قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 25/10/2010

ـ 'النهار'
قراءة في وثيقتي 'تيار المستقبل' و'حزب الله':  الوطن الغامض

أولاً – في المقدمة
تتميّز مقدمة كلّ من وثيقتي 'تيار المستقبل' (ربيع 2010) و'حزب الله' (شتاء 2009)، أنهما تنطلقان من 'تجربة' و'خبرة' كل من التيار والحزب. فالتيار يستلهم من تجربة الرئيس الراحل رفيق الحريري، فيما الحزب تتأتى رؤيته من خبرته في 'أولوية الفعل وأسبقية التضحية'. فالأول يتعبر أنه لم يعد بالإمكان تأريخ المرحلة الممتدة من ثمانينات القرن الماضي 'دون ربطها بإسم رفيق الحريري' وتجربته، والثاني يرى أنه لم يعد بالإمكان مقاربة التحولات الجارية حالياً من 'دون ملاحظة المكانة الخاصة التي باتت تشغلها المقاومة أو تلك الرزمة من الانجازات التي حققتها مسيرتها'.
إذاً، إن كلّ من التيار والحزب يحاول أن يجد مكاناً له على الساحة اللبنانية، مع التشديد على أولوية خبرته أو تجربته. المستقبل يرى في تبلور مشروع رفيق الحريري، السياسي والوطني والاقتصادي والاجتماعي، البرنامج الأول من نوعه للحكم في لبنان وبناء الدولة الحديثة. هذا من الناحية المحلية، أما من الناحية الإقليمية أو العربية، فإن أهم البنود التي طرحها رفيق الحريري، بحسب هذه الوثيقة، هي 'تجديد العروبة وتحديثها لجعلها رابطة منفتحة وديموقراطية وجامعة [...] تتجسد بفكرة التعاون العربي الذي هو مشروع العرب المستقبلي ومدخلهم إلى تجديد حضورهم في عالم اليوم'. هذا المشروع قائم على المعرفة والعلم، وعلى أساس الحريات العامة والمحاسبة والديموقراطية. أما 'حزب الله'، فساحته أوسع من ساحة التيار – المقتصرة على لبنان والعالم العربي – إنها 'المشهد الدولي' الواسع. لبنان، ليس سوى نقطة إنطلاق، لتتحول من بعده 'مقاومة' 'حزب الله' من 'قيمة وطنية لبنانية' تدحر الاحتلال الإسرائيلي وتؤثر في بناء الدولة 'القادرة العادلة'، إلى 'قيمة عربية وإسلامية'، لا بل 'قيمة عالمية وإنسانية'، هدفها 'استنهاض الأمة' – والأمة هنا هي الأمة الإسلامية – وإمالة موازين القوى في المعادلة الإقليمية لمصلحة المقاومة وداعميها.
إن مجرّد قراءة هاتين المقدمتين تظهر لنا الفوارق الكبيرة في مشروعَي كل من التيار والحزب، إن على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي. وسوف نبيّن في ما يلي هذه التمايزات في مشاريعهما التي تنبئ بمسيرة صعبة من التعايش ما بين أكبر ممثلين للطائفتين السنية والشيعية في لبنان. (...)
إذاً، التمايز واضح وعميق، ما بين محور يبادر إلى السلام مع العدو الإسرائيلي، وآخر يرفض أي شكل من أشكال التسوية، ذلك أن إسرائيل بالنسبة للحزب خطر دائم، كما أنها 'مولود غير طبيعي وكيان غير قابل للحياة والاستمرار ومعرض للزوال' (المقدمة)، وبالتالي لا حاجة للاعتراف بها أو إقامة سلام معها.
خامساً – بين العروبة الحديثة والأمة الإسلامية: 'لبنان الحديث' على خط صدع صراع الحضارات
لكل من التيار والحزب نظرة مميزة وخاصة إلى لبنان، دون أن يعني ذلك أن النظرتين لا تتقاطعان في الكثير من النقاط كسيادة لبنان، وكرامته، وحريته، واستقلاله، وقوته، ودوره الرائد في معادلات المنطقة.
فلبنان بالنسبة لـ'تيار المستقبل' هو 'وطن سيد حرّ مستقل نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء [...] وهو جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على أساس احترام الحريات العامة' (فصل الثوابت الوطنية؛ النقطتان الأولى والثانية). ولعروبة لبنان بالنسبة للتيار 'خصوصية تنبع من وحدته [لبنان] الوطنية ومن شعبه المتعدد الأديان والجماعات في إطار العيش المشترك' (الثوابت الوطينة؛ النقطة الأولى). إنها عروبة قمة الرياض 2007 التي أكدت أنها 'ليست مفهوماً عرقياً عنصرياً بل هي هوية ثقافية [...] وإطار حضاري مشترك [...] يثريه التنوع والتعدد والانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى ومواكبة التطورات العلمية والتقنية المتسارعة' (إصلاح الحياة السياسية، سادساً). حتى أن التيار يقدّم نفسه في هذه الوثيقة على أنه حامل فكرة 'الجمع بين نهائية الوطن اللبناني وهوية لبنان العربية'، وأن هذا الجمع هو الوجه الحضاري المطلوب بين 'اللبنانية' و'العروبة'. وهكذا يصبح التيار 'مكوّناً استراتيجياً من مكونات الاعتدال العربي، ويتطلع لأن يكون دائماً وجه العروبة الحديثة والمتجددة في لبنان، وعنوان المصالحة الحقيقية بين اللبنانية والعروبة'. لا بل إنه يعتبر نفسه الإطار السياسي الذي يعبّر من خلاله اللبنانيون عن تماهيهم مع 'أمتهم العربية' (الثوابت الوطنية؛ النقطة العاشرة). هذا التيار، النابذ لكل أشكال العنف والانغلاق الديني، يرى أن التعددية هي 'رسالة لبنان الحضارية في أمته العربية وفي العالم' (إصلاح الحياة السياسية؛ النقطة الثانية عشرة). من هنا نفهم تماماً إعلان التيار إنخراطه في مشروع 'الاعتدال العربي'، القائم على 'ملاقاة التحول الجاري في العالم العربي'، واستراتيجية السلام مع العدو الإسرائيلي على أساس الحل العادل كما تجسده المبادرة العربية المقررة في قمة بيروت. إنه مشروع العروبة الثقافية والحضارية والمتعاونة. 'مشروع العرب المستقبلي، القائم على العلم والمعرفة، الذي سيكون مدخلهم إلى تجديد حضورهم في عالم اليوم، وإلى موقع المبادر والمشارك والقيادي'، وان يكونوا شركاء في الحوار حول المسائل العالمية (المقدمة، رابعاً: تجديد العروبة).
هذه هي خلاصة المشروع الإقليمي العربي الذي يرى التيار موقعه وموقع لبنان فيه. كما أنه تجدر الإشارة، إلى أن وثيقة التيار لم تأتِ على ذكر أية مرجعية إسلامية إلا في الفقرة الثامنة من فصل 'الثوابت الوطنية' حين تعتبر أن لبنان هو عضو في منظمة الدول الإسلامية. وعليه، فإن الدولة اللبنانية تجسد مبادئ هذه المنظمة، بالإضافة إلى مبادئ حركة عدم الانحياز والأمم المتحدة في جميع الحقول والمجالات. وربما سها عن بال واضعي الوثيقة، أن هناك الكثير من الأمور المتمايزة ما بين مبادئ الأمم والمتحدة مثلاً، ومبادئ منظمة الدول الإسلامية، ومنها على سبيل المثال شرعة حقوق الإنسان. فإن المقارنة البسيطة ما بين شرعة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، وشرعة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة عن منظمة الدول الإسلامية، تظهر الكثير من التباينات لمفهوم حقوق الإنسان، التي قد تصل أحياناً إلى حدّ التناقض.
أما 'حزب الله' فمقاربته شديدة التمايز عن مقاربة التيار. إن كان من حيث النظرة إلى لبنان الوطن، أو من حيث المشروع الإقليمي والحضاري. فلبنان عنده – وكأن 'حزب الله' هنا يستعير كلام جواد بولس – هو 'وطن الآباء والأجداد، كما هو وطن الأبناء والأحفاد [...]'. هو الوطن الذي قدّم من أجله الحزب التضحيات وأعز الشهداء، والذي يريده وطناً 'لكل اللبنانيين على حدّ سواء' (الفصل الثاني، أولاً: الوطن). فالحزب يريد في وثيقته هذه، وبعد تاريخه المقاوم، ومساهمته الأساسية في تحرير جنوب لبنان، إبراز نفسه، لاعباً مؤسساً في ما يسميه بـ'لبنان الحديث'. هذا اللبنان ليس نقضاً للبنان 1943، ولا لقيمه أو أسسه. ذلك أن جُلّ ما يريده، هو إضافة القيم التأسيسية المتأتية من المقاومة إلى قيم لبنان الأساسية التي تكرّست في ميثاق 1943. وبالتالي إن 'لبنان الحديث' هو تراكم 'لبنانين': لبنان الحرية والثقافة والعلم والتنوع، أي لبنان – الميثاق في العام 1943، ولبنان العنفوان والكرامة والتضحية والبطولة، التي يعتبر الحزب أنه حقّقها بفضل مقاومته وتحريره الجنوب (الفصل الثاني، ثانياً: المقاومة). حتى أنه يمكننا أن نجد الكثير من 'لبنان- ميشال شيحا' في نظرة الحزب مثلاً إلى ما يشكّله لبنان من نموذج نقيض لإسرائيل، وذلك في قوله :'تمثّل إسرائيل تهديداً دائماً للبنان [...] بما هو أنموذج لتعايش أتباع الرسالات السماوية، في صيغة فريدة، ووطن نقيض لفكرة الدولة العنصرية التي تتمظهر في الكيان الصهيوني' (الفصل الثاني، ثانياً: المقاومة).
على الرغم من ذلك، فإن الحزب لا يتخلّى عن مرجعيته الأساس. إنها الإسلام، وولاية الفقيه بشكل أدق، على حسب ما عبّر عنه في وثيقة العام 1985. أما مشروعه، فهو قائم على مبدأ المقاومة ورفض عملية التسوية في المنطقة. إنه 'المعادلة الإقليمية لصالح المقاومة وداعميها'. أما الداعمون فهم: سوريا التي 'دعمت حركات المقاومة في المنطقة'؛ وإيران 'الدولة المركزية المهمة في العالم الإسلامي'، التي، ومنذ إعلان انتصار الثورة الإسلامية، دعمت المقاومة بشتى الأشكال وذلك كله بقيادة الولي الفقيه. (الفصل الثاني، سادساً: لبنان والعلاقات الإسلامية). فمنطلقات مشروع الحزب دينية، بهدف تحرير الأراضي المقدسة واستنهاض الأمة الإسلامية، حيث تعتبر إيران دولة مركزية فيها. هذا لا يعني غياب البعد الوطني اللبناني، أو القومي العربي، إلا أن الهدف الأسمى هو الأمة الإسلامية. الا أنه لا يمكن القارئ إلا أن يلاحظ في وثيقة الحزب التداخل الغريب بين دوائر ثلاث: الوطنية اللبنانية، والقومية العربية والأممية الإسلامية. كما يُلاحظ أن هذه الدوائر تتداخل وتتباعد بشكل غير واضح، وغير محدد. فلا نعرف متى تنتهي حدود الأولى لتبدأ حدود الثانية، ولا متى تنتهي حدود الثانية لتبدأ حدود الثالثة. مزج يدلّ على عدم وضوح تام في تحديد المصطلحات ولا تعريفها، ولعلّ هذا لا يعود إلى فكر الحزب فحسب، بقدر ما يعود أيضاً إلى عدم الوضوح في كلّ من الفكرتين العربية والإسلامية.
وبالعودة إلى مشروع الحزب الإقليمي- العالمي، فإن الدليل على عدم اقتصاره على الإطار الإقليمي، وشموله البعد العالمي، وارد في 'مقدمة' الوثيقة حيث يضع الحزب نفسه ضمن حركة تاريخية يمثّلها 'مساران متناقضان وما بينهما من تناسب عكسي'. الأول هو مسار 'المقاومة والممانعة' المتصاعد والمستند إلى انتصارات عسكرية ونجاحات سياسية، وترسّخ أنموذج المقاومة شعبياً وسياسياً؛ أما الثاني، فهو مسار 'التسلّط والاستكبار الأميركي – الإسرائيلي، وهو بعكس المسار الأول، يشهد انكسارات وانهزامات عسكرية وإخفاقات سياسية'. أما الحزب، فهو بمقاومته يبرز 'كمعطى استراتيجي أساسي في هذا المشهد الدولي'.
ثمّ إنه يذهب لإعطاء هذا الصراع بعداً حضارياً. إذ نراه لا يتردّد في التأكيد، وفي أكثر من مناسبة، على أن الصراع ما بين نهج المقاومة والممانعة، ونهج الاستكبار والاستعمار، إنما هو 'صراع حضاري'. كما يلاحظ قارئ هذه الوثيقة كثرة العبارات التي تعكس وجه هذا الصراع، كـ'صراعات الهويات والثقافات وأنماط الحضارات'، 'استهداف المخزون الثقافي والحضاري لهذه الشعوب [العربية]'، 'تقويض الإمكانات الروحية والحضارية والثقافية لشعوبنا' (الفصل الأول، أولاً: العالم والهيمنة الأميركية). أما العبارتان الأكثر تعبيراً عن شكل الصراع ما بين الطرفين، فتبرزان في الفصل الثاني: بند 'منطقتنا والمشروع الأميركي'. إذ يعتبر الحزب أن العالم العربي والإسلامي يناله القسط الأوفر من الهيمنة الاستكبارية 'لدواعي تاريخه وحضارته وموارده وموقعه الجغرافي'، وأن المواجهة مع مشروع الهيمنة 'هي معركة ذات مدى تاريخي'. وكأن هذا الحزب يؤكّد، بشكل واع أو لا واع، نظرية هنتنغتون، لا سيما بين 'الغرب المسيحي' و'العالم العربي والإسلامي'. فعندما يشدد الحزب على أن العالم العربي والإسلامي يناله القسط الأوفر من الهجمة الاستكبارية 'لدواعي تاريخه وحضارته'، والمقصود هنا بـ'حضارته' الحضارة الإسلامية طبعاً، فإنه بذلك يوافق على ما ذهب إليه هنتنغتون. وهذا ما يضع لبنان على خط الصدع في صراع الحضارات هذا.
إذاً، المحور الإقليمي الذي يتبناه 'حزب الله' يختلف تماماً عن محور 'تيار المستقبل'، ذلك أنه يقوم على فكرة 'المعركة الحضارية التاريخية' ضد الغرب الاستكباري؛ أساسه كلّ من سوريا وإيران الداعمتين للمقاومة. أما 'المستقبل' فإنه يتبنّى محور 'الاعتدال العربي'، القائم على الانفتاح على الثقافات، ركيزته 'العروبة الجديدة' التي انطلقت من قمة الرياض.
لقد اكتفينا في ما قدمناه، بالمقارنة ما بين الوثيقتين، بهدف تبيان مواقف كلّ منهما حول القضايا الأكثر حساسية على الساحة اللبنانية حالياً، بدءاً بالولاء والنظرة الى الوطن، وشكل نظام لبنان السياسي، مروراً بعلاقة هذا النظام بالدين وبفيديرالية الطوائف، والعلاقات اللبنانية العربية (بكل تفرعاتها)، والعلاقات اللبنانية الدولية، وصولاً إلى عملية السلام، ومركز لبنان في عالم اليوم. غير أن اجوبة كلّ منهما لا تبشّر بالكثير من الهدوء على صعيد العلاقة بينهما. يضاف إلى ذلك غياب المسيحيين عن تقديم أي مشروع أو رؤية جامعة للبلد. فما يقدمه كلّ من 'تيار المستقبل' و'حزب الله' لا يمكنه أن يشكّل قاعدة صلبة لديمومة لبنان. فهذا النموذج-الرسالة فقد الكثير منذ اندلاع الحروب على أرضه في العام 1969، ولم يتمكّن أحد من اللبنانيين، أي أحد، أي يعيد للبنان روحه ورسالته. فكل ما يقدمه 'حزب الله' و'تيار المستقبل' قولاً وممارسة ليس إلا تبشيراً بالصراع او تخويفاً من الفتنة، فيما يبدو أن المسيحيين اكتفوا بالمجد الذي أعطي لهم بتأسيسهم دولة لبنان الكبير، وصار همهم الحفاظ على مجد لن يدوم عند زوال لبنان أو فقدانه روحه. (...)( للمطالعة)
إعداد أمين الياس      
(طالب دكتوراه تاريخ في جامعة لومان الفرنسية)   


ـ 'السفير'

القرار الاتهامي واغتيال الدولة

طلال سلمان:

لم يعد مهماً معرفة الموعد الفعلي لاستصدار قرار المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لقد أنجز التحقيق الدولي مهمته الاستثنائية كاملة: حكم بالإعدام على مشروع &laqascii117o;الدولة" التي كانت معتلة منذ استيلادها بالقرار الخارجي أول مرة، سنة 1920، ولم ينجح إعلان استقلالها السياسي سنة 1943 في تأكيد حضورها كحاضنة لآمال الشعب في وطنه الصغير، ثم بعد &laqascii117o;تجديدها" بالقرار الدولي ـ العربي ـ عبر اتفاق الطائف في مثل هذه الأيام من العام 1989.
لقد استمرت &laqascii117o;دولة قيد التأسيس" واستمرت وحدة شعبها موضع جدل، وإن نجحت الإرادة التي استولدتها في حماية &laqascii117o;نظامها الفريد" برغم الحروب الأهلية المتكررة، بسبب من ضرورة هذه &laqascii117o;الدولة" لمن أنشأها ورعاها وأدام وجودها ضعيفة ومعتلة وعاجزة عن الصمود لضغوط التعديل والتجديد من داخلها. ظل &laqascii117o;النظام" هو الأساس، أما الدولة فهامشية قد تغيب لفترات ثم تستدعي الضرورة وجودها فتحضر حاملة أسباب سقوطها في عنقها.
ها نحن الآن على حافة انهيار الدولة، مجدداً... وها هي تنتظر رصاصة الرحمة عبر القرار الاتهامي في تلك الجريمة المهولة، بعدما تمّ له تحقيق إنجاز تاريخي يتمثل في انشقاق الشعب وتوزع أطرافه بين قضاة ومدانين لن تستطيع المحكة الدولية إتمام &laqascii117o;المصالحة" في ما بينهم، خصوصاً أن إنشاءها كان نقطة الافتراق بينهم بمظاهره المختلفة، وأخطرها الانشطار على قاعدة طائفية ومذهبية.
وبمعزل عن الإساءة التي لا تغتفر والتي وُجهت إلى الرئيس رفيق الحريري عبر اعتباره &laqascii117o;شهيداً" لبعض اللبنانيين، وخصماً بل عدواً للبعض الآخر منهم، فإن &laqascii117o;الدول" قد تمترست في الفجوة الفاصلة بين الطرفين وهي تعمل على توسيعها كل يوم، تارة بأخبار مصنعة بإتقان &laqascii117o;دولي"، وطوراً بتحقيقات بوليسية مثيرة، يرافقها دائماً سيل من الإدانات التي تتجاوز احتمال الخطأ أو الغرض كي يبلغ الشحن بالتحريض ذروته الكيدية المطلوبة.
[ [ [
وباختصار: منذ خمس سنوات ونصف السنة يحاكم اللبنانيون اللبنانيين، ويُدين بعضهم بعضاً بالقتل العمد أو التستر على القتلة بتزوير التحقيق والاستعانة بالخارج ـ دولاً ومجلس أمن ـ على الداخل، والاستقواء بالمصالح الدولية التي لا تعترف بالعدالة ولا تقرب النزاهة ولا تشفق على الشعوب المستضعفة، وأكره من تكره هي المقاومة بمختلف أشكالها لا سيما إذا كانت مصالحها بين أهدافها الأساسية، وأبرز هذه المصالح وأخطرها: إسرائيل!
هكذا يشارك اللبنانيون جميعاً في إعدام الحقيقة وقتل العدالة وتشويه صورة وطنهم الصغير الذي يتسابقون على تركه إلى أي مكان في الدنيا ليكونوا هناك &laqascii117o;مواطنين" تحت القانون، ولو ظالماً!
أما أهل الطبقة السياسية فقد انقسموا ظاهرياً وإن ظل معظمهم شركاء في حصاد المنافع، بحيث استنزفوا &laqascii117o;الدولة" حتى آخر مظهر من مظاهرها، حتى إذا جاء التحقيق الدولي أو جيء به احتكرت فئة منهم الحق الحصري في احتكار الحقيقة وتوظيفها بما يناسب مصالحها التي غدت ـ اعتباراً من لحظة المباشرة بالتحقيق ـ عنواناً لمصالح الدول التي لا تهتم كثيراً بالمآسي الوطنية لشعوب العالم الثالث عامة وللوطن العربي، خاصة، إلا كاستثمار سياسي توفر لها في لحظة شديدة الحساسية بالنسبة لعلاقاتها المتوترة مع شعوب هذه المنطقة: تبلور إسرائيل كمشروع استعماري ـ استيطاني سيغدو قريباً دولة يهود العالم، على حساب سلامة الدول العربية كافة بعنوان حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، ثم الاحتلال الأميركي للعراق بكل المجازر وحفلات القتل الجماعي وتهجير الملايين من أبناء شعبه وإغراق من تبقى في الداخل بدوامة من الصراعات السياسية التي لا تنتهي، لا سيما مع تهييج النزعة الانفصالية عند بعض الأعراق والعناصر المكونة لذلك الشعب العريق، ومع دفع التنافس على السلطة إلى الحافة الدموية للحرب الأهلية بين الطوائف أو حتى داخل الطائفة نفسها.
[ [ [
ها هو الوطن الصغير بشعبه جميعاً في قفص الاتهام مداناً سلفاً بجريمة الاغتيال، لا يملك حق الدفاع عن نفسه، بعدما بذلت &laqascii117o;الدول" جهدها لضمان &laqascii117o;سرية التحقيق" بحيث لا يعرف من تفاصيله إلا ما يخدم غرضها في توسيع مساحة الانشقاق بين اللبنانيين، عبر استغلال الاتهام السياسي لكل خصوم مصالحها في الخارج والداخل... فإذا ما حصل اعتراض أو تم توجيه طعن في بعض مجريات التحقيق استنفر مجلس الأمن، وأصدرت الدول العظمى (أميركا وبريطانيا وفرنسا) إنذاراً للشعب اللبناني بأن يلتزم حدود الأدب ويمتنع عن الاعتراض، وتم تحريك بان كي مون ليوجه الادعاء الدولي ويعيد التأكيد على عصمته التي لا تتأكد إلا بالامتناع عن توجيه أسئلة مستهجنة حول شهود الزور، مثلاً، أو حول تصرفات غير منطقية للمدعي العام الدولي الذي تكاثر معاونوه والناطقون باسمه في لبنان حتى ضاع أساس القضية!
في هذه الأثناء يتابع الشعب العنيد في هذا الوطن الصغير تشييع أبنائه، أطفالاً وشباباً وعجائز، من ضحايا حوادث السير، في حين تزدحم شوارع مدنه وطرقات قراه البعيدة بأصناف شتى من السيارات، بعضها حديث جداً وبعضها الآخر من مخلفات العصر الصناعي الأول..
... وتستمر أسعار المنتجات الوطنية مما &laqascii117o;زُرع في لبنان" في الارتفاع، مثلها مثل أسعار البيوت بما يدفع المواطنين الصالحين إلى الرحيل عن العاصمة التي جعلتها &laqascii117o;الداون تاون" وضواحيها منطقة محظورة لا يدخلها إلا أصحاب الثروات، حلالها والحرام المنهوب من خزينة الدولة، والذي لا يجد من يحاسب سارقيه أو مبذريه أو مسيئي الأمانة فيه، فإن تجرأ أحد على المساءلة تمت إضافة اسمه إلى قائمة المطلوبين للادعاء الدولي، تمهيداً لمحاسبته غداً في جريمة الاغتيال، بغير ما إشفاق على الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
أنت لبناني: إذاً أنت متهم بالمشاركة، أو بالتواطؤ، أو بإخفاء الأدلة، أو بالتشهير بشهود الزور، أو بالتشكيك في سلامة الإجراءات القضائية في الداخل أو في الخارج... وكلها مدول ومحاط بحصانة لا يمكن اختراقها.
لكن حكومة الوفاق الوطني توالي عقد جلساتها فوق (في القصر الجمهوري) وتحت (في السرايا الحكومية) وتنقل الشاشات صور أعضائها من الإخوة ـ الأعداء وكلهم في غاية الابتهاج من أن أحداً لم يوجه إليهم الاتهام، بعد، بأنهم شهود زور، فضلاً عن محاسبتهم على أدائهم الذي لا نظير له في صحته أو كثافة إنتاجه في أية دولة من دول الدرجة الأولى في أقصى الأرض!


ـ 'اللواء'

الجهود العربية تُثمر&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; ولا خوف على الاستقرار!
صلاح سلام:

لقد بدأت المساعي العربية السعودية - السورية تؤتي ثمارها في تعزيز التهدئة والاستقرار في الداخل، وفي تدوير العديد من الزوايا في عواصم القرار الدولي، الأمر الذي راح ينعكس إيجاباً على الحركة السياسية المحلية: عودة الحوار بين الحريري وحزب الله، تجنّب التصويت على ملف شهود الزور في مجلس الوزراء وتأجيل بت الإحالة إلى أسبوعين على الأقل، تراجع حدة الخطاب السياسي، اختفاء لهجة التهديد والتهويل، والاكتفاء ببعض التهجمات على رئيس الحكومة وفريقه والتي تبقى بمجملها أشبه بفقاقيع صابون!&bascii117ll;
لا خوف على الأمن والاستقرار&bascii117ll;
ولا تخويف من تداعيات القرار الظني&bascii117ll;
ولا مصلحة لأحد عربياً وإقليمياً، ولا حتى لبنانياً، في الانزلاق نحو التفجير، والخروج عن القواعد الحالية للعبة في لبنان وفي المنطقة، خاصة بعد التطورات الدراماتيكية التي كشفتها وثائق الحرب الأميركية في العراق، وتداعياتها المحتملة على مسيرة المالكي نحو رئاسة الحكومة العتيدة!&bascii117ll;


ـ 'الشرق الأوسط'

لو كنت مستشارا للحريري
طارق الحميد:

لو كنت مستشاراً لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وقرأت مقابلة رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري، التي يقول فيها &laqascii117o;لا ننظر إلى 14 و15 و16 آذار، فهذه الهياكل كرتونية"، مضيفاً: &laqascii117o;14 آذار و15 آذار.. فمن هؤلاء"؟ لقلت في نفسي، كمستشار للحريري: إذا كان هذا أكثرهم لباقة، فكيف سيكون حال أطولهم لساناً؟ وعليه سأهرع إلى مكتبي وأكتب للحريري الرسالة التالية:
دولة رئيس الوزراء
تحية وبعد..
لا بد أنكم قد اطلعتم على التهجم غير المسبوق، منذ عودة العلاقات بينكم وبين دمشق، الذي شنه رئيس الوزراء السوري على قوى &laqascii117o;14 آذار"، ويعلم دولتكم أن هذا الهجوم يأتي بعد سلسلة من التطاولات الإعلامية التي صدرت من دمشق بحقكم وحق فريقكم عبر وسائل إعلام موالية للسوريين، وحزب الله، وإيران، ناهيك عما تعلمونه وينقل لكم من أهل العلم والاطلاع، وعليه فإنني أكتب لكم من باب أن الناصح مؤتمن بأن الوقت قد حان لتتخذوا القرار المناسب، وفق الظروف والمصلحة، وهذا القرار يا دولة الرئيس هو الاستقالة.

يا دولة الرئيس..
خضتم الانتخابات وخلفكم تياركم ومريدوكم، وهم كثر، وحققتم نصراً مؤزراً، ورغم ذلك لم تتمكنوا من تأليف الحكومة، لكنكم استشعرتم مسؤوليتكم وذهبتم للدوحة وقدمتم تنازلات حفاظاً على لبنان، وخضتم معركة محكمة رفيق الحريري ورفاقه الشهداء الدولية، ونصبتم خيمة العدالة في قلب لبنان، وباتت المحكمة واقعاً لا يستطيع أحد المساس به، وقمتم بفتح صفحة جديدة مع سورية، ورئيسها، وزرتم دمشق، وتحدثتم بلغة إيجابية في حواركم الصحافي مع صحيفة &laqascii117o;الشرق الأوسط"، وقلتم: نعم ارتكبنا أخطاء. ولم ينتهِ الأمر بهذا الحد، بل يطلبون المستحيل اليوم.
وهذا المستحيل، يا دولة الرئيس، هو أن تقوموا بالطعن بالمحكمة الدولية فقط لتبرئة حزب الله، وإلا فإنهم سيعطلون عملكم، ويشلون الحكومة من خلال المطالبة بتحقيق شهود الزور، علماً بأن المحكمة قد قالت إنها لم ولن تستند إليهم، لكن كل ما يحدث اليوم هو ابتزاز من أجل أن تضربوا سمعة المحكمة قبل صدور القرار الظني، وهذا انتحار سياسي، وأخلاقي، وقيادي، يا دولة الرئيس.
وعليه، فإننا نرى، والرأي لكم، أن تقدموا استقالتكم من رئاسة الوزراء، فلن يستطيع سياسي سني أن يأتي مكانكم ويتخذ قراراً يطال المحكمة، فهو يعلم، أياً كان رئيس الوزراء هذا، أن المحكمة قرار دولي، وبالتالي فإن مجرد محاولة المساس بها فإنه سيعد خيانة كبرى، ولن تقبل بها الدول العربية المؤثرة، ناهيك عن الغرب، وحينها ستصبح أنت، أيا كان مقرك الجغرافي، مسعى لهم، سيأتونك لأنك ستكون المنقذ، فلن يحتملوا مواجهة الرأي العام اللبناني الذي سيكتشف خطرهم.
تستقيل اليوم يا دولة الرئيس بعد أن قمت بواجبك، وقدمت من التضحيات والتنازلات ما يكفي. لقد آن الأوان، يا دولة الرئيس، أن تفعل ما كان يفعله والدك، فعندما كان، يرحمه الله، يجد أن كل الطرق قد سُدت فإنه يستودع الله لبنان وأهله.
هذا ما رأيناه، وهذا ما يمليه علينا ضميرنا، والله يرعاكم.
والسؤال الآن هو: هل يفعلها الحريري؟


ـ 'الشرق الأوسط'

التقية الاستراتيجية: حزب الله يدعم إيران لا العكس؟
مأمون فندي:

لإيران اليوم حدود افتراضية مع إسرائيل متمثلة في غزة وجنوب لبنان، وما بينهما وبين إيران هي مناطق نفوذ تقع تحت النفوذ الإيراني افتراضا، على أمل أنه سيصبح واقعا مع الوقت، وهي ذات الاستراتيجية التي تمارسها إسرائيل في شأن المستوطنات أو تلك التجمعات السرطانية أو الاستيطانية التي تأكل أرض العرب يوما بعد يوم بهدف خلق واقع جديد على الأرض، وفي هذا السياق أحاول أن أفصل أن حزب الله هو الذي يدعم إيران وليس إيران هي التي تدعم حزب الله كما يدعي البعض. عندما كتبت الأسبوع الفائت عن الندية الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل وعن تغير المشهد الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، أساء البعض قراءة المقال. فجوهر المقال أن حقيقة معادلة القوى والصراع في الشرق الأوسط على عكس ما قد يتراءى في ظاهرها. فمثلا، في موضوع حزب الله الذي يتحدث الكثيرون عنه على أنه مدعوم من إيران، كانت مقولتي هي أن حزب الله هو الذي يدعم إيران في الصراع الاستراتيجي الكبير وليس العكس، أي إننا إذا ما نظرنا إلى الشرق الأوسط كرقعة استراتيجية على لوحة الشطرنج العالمية، نجد أن حماس وحزب الله هما اللذان يدعمان إيران في صراعها على المنطقة. أما إذا نظرنا إلى الأمور بنظرة ضيقة في إطار لبنان وحده، أو الصراع بين فتح وحماس في فلسطين، فقد تبدو الصورة وكأن حزب الله وحماس هما اللذان يسخران إيران لأجندتهما في السيطرة على الوضع الداخلي سواء في لبنان أو فلسطين. حزب الله يتلقى أموالا وتسليحا من إيران، ولكن هذه الأموال وهذا السلاح ليس هدفها الأول دعم حزب الله في الداخل، رغم أنها تفعل ذلك، ولكن غايتها الكبرى هي دعم إيران لنفسها في المقام الأول، في صراعها الاستراتيجي من أجل الندية الاستراتيجية strategic Parity مع إسرائيل. رسالة إيران للداخل الإسرائيلي هي &laqascii117o;إذا ما قررت ضرب المنشآت النووية الإيرانية، فإن أولادنا على حدودكم الشمالية، أي جنوب لبنان، سيذيقونكم مر العذاب، كذلك الأمر نفسه سيحدث في غزة، فمتى ما اعتديتم على منشآتنا فإن الصواريخ من غزة لن تتوقف في اتجاهكم".. هذه هي رسالة أحمدي نجاد عندما زار لبنان مؤخرا. إذن حزب الله وحماس هما أداتان في يد إيران تدعمان إيران في صراعها الإقليمي، صراع تجعله إيران يبدو في ظاهره مع إسرائيل، ولكن باطنه هو صراع على السيطرة على المنطقة عموما والخليج العربي تحديدا. إذن نحن نتعامل مع حالة يمكن تسميتها بـ&laqascii117o;التقية الاستراتيجية"، حيث تكون بواطن الأمور خلاف ظواهرها.

والتقية الاستراتيجية لا تخص إيران وحدها، فإسرائيل تمارس التقية الاستراتيجية أيضا، بداية من برنامجها النووي الذي لا يعرف العالم عنه الكثير سوى مجرد تخمينات، إلى تغيير طبيعة الصراع في الشرق الأوسط الآن ونقله من حالة الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع إيراني إسرائيلي، وفي هذا تعرف إسرائيل أن أي خصم لها هو صديق للجماهير العربية أوتوماتيكيا، فعندما تصنع إسرائيل من إيران عدوها الأول، فهي تعرف أنها ستسلم مشاعريا هذه الجماهير العربية لإيران، كما سلمتها في السابق لصدام حسين، وبذلك تكون إسرائيل قد سحبت البساط من تحت أقدام القادة العرب المعتدلين، لتصور للغرب بأن هذا المجموع العربي هو مجموع راديكالي متعصب ورافض للسلام.

في هذه التعقيدة المركبة التي يقع العرب ضحية لدهاليزها التي تصل إلى حد متاهة الشاعر اللاتيني الكبير خورخيه لويس بورخيس، لم يعد العرب لاعبين بل أصبحوا ساحة للعب، بمعنى أنهم أصبحوا ساحة تجاذب بين إسرائيل وإيران. فلا العرب ولا قضية أراضيهم التي تحتلها إسرائيل ولا حتى تهديداتهم، هي الشاغل الأهم للرأي العام الإسرائيلي ولا بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو. الشاغل الأهم بالنسبة لإسرائيل اليوم هو &laqascii117o;إيران النووية" أو إيران التي تقترب من إنتاج القنبلة، ورئيسها الذي يعلن كلما راق له أن الصهيونية قد انتهت أو أن إسرائيل يجب أن تمحى من على الخريطة. هذا التهديد الوجودي لإسرائيل، جعلها تركز على إيران من ناحية ما يعرف بالندية الاستراتيجية في المنطقة. وعلى حدودها الافتراضية مع إيران المتمثلة في حماس وحزب الله، ولكن في الحالتين هناك اتفاق شبه ضمني بين ملالي طهران وحاخامات إسرائيل، على أن المنطقة خلقت ليتبادلا عليها السيادة والتفوق الاستراتيجي.

وفي هذا السياق الشرق أوسطي، نقرأ أمرين جديدين: هما صفقة السلاح السعودية الأميركية التي تبلغ قيمتها ستين مليار دولار، وكذلك أيضا نقرأ المناورات السعودية المصرية التي أشرف عليها في الإسكندرية وزير الدفاع المصري المشير محمد حسين طنطاوي، ومساعد وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، فهل هذه هي ردود فعل مصرية سعودية على التغلغل الإيراني في المنطقة. أم هي تحسبات حيال قيام أي حرب إقليمية في ضوء فشل المفاوضات على المسار الفلسطيني الإسرائيلي وفي ضوء الصراع الإيراني الإسرائيلي من أجل الهيمنة في المنطقة؟ إذا كان الأمر هو الاحتمال الثاني، فتلك ردود فعل ليست بالكافية لإيجاد نوع من الندية الاستراتيجية بين خصمين أحدهما معلن وهو إسرائيل وآخر يمارس التقية الاستراتيجية وهي إيران.

أيضا في هذا السياق والمنافسة بين خصم العرب المعلن وخصمهم الخفي، نقرأ زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان، وكلها مؤشرات تقول بأن العرب أصبحوا أدوات لعب أو ساحة لعب بدلا من فاعلين إقليميين. لقد تبدلت طبيعة الصراع الاستراتيجي في المنطقة، والأكثر عجبا من تبدلها هو قبول العرب لدورهم الجديد، سواء أكان هذا الدور قد رسم في إسرائيل أو أميركا أو طهران. الجماهير العربية التي تتعاطف مع إيران اليوم، صدقت بأن إيران على عداء حقيقي مع إسرائيل، ولا تعلم أن إسرائيل تصنع من إيران عدوا حتى تنفر الشعوب العربية من قياداتها المعتدلة في المنطقة مما يصب في تجميد حل الصراع العربي الإسرائيلي، ويصب في تصوير العرب على أنهم راديكاليون لا يقبلون السلام بدليل أنهم يقفون مع إيران أحمدي نجاد الذي يريد إزالة إسرائيل من على الخريطة، على الأقل على مستوى التصريحات.

تصريحات أحمدي نجاد تجاه إسرائيل تشبه إلى حد كبير موقف رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الدرامي في دافوس عندما غادر المسرح محتجا على شيمعون بيريز، بينما صفقات الأسلحة التركية - الإسرائيلية والتعاون الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا لا تزال في تزايد. ولكن العرب يصدقون المسرحيات، ولم يتنبهوا بعد إلى التقية الاستراتيجية التي يمارسها جميع جيرانهم من غير العرب، من إيران إلى إسرائيل إلى تركيا.


ـ 'الشرق الأوسط'
ثوابت حزب الله منذ الثمانينات وحتى اليوم لا تزال الالتزام بولاية الفقيه واعتبار إسرائيل عدوا مطلقا / نصر الله قال بوضوح عام 1986: لا نؤمن بوطن اسمه لبنان

في 9 مارس (آذار) 1987 قال حسن نصر الله - الذي لم يكن بعد أمينا عاما لحزب الله اللبناني: &laqascii117o;كلنا في لبنان حاضرون للتضحية بأنفسنا وبمصالحنا وبأمننا وسلامتنا وبكل شيء لتبقى الثورة في إيران قوية متماسكة".. في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2010 وخلال زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان قال نصر الله، الأمين العام لحزب الله: &laqascii117o;الجمهورية الإسلامية هي نعمة الله فيكم فاغتنموها".

لا شك أن ولاء حزب الله لإيران لم يتغير منذ تأسيس الحزب عام 1982، فالارتباط السياسي والديني بين الطرفين لم يكن يوما خافيا على أحد. وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير (شباط) 1985، أن الحزب &laqascii117o;ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة"، وحتى اليوم لا يزال ولاؤه واحدا وقيادته واحدة؛ دولة الولي الفقيه. ويظهر شريط فيديو يبث على المواقع الالكترونية مجموعة من خطب نصرالله القديمة.
في سبتمبر (أيلول) 1986 قالها نصر الله وبوضوح: &laqascii117o;لا نؤمن بوطن اسمه لبنان، بل بالوطن الإسلامي الكبير. إن لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب أن يحكمها الإسلام والمسلمون. ليس لدينا مشروع نظام في لبنان، علينا أن نزيل الحالة الاستعمارية الإسرائيلية وحينئذ يمكن أن ننفذ مشروعنا الذي لا خيار لنا في أن نتبنى غيره، لكوننا مؤمنين عقائديين وهو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وألا يكون لبنان جمهورية إسلامية واحدة، وإنما يكون جزءا من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني. وأنا لا يمكن أن أبقى لحظة في أجهزة حزب الله إذا لم يكن لدي يقين بأن هذه الأجهزة تتصل عبر مراتب بالولي الفقيه القائد المبرئ للذمة الملزم قراره".
في عام 2002 جاء كتاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تحت عنوان: &laqascii117o;حزب الله.. التجربة المنهج المستقبل" ليؤكد التحول الذي شهده الحزب بعد اقتناعه بألا سبيل لتحقيق كل بنود البرنامج الذي وضع عام 1982. فيقول قاسم عن مسعى حزب الله لإقامة دولة إسلامية: &laqascii117o;لا يمكن لأي ملتزم إسلامي يحمل العقيدة الإسلامية ويؤمن بشريعتها، إلا وأن يكون مشروع إقامة الدولة الإسلامية أحد التعابير الطبيعية لالتزامه الإسلامي، فهي تمثل العدالة التي يطمح إليها الإنسان. لكننا نفصل بين الرؤية الفكرية والتطبيق العملي، فنقول في الرؤية الفكرية: إننا ندعو إلى إقامة الدولة الإسلامية، ونشجع الآخرين على قبولها لما تمثل من إسعاد للإنسان. أما على المستوى العملي، فهذا الأمر يتطلب وجود الأرضية التي تتقبل إنشاء هذه الدولة، والأرضية هي هذا الشعب، الذي من حقه أن يختار ما يريد تحكيمه في حياته، ولا يمكن أن تكون إقامة الدولة الإسلامية من منطلق تبني فئة أو فريق، ثم يعمل هذا الفريق على فرضها أو فرض آرائه فيها على الفئات الأخرى، فهذا ما لا نقبله في هذا المشروع ولا في غيره من المشاريع والأفكار، سواء أكانت صادرة عنا أم عن غيرنا". وعن ارتباط الحزب بالولي الفقيه يقول الشيخ قاسم: &laqascii117o;لا علاقة لموطن الولي الفقيه بسلطته، كما لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته. فقد يكون عراقيا أو إيرانيا أو لبنانيا أو كويتيا أو غير ذلك، إذ لا دخل لجنسيته في المواصفات التي يحملها. فهو يحمل الإسلام ويعمل للإسلام. وبما أن العمل ضمن بلد ما يرتبط بخصوصياته وظروفه، فإن عمل حزب الله يوائم بين إسلامية المنهج ولبنانية المواطنة، فهو حزب لبناني بكل خصوصياته ابتداء من الكادر والقيادة مرورا بالعناصر، وهو مهتم بما يجري على ساحته في الميادين الجهادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وهو يحمل الإسلام الذي يسعه ويسع الآخرين في العالم. ولا يتعارض الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي والمستضعفين مع الاهتمام بالقضايا الوطنية التي تكون محكومة لرفض الظلم والاحتلال، والسعي لتحقيق العدالة، ورعاية الأولويات والمصالح".
الباحث الاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط، فصل لـ&laqascii117o;الشرق الأوسط" مراحل نشأة حزب الله وتطور مفاهيمه للبنان الدولة وللجهاد حتى يومنا هذا، فقال: &laqascii117o;المرحلة الأولى التي عرفها حزب الله هي مرحلة التكوين والنشأة، فكان خلالها الحزب حركة سرية نشأت في بيئة يسيطر عليها العدو وهي اعتمدت نموذجا جهاديا هو القتال لدفع المحتل وتحرير لبنان. عندما انطلق الحزب لم يكن قادرا على الإفصاح عن نفسه وقد دامت هذه المرحلة ما يقارب الـ3 سنوات منذ عام 1982 وحتى عام 1985. أما المرحلة الثانية – يضيف حطيط – فقد كانت مرحلة الإعلان عن الذات وعن البرنامج السياسي وتميزت هذه المرحلة بسمات أساسية، هي العمل السياسي الإسلامي ومنطق أن الحكم حكم إسلامي، والعمل الجهادي والمقاومة ضد المحتل، وتأجيل أي صراع مع أي طرف غير إسرائيل للانتهاء من الصراع معها ودحرها. وتعتبر هذه المرحلة الثانية من المراحل المفصلية في حركة حزب الله. أما المرحلة الثالثة التي امتدت من عام 1990 وحتى عام 2000، فهي مرحلة القبول بالنظام اللبناني كليا والانخراط السياسي تشريعيا، وبالتالي فإن حزب الله تراجع عما كان يقوله عن نظام إسلامي، راضخا للنظام الواقعي الممكن، متأقلما مع ظروف البيئة اللبنانية". وأضاف حطيط: &laqascii117o;المرحلة الرابعة هي مرحلة تأسيس الحزب مع اعتماد الخط المقاوم، فانخرط حزب الله أكثر فأكثر في العمل السياسي والاجتماعي اللبناني دون التخلي عن منطق المقاومة، وصولا إلى المرحلة الخامسة، أي ما بعد عام 2006، حيث أصبح الحزب ركنا سياسيا أساسيا يعترف بالدولة اللبنانية وبمكوناتها كافة، بغض النظر عن معتقده الديني الذي يدعوه للالتزام بولاية الفقيه التي تمثلها القيادة الدينية في إيران". ويرى حطيط أن &laqascii117o;حزب الله وبصيغته الأخيرة يختلف كثيرا عن صيغته الأولى، فهو بعدما كان سريا أصبح علنيا وبعدما كان يرفض النظام اللبناني أصبح جزءا منه، وهو تخلى عن خطابه الديني المتشدد وبات يرتكز على الواقع وعلى الأرضية والبيئة اللبنانية، أما النقاط والقواعد التي لم يحد عنها منذ نشأته، فولاية الفقيه واعتبار إسرائيل العدو المطلق". ويوضح حطيط أن &laqascii117o;ولاية الفقيه لا تعني أن حزب الله أداة في يد قائده، فالولاية تراعي مصلحة البيئة التي يعيش فيها الأفراد وهي بالتالي تنطلق من عدالة الفقيه الذي يحرص على مصالح من يتبعه، لذلك فإن المصلحة اللبنانية أولوية اليوم لدى حزب الله".

في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد سلام أن خطاب نصر الله، وبالتالي خطاب حزب الله منذ الثمانينات وحتى يومنا هذا، أصبح أكثر وضوحا وواقعية بعدما أحرز الحزب تقدما كبيرا في تحقيق أهدافه وطموحاته، أو بالأحرى أهداف الولي الفقيه، ويضيف: &laqascii117o;معظم اللبنانيين يظنون أن لحزب الله رؤيته الخاصة، علما بأن السيد نصر الله قالها بوضوح، إن حزبه جزء من الجمهورية الإسلامية ومن ولاية الفقيه، أي أنه ينفذ قرارات تصدر من إيران، أي من دولة الولي الفقيه".
ويشدد سلام على أن &laqascii117o;حزب الله ليس، لا من قريب ولا من بعيد، تنظيما سياسيا مستقلا، إنما هو فصيل ضمن قوى تقودها طهران، وقد أصبح لبنان ككل تحت سيطرة الولي الفقيه وممثله نجاد"، ويضيف: &laqascii117o;عندما تتعامل دول كبرى مع حلفاء وأصدقاء لها تزورهم في مواقعهم لكونهم حيثية مستقلة، وهذا ما قام به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما زار رئيس الحكومة سعد الحريري في دارته، بخلاف ما قام به نجاد الذي استدعى السيد نصر الله إلى السفارة الإيرانية، مما يزيل أي شكوك عن أن حزب الله جزء من النظام الإيراني وأنه - أي حزب الله - أصبح إيران في لبنان".

وعن أي تطور شهده خطاب نصر الله منذ الثمانينات وحتى يومنا، يقول سلام: &laqascii117o;كل ما تبدل أنه أصبح يستخدم ضمن خطابه علم الدهاء، فهو يسعى للسيطرة على لبنان من دون الإعلان عن ذلك، حيث يقوم بكل الممارسات التي تؤكد هذا، مبقيا على القشور الخارجية"، ويضيف: &laqascii117o;حزب الله، ومنذ تأسيسه، قوة غير لبنانية تسعى لاحتلال لبنان وإخضاع اللبنانيين". ويرى سلام أنه يتوجب أن يكون هناك موقف عربي موحد من مسألة التعاطي مع إيران، لا أن يكون هناك موقف فردي لكل دولة أو موقف عربي واحد، كالموقف من العدو الإسرائيلي.

2010-10-25 00:00:00

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد