ـ 'السفير'
سقطت فلسطين من الذاكرة الأميركية ..واستقرت الأسرار الكونية في عيادة طبيبة نسائية!
طلال سلمان:
فجأة، ومن دون سابق إنذار تخلت الإدارة الاميركية عن اهتماماتها الفلسطينية التي أوحت أنها انشغلت بها عن الكثير من &laqascii117o;مسؤولياتها الكونية"، وعادت الى منطقتنا بثياب القتال وهي تطلق صيحات الحرب ضد ثالوث &laqascii117o;حزب الله" ـ سوريا ـ إيران، من دون تبرير واضح يفرض حالة الطوارئ هذه. (...)
ما السبب في الحملة الاميركية الجديدة او المجددة على ثالوث إيران ـ سوريا &laqascii117o;حزب الله"؟
في الظاهر من حركة الأحداث لم يطرأ ما يستوجب العودة الى الحرب، خصوصاً أن العقوبات على إيران قد بلغت حدها الأقصى فكادت تشمل الهواء ونور الشمس، في حين ان العالم كله يعرف ان ثمة صفقة اميركية ـ إيرانية تتكامل الآن حول الحكومة الجديدة في العراق، وأن الطرفين قد تفاهما على صيغة يكون فيها نوري المالكي الرئيس، وقد تولت واشنطن تسويقه ورتبت زيارته الى كل من القاهرة والأردن (وربما تركيا)، في حين تولت طهران تقديم الضمانات التي طلبها وأصر عليها الرئيس السوري بشار الأسد حول &laqascii117o;التوازن القومي" وحماية حقوق &laqascii117o;المكونات" جميعاً، وبالتحديد &laqascii117o;حقوق السُنة" في صيغة الحكم في عراق المستقبل.
وتفيد معلومات متقاطعة ان الرئيس السوري قد ذهب للقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز، بعد نجاحه في انتزاع الموافقة الإيرانية على الحكومة المتوازنة، بما يرفع الفيتو السعودي، ويفتح الباب أمام موافقة مصر أساساً ومعها الأردن، على التشكيلة المقترحة.
أين وقع الخلل، إذاً، فتهدد هذا التوافق الذي بات علنياً، حتى ان المالكي أعلن بالفم الملآن انه رئيس الحكومة الجديدة، وأنه يتفاهم مع الكرد، في حين لم يتعب منافسه اياد علاوي من الإعلان ان الكرد الى جانبه..
هل بدلت الإدارة الاميركية موقفها فجأة ومن دون سابق إنذار؟
هل انتبهت ـ متأخرة ـ الى ان الصفقة الجديدة تعطي سوريا مساحة من النفوذ ـ إقليميا ـ أوسع مما يجب ان يكون لها، حتى لا تغدو شريكاً لا يمكن شطبه في شؤون &laqascii117o;الإقليم"؟
ام تراها تندفع الى مناورة حربية في المنطقة بأهداف انتخابية في الداخل الاميركي، تحاول بها استنقاذ موقفها الحرج، خصوصاً أن المؤشرات جميعا تدل ان إدارة اوباما ستمنى بخسارة فادحة في المجلسين، وأنها ستمضي السنتين التاليتين كالبطة العرجاء، لا هي تملك قرار الهجوم ولا هي تستطيع الانسحاب.
ام إنَّ هذا الهجوم الذي تركز على &laqascii117o;حزب الله" في لبنان يجيء كدعم بنبرة حربية للقرار الاتهامي المتوقع صدوره عن المدعي العام في المحكمة الدولية حول جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري... وكان ضروريا ان يشمل سوريا وإيران لتكون &laqascii117o;الحرب" شاملة على قوى الدعم والإمداد ، بالمال والسلاح والتدريب والتخزين الخ؟
...خصوصاً ان الهجوم قد تزامن مع غارة سياسية قامت بها بعض لجان التحقيق الدولي على عيادة لطبيبة نسائية في البيئة الحاضنة لقيادات &laqascii117o;حزب الله" في الضاحية الجنوبية من بيروت، وكان مطلبها الحصول على الكشوف الطبية لعدد من زوجات كبار المسؤولين وقيادات المقاومة.
وكان الرد &laqascii117o;طرد" لجنة التحقيق عبر تظاهرة نسائية وإعلان الحزب وقف التعاون ـ نهائياً ـ مع المدعي العام الدولي ولجانه، بسبب هذا الانتهاك الفاحش لخصوصيات الناس وأعراضهم، وبعد 56 شهراً من جريمة اغتيال الحريري... لا سيما أن أجهزة السلطة في لبنان قد لبت كل طلبات المدعي العام، فزودته بكل البيانات المتضمنة أسرار اللبنانيين وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والشخصية ومنذ العام 2003 وقبل جريمة الاغتيال بسنتين!
وبين ما طلبته لجان التحقيق فحصلت عليه، داتا الاتصالات والحسابات المصرفية وأسماء المنتسبين الى الجامعات الرسمية والخاصة وأرشيف المحاكم والمخابرات والشرطة... وليس ضرورياً القول ان هذه المعلومات ستصل جميعاً الى إسرائيل، التي ـ للمناسبة ـ قد اعترفت رسمياً وبلسان رئيس أركان جيوشها ان رجال المقاومة قد تمكنوا من رصد احدى غارات الكوماندوس البحري فيها، قبل ثماني سنوات، فأوقعوا بين المغيرين 12 قتيلاً وعدداً من الجرحى، وانتهت الغارة بكارثة للإسرائيليين. كذلك ليست ضرورية الإشارة الى ان إسرائيل قد اعترفت بأنها قد اقتحمت داتا الاتصالات في لبنان منذ اليوم الثاني لحربها ضد شعبه في تموزـ يوليوـ 2006، وهي بالتأكيد ما تزال تقتحمها وتطلع على تفاصيلها حتى اليوم، يعزز ذلك اعترافات العديد من العملاء اللبنانيين الذين افتضح أمرهم فأوقفوا واعترفوا وهم قيد المحاكمة الآن.
البعض يرى ان تجديد الحملة على سوريا تحديداً، ومعها &laqascii117o;حزب الله" إضافة الى إيران يهدف الى التغطية على الفضائح الخطيرة التي كشفها موقع ويكيليكس حول الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاميركية وأعوانها ضد الشعب العراقي عموماً والتي أودت بأعداد مرعبة من القتلى، قد تصل الى ما يقارب مليون ضحية (الموقع تحدث عن أكثر من120 الف ضحية) في حين تؤكد مصادر اميركية ان الضحايا يصلون الى 250 الف ضحية، اما المراجع البريطانية فتشير الى حوالى سبعمئة الف ضحية... والحقيقة أفظع من ذلك بكثير)..
وبعض آخر يرى ان الحملة تستهدف إعادة صياغة التشكيلة المحتملة للحكومة العراقية الجديدة وذلك عبر الضغط على سوريا في لبنان (ومعها &laqascii117o;حزب الله")...
وكان لافتاً ان تتفجر هذه الحملة عبر ألسنة كثيرة أولها معاون وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان، بعد زيارة قصيرة للسعودية أعقبتها زيارة اقصر للبنان، ثم السفيرة الاميركية المعتمدة في مجلس الأمن سوزان رايس، تمهيداً لان يدخل على الخط تيري رود لارسن، الذي يسميه اللبنانيون &laqascii117o;الناظر الخصوصي" للقرار الدولي 1559 الذي يرى فيه الكثيرون إعلان الوصاية الاميركية على لبنان في بداية ايلول (سبتمبر 2004)، خصوصاً أنه كان في حينه إنذارا بمباشرة الحرب على الوجود السوري في لبنان الذي انتهى بطريقة درامية بعد اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري.
هل اختير لبنان، عبر مقاومته، باعتباره الخاصرة الرخوة لسوريا، والتي طالما توقع مسؤولوها ان يأتيهم الهجوم الإسرائيلي عبرها؟
أم اختير لبنان كجبهة موازية للعراق، وعلى قاعدة &laqascii117o;تعطيني هنا فأعطيك هناك"؟
المهم ان هذه العاصفة الاميركية الجديدة قد طمست أكثر فأكثر مقومات القضية الفلسطينية، وأسقطت المسلسل الرديء حول المفاوضات بين سلطة لا تملك من أمرها شيئاً وبين دولة يهود العالم المعززة بتأييد دولي بعنوان اميركي يتزايد نفوذاً وقوة يوماً بعد يوم، ويكاد يشطب من التاريخ كل الوعود التي أطلقها الرئيس الاميركي الأسمر ذو الجذور الإسلامية من جامعة القاهرة، ثم أعاد تأكيدها في واشنطن قبل ان يبتلعها مع وصول نتنياهو الى البيت الأبيض؟
وها نحن أمام حروب اميركية جديدة لمصلحة إسرائيل أولا وآخراً، وعلى حساب العرب جميعاً، أصدقاء الإدارة الاميركية وخصومها على حد سواء.
ـ 'السفير'
حكمت المحكمة!
فواز طرابلسي:
مع أن &laqascii117o;المحكمة الخاصة بلبنان" لم تنجح في استصدار قرارها الظني رغم مضي أكثر من خمس سنوات ونصف السنة على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلا أنها نجحت في اعتقال لبنان واللبنانيين قيد التحقيق والظن، ومدّدت حكمها لأشهر وسنوات قادمة.
لنبدأ من النهاية. &laqascii117o;المحكمة" هي جدول أعمال اجتماع مجلس الوزراء (الذي كان مقرراً انعقاده اليوم ثم أرجئ..) واجتماع هيئة الحوار الوطني غداً. الجهود منصبّة على التوصل إلى تسوية تصالح بين مطلبين: محاكمة شهود الزور في محكمة عادية أو في المجلس العدلي. وموقف فريقي الحكم معزّز بحجج قانونية. لكن ما هو ليس معززاً بأي حجة هو كيف تقرّبنا محاكمة شهود الزور في محكمة عادية من &laqascii117o;الحقيقة" أكثر مما لو حوكموا في المجلس العدلي، ولا هو واضح على الإطلاق كيف تسهم محاكمة شهود الزور في المجلس العدلي في التخفيف من وطأة القرار الظني على سمعة المقاومة، وسلاحها، أو في تعطيل القرار، ناهيك عن التعجيل في إلغاء المحكمة برمتها. ومع ذلك نعيش أياماً إضافية من عمر خضوع لبنان لـ&laqascii117o;المحكمة". (...)
ـ 'السفير'
المحكمة من دون ضوابط في لبنان ... فتنة
معن بشور:
(...) تسعى الإدارة الأميركية ومعها العدو الصهيوني الى الانتقام من المقاومة اللبنانية بعد هزيمة تموز 2006، (وهو موعد تغيير وجهة الاتهام في قضية اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه باتجاه حزب الله)، كما تسعى عبر الانفصال الدموي في السودان الى الانتقام من دور السودان فيما تعتبره دعماً للمقاومة في فلسطين، وهو ما تجلى عبر القصف الشهير لقافلة سودانية بتهمة أنها تنقل سلاحاً لقطاع غزة أبّان العدوان الشهير. (...)
إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من دون ضوابط هي فتنة، والاستفتاء في السودان من دون توافق وصفة دموية خطيرة. لكن ما أمكن تحقيقه في العراق وأفغانستان في السنوات الأولى من العقد الأول من هذا القرن ليس سهلاً تحقيقه اليوم. فظروف 2010 هي غير ظروف 2001 و2003، والعالم اليوم غير العالم بالأمس، ومقاومة الأمة اليوم غيرها بالأمس.. وإن غداً لناظره قريب.
ـ 'السفير'
دراسة مقارنة بين جريمة شهادة الزور وجريمة الافتراء في القانون اللبناني(2)
المرجع القضائي المختص لملاحقة كل من جريمة شهادة الزور وجريمة الافتراء
عدنان عضوم:
ألف ـ رفض المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بتولي صلاحية التحقيق وملاحقة المشتبه بارتكابهم جريمة شهادة الزور والافتراء في ملف اغتيال الرئيس الحريري
ـ1ـ نصت المادة الرابعة فقرة أولى من نظام المحكمة الخاصة بلبنان أن للمحكمة الخاصة والمحاكم الوطنية في لبنان اختصاص مشترك وتكون للمحكمة الخاصة ضمن اختصاصها أسبقية على المحاكم الوطنية. كما نصت المادة الحادية عشرة من هذا النظام على أنه يتولى المدعي العام مسؤولية التحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن جرائم داخلة في اختصاص المحكمة الخاصة. ونصت المادة الثالثة من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات التي وضعها قضاة المحكمة أنه يتم تفسير هذه القواعد وفقاً لروحية نظام المحكمة والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي ولقانون الإجراءات الجنائية الدولي ولقانون الإجراءات الجنائية اللبناني.
ـ إن المبادئ القانونية الدولية العامة المتعلقة بالإجراءات الجنائية وأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبنانية تجيز في حال تَجمُّع بين الجرائم روابط متداخلة إحالتها معاً أمام مرجع جزائي واحد وإن يكن غير صالح بالنسبة إلى بعضها، وغاية ذلك تأمين حسن سير العدالة خلافاً لقواعد الاختصاص، ويكون ذلك في حالتين: حالة الجرائم غير المجزأة أو الجرائم المتحدة وحالة التلازم بين الجرائم وهذا ما يسمى بامتداد الاختصاص الجزائي. وتعتبر الجرائم متلازمة عندما يكون بينها رابطة معيَّنة تجمع بينها من دون أن تؤدي إلى امتزاجها، بحيث تبقى كل منها جريمة مستقلة، ولكن بالنظر إلى هذه الرابطة فإنه من الأجدى النظر بها معاً أمام محكمة واحدة. ومن أمثال الجرائم المصنفة متلازمة في القانون الدولي ومعظم القوانين الجنائية الوطنية ومنها اللبناني والفرنسي، الجرائم التي يكون بعضها تهيئة للبعض الآخر، أو تمهيداً لوقوعها، أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها، أو لإخفاء نتائجها أو لإبقاء منفذيها دون ملاحقة (المادة 133- قانون أصول محاكمات جزائية لبناني والمادة 203 قانون أصول محاكمات جزائية فرنسي).
ـ إن قرار قاضي الإجراءات التمهيدية السيد فرانسين المستنِد إلى طلب المدعي العام الدولي القاضي بلمار في قضية اغتيال الرئيس الحريري، الصادر علناً بتاريخ 29/4/2009، والذي أفرج بموجبه عن الضباط الأربعة المحتجزين من قبل القضاء اللبناني منذ 30/8/2005 استناداً إلى توصية رئيس لجنة التحقيق الدولية السيد ميليس، تضمن ما خلاصته أن إفادات الأشخاص التي تم توقيف الضباط على إثرها غير صادقة وإن المعلومات الموجودة في ملف التحقيق حول التورط المحتمل لهؤلاء الضباط في الهجوم على الرئيس الحريري غير موثوق بها كفاية لتبرير إيداع قرار اتهام بحق أي متهم.
ـ يتبيَّن أن هذا القرار يشير إلى أن بعض الأشخاص ارتكبوا إحدى الجرائم التالية: الإدلاء بشهادة الزور للتعمية عن الحقيقة أو الافتراء عن طريق إعطاء معلومات كاذبة ونسبتها إلى أشخاص محدّدين يعرفون براءتهم منها.
وبالتالي، يستنتج أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبت لتضليل التحقيق الجنائي ولإبقاء منفذي الهجوم الإرهابي على الرئيس الحريري ورفاقه بدون ملاحقة.
وحيث إن العناصر القانونية للجرائم المتلازمة متوافرة بين هذه الجرائم المرتكبة لتضليل التحقيق ولإبقاء منفذي جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه من دون ملاحقة لوجود رابطة وثيقة تجمع بينها، مما يستوجب إيلاء اختصاص المحكمة الدولية الخاصة للنظر بجرم شهادة الزور لحسن سير العدالة، وعلى ضوء الأحكام والقواعد القانونية المبيَّنة أعلاه. وما يعزز هذا الرأي أن نظام المحكمة الدولية يعطيها الأسبقية لاختصاصها على اختصاص المحاكم اللبنانية وإن للمدعي العام الدولي استناداً لنظام المحكمة الدولية الصلاحية الواسعة للتحقيق مع كل الأشخاص المسؤولين عن الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الخاصة. وقد كرست القواعد الإجرائية المطبقة من قبل المحكمة الصلاحية الشاملة للمدعي العام الدولي لتولي أي تحقيق له علاقة بقضية اغتيال الرئيس الحريري وفقاً للأصول القانونية الواجبة التطبيق.
إلا أن المفارقة أن المدعي العام الدولي بدلاً من أن يجري التحقيقات والملاحقات في قضايا شهود الزور المختصة بها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وفقاً لما تقدم ذكره لجهة الاختصاص، عمد مكتبه إلى إصدار عدة تصريحات أيّدها هو بنفسه، أنه غير معني وغير مختص للتحقيق والملاحقة في جريمة شهادة الزور أو المعلومات الكاذبة التي أُدلي بها أمام القضاء اللبناني أو لجنة التحقيق الدولية وقت كان القانون اللبناني المتعلق بالإجراءات والملاحقة هو المطبَّق على كل الأعمال التي كانت تجريها لجنة التحقيق الدولية التي كان يرأسها مؤخراً قبل أن يصبح مدعياً عاماً للمحكمة، ومتذرعاً بأن أحكام ملاحقة جريمة شهادة الزور المعني بها هي فقط المنصوص عليها في المادة 152 من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، وتتناول فقط شهادة الزور بعد حلف اليمين المدلى بها أمام إحدى غرف هذه المحكمة الدولية.
إن موقف المدعي العام الدولي المذكور يفيد أن المحكمة الدولية لا تريد ممارسة اختصاصها في ملاحقة هذه الجرائم المتفرعة والمتلازمة مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري كما بيًّنا أعلاه، ويصبح بالتالي القضاء اللبناني حكماً صاحب الاختصاص لملاحقة هذه الجرائم سنداً لأحكام المادة الرابعة من نظام المحكمة المشار إليها أعلاه ولقانون العقوبات اللبناني (المادة 15) منه التي تولي صلاحية المحاكم اللبنانية على هذه الجرائم باعتبار أنها ارتكبت في الأراضي اللبنانية وفقاً لأحكام هذه المادة التي تنص على أنه تعد الجريمة مقترفة في الأراضي اللبنانية إذا تم على هذه الأراضي أحد العناصر التي تؤلف الجريمة أو فعل من أفعال جريمة غير مجتزأة أو فعل اشتراك أصلي أو فرعي، كما إذا حصلت النتيجة في الأرض أو كان متوقعاً حصولها فيها.
باء ـ المرجع القضائي اللبناني المختص للنظر في جرائم شهادة الزور والافتراء في قضية اغتيال الرئيس الحريري
إن جرائم شهادة الزور والافتراء المشتبه بارتكابها هي جرائم متفرعة ومتلازمة مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وقد أحيلت جريمة اغتيال هذا الأخير إلى المجلس العدلي بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء آنذاك. وورد في هذا القرار أنه تقرر إحالة جريمة اغتيال الرئيس الحريري وكل ما يتفرع عنها إلى المجلس العدلي، أن هذا المجلس يكون بالتالي المرجع القضائي المختص للنظر بجرائم شهادة الزور والافتراء كون هذه الجرائم متلازمة مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري وفقاً لمضمون المادة 133 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ولأن هذه الجرائم فضلاً عن أنها أدَّت إلى تضليل التحقيق الجنائي، أضرت بالمدعى عليهم لدى القضاء اللبناني زوراً وافتراء عليهم واستتبعت توقيفهم لمدة طويلة على ذمة التحقيق استناداً إلى هذه الأضاليل، وأنه لحسن سير العدالة وحتى لا يبقى الفاعلون الحقيقيون من محرِّضين ومشتركين ومنفذين وممولين لجريمة نالت من رئيس وزراء لبنان واستتبعت إخلالاً بالسلم والأمن الأهلي دون ملاحقة تؤدي إلى توقيف الفاعل الأساسي، فإنه يقتضي إيلاء النظر بهذه القضية المتفرعة عن القضية الأصلية إلى قاضي التحقيق العدلي الذي كان يحقق في قضية اغتيال الرئيس الحريري كون التحقيقات والمستندات والأدلة لا تزال موجودة في دائرته، ولأنه المرجع الأصلح والأفضل لتولي النظر في هذه الجرائم المشتبه بارتكابها توصلاً إلى تحقيق العدالة عن طريق معرفة الجرم الأصلي الذي هزّ أركان الدولة اللبنانية وأدخلها في مأزق لا يزال مستمراً حتى الآن ويُخشى من تفاعلاته وآثاره التي قد تكون مُدمِّرة لبلدنا العزيز.
وإلى الذين يعارضون إحالة ملف شهود الزور والمفترين إلى المجلس العدلي متذرِّعين بأن صلاحية هذا الأخير محصورة فقط بالجرائم المنصوص عليها في المواد 270 وما يليها وحتى المادة 336 ضمناً من قانون العقوبات، وإن جرمي شهادة الزور والافتراء المنصوص عليهما بالمادتين 408 و 403 عقوبات ليست من ضمن الجرائم المشار إليها في المادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإننا نقول إن الجرمين المذكورين هما جرمان متلازمان مع الجريمة الأصلية التي سبق أن أحيلت إلى المجلس العدلي كما سبق ذكره، وأنه على افتراض أنهما غير متلازمين مع الجريمة الأصلية، فإن هذان الجرمان هما بحد ذاتهما من الأعمال التي حُدِّدت بأنها من اختصاص المجلس العدلي في المادة 288 عقوبات المتعلقة بالجرائم الماسة بالقانون الدولي كونها عكَّرت الصلات بدولة أجنبية كسوريا التي وَجَّه بعض هؤلاء الفاعلين أصابع الاتهام إليها، وعرَّضت اللبنانيين لأعمال ثأرية قد تقع عليهم أو على أحوالهم وهذا ما أكده رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري في المقابلة التي نشرتها جريدة &laqascii117o;الشرق الأوسط" مؤخراً، كما أنهما يؤديان إلى الفتنة في لبنان في حال استمرار التجاذب وإطلاق الاتهامات الكاذبة والإدلاء بإفادات مزورة واختلاق جرائم وإلصاقها بمواطنين زوراً، وإلى الحض على تسليح اللبنانيين ضدّ بعضهم البعض أو حضِّهم على ذلك. وهذا الجرم المنصوص عنه في المادة 308 وما يليها من قانون العقوبات التي تدخل ضمن اختصاص المجلس العدلي وفضلاً عن أن الخطاب المعتمد في لبنان مؤخراً والكتابات على أنواعها في وسائل الإعلام من شأنها إذا استمرت دون ملاحقة مرتكبيها أو الدافعين سراً إليها أن تنال من الوحدة الوطنية وأن تعكّر الصفاء بين عناصر الأمة وهي أيضاً جريمة منصوص عنها بالمادة 317 عقوبات المعدلَّة وتدخل ضمن اختصاص المجلس العدلي.
وهنا يقتضي التذكير بأن الفعل الجرمي قد يحمل أوصافاً متعددة، لا يجوز حصره في نوع واحد من الجرائم فيكون الفعل الذي يشكل جرم الافتراء محتوياً على أفعال أخرى تكون عناصرها المحققة منطبقة على وصف جرمي آخر كما هي الحال في الجرائم المشار إليها أعلاه ويكون أمر النظر بها من اختصاص المجلس العدلي.
وعلى كل حال وبعد اعتبار هذه الجرائم من اختصاص المجلس العدلي حتى ولو لم يصدر مرسوم بإحالتها لأنه سبق أن أحيل ملف اغتيال الرئيس الحريري إلى المجلس العدلي فإنه يقتضي على المحقق العدلي الذي كان واضعاً يده على الملف أن يباشر تحقيقاته في هذه الجرائم وذلك برفع القضاء العادي الذي لا يوجد لديه أية ملاحقة جزائية بهذا الخصوص يده لعدم الاختصاص، وأن يحيل الملف الموجود لديه إلى المجلس العدلي وفقاً للأصول القانونية التي ترعى قواعد الاختصاص النوعي.
وبمطلق الأحوال وأياً كان المرجع القضائي المختص للنظر في دعاوى جرائم شهادة الزور والافتراء في قضية اغتيال الرئيس الحريري، فإننا نرى أنه على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تمارس اختصاصها القضائي في قضية الاغتيال المذكورة وبكافة هيئاتها بما فيه الادعاء العام، استئخار السير بالدعوى، لحين البت في دعاوى الافتراء وشهادة الزور التي أدَّت إلى تضليل التحقيق وحجبت عن أنظار فريق التحقيق الدولي والمحكمة بكافة هيئاتها الحقيقة عن هوية الفاعل الحقيقي والمساهمين معه في ارتكاب هذه الجريمة النكراء وأخلت بسير العمل القضائي وعطَّلت إمكانية توصله إلى معطيات وحقائق تقود إلى جلاء الحقيقة ومعرفة الفاعل لسوقه إلى العدالة.
جيم ـ مدى جواز التذرع بمبدأ سرية التحقيق بالنسبة للمحاضر والإفادات والمعلومات المتعلقة بجرائم شهادة الزور والافتراء
تنفيذاً للبند السابع من مذكرة التفاهم الموقعة بين وزير العدل خالد قباني عن الدولة اللبنانية ورئيس لجنة التحقيق الدولية ديتلف ميليس، كانت هذه اللجنة تزوِّد خلال التحقيقات التي كانت تقوم بها قاضي التحقيق العدلي بنسخة عن الأدلة التي جمعتها. وهذه المحاضر والإفادات والتقارير أصبحت بالتالي جزءاً لا يتجزأ من ملف التحقيق القضائي اللبناني، وقد بنى قراراته عليها، وتخضع بالتالي لسرية التحقيق المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني. وإن الامتيازات والحصانات المتعلقة بالمستندات العائدة للهيئات التابعة للأمم المتحدة ومنها لجنة التحقيق الدولية المستقلة لم تعد تطبق بالتالي على الإفادات والمعلومات التي قد تشكل أدلة على حصول جرائم شهادة الزور والافتراء في قضية اغتيال الرئيس الحريري والموجودة في الملف القضائي اللبناني، خاصة أن بعض هذه الإفادات قد أصبحت علنية بعد أن وردت في تقارير رئيس اللجنة ديتلف ميليس التي رفعت إلى مجلس الأمن ونشرت في كافة وسائل الإعلام (مثلاً إفادة زهير الصديق). فأين سرية التحقيق والحصانة المزعومة لهذه المستندات؟ كما أنه بالاستناد إلى قرار قاضي الإجراءات التمهيدية الذي أكد عدم صدقية هذه الإفادات وبالتالي قرر عدم اتهام الأشخاص المحتجزين من قبل القضاء اللبناني من جهة، وإلى إعلان المدعي العام الدولي عدم اهتمامه بشهود الزور وعدم صلاحيته لملاحقتهم من جهة ثانية، وإلى الادعاء الجزائي على بعض هؤلاء الشهود لدى المحقق العدلي اللبناني بجريمة شهادة الزور من جهة ثالثة. فإنه لم يعد من الجائز قانوناً التذرع بسرية التحقيق أو بحصانة المستندات للقول بعدم جواز تسليمها للمتضررين من هذه الجرائم أو للقضاء اللبناني صاحب الصلاحية لملاحقة مثل هذه الجرائم ليتمكن من معاقبة المجرمين، وإلا اعتبر هذا الموقف عقبة بوجه حسن سير العدالة وتعطيلاً لمبدأ إحقاق الحق.
ـ 'النهار'
سباق الانقلاب 'الشرعي' والقرار الظني
عبد الوهاب بدر خان:
لبنان في مجلس الامن للمرة الثانية خلال اسبوعين، مع لهجة اميركية متصاعدة ضد سوريا، تنبيها الى التزاماتها وتحذيرا من زعزعة الاستقرار الداخلي. كلام مكرر سمع اللبنانيون مثله مرات ومرات، وليس من شأنه ان يغير شيئا. فما يسمى المجتمع الدولي لا يتمتع بأي قدرة على ضبط الاطراف الاقليمية وامتداداتها الداخلية. وعما قريب سيضطر هذا المجتمع الدولي الى تداول افضل الوسائل لحماية المحققين الدوليين في جرائم الاغتيال، وبالتالي لضمان استمرار المحكمة الدولية في عملها، اذ لم يعد هناك شك في ان مرحلة الهجوم الفعلي على المحكمة قد بدأت، اولا بالاشتباك النسوي مع فريق المحققين، ثم بدعوة الامين العام لـ'حزب الله' الى 'مقاطعة المحكمة واعتبار اي تعاون معها بمثابة اعتداء على المقاومة'.
فهذا الاشتباك لن يكون الاخير، وتلك الدعوة قد لا تبقى مجرد توصية خطابية، بل ستشق طريقها الى مجلس الوزراء لاستدراجه هو الآخر الى تبني مقاطعة المحكمة حتى لو كانت مبنية على معلومات مضللة عما كان المحققون يبحثون عنه في العيادة النسائية، بل حتى لو كانت المقاطعة مخالفة لالتزامات لبنان ولمضمون البيان الوزاري. وفي التطورات المستمرة منذ خمسة شهور اكثر من دلالة الى ان مساعي التهدئة ضبطت الوضع جزئيا ولم تتوصل الى معالجة عملية للأزمة التي ولدت موصولة بمختلف صراعات المنطقة، اذ ان ثلاثي سوريا – ايران - 'حزب الله' وضع المحكمة الدولية في خانة الادوات الاميركية – الاسرائيلية المستخدمة ضده، ولن يخرجها منها، لكنه سيعمد الى كل الوسائل المتاحة لديه لبنانياً، وهي كثيرة، عسكرية وسياسية وميليشيوية، لكي يجعل ثمن استمرار المحكمة باهظا ان لم يستطع ان يعطلها.
لذلك تسعى واشنطن، وباريس بدرجة اقل، الى التأثير في الدور السوري. ليس هناك تناغم اميركي – فرنسي، بل هناك ارتياب اميركي من طبيعة التقارب الساركوزي مع دمشق، اذ ان باريس تبدي مواقف قريبة واحيانا مطابقة لما تبديه واشنطن لكنها تتحدث مع دمشق بلهجة مختلفة تشجع الاخيرة على مواصلة سلبيتها في التعاطي مع الشأن اللبناني. في اي حال، لا يعني هذا الاهتمام الدولي ان لديه القدرة الفعلية على منع الفتنة. قد يتمكن من تأخيرها ببعض المسكّنات، وقد توحي سوريا بأنها تساهم في التهدئة تجاوبا مع الدعوات الدولية، الا انها تبحث كالعادة عن المصلحة التي يمكن ان تأتيها في المقابل.
الهاجس المقلق لدى العديد من العواصم المعنية، عربيا ودوليا، هو سيناريو 'الانقلاب الشرعي' الذي يعني اسقاط الحكومة الحالية عبر تفعيل الاكثرية النيابية المنقلبة الى 8 آذار بعد الخروج الجنبلاطي من 14 آذار. هذا ما يفسر اللقاء الاستثنائي لجيفري فيلتمان مع رئيس 'اللقاء الديموقراطي' الذي يحلم بان يبقى في الوسط بين الفريقين، لكن احتدام الصراع لن يبقي مساحة لمثل هذه الاحلام، خصوصا اذا حصر الخيار 'مع المحكمة' او ضدها. وعلى افتراض ان 'الانقلاب الشرعي' نفِّد سلميا، فإن ما بعده ليس مضمونا. وعلى افتراض ان حكومة بديلة ستشكَّل بيسر وسلاسة، متمتعة بثقة الاكثرية المنقلبة، فانها ستضاعف الانقسام وتفاقم انكشاف الدولة ومؤسساتها بل تضعها في علاقة صعبة مع الخارج، عربيا ودوليا، فتعود قسرا تحت وصاية الامر الواقع السوري – الايراني. غداة زيارة الرئيس الايراني للبنان سجلت كلمة 'حوار' مرورا عابرا وما لبثت ان انطفأت. يبدو ان اقتراح الحوار كان مجرد فكرة لإلباس ختام الزيارة ثوبا توفيقيا، للايحاء بأن الايراني يريد ايضا ان يكون 'أخاً أكبر' الى جانب الإخوة الآخرين.
من الواضح ان الحوار غير متاح، لان الحلول الوسط مستبعدة وغير متوفرة اصلا. وعلى رغم ان الحلول الجراحية مكلفة وغير واقعية الا انها لا تزال مرجّحة. وها هي دعوة السيد حسن نصرالله الى عدم التعاون مع المحكمة تؤشر الى ان الحوار كان مجرد سراب وتلاشى. في الوقت نفسه لا يزال ملف 'شهود الزور' يشل الحكومة والحكم تجنبا لتصويت في مجلس الوزراء، بعد تصويت آخر تم تجنبه في شأن بند تمويل المحكمة الدولية في الموازنة، فماذا لو طرحت ايضا مسألة مقاطعة المحكمة وطُلب التصويت عليها... كل ذلك اعاد البلد ويعيده الى اجواء ازمة اواخر 2006 التي اعطيت تبريرات عدة لكن محورها وجوهرها كان الخلاف على المحكمة الدولية. ومع ان اطراف المعارضة خاضت الازمة لمصالح شتى وحصلت على تنازلات بفعل الحسم العسكري في 7 ايار 2008، الا ان هدفها كان ولا يزال اسقاط الحكم الذي جاء بالمحكمة الدولية. ومع وجود سعد الحريري رئيسا للحكومة يرى 'حزب الله' ومن ورائه سوريا وايران ان لديهم 'الرجل المناسب جدا لهذه المرحلة' كونه الوحيد الذي يستطيع ان يعطي 'شرعية' لإلغاء المحكمة الدولية. لكنه اذا فعل لن يعود مناسبا ابدا للاستمرار في الحكم. ولذلك فهو لن يقدم هذا التنازل.
بموازاة هذه التداعيات الداخلية، يلاحظ ان ثمة حركة اقليمية غير اعتيادية، وهي ذات مغزى، فالدعوة السعودية الى الاحزاب العراقية للقاء في الرياض بعد موسم الحج قد تشكل الاخراج النهائي لحل الازمة الحكومية بعد تنازلات متبادلة بين اطرافها. ولا يبدو ان ايران تعارض هذه الخطوة، فهي ضامنة مكاسبها العراقية وبقاء الحكم في ايدي حفائها من الشيعة المتشددين، وبالتالي فهي تريد الآن تسهيل ولادة الحكومة مع تنازلات للسنة. اما السعودية التي خسرت الرهان على وجود اياد علاوي في رئاسة الحكومة فتريد ان تدخل العراق من باب رعاية المصالحة الوطنية ولمّ الشمل...
هذا التطور، منظوراً اليه من زاوية الأبعاد الاقليمية للأزمة اللبنانية، قد يشي تحليلا بتنازل ايراني في العراق مقابل تنازل في لبنان، لكن هذا مجرد تكهنات على الطريقة اللبنانية المعتادة.
ـ 'الأخبار'
شطارات &laqascii117o;جماعة سعد" لا تكفي
فداء عيتاني:
يُخيَّل إلى بعض الفريق الذي يدير دفة رئاسة الحكومة ورئيسها معاً، أن النزاع الذي يدور في البلاد يمكنه أن يوظف الجميع على قاعدة &laqascii117o;إما معنا أو ضدنا"، وأن الانقسام العمودي الحاصل يطال الجميع. لذا، فهم يبنون فهمهم الواقع المحيط بهم على قصر نظر غير مسبوق، يضاف إليه كمّ من المصالح المتشابكة في الداخل والخارج التي توفّر لهم رفاهية وترفاً غير مسبوق.
يجهل، أو يتجاهل المحيطون برئيس الحكومة سعد الحريري، أن الصراع في لبنان أساسه ليس ملف محكمة دولية، ولا حقيقة لم يطالبوا بها إلا ذريعة وكقميص عثمان للكسب على خصومهم، وليس أساس النزاع أن حزب الله يريد الاحتفاظ بسلاح المقاومة، ولا يرون في النزاع الحاصل إلا مناسبة لعرض أنفسهم أمام شاشات التلفزيونات خلال محاولتهم ممارسة ألاعيبهم السياسية وعرض ذكائهم المرتفع في محاججة حزب الله والأطراف الأخرى في تفاصيل سياسية محلية، لولا أنها تكاد تحرق البلاد لما كانت تستحق أن يكتب عنها في صحفهم الحزبية وشاشاتهم الممولة من المال المنهوب قسراً من الشعب اللبناني ومن أموال الشعب السعودي وغيرهما.
لا يمكن أن يصدق محدودو العلم في السياسة وفي مصالح المجتمعات، من أصدقاء سعد الحريري المقربين الذين يدافع هو عنهم بالقول: &laqascii117o;هؤلاء جماعتي". لا يمكن أن يصدّق أي منهم أن هناك جذوراً عميقة للصراع الدائر في البلاد، وأن هناك مصالح اجتماعية وطبقية (مع الاعتذار على استخدام تعابير مشابهة) ما زالت موجودة في البلاد رغم كل أناشيد &laqascii117o;روح شوف مستقبلك" و&laqascii117o;لبنان عم يبكي" وغيرها من أناشيد التباكي.
ولا بد من أن يخبر أحد المعلم سعد الحريري الذي يدافع عن جماعته في المحافل الدولية، ويستجدي من حزب الله الوقت الكافي ليتمكن من القضاء على الحزب (نفسه) وإصلات سيف المحكمة فوق رأس قيادة الحزب. لا بد من أن يخبره أحدهم (أو إحداهن) أن المصالح الكبرى يمكن أن تجد تعبيراتها في تكتيكات سياسية، لكن التشاطر وضرب الكم وممارسة الأكاذيب على الدول لا يمكنها أن ترسم سياسات كبرى.
هناك ملفات جدية لا بد من تحديد خيارات فيها، هي أولاً قبل كل شيء الملف الاقتصادي، ومنه الملف الاقتصادي الاجتماعي. ولمعلومات الرئيس الشاب، إن الخيار الاقتصادي الذي رُسم منذ عام 1992 (بالتعاون والتعاضد والتواطؤ مع من كان يمثل الحكم السوري في لبنان) أدى إلى تراجع اقتصادي حول الشعب اللبناني إلى الزحف نحو مستوى الفقر، وإلغاء ما بقي من طبقة وسطى، وتدمير عوامل الأمان الاجتماعي وتطبيق سياسات فشلت في الدول الرأسمالية والصناعية الكبرى، ولا يزال فؤاد السنيورة يحلم بتطبيقها في لبنان.
وربما لم يكن الحريري يعلم أنه في أحسن أحواله سيكون زعيماً لطائفة السُّنة في لبنان، لكنه لن يكون زعيماً وطنياً في بلاد يجري تَقاسمها مذهبياً، وبالتالي إما أن يقف في صف ثوري (وأستغفر الله أن يفعل) أو يأخذ منحىً وطنياً (كالرئيس سليم الحص) أو يعرف حدود طاقته كممثل لطائفة بحاجة إلى موافقة باقي الطوائف حتى لو أراد توظيف مئة دركي.
وبصفته زعيماً لطائفة في البلاد لا أكثر، لكن يمكن أن يكون أقل، عليه أن يقدم خيار هذه الطائفة في المسائل الكبرى، من العلاقة بالولايات المتحدة، والموقف الفعلي من إسرائيل، ولا يكفي ترداد الشعارات اللفظية تجاه العدو، ومن ثم إرسال بضعة من المحسوبين عليه لمناقشة عملاء العدو ومفكريه في غير بلد.
وعلى رئيس الحكومة الشاب أن يعلم أنه في اللحظة التي يتخيل أنه يلعب لعبة المونوبولي مع أبناء عمته بهية، ويشتري ويبيع في بلاد الأرز، ويكسب من أبناء عمته أو يخسر أمامهم بلعبة النرد والعقارات، ويتخيل وهو في غرفة السيكار في بيت الوسط يدخن، أنه بات يملك مصير البلاد، فإنه في الحقيقة رهينة لدى أطراف عدة. فهو أولاً رهينة للغرب، إلى حين أن ينفذ مجموعة التزامات لم يضعها هو، بل سلفه الصالح، وبعض فريق سلفه الصالح.
ورئيس الحكومة هو في الواقع أسير الجمهورية السورية، ورئيسها بشار الأسد، الذي يمثل اليوم أكثر المطالبين ببقاء سعد الحريري في موقعه... إلى حين تنفيذ ما يراد منه.
ورئيس الحكومة الشاب أيضاً وأيضاً أسير حزب الله، الذي يريده أن يبقى رئيساً لحكومة البلاد، لكن لغاية واضحة ومحددة، وبعدها يمكن أن يناقش الحزب في مصير سعد مع مستشاره الأقرب الى الحزب.
إلى ذلك الحين، فإن الأسير سيبقى يتلقى الضربات، ويخرج إلى أصدقائه الغربيين شاكياً متوسلاً، لكنه سيعود إلى بلاده لتلقي المزيد من العذابات في موقعه العالي، وفي منزله المترف.
كل الشطارة الكلاميّة لـ&laqascii117o;جماعة سعد" ينقصها عاملان: الأول، بعض الكتب السياسية التي قد تكون مفيدة لهم. والثاني، إدراك الواقع المحيط بهم... البلد ليس لعبة مونوبولي يا دولة الرئيس.