ـ 'الأخبار'
خامنئي يصالح قم مع طهران: اعتماد متبادل... ومصير واحد
لعله الحدث الداخلي الأهم في إيران منذ الثورة الخمينية. حدث مفصلي لا شك في أنه سيطبع حياة الجمهورية الإسلامية لعقود مقبلة. هي زيارة المرشد علي خامنئي إلى قم، حيث حصد ثمرة سنوات من العمل على جيل حوزوي جديد فتح الطريق أمام مصالحة قم مع طهران، بمعنى مصالحة الحوزة مع النظام، مجهضاً الرهانات على انقلاب الأولى على الثانية، ومكرساً نظرية &laqascii117o;الاعتماد المتبادل" و&laqascii117o;المصير الواحد" بينهما
إيلي شلهوب
زيارة تاريخية بلا شك تلك التي أجراها المرشد علي خامنئي إلى قم على مدى الأيام القليلة الماضية. تاريخية بشكلها ومضمونها ونتائجها، التي ستنعكس على أكثر من صعيد في الداخل والخارج الإيرانيين: صالحت قم، بما هي مقر الحوزة، مع طهران، مركز النظام. أزالت &laqascii117o;الجفاء" بين ركني الخمينية، النظام والحوزة. بل أخرجت هذه الأخيرة من &laqascii117o;قمقمها" باتجاه مركز الحكم حيث &laqascii117o;الحراك والتحديث والثورة والنهضة". قضت على آخر أمل، &laqascii117o;سواء للمعارضة في الداخل أو للغرب، بانقلاب مراجع الحوزة على خامنئي" الذي يبدو واضحاً من خلال الترحيب الحاشد الذي لقيه في قم، حيث &laqascii117o;خرج كبار العلماء كلهم لاستقباله"، ومن خلال تفاصيل الزيارة، أنه تكرس في خلالها &laqascii117o;زعيماً وقائداً لقم في الدين والسياسة".
على الأقل هذا ما تؤكده مصادر إيرانية قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران، مشددة على أن الزيارة، &laqascii117o;وهي الأولى من نوعها منذ نحو عقدين، بل ربما منذ زيارة الإمام الخميني مع انتصار الثورة"، مزدوجة الأهداف. وتوضح المصادر أن &laqascii117o;الشق الأول منها، وهو الأساسي، عبارة عن استنهاض للخمينية التي كانت قد ترهلت لدى الحوزة والمراجع في قم إلى الحد الذي بدت فيه المدينة وكأنها في حالة هجر مع الخمينية. استنهاض من أجل إعادة صياغة وتحديث الإسلام السياسي الذي قامت عليه الثورة ونظام الحكم، بناء على التطورات الحاصلة في الداخل وفي الإقليم وفي العالم".
أما الشق الثاني، تتابع المصادر نفسها، فهو &laqascii117o;إطلاق رصاصة الرحمة، أو إسدال الستار، أو إغلاق آخر ثغرة تنفذ منها الرهانات على الوقيعة، التي طالما منّت المعارضة الإيرانية النفس بها، بين قم وبين طهران"، مشيرة إلى أن &laqascii117o;خامنئي، وفي خلال زيارته هذه، قد أدخل قم مرة ثانية في صناعة القرار الطهراني (نسبة إلى طهران)، أو بمعنى أصح في الحكم المركزي".وتتحدث هذه المصادر عن أن &laqascii117o;الأشهر القليلة الماضية، وتحديداً منذ أزمة انتخابات الرئاسة الأخيرة، حبلت بكلام وهمسات وتسريبات عن خلاف بين قم وبين خامنئي لم يصل حد المواجهة. راهن كثيرون على حال الجفاء بين الجانبين، والذي فاقمته تطورات السنين الماضية، وخصوصاً في عهد (الرئيس محمود أحمدي) نجاد".
ومعروف عن الحوزة الدينية في قم &laqascii117o;أصوليتها". هي عبارة عن مجمع &laqascii117o;محافظ"، تقليدي، في مقابل طهران، &laqascii117o;مركز الإسلام الثورية النهضوي الحداثوي". لطالما كانت قم على هذا النحو، قبل الثورة الخمينية وبعدها، فيما طهران &laqascii117o;تخوض معاركها مع الغرب بسياسة حافة الهاوية. لم تكن قم لتستوعب هذه السياسة التي يقودها خامنئي".وترى المصادر نفسها أن &laqascii117o;الزيارة (إلى قم) إن دلّت على شيء، فعلى نجاح خامنئي، وفي خلال أشهر وسنوات من العمل الدؤوب، ولكن بصمت، في إزالة هذا الجفاء مع قم، والدليل استقبالها له بما لم تستقبل به الإمام الخميني نفسه". وتسارع هذه المصادر إلى التأكيد أن &laqascii117o;المقصود ليس بأي شكل التقليل من قيمة زيارة الخميني، والتي كانت اسطورية بكل المقايس، بل القول إن الإمام الراحل ذهب إلى قم في أوج انتصار الثورة. ذهب حاملاً معه زخم انتصار طهران. ذهب مسكوناً بطهران. دخل قم ضيفاً عليها حيث لم يتمكن في حينها من تكريس قيادته وزعامته بشقيها السياسي والفقهي". وتضيف &laqascii117o;أما خامنئي فقد ذهب إلى قم بعدما صنع فيها انتصاراً على حساب الحوزة التقليدية. ذهب بعدما حضر الأجواء في قم، حيث زرع بذوراً، عمل سنوات بل عقوداً عليها. هناك، في صلب الحوزة التقليدية، ربى جيلاً حوزوياً شبابياً نهضوياً مسيساً طوّق كبار المراجع في الحوزة التي لم يزرها إلا بعدما وصل إلى قناعة، هو وفريق عمله، بأن الأمور قد نضجت وحان وقت حصاد نتائجها. نضج جاء ثمرة الحلقات الطهرانية التي أنشأها في الحوزة حيث طوقت قم المحافظة".
وتتابع المصادر &laqascii117o;هذا من ناحية. لكن هناك فارقاً آخر، وهو أن خامنئي ذهب إلى قم زعيماً وقائداً مكرساً لها في الشقين الحوزوي الديني والسياسي. دخل خامنئي قم وفي رصيده لائحة طويلة من النجاحات في الداخل والخارج، من النووي إلى فلسطين ولبنان والعراق وغيرها، ومعها لائحة أخرى من المواقف النهضوية، سواء من أهل السنة او أميركا أو إسرائيل أو العلاقة مع حزب الله أو فلسطين. كما أنه قدم مادة غزيرة على مستوى المرجعية أعطته رصيداً فقهياً، وخصوصاً في ما يتعلق بالركيزتين الرئيسيتين اللتين تقوم عليهما الخمينية وهما: لا عبادات ولا فقه من دون سياسة وحكم. ولا إسلام ثورياً من دون مؤسسة حوزوية دينية. أي الربط بين النخب المدنية والنخب الدينية. وفي سجل خامنئي في هذا الإطار ما يكفيه من رصيد، بحيث إنه لما ذهب إلى قم لم يكن هناك من يستطيع أن ينافسه أو يشاكسه. النتيجة كانت أن قم كلها بمراجعها كلها من دون استثناء، خرجت لاستقبال خامنئي في الشارع".
وتستنتج هذه المصادر أن &laqascii117o;خامنئي استطاع أن يضخ حركة دينية في قم بما أخرج العلماء من قمقهم الفقهي ودفع بهم إلى أخذ موقع متقدم في الصراع في الخارج. أصبحت قم مثل طهران، أدخلها في المواجهة السياسية. غير أن الاستقبال لم يكن لشخصه وحده، بل للفرق الجامعية والحوزوية ومعها الحرس وباقي أجهزة الحكم المعنية التي تعمل إلى جانب خامنئي".
ومعروف عن الحوزة الدينية في قم أنها، ومنذ تأسيسها قبل نحو ألف عام، تأخذ مسافة من طهران، من مركز الحكم. وتقول المصادر &laqascii117o;من هنا كان تكرار خامنئي أكثر من مرة أن الحوزة يجب أن تكون مستقلة لكن ممنوع عليها أن تكون على خلاف أو شقاق مع نظام الحكم. كما كرر أن من يقول إن الدين يمكن المحافظة عليه وأن يقود المجتمع والدولة من دون المؤسسة الحوزوية هو أيضاً على خطأ ويتآمر على الحوزة. ومن هنا كان تشديده على أن لا نظام اسلامياً بلا رجال دين، وهجومه على الحجتية وأنواع العرفان والتصوف المنحرفة والإسلام الأميركي الذي يريد أن يفصل بين الديني والسياسي. رآهم جزءاً من الحرب الناعمة التي تريد أن توجد قطيعة بين طهران وقم. لقد ردم الهوة التي تفصل بين المدنيين ورجال الدين. بين الحوزة ونظام الحكم. بهذا المعنى أعاد إحياء الخمينية بما هي خروج عن المألوف".
وكان خامنئي قد أكد في كلمته أمام حشود مستقبليه في قم أن &laqascii117o;النظام الإسلامي، وفي الصميم منه الحوزات العلمية، تياران عظيمان مرتبطان ببعضهما من زوايا وأبعاد عديدة، والواقع أن مصير كليهما واحد"، مشدداً على أن &laqascii117o;أي ضربة توجّه للنظام الإسلامي تؤدي إلى ضربة شديدة توجه للحوزات العملية وأهل الدين".
ورأى خامنئي أن &laqascii117o;العلاقة بين الحوزات العلمية والنظام الإسلامي هي علاقة دعم ونصيحة، ودفاع إلى جانب الإصلاح"، مؤكداً &laqascii117o;الاعتماد النظري والعلمي للنظام على الحوزات العلمية" و&laqascii117o;اهتمام الحوزة ورجال الدين بالنظام".
وأوضح خامنئي، الذي وصف قم بأنها &laqascii117o;الأم التي أنجبت النظام"، أن &laqascii117o;النظام الإسلامي يحتاج نظرياً وعملياً إلى علماء الدين والحوزات العلمية، ويعتمد على جهودهم ويتشجع بها"، مشيراً إلى أنه &laqascii117o;بسبب الذات والماهية الدينية للجمهورية الإسلامية يقع التنظير في الحقول كلها، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والإدارة والقضايا التربوية وسائر الأمور المهمة لإدارة البلاد، على عاتق رجال الدين، أي العارفين بالإسلام والمتخصصين في قضاياه".وكان خامنئي حريصاً على التأكيد أنه &laqascii117o;كما كان رجال الدين الشيعة مستقلين طوال تاريخهم، سيبقون اليوم أيضاً بفضل من الله وفي المستقبل مستقلين"، لكنه حذر من أن &laqascii117o;البعض يريدون تحت طائلة الاستقلال فصم الأواصر بين الحوزات والنظام. من الواضح أن التبعية غير الدعم والتعاون، ويمكن العمل على التعاون المتبادل إلى جانب الحفاظ على الاستقلال"، مشيراً إلى أنه &laqascii117o;من واجب النظام، ومن دون التدخل في قضايا الحوزات، أن يساعدها، لأن في هذه المنظومات والمجاميع قضايا لا يمكن معالجتها إلا بمساعدات بيت المال".
وأكد خامنئي أن &laqascii117o;ما من منظومة قيمة يمكن أن تحظى بالاحترام الحقيقي بسبب عزلتها وعدم فاعليتها، ذلك أن المنظومات الحيّة والفعالة والمؤثرة فقط هي التي تثير الاحترام الحقيقي لدى الأصدقاء، وحتى لدى الأعداء"، مشدداً على أن &laqascii117o;رجال الدين الشيعة عموماً كانوا في صميم الأحداث الاجتماعية والسياسية، لذلك فإن لهم عمقهم ونفوذهم بنحو لا يتوفر لأي منظومة من رجال الدين المسلمين وغير المسلمين في العالم".
وكانت لافتة إشادة خامنئي برابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم، قائلاً إن من واجباتها المهمة &laqascii117o;الحفاظ على العلاقات مع المراجع العظام وتعزيزها، ذلك أن جماعة المدرسين هي منبت المراجع المحترمين، وبعضهم كانوا من أعضاء جماعة المدرسين"، ومشدداً على أن &laqascii117o;على جماعة مدرسي الحوزة العملية في قم، عن طريق الاستقطاب المستمر للطلبة النخبة والفضلاء المميزين في الحوزة، تأليف كيان قوي وواسع وكفء لها، حتى تستفيد من آرائهم وتصوراتهم في الموضوعات المختلفة".
فضاء قم معارض تاريخياً لولاية الفقيه يرى أنها نظرية تاريخية، وإن قبل تطبيقها فبتفسير محدود للولاية
مصادر النظام في طهران تقرّ بأن &laqascii117o;مراجع قم ليسوا بالضرورة على قلب واحد مع خامنئي. بل ربما هناك من كانت وجهات نظره لا تتفق ومواقف خامنئي في فترة سابقة. لكنهم مع ذلك خرجوا كلهم ليعاهدوا خامنئي، بالصوت والصورة، أنهم معه، وليقرّوا بحكمته ويقظته وإدارته الصبورة للأزمة الداخلية والتي لولاها لهلكنا جميعنا، وذلك طبعاً بعدما أصابهم نوع من اليقظة الوجدانية". وتشير المصادر نفسها إلى أن &laqascii117o;من بقي من المعارضين (بعد وفاة آية الله حسين منتظري)، مثل آية الله يوسف صانعي وآية الله بيات زنجاني، ضاعوا عملياً في بحر الناس".
وتستدل هذه المصادر على ما تقول بحقيقة أنها &laqascii117o;المرة الأولى التي يحصل فيها أن يجلس خامنئي في مكان واحد في الحوزة ويأتي الجميع اليه، وبكثرة، ليجتمعوا به. تماماً كما حصل مع الإمام الخميني في زيارته التاريخية لقم، علماً بأن في طهران اليوم مشكلة معارضة، خلافاً لما كانت عليه الحال أول أيام الثورة والانتصار على النظام الشاهنشاهي".
ومعروف أن مشاكل قم مع خامنئي كثيرة، لعل أحدثها أداء حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد. هناك أيضاً ما تراه قم &laqascii117o;سياسة ثقافية عامة منفتحة في طهران"، وهي سياسة شارك فيها جميع الرؤساء السابقين، من هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ونجاد. ويبقى طبعاً موضوع ولاية الفقيه، التي &laqascii117o;لطالما كانت غير محبذة في قم، حيث يعتقد المراجع بأنها نظرية تاريخية يرفضون تطبيقها، وإن قبلوا، فبتفسير محدود للولاية". وتقول المصادر القريبة من أروقة صناعة القرار في طهران، إن &laqascii117o;المرجعين ناصر مكارم شيرازي وحسين نوري همداني، لطالما كانا متحمسين لخامنئي ولولاية الفقيه، ووقفا معه على طول الخط، لكن الفضاء العام للحوزة كان مسكوناً بالنظرة المحافظة في تطبيق ولاية الفقيه".
مصادر النظام في طهران تتحدث عن أن خامنئي شدد كثيراً في قم على ضرورة دعم الحكومة، &laqascii117o;ومن أول ترددات تصريحاته إعلان رفسنجاني الأحد ما حرفيته: رغم رأينا بكل الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة، إلا انني لا أجيز إضعاف حكومة محمود أحمدي نجاد. علماً بأن رفسنجاني لم يذهب إلى قم لتحريض علماء الحوزة خلافاً لما أفاد به الإعلام السعودي في خلال أزمة انتخابات الرئاسة الأخيرة".
وتختم المصادر بالقول إن زيارة خامنئي لقم ستنعكس &laqascii117o;قوة على المفاوض الإيراني في الخارج، كما أنها ستوظف بتكريس شعبية خامنئي ومشروعيته الدينية وقيادته السياسية ومواجهته مع المجتمع الدولي المصمم على محاصرة إيران، والذي صدمته قدرة المرشد على العمل بصمت وهدوء ومن دون ضجيج على التحضير لهذه اللحظة التاريخية (زيارة قم) وردم الهوة بين قم وطهران".
--------------------------------------------------------------------------------
نجاد: إيران ستصبح مركز مفكّري العالم
أكد الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، في كلمة ألقاها في الملتقى الوطني للحرب الناعمة عُقد في طهران أمس، أن الجمهورية الاسلامية يجب أن تصبح مركزاً لمفكري العالم.وشدّد على ضرورة وضع نظرية شاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لمواجهة الأفكار الليبرالية والمادية. وقال &laqascii117o;مجتمعنا مثل النهر الزُلال يجري باتجاه قمم المعرفة والكمال". وتابع &laqascii117o;نسعى الى بناء إنسان من طراز المجتمع المهدوي"، موضحاً أن &laqascii117o;إيران لا تعني قومية بل تجربة تاريخية تبيّن دور إيران".وقال نجاد إن &laqascii117o;الشعب الوحيد الذي بإمكانه أن يكون بديلاً للوضع الراهن هو الشعب الإيراني، لأن الشعوب تدرك أن الثقافة المنطلقة حالياً من إيران أقرب الى الحقيقة".ورأى أن &laqascii117o;قبول الإيرانيين الإسلام كان لأنهم أكثر حضارة وتطوراً من الذين عرضوا الإسلام عليهم"، وهم &laqascii117o;قبلوا بالإسلام الأصيل النابع من الائمة الأطهار".
ـ 'الأخبار'
روما: قصة الوثيقة السرية...
جان عزيز:
في الأيام الأخيرة للسينودس، مسألة واحدة مثّلت موضع همسات المشاركين. تلك الورقة &laqascii117o;السرية"، المنشورة والمحظورة، التي يجزم البعض بأنها أفضت إلى مداخلات سياسية ودبلوماسية لم تنته بعد.
القصة بدأت حين وضع أحد أساقفة المذاهب &laqascii117o;الأقلية"، ورقة مختصرة، مدخلاً للنقاش، في موضوع الحوار المسيحي الإسلامي في منطقتنا. ولأن النص &laqascii117o;داخلي"، بادر إلى إنجازه، بعيداً عن مقتضيات المجاملة و&laqascii117o;الصحيح سياسياً". ولتسهيل المهمة، كتب الأسقف نصه باللغة الفرنسية وأرسله إلى أمانة سر المجمع. لكنه لم يذيّله ولم يعنونه بأي إشارة إلى أنه &laqascii117o;للنقاش الداخلي فقط". وصلت الورقة إلى قسم العمل باللغة الفرنسية في المجمع، فاعتقد أنها من المداخلات الأسقفية العادية. فبادر إلى نشرها بصيغتها الكاملة على موقع السينودس للغة الفرنسية، وإلى إحالتها على فريق العمل باللغة العربية، لترجمتها تمهيداً لنشرها بالعربية أيضاً. لم يلبث مسؤول القسم العربي أن قرأ بعضاً من سطور الورقة، حتى هبّ مسرعاً إلى المعنيين، معلناً الاستنفار العام: لقد حصلت كارثة. هناك ورقة داخلية نُشرت. بسرعة سُحب النص الفرنسي، وحوصرت الترجمة العربية، وبدأت الهمسات والتسريبات، وحتى المداخلات الخارجية. بعض المطلعين يؤكدون أن مسؤولين كباراً من أكثر من دولة عربية وإسلامية، اتصلوا بمشاركين في المجمع، &laqascii117o;مستوضحين"، أو ناصحين، أو حتى مطالبين بخطوات تصحيحية. وقيل أكثر، إن مسؤولين كنسيين أنكروا وجود الورقة، أو تنصلوا من مسؤوليتها أو من واضعها، أو حاولوا التمييز بين كونها نصاً داخلياً، وبين الأوراق الرسمية للمجمع.
ماذا في تلك &laqascii117o;الوثيقة"؟ يرى الأسقف في دراسته، أن موضوع الحوار المسيحي الإسلامي، يحتل حيزاً كبيراً في منطقتنا، بين الإعلام والندوات واللقاءات. لكن برأيه هناك &laqascii117o;نقاط تجعل من هذه اللقاءات صعبة وأحياناً غير مجدية". ومنها &laqascii117o;أن القرآن يغرس في عقل المسلم الفخر بأنه الديانة الوحيدة الصحيحة والكاملة، وهي معلَّمة من النبي الأعظم، وهو خاتم الأنبياء. والمسلم هو جزء من الأمة المفضلة، ويتكلم لغة الله، وهي لغة الفردوس، أي اللغة العربية. لهذا يأتي إلى الحوار بهذه الكبرياء، وبتأكيد أنه منتصر". ثم يفصِّل النص عدداً من وقائع العقيدة الإسلامية، لجهة وضعية المرأة، وكيفية تعاطي المسلم مع المسيحي، ومسألة الناسخ والمنسوخ في الآيات التي تحاكي غير المسلمين، وخصوصاً أهل الكتاب، وصولاً إلى مسائل الجهاد والقتل والحريات الدينية في الإسلام، وغيرها من قضايا خلافية عقائدية، معروفة من الجميع، ومنسية من الجميع أيضاً، على قاعدة &laqascii117o;الصحيح حوارياً". ويسأل الأسقف &laqascii117o;المعترِف": &laqascii117o;أمام هذه الممنوعات وغيرها الشبيه لها، هل يجب أن نحذف الحوار؟ بالتأكيد لا. لكن علينا أن نختار المواضيع المطروحة، وأن نختار محاورين مسيحيين قادرين ومؤهلين، شجعان وأتقياء، حكماء وحذرين، ممن يقولون الحقيقة بوضوح واقتناع". ويخلص إلى اقتراح بالتركيز في هذا المجال، على موقع مريم العذراء. &laqascii117o;لأنها أم الكل، ستقودنا في علاقاتنا مع المسلمين، وستبين لهم الوجه الحقيقي لابنها يسوع". ويختم بالتمني لو أن &laqascii117o;عيد البشارة الذي أُعلن في لبنان عيداً وطنياً، للمسيحيين كما للمسلمين، يصبح عيداً وطنياً في بلدان عربية أخرى".
لا شك في أن في هذا الكلام جرأة كبيرة، توازي ما فيه من حقيقة تماماً. غير أنه لا يصيب العلة الحقيقية المفترضة للسينودس. وهي وردت فعلاً في أكثر من ورقة &laqascii117o;علمانية"، أعطت الجوهر المطلوب لهذا الحدث. ومفاد الأمر، أن المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط اليوم، يجدون أنفسهم في سياق مماثل لما كانوا عليه قبل قرن كامل. ذلك أنه مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان المسلمون في أزمة، من معالمها غياب هويتهم الوطنية والقومية، وصراعهم مع سلطتهم العثمانية، وعجزهم عن الإفادة من تجربة الغرب القومية، كما تعثرهم في بناء العلاقة المثمرة معه.
في ذلك السياق التاريخي، هبّ المسيحيون لأداء رسالتهم. فكانوا رواد &laqascii117o;القومية العربية". وتجاربهم تندرج تحت عنوان واحد: الخروج من الهوية الدينية. حتى نجحوا، فأعطوا العالم العربي هويته، وأعطوا أنفسهم شرعيتهم التاريخية في قلبه، وجوداً ورسالة.
ومع نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، أزمة جديدة يعيشها المسلمون في المنطقة. من معالمها مأزق الديموقراطية ونمو الإرهاب، وأزمة الحداثة والمعاصَرة، والصراع مع غرب يُستعدى ويستعدي. فهل ينجح المسيحيون في إعطاء محيطهم وأنفسهم، الحل مرة جديدة؟ وهل يقدمون للعالم نموذج &laqascii117o;الرسالة في الحرية والتعددية"، ولأنفسهم، شرعية تاريخية جديدة للوجود والحضور؟
إنه الجوهر المطلوب للسينودس المنتهي، أو البادئ لتوه...
ـ 'النهار'
المالكي حقق ثلاثة أمور لأميركا ! - 3 -
سركيس نعوم:
يستبعد المتابعون العراقيون للأوضاع في بلادهم ان يصل السيد عمار الحكيم و'المجلس الاسلامي الاعلى' الذي يرئس الى حد المواجهة مع ايران التي كانت لها 'اياد بيضاء' كبيرة عليه وعلى عائلته بعد تعرضها لظلم عراق الراحل صدام حسين. فهو يقر بمعروفها اذا جاز التعبير على هذا النحو. كما انه من المؤمنين بقيام علاقة تعاون وثيقة جداً بينها وبين العراق، وخصوصاً بعدما ساعدت التطورات منذ عام 2003 في تمكين غالبية الشعب العراقي وهي شيعية من 'ممارسة السلطة' او من التدرّب على ممارستها وإن في ظل الاحتلال الاميركي. وأهم دافع لعلاقة من هذا النوع هو اعتبار ايران الشيعية ضماناً ما دامت غالبية السنّة العرب وخصوصاً عرب جوار العراق لا تزال تصر على حكم السنّة للعراق بل على اعتبارهم غالبية فيه. الا ان ذلك كله لا يعني في رأي هؤلاء ان وظيفة السيد الحكيم هي إطاعة الاوامر والتوجيهات الآتية من طهران، فهو يدرسها ولا يأخذ الا بما يراه منها متوافقاً مع مصلحة بلاده ومصلحة طائفته والتعاون الوثيق مع الطوائف والاتنيات العراقية الاخرى وكذلك التعاون الوثيق بين بغداد وطهران. علماً انه اساساً لم يقطع الجسور مع ايران بمواقفه المعروفة، فهو لا يزال يؤكد ان 'المجلس الاسلامي الاعلى' الذي يتزعم مستمر عضواً في 'التحالف الوطني' الذي ضم السلطتين النيابيتين الشيعيتين الاكبر في مجلس النواب الجديد اللتين يتزعمهما الرئيس نوري المالكي والسيدان الحكيم والصدر. ولا يزال يؤكد ايضاً انه لن يعطّل وبأي وسيلة تأليف الحكومة الجديدة برئاسة المالكي وإن كان سيبقى في صفوف المعارضة. علماً ان المتابعين العراقيين انفسهم يرجحون ان تكون ايران تساهلت في السابق حيال 'تمرّد' السيد الحكيم او بالأحرى حيال معارضة المالكي وذلك رغبة منها في تمكينه من الحصول على حصة حكومية قد تكون اكبر حجماً ونوعاً من حجم كتلته النيابية التي لا تتعدى 19 او 20 نائباً. لكن استمراره في الخط المعارض بل الرافض للمالكي رئيساً مرة ثانية للحكومة طوى صفحة هذه المحاولة.
هل يعني التعاطي الايراني المباشر مع الأزمة الحكومية العراقية ان ايران حسمت خياراتها وتحالفاتها في العراق وقررت اعتماد حليف واحد اساسي هو الرئيس نوري المالكي و'حزب الدعوة' الذي يرئسه؟
المتابعون العراقيون انفسهم يقرون بأن المسؤولين الايرانيين المعنيين بملف العراق مارسوا ضغوطاً هائلة على حلفائهم الشيعة لجمع نوابهم الذين انتخبوا في آذار الماضي في تحالف نيابي واحد لكي يكون وازناً ومقرراً، وذلك بعدما اخفقوا في جمعهم مرشحين قبل الانتخابات. ويقرون تحديداً بأن السيد مقتدى الصدر ما كان يمكن ان يوافق على حكومة ثانية يرئسها المالكي لولا ضغوط ايران. ويؤكدون أنه لا يزال ورغم موافقته يتمنى تغيرات تمكّنه من العودة عن تأييده للمالكي. لكنهم يعترفون ايضاً بأن ضغط ايران قد يمكّن المالكي من التحوّل زعيماً احادياً لشيعة العراق، وذلك باستعماله السلطة التي تمنحه اياها رئاسة الحكومة، فضلاً عن الامكانات الحكومية المتنوعة من خدماتية ومالية وامنية وعسكرية وما الى ذلك. وينطلقون من الاعتراف الاخير هذا للتساؤل اذا كانت لايران مصلحة في دفع الشيعة العراقيين الى الولاء لشخص واحد او لجهة مقربة واحدة. هل من جواب عن هذا التساؤل؟
المتابعون العراقيون اياهم يقولون ان لايران الاسلامية الشيعية مصلحة في إبقاء شيعة العراق في منأى عن التقسيم والانقسام والتقاسم. لكن ليس لها مصلحة في جعلهم فريقاً واحداً تابعاً لشخص واحد او حزب واحد، إذ من شأن ذلك ربما افقادها تأثيرها او نفوذها داخلهم في حال استجدت تطورات وظروف اغرت 'القائد' الشيعي الأوحد بالانقلاب عليها. وعلى العكس من ذلك فان مصلحتها بقاء الزعامات الشيعية الأخرى بأحزابها وتياراتها وذلك كي تجعلهم بعضهم بمواجهة بعضهم الآخر اذا وجدت مصلحة لها في ذلك. فضلاً عن ان ايران في المحصلة، ورغم تأييدها المطلق لترؤس المالكي الحكومة الجديدة، لا تنفي وجود شكوك لها فيه او مخاوف منه. كما لا تنفي رغبتها في إقامة توازنات معه داخل الصف الشيعي تحفظ وحدته وتمنع في الوقت نفسه المالكي من الانفراد بخيارات وتوجهات وسياسات لا تناسبها. ولمن لا يتذكّر، يقول المتابعون العراقيون اياهم ان المالكي نفذ لاميركا التي تحتل العراق ثلاثة امور لم تكن ايران موافقة عليها. الاول، ضرب الميليشيات بواسطة الجيش وقوى الامن العراقية وابرزها 'جيش المهدي' (اي جيش الصدر). وقد نجح في ذلك وإن بعد شهرين من القتال الضاري. والثاني، توقيع الاتفاق الامني بين العراق واميركا (انسحاب اميركي وامور اخرى) الذي لم يكن تريده ايران على الاقل في تلك المرحلة لكنها لم تستطع ان ترفض امراً واقعاً ولأنها لا تستطيع، هي التي تقول انها مع تحرير العراق من الاحتلال الاميركي، ان تعارض اتفاقاً يحدد موعد انسحاب القوات المحتلة. اما الامر الثالث فهو إعادة عشرات وربما مئات من البعثيين الى السلطة (الامنية والعسكرية والادارية رغم وجود قانون اجتثاث البعث). وقد بررها المالكي في حينه بالحاجة الى خبراء لضرب 'الارهاب' المتنوع. علماً ان ذلك زاد الاختراقات في المؤسسات الامنية والعسكرية.
في اختصار، يؤكد المتابعون العراقيون انفسهم ان ايران تؤيد بقاء المالكي رئيس حكومة لولاية ثانية وكذلك اميركا غير 'المبسوطة' بتأييد الصدر له، رغم عداوتهما، والدافع الى ذلك التقاء المصالح بينهما. لكن هل يؤدي الالتقاء المشار اليه هذا الى تطبيع للعلاقة بينهما او الى تطبيع وتهدئة للوضع في العراق او الى حل للازمة الحكومية العراقية؟ لا احد يعرف، على الاقل حتى الآن.
ـ 'النهار'
اغتيال المقدم جاسر تآمر على الجيش
غسان الحجار:
كل الوطن في حزن، وتحديداً نحن أبناء البقاع الغربي مسقط المقدم الشهيد، ليس فقط لفقدان ضابط شاب في عز عطائه، وانما للطريقة التي يكاد يطوى فيها الملف وتسدل عليه الستارة، كأنه حادث عرضي عابر لا يحتمل التأويل والتفسير والمتابعة الدقيقة اللاحقة.
كل عسكري يحمل حياته بين كفيه، وهو برسم الاستشهاد في كل لحظة، لكن الفارق كبير جداً ما بين ان يستشهد دفاعاً عن الأرض والعرض ضد عدو محتل، أو ان يقتل غدراً في 'أرض صديقة'، وهذه هي الحال في مجدل عنجر، التي ثارت في الأعوام الماضية على الوصاية السورية، وانتفضت للاستقلال، وهبّ أهلها الى ساحة الشهداء في كل المناسبات الوطنية. وحسناً فعل أهلها أخيراً بمؤتمرهم الصحافي الذي أكدوا فيه وقوفهم الى جانب شرعية الدولة والجيش.
لكن الذي حصل في تلك البلدة البقاعية لم يكن حدثاً عادياً، ولا يجوز عدم التوقف عنده وتحليله، وربما ربْطه بحوادث أخرى حصلت في وقت سابق منذ حرب نهر البارد واغتيال اللواء فرنسوا الحاج.
فالرائد، المقدم بعد اغتياله، عبده جاسر تعرض لكمين من جهات ثلاث واطلقت عليه نحو 30 رصاصة، وسُرقت منه ومن مرافقه، الشهيد أيضاً، اسلحتهما الفردية، وعندها انتهت العملية، ما يعني انها كانت مدبرة ومعدة بعناية ودقة وعن سابق تصور وتصميم، وقد حققت أهدافها.
لم تستهدف العملية دورية الجيش بأكملها، وانما السيارة المدنية التي يستقلها الرائد جاسر، كأنه كان مطلوباً. وذكرت المعلومات المتداولة ان العملية نفذت ضد الجيش انتقاماً لمقتل عبد الرحمن عوض أمير فتح الإسلام الذي استدرجته قوة من المخابرات فيما كان ينتظر احدى السيارات الآتية من مجدل عنجر لتهريبه عبر الحدود السورية للوصول الى العراق، فلذلك لم يكن من الحكمة ارسال جاسر الى تلك المنطقة في هذا الوقت على الأقل.
وأوردت معلومات أخرى ان الرائد جاسر كان من الأبطال الذين قضوا على حركة التمرد والانقلاب على الدولة في مخيم نهر البارد، وانه ظل يلاحق فلول فتح الإسلام في أكثر من منطقة.
هذه الوقائع، بما تعني، تؤكد ان الجيش عرضة للملاحقة أيضاً، وهو مستهدف في كل حين للنيل من هيبته، وإضعافه، والتأثير على معنويات ضباطه وجنوده، وتخويفهم من الإقدام على اي عمل بطولي في مواجهة الأصوليات المختلفة، ومافيات المخدرات وسرقة السيارات، والمجموعات الإرهابية المختبئة في المخيمات أو في خارجها.
ان ما حصل في مجدل عنجر قبل أيام، ورغم محاولة التخفيف من وقعه السلبي، ومن آثاره اللاحقة، مؤامرة على الجيش واستهداف له، ويجب التنبه للأمر والتعامل معه بحزم وشدة، حتى لا تتكرر الحادثة. فالخسارة، على رغم ثقلها، يجب ان تحبط في مهدها، فلا تكون لها خطوات لاحقة، لأن كل استهداف جديد للجيش من دون محاسبة ومحاكمة، سيجعل إحصاء الخسائر في المستقبل أمراً صعباً.
ـ 'المستقبل'
المحكمة لوقف الاغتيال السياسي ووأد الفتنة رهن بمعالجة السلاح غير الشرعي
'يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحا كعاشق خط سطراً بالهوى ومحا' الأخطل الصغير
مصطفى علوش*:
منطق الاغتيال السياسي في لبنان
لم تمر بضع سنوات على نيل لبنان استقلاله حتى هيمنت الاغتيالات السياسية على الحياة السياسية في هذا البلد. وإن كان بعض هذه العمليات أخذ طابع تصفية حسابات وعمليات انتقام، ولكن معظم هذه الاغتيالات أصبح جزءاً من عملية الإدارة الإقليمية للسياسة اللبنانية المحلية. ففي الوقت الذي كانت الانقلابات العسكرية وفرض الحكم الشمولي هو الطاغي على المشهد السياسي الإقليمي أصبح العنف السياسي أو إدارة السياسة عن طريق تصفية رموزها هما السمة السلبية التي ميزت لبنان.
وقد نجحت هذه السياسة في معظم الأحيان في تغيير مسارات سياسية ناجحة وكانت أيضاً مقدمة لحروب أهلية وفتن طائفية ومذهبية.
ولو راجعنا لائحة الاغتيالات والعمليات الإرهابية التي ضربت لبنان منذ اغتيال الشهيد رياض الصلح في الأردن سنة 1951 الى الآن، لتوضح لنا حجم الكارثة خاصة إذا حسبنا تداعيات هذه الاغتيالات من حروب ودمار وخسارة للأرواح وضرب للمسار الطبيعي للدولة التي لا يمكن أن تقوم إلا على الاستقرار. وعلى الرغم من أن مرتكبي الجرائم كانوا معروفين من خلال الاتهام السياسي، لم تصل الأمور الى المحاكمة وإصدار الحكم.
لقد شكل هذا الواقع عاملاً مشجعاً على استمرار مسلسل الاغتيالات والعنف والإرهاب لأن هذه الوسيلة بإدارة المسار السياسي اللبناني أثبتت نجاحها خاصة بغياب العقاب والمحاسبة واستمرار منطق التفلت من العدالة من خلال التهديد بالمزيد من العنف بما أصبح يشبه الحلقة المفرغة.
يعني أن مسألة الاغتيالات السياسية في لبنان بقيت مجهولة من ناحية مصدر قرارها ومحرضيها ومسهليها ونادراً ما عرف الفاعلون المباشرون. لذلك فإن الخلاصة النهائية لهذه الجرائم بحق السياسيين والإعلاميين والمواطنين كانت تحفظ في أدراج المجلس العدلي وتسجّل عملياً ضد مجهول ولو كان معلوماً.
اغتيال الرئيس رفيق الحريري
وهذا ما كان يفترضه مرتكب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو أن تنتهي كسابقاتها حيث تسجل ضد مجهول الى أن يطويها النسيان، وعندما أتت لجنة تقصي الحقائق ومن بعدها لجنة التحقيق الدولية استمر مسلسل الجرائم يتعاظم وفي كل الحالات ضد القوى التي طالبت بمعرفة الحقيقة، فدخل البلد في فوضى عارمة وحالة من اليأس الجماعي الى أن دفع نواب الأمة من 14 آذار للوقوع تحت الإقامة الجبرية في خطوة أساسها حماية النظام وحماية المواطنين الذين كانوا ضحايا الصدفة في كل عملية اغتيال ولم تتوقف هذه العمليات إلا بسحر ساحر بعد اتفاقية الدوحة، ولا أعتقد أن إسرائيل كانت مشاركة في هذا الاتفاق!
لا بد أن من ارتكب جريمة بهذا الحجم، وبعد اتضاح الصورة بأن لجنة التحقيق أصبحت جدية، قام باطلاق مجموعة من المضللين الذين خلطوا الحقائق بالأضاليل لضرب مصداقية التحقيق والعودة الى استعمال هذا الملف عند دنو ساعة الحقيقة. بالمحصلة فإن المنطق العام والعلم القانوني يقولان أنه بالمعطيات الحالية لا يمكن تسمية هؤلاء الأشخاص والادعاء عليهم قبل صدور القرار الاتهامي، وربما بعد عدة جلسات من المحكمة حتى يتبين من حاول تضليل التحقيق، وربما قد يتم الادعاء عليهم أو على من حرضهم بجرم المشاركة في جريمة الاغتيال.
'درشبيغل'
هذا من الناحية العامة، أما في الملف الذي أصبح معروفاً بمقال 'درشبيغل' وتوابعه، فأنا من الناس المقتنعين بشكل كامل بأن إسرائيل هي أكثر المستفيدين من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فمن ناحية الصورة التي برز بها من اعتدال وحوار وقدرة على التواصل وشرح القضية العربية خارج الصورة الشعبوية المعهودة فهي مخالفة تماماً للصورة التي سوقتها إسرائيل عن العربي الإرهابي والمتخلف وغير القابل للحوار.
أما من ناحية لبنان الذي سعى له الرئيس الحريري فهو لبنان التعددي والمزدهر والمستقر والديموقراطي وهو النقيض الكامل لدولة إسرائيل العنصرية والمبنية على التعصب الديني. والمثال الذي يناسبها بالتأكيد هو ما يشابه وضع غزة اليوم ولبنان تحت سلطة 'حزب الله'.
كما أن استمرار الفوضى والانقسام في لبنان فسيكون عاملاً مساعداً على فرض التوطين.
ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد أطراف أخرى محلية وإقليمية ودولية كانت قد وجدت مصلحة لها تحت دوافع سياسية أو عقائدية أو سلطوية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والمهم هنا هو من قام بعملية الاغتيال ومن شارك وحرض، وليس من استفاد من الجريمة في المحصلة النهائية لأنه في كثير من الأحيان قد تنقلب الأمور بشكل لم يتوقعه المجرم قبل ارتكابه الجريمة.
الفتنة سببها سلاح الميليشيات
وأسوأ ما في الأمر الآن هو طرح مقايضة المحكمة الدولية التي برأينا سوف تصل الى الحقيقة ومن بعدها العدالة، بمنطق السلم الأهلي. وكأن الانقسام في لبنان هو في الأساس حول المحكمة الدولية، والكل يعلم أن الملف الأساسي الذي يقسم اللبنانيين هو مطروح أمام هيئة الحوار الوطني وهو معروف باسم الاستراتيجية الدفاعية وهو بالنسبة لنا يجب أن يبحث في كيفية وضع كل السلاح ومقومات القوة في لبنان تحت سلطة الدولة لأننا نرى في الوضع الحالي حيث تقوم ميليشيا تحت شعارات عقائدية فئوية ما هو إلا مقدمة لصدام حتمي عاجلاً أم آجلاً.
أما المحكمة فهي ملف ظرفي، وقد أدى اللغط والدفاع المستميت لـ'حزب الله' عن ذاته الى وضع نفسه في الاتهام وهذا يعني انه في حال نجحت الجهود القائمة حالياً في تأخير أو إلغاء القرار الاتهامي أو إلغاء المحكمة (وهو أمر مستبعد) فإن الرأي العام سيعتبر أن السطوة التي يتمتع بها من يمثل الطائفة الشيعية في لبنان هي ما منع تحقيق العدالة وهذا سيضع كل الطائفة في موقع الاتهام ظلماً.
أما في حال قيام المحكمة فسيتم محاكمة أفراد وتحصر الجريمة بهم.
لذلك فإننا نرى أن المخرج الوحيد من الحلقة المفرغة هو انتظار القرار الاتهامي ودراسته بشكل متجرد وعلمي وجنائي ومن بعدها يبنى على الشيء مقتضاه.
أما ما يطلبونه منا اليوم من خلال الاستقواء بالسلاح والتهديد بالعنف (حسب حديث السيد نصرالله المبهم وتهديدي نواف الموسوي ووئام وهاب الواضحين)، ومن خلال جهاز بروباغندا إعلامية شديد الفعالية فهو للوصول الى نتائج حاسمة في قضية الجرائم السياسية وهي: طي هذا الملف ونسيان تواريخه ومحوه بالكامل من ذاكرة اللبنانيين وذوي الضحايا من سياسيين وإعلاميين ومدنيين، وكل من يستمر بالمطالبة بالعدالة يعتبر متهماً على أقل تعديل بتعريض السلم الأهلي للخطر أو حتى بالتعاون مع الأهداف الإسرائيلية. وكأن الخطر على السلم الأهلي يأتي من معرفة المجرمين ومحاكمتهم وأن هذه العدالة موجهة لضرب تحالف الممانعة الإقليمي ومحاصرة إيران حسب قول لاريجاني أو تهديد أمن المقاومة حسب قول مؤيدي 'حزب الله'.
(*) عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل
ـ 'السفير'
المحكمة وأخواتها
مصطفى علوش:
لم يكن قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الانفتاح على الإعلام وبالتالي الجمهور اللبناني وتنظيم منتدى إعلامي في لاهاي الأسبوع الماضي مبنياً على اساس التمهيد لصدور القرارات الاتهامية التي تبدو وشيكة، ولا على قاعدة احتواء السجال المحتدم في بيروت وفي عدد من العواصم المعنية، والذي يتخلله الكثير من التكهنات والسيناريوهات. كان أقرب الى التعبير عن الرغبة في إعادة النقاش الى سوية تقنية إجرائية، تضع المحكمة في سياقها القضائي، وفي مسارها المستقل عن أي شأن سياسي، والذي يحتمل المقارنة بينها وبين بقية المحاكم الدولية او ذات الطابع الدولي. (...)
ـ 'الديار'
قدرات الحريري على مواجهة العاصفة
نزار عبد القادر:
تستمر الحملة ضد الرئيس سعد الحريري، وهي متعددة المصادر والاتجاهات والاشكال. فالمصادر متعددة وهي تعمل على تسعير الهجوم المركز الموجه ضده على خلفية القرار الظني وشهود الزور، والتي باتت تشكل واجهة تحجب الهدف النهائي والمقصود منه الغاء المحكمة الدولية، وبلسان من احتكم اليها للمطالبة بدم أبيه وباحلال العدالة كوسيلة لوقف الاغتيالات السياسية وتوفير مظلة أمنية واقية فوق رؤوس اللبنانيين.
تتوزع هذه المصادر الادوار ضمن خطة محكمة من اجل الاطباق على شخص سعد الحريري مستعملة كل اساليب الضغط السياسي والنفسي من اجل النيل من ارادته ومقاومته لمطلب ادانة التحقيق الدولي، ولرفضه السير قدما في خطة اسقاط المحكمة الدولية، بالاضافة الى التخلي عن كامل فريقه السياسي والقضائي والامني.
تتشكل هذه المصادر من عدة مجموعات لكل منها دوره واهدافه ووسائله واجندته من اجل تحقيق الوظيفة و النتائج الموكلة اليها. فهناك اولا، الفريق الاساسي الكبير المؤلف من نواب حزب الله ووزرائه، ومن ماكينته الاعلامية مع كل ما تملكه من خبرات وتجارب في شن واتقان فن الحرب النفسية، والتي فشلت اسرائيل نفسها مع كل ما تملكه من قدرات اعلامية ودعائية في مواجهتها او التدرّؤ من تساقطاتها. وتستمد هذه الفئة سيناريوهاتها واهدافها واولوياتها ونمط اندفاعها من الخطاب السياسي للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ومن توجيهاته المبنية على رصده وقراءته المتأنية لتوجهات البوصلة السياسية الداخلية والعربية والاقليمية.
وهناك ثانيا، فريق من وسائل الاعلام والصحافيين المتحالفين مع حزب الله ومع بقية قوى 8 آذار، او من هم اصلا ضد مشروع آل الحريري السياسي بكل ارتباطاته الداخلية والعربية والدولية. ويجمع هذا الفريق عدداً من محطات التلفزة والاذاعة والصحف اللبنانية. وتتركز البرامج السياسية لكل هذه المجموعة الواسعة من وسائل الاعلام على مهاجمة الموقف السياسي للرئيس الحريري وقوى 14 اذار الداعمة له، بالاضافة الى ادانة الاداء السياسي والقضائي والاداري والامني الذي يضطلع به فريق 14 اذار عموما وتيار المستقبل خصوصا في مختلف مؤسسات القطاع العام. وينضم الى الحملة التي يقودها هذا الفريق الاعلامي الكبير نواب ووزراء وقيادات وسياسيو مختلف القوى والاحزاب المنضوية تحت لواء 8 اذار. بات من الصعب احتواء مفاعيل مثل هذا الهجوم الكثيف على سعد الحريري وما يمثله في السياسة والحكم، بعدما توزعت كل هذه الشخصيات والوسائل الاعلامية مختلف الادوار، وعلى مدار الساعة، وبشكل متواصل، حتى بات من الصعب مشاهدة اي برنامج مسرحي او فكاهي او اجتماعي (بما فيه المناسبات الدينية او التعازي) دون ان يتضمن هجوما او تنديدا او نصيحة على الاقل موجهاً الى سعد الحريري وفريقه.
من الطبيعي ان نصنف اللواء جميل السيد ضمن هذا الفريق، خصوصاً بعدما تحوّل الى نجم سياسي واعلامي من خلال اطلالاته المتلاحقة على وسائل الاعلام، والتي باتت تشكل حدثا سياسيا، لا يستقطب فقط الاعلاميين وكاميرات التلفزة بل وايضا اقطاباً ووزراء ونواباً وسياسيي قوى 8 آذار دون استثناء. وشاهدنا على ذلك كان الاستقبال &laqascii117o;اللائق" وفوق العادي الذي جرى له في مطار بيروت بعد عودته من باريس. ويبدو ان نجومية اللواء السيّد الاعلامية، تدعمها مجموعة من المحامين البارعين، والمتملكين لخبرات قانونية، نجحت في ارباك الموقف السياسي في صفوف قوى 14 اذار بالاضافة الى خلخلة رتابة العمل القضائي في بيروت ولاهاي.
ويحتل موقعا مرموقا ضمن هذا الفريق عدد من الصحافيين المترددين على مواقع النفوذ في الداخل والخارج، وعدد آخر من كتبة التقارير الاستخباراتية، والاهم في اداء هؤلاء، ما ينقلونه في تقاريرهم من رسائل سياسية تتركز حول فشل الرئيس الحريري في اداء الدور المطلوب منه، خصوصا لجهة مواقفه المعلنة من قضية القرار الظني وشهود الزور ومستقبل المحكمة الدولية. وهناك من يتبرع لتوجيه رسائل مباشرة، الى سعد الحريري تدعوه لاتخاذ موقف تاريخي يختار فيه ما بين العدالة والاستقرار، او ما بين المحكمة والحرب والفتنة.
لكن وبالرغم من كثافة الرسائل الاعلامية المتوترة لهذا الفريق فان اداءه يتعرض لصعوبات ومطبات والوقوع في تناقضات لا يمكنه احتسابها او تجاوزها وذلك لاسباب لا يمكنه التحكم بها، بسبب ارتباطها ببورصة العمل الديبلوماسي الخارجي والذي تتوزع نشاطاتها ما بين دمشق والرياض وواشنطن وباريس، مع بعض التأثيرات الثانوية التي يمكن ان تأتي عبر قنوات القاهرة وانقرة ومجلس الامن.
اما الفريق الثالث الذي يشكل القوة الخفيّة المحركة للحملة صعوداً ونزولاً فهو موجود خارج الحدود، ويضطلع هذا الفريق باحداث صدمة مدوية بين الحين والآخر، وتكون هذه الصدمة ايذاناً بالانتقال من مرحلة استنفدت مفاعيلها الى مرحلة جديدة قد تستدعي الوقاية من نتائجها الدعوة لعقد لجنة من الوسطاء او الحكماء الداخليين او الخارجيين، وهذا ما شهدناه بالصورة والصوت خلال الاسبوعين الماضيين.
ويأتي في سياق هذه الصدمات &laqascii117o;المزلزلة" التي تعرض لها سعد الحريري وفريقه السياسي والقضائي والامني، الهجوم الذي شنّه اللواء جميل السيد على رئيس الحكومة والذي بلغ مستوى التهديد الشخصي بالاقتصاص منه. ويبدو ان اللواء السيّد قد حصل على ضوء اخضر، وعلى تشجيع غير مسبوقين لشن مثل هذا الهجوم، وهذا ما اكدته الحماية التي وفرها له حزب الله بعد عودته من باريس. وكانت الصدمة الثانية &laqascii117o;المرهبة" من خلال صدور مذكرات التوقيف باسماء 32 شخصاً بتهمة انهم شهود زور، مع كل ما تضمنته هذه اللائحة من اسماء بارزة تحتل مواقع مرموقة، على الخريطة السياسية والقضائية والامنية.
وجاءت الصدمة الثالثة من خلال التصريح عن&laqascii117o;الهياكل الكرتونية" التي تمثلها قوى 14 آذار والذي جاء في المقابلة التي ادلى بها رئيس وزراء سوريا محمد ناجي العطري قبل ايام معدودة، والتي اثارت عاصفة من الردود السياسية تركزت على ان تصريحه يأتي ضمن سياسة التدخل في الشأن اللبناني الداخلي.
يملك الرئيس الحريري العديد من الوسائل الاعلامية من اجل الرد على اصحاب الحملة الموجهة ضده، كما يستفيد من دعم العديد من وسائل الاعلام العربية والدولية، والتي تعتبر في حالة استنفار دائم للدفاع عن مواقف الحكم اللبناني وايضا في شن حملة لتبرير مواقف رئيس الحكومة، ودعم ما يقوم الادعاء العام والمحكمة الدولية.
لكن تبقى المساعدة الفضلى متمثلة بالعمل الديبلوماسي الدؤوب والفاعل، والذي تضطلع به عواصم القرار والرياض والامم المتحدة من اجل الحفاظ على الاستقرار ودعم رئيس الحكومة سعد الحريري وحكومته. ويبدو ان هذا الدعم الديبلوماسي العربي والدولي، وكان ابرزه ما حدث في قمة الرياض، قد نجح في احتواء العاصفة وتبديد قوتها المدمرة، حيث بدأنا نشهد تبدلاً في لهجة الخطاب السياسي الداخلي، وفي مستوى التهديدات بالحرب والفتنة.
هناك مؤشرات تشجع الرئيس الحريري على الصمود في وجه هذه الحملة، وهي توحي بالاستنتاج بان المعركة الاستباقية للقرار الظني قد فشلت، لتخلي المكان لمعركة جديدة تدعو لاحتواء مفاعيل هذا القرار بعد صدوره.
من هذا المنطلق لا بد من دعوة الناصحين باستقالة سعد الحريري في مجال رده الحاسم على ما يتعرض له من ضغوط، الى لجم اقلامهم وسحب دعواتهم، لانها انهزامية، وتأتي في غير محلها، وهي لا تخدم مشروع الدولة او مستقبل سعد الحريري.