ـ 'المستقبل'
عندما يؤكد نصر الله أن المحكمة ستتهمه!
فادي شامية:
رغم أن أحداً من السياسيين اللبنانيين لم يتهم 'حزب الله' بجريمة اغتيال الحريري أو بأي من الجرائم التي تلتها، ورغم ان أحداً لا يسعه تقديم شيء أكيد عن القرار الاتهامي المرتقب، لا لجهة المضمون ولا لجهة التوقيت، ورغم أن بلمار أعلن أنه لم يكتب القرار الاتهامي بعد، وأنه هو 'الشخص الذي يمتلك معلومات عن هذه القضية'... رغم ذلك كله فإن 'حزب الله' مصرٌ على 'اتهام نفسه'؟!
أن يكون 'حزب الله' متأكداً من اتهام القاضي بلمار له، إلى الدرجة التي تجعله يرهن مصيره ومصير البلد بهذا الاتهام، فإن الأمر يدعو للتعجب، لكنه يدعو أيضاً للتفكر؛ فما الذي يجعل 'حزب الله' متأكداً إلى هذه الدرجة؟
في الواقع؛ فقد أعطى 'حزب الله' تبريرات عديدة حول تكوّن هذه القناعة لديه، منذ إعلان السيد حسن نصر الله الحرب على المحكمة في مؤتمره الصحافي في 25/7/2010:
في البداية استند نصر الله إلى تصريح رئيس أركان العدو، غابي أشكينازي، في 6/7/2010، الذي قال فيه: 'إن لبنان قد يشهد توتراً في أيلول على خلفية تقرير المحكمة الدولية'. اعتبر نصر الله أن أشكينازي ما لكان لينطق بما نطق به لولا أنه 'يملك معلومات عن توجه المحكمة الدولية لاتهام حزب الله بجريمة اغتيال الحريري'. واللافت أن نصر الله رفع من مصداقية تصريح أشكينازي إلى درجة جعلته يصف المحكمة بأنها 'محكمة إسرائيلية'.
والواقع أن تصريح أشكينازي لم يكن السبب الحقيقي وراء قناعة 'حزب الله' بأن مدعي عام المحكمة سيتهمه، لسبب بسيط، هو أن هذا التصريح لم يكن جديداً على الإطلاق، ففي 16/2/2005، أي بعد يومين من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قال وزير خارجية العدو الإسرائيلي سيلفان شالوم: 'إن إسرائيل لا تستبعد فرضية ضلوع حزب الله في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري'. وفي 17/2/2005، أي بعد ذلك بيوم واحد نشرت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' العبرية تقريراً يتحدث عن أن 'شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بلورت تقديرًا جديدًا يحمّل منظمة حزب الله اللبنانية المسؤولية عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، وذلك خلافـًا للتقديرات السابقة التي تحمّل سوريا المسؤولية عن العملية'. وقد أسهبت الصحيفة في نشرها أسباب هذا التقدير الجديد!.
مرّ أيلول وبعده تشرين، ولم يصدر القرار الاتهامي الذي تحدث عنه أشكينازي!، فعاد 'حزب الله' للحديث عما نشرته مجلة 'دير شبيغل' في أيار من العام الماضي، وأن القرار الاتهامي 'هو ذاته الذي نزل في دير شبيغل'، كما عاد وكرر السيد نصر الله في كلمته الأخيرة في 28/10/2010.
لكن الحقيقة أن ما كتبه الصحافي إريك فولاث في 'دير شبيغل' لا يشكل هذا 'اليقين' الذي يخبرنا عنه نصر الله اليوم، لسبب بسيط أيضاً، هو أن نصر الله نفسه، وفي معرض تعقيبه على التقرير قال في 25/5/2009 إنها 'ليست المرة الأولى التي تذكر فيها صحفٌ اتهاماتٍ، وتلفق فبركاتٍ من هذا النوع'، وإن التقرير (دير شبيغل) 'اتهام إسرائيلي وسنتعاطى معه على أنه اتهام إسرائيلي'. فما الذي حوّل 'الاتهامات والتلفيقات' إلى حقائق بعد نحو سنة وخمسة أشهر؟! وإذا كان 'حزب الله' مقتنعاً بصحة ما ورد في 'دير شبيغل' منذ البداية، فلماذا 'صبر' كل هذه المدة، بل لماذا وافق على الدخول في حكومة ينص بيانها الوزاري على التعاطي الإيجابي مع المحكمة؟!
في معرض تفسيره قناعته بأن القرار الاتهامي سوف يتهم أفراداً من 'حزب الله'، كرر السيد نصر الله اعتباراً من شهر تموز الماضي، مقولة ان الجميع يتحدث بذلك، وأن 'اتهام حزب الله بات حديث الصالونات السياسية'، ثم عاد ليقول في خطابه الأخير في 28/10/2010 إن 'القرار الظني الذي يقولون إنه سيطلع، مكتوب منذ 2006... وأنا تبلغت به - ليس قبل كم شهر (بضعة أشهر)- ، لقد تبلّغت به في (العام) 2008، الآن لن أدخل في التفاصيل، حتى لا نزعج البلد أكثر'!.
والجديد في هذا الكلام؛ أن نصر الله نفسه ينسف المبررات التي ساقها سابقاً عن رفضه المحكمة، لأن كلام أشكينازي صدر في تموز 2010، وتقرير 'ديرشبيغل' صدر في أيار 2009، فيما نصر الله يقول إنه يعلم مضمون القرار الاتهامي منذ العام 2008!، والأغرب أنه قال: إن القرار الاتهامي مكتوب منذ العام 2006، أي في عز مرحلة الاتهام السياسي لسوريا!.
اللافت في ما سبق كله أن 'حزب الله'، ولغاية الأمس القريب، ظل متعاوناً مع طلبات التحقيق الدولي، رغم أنه موقن بأن مدعي عام المحكمة سيصدر تقريراً اتهامياً 'هو نفسه الذي نزل في دير شبيغل'،- كما يقول نصر الله-، فما السر في ذلك؟!
الراجح أن 'حزب الله' كان يريد من جراء تعاونه مع طلبات التحقيق الدولي اكتشاف توجهات هذا التحقيق، وأنه عندما وصل إلى مرحلة 'اليقين' من أن القاضي بلمار سيتهم أفراداً من 'حزب الله'، أوقف تعاونه مع طلبات مكتب المدعي العام. وهذا يعني أنه - وخلافاً للأسباب التي ساقها نصر الله حول قناعته بتوجهات التحقيق الدولي- فإن العامل الحاسم في تكوّن هذه القناعة؛ هو معطيات 'حزب الله' نفسه:
في 13 آذار الماضي؛ كشف السيد حسن نصر الله في مقابلة مع المنار عن قيام لجنة التحقيق الدولية بـ'الاستماع إلى اثني عشر شخصاً؛ هم إما عناصر أو مقربون من حزب الله، بصفة شهود لا بصفة متهمين في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري'. نصر الله لم يمانع في ذلك، لكن من الطبيعي والمؤكد - في مثل هذه الحالات - أن يقوم جهاز أمن الحزب، بالاستماع إلى هؤلاء وتحليل الأسئلة التي وُجهت إليهم، ما يعطي الحزب المذكور صورة عن توجهات التحقيق والأدلة التي يبحث عنها، مهما حاول المحققون التمويه.
في 24 أيلول الماضي؛ كشف نائب أمين عام 'حزب الله'، الشيخ نعيم قاسم، في حديث لمجلة الأفكار عن تلقي 'حزب الله'، بعد عيد الفطر، طلباً جديداً من المحكمة الدولية للاستماع إلى إفادات مجموعة ثانية من مناصري الحزب، لافتاً إلى أن 'الرد على هذا الطلب معلق في الوقت الحاضر'. كان هذا قبل نحو شهر ونيف، وأهميته أنه أعطى الحزب دفعة جديدة من المعطيات التي تمكّنه من استكشاف القرار الاتهامي.
يمكننا أن نفترض أيضاً أن جهاز أمن 'حزب الله'، القوي جداً، يعمل على تقصي أخبار المحققين، ومعرفة تحركاتهم، في لبنان وخارجه، خصوصاً أن السيد نصر الله أعلن أن 'المحكمة إسرائيلية'، وأن 'كل المعطيات والمعلومات تصل إلى أجهزة أمنية غربية وإلى إسرائيل'. والطبيعي والحال هذه مراقبة هؤلاء، واستقاء أخبار التحقيق الذي يجرونه، خصوصاً أن الموضوع أكبر بكثير من مجرد عميل إسرائيلي. (لاحظ أن نصر الله نفسه قال في كلمته الأخيرة، إن 'معلومات وصلته قبل إلقائه الكلمة مباشرة'، عن ضغوط لتعجيل صدور القرار الاتهامي قبل كانون الأول القادم).
أخيراً، فإن نفوذ 'حزب الله' القوي داخل الدولة اللبنانية؛ في الوزارات والأجهزة الحكومية والأمنية، يسمح له بمعرفة وتحليل طلبات لجنة التحقيق الدولية، والسيد نصر الله نفسه أخبرنا في كلمته الأخيرة أن التحقيق الدولي حصل على معلومات عن طلاب الجامعات في لبنان، وعن 'داتا' الاتصالات من العام 2003، وعن قاعدة بيانات DNA، وعن بصمات 893 شخصاً... كما أخبرنا عن استماع محققين لعدد من الأطباء غير الدكتورة شرارة التي هاجم عيادتها أكثر من مئة من 'الأهالي' التابعين للحزب المذكور، وعرفوا عن أية أرقام هواتف يبحث المحققون -... ولا شك أن هذه المعطيات جميعها مكّنت 'حزب الله' من تكوين قناعة لديه عن توجهات القرار الاتهامي.
إذاً؛ 'حزب الله' لديه قناعة غير قابلة للجدال - مبنية على معطيات، لا تسريبات أو تصريحات إعلامية - بأن بلمار سيصدر قراراً يتهم فيه أفراداً ينتمون إليه، أو قريبون منه. ويبدو أن 'حزب الله' أبلغ حلفاءه بذلك أو أنهم توصلوا الى القناعة نفسها بطرقهم الخاصة-، فقد قال وزير الخارجية السوري، وليد المعلم في 28 أيلول الماضي لصحيفة 'وول ستريت جورنال': 'إن المحكمة الخاصة بلبنان سوف تُقدم قريباً، وفق المعلومات التي وصلت إلى سوريا، على اتهام عناصر في حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري'. بدوره قال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان: 'نجد أن يد الغدر الآثمة قد امتدت إلى صديق عزيز وشخصية غيورة على وطنها (رفيق الحريري)، ثم نرى بعد ذلك كيف تلفّق الأخبار، لتوجيه الاتهام إلى بقية الأصدقاء (حزب الله)'.
إزاء ما سبق كله، وإذا كان 'حزب الله' متأكداً إلى هذه الدرجة من أن القرار الاتهامي ستكون هذه صورته، ومتأكداً بالمقابل من براءته من أي اختراق، فماذا يجب عليه أن يفعل؟
لا شك أن 'حزب الله'، بما يملك من سلاح وأمن ونفوذ، بإمكانه ترهيب اللبنانيين، وربما إجبارهم على وقف التعامل مع المحكمة الدولية، بحجج شتى؛ إما لأن المحكمة 'إسرائيلية' وتستهدف سلاح المقاومة أو سمعتها، وإما لوجود 'شهود زور'، وإما لأن التحقيق الدولي 'يستبيح البلد وخصوصيات الناس'، وإما من أجل الدفاع عن 'الأعراض والشرف' (حادثة عيادة الدكتورة شرارة نموذجاً)، لكن ذلك كله لن يؤدي إلا إلى عكس المقصود، لأن القوة يمكن أن تجبر فئةً أو تقنعها، بأن المحكمة باتت عبئاً ينبغي التخلص منه، لكن القوة لا تجبر الناس على الاقتناع ببراءة من يستخدم القوة لإيصالهم إلى هذه القناعة، خصوصاً أن القوة تؤثر على علاقة لبنان بالمحكمة، لا على المحكمة، التي ستكمل طريقها وستصدر قراراً اتهامياً سيقرؤه ويطلع على أدلته وقرائنه اللبنانيون جميعهم.
ما زال بالإمكان اتباع سبيل مختلف، فالمحكمة نفسها تسهّل لمن ستتهمه أن يجري تحقيقات مضادة لبراءة ساحته، وثمة مكتب دفاع بات مشكلاً برئاسة القاضي فرانسوا رو لهذه الغاية، ولمراقبة قرارات المحكمة والطعن بها عند الضرورة، وذلك بهدف توفير أسمى درجات العدالة.
ما زال 'حزب الله' قادراً على 'تحطيم' المحكمة الدولية فعلياً، إذا أثبت تهافت أدلة التحقيق بعد صدور القرار الاتهامي. بلمار نفسه قال ذلك: 'إن أصدرتُ قراراً ظنياً بدون أن أدعمه بالدليل، سوف تنهار البنية بكاملها'. بلمار أمام الامتحان الصعب، لا 'حزب الله'، ولا غيره، ومن الآن وحتى صدور القرار الاتهامي، يجب على 'حزب الله' في حال أراد سلوك طريق منتج - أن يبذل جهداً معاكساً لما يقوم به اليوم. عليه أن يقنع اللبنانيين بالوقوف إلى جانبه، فيما لو طال الاتهام أفراداً منه ('المحكمة لا تدين كيانات سياسية أو حزبية أو تنظيمية')... وعليه أن يدرك أن استعمال القوة في هذا الموضوع لا تجديه نفعاً.
ـ 'اللواء'
في البحث عن المخارج&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; لا إثارة الغرائز!!
صلاح سلام:
(...) <شهود الزور>، وحادثة العيادة النسائية في الضاحية، وإعلان <حزب الله> مقاطعته للمحكمة، كلها تفاصيل، بل متاهات، لقضية مركزية واحدة: غياب التوافق العربي - العربي، وتضعضع الوفاق اللبناني - اللبناني من ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الأمر الذي استوجب إعادة الأمور إلى أصولها، والبحث عن حلول جذرية، قد تؤدي إلى عقد تسوية شاملة للملفات الإقليمية الساخنة، وطي محاولات المعالجة بالمفرّق&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; بعدما أثبتت عدم جدواها&bascii117ll;
غير أن الحديث عن تسوية وحلول جذرية للأزمة اللبنانية وملفات المنطقة الأخرى، لا يقلل من خطورة كلام السيّد حسن نصر الله الأخير، الذي دعا فيه المسؤولين إلى وقف التعامل مع المحكمة، معتبراً ان كل تعاون مع المحكمة هو بمثابة اعتداء على المقاومة&bascii117ll;
وإذا كان من حق الأمين العام لحزب الله كفريق سياسي في البلد أن يتخذ موقفاً رافضاً للمحكمة، فلا ندري كيف سمح لنفسه أن يتخذ عن اللبنانيين، بل عن الدولة بكاملها، مثل هذا التوجه المحرج عندما اعتبر التعاون مع المحكمة اعتداء على المقاومة&bascii117ll;
لا نريد أن نصبّ الزيت على نار السجالات الدائرة حالياً حول هذه الخطوة بالذات من جانب <حزب الله>، فالمسألة الأساس في هذه الساعات هي في البحث عن المخارج والحلول، لا في إثارة الغرائز وتعقيد الأمور!&bascii117ll;
ـ 'اللواء'
أسئلة؟!
عامر مشموشي:
حادثة الضاحية الجنوبية، بما لها وما عليها، سلطت الضوء مجدداً على طبيعة التعقيدات المتحكمة بالوضع الداخلي بفعل المحكمة الدولية ومتفرعاتها، وما يترتب عليها من تداعيات محلية ودولية&bascii117ll;
وفيما تتواصل التحقيقات القضائية، بوتيرة متسارعة تبقى الثابتة الوحيدة، ان الحادثة نسفت كل المساعي المبذولة من قبل اكثر من طرف، داخلي، وعربي، واقليمي، ودولي قبل ان تصل الى خواتيمها المرتجاة، سواء فيما يخص التجاذب على ملف شهود الزور وسواء فيما يتعلق بالجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية في اتجاه ايجاد تسوية لهذا الملف، تنزع الفتيل من برميل البارود&bascii117ll;
فالذي حصل في الضاحية الجنوبية ضد فريق لجنة التحقيق الدولية، رسم علامات استفهام واسعة حول الاهداف الحقيقية بمعزل عن التبريرات التي ضاقت بها الشاشات الاعلامية، وبعيداً عن السيناريوهات التي سيقت بعناية حول ما سمي بإقتحام فريق التحقيق لعيادة نسائية لها خصوصية دينية، او حول الروايات التي دبجت وصيغت، ووزعت ولقنت، حول تفاصيل الحادث، وردات الفعل العفوية او الانفعالية المبررة بألف سبب وسبب، او حول خروج فريق التحقيق الدولي من اصول التحقيقات، واقحام نفسه بما لا يدخل من ضمن صلاحياته، او حول ما سمى بإستفزازه للمشاعر والخصوصيات، الى غير ذلك، مما دبج وسوق في وسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة&bascii117ll;
علما بأن كل هذه التبريرات والسيناريوهات التي قدمت لتجميل المشهد لم تقنع احداً، لا في الداخل، ولا في الخارج بأن المسؤولية تقع على فريق التحقيق الدولي، وعلى القاضي دانيال بيلمار الذي طلب منه الذهاب الى عيادة طبيبة نسائية، والكشف عن ملفات لمرضى نسوة من لون طائفي معين، وصولاً للقول بأن المحكمة مسيسة وانها صنيعة اسرائيلية واميركية، وجدت للنيل من فريق لبناني بعينه&bascii117ll; اما الحديث عن ان الزيارة استهدفت حزب الله في عقر داره، او في عرينه، لجس النبض، واختبار ردة الفعل، ومن ثم لاستغلال ذلك لاتهامه بأنه خارج الشرعية الدولية ويتحداها، وغيره من الاحاديث التي سوقت فيبدو لمن يحلل بموضوعية وتجرد انه اسوأ من التبريرات التي سيقت والسيناريوهات التي دبجت لان ردود الفعل الدولية على هذا الحادث، ورد الامم المتحدة، والقاضي بيلمار والمحكمة، كان حاسماً وواضحاً، ان لجهة التمسك بالمحكمة او لجهة التمسك بإصدار القرار الاتهامي&bascii117ll;
وبعيداً عن كل هذه التحليلات، فالذي حصل ألحق ضرراً فادحاً بحزب الله وكشف ما زال متردداً بأن في لبنان دولة ضمن الدولة بل واقوى من دولة، لها نظامها الخاص، وقانونها الخاص وطقوسها الخاصة، لا تمتثل لقانون الشرعية الدولية، فهل كان الهدف مما حدث تظهير هذه الصورة، يبدو انه كذلك وان كان لا يزال هناك اسئلة كثيرة تبحث عن اجابات&bascii117ll;
ـ 'السفير'
الفتنة الأميركية
ساطع نور الدين:
لا شك في ان اميركا تريد الفتنة في لبنان، او بتعبير آخر هي تريد استدراج حزب الله الى ذلك الفخ. هذا مما لم يعد يحتمل الجدل. لكن معيارها ليس لبنانيا، ولن يرف جفن لاحد من المسؤولين الاميركيين اذا ما نقص عدد اللبنانيين بضع مئات او بضعة آلاف، وانتهى الامر الى تحقيق هدف سياسي بسيط جدا في الحوار الاميركي مع سوريا او مع ايران.
والارادة بالفتنة هي في تعريف الاميركيين، رد على هجوم سوري ايراني واسع النطاق شنه البلدان في خلال العامين الماضيين، واستغلا فرصة قرار ادارة اوباما الانخراط مع دمشق وطهران، كي يعززا نفوذهما في لبنان والعراق وفلسطين، وكي يعلنا من بيروت بالذات ولادة الشرق الاوسط البديل لذلك الذي سبق ان اعلنت واشنطن قيامه في اعقاب الغزو الاميركي لافغانستان ثم العراق: اولا من خلال الحملة على حكومة الرئيس سعد الحريري ومطالبته بالاستسلام وتسليم نفسه نهائيا الى العاصمة السورية مع بقية رفاقه المطلوبين في مذكرات التوقيف الشهيرة التي صدرت في اليوم التالي للقاء وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ونظيرها السوري وليد المعلم في نيويورك في ايلول الماضي. وثانيا من خلال اعلان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد خلال زيارته لبنان، نصرا سياسيا ساحقا في معركته اللبنانية على اميركا واسرائيل.
الثابت حتى الآن ان اميركا لم تكن في يوم من الايام راضية على المصالحة السعودية السورية، وهي ترى انها كانت ولا تزال تعتبر تنازلا مجانيا من جانب الرياض التي لن تستطيع الحصول على اي مقابل من دمشق.. لكن ما طرأ في الآونة الاخيرة ان واشنطن لم تعد تكتفي بالعتاب او اللوم للسعوديين، بل قررت كما يبدو العمل على تعطيل هذه المصالحة، من خلال المحكمة الدولية والقرارات الاتهامية التي باتت تكتسب بعدا جديدا، وتوفر فرصة ثمينة للاميركيين كي يخوضوا ذلك النوع من المواجهة مع سوريا وحلفائها اللبنانيين، مزودين بأسلحة قضائية وقانونية فعالة.
الهجوم الاميركي بدأ بالفعل، وهو يشبه الى حد بعيد ذلك الهجوم الذي جرى تنظيمه في العام 2004ـ2005، كما ان ادواته هي نفسها، وليس من المستبعد ان يجري تطويره لاتخاذ قرار دولي جديد يدين حزب الله وسوريا ويطالبهما بالتعاون مع التحقيق والمحكمة الدولية تحت طائلة التعرض لعقوبات دولية اضافية، لن يكون الرد عليها بعقوبات مشابهة من جانب الحزب ودمشق.. بل بعمل سياسي ـ عسكري يهدف الى صد الهجوم ويعطل مفاعيله، لكنه يشكل اختبارا جديدا لموازين القوى اللبنانية والاقليمية التي تبدو هذه الايام عرضة للاهتزاز.
اميركا تريدها معركة، وهي لا تخفي ذلك ابدا، سواء في اعتبارها ان الخيار بين العدالة والاستقرار مصطنع، او في تقديرها ان الفتنة بين السنة والشيعة قائمة في لبنان مع المحكمة ومن دونها. وهو كلام يردده المسؤولون الاميركيون في مجالسهم بكل صراحة ووضوح، في ما يشبه الهذيان، الذي لا يقيم وزنا للدم اللبناني، ولا طبعا للاستقرار اللبناني الذي يمكن ان يضحَّى به على مذبح مصالحات ومواجهات خارجية لا مصلحة للبنان في اي منها.
ـ 'الديار'
تداعيات دعوة نصرالله وفتوى تحريم التعاون
فؤاد أبو زيد:
الذين وصفوا خطاب امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي دعا فيه الى مقاطعة المحكمة الدولية من اجل لبنان، وعدم التعاون مع المحققين الدوليين، &laqascii117o;بالخطير جداً"، كانوا في حقيقة الامر ينظرون بخوف الى تداعيات هذه الدعوة التي تحمل العديد من الالغام السياسية والوطنية والطائفية والمذهبية، وتأخذ لبنان واللبنانيين الى زمن مجهول المصير، لكنه بالتأكيد ليس مصيراً مشرقاً ولا مريحاً، بل انها - الدعوة - تحمل بذوراً حبلى بعوامل عدة، ابرزها عامل استحضار الفتنة، وارباك الدولة، وانقسام المؤسسات، وتحديداً الامنية منها، وادخال اليد الاجنبية الى العنق اللبناني، وتحويل لبنان الى دولة كرتونية، والادهى والاخطر من كل هذا فتح الطريق امام دعوات مضادة، اهمها الدعوة باتجاه الفدرالية او التقسيم، او اي شكل من اشكال الانعزال الاجتماعي والاداري والانساني، وربّ قائل، هل ان مجرد دعوة كتلك التي اطلقها السيد نصرالله تحمل كل هذه البذور التدميرية للكيان والصيغة، والعيش الواحد، والدولة، والسلم الاهلي، والجواب على مثل هذا السؤال، قدّمه بكل وضوح الشيخ عفيف النابلسي الذي فتح امام رجال الدين الشيعة، وربما رجال الدين السنّة المتعاطفين مع سوريا وحزب الله، الباب لحملة فتاوى مماثلة لفتواه التي حرّم فيها التعامل مع المحكمة الدولية ومع المحققين الدوليين وهذا يعني ان دعوة السيد نصرالله معطوفة على فتوى الشيخ النابلسي، وعلى تشجيع النائب علي عمّار جميع المسؤولين واللبنانيين على المقاطعة ورفض التعامل، متعهداً بحمايتهم في وجه اي كان، ستضع الاخوة الشيعة، في الدرجة الاولى، والمتعاطفين معهم في الدرجة الثانية، ممن يخدمون في الجيش والقوى الامنية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وفي السلك الديبلوماسي، وفي اي مكان آخر، امام خيار وحيد، هو عدم تنفيذ اي امر يخالف دعوة السيد نصرالله، وفتوى التحريم، ولنتصوّر عندها مأزق العصيان الامني والعسكري والمدني والسياسي وكرة الثلج المدمّرة التي ستكبر مع اتساع حجم الامتثال للرغبات والفتاوى السياسية والدينية.
لو ان السيد حسن نصرالله، حصر امر المقاطعة وعدم التعاون بحزب الله،ولم يعمم دعوته على جميع المسؤولين والمواطنين، لكانت التداعيات في حجم الاحتواء والحوار بصددها، ولكن تعميمها والحاقها بفتوى تحريم، ومن ثم وضع جميع من يلتزم وينفذ تحت جناح حزب الله وحمايته، فان التداعيات عندها تصبح كبيرة وخطيرة، ومحاولات التخفيف من خطورتها غير واقعية ولا تساعد على القيام بما يلزم لمواجهتها.
***
هناك فريق سياسي كبير يتمتع بشعبية مؤثرة ومحترمة، هو فريق 14 اذار، يرفض دعوة السيد حسن نصرالله،واعلن ويعلن التزامه بالمحكمة الدولية التي يعوّل عليها لمعرفة من قتل شهداءه.
وهناك فريق كبير ايضاً ويتمتع كذلك بشعبية محترمة، اعلن تأييده واستعداده للالتزام بمقاطعة ليس المحكمة الدولية وحسب، بل ايضاً مجلس الامن والمجتمع الدولي وجميع الدول التي تتعاون وتؤيد المحكمة، وهذا الفريق هو فريق 8 اذار.
وهناك فريق وسطي، وجد ذاته حجراً بين شاقوفين، ويعيش في هذه الفترة، حالاً من الاحراج الشديد فهو لا يريد ان يعزل ذاته عن المجتمع الدولي، ويرى ان المحكمة الدولية التي قامت تحت الفصل السابع هي امر واقع لا يمكن تجاهله او تجاوزه او الوقوف في وجهه، ولكنه في الوقت ذاته يحرص على تفهم هواجس حزب الله ويريد أن تمرّ الامور في اقل ما يمكن من خسائر، وعلى رأس هذا الفريق رئىس المجلس نبيه بري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، واذا كان بري عند الحشرة والامتحان، قادراً على الامساك بكتلته النيابية، الا ان جنبلاط لا يملك هذه القدرة، وكان لافتاً امس الاول تصريح النائب الاشتراكي علاء الدين ترّو الذي يؤكد فيه أن &laqascii117o;لا احد يستطيع رفض المحكمة الدولية".
أما الفريق الرابع فهو فريق الدولة، وعلى رأسه الرئيس العماد ميشال سليمان الذي يحاول بما يملك من حكمة ووطنية ومنطق وشعور بالمسؤولية، ان يجنّب البلاد الهزّات المدمّرة التي تنتج من تمسك البعض بسقوف عالية، غير عابىء بالمصلحة الوطنية وفي شكل خاص مصلحة الدولة والناس، وهو لذلك يجهد للتوفيق بين علاقات لبنان بالمجتمع الدولي وبالقرارات الدولية التي اقسم على احترامها، وبين مصلحة لبنان ومصلحة العيش المشترك الذي نصّ عليه الدستور، والرئيس سليمان حريص عليه، حرصه على سلامة كل لبناني.
في نهاية الأمر، لا يمكن لأي فريق في لبنان، أن يفرض رأيه على غيره، بعيداً عن الاقناع والحوار والمنطق، والاعتماد على القوة، حسبما خبر اللبنانيون، ودفعوا غالياً ثمن هذه الخبرة، قد يفيد في مرحلة زمنية محدودة تبقى مهما طالت، ولذلك فان البديل عن خطاب الشتيمة والتهديد، هو الكلمة الطيبة السواء، والبديل عن الخلاف هو الحوار وصولاً الى الاختلاف، وهذا حق مشروع، والبديل عن الفتنة والدم والخراب، هو السلام والاستقرار والبناء.
اذا كانت القيادات السياسية، او بعضها، لا تستوعب هذه المعادلات او لا تريدها، فرجاء ان تكفّ عن التكاذب، وعن التغني بالوحدة والشراكة والعيش الواحد، لأن ما يجري على الارض هو نقيض جميع هذه الشعارات، ولنذهب كجماعة متحضّرة عاقلة ونفتش عن طريقة اخرى وصيغة جديدة تؤمّن ديمومة بقاء جميع الاطراف على هذه الارض الطيبة ليعيش الجميع بكرامة وحرية وسلام لمن يرغب.
قال البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير في حديث تلفزيوني، جملة تعكس واقعاً حقيقياً مؤلماً، ليس للمسيحيين وحسب، بل يتشارك فيه فريق كبير من غير المسيحيين: &laqascii117o;ان مساحة الحرية تضيق على المسيحيين".
ـ 'الأخبار'
ما وراء التصعيد الأميركي على سوريا
يحيى دبوق:
لا انعطافة أميركية جديدة حيال سوريا، بمعنى أنه لا عودة إلى تموضع أميركي قتالي ضد السوريين، شبيه بالفترة التي سبقت قرار محاباتها وحصر التصويب باتجاه حزب الله. ارتفاع حدة المواقف الأميركية تجاه سوريا، المعبّر عنه في أكثر من قناة في الفترة الأخيرة، يخدم في سياقه المتصل بأكثر من ملف وساحة، ضرورة المسارعة إلى استرجاع التوازن وتدارك التردي الذي أصاب الحلفاء، في مرحلة بالغة الدقة والتعقيد في الساحة اللبنانية.
إنّ المواقف الأميركية ضد سوريا قديمة لجهة مضمونها: تسليح حزب الله عسكرياً؛ تهديد سيادة لبنان وأمنه؛ العمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة؛ مواصلة التحالف مع إيران وحزب الله وحماس، والتحذير من أن النظام السوري مسؤول عمّا يمكن أن يقدم حلفاؤه عليه... إلا أن جديد المواقف، أنها تُطلق في ظل وضع حساس جداً في لبنان، إذ يكاد حلفاء واشنطن أن يصلوا إلى حدود الضياع وفقدان البوصلة، في أعقاب سلسلة من الصدمات التي ألمّت بهم أخيراً، ليس أقلها صدمة استبيان حقيقة الأوهام التي قامت في الفترة الأخيرة، على إمكان انتزاع سوريا من محور المقاومة، أو تحييدها، على حساب حزب الله... وفي الإجمال، كان حجم صدمة حلفاء واشنطن كبيراً وغير مسبوق، ومتناسباً جداً مع حجم الآمال والأوهام التي غذّت هذه القوى نفسها بها.
تلقّى حلفاء واشنطن صدمة سورية عنيفة، إذ لم يماش السوريون آمال فريق 14 آذار وأوهامهم، وأُفهم هذا الفريق أن دمشق ثابتة ومتمسكة بخياراتها. وكان الإفهام السوري في مواجهة المسعى الآذاري صدامياً وغير مرتقب، من مذكرات التوقيف إلى &laqascii117o;كرتونية 14 آذار" وغير ذلك من المواقف التي أطلقتها دمشق في الفترة الأخيرة.
تلقّى حلفاء واشنطن أيضاً، صدمة ثانية غير محسوبة وغير متوقعة، جراء التقارب السعودي السوري، وما يبدو أنه إعادة ترتيب الرياض لأولوياتها في المنطقة والابتعاد عمّا يمكن أن يؤدي إلى التصادم مع دمشق. ولطالما كانت السعودية طرفاً رئيسياً في المحور الأميركي وعضداً مباشراً لتطرف قوى 14 آذار في مواجهة سوريا وحلفائها في لبنان، إلا أن الصدمة كانت في إدراك هذه القوى أن الرياض باتت تنظر إلى مصالحها من منظور يتجاوز لبنان إلى آفاق أبعد وأشمل، وبالتالي لن تقيد نفسها بعد الآن، كما يبدو من مواقفها الأخيرة، بمصالح ضيقة جداً للآذاريين. أما الصدمة الثالثة، والأكثر إيلاماً لقوى 14 آذار، فكانت مواصلة الراعي الأميركي لصمته حتى الأمس القريب حيال سوريا، رغم مواقف دمشق &laqascii117o;المتطرفة" من حلفائه في لبنان.
نتيجة للصدمات الثلاث، وفقدان أدوات ذاتية مؤثرة وفاعلة لإحداث تغيير في موازين القوى، التي باتت تميل إلى مصلحة الطرف الآخر الذي نقل تموضعه من المدافع إلى المهاجم، بل تكاد التطورات تفقد سلاح القرار الاتهامي الموعود، بيئته الحاضنة والمناسبة لحصار حزب الله، اندفع الأميركيون لتدارك الأمور وإعادة تصويبها، والاستجابة لضرورة معالجة حالة الضياع وفقدان الثقة لدى حلفائهم، فكان التصعيد الأميركي تجاه سوريا.
رغم ذلك، يبقى التصعيد محدوداً، وكذلك مفاعيله، لاعتبارات عدة، أبرزها اعتباران:
ـــــ المواقف الأميركية تحمل الشيء ونقيضه. بيان المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، سوزان رايس، واتهامها سوريا وحزب الله وإيران بأنها &laqascii117o;قد تعتقد أن إثارة التوترات الطائفية تساعدها على ترسيخ سلطتها الخاصة على لبنان"، وأيضاً تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، التي حذر فيها النظام السوري من أن &laqascii117o;تصرفات حلفائه وممارساتهم يجب أن تتفق وتنسجم مع تأكيد هذا النظام حرصه على الأمن والاستقرار في الساحة اللبنانية". هذان الموقفان وغيرهما، أكدا ـــــ وإن من باب الاتهام والتحذير ـــــ أسباب الخشية التي تمسك بحلفاء واشنطن، حيال اليوم الذي قد يسبق أو يلي اتهام حزب الله، بل أعطى دفعاً إضافيا تأكيدياً لأصل هذه الخشية.
تشديد فيلتمان على &laqascii117o;وجود قلق أميركي ـــــ فرنسي ـــــ عربي ـــــ دولي من الوضع المتوتر في لبنان"، ورفضه أن تكون المحكمة هي المسؤولة عن ذلك، ليس إلا تأكيداً في معرض النفي.
ـــــ لا تملك واشنطن في هذه المرحلة أداة تأثير فاعلة من شأنها أن تطمئن حلفاءها، سوى إطلاق مواقف كلامية غير مقرونة برافعات ضغط عملية ومؤثرة ضد سوريا، فضرورات المصلحة الأميركية في ساحات أخرى في المنطقة، غير الساحة اللبنانية، تلزم الأميركيين بعدم نقل تصعيدهم الكلامي إلى تصعيد عملي، وبالتالي لن تقوى المواقف الأميركية على إيجاد تغيير حقيقي في موازين القوى، من شأنه إعادة ترتيب أوضاع 14 آذار وتماسكهم.
ـ 'النهار'
الدولة... كأنها هدنة !
نبيل بومنصف:
(...) ان اسوأ 'المنظّرين' هم اولئك الذين يركبون مركب التحريض والعنتريات وشحن الناس بالغرائز والعصبيات وتحطيم المعنويات. ولكن أليس مفجعا حقا ان تلزم الدولة، ستة ايام كاملة الصمت المطبق عن اشتباك بين محققي المحكمة الدولية و'حزب الله'، وتترك الوضع على الغارب للمنظرين لولا عاهة بالولادة في هذه الدولة؟هذا الاشتباك كان منتظرا في اي لحظة، وعند اول هبة ريح، منذ بدأ العد العكسي لازمة القرار الظني. ولا نعتقد ان الدولة تفتقر الى التحسب لتطور كهذا ما دام اللبنانيون العاديون بدأوا ومنذ شهور التحسب لنوائب هذه الازمة وفصولها المتسارعة. ولم يأت صمت الدولة، حتى في مفهوم الذين يبررون لها احراجها الكبير بين التزام التعهدات الدولية واستحالة تجاهل موقف 'حزب الله' سوى كدلالة قاطعة على انها تقف امام متاهة اشهار العجز عن مواجهة ساعة الحقيقة.اما في المشهد الآخر، فلا مغالاة ايضا في ابراز الوجه الثاني لهذا العجز المفجع حين نرى 'عودة' للسفراء النجوم، ممثلي الدول ذات السطوة والتأثير والنفوذ يحتلون مواقع الواجهة اللبنانية في الداخل والخارج بما لا يمكن معه الا السؤال عما وفرته الرعايات الثنائية والثلاثية والرباعية واكثر لهذه الدولة لكي تقف على رجليها وتحمي منطق الدولة فيها. فلا استعار الحسابات الاميركية – السورية على تخوم الازمة اللبنانية يحمل 'بارقة' الى لبنان الذي اكتوى سابقا بالتفاهمات وناء لاحقا بالصدامات، ولا جولات سفراء سوريا والسعودية وايران ينبغي ان تحمل البشر والاغتباط فيما تكاد جسور 'الوحدة الوطنية' تنهار على حكومة دهمها الامر الواقع القاهر. وكيف لدولة ان تحمل وصفة لصدام الاستحالات ما دامت تتلمس وصفة لبقائها من ممثلي الرعايات المتصادمة والمتقاطعة والما بين بين؟
ـ 'الأخبار'
تحقيق دولي يفتقد المهنية
عمر نشابة:
أكّد الحادث الذي تعرّض له محققون دوليون في عيادة نسائية النقص في مهنيتهم وفي احتراف المسؤولين عنهم. وبدل معالجة الخلل، ينشغل دانيال بلمار باتهام السيّد حسن نصر الله بـ&laqascii117o;إعاقة العدالة". حضر فريق من المحققين التابعين لمكتب المدعي العام الدولي في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يوم الأربعاء الفائت، إلى عيادة للطب النسائي بهدف جمع معلومات. وبعد تعرّضهم للعنف من قبل بعض الأشخاص الذين حضروا إلى العيادة، غادر المحققون المكان على عجل وادّعوا أن بعض الأغراض التي كانت في حوزتهم قد أخذت منهم. وبغضّ النظر عن كلّ التفاصيل الأخرى للحادث، لا شكّ في أن ما حصل يشير إلى نقص فاضح في مهنية فريق التحقيق الدولي. فإن ذلك الفريق يفترض أن يعمل بحسب &laqascii117o;أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية"، ولا ينقصه المال ولا التجهيز ولا التعاون الرسمي العسكري والأمني ولا أرفع الخبرات الدولية. وبالتالي كان يفترض به أن:
1ـــــ يتجنّب الحادث بالأساس عبر التخطيط والإعداد بدقة، ومراقبة المكان جيداً قبل زيارته، ودراسة جميع الاحتمالات، في ظلّ التشنّج الموجود تجاه عمل محققين أجانب في لبنان، وخصوصاً في منطقة طريق المطار.
2ـــــ يتعامل مع الحادث الأمني وفق خطة معدّة مسبقاً لحماية المحققين بالتنسيق مع المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية التي كانت على استعداد للمؤازرة وفق طلبات مكتب المدّعي العام.
3ـــــ يمنع بواسطة قدراته الأمنية وبمؤازرة الأمنيين والعسكريين اللبنانيين المكلفين بمرافقته فقدان أغراض تخصّ المحكمة الدولية، وذلك من خلال منع فرار الأشخاص من المكان أو من خلال مراقبتهم بعد مغادرتهم المكان، والطلب إلى دوريات قوى الأمن الداخلي أو المكافحة أو مديرية الاستخبارات في الجيش أو الشرطة القضائية ملاحقتهم لاسترجاع الأغراض الخاصة بالمحكمة الدولية.لكنّ فريق المحققين التابع لدانيال بلمار، والذي يترأسه حالياً ضابط الاستخبارات البريطاني مايكل تايلور، بدا ضعيفاً وعاجزاً عن التعامل مع حادث بسيط وقع في عيادة نسائية، فكيف يمكن أن يكشف حقيقة جريمة معقّدة تعرّض لها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005 والجرائم الأخرى التي قد يثبت تلازمها معها؟من خلال مراجعة وقائع الحادث ونتائجه يتبيّن أن فريق تايلور في بيروت يعاني من:أولاً، نقص في السرية وفي الإجراءات الأمنية والمراقبة. ولا يعود ذلك إلى نقص في التجهيز ولا إلى تردّد من قبل المؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية في المساعدة والمؤازرة، بل يبدو أن سبب ذلك النقص هو الاستخفاف (المقصود أو غير المقصود) بمهمات فريق التحقيق وسلامته وأمنه. فلم تتدخّل قوّة للحماية أثناء التعرّض المحققين، ولم يُشهر السلاح دفاعاً عن النفس ولحماية أغراض تخصّ المحكمة الدولية، ولم تُستدعَ قوة أمنية وعسكرية لتطويق المكان لضبط المفقودات وتوقيف &laqascii117o;المعتدين" على المحققين.
ثانياً، ضعف فاضح في منهجية التحقيق من الناحية اللوجستية. فهل كان رئيس المحققين مقتنع بأن الدخول إلى عيادة نسائية في الضاحية لا يمكن أن يسبب أي مشكلة، وأن المهمة ستتم بسهولة وهدوء؟ أم كان يتوقع ذلك استناداً إلى خبرته الاستخبارية ولكنه أراد &laqascii117o;جسّ النبض" مخاطراً بسلامة المحققين وأمنهم؟
ثالثاً، خلل في هيكلية الفريق، إذ إن عناصر الحماية لم يكونوا على استعداد للقيام بواجبهم ولم يكن هناك، على ما يبدو، اتصال بين الدورية العسكرية التي كانت في الشارع والمحققين الذين كانوا في العيادة النسائية. ولم يكن هناك مجموعات تدخّل سريع لتؤازر فريق الحماية لدى تعرّض المحققين لأي اعتداء.
--------------------------------------------------------------------------------
تسييس لتغطية الإخفاق
لم تمرّ ساعات على الحادث حتى صدر البيان تلو البيان عن المحكمة الدولية في لاهاي لإعلان عدم التراجع وعدم الرضوخ للعنف وما شابه من الشعارات الإعلانية الشكلية، من دون الإشارة مرّة واحدة إلى مراجعة يفترض أن يقوم بها فريق التحقيق المحترف لمنهجية عمله وتحرّكاته وإجراءاته الأمنية. ولعلّ أبرز ما أشار إلى إرباك الهيئة الدولية وتوتّرها هو البيان الذي كشف فيه مكتب المدّعي العام أن محقّقيه لم يسعوا إلى الاطلاع على ملفات طبية. ألا يفترض أن يدخل ذلك ضمن سرّية التحقيق التي يتمسّك بها بلمار؟ أم هو يتذكّر السرية فقط عندما يتعلّق الأمر بالتحقيق مع إسرائيليين؟ البيان يشير إلى أن المحققين لم يخرقوا المعايير الأخلاقية، لكن هنا نسأل: لماذا لم يحضر مندوب عن نقابة الأطباء؟