii117o;الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد عبر &laqascii117o;السفير" امس ، من &laqascii117o;رهان بعض اطراف الداخل على الخارج لأنه رهان سراب"، كانت قد تناهت اليه مواقف المسؤولين الاميركيين والفرنسيين وفي الامم المتحدة، دفاعاً عن المحكمة الدولية وتمسكاً بها باعتبارها المخلص الوحيد للبنان مما هو فيه، وكانت مساعدة (الأمين العام للامم المتحدة) بان كي مون للشؤون القانونية باتريشيا اوبريان تطلب من رئيس هذه المحكمة - &laqascii117o;غير المسيّسة"- انطونيو كاسيزي رفض طلب اللواء جميل السيد تزويده اي وثائق من التحقيق الدولي، ولو كانت تخصه ليعرف على اي اساس تم توقيفه مع زملائه الضباط الآخرين والمدنيين في بيروت وطرابلس.
وهذا التخريب الدولي في الملف اللبناني، معطوفاً على بعض التخريب العربي والاسرائيلي والذي يلقى صدى وقبولاً لدى بعض اللبنانين، لا يمكن برأي الكثيرين الا ان يؤدي الى توتر سرعان ما قد يتحول الى صدام في الشارع، في ما لو سمح له اللبنانيون ان يتنامى ويدخل في تفاصيل لبنانية اكثر، الا ان &laqascii117o;حزب الله" الذي يستشعر مخاطر المشروع الكبير لتخريب المنطقة برمتها، يؤكد ان الصدام في الشارع – وخاصة المسلح - لن يقع، او انه لن يكون طرفا فيه، برغم كل التهويل السياسي والإعلامي المحلي والعربي والدولي حول حركة التسلح الحاصلة، والمعطوفة على تصاعد الحملات السياسية ضد المقاومة، وسوريا مجدداً، والتي يرى البعض أنها تذكّر بما سبق أحداث 7 ايار 2008. والفارق هذه المرة ان التحريض لا يأتي من الداخل، بل من الخارج، وآخره التقارير الصادرة عن مراكز أبحاث وصحف اميركية عن توجيه الاتهام الى &laqascii117o;عناصر غير منضبطة من &laqascii117o;حزب الله"".
باتت الأمور مكشوفة جداً، والتسييس ضرب هذه المحكمة من رأسها الى أخمص قدميها وضرب التحقيق في الجريمة التي انشئت من اجلها، الى درجة ان هذه المحكمة ترهلت قبل ان يصدر عنها شيء، والتحقيق الدولي بات غير ذي مصداقية حتى قبل ان ينتهي، نتيجة كل هذا التخريب الدولي والعربي الحاصل فيها.
حتى ان بعض اطراف المعارضة يعتبر انه حتى لو صدر القرار الاتهامي بجريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري والمرتقب ان يتوجه باتهام الى &laqascii117o;عناصر غير منضبطة من &laqascii117o;حزب الله""، فلن تكون له التداعيات الكبيرة الخطيرة التي يتخوف منها البعض، لأن عاقلاً في العالم لن يصدق هذا الاتهام.
لقد &laqascii117o;بهدلوا" المحكمة الدولية قبل ان تنطق حكمها، والخوف ان تبقى في استخدامها السياسي القائم والمكشوف اداة تخريب على الوضع اللبناني، وتحريض للبنانيين على بعضهم البعض، حتى تنقشع غيوم الوضع الاقليمي، فإما تصبح نسياً منسياً، واما تصبح سبباً لشرخ إضافي في البيئة اللبنانية الاجتماعية والوطنية.  
- السفير نبيل هيثم: المعارضة تخشى التمييع.. والحريري يقترب من &laqascii117o;الفاتورة العالية"..هل وجّه بيلمار نصيحة بعدم محاكمة شهود الزور؟
قبل السفرة الاخيرة لرئيس الحكومة سعد الحريري الى السعودية، تبلغ من رئيس الجمهورية ميشال سليمان عزمه طرح ملف شهود الزور على مجلس الوزراء بناء على تقرير وزير العدل ابراهيم نجار، ولا سيما أن هذا التقرير قد أنجز وبات من الضروري أن يعرض على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب في شأنه، ومن شأن ذلك أن ينفس الأجواء ويسحب مادة سجال أساسية من الحلبة السياسية. وقد توقع سليمان آنذاك استجابة سريعة من الحريري بناء على ما قاله رئيس الحكومة لـ&laqascii117o;الشرق الاوسط". في تلك الجلسة تجاوب الحريري مع ما طرحه سليمان، وتوافقا على أن يطرح تقرير الوزير نجار على مجلس الوزراء بعيد عودة رئيس الحكومة من المملكة، وفي جلسة تعقد في بعبدا. لكن ذلك لم يحصل، بل تم تأجيله الى وقت لاحق، استجابة لرغبة الحريري بترحيل كلّ الملفات الخلافيّة، ولا سيما بند تمويل المحكمة وملف شهود الزور &laqascii117o;الى أجل غير مسمى" كما أكد أحد الوزراء. ولكن بصرف النظر عن موعد وصول تقرير نجار الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فإن علامات الاستفهام لا تثار حول موجبات هذا التأخير بقدر ما تثار حول التقرير نفسه وما يدور حوله في الغرف المغلقة، وعما اذا كانت لمدعي عام المحكمة الدولية القاضي دانيال بيلمار علاقة بـ&laqascii117o;حركة ما" لإعاقة محاكمة شهود الزور في لبنان؟ في بداية مهمته، تسلم وزير العدل من وزيري &laqascii117o;حزب الله" ملفاً كاملاً ووافياً، وعلى ما يقول أحد الوزيرين &laqascii117o;فإن ما قدمناه له أقرب الى خريطة طريق ترشده الى حيث يجب أن يصل بالأسماء والوقائع، ومما لا شك فيه أن الوزير كان منفتحاً وطرح الكثير من الاسئلة وأعطي الكثير من الاجابات، وكما بات معلوما فإنه تحرّك في مهمته على محورين، فطلب رأي هيئة الاستشارات والقضايا في وزارة العدل التي أكدت صلاحية القضاء اللبناني واختصاصه بالتصدي لهذا الملف. كما راسل بيلمار الذى نفى صلاحية المحكمة الدولية في محاكمة شهود الزور". بدا للمتحمسين، أن الامر توقـّف عند حدود رد بيلمار ورأي هيئة الاستشارات، وأن من البديهي أن يسلك الملف طريقه الى القضاء اللبناني، وهناك من يقول إن وزير العدل لا ينصح بإحالة هذا الملف الى المجلس العدلي، وبدأ العد التنازلي لعقد جلسة مجلس الوزراء لحسم الموضوع. ولكن سرعان ما بدأ البعض يشتمّ رائحة بصمات بيلمار تنبعث في مكان ما من هذا الملف. وبحسب المواكبين، فإنّ أسئلة واستفسارات كثيرة من المتحمسين لحسم ملف شهود الزور حول ما يريده بيلمار، ومنها:
ـ هل صحيح أن بيلمار نصح بعدم ملاحقة شهود الزور في لبنان؟ ـ من هي الجهة التي توجه اليها بيلمار بنصيحته، هل خاطب الجهة القضائية الرسمية التي تشكل قناة التواصل معه، أم أنه برده على مراسلة وزير العدل لم يكتف بنفي صلاحية المحكمة الدولية محاكمة شهود الزور، بل هو قرن ذلك بالنصيحة؟
ـ هل جهات بارزة في المعارضة طلبت توضيحات جديّة حول هذا الامر، ولم تحصل على إجابات حتى الآن؟
ـ اذا صح وجود تلك النصيحة، وإن كانت المعارضة على علم بها، فلماذا سكتت عنها؟ ومن يتناغم مع نصيحة بيلمار داخليا، وألا تشكل عرقلة واضحة ومسبقة للمسار القضائي الذي يمكن أن يسلكه الملف في لبنان، ولماذا بالتالي أبقيت طي الكتمان حتى الآن، ولم يُعلن عنها، وخصوصا من الذين أخذوا على عاتقهم مهمة التصدي لهذا الملف؟
ـ اذا صح وجود النصيحة، فبأية صفة وجهها بيلمار، هل بصفة صديق، أم بصفته مدعياً عاماً للمحكمة الدولية، وإلامَ يرمي منها بعد نفي صلاحية المحكمة الدولية بمحاكمة شهود الزور، وهل هو قلق من أن يشوش التحقيق القضائي اللبناني على مسار &laqascii117o;القرار الظني" الذي يحضر لإصداره قبل نهاية السنة الحالية؟
ـ ان تسلم اللواء جميل السيد ملفات التحقيق المتعلقة به قد تنير التحقيق القضائي اللبناني والدولي، فما دور بيلمار في عرقلة وصول تلك الملفات الى السيد، وما هي صلته بالطلب الذي وجهته مساعدة الامين العام للامم المتحدة باتريسيا اوبراين الى رئيس المحكمة الدولية القاضي انطونيو كاسيزي والذي تطلب فيه حجب ملف التحقيق عن اللواء جميل السيد؟
ـ ماذا تعني إحالة ملف شهود الزور الى القضاء اللبناني والسير به الى النهاية كما يطالب جميع الفرقاء، من هنا وهناك، ألا ينطوي هذا الملف على فاتورة عالية جدا قد تؤدي فيما لو سار التحقيق بجدية واستقلالية وحيادية وبمنأى عن المداخلات السياسية، الى الاطاحة سياسيا بسلسلة كبيرة من الرؤوس الكبيرة التي كانت جزءًا أساسيا من منظومة ادارة الاتهام السياسي ضد سوريا سابقا و&laqascii117o;حزب الله" حاليا؟
ـ هل بات سعد الحريري جاهزا لدفع ثمن بهذا الحجم والمستوى، وألا يعني ذلك أنه قرر الانقلاب على نفسه وأن يختط لنفسه طريقا سياسيا جديدا يؤدي الى مستقبل سياسي جديد، وبمعنى أوضح ينقض مرحلة ويؤسس لمرحلة اخرى؟
ـ اذا قرر الحريري الدفع طوعا في هذا الملف، فهل هو قادر على تجاوز موقف الاميركيين والفرنسيين بالاضافة الى موقف بعض الاعتدال العربي المتشدد، وهل السعودية قادرة على تغطيته في هذا الموقف الانتحاري بالمعنى السياسي، وهل هو قادر على تجاوز حلفائه في 14 آذار، علما أنه طمأنهم مرتين في اقل من أسبوعين، الاولى بعد عيد الفطر، حينما أعلن تمسكه بكل حلفائه بدون استثناء برغم أن بعضهم يشكل علامة استفزاز كبرى لدمشق. والمرة الثانية بعد صدور مذكرات التوقيف السورية بحق 33 شخصية من المقربين والمحيطين به؟ الواضح أن رئيس الحكومة محرج، فإما يكمل السير في ملف شهود الزور نحو المحاكمة الجدية أمام القضاء اللبناني مع ما يرتبه عليه من تضحيات، وإما يتجاهله ويدفع الكلفة هو وربما معه البلد.


- 'السفير'
وضع لبنان قضائياً تحت الوصاية الدولية(2)
عدنان عضوم:

ان توسيع الاختصاص القضائي للمحكمة زمنياً لجهة الشطر الذي يولي المحكمة اختصاص النظر باعتداءات حصلت او قد تحصل في تاريخ لاحق لتاريخ 12/12/2005 بناءً لقرار الطرفين (الدولة اللبنانية والأمم المتحدة) وبموافقة مجلس الامن كما ورد في المادة الاولى من الاتفاقية لم يقرره مجلس الامن الدولي، ولم تتناوله المفاوضات بين الامين العام والفريق اللبناني، ولم يلحظه الامين العام للأمم المتحدة في تقريره رقم S/2006/893 والذي تم على اساسه وضع مشروع الاتفاقية ونظام المحكمة ما يطرح اسئلة عديدة حول مصداقية الامين العام الذي تجاوز قراري مجلس الامن لجهة الاختصاص القضائي والمبرِّرات الحقيقية لهذا التوسيع، وما هي الآلية التي ستعتمد لتقرير هذا التوسيع لجهة توافر المعايير القانونية لاعتبار ان الاعتداء مرتبط باعتداء 14 شباط 2005 وهل ستكون تنفيذية ام قضائية؟ هل للسلطة القضائية اللبنانية رأي او دور في هذه الآلية التي تؤدي الى سحب الاختصاص القضائي منها؟ وكيف سيحترم مبدأ فصل السلطات الذي يشكل احدى ركائز الدستور اللبناني؟ لجهة سحب الاختصاص من القضاء اللبناني وإيلائه الى القضاء الدولي، وكيف سمح الفريقان السياسي والقضائي اللذان كانا يقومان بالمفاوضات آنذاك ان يتنازلا عن صلاحية القضاء اللبناني للنظر بجرائم لاحقة لتاريخ 12/12/2005 يعتبرانها مماثلة لجريمة اغتيال الرئيس الحريري ضمن شروط يصعب التحقق منها لجهة &laqascii117o;العوامل" المعتمدة لاعتبارها مماثلة لجريمة اغتيال الرئيس الحريري، فضلاً عن ان هذا التوسع في الاختصاص القضائي للمحكمة الخاصة يشكل تنازلاً عن الصلاحية القضائية اللبنانية لفترة زمنية غير محددة لم يرد في الطلب الرسمي المرفوع الى مجلس الامن والمبني على قرار مجلس الوزراء اللبناني آنذاك، ويخالف مضمون قراري مجلس الامن 1644/2005 و 1664/2006 حيث حدد الطلب والموافقة على المساعدة الدولية لمحاكمة المسؤولين عن التفجير الذي اودى بحياة الرئيس الحريري ورفاقه. وبالتالي، فإن هذا التوسيع في الاختصاص كان يتطلب استصدار قرار جديد من مجلس الامن بهذا الخصوص، كما يتطلب اجراء اتفاقية خاصة تُراعى فيها الاجراءات القانونية والدستورية للمعاهدات الدولية والمنصوص عليها في المادة 52 من الدستور اللبناني نظراً لخطورتها لجهة انتهاكها السيادة الوطنية اللبنانية، هذا مع العلم انه في الاساس، تم وضع الاتفاقية بإنشاء المحكمة الخاصة ونظامها من قبل الحكومة اللبنانية فاقدة للشرعية انذاك دون مراعاة هذه الاصول الدستورية، وأرسلتها الى مجلس الامن الذي وضعها موضع التنفيذ بموجب قراره 1757/2007 تحت الفصل السابع، وذلك بالرغم من المخالفات والتجاوزات للدستور اللبناني وللقرارين الدوليين المشار اليهما اعلاه.
ـ التوسيع في اختصاص المحكمة القضائي يخالف المبادئ الجنائية الدولية
يتبيَّن ان توسيع الاختصاص القضائي للمحكمة على الشكل المشار اليه في المادة الاولى من الاتفاقية بإنشاء المحكمة ونظامها الاساسي يجعل من هذه المحكمة الخاصة محكمة دائمة مفتوحة الصلاحية للنظر في جرائم حصلت سابقاً بعد تاريخ 12/12/2005 ولم يعاقب مرتكبوها لأي سبب كان، او قد تحصل مستقبلاً على الاراضي اللبنانية. في حين ان الغاية من انشاء المحاكم الجنائية الدولية الخاصة وفقاً لمبادىء القانون الدولي والوطني ومبادئ العدالة الجنائية الدولية هي ايجاد محكمة استثنائية للنظر في جرائم محددة ارتكبت قبل انشائها وخلال مدة معينة (محكمة يوغوسلافيا سابقاً، محكمة كمبوديا، محكمة سييراليون ومحكمة رواندا) وليست للنظر بجرائم غير محددة او مرتقبة قد تحصل مستقبلاً، وإن هذا التوسع في الاختصاص غير جائز قانوناً ويخالف القوانين والأعراف الدولية، ويمس بالسيادة الوطنية اللبنانية، ويُشكِّل انتهاكاً لمبادئ ميثاق الامم المتحدة ولأحكام المادة العاشرة من الدستور اللبناني التي تولي السلطة القضائية للقضاة اللبنانيين. كما يخالف قانون العقوبات اللبناني الذي يولي السلطة القضائية اللبنانية الاختصاص للنظر بالجرائم المرتكبة على الاراضي اللبنانية.
II ـ المسؤولية الجنائية الفردية
نصت المادة الثالثة من نظام المحكمة الاساسي بعنوان المسؤولية الجنائية الفردية على ما يلي:
1 ـ &laqascii117o;يتحمل الشخص مسؤولية فردية عن الجرائم الداخلة ضمن اختصاص المحكمة الخاصة اذا كان ذلك الشخص ضالعاً في احدى الافعال التالية:
أ ـ ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا النظام الاساسي، او المساهمة فيها كشريك، او تنظيمها او توجيه الآخرين لارتكابها، او
ب ـ المساهمة بأي طريقة اخرى في ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا النظام الاساسي ضمن مجموعة من الاشخاص يعملون على تحقيق هدف مشترك، عندما تكون هذه المساهمة مقصودة ويكون هدفها تصعيد النشاط الاجرامي العام للمجموعة او تحقيق هدف المجموعة او معرفة المجموعة لإرتكاب الجريمة".
2 ـ وفي ما يتصل بالعلاقة بين الرئيس والمرؤوس، يتحمل الرئيس المسؤولية الجنائية عن اي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 من هذا النظام الاساسي التي يرتكبها مرؤوسون يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين، نتيجة لعدم سيطرته سيطرة سليمة على هؤلاء المرؤوسين حيث:
أ ـ يكون الرئيس، اما عرف، او تجاهل عن عمد اية معلومات تبين بوضوح ان مرؤوسيه يرتكبون او هم على وشك ان يرتكبوا تلك الجرائم؛
ب ـ تتعلق الجرائم بأنشطة تندرج في اطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس، و
ج ـ لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع او قمع ارتكاب مرؤوسيه لتلك الجرائم او لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والملاحقة القضائية.
3 ـ لا يعفى مرتكب الجريمة من المسؤولية الجنائية لكونه تصرف بأمر من رئيسه الا انه يجوز للمحكمة الخاصة ان تنظر في تخفيف العقوبة اذا رأت في ذلك استيفاء لمقتضيات العدالة.
إن جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه والجرائم المتلازمة معها والمماثلة لها وفقاً لتحديد نظام المحكمة الخاصة بلبنان، والتي تدخل في اختصاص هذه المحكمة، ارتكبت على الاراضي اللبنانية، ومسَّت بحياة وأمن المواطنين اللبنانيين وحقوقهم التي يحميها القانون الجزائي اللبناني، لذلك، عملاً بمبدأ اقليمية النص الجزائي الذي تبناه المشترع اللبناني، نصت المادة الخامسة عشرة من قانون العقوبات الفقرة الاولى انه تطبق الشريعة اللبنانية على جميع الجرائم المقترفة في الاراضي اللبنانية، فيقتضي بالتالي، تطبيق هذه الشريعة على الجرائم المشار اليها اعلاه. وفي هذا السياق، نشير الى ان السلطات اللبنانية اثناء المشاورات مع فريق الامم المتحدة اوضحت ان تطبيق القانون الجنائي الموضوعي اللبناني سيؤدي دوراً هاماً في ضمان اكتساب المحكمة بعداً وطنياً (يراجع تقرير الامين العام رقم S/2006/176 تاريخ 20/3/2006 البند الثامن).
وبالفعل، فقد اعتمد نظام المحكمة ذات الطابع الدولي في المادة الثانية منه تطبيق احكام قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بالملاحقة والمعاقبة على الافعال الجرمية المحددة في تلك المادة.
قبل مناقشة مضمون المادة الثالثة من نظام المحكمة الخاصة الاساسي التي تتناول احكام المسؤولية الجنائية الفردية المعتمدة، لا بد من توضيح القواعد القانونية الاساسية الواجب مراعاتها في هذا الموضوع.
أولاً: القواعد القانونية الواجب تطبيقها لتحديد الاشخاص المسؤولين جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الخاصة بلبنان.
إن المسؤولية الجنائية هي الالتزام بتحمل النتائج القانونية المترتبة على توافر اركان الجريمة، وموضوع هذا الالتزام هو العقوبة او التدبير الاحترازي الذي يُنزله القانون بالمسؤول عن الجريمة.
عملاً بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فإن مصادر التجريم والعقاب محصورة في النصوص التشريعية دون غيرها من سائر المصادر المألوفة في القوانين الاخرى كالعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، ونتيجة لهذا المبدأ فإن النصوص القانونية الجزائية الموضوعية (التجريم، اسس التجريم والملاحقة والمسؤولية الجنائية) الواجب تطبيقها على الجرائم هي النصوص المعمول بها وقت ارتكابها، وليست النصوص المستحدثة والمعمول بها وقت محاكمة مرتكبيها، وذلك تطبيقاً لقاعدة عدم رجعية النصوص الجزائية الموضوعية.
&laqascii117o;Non r&eacascii117te;troactivit&eacascii117te; des lois p&eacascii117te;nales de Fond"
وتستند هذه القاعدة الى نصوص صريحة في قانون العقوبات اللبناني (المادة الاولى والمادة السادسة من الفصل المتعلق بتطبيق الشريعة الجزائية من حيث الزمان)، ولهذه القاعدة استثناء، الا وهو الاثر الرجعي للنصوص الاصلح للمدعى عليه. يراجع بهذا المعنى:
ـ شرح قانون العقوبات اللبناني للدكتور محمود نجيب حسني ص 103 وما يليها.
ـ St&eacascii117te;fani ـ Levasseascii117r ـ Droit P&eacascii117te;nal G&eacascii117te;n&eacascii117te;ral ـ 16ème &eacascii117te;dition p. 135 et sascii117ivants.
وتقتضي الاشارة ان هاتين القاعدتين مكرستان في الاعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان حيث ورد في المادة الحادية عشرة فقرة (2) &laqascii117o;لا يدان اي شخص من جراء اداء عمل او الامتناع عن اداء عمل الا اذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني او الدولي وقت الارتكاب، كذلك لا توقع عليه عقوبة اشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكابها".
لذلك، فإن النصوص القانونية الموضوعية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية الفردية التي يقتضي تطبيقها من قبل المحكمة ذات الطابع الدولي على الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصها هي نصوص الشريعة اللبنانية المعمول بها بتاريخ ارتكاب هذه الجرائم، وهي بالتحديد النصوص القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية وفقاً للدستور اللبناني: قانون العقوبات اللبناني مع تعديلاته والقوانين ذات الصلة الاخرى المعمول بها بتاريخ ارتكاب الجرائم، والمعاهدات الدولية التي كانت السلطة الدستورية المختصة قد ابرمتها وأصبحت لها قوة القانون الداخلي بتاريخ ارتكاب الجرائم.
أما مبادئ القانون الجنائي الدولي الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي لم تبرمها الدولة اللبنانية وفقاً للأصول الدستورية المعمول بها فلا يجوز اع

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد