- 'السفير'
من زيـارة نجـاد إلى لقـاء الريـاض: العـراق مـدخـل للحـل فـي لبـنان؟
طلال سلمان:
سينتبه اللبنانيون، في يوم آت، الى أن زيارة الرئيس الإيراني الدكتور محمود أحمدي نجاد حملت بشارة خير لهذا الوطن الصغير، خلافاً لما تخوّف منه بعض المستجدين على العمل السياسي، أو أولئك الذين يعميهم الغرض عن القراءة الصحيحة للتحوّلات، فيتوغلون في سوء التقدير لأنهم لا يملكون الحق في التراجع عن الخطأ ما لم تأتهم الإشارة من &laqascii117o;المركز" البعيد.
لقد عرف الرئيس الإيراني كيف يدخل لبنان وكيف يتصرف في غابته الكثيفة التي تتشابك فيها مصالح الدول وأغراض الأطراف المتعددة الحساسيات، طائفياً ومذهبياً وعرقياً، ثم كيف يخرج منه وقد أجبر كثيرين من خصوم ثورته الإسلامية والمتخوّفين من &laqascii117o;المشروع الامبراطوري الفارسي" على إعادة النظر في تقديراتهم واستنتاجاتهم المتسرعة والمبنية على حكم مسبق.
وليس من المبالغة القول إن تلك الزيارة قد نجحت بقدر ما انضبط صاحبها ضمن الأصول، وكذلك ضمن موجبات الوفاق الداخلي وما يساعد في الوصول إليه، مراعياً الحساسيات العربية، بدءاً بالسعودية، مروراً بالأردن.. ملبياً التوصية السورية التي شددت عليه بضرورة الانتباه إلى أن كل كلمة يقولها في لبنان سيتردد صداها ـ في هذه اللحظة ـ في العراق فتسهم في تقريب موعد الحل السياسي في بغداد أو تتسبّب في تعجيل الانفجار الذي لن ينحصر في أرض الرافدين، بل سيمتد بامتداد الأرض العربية من أقصى الخليج إلى بيروت على المتوسط.
وفي تقدير بعض الخبراء في تحليل مفاجآت السياسات العربية أن الزيارة الخاطفة التي قام بها، أمس، الرئيس السوري بشار الأسد إلى الرياض ولقاءه الطارئ ـ مكاناً وزماناً ـ مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، إنما كان موضوعهما الأول عراقياً، وإن ظل لبنان أساسياً على جدول أعمالهما... والمأمول أن يكون الطرفان قد توصلا إلى صياغة مشتركة لمستقبل الحكم في بغداد، تطمئن الجميع.
ولعل الضيف الذي يرى نفسه في بيروت &laqascii117o;من أبناء البلد"، السفير الأميركي السابق والمساعد الأول لوزيرة الخارجية في شؤون المشرق العربي، جيفري فيلتمان، قد جاء في التوقيت ذاته، ليطمئن إلى &laqascii117o;الشق اللبناني" من نتائج زيارة الرئيس الإيراني واحتمالات تأثيرها على مستقبل &laqascii117o;العملية السياسية" في العراق.. وعساه لا ينجح في تخريب ما كان الاتفاق عليه في خانة الاحتمال القريب.
فالترابط بين مشاريع الحلول الجاري الآن تداولها مؤكد، بل انه يمتد إلى الطرف الجنوبي &laqascii117o;للقارة العربية"، اليمن، مع استطلاع سريع لتأثيرها على أوضاع الخليج العربي عامة.
[ [ [
... ونعود إلى &laqascii117o;الداخل" لنكتشف، مجدداً، اتساع هذا اللبنان الذي يضيق بسكانه المعدودين فيطردهم من جنته إلى أربع رياح الأرض سعياً إلى الرزق والاطمئنان إلى مستقبل الأبناء، لكن &laqascii117o;الدول" جميعاً تجده رحباً، فسيحاً، يمكن لكل منها، وأي منها، بحسب أسباب القوة والنفوذ، أن تجد مساحة لها فيه... وهكذا يتمدد نفوذ &laqascii117o;الدول" الذي قد يتخذ شكل التأثير السياسي أو الاستثمار العقاري أو المتعة السياحية، بكل ما يرافق ذلك من تدابير احترازية تأتي برجال المخابرات وجواسيس المال ونساء الليل والجمعيات الدولية للعمل العام الذي قد يشمل ـ في ما يشمل ـ تربية الأبقار وجمعيات الحمل من دون آباء، وكل ما يسمح باختراق المجتمعات والتدخل &laqascii117o;لترشيد" الرأي العام وتعليمه الديموقراطية عن طريق إرشاده إلى كيفية إدخال ورقته في الصندوقة الانتخابية... والوعي مدخل المستقبل، كما تعلمون.
الكل الآن يردد بشيء من الحسرة أو الندم أو التباهي بالإنجاز:
ـ لو أن الحل بأيدينا، نحن في الداخل، لهان الأمر! لكن المسألة صارت بأيدي الدول! وماذا يمكن لهذا الوطن الصغير أن يفعل مع الدول.. مع مجلس الأمن مثلاً، مع الأمم المتحدة، مع المحكمة الدولية التي لا تقطع النيابة العامة فيها خيط القطن من دون الرجوع إلى مرجع الكون جميعاً: الأمين العام بان كي مون! وها هي قد رجعت إليه مؤخراً، في بعض التفاصيل فأمر بأن يمضي العدل في مجراه... حتى الفتنة التي لا تبقي حجراً على حجر!
أما مَن أنيطت بهم مسألة العدل في الداخل فلا يملكون حق الفتوى، لأن &laqascii117o;مرجعيتهم السياسية" هي المرجع الصالح في المسائل القانونية، وهي قد عكفت على دراستها لما يزيد على عقد من السنين، في مكان مزدحم بجثث الشهداء من ضحاياها... فهل أصلح من مرجعية كهذه لإقامة العدل بين الناس؟!
وعبر هذين المثلين يمكنك أن تتأكد من أن العدالة في أيد أمينة، وأن لا سياسة ولا تسييس، ولا اتجار بدم الشهداء ولا استغلال لعواطف الناس، ولا إثارة للغرائز ولا تهييج للمشاعر الطائفية أو المذهبية، ولا من ينفخ في رياح الفتنة من أجل الكسب الشعبوي الرخيص على حساب وحدة الشعب والأرض والدولة!
[ [ [
... وعلى ذكر الأمم المتحدة، فلا بد من التوقف، للحظة، أمام التهديد النووي الذي تفتقت عنه عبقرية بعض المسؤولين من أهل النظام العربي ووجد فيه بعض أهل &laqascii117o;السلطة" التي لا سلطة لها على أي شبر من فلسطين، حلاً مثالياً وغير مسبوق ومفاده: أن نذهب بقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة فنستصدرها قراراً بإقامة الدولة الفلسطينية، كرد مدمّر لإعلان إسرائيل ذاتها دولة يهود العالم... الديموقراطية!
كأن الأمم المتحدة قد وجدت بالأمس، فقط، ولم تسمع بالقضية الفلسطينية من قبل، ولا هي من شرّع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وأقر شرعية دولة إسرائيل من قبل أن تقوم فعلاً..
أو كأن هذه المنظمة العجوز التي تحوّلت إلى مجرد ختم للتصديق على الحروب الأميركية التي ـ يا للمصادفة ـ لا تدور إلا على أرض دول عربية وإسلامية، فتدمرها وتفتك بشعوبها ـ قتلاً وتشريداً وتفتيتاً لكياناتهم السياسية ـ ما زالت صالحة أو مؤهلة أو قادرة على استصدار &laqascii117o;توصية" ـ مجرد توصية ـ بلوم إسرائيل أو حتى لفت نظرها إلى جرائمها الفظيعة ضد الإنسانية في فلسطين جميعاً، من الأغوار وحتى غزة!
[ [ [
نعود إلى الخبر الذي نتمنى أن يكون &laqascii117o;بشارة خير": اللقاء المفاجئ والسريع الذي انعقد مساء أمس في القاعة الملكية بالمطار العسكري في الرياض، بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد.
لقد رأى فيه المراقبون مساحة للتفاهم على مسائل مهمة كان يجري العمل لإيصالها إلى خواتيم طيبة، أبرزها العراق وبعده أو معه لبنان، حيث تتقاطع المصالح وتتشابك الطوائف والمذاهب والعواطف والأحقاد المترسبة عبر التاريخ، والتي تجد دائماً من يحركها ليستثمرها مجدداً في شطب الغد العربي والتمكين لإسرائيل بالفتنة أو بالعكس.
وعسى التمني يكون له من الوقائع ما يبرره ويجعله حقيقة.
ـ 'السفير'
الانبطاح العراقي واللبناني
ساطع نور الدين:
في خطبة يوم الجمعة الماضي في مسجد كربلاء في العراق، طلب الشيخ عبد المهدي الكربلائي، وهو ممثل المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، من قادة الكتل النيابية الفائزة في الانتخابات أن تكون اجتماعاتهم وحواراتهم داخل العراق، لأنه ليس من الصواب ولا من اللائق الذهاب الى دول الجوار العراقي للبحث عن حل لأزمة تشكيل الحكومة.
النداء لا يعبر فقط عن عصبية وطنية عراقية مهددة بالضياع، بات يختزلها المرجع الشيعي الايراني الأصل المنقطع عن اصوله والمناهض لها، بقدر ما يحفز نقاشاً حول دور الخارج في انهاء الازمة الحكومية والسياسية العراقية، ويفسح المجال لمقارنة جذابة مع دور &laqascii117o;الخارج" نفسه الذي يتعامل مع الازمة اللبنانية وفرقائها، ويستقبل بعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين ويقاطع بعضهم الآخر مثلما يستقبل بعض المسؤولين والسياسيين العراقيين ويقاطع بعضهم الآخر، ويعلن في النهاية اللازمة التي تستفز الجميع وتقهرهم: إن القرار للبنانيين والعراقيين وحدهم، والتدخل في شؤونهم الداخلية غير مقبول وغير ومسموح من أي جهة أتى!
ما قاله السيستاني عبر ممثله، ينسجم مع خطابه السياسي الدائم الذي واجه به المحتلين الأميركيين ودفعهم الى التسليم بخيار الانتخابات الذي تردّد ازاءه الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، باعتباره السبيل الأمثل لمعرفة رأي العراقيين وتركهم يدبرون امورهم بأنفسهم. والمرجع بهذا المعنى يدافع عن نصيحته الاولى وفتواه الثابتة، التي تواجه هذه الأيام تحدياً خطيراً، حيث يثبت العراقيون انهم ليسوا مؤهلين لادارة بلدهم من دون تدخل خارجي، ويستدعون جميع دول الجوار الى شؤونهم ويحاولون الانتصار بها او بإحداها على الأقل، على شركائهم في الوطن.
لكن السيستاني يدرك كما يبدو من ندائه أن التجربة العراقية لم تصل الى مستوى الحالة اللبنانية التي تفتقر الى الحد الأدنى من اللياقة، ما يحول دون ظهور مرجعية دينية او سياسية لبنانية قادرة على توجيه مثل هذا النداء من دون أن تتعرّض للسخرية او الإدانة. هو لم يقطع الأمل بالعراق والعراقيين، برغم انهم صاروا مثل متسوّلين للسلطة في عواصم الجوار. كما انه لم يتخلّ عن ايمانه الدفين في أن جيران العراق جميعاً ومن دون استثناء يتربصون به وينتظرون فرصة الفراغ التام والفوضى الشاملة للانقضاض عليه، من الجهات الأربع.. او هم على أقل تقدير يتمنون ان تطول أزمته الى ما لا نهاية لكي يظلوا وسطاء وسعاة خير بين قومياته وطوائفه، ولكي يكسبوا المزيد من المناعة وربما الشرعية لأنظمتهم.
تكوين العراق وثقافته وعناصر قوته السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية تحول دون انحطاطه الى المستوى اللبناني، وتبقي دول الجوار كلها خائفة منه ومن ماضيه غير المطمئن لأي منها.. ومن الغطاء الأميركي لتجربته المتعثرة، مهما بدا هذا الغطاء مترهلاً حالياً بوجود الرئيس باراك اوباما. يفتقد لبنان الى مثل هذه الثقافة والمكونات، ما يعني ان الخارج سيظل حاسماً في أزمته، وسيظل اي لقاء بين دوله طموحاً يتطلع اليه اللبنانيون وحلماً ينشدونه اكثر بكثير مما يفعل اشقاؤهم العراقيون الذين يسابقونهم في الزحف على أعتاب عواصم القرار.
ـ النهار دراسة لماري رينيه غنطوس : التنقيب عن النفط وحدود لبنان البحرية: أهمية ترسيم خط الأساس للشواطئ اللبنانية
احتدم الجدال في الفترة الاخيرة حول وجود موارد نفطية في عرض البحر مقابل الشواطئ اللبنانية وأسرع مجلس النواب بالتصويت على قانون يجيز التنقيب عن تلك الموارد الحيوية للبنان. لكن السؤال الذي يطرح هو: أين يحق للبنان التنقيب عن النفط؟
هذا السؤال يرعاه قانون البحر. ويشكل هذا أكبر عملية تقنين قامت بها الأمم المتحدة في مجال القانون الدولي العام وانتهت بعد أكثر من ثلاثين عاما من النقاش الجغرافي والقانوني والسياسي بإصدار معاهدة عملاقة عام 1982 هي معاهدة منتيغو باي Montego Bay جمعت كل المعاهدات السابقة وأضافت إليها بعض المفاهيم التي اعتبرت ثورة في هذا المجال، وتحديدا مفهوم 'المنطقة الاقتصادية الخالصة' (أي الحصرية، حسب الترجمة الرديئة للمعاهدة باللغة العربية) zone &eacascii117te;conomiqascii117e exclascii117sive [ZEE] . دخلت هذه المعاهدة حيز التنفيذ في 16 تشرين الثاني 1994 وصادق لبنان عليها في 5 كانون الثاني 1995 ولم يكن موقعا على الاتفاقية السابقة: 'المعاهدة الخاصة بالمياه الاقليمية والمنطقة المتاخمة' تاريخ 29 نيسان 1958(1).
وفي عام 1983، أودع لبنان الأمم المتحدة المرسوم رقم 138 تاريخ 7 أيلول 1983، معلنا بموجبه أن عرض المياه الاقليمية اللبنانية هو 12 ميلا بحريا ابتداء من خط الشواطئ (المادة 1). لكن لم تقم أي من الحكومات اللبنانية المتعاقبة بتحديد خط الشواطئ هذا وبترسيم الحدود البحرية تاليا.
ويحتوي البحر، إضافة إلى الثروات النفطية والغازية، على ثروة سمكية مهمة خاصة في المناطق البعيدة نسبيا عن الشواطئ، وهذا مورد عيش لأبناء الشعب اللبناني وليس فقط لكبار المستثمرين، فضلا عن ثروات مختلفة بإمكانه الاستفادة منها. فما هي القواعد التي ترعى هذا الموضوع؟ ( للمطالعة)
ـ 'النهار'
الكنيسة تطلق وثيقة 'دولة فلسطين وحق العودة يمنعان التوطين'
كتبت ريتا صفير:
رغم العراقيل التي تواجهها المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية منذ انطلاقها في ايلول الماضي، تواصل جهات لبنانية ولا سيما منها اطراف مسيحيون السعي الى بلورة رؤية شاملة تتناول الملفات التي يفترض ان تطول لبنان في هذا الشأن وخصوصا في ما يتعلق بملفي الامن واللاجئين.
واذا كانت الكنيسة بالتعاون مع الهيئات الدائرة في فلكها وفي مقدمها الرابطة المارونية، شرعت في وقت سابق في توحيد الجهود تمهيدا لوضع تصور يرتكز على تقديم مقاربة علمية شاملة لملف التوطين ('النهار' 14-9-2010) غداة الاخذ والرد، عقب اقرار حق العمل لهؤلاء، فان اول الغيث في هذا الشأن تمثل في وضع اللمسات الاخيرة على وثيقة 'قيام دولة فلسطين وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين يمنعان التوطين'، التي يتوقع اطلاقها في الاسابيع المقبلة. ويعول العاملون على الملف على ان تشكل الوثيقة التي تعكس مقاربة الكنيسة لهذا الموضوع الحساس حجر الزاوية في الدائرة اللبنانية الاوسع، والمقصود بها الدولة ومؤسساتها تمهيدا لتوحيد الجهود في هذا الشأن (...)
ـ 'الحياة'
أحمدي نجاد في لبنان... &laqascii117o;خوش زيارة"!
جورج سمعان:
جاء الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى لبنان ليقول ببساطة إن إيران حاضرة هنا في هذا البلد، وحاضرة هناك بمحاذاة الحدود مع إسرائيل. أطلق من قصر بعبدا والضاحية الجنوبية لبيروت ومن الجنوب ما تعوّد إطلاقه في الموضوعين اللبناني الداخلي والإقليمي والدولي، في طهران وخارجها. لا جديد إذاً. ولا الزيارة تنذر بأن الحرب في المنطقة أو على لبنان باتت وشيكة. أو بأن الفتنة بين اللبنانيين باتت أقرب من هذه أيضاً. &laqascii117o;الستاتوكو" أو حال &laqascii117o;اللاحرب واللاسلم" في المنطقة هو الراجح الثابت حتى الآن. وزيارة الرئيس الإيراني لبلاد الأرز لن تغير في هذا &laqascii117o;الستاتيكو" كما يخشى كثيرون.
أهمية الزيارة أنها جاءت في سياق سياسي مفصلي، سواء في لبنان أو العراق أو فلسطين، فضلاً عن الملف النووي الإيراني عشية الاستعداد لجولة محادثات جديدة بين الجمهورية الاسلامية والدول الست منتصف الشهر المقبل. اللحظة هذه هي ما أعطت الزيارة دلالات وكذلك تكرار المواقف. وهذه المرة من لبنان، الموقع الخاص ذي الدلالات، وليس أقلها أنه شكل طوال العقود الماضية &laqascii117o;الساحة" الرئيسة للصراعات الدولية والإقليمية في الطريق إلى التسويات، أو الحرب الشاملة.
جاء الرئيس الإيراني إلى لبنان ليطل من بنت جبيل على الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية والأميركيين ويبلغهم أن التسوية لن تمر، وأن له حضوراً وكلمة وموقعاً، وليجدد التمسك بالمقاومة. كما لو أنه يواصل اندفاعته من بغداد بعدما رسم خريطة طريق للحكومة الجديدة بترجيح كفّته في العراق. وهو من بيروت أيضاً يرسم حدوداً جديدة أكثر وضوحاً للعبة، في لبنان والإقليم، وما على الآخرين سوى إعادة النظر في تموضعهم وإعادة خلط أوراقهم وتصويب مواقفهم. أراد القول إن موضوع سلاح المقاومة لم يعد شأناً يقرره أهل لبنان وحدهم – وهم أصلاً عاجزون عن ذلك – بل هو شأن إيراني. أي بات جزءاً من المنظومة الإيرانية في صراعها مع الغرب، وجزءاً من ميزان القوى الإقليمي.
شدّ الرئيس الإيراني هنا عقدة الربط بين وضع لبنان وأوضاع المنطقة. لم يكن &laqascii117o;حزب الله" بالطبع يحتاج إلى عون عاجل من طهران. لديه فائض من القوة وشبكة واسعة من الحلفاء. أي أن الزيارة لن تعدّل في ميزان القوى اللبناني الداخلي، بقدر ما أكدت مجدداً أن المقاومة عنصر وازن في ميزان القوى الإقليمي. إنها رأس الحربة في &laqascii117o;جبهة مقاومة الشعوب" التي تشمل لبنان وفلسطين وسورية وتركيا والعراق فضلاً عن الجمهورية الاسلامية، على ما أعلن أحمدي نجاد. إنها شبكة أمان وتعزيز لحضور المقاومة في لحظة سياسية صعبة تجتازها هذه الأيام، أكثر منها دعوة إلى استئناف القتال في جنوب لبنان. فالزائر لم يطلق من بنت جبيل ما يعني إعادة فتح الجبهة، أي تجاوز منطوق القرار 1701 أو الاعتراض على انتشار القوات الدولية التي تحرس الحدود.
ولئن أنذر الرئيس أحمدي نجاد بأن إسرائيل إلى زوال، فإن &laqascii117o;المقاومة الشعبية" لن تزحف غداً. ولا خوف من حرب على الأبواب. فالمقاومة لم تنتظم صفوفاً في أي من البلدان خارج لبنان، وقد لا تنتظم. فتركيا لا تزال تتمسك بالمسيرة السلمية في المنطقة. لا تريد حرباً في فلسطين ولا تريد حرباً بين الجمهورية الاسلامية وخصومها. ومثلها سورية تتمسك بالحل العادل والشامل، وترغب في المفاوضات ولكن عبر الوسيط التركي. أي أنها تنتظر عملياً عودة التفاهم بين أنقرة وتل أبيب، وإن كان يعني هذا الشرط أنها ليست راغبة حالياً في التفاوض مع بنيامين نتانياهو. أما العراق فقصة أخرى، ويكفيه ما يكفيه من احتراب بين جماعاته ومكوناته، وهو خارج المعادلة إلى حين والمرجح أن يبقى كذلك. فضلاً عن ان المرشحين للمقاومة في هذا البلد هادنوا ويهادنون الأميركيين! وفلسطين نصفها إلى الطاولة يفاوض ونصفها الآخر يبحث عمن يفاوضه... ما دامت الخيارات محدودة. إضافة إلى كل ذلك، تستعد طهران لجولة جديدة من المفاوضات مع الدول الست حول ملفها النووي منتصف الشهر المقبل... أكثر من استعدادها لشحذ آلة الحرب واستنهاض &laqascii117o;المقاومة".
عززت زيارة الرئيس أحمدي نجاد موقع &laqascii117o;حزب الله" في هذه اللحظة السياسية الحرجة، لكنها في الوقت نفسه ضاعفت مخاوف شركائه في الوطن، أو خصومه. صحيح أن اللبنانيين الذين يقفون على حد الفتنة توافقوا على الهدنة لتمرير الزيارة في أجواء هادئة، لكن المأزق القائم سيدفعهم إلى المناوشات مجدداً، وإلى إعادة النظر في كثير من الحسابات. وإذا كان الزائر الإيراني نأى بنفسه علناً على الأقل عن الخلافات الداخلية، خصوصاً موضوع المحكمة الدولية، فإن دعوته اللبنانيين إلى التمسك بوحدتهم، هي رديف دعوته إلى المحافظة على المقاومة، رأس الحربة في مشروع الممانعة ومناهضة المشاريع الأميركية والاسرائيلية. ألا يعني ذلك وقوفه إلى جانبها في الدعوة إلى ضرب المحكمة؟ أم أنه يريد القول إن طهران هنا شريك في الحل؟
لم يرشح من نتائج الزيارة أن الرئيس الإيراني طرح تسوية أو صيغة تخرج لبنان من المأزق الراهن، بل زاد المخاوف من وضعه لبنان في صدارة &laqascii117o;جبهة مقاومة الشعوب"، وهو ما لا طاقة للبنانيين على حمله. هل غاب عن البال تاريخ الحروب التي دمرت لبنان بين من يريدون تحويله منطلقاً لتحرير فلسطين والذين ينادون تارة بحياده وطوراً ببقائه في صف الإجماع العربي و &laqascii117o;العمل العربي المشترك"؟ من هنا إن وضع لبنان في مقدم هذه المقاومة الإقليمية يجعله بعيداً من الجبهة الأخرى التي يمثلها شبه الإجماع في الجامعة العربية التي لا تزال تسير في ركاب التسوية والحلول السلمية والمبادرة العربية.
وإذا كان الرئيس أحمدي نجاد لاقى ويلاقي سورية في الحفاظ على المقاومة وحمايتها، إلا أنه قد يكون حرك فيها بعض ما لا يرقى إلى حد التعارض أو الاختلاف وهز التحالف الاستراتيجي بين البلدين. بالطبع ليس سهلاً القول إن دور طهران في لبنان بات أكبر من دور دمشق (حتى وإن لاحظ بعضهم غياب الإشارة إلى سورية في خطب الرئيس الإيراني). فسورية لا يمكن أن تقبل بغير الموقع الأول في البلد الصغير. وإذا بدا أن للآخرين طموحاً بالمنافسة، فإن تجربة &laqascii117o;قوة الردع العربية" التي انتشرت في لبنان بعد حرب السنتين (عامي 1975 و1976) لا تزال ماثلة. يومها انتهى التدخل العربي تسليماً لسورية بكل البلد. وتكرس ذلك لاحقاً برضا أميركي عشية حرب تحرير الكويت.
وإذا كانت دمشق ماشت بالأمس طهران وواشنطن في اختيار المالكي بدلاً من غريمه إياد علاوي، فلأنها تدرك أن ما لإيران في العراق أكثر مما لها. علماً أنها قادرة على إعاقة الحكم في هذا البلد إذا تبدى لها لحظة أن ثمة ما يهدد مصالحها. وهي في أي حال دفعت المالكي عندما زارها إلى &laqascii117o;الانقلاب" على كل ما أعلنه ضدها في السابق وقطع لها وعوداً وتعهدات. تماماً كما تريد من سعد الحريري &laqascii117o;انقلاباً" مماثلاً سواء عبر مذكرات التوقيف لفريق عمله أو عبر السعي إلى إلغاء المحكمة الدولية!
أبعد من هذا: إذا كان بعض لبنان يعترض على حصر المقاومة قرار الحرب بيدها، فهل ترضى سورية بألا تكون لها الكلمة الفصل في هذا القرار؟ ألم يكن هذا سبباً من أسباب الصراع في لبنان بين منظمة التحرير التي نادى زعيمها ياسر عرفات بـ &laqascii117o;القرار الوطني الفلسطيني المستقل" من جهة، وسورية حافظ الأسد التي كانت تخشى أن يورطها مثل هذا القرار في حرب لا تريدها، هي التي تمسكت وتتمسك بأنها تختار &laqascii117o;زمان المعركة ومكانها"؟
حملت زيارة الرئيس بشار الأسد الى الرياض يوم أمس الأول الكثير من الدلالات. إنها أشبه بتلك الزيارة التي قام بها قبل أشهر لأنقرة، غداة استقباله الرئيس أحمدي نجاد في دمشق حيث أطلق الوعيد والتهديد لإسرائيل والغرب. كأن الرئيس السوري يود الوقوف على مسافة محددة من طهران! ولعل أبرز الدلالات من زيارته الرياض أن سورية التي لا تساوم على تحالفها مع الجمهورية الاسلامية، لا تقبل في المقابل بمحاولات كسر تفاهمها مع المملكة العربية السعودية أو إبعادها منها. وهو تفاهم يشمل العراق كما لبنان. لذلك تحرص دمشق في كل مرة على تبديد الكثير من الأسئلة التي يثيرها الرئيس أحمدي نجاد في جولاته أو مواقفه. وإذا كانت سورية تشعر بأنها معنية بالعراق، فإن لبنان يظل يحظى بالأولوية ومثله فلسطين. وإذا كانت تعوّض بعلاقاتها مع تركيا بعض ما كان لها في العلاقة مع مصر، فإنها لا يمكن أن تجازف بالعلاقة مع المملكة.
هل ينجلي غبار الزيارتين عن تفاهم ثلاثي يجنّب لبنان حكم القضاء والقدر ويبعد منه كأس الفتنة والقرار الظني وتبعاتهما. إذا تحقق المرجو، تكون زيارة أحمدي نجاد للبنان &laqascii117o;خوش زيارة"!
ـ 'الحياة'
لبنان والنكران..!
جميل الذيابي:
يتساءل البعض، لماذا تهتم الحكومة السعودية بالأوضاع في لبنان أكثر مما تهتم بها في العراق أو اليمن أو السودان؟! ولماذا تغدق على لبنان كل هذه المساعدات والمعونات والهبات أكثر من أي بلد آخر، على رغم صغر مساحته ومحدودية إمكاناته ونكران بعض أهله لجهودها المتواصلة الرامية لإحلال الوئام والسلام؟! في &laqascii117o;إيلاف" كتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود صالح الخثلان مقالة بعنوان &laqascii117o;لبنان: حان وقت تغيير اتجاه البوصلة"، موضحاً فيها أن المملكة تعيش نهضة داخلية ما يتطلب مزيداً من الجهد والتركيز، والاهتمام ببعض القضايا الإقليمية والدولية لكون الاهتمام بالموضوع اللبناني يشغل القيادة ويصرف الطاقات عن الجهود التنموية الكبيرة، وينعكس سلباً على ما هو أهم في علاقاتنا الخارجية. ثم دعا الخثلان في ختام مقالته إلى وضع لبنان في حجمه الصحيح وصرف الجهد الديبلوماسي السعودي إلى ما هو أهم بدلاً من تبديده في الموضوع اللبناني.
لا يمكن مقارنة ما تقدمه السعودية للبنان بما تقدمه إيران أو غيرها من بقية البلدان سواء العربية أم الغربية، بدءاً من مساعيها &laqascii117o;الناجحة" بإنهاء الصراع اللبناني في مؤتمر الطائف بعد حرب أهلية طاحنة، الذي بات المرجعية النهائية التي يستند إليها اللبنانيون. كما أن الجهود السعودية لم تتوقف عن لبنان، إذ عقد الملك عبدالله بن عبدالعزيز قمة ثلاثية في بيروت في أواخر تموز (يوليو) الماضي، بحضور الرئيس السوري والرئيس اللبناني لتعزيز الوفاق الوطني ودعم الاستقرار الداخلي، وتشجيع نهج التهدئة والحوار والوحدة الوطنية للحفاظ على استقرار البلاد ودرء الأخطار.
أما في جانب الدعم المادي واللوجستي، فالسعودية تُعد أكبر داعم للبنان، ولم يشهد أن دعمت طائفة ضد أخرى. وفي إطار الحملة السعودية لإعادة إعمار لبنان، قدمت بلايين الدولارات كهبات ومساعدات، وتبنت إعمار 220 قرية من أصل 323 قرية متضررة في مختلف المناطق اللبنانية، منها 167 قرية في الجنوب. وإعادة إعمار وترميم 54737 وحدة سكنية متضررة. وقدمت منحة بقيمة 100 مليون دولار مخصصة لتجهيز الجيش وقوى الأمن الداخلي و12 مليون دولار لمساعدة أهالي مخيم نهر البارد، ومبلغ 100 مليون دولار كهبة، وبليون دولار على شكل قروض ميسرة لتمويل مشاريع إنمائية وذلك خلال مؤتمر باريس. إضافة إلى دفع الرسوم المدرسية والكتب في المدارس الرسمية عن جميع التلاميذ اللبنانيين وإيداع مبلغ بليون دولار في مصرف لبنان خلال آب (أغسطس) 2006 لدعم الاستقرار النقدي في البلاد، إضافة إلى إيداعات كبيرة سابقة في المصرف.
ما لفت النظر، تحول لبنان خلال زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى &laqascii117o;تظاهرة للشعارات الإيرانية واللغة الفارسية"، حتى شكَّ كل من شاهد الصور التلفزيونية المنقولة من مطار رفيق الحريري والضاحية الجنوبية والجنوب أن لبنان تحول إلى &laqascii117o;محمية" إيرانية، وان نجاد قد &laqascii117o;ملك لبنان" أو استعمرها، إذ لقي استقبالاً شعبياً ضخماً من جمهور &laqascii117o;حزب الله" وحركة &laqascii117o;أمل" وحلفائهما، لم يسبق لأي زائر أن يجده حتى في بلاده، حتى إن الحلفاء والفرقاء اللبنانيين التقوا جميعاً على طاولة نجاد &laqascii117o;البيروتية"، وأبرزوا الابتسامات وتناسوا الاختلافات.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية هناك تبدلات في المواقف ومناورات سياسية وتحركات ديبلوماسية واسعة محورها لبنان والعراق. هناك زيارات متبادلة بين نجاد والرئيس السوري. هناك تفاهمات سرية بين واشنطن وطهران نتج عنه التوافق لدعم نوري المالكي الموالي لإيران. وهناك أصوات لبنانية في المعارضة ترفع الصوت ضد الدور السعودي والمصالحة اللبنانية وتثير الخلافات وتنتظر لحظة للانقلاب، وتدعي انها تحظى بغطاء وتأييد من دمشق.
لبنان ليس دولة جارة للسعودية، وعلى الخريطة الجغرافية فالمملكة تمتلك أطول حدود مع اليمن بنحو 1470 كلم تقريباً، وثاني أطول حدود مع العراق بـ 814 كلم، ويفصل بينها وبين السودان البحر الأحمر على حدودها الغربية. لذلك فإن أي تأثيرات مباشرة لن تكون عبر لبنان وانما من الحدود الجنوبية والشمالية للسعودية (اليمن والعراق)، مع عدم التقليل من أي مشكلات تحاول ان تفتعلها إيران داخل دول الخليج.
خلال العقود الماضية عملت السعودية لما فيه مصلحة لبنان كبلد عربي شركاء فيه كل اللبنانيين، لكن مع بقاء النزاع بين الفرقاء ورغبة &laqascii117o;زعماء الحروب" في استمرار التجاذبات الاقليمية والتوتر بين الطوائف والتيارات اللبنانية لمصالحهم الشخصية لا مصلحة البلاد فإن ذلك يستنزف الجهود والطاقات السعودية ويبددها ويصرفها عن ما هو أهم من ملفات إقليمية تمس أمن المملكة ومصالحها مباشرة وتؤثر في شقيقاتها من دول الخليج، خصوصاً في ظل تنامي القلق من سوء الأوضاع في العراق واليمن واستمرار التعنت الإيراني بشأن برنامجه النووي وتبنيه لسياسة &laqascii117o;توسعية".
اعتقد ان بعد كل تلك المساعدات والمعونات والهبات الكثيرة والكبيرة والجهود الديبلوماسية السعودية المستمرة لبناء لبنان ومساعدة أهله وما تقابله تجاه ذلك الجميل من نكران وتخوين للنيات وتوتير للعلاقات، ان الأمر يستحق التوقف للتأمل والمشاهدة &laqascii117o;المركزة" لتوجيه الجهود السعودية نحو مصالح إقليمية ودولية أهم ودراسة الملفات الراهنة الأكثر أهمية من لبنان، خصوصاً في ظل ما تمر به بعض دول الجوار كالعراق واليمن والسودان من أزمات تأثيرها مباشر على أمننا واستقرارنا وحدودنا.
ـ 'الأخبار'
سيناريوهات اليوم التالي
حسن خليل:
شهدت المنطقة تبدّلات في موازين القوى من أفغانستان إلى تركيا والعراق وبروز القوة الإيرانية وثبات سوريا، ما جعل الغرب بقيادة الولايات المتحدة غير قادر على تغيير الوقائع بدون اعتراف ولو مبطّناً بتلك التحوّلات. لكنّ الغرب، في الوقت نفسه، مضطرّ إلى طمأنة الأنظمة المتحالفة معه، التي تريد منه التنفيذ اللوجستي دون أن تقدّم تضحيات باستثناء توفير الأموال لأدواتها المتوزّعة.
في الطرف الآخر، ليس بمقدور قوى الممانعة أن تفرض تغييراً جذرياً دون نافذة تسوية يفتحها الغرب لها، تفرض من خلالها واقعها العمليّ مع طمأنة للغرب بعدم تهديد نفوذه، بل توفير مشاركته غير المعلنة، شرط ألا تكون على حساب تغليب المنطق الإسرائيلي المطلق.
في هذه الأجواء يعيش اللبنانيون الذين يتساءلون اليوم ما الذي سيحصل إذا ما صدر القرار الظني الذي قد يتّهم عناصر منضبطة أو غير منضبطة من حزب الله؟ ماذا سيكون ردّ فعل الأطراف اللبنانية بما فيها الطرف المعني الأول، حزب الله؟ هل سيكون القرار محدوداً في حيثياته أم سيفتح الأبواب أمام احتمالات أخرى، كتوسيع دائرة الاتهام المقبل ليعود إلى سوريا وقد يمتد إلى إيران؟ هل سيعي اللبنانيون ولو مرة واحدة أنهم في وسط &laqascii117o;لعبة الكبار"، وأن التضحية بأي طرف سياسي منهم لا تساوي عند &laqascii117o;مهندسي اللعبة" استدارته على كنبة للترييح؟
لعلّ إحدى إيجابيات المرحلة الحالية، رغم كل جوانبها السيئة، أن اللعبة باتت واضحة، وأن اللاعبين المتنافسين أصبحوا معروفين. لم يعد من مجال لتذاكي بعض المراكز الرئاسية، ولا للابتسامات البلاستيكية أو &laqascii117o;العبسات الكاذبة" التي يضعها بعض الأقطاب السياسيين على وجوههم. معظم الأحزاب اللبنانية، وبجشعها لمغانم مرحلية، باتت أدوات خارجية رخيصة. في هذه &laqascii117o;اللعبة الكبرى"، معظم الأطراف السياسية هامشية أو لها سعر عند &laqascii117o;اللاعب الكبير"، ما دام الهدف هو ضرب حزب الله، الذي استطاع تغيير معادلة التفوّق الإسرائيلي التي رسّخها هذا &laqascii117o;اللاعب" في المنطقة ستين عاماً.
كل الأطراف محشورة محلياً ودولياً، لكن البعض يريد تسوية دون مساومة، والبعض الآخر لا يمانع في انفجار ما دام يقاتل برجال غيره، مراهناً على فصل حلفاء الممانعة بعضهم عن بعض بالإغراء أو بالتهديد.
من هنا تعود الأسئلة لتطرح نفسها: ماذا جرى في مؤتمر الدوحة الذي لم يصمد كثيراً؟ كيف انقلب المشهد السياسي من عزل سوريا وتهديد نظامها والمطالبة بالثأر منها، ومن أنه لا علاقة لحزب الله باغتيال الحريري (بشهادة عائلة الشهيد)، إلى زيارة سوريا ووضع هدف بناء &laqascii117o;علاقة شخصية" مع الرئيس الأسد نفسه، وعودة سوريا إلى أن تكون الركيزة الأساسية لاستقرار المنطقة، بدءاً من إيران والعراق وتركيا وصولاً إلى لبنان وفلسطين، وتحويل بوصلة الاتهام مباشرةً نحو حزب الله علنيّاً أو مواربةً بالاغتيال؟ وهل كل عازفي فرقة السيمفونية السابقة روبوت آلي؟ أم هم يستديرون كلما استدارت السمكة الكبيرة في البحر؟
سيناريوهات محتملة
ما زالت الحالة الردعية القائمة بين قوى المقاومة وإسرائيل سائدة لتستبعد في القريب المنظور حرباً مفترضة. لذا يجري التركيز على الداخل اللبناني. ولعلّ أهم إيجابية تسجَّل في الواقع الديموغرافي والسوسيولوجي اللبناني، أن معظم أفراد الشعب اللبناني غير راغب إلى درجة الرعب في حرب أهلية ذاقها بمرارة قاسية ولا يريد إعادة تجربتها، بالرغم من الاصطفاف السياسي وتوظيفه في تأجيج مذهبية غبية تربتها خصبة.
لكن التحدي الأكبر يبقى للحزب المستهدف، حزب الله، لأنه يجد نفسه للمرة الثانية بعد 5 أيار 2008، في دائرة التهديد، بعدما جرت محاولة نزع الشرعية عنه سابقاً. من هنا يمكن قياس تقويمه للأمور والتطورات، واستعداده لكل الاحتمالات، معتبراً أن ما حاوله البعض في 5 أيار كان رمزياً نسبة إلى ما يجري من تآمر عليه اليوم.
1 ـــــ السيناريو الأكثر سوءاً: هناك مَن بات يهدّد علناً بأن المساس بالمعادلة الهشّة القائمة سيفرض بديلاً لها في بيروت والبقاع الغربي وطرابلس وعكار، هو الأصولية الجهادية، وأن &laqascii117o;عرقنة" لبنان احتمال جدي إذا ما &laqascii117o;تطاول طرف" ما لأنه يملك السلاح، حيث إنه لا أحد سيذعن له ويخاف من سلاحه. والمقصود هنا حزب الله. المفارقة التي يجهلها هذا الطرف أن المجتمع اللبناني صغير، وقد خبِرَ الحرب، وأكثر القوى ومَن وراءها مكشوف للجميع، وأن السلفية الموجودة في لبنان منذ نشأة الخط السلفي في المنطقة، تختلف عن مثيلاتها في العالم العربي التي تعادي جهاراً &laqascii117o;الاعتدال" المذهبي عند الجميع، بينما هناك مَن يهيّئ لـ&laqascii117o;سلفية لبنانية" تكون غبّ الطلب تُستنفر عند الحاجة. في هذه الحال، وبما أن هناك مَن يهيّئ ويهدّد بـ&laqascii117o;عرقنة" لبنان، فإنّ الطرف المستهدف لن ينتظر للقيام بردّ فعل على تفجير هنا أو هناك، بل قد يتجه مباشرةً إلى مواجهة مَن يخطّطون ويموّلون عمليات كهذه لا مَن ينفّذونها فقط، وهو على الأرجح يرصدهم منذ زمن طويل، لعلّ هذا السيناريو يكون الأقلّ احتمالاً.
2 ـــــ السيناريو الأقل سوءاً: حتى الآن ليس في الأفق تراجع عن المحكمة الدولية إلّا مراوحة لشراء الوقت حتى صدور القرار الظني المتوقع في أي لحظة قبل آخر السنة. في هذا السيناريو، إذا ما صدر القرار الظني وشرعت بعده أطراف سياسية محلية وإقليمية ودولية في إكمال هجومها الذي بدأته من خلال &laqascii117o;الشرعية الدولية" وتحويل حزب الله إلى طرف إرهابي مع مَن يغطيه من حلفاء ودول، فقد يصل لبنان إلى فوضى سياسية شاملة وعودة تجربة اللاشرعية لحكومة فؤاد السنيورة إلى حد العصيان المدني وعدم الاعتراف بالفريق الحاكم. وتصبح البلاد إدارات متعددة تسيّر أمورها بالحد الأدنى. هذا الواقع المفترض ستصاحبه قلاقل أمنية في مناطق التوتر المفترضة، ولكن بأنماط مضبوطة لا تؤدي إلى انفلات أمني، ويصبح المخرَج &laqascii117o;دوحة" أخرى لفترة قصيرة أو ستُعاد الحاجة إلى طائف جديد.
3 ـــ السيناريو الأكثر احتمالاً: يُتوصّل إلى تسوية خارجية بين سوريا والسعودية بموافقة مصرية ـــــ فرنسية ـــــ أميركية. في هذا السيناريو، يُتراجع عن الموقف المتصلّب بشأن المحكمة، فيقود الحريري ببقائه أو باستقالته ويؤتى برئيس ينفّذ بنود تسوية كهذه ليعود بعدها ليحكم من خلف الستارة بمعاونة السنيورة. في الوقت نفسه، يصدر القرار الظني وتستمر مفاعيله دولياً بحجة أن المحكمة الخاصة أنشئت بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع ولا يستطيع أي طرف، بمَن فيهم سعد الحريري والسلطة اللبنانية، الوقوف في وجهها. بعدها توظَّف كل &laqascii117o;أدوات الشرعية الدولية" للاقتصاص من حزب الله، وتحويله جهة إرهابية مطلوبة من العدالة الدولية.
هذا السيناريو الأكثر احتمالاً لمنع فتنة داخلية هو الأسوأ للواقع اللبناني لسببين، أولهما أن الإقرار من الفريق الداخلي بتسييس المحكمة (بالتوافق مع العرّاب الخارجي أو بالتقاء المصالح) لن يلغي مفاعيله الدولية المطلوبة، ولو أنه ظاهرياً يلغي مفاعيل القرار الظني داخلياً، وتستمر مواجهة حزب الله مع الأهداف نفسها. هذا يؤدي إلى ثاني السببين، بأن يستثمر الفريق الحاكم الذي قام بانقلاب 2005 مستغلّاً دم الرئيس الحريري ويركّز مفاعيل هذا الانقلاب. هذا ما كان النائب نهاد المشنوق، الذي قُمع صوته، يرمي إليه من خلال توصيته باستقالة سعد الحريري،
أربعة احتمالات أكثرها ترجيحاً يقايض بين الفتنة والإصلاح لأنه في هذه الحالة لن يستطيع حزب الله مواجهة ضغوط بعض حلفائه قبل أخصامه لقبول التسوية، ولو على حساب عدم الاعتراض على النظام الأمني القضائي القائم والتغاضي عن عدم تقديم حساب لقطع الـ11 مليار دولار. وبذلك يستمر القائمون في مواقع السلطة ويستمر معهم الاهتراء السياسي في كل إدارات الدولة حتى الانهيار، وتكون بذلك القوى المعارضة قد أسهمت من حيث تدري أو لا تدري (وكلتا الحالتين كارثية) في تفويت فرصة أخرى لإبطال سوء تطبيق الطائف الذي رسّخ معادلة 1993 حتى اليوم، وأدى إلى تهديم المجتمع اللبناني ودولته.
4 ـــــ السيناريو الأمثل: وقد يكون طوباوياً لصعوبة تطبيقه. يقضي هذا السيناريو بأن يستفيق اللبنانيون مجتمعين على أنهم أدوات لقوى كبرى تستعملهم وتستبيح ساحتهم لصراعات أكبر منهم وممّا يتحمّل بلدهم، وبالتالي يجمعون على رفض المحكمة الدولية، والجلوس معاً بالاختيار للبحث في النظام اللبناني بتفاصيله انطلاقاً من أن عدم تطبيق الطائف وما تبعه جرّ إلى فترات كارثية لم ينعم لبنان خلالها باستقرار.
في هذه الفرضية، على الأطراف السياسية الاتفاق على أحد أمرين لولادة جمهورية جديدة:
1 ـــــ إمّا العودة إلى دراسة الطائف وتصحيح ثغره، وخاصةً أنه لم يهدف إلى استبدال صلاحيات الرئاسة المارونية بـ&laqascii117o;الأحادية السنية" ولا إلى الترويكا مع &laqascii117o;الشيعية السياسية"، وبالتالي وضع قانون فوري بشأن آلية عمل مجلس الوزراء ليكوّن مجتمعاً، كما أراد الطائف، السلطة التنفيذية، وعودة الدور التشريعي والرقابي إلى المجلس النيابي بعدما أصبح مرآة للتقاسم السياسي يغطي تجاوزات الحكومات السابقة، وإعادة الاعتبار الفعلي إلى رئاسة الجمهورية وصلاحياتها.
2 ـــــ أما إذا ارتأت القيادات السياسية أن الظروف باتت مؤاتية في ضوء هذا الاهتراء السائد لاستبدال الطائف باتفاق لبناني جديد يُعقد في بيروت لا في إحدى العواصم العربية، فقد يُتّفق على انتخاب الرئاسة الأولى مباشرةً من الشعب، ويرأسها مسيحي لكونه الضمانة الأكثر وثوقاً في ظل الواقع الإقليمي المذهبي والحالة المسيحية في المنطقة، فيكون بذلك الحَكَم الحاكم بين السنّة والشيعة، ويعطي الطمأنينة للمسيحيين. وآخر العنقود تشريع قانون انتخاب يلغي نهائياً المحادل والنواب الأشباح لينتج تمثيلاً نسبياً فعلياً يحرّر إرادة الناس.
طبعاً هذا السيناريو هو الأقل حظّاً، لأنه يفترض أن مَن هم في السلطة سيحكمون على أنفسهم بالانتحار. وهنا تكمن مأساة لبنان. ذلك أنّه في غياب هذه الفرضية، سيبقى التاريخ هو مقياس المستقبل الذي برهن مرة تلو الأخرى أن التغيير مستحيل بالتشريع في مرحلة سلمية، من خلال مبادرة القائمين على السلطة، وأن لا إمكان لتغيير جذري في موازين القوى في لبنان إلّا بإسالة الدماء.
ويبقى الأمل ألا تسيل دماء، هذه المرّة، قبل أن يستفيق هذا الشعب من غيبوبته.
نجاد: الضرر على الجميع
يتساءل اللبنانيون ما الذي أتى بالرئيس محمود أحمدي نجاد إلى لبنان، وما هي مفاعيل زيارته، رغم أنّ هذا الرئيس لم يبدّل في مواقفه السياسية منذ انتخابه؟ جلّ ما قام به خارج برنامج العمل المعدّ للزيارة هو تأكيده للرئيس سعد الحريري أن إيران تتمنى عليه، كما على حلفائها في لبنان، أن يكون الاختلاف السياسي سلمياً، فلا يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان، لأن الضرر سيكون على الجميع. لكن هذا التمني لم يلقَ صدى حسيّاً حتى الآن بانتظار تقويم المواقف المصرية والسعودية والفرنسية والأميركية.
ـ النهار سركيس نعوم : ميزان القوى لم ينقلِب في لبنان !
لا يزال البعض من أهل السياسة في لبنان، وهو للمناسبة قريب جداً من فريق 14 آذار، يرفض الاعتراف بأمرين رغم ان الدلائل على صحتهما ليست قليلة على الاطلاق. الأمر الأول، هو أن ميزان القوى في البلاد لم ينقلب لمصلحة فريق 8 آذار الذي يقوده 'حزب الله' وتدعمه سوريا وايران، وإن كثر الحديث عن هذا الأمر باعتباره واقعاً جعله كذلك في اذهان الناس والمواطنين وقد أصابهم بشيء من الاحباط والقلق وربما الخوف. والدلائل على ذلك كثيرة في رأيه. منها ان الطائفة الشيعية ليست كلها مع التوجه السياسي الداخلي والاقليمي الذي تؤمن به وتروج له القوتان الشيعيتان الاساسيتان في لبنان أي 'حزب الله' وحركة 'امل'. فهناك قسم من ابنائها قد لا يكون كبيراً، وقد يكون اما نخبوياً في معظمه، واما جزءاً من تيارات واحزاب وانتماءات سياسية قامت القوتان المذكورتان على انقاضها بعدما ساهمت ممارساتها وكذلك التطورات الاقليمية والمحلية وابرزها الحروب منذ عام 1975، في افقادها الكثير من قواعدها. ومنها ايضاً ان التحول الجذري للزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط في اتجاه 'حزب الله' ومن خلاله في اتجاه سوريا، وتحوّله داعية لمطالب الحزب ولمواقف دمشق وخصوصاً المتعلقة بـ'المحكمة الدولية' وبأمور أخرى كثيرة، لم يرافقه تحول مماثل عند قاعدته الدرزية الكبيرة جداً بل عند غالبية الطائفة الدرزية التي اعتبرته كما والده الشهيد كمال جنبلاط الزعيم الأول لها. وقد جهر المعترضون من الدروز بمواقفهم السلبية من التحول المذكور سواء من داخل الحزب التقدمي الاشتراكي او من خارجه. ولا يبدو انهم، ورغم كل الجولات التي قام بها وليد بك لاستعادة اجماع الطائفة أو شبه اجماعها عليه بعد تحوله الانقلابي، سيغيرون مواقفهم، على الاقل في المستقبل المنظور. ومنها ثالثاً، ان في مقابل 'البلوك' الشيعي الكبير صاحب الموقف 'الانقلابي'، وصاحب القوة العسكرية الاكبر في البلاد أو بالأحرى الوحيدة فيها، هناك 'بلوك' سنياً كبيرا جداً في مواجهته، وهو يرفض كل اطروحاته الانقلابية في رأيه، كما انه مستعد لمواجهتها بأي وسيلة يملكها. وهذه المواجهة تقلق 'حزب الله' وفريق 8 آذار لأنها تطلق حرباً مذهبية مؤذية له اسلامياً وعربياً ومحلياً ودولياً، وتفقده مبرر وجوده المسلح بل مبرر سلاحه الذي هو مقاومة اسرائيل، وليس مقاومة اخصامه او منافسيه في الداخل او المختلفين معه في العقيدة الدينية أو في المذهب الديني أو في الايديولوجيا الدينية - السياسية. ومنها رابعاً، انقسام الطائفة المسيحية فريقين: واحداً مع 14 آذار و'تيار المستقبل' الذي يقوده، وآخر مع 'حزب الله' الذي يقود فريق 8 آذار وقد لا يكون التمثيل الشعبي المسيحي متساوياً عند القسمين. لكن التطورات الكثيرة التي حصلت على الساحة الداخلية قلصت الفارق في نسبة التمثيل بينهما. ومن شأن ذلك تعطيل التأثير الفعلي لهذه الطائفة في مجريات الحوادث، ودفعها الى تلافي التورط فيها اذا تحولت عسكرية او عنفية لأنها ستكون الخاسر أياً يكن الطرف الاسلامي الرابح. في النهاية، وبموقف كهذا يخسر اكثر الفريق الشيعي الذي يعتمد على حلفائه المسيحيين أو الذي قد يضطر الى الاعتماد عليهم في مسارات معينة من الصراع العنفي، اذا نشب لا سمح الله. ومنها خامساً، الوضع الاقليمي والدولي الذي يميل 'المهوِّلون' واصحاب السلاح الى تجاهله، والذي قد لا يسمح ورغم الظروف الصعبة لأطرافه بحسم يقرره السلاح، ويكون على حساب فئات بل طوائف ومذاهب داخل لبنان، ولمصلحة اخصامهم الاقليميين اصحاب مخططات السيطرة على المنطقة وفي مقدمهم ايران الاسلامية. ومن هؤلاء الاطراف تركيا 'حزب العدالة والتنمية الاسلامي' الحاكم، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، واستطراداً الاردن رغم ضآلة امكاناته غير العملانية طبعاً. ومن هؤلاء المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة التي حذرت قبل ايام وعلى لسان مساعد وزيرة خارجيتها لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، وكان في زيارة للقاهرة، سوريا من التورط في ما يخطط له 'حزب الله' في لبنان وربما بدعم من ايران. اذ قال 'ان سوريا تعرف ان علاقتنا بها مرتبطة بمدى حرص اصدقائها في لبنان على المحافظة على الاستقرار فيه'. ومن الدلائل على دور ما للوضعين الاقليمي والدولي حامٍ للحد الادنى، من توازن القوى الداخلي في البلاد أو بالاحرى مانع للقوة المسلحة من فرطه بواسطة سلاحها، امتناع 'حزب الله' عن اقتحام السرايا الحكومية اثناء 'اعتصام ب