قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 27/10/2010

ـ صحيفة 'الشرق الأوسط'
شقيقة زوجة بلير شيعية
عبد الرحمن الراشد:

في وقت كان ينتظر الإيرانيون أن يأتيهم الفرج من ضائقتهم السياسية والاقتصادية هبطت عليهم السيدة لورين شقيقة زوجة توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، عدو إيران اللدود، معلنة إسلامها. فالأخت لورين أعلنت تحولها إلى الإسلام وزارت مدينة قم الدينية الإيرانية، وبعد أقل من ستة أسابيع من معرفتها بالدين الإسلامي أصبحت متحدثة ومدافعة وفيلسوفة في شؤونه، وهي أكملت - كما تقول - ستين صفحة من قراءة القرآن.
ومع أن اعتناقها الإسلام أمر شخصي لا يحق لأحد أن يعترض عليه، إلا أن ما يستوجب الاعتراض أن قريبة بلير هذه تبدو متحمسة جدا لنظام طهران أكثر من الإيرانيين أنفسهم، ربما تأثرا بالمناخ الذي تعيشه؛ حيث تعمل في محطة &laqascii117o;برس تي في" المملوكة للحكومة الإيرانية في لندن، التي تذيع باللغة الإنجليزية. وقد عبرت لورين عن تأثرها بما رأته في إيران، وادعت أن الناس هناك متحمسون لتحمل الجوع والحصار تضامنا مع الشعب الفلسطيني! طبعا نتفهم أن تصبح شيعية، فهذه قناعة شخصية، لكن أن تتحول إلى متحدثة باسم الشعب الإيراني، وخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، فلتسمح لنا أن نختلف معها. ثلاثة ملايين إيراني تظاهروا قبل عام ونصف العام ضد أحمدي نجاد، وسياسته، وتزوير الانتخابات، وتم قمعهم، لتأتي شقيقة زوجة بلير تحاضر علينا كيف أن الإيرانيين متحمسون لتحمل العقوبات تضامنا مع الفلسطينيين، ولا علاقة للفلسطينيين بمعاناة أهل إيران.

توني بلير لا يستطيع أن يحاضر على أخت زوجته؛ لأنه نفسه أعلن اعتناقه الكاثوليكية بعد أيام من خروجه من رئاسة الوزراء؛ حيث كان قبل ذلك بروتستانتي المذهب، مثل معظم الإنجليز. والتحول من مذهب إلى آخر في المسيحية لا يقل إشكالا عن التحول بين الشيعية والسنية في الإسلام، له حساسيته وإشكالاته الاجتماعية. إذن، لورين ليست المتمردة الأولى في العائلة، بل زوج أختها أيضا، كما أن أختها شيري، زوجة بلير، محامية بارزة في الدفاع عن حقوق الإنسان في المحاكم البريطانية وقد ترافعت عن قضايا لمسلمين في بريطانيا.

وقد قوبل إسلام لورين من الإعلام البريطاني بين الاستغراب والسخرية. ومن الطبيعي أن ترتفع حساسية البريطانيين الذين ضاقوا ذرعا بأخبار المسلمين المتطرفين الذين يستمتع إعلام الصحف الصفراء بترديد أقوالهم وإساءاتهم للمجتمع البريطاني. فقد صار المسلمون السيئون يملأون الصحف المحلية بأخبارهم السلبية، بالتحريض، وتأييد تنظيم القاعدة، واستفزاز رموز البلاد مثل دعوة ملكة بريطانيا لاعتناق الإسلام، أو حتى توجيه الإهانات علانية كما قال أحدهم إن بريطانيا له مجرد بلد مؤقت للحاجة، مثل دورة المياه.

ولسوء حظ المسلمين أن لورين، التي صارت محل الاهتمام بسبب إسلامها، ليست امرأة ذات أهلية للدافع عن الإسلام، أو صاحبة سجل حافل يحترمه المجتمع حتى يقتنع بها وبما تتحدث عنه. بل هي امرأة بسيطة أعجبت بالإسلام من خلال محيطها الذي عاشت فيه في المحطة الإيرانية وصارت مبهورة بما يفعله أسوأ نظام في العالم الإسلامي، أي الإيراني، تدافع عنه وعن مواقفه!
لكن من سماحة بريطانيا أنها تؤمن بالقول: &laqascii117o;دع الخلق للخالق"، فمن أراد أن يستنكر على أخت زوجة بلير إسلامها هو حر في ذلك، لكن لا أحد يستطيع منعها أو تكفيرها.

 
ـ 'السفير'
عن العراق ولبنان... والفتنة!
طلال سلمان:

ليس لدى أهل النظام العربي فائض من الوقت للاهتمام بالوقائع المرعبة التي نشرها موقع ويكيليكس عن حجم الكارثة التي تسبب بها الاحتلال الأميركي للعراق في السنوات السبع الماضية. بل ان الطبقة السياسية التي جاءت بمعظمها على ظهر دبابات الاحتلال وحكمت أو تحكّمت بالعراقيين في ظله وتحت أعلامه لم تر في تلك الكارثة إلا ما يفيد بعضها في إدانة البعض الآخر أو في تشهير من هم خارج السلطة، في هذه اللحظة، بمن هم في سدتها، مع أن الكل شركاء إذ انهم تناوبوا عليها جميعاً.
فأما الإدارة الأميركية فلم تر في نشر الوثائق إلا ما يمكن أن يشكله من تهديد لقوات الاحتلال وللمتعاونين معها من العراقيين.
وبرغم أن الأرقام التقديرية التي نشرها موقع ويكيليكس موثقة لا تتجاوز المئة وتسعة آلاف قتيل، في حين أن الملفات السرية التي تحتفظ بها القيادة العسكرية الأميركية تشير إلى 285 ألف ضحية... في حين أن مجلة &laqascii117o;ذي لانسيت" البريطانية ذكرت في تحقيقات موثقة أن عدد الضحايا، حتى العام 2006، كان قد بلغ 655 ألفاً.
وأما المواطنون العراقيون أنفسهم فيقدرون ـ نتيجة المعايشة والمعاينة ـ أعداد ضحاياهم بما يتجاوز المليون، هذا مع تجاوز حقيقة أن أكثر من أربعة ملايين عراقي قد ارتحلوا لينجوا بأرواحهم إلى سوريا والأردن وجهات أخرى كثيرة، وأنه لا يكاد يخلو بيت من بيوت العراقيين من أرملة أو أيتام أو &laqascii117o;مختفين"، بما يجعل المآسي هي الجامع الوطني الأساسي بين أهل الرافدين.
وها ان أبناء الطبقة السياسية (المستجدة) يواصلون صراعهم على السلطة في البلاد التي كانت مزدهرة فدمرت، وكانت غنية فأفقرها النهب المنظم الذي باشره الطغيان ثم جاء الاحتلال يكمل المهمة &laqascii117o;بكفاءة أعلى" وبطريقة &laqascii117o;شرعية" إذ انه يستند الى قرار انتزع من مجلس الأمن الدولي (إياه)، سرعان ما اعترف به أهل النظام العربي بعضهم بالرغبة وبعضهم الآخر بذريعة الخضوع للشرعية الدولية وبعض ثالث بذريعة عجزه عن مقاومة تيار التأييد الجارف للخلاص من حكم الطغيان، مع التذكير بأن ذلك الحكم قام بأعظم مغامراته بتأييد من &laqascii117o;الشرعية الدولية" مموهة، و&laqascii117o;الشرعية العربية" متسترة..
هل من الضروري التذكير بالمذابح التي ارتكبتها مرتزقة &laqascii117o;بلاك ووتر" والنهب المنظم الذي مارسه أول حاكم عسكري أميركي بول بريمر.
[ [ [
طبعاً ليس بين أهل النظام العربي، فضلاً عن السلطة التي تبحث عن رئيس في العراق، من هو مستعد لمساءلة الاحتلال الأميركي أو لمحاسبته عن جرائمه، وهي قد جرت أمام العالم أجمع، واستفزت كرامة الشعوب فأخرجتها في تظاهرات مليونية (حتى لا ننسى الحشود الغاضبة في لندن خاصة، وفي سائر العواصم الغربية)..
وليس بين الطامعين في اقتناص السلطة في بغداد من يجرؤ على محاسبة القتلة وأبطال المذابح الجماعية، سواء أكانوا جنود الاحتلال أو كانوا ينتمون إلى تنظيمات تدعمها إيران، كما يشير موقع ويكيليكس، أو إلى &laqascii117o;القاعدة" التي تفرعت فصار لها &laqascii117o;صحوات" و&laqascii117o;مجلس عشائر" منظمة في فصائل مسلحة، كما أنبتت مواجهتها ميليشيات مسلحة ترد على القتل بالقتل.
الأخطر أن ليس بين هؤلاء جميعاً من يهتم ليس فقط بمستقبل العراق المنكوب ألف مرة، بل بسائر الأقطار العربية التي تتهددها مخاطر الفتنة، بعدما نجح الاحتلال ومن معه في حرف الصراع عن طبيعته كمقاومة وطنية ليصير اقتتالاً أهلياً بذريعة موقعه في السلطة و&laqascii117o;حقه" في احتكار القرار، بينما القرار سيظل ـ حتى مدى زمني طويل ـ خارج العراق و&laqascii117o;مكوناته" جميعاً، ريثما يتنبّه من يحرص على هذه الدولة العربية المؤثرة (ولو من أجل أن يحكمها) فيبادر إلى التوافق والتلاقي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
والمأساة عربية بامتياز، وهي شاملة وليست محصورة في العراق وحده، فألسنة نيران الفتنة (التي تقفز من فوق الاحتلال والطغيان) تطاول العراقيين في طوائفهم ومذاهبهم كي تكون المذبحة شاملة فتدمر البلاد وأهلها.
الضحية الأولى لكارثة العراق ـ بعد العراقيين ـ هي فلسطين، القضية والأرض والشعب..
وبعد فلسطين مباشرة ومعها يحتل لبنان المرتبة الثانية، في حين يتقاسم المراتب التالية سائر أقطار الجزيرة والخليج من الكويت وحتى اليمن..
لقد حوّل الاحتلال الأميركي، مفيداً من إرث الطغيان، العراق من رصيد عظيم للنضال الوطني العربي من أجل التحرر والتقدم والوحدة، إلى أرض خراب، وإلى مصدر للخطر على أشقائه الأقربين وعموم أهله.
وفي ما يعنينا في لبنان، ونحن قد اكتوينا مرات، من قبل، بنيران الحروب الأهلية، التي كانت في الغالب الأعم القناع السياسي للفتنة الطائفية، فإن علينا أن نتعظ ونتنبه إلى أن الصراع على السلطة سرعان ما يمكن تحويله إلى فتنة طائفية أو مذهبية لا تبقي ولا تذر، خصوصاً أن &laqascii117o;الدول" حاضرة للنفخ فيها، قبل أن نتنبه إلى دور إسرائيل التي استثمرت هذا الغياب العربي، أو الانشغال بمكافحة الفتنة، في إعلان ذاتها &laqascii117o;الدولة اليهودية الديموقراطية"... تمهيداً لأن تفرض نفسها الدولة الوحيدة في هذه المنطقة المغيبة شعوبها عن القرار بالطغيان المؤدي إلى الفتنة، أو بالاحتلال ولاّدة الفتنة.
وكما تعلقت آمال اللبنانيين بالتلاقي السوري ـ السعودي من أجل منع الفتنة في لبنان وإعادة الصراع إلى جذره السياسي، فإنهم يتمنون أن ينجح هذا التلاقي مجدداً في منع الفتنة في العراق، بإلزام الطبقة السياسية العراقية بتفاهم على تقاسم السلطة يحمي أرض الرافدين من خطر التقسيم... خصوصاً أن هذا التلاقي لا يتعرض لمحاسبة من استفاد من كوارث الماضي في العراق بقدر ما يهتم باستنقاذ الغد العراقي، ومعه الغد العربي، أو ما تبقى منه.


ـ 'النهار'

المعارضة 'فوّتت' الانقلاب كالأكثرية عام 2005 / إيران تلتف على سوريا وتعيد برمجة علاقاتها اللبنانية / هل فوّتت المعارضة فرصة 'الانقلاب' على الاكثرية كما فوتت 14 آذار فرصة اطاحة الرئيس اميل لحود عام 2005؟
هيام القصيفي:

الواقع ان ثمة تشابها جوهريا في مقاربة المرحلتين، مع وجود اللاعبين انفسهم منذ ذلك الحين. وقوى 14 آذار التي كانت تملأ الساحات في تلك الاشهر التي اعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصلت في بعض مناقشاتها في الكواليس وفي العلن الى حد وضع تفاصيل دقيقة عن الوصول الى قصر بعبدا وحشد التظاهرات حوله، لاجبار لحود على التنحي، ولاتخاذ خطوات متقدمة اكثر. ومن رافق تلك الفترة يذكر ما قام به حينها الجيش من تطويق كامل لكل الطرق المؤدية الى القصر الجمهوري لمنع الوصول اليه، فيما كانت شخصيات 14 آذار تدرس احتمالات الربح والخسارة في القيام بالخطوة الاستثنائية.
لكن ليس التريث وحده الذي أضاع فرصة الانقلاب، بل كان وراءه عنصران جوهريان، الاول داخلي وهو رفض البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير اللجوء الى خيار مر هو تنحية رئيس الجمهورية الماروني بالقوة قبل انتهاء ولايته، ولو عن وجه حق. والثاني دخول الاتصالات الدولية مرحلة متقدمة، ومساهمة العواصم الكبرى في تهدئة موقف قيادات 14 آذار، ومن بينها الدور الذي اضطلعت به واشنطن في ابقاء شعرة معاوية مع لحود وابقائه في القصر الجمهوري.
قبل شهر من الآن، وقفت المعارضة موقف الاكثرية الحالية قبل خمسة اعوام. اذ بدا واضحا ان قيادات المعارضة تسير بتؤدة نحو خطوات استثنائية للامساك بمفاصل السلطة تدريجا، عبر شلّ المؤسسات الرسمية والتحكم في مفاصل الحياة السياسية، وصولا الى الاطباق على ما تبقى من الحكم الاكثري الذي ينهار تدريجا امامها.منذ شهرين تجمع المعارضة اوراقها في سلة واحدة، اذ نالت من الحريري اعترافا بشهود الزور، وانتزعت منه الانفتاح غير المشروط على سوريا، فيما وضعت فوق رأسه سيف التغيير الحكومي. وحصلت من الاكثرية على تراجع مطرد في مقاربة الوضع الداخلي تحت هاجسي الحرب والفتنة، في وقت سجل 'حزب لله' حضورا متقدما في ملف المحكمة الدولية. وكذلك افادت المعارضة من تضعضع فريق الاكثرية وتراجع قيادات الصف الاول عن المواجهة، بعدما باتت محصورة بشخصيتين او اكثر بقليل، من دون ان تستعيد هذه القوى الألق الذي عاشته عام 2005 ولا حتى ابان الانتخابات النيابية الاخيرة.
في ميزان المعارضة انها كانت على قاب قوسين من الانقلاب الجذري. لكن لعبة الوقت ارتدت عليها، فخسرت الفرصة التي كانت بين يديها، بسبب تجمع عوامل عدة محلية واقليمية، ساهمت في تراجع المنحى الانقلابي لمصلحة خلخلة الوضع الحكومي الداخلي.لم تكن زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لتشكّل نقطة تحول بالمعنى الاستراتيجي للدور الايراني في لبنان، لا بل أمكن التعامل معها على انها لم تضف جديدا في السياق الذي ارادت طهران اظهاره للعالم العربي والانظمة السنية، في تحويل لبنان مدى حيويا لها. كانت هذه رؤية الرياض ومصر، اللتين تعاملتا مع الحدث الايراني بعقلانية مطلقة، لكونه ارتدّ سلبيا على طهران، وليس كما حاول الرئيس بشار الاسد ايحاؤه في لقائه مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزير في مطار الرياض.
تدرك الرياض ومصر، وكذلك دمشق، جوهر المحاولة الايرانية 'التسلل' الى قلب المجتمع اللبناني، كما حاولت سوريا القيام به منذ عام 1975، والسياسة الجديدة التي تتبعها ايران عبر ديبلوماسيتها في لبنان 'باللغة العربية' عبر الانفتاح المطلق على معظم القوى السياسية يمينا ويسارا. وهو امر سبق ان قامت به من منظار مختلف ابان حكم الرئيس محمد خاتمي الذي ترافق مع قيام 'لقاء قرنة شهوان' في بيروت.
والمقاربة الايرانية الحديثة تفترض ادوات جديدة، منها تطبيع الوضع اللبناني وتهدئته في المدى المنظور لصياغة دور مستقبلي اكثر فاعلية. من هنا كانت تجربة ايران في التعامل مع الملف النووي نموذجا للمعارضة، او بالاحرى لـ'حزب الله' في التعامل مع المحكمة الدولية. فكلا الملفين سيف مصلت على رأس طهران وربيبها اللبناني. ولكن بقدر ما كسبت طهران قدرا وافرا من الطمأنينة في إمرار الوقت والعمل مع العقوبات الدولية على انها امر واقع، يمكن 'حزب الله' ان يحاكي التجربة الايرانية ويتعامل معها على انها معركة وليست حرباً، تماما كما قال يوما الامين العام لـ'حزب الله' السيد حسن نصر الله في مقاربة حرب تموز 2006.
وفي موازاة طهران، أدت السعودية ومصر دورين متقدمين في قلب موازين القوى. فالرهان على خفوت الدور المصري بسبب الانشغال بتوريث الرئيس حسني مبارك نجله جمال، حسمته مصر مع تأكيد الذهاب في خيار 'التجديد' او ترشيح مبارك الاب مجددا للرئاسة المصرية، بتشجيع اميركي عبّر عنه اكثر من مركز استراتيجي اميركي للابحاث، وهذا يعني سلوك مصر مجددا الطريق نفسه في مقاربة الملفات اللبنانية والفلسطينية والعراقية، وكل هذه الملفات على تماس مع ايران ومع دمشق، ولا يخفي أي من مسؤولي البلدين شعورهما النافر حيال الآخر.
اما التحول الاكثر بروزا فكان موقف الرياض، في 'قمة المطار' التي سمع فيها الاسد كلاما مختلفا عما سمعه في القمم الثنائية السابقة. فما كانت وعدت به الرياض في الضغط لتأجيل القرار الاتهامي، وتحدث زوار دمشق قبل نحو شهرين من الآن عن ارجائه الى ما بعد عام 2010 تبدل جذريا بعد الدعم السوري لترشيح نوري المالكي لرئاسة الحكومة العراقية. وهذا يعني ان السعودية صارت في حل من اي ضغط تمارسه دوليا، (رغم ان الكلام على ضغط سعودي يسبب حساسية لكل من يتعاطى الملف القضائي الدولي) لوقف مسار القرار الاتهامي. بل ان ثمة من نقل كلاما سعوديا مفاده ان الرياض تخشى ان يصبح لبنان تحت رعاية المجتمع الدولي اذا ما واجه أي طرف فيه بالقوة العسكرية القرار الاتهامي.
بين هذه المحاور، تحاول دمشق النفاذ، فيما لم تغب واشنطن عن خط متابعة مجريات الاحداث السورية وانعكاسها اللبناني. بل ان مجريات الاحداث دلت على انه في هذه الفترة الزمنية منذ عام من الآن، كانت دمشق تتحدث بثقة مطلقة عن عودة السفير الاميركي اليها، وهي الآن تروج لكل لقاء يجريه اي موظف او مسؤول اميركي يزور دمشق، مهما تكن رتبته. لكن دمشق تدرك بعد لقاء الملك السعودي ان ثمة متغيرات يجب التعامل معها، وان أي تحرك لبناني لم تعد لها اليد الطولى فيه، رغم محاولتها استعادة بعض حلفائها السابقين، بعد تقدم الدور الايراني في صفوف المعارضة. وقول الاسد في 'الحياة' ان طهران تتعامل مع لبنان في العموميات، ولا تعرف التفاصيل اللبنانية مثل سوريا، يحمل اشارات لايران اكثر منها للبنان.
من هنا عاد الوضع الداخلي اللبناني الى نقطة المراوحة، والى المربع الاول، فغابت اخبار الانقلاب لمصلحة المراوحة. وعادت اللعبة الداخلية للتحرك على وقع اخبار مناقشة الموازنة والفساد والاصلاح والكهرباء و'سوكلين' في لعبة انتظار جديدة كي تنكشف معالم التحرك في المنطقة في ضوء الانتخابات الاميركية النصفية وتشكيل الحكومة العراقية.


ـ 'المستقبل'

تمييز الأسد بين 'حزب الله' كفصيل أساسي وبين المقاومة كمبدأ عام يمكنه أن يفتح ثغرة على طاولة الحوار / معطيات جديدة لبحث مسار العلاقات السورية ـ الإيرانية
وسام سعادة:  

ازدهر نوع جديد من الأدبيات السياسية في السنوات الأخيرة. إذ راجت مقاربات وتحليلات وترجيحات ومراهنات كثيرة ومتباينة، تتناول واقع وآفاق العلاقات السوريّة الإيرانيّة، وأثر الإنفتاح الغربيّ الجزئيّ على سوريا، أو أثر العلاقات العربيّة العربية المستأنفة بعد قمّة الكويت، أو أثر التفاتة تركيا نحو 'عمقها الإقليميّ'، على هذه الرابطة الإستراتيجية القائمة بين البلدين، أو النظامين، منذ انتصار الثورة الإسلامية ونشوب الحرب الإيرانية العراقية وإلى اليوم.
قيل الكثير في العلاقات السوريّة الإيرانية، وما إذا كان مقدّراً لها أن تتطور للحدّ من التناقضات القومية والأيديولوجية والسياسية وتكريس وحدة المنظومة الممانعاتية، أو أن تسلك درباً أكثر تعقيداً، يفضي في مرحلة أولى إلى تعزيز 'اللامركزية' ضمن هذا التحالف الممانع، ويمكنه أن يؤمّن في مرحلة ثانية التخفيف من حدّة 'التمحور' على الصعيد الإقليميّ، وهناك أيضاً من طرح المسألة تحت عنوان حسابات 'التقارب والتباعد' و'التفاضل والتكامل'، أو تحت عنوان تعقيدات 'الإرتياح والإرتياب' و'الإطمئنان والتوجّس' ما بين سوريا وإيران.
أيضاً هناك من خاض في المسألة على الصعيد الإقليميّ ككل، وهناك من أزاح الملفات عن بعضها البعض، معطياً الحيّز الخاصّ لكل منها، فهناك الملفّ العراقيّ وهناك اللبنانيّ والفلسطينيّ، وهناك البرنامج النووي وأسلوب تعاطي كل من سوريا وإيران مع وكالة الطاقة الذرية، وهناك الملفّ السوريّ من عملية السلام في الشرق الأوسط.
ما زال هذا النوع الجديد من الأدبيات السياسية يتوالى تباعاً. فيه الجدّي والعميق، وفيه الكالح والعبثيّ. ومنه الشيّق ومنه الرتيب. بعضه متفائل وبعضه الآخر متشائم. منه ما كتب بلغة أكاديميّة ومنه ما كتب بلغة صحافية، منه ما يمحو ليله نهاره ومنه ما يتحلّى بقدر من الثبات والصدقية. قسم من هذه الأدبيات ينطلق من الواقع الملتهب لسياسات الهوية الإثنية والمذهبية والطائفية في المنطقة، وقسم آخر يقفز على كل واقع، ولا يرى الى المسألة إلا من باب ثنائية 'الممانعة' و'الإستعمار' (المندحر!)، بل الأصح القول إنه يرى إلى المسألة حصراً من باب 'ممانعة' تقاوم 'أعوان المستعمر' بدلاً عن المستعمر (المندحر!).
والممانعة في هذا المجال، خصوصاً النجادية، تتبنّى بنفسها التهمة التي توجّهها هي ضدّ المستعمر. هي تتهمه بأنّه 'يقسّمنا'، وبأنّه سواء من خلال 'إستعماره غير المباشر' أو من خلال 'تدخّله المباشر' إنّما يواظب على 'ضخّ الفتنة المذهبية إلينا'. لكننا نجد عملياً أن الممانعة نفسها هي التي تقيم تقسيماً عنيفاً وعنفياً داخل كل مجتمع، بين من يمانعون المستعمر عن بُعد أو في المواسم، وبين من يُتّّهمون بإعانة المستعمر حتى بعد غيابه أو رحيله.
أيّاً يكن من شيء فإنّ النوع الجديد من الأدبيات السياسية المثبّتة أو المراجِعة للرابطة الإستراتيجية بين سوريا وإيران هو نوع مزدهر. وقد جاءت مقابلة الرئيس السوري بشّار الأسد مع الزميلة 'الحياة' لتقدّم أفكاراً، ومعادلات، لا بدّ من من أخذها بعين الحسبان.
يقول الرئيس السوريّ 'لا يوجد أي تطابق بين أي دولتين في أي قضية، ولو كان هناك تطابقاً لما التقينا في شكل متكرر أنا والمسؤولين الإيرانيين في قمتين خلال فترة قصيرة'. ويميز بين الحالتين العراقية واللبنانية بالقول 'العلاقة الجغرافية بين سوريا ولبنان ليست كالعلاقة الجغرافية بين العراق وايران، الوضع يختلف. في لبنان لا تدخل ايران في التفاصيل بل في العموميات، فهي مثلا يهمها دور المقاومة، وهذا هو موقف سوريا، وفي هذا الاطار نستطيع ان نقول نعم هناك تطابق. بالنسبة الى ما نطرحه عن ضرورة ان تكون العلاقة جيدة بين القوى اللبنانية، والحوار اللبناني، والاستقرار اللبناني، بالنسبة الى هذه المصطلحات هناك تطابق' لكنه يضيف 'الفرق ان سوريا تعرف التفاصيل اللبنانية أكثر من ايران في السنوات والعقود التي مرت فلا نستطيع ان نقارن'.
الحديث يبرز هنا اتجاهين: تريد سوريا من ناحية أن يكون التوازن هو القاعدة المعتمدة في التحالف الإقليمي السوريّ الإيرانيّ، وتعتبر من ناحية أخرى أن هذا التوازن لا يستقيم إلا بحسم وإيضاح ضرورة ان يقرّ هذا التحالف بأولوية وجهة النظر والأسلوب السوريين على وجهة النظر والأسلوب الإيرانيين في ما يتعلّق بالشأن اللبنانيّ. فهذا هو المدلول المعياريّ والعمليّ في آن لمقولة أن سوريا أعلم من إيران بالتفاصيل رغم التطابق في العموميات.
السؤال إذاً: هل يتطوّر الواقع اللبنانيّ، وواقع السياستين السورية والإيرانية تجاه لبنان، نحو حسم الأمر على هذه الطريقة أو في اتجاه مختلف؟.
يمكن أن تحضر عناصر متباينة للإجابة على هذا السؤال، لكن هناك عنصراً مهماً يتضمنه كلام الرئيس السوريّ حيث ميّز بين المقاومة كمبدأ، وبين 'حزب الله' كفصيل أساسي، وقال ان الموقف السوري في هذا المجال 'يمر عبر الموقف من المقاومة ولا يمر عبر الحزب كحزب'.
وهذا طبعاً لو اعتمد لبنانياً لشكّل ثغرة في السياج الحائل دون تثمير طاولة الحوار. فبمجرد أن لا تعود مقولة 'لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته' مساوية لمقولة 'لبنان بشعبه وجيشه وحزب الله' يكون بالإمكان التقدّم على طريق تفكيك المعضلة.
نحن إذاً أمام معادلتين مهمّتين: سوريا أعلم من إيران بالتفاصيل، و'حزب الله' هو 'فصيل أساسي' في المقاومة وليس مطابقاً بكليته للمقاومة كمبدأ أو حتى للمقاومة كمجال يقع على طاولة الحوار تحديده.
طبعاً لا تسمح هاتين المعادلتين بالذهاب بعيداً لصياغة نظرية ثابتة حول مسار العلاقات السورية الإيرانية، وفي الوقت نفسه تشكل المعادلتان حدثاً في هذا المسار. ويستكمل الحدث بالمعادلة الثالثة التي طرحها الرئيس السوريّ بشأن المحكمة 'من لديه الدليل فليقدمه وانتهى الموضوع'.
هذه المعادلات الثلاث لا بدّ من الإلتفات إليها بتمعّن وتأنّ، وبنوع من الإيجابية النقدية الحذرة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد