قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 8/11/2010

- 'السفير'
&laqascii117o;السفير" تنشر فصولاً من كتاب &laqascii117o;سر الرؤساء": لبنان وسوريا واحتلال العراق (1).. جريمة اغتيال الحريري كما سجلت في محاضر الإليزيه عبر لقاءات شيراك ـ بوش
باريس ـ محمد بلوط:

لم يسبق لأي كاتب أو صحافي أن دس أنفه في بعض محاضر اجتماعات جورج بوش وجاك شيراك حول لبنان، كما فعل الصحافي الفرنسي فانسان نوزيل في كتابه الجديد &laqascii117o;سر الرؤساء". الصحافي ريشار لابيفيير في كتابه &laqascii117o;التحول الكبير" الصادر في العام 2008، كان قد وضع أسس معرفتنا القريبة لكواليس القرار 1559، فوق أرضية المصالحة بين جاك شيراك وجورج بوش بعد خلافهما حول العراق. والارجح أن لابيفيير كان أكثر غنى في التحليل وربط الأحداث، وعرض التفاصيل التي قادت إلى تحويل صيف 2004 موعدا أميركياً فرنسياً مشتركا &laqascii117o;للانتقام &laqascii117o;من الرئيس بشار الأسد لعدم تعاونه مع الرئيس بوش في تسهيل احتلال أميركا للعراق وإغلاق طرق القاعدة العابرة إلى المثلث السني عبر سوريا، أو رفضه طلبات الرئيس شيراك، الارتقاء بصديقه الشخصي الرئيس رفيق الحريري، في لبنان، إلى الشراكة.
لكن &laqascii117o;سر الرؤساء" يعزز معرفتنا بتلك الفترة، بما قيض &laqascii117o;لنوزيل" الاطلاع عليه من أرشيف الأليزيه، ومحاضر اللقاءات الأميركية الفرنسية، والملاحظات على المفكرات الخاصة للرئيس شيراك. وهي رزمة من المعلومات حصل عليها، في سياق الفصول التي خصصها للبنان، من موريس غوردو مونتاني، المستشار الدبلوماسي للرئيس جاك شيراك.
ويمكن الاكتفاء بالتنافس التقليدي للهيمنة على لبنان تفسيراً للدوافع الأميركية والفرنسية. كما من الممكن لمن شاء أن يعيب على الكتاب تجاهله المقدمات التي قادت إلى انقلاب الرئيس شيراك على سوريا، وتقاربه مع الرئيس الأميركي جورج بوش. وباستطاعته أن يسقط من الحساب المقدمات: يأس الرئيس الفرنسي وحليفه اللبناني من تسهيل تفرده بعمليات توزيع مؤتمري باريس واحد واثنين، من دون تدخل دمشق أو حلفائها. وهي الوجهة التي تبناها كتاب &laqascii117o;شيراك العرب" لكريستوف بولتنسكي وآشيرمان عن المرحلة نفسها.
وباستطاعة المرء أن يلاحظ سبق الرئيس شيراك إلى بلورة مفهوم &laqascii117o;الهلال" أو &laqascii117o;القوس الشيعي"، قبل أن يطفو على السطح النووي الإيراني في العام 2004، وكان الرئيس الفرنسي يستخدمه في لقاءاته ببوش وكوندليسا رايس لضمهما إلى الحملة من أجل القرار 1559. ومن نافل القول إن سقوطه في مسامعنا بصوت الملك عبد الله الثاني الأردني بعد حرب تموز 2006 ما كان سوى صدى لهواجس الرئيس الفرنسي المبكرة، وانعكاس لتجربته الشخصية وعلاقاته القوية مع حكام الخليج وصدام حسين في العراق. وكان قبل ذلك، الخوف من &laqascii117o;وقوع" العراق بيد الشيعة، أحد أسباب معارضته لحرب العراق، كما يعرض الكاتب.
اعتقد الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لوقت طويل، أن الرئيس السوري الشاب، بشار الأسد، الذي كان قد استقبله في الإليزيه قبل توليه السلطة، نصير لإجراء إصلاحات رفضها والده العنيد، ورفض القبول بها حتى وفاته في حزيران 2000.
عندما خلف بشار والده، اعتقد شيراك أنه &laqascii117o;سيكون وصياً عليه"، يشرح مستشار سابق في الإليزيه، و&laqascii117o;اجتهد كثيرا لمساعدته، وحاول إقناعه بتليين مواقفه. ونجح بالحصول على تأييد سوريا قرار الأمم المتحدة إعادة المفتشين إلى العراق في تشرين الثاني 2002".
تملك سوريا، بنظر الإليزيه، ورقة بناءة يمكنها أن تلعبها في المنطقة بعد سقوط صدام حسين: بإمكانها أن تساهم في استقراره، والتخفيف من هيمنتها على لبنان، والتفاوض مع إسرائيل حول اتفاق سلام.
ولهذه الغاية، أوفد شيراك سراً مطلع تشرين الثاني 2003، مستشاره الدبلوماسي موريس غوردو مونتاني، لرصد نيات الرئيس السوري. الموفد كان مكلفا بالمهمة أيضا من قبل المستشار الألماني غيرهار شرودر والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اللذين تشاورا مع شيراك ومستشاره. المقابلة بين غوردو مونتاني وبشار الأسد دامت أكثر من ساعتين، في صبيحة العاشر من تشرين الثاني.
&laqascii117o;لقد تغير العالم حولكم"، قال الفرنسي. &laqascii117o;نحترم سيادتكم، وقد بذل رئيس الجمهورية كل ما بوسعه لضمكم إلى المشهد الدولي، وهو مستعد للمتابعة. نحن بحاجة إليكم من أجل التوازن في المنطقة. فلتتخذوا مبادرة، من أي نوع كان، ونحن ندرسها، وندعمكم بإرسال وزراء خارجية فرنسا وروسيا وألمانيا".
كان بشار الأسد يصغي بانتباه، لكنه كان متوترا ومرتابا: &laqascii117o;هل تحمل رسالة من الأميركيين؟".
&laqascii117o;لا"، أجاب غوردو مونتاني. &laqascii117o;إني لا أحدثك باسم الأميركيين، لكن باسم قادة الدول الثلاث وحكوماتها".
لم ينتهز الرئيس السوري الفرصة المتاحة، وخاض في مطولة هجائية للأميركيين، الذين يشتبه في سعيهم لإسقاطه. الموفد غادر من دون الحصول على أي إشارة بالانفتاح الموعود. وواصل جولته على العربية السعودية للقاء ولي العهد عبد الله، ثم لبنان ليلتقي رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني. كان الوزراء المقربون من سوريا يسيطرون على حكومته، والمقربون من الأسد يمسكون بكل الخيوط في بيروت.
الرئيس الفرنسي المصاب بخيبة كبيرة، ازدادت قناعته تدريجا، بأن نظام دمشق سيبقى عصيا، إلا إذا ضاعف من الضغوط. والحال أن واشنطن كانت هي أيضا قد أصبحت على موجة باريس نفسها.
الرئيس السوري وانزعاج واشنطن
كان غضب البيت الأبيض يزداد يوميا، ضد سوريا التي وضعها بعض &laqascii117o;المحافظين الجدد" في &laqascii117o;محور الشر". ولم تتوقف لائحة المآخذ عن التطاول خلال العام 2003.
وبحسب وكالات المخابرات الأميركية، منحت دمشق اللجوء لمسؤولين عراقيين بعد سقوط بغداد. والإنذارات الموجهة إليها لم تلق أذنا مصغية. من جهة أخرى، كان العشرات من المقاتلين القادمين من موريتانيا والسودان واليمن، يعبرون سوريا إلى العراق لإشعال الحرب المقدسة ضد الأميركيين. وكان تراخي السلطات السورية، في المناطق الحدودية، أكثر ما يزعج إدارة الرئيس بوش.
أحد مسؤولي الخارجية الأميركية، دافيد ساترفيلد، صرح عن هذا الانزعاج لدبلوماسيين فرنسيين خلال لقاء مطول كُرس لسوريا، في الرابع عشر من تشرين الثاني 2003: &laqascii117o;إن خلايا القاعدة تعبر الأراضي السورية، بدون أن يمنعها النظام السوري، لكنه يعرف أن مخابراتنا تحيط بكل ما يجري".
موضوع خلاف آخر، اقل بروزا، كان يثير أعصاب الأميركيين: السوريون افرغوا من دون أدنى معاناة ضميرية الحسابات العراقية في مصارفهم! إن قرارا من الأمم المتحدة كان يلزم نظريا الدول التي اودعت لديها هذه الأموال، أن تقوم بتحويلها إلى صندوق لتطوير العراق، مكلف بإعادة بنائه. وبرغم بذلهم عناء الدنيا كلها، لم يستطع الخبراء الأميركيون الحصول من دمشق على المعلومات بشأن هذه الحسابات. وبحسب دافيد ساترفيلد، فقد أطهرت دراسة حسابية حديثة جدا أن 85 في المئة من هذه المبالغ تبخرت خلال أشهر، وانخفضت من ملياري دولار إلى 266 مليون دولار.
&laqascii117o;تركت السلطات السورية لدائنين صغار، أن يستوفوا من هذه الحسابات ديونهم بأنفسهم، باستثناء الشركة الوطنية للنفط"، يشرح ساترفيلد. وبطريقة أخرى، فإن أفرادا معينين أثروا بطريقة غير مشروعة من خلال استيلائهم على ما يقارب ملياري دولار. في 12 تشرين الثاني 2003 وجه كل من المصرف المركزي العراقي، والخزانة الأميركية، تبليغا لسوريا للحصول على ما بقي من الأموال، لكن من دون نتيجة مؤكدة.
إلى هذه المواضيع المثيرة للغضب، يضاف دعم دمشق &laqascii117o;حزبَ الله"، والفصائل الفلسطينية الراديكالية، كحماس والجهاد الإسلامي، أعداء إسرائيل حتى الموت. &laqascii117o;من المؤكد أن السلطات السورية لم تكن على علم بالعمليات الإرهابية، لكنها كانت تسهر على أمن هذه العمليات بالقول لمنفذيها: انتبهوا، فإن الأميركيين يراقبونكم"، بهذا باح دافيد ساترفيلد للفرنسيين.
وفي النهاية، استشاطت واشنطن غضبا من غياب التعاون السوري في مكافحة الشبكات السلفية للقاعدة. &laqascii117o;بعد الحادي عشر من ايلول مباشرة، كان تعاونهم مُرضيا، بل مثمرا، خلال عام، ثم تضاءل تدريجا، ليصل الى حد الصفر منذ ستة أشهر".
أرسل البيت الأبيض إشارات عدة إلى الرئيس السوري، تعبر عن عدم رضاه، لكن من دون نتائج. &laqascii117o;قل لبشار الأسد إنني أحادي شرير"، بذلك توجه بوش لشيراك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول 2003. وإذا كان الأسد لا يثق بالأميركيين، وهذا ما كرره لغوردو مونتاني ولدبلوماسيين آخرين قابلوه، إلا أنه حاول التفاوض معهم بطريقة غير رسمية، عبر عماد الحاج، رجل الأعمال اللبناني الأميركي.
علق دافيد ساترفيلد على ذلك &laqascii117o;الأسد يماطل ويحاول الظهور بمظهر المحاور الجيد مع واشنطن. لكنه يعرف تماما، المطالب التي يجب ان يلبيها. لا نحتاج إلى قنوات موازية، ولا نلعب هذه اللعبة".
إن تصلب الإدارة الأميركية سينعكس في تقييمها للرئيس السوري من الآن فصاعدا. وتدريجا سيغدو الأسد أقل قابلية للتعامل معه: &laqascii117o;في الحقيقة يتصرف الأسد كنيو ناصري، ويحاول التموضع كبطل العالم العربي، وقد جذب الشباب اليه في الشرق الأوسط. لكن في المحصلة النهائية، غدت علاقاته كريهة مع جيرانه".
من جهته، قام مجلس الشيوخ الأميركي بتبني عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري المتهم بدعم الإرهاب والإبقاء على وجود عسكري في لبنان: &laqascii117o;إن تدهور العلاقات السورية الأميركية، قد عبر عتبة جديدة بعد التصويت في مجلس الشيوخ، والمشكلة لدى الإدارة الأميركية، انها شيطنت النظام الحاكم في دمشق، ولم تعد قادرة على وضع سياسة شاملة وديناميكية تتسع للمواءمة بين العصا والجزرة: وبما أنها لم تعد تملك ما تعرضه على دمشق، فقد توقفت عن الاستجابة والرد على الأحداث".
التحضير في الخفاء لقرار من مجلس الأمن
التصعيد هذه المرة لم يكن عسكريا. لكن الحملة الدبلوماسية شقت طريقها وانتظمت. وخلال الأشهر الأولى من 2004، اظهر الإليزيه عن طريق لمسات صغيرة رغبته بالتقارب مع واشنطن من خلال الاتفاق على الملف السوري اللبناني. اللحظة كانت مؤاتية: وما دام الأميركيون يحرصون على تنفيذ فكرتهم لدمقرطة الشرق الأوسط، فليكن، ولنختبر التزامهم بالفكرة في لبنان، حيث لا يزال لفرنسا بعض التأثير.
جاك شيراك عرض هذه الفكرة، خلال لقاء مع بعض الشيوخ الأميركيين في آذار 2004.
سألوه رأيه في &laqascii117o;الشرق الأوسط الكبير"، فأجاب: &laqascii117o;لنكن واقعيين. لن نتقدم في الديموقراطية، إلا إذا بدأنا بدعمها حيث توجد، ولو بطريقة غير كاملة كلبنان. ينبغي إذاً، أن نساعد هذا البلد على التخلص من الوصاية السورية".
جاك شيراك سيكرر هذه اللازمة، خلال عشاء في الإليزيه مع جورج بوش في الخامس من حزيران 2004: &laqascii117o;ستكون هناك انتخابات رئاسية في لبنان في شهر تشرين الأول، إنها فرصة من أجل انطلاقة جديدة للبنان، شرط ألا يؤخذ الرئيس الجديد في طوق سوري. سيحاول السوريون إعادة انتخاب الرئيس الحالي إميل لحود، عن طريق تعديل الدستور. لقد سجلنا باهتمام تصريحات كولن باول، وكوندليسا رايس حول ضرورة إجراء انتخابات خالية من أي تدخل اجنبي، كما سجلنا تبني الولايات المتحدة عقوبات، مشروطا رفعها بانسحاب سوريا من لبنان... فلنعمل معا".
&laqascii117o;لمَ لا"، أجاب بوش على الفور.
كوندليسا رايس وعدت بأن تتشارو، بسرعة، مع نظيرها موريس غوردو مونتاني، الاتصالات الأسبوعية بينهما تكثفت. ورويدا رويدا بدأ محور باريس ـ واشنطن يتشكل ويظهر إلى العلن، بفضل هذه العقدة اللبنانية السرية، وبفضل هذا الملف بالتحديد. &laqascii117o;بما اننا كنا على خلاف في العراق، كان من الأفضل أن نحاول التركيز على شيء آخر، ونعمل فيه معا. كان لبنان مناسبا لنا بامتياز"، كما يتذكر هوارد ليتش السفير الأميركي الأسبق في باريس.
لم يكن جاك شيراك يرغب بالصراخ فوق السطوح: إنه يسعى، بأي ثمن، إلى إعادة وصل ما انقطع مع جورج بوش، خصوصا ان شعبية هذا الأخير في فرنسا كانت في الحضيض.
لكن، بما أنه لم يصغ إليه في العراق، أو في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فقد عثر في لبنان على عنوان للمصالحة، يعيده إلى واحهة الأحداث. صديقه رفيق الحريري كان سعيدا بذلك.
الخطوات التطبيقية بدأت صيف 2004. في بيروت، تولى تنسيقها السفيران، فيليب لوكورتييه، الفرنسي، والأميركي الواصل حديثا من بغداد، جيفري فيلتمان. من جهتهما، باشر سفيرا فرنسا في الأمم المتحدة وواشنطن، الإعداد مع الاميركيين، لمشروع قرار يطرح على مجلس الأمن. القرار كان يطالب بانتخابات حرة، وانسحاب القوات السورية بأسرع وقت ممكن. موفد شيراك التقى كوندليسا رايس ومسؤولين آخرين في 19 و20 آب 2004، قبل أن يتجه إلى سردينيا، المقر الصيفي لرفيق الحريري. جرت قراءة مشروع القرار مرات عدة، بتمعن، على متن يخت رئيس الوزراء اللبناني، الذي لم يكن لشيء أن يهدئ من غضبه من السوريين. وحدث ما كان يخشاه شيراك. قام السوريون بتعديل الدستور اللبناني، وسمحوا لحليفهم إميل لحود بالتمديد ولاية جديدة لمدة ثلاثة اعوام.
رئيس الوزراء الحريري، الذي استدعي إلى دمشق في 26 آب، كان عليه أن يواجه بشار الأسد الغاضب: &laqascii117o;لحود هو أنا"(...)
المشاروات الأخيرة حول القرار الفرنسي، جرت نهاية آب 2004. وتبادل الدبلوماسيون الفرنسيون والأميركيون في الأمم المتحدة مسوداتهم. موريس غوردو مونتاني على تواصل مباشر مع اللبنانيين، وبطريقة غير مباشرة مع وزير الخارجية السوري، الذي كان يمرر رسائله عبر الإسبان. التعديلات الأخيرة، قدمها مستشار شيراك إلى كوندليسا رايس، وذهب باتصالاته الهاتفية المتتالية، إلى حد أن يقتحم عليها الانتخابات الأولية للحزب الجمهوري في ماديسون سكوير غاردن، في نيويورك. في الثاني من ايلول تبنى مجلس الأمن القرار 1559 بأكثرية تسعة أصوات، وامتناع ستة من بينها: روسيا، والصين والجزائر.
&laqascii117o;1559"، صفعة حقيقية لسوريا، إذ يطالبها النص بسحب جميع القوات الأجنبية المسلحة، وحل الميليشيات، وإجراء انتخابات رئاسية حرة وفق القواعد الدستورية اللبنانية من دون أي تدخل خارجي. ومن دون أي اعتبار أو حساب لما حدث، نجح بشار الأسد في الغد، بفرض تمديد ولاية الرئيس لحود. لم يكن ليتوقع انذارا عالميا مشابها، أو أن ينعقد ضده حلف فرنسي أميركي، غير منتظر بعد الخلاف في حرب العراق. ورأى في ذلك استفزازا من قبل الحريري، وخيانة من جاك شيراك، وتحديا من جورج بوش. باختصار، كان ذلك إعلان حرب.
هدايا صغيرة للدكتورة رايس
ازداد التوتر في لبنان: في 2 تشرين الأول تعرض لمحاولة اغتيال وزير الاقتصاد السابق مروان حمادة، الذي اقترع ضد التمديد. في 21 استقال رفيق الحريري، وبدأ بتوحيد المعارضة في وجه مؤيدي سوريا في لبنان. ولتأييد صديقه اللبناني، بطريقة عمياء، أوفد جاك شيراك احد مستشاريه في الاليزيه، برنار ايمييه إلى بيروت، كسفير جديد. وكان على هذا أن يبقي عينه على القدر السياسي اللبناني الذي يغلي، بالتنسيق الكامل مع نظيره الأميركي. وضاعف شيراك من نصائحه لتيري رود لارسن، المكلف بمراقبة تنفيذ 1559.
وأكثر فأكثر، كان يدلل جورج بوش، لرعاية براعم التلاقي الفرنسي الأميركي الهش، الذي بدأت نتائجه الأولى تلوح في الأفق. واستغل فرصة فوزه في الانتخابات الرئاسية 2004، لمهاتفته في التاسع من تشرين الثاني: &laqascii117o;اجدد لك تهاني".
&laqascii117o;اشكرك"، أجاب بوش، &laqascii117o;أجدد لك تمنياتي بالعمل معا في مواضيع تخدم مصالحنا المشتركة. بيننا الكثير من الخلافات، لكن عندما نعمل معا، لا تتأخر النتائج".
في الثامن من شباط أوفد الرئيس بوش كوندليسا رايس للقاء شيراك. والملف الرئيسي: لبنان!
منذ بداية اللقاء، لم يهتم الرئيس شيراك باختيار عباراته &laqascii117o;الأقلية العلوية تقود سوريا بيد من حديد، منذ الحرب الباردة، وبوسائل مستمدة من الحكم السوفياتي. لقد حل مكان حافظ الأسد ابن لا يملك لا خبرته ولا ذكاءه. وهو حجر الزاوية في نظام سينهار من دونه، لكن القادة السوريين الحاليين لا يعرفون إلى أي اتجاه يجب أن يتجهوا، لذلك تتعثر حركتهم".
ويضرب لها مثالا الاستقبال الذي لقيه تيري رود لارسن في دمشق: حار من قبل بعض القادة السوريين، ومهين من جانب متطرفي النظام. وبحسب شيراك، فإن نزوع النظام إلى التصلب يبدو بوضوح على حدوده مع العراق، حيث يستمر عبور مقاتلي القاعدة، كما يتواصل الدعم المالي للفصائل الفلسطينية الإرهابية، رغم النفي الرسمي. &laqascii117o;في لبنان، اضاف شيراك، الاتجاه السوري ينحو إلى التصلب، لأن دمشق مصممة على عدم التغيير، سواء في ما يتعلق بمخابراتها، او بجيشها. وستحاول أن تؤثر على الانتخابات عبر قانون انتخابي مفصل وفق رغباتها، وعبر الضغوط ومحاولة زرع الفرقة في صفوف المعارضة حيث يتواجد دروز وسنة، لا يجب أن ندعهم يخنقون الديموقراطية العربية الوحيدة المتجذرة".
كان شيراك مصمما: &laqascii117o;تجب مواصلة الضغوط، إن القرار 1559 سدد ضربة قوية لدمشق، ان تيري رود لارسن محترف، ويتمتع بخبرة جيدة بالرجال والملفات. ويجدر الانتباه لشيئين: الأول لا يجب الخلط بين الديموقراطية في لبنان، وعملية السلام، وإلا أضفنا إلى اوراق دمشق ورقة أخرى. ينبغي دعم الديموقراطية في لبنان من اجل الديموقراطية وحدها ومن اجل لبنان.
والشيء الثاني، يجب التهديد بفرض عقوبات مالية قادرة على ضرب نظام الرشوة القائم بين دمشق وبيروت".
كان شيراك يحض الولايات المتحدة على الذهاب أبعد مما تبتغي، وكان لذلك يحاول أن يجر خلفه الأوروبيين.
رايس المستمعة بانتباه عبرت عن &laqascii117o;اتفاقها الكامل" مع توصيتي شيراك. لكنه عاد إلى الإصرار على &laqascii117o;وجوب التذكير كلما سنحت الفرصة، بالقرار 1559 والمطالبة بتطبيقه، إن من شأنه أن يوهن عزيمة المتصلبين في دمشق، ويعين المعتدلين على ضرورة تغيير الاتجاه المتبع. ليس من مصلحتنا على الإطلاق أن نرى قوسا شيعيا في الشرق الأوسط، من إيران إلى حزب الله فالعراق وسوريا".
هذه الجملة الأخيرة تلخص جوهر قلق شيراك، وقد جرى التعبير عنه في مناسبات عدة، خلال إرهاصات الحرب في العراق: كان على الدوام يخشى من سيطرة الشيعة، والأسد حليفهم. وهو يفضل السنة، من صدام حسين إلى رفيق الحريري.
الرئيس الفرنسي هنأ نفسه على تعزيز التعاون الفرنسي الأميركي بفضل هذا الملف اللبناني السوري. وبديهي أن لكل منهما اولويته. أولوية باريس: سيادة لبنان، لواشنطن الأولوية هي الحصول على دعم سوريا في الحرب على الإرهاب في العراق. لكن دمشق نقطة الالتقاء، ونظامها في مرمى باريس وواشنطن. بعد هذا اللقاء مع كوندليسا رايس، خطط شيراك لعشاء مع جورج بوش، في 21 شباط 2005 على هامش قمة أوروبا الولايات المتحدة.
احداث درامية أخرى كانت ستتكفل بقلب أجندة مواعيده رأسا على عقب.
(غداً الجزء الثاني)  


- 'السفير'
المحكمة كسلاح
ساطع نور الدين:

عندما يعلن فريق 14 آذار تمسكه بالمحكمة الدولية، وعندما يلح فريق 8 آذار في رفضه لها، تكون اللغة قد انحدرت الى قاع يخلو من الحدود الدنيا للثقافة والوعي، وتصير العدالة سلاحا أهليا، وتصبح الدول الكبرى بيادق في لعبة لبنانية مثير للشفقة.
أما عندما تقول المحكمة الدولية انها لن تحاكم دولا ولا كيانات ولا احزابا، فإن المشهد السوريالي يكون قد اكتمل داخل اطار الاسطورة التي تتراكم فصولها يوما بعد يوم، وتتحول الى مكون وحيد للتاريخ.
لا أحد يخادع أو يكذب. ثمة اقتناع جدي عند فريق 14 آذار بأنها محكمته الخاصة وحصنه وسبب مناعته وخلاصه، وهي لم توجد إلا لأجله وحده، ولكي تحميه من مزيد من الاغتيالات. وهو لذلك يتمسك بها يوميا ويلوح بقوسها أمام جمهوره المتحمس الذي ينفجر بالتصفيق كلما ورد اسمها، وكأنه يستطيع أن يفلتها أو حتى ان يطالب بإلغائها، أو أن يتحكم بمجرياتها التي قد يعلم البعض كيف تبدأ، اذا بدأت، لكن أحدا لا يعرف كيف تنتهي وأين؟
يرفض ذلك الفريق الالتزام بفضيلة الصمت أو على الاقل الزعم انها خرجت من مداه، وصارت مسألة قضائية بحتة تخضع لمعايير قانونية محددة ومعروفة، ولا تعتمد على هوية المحققين ولا القضاة، والاهم من ذلك أنها لا تعترف بالمؤثرات التي توجه اليه كل يوم من لبنانيين متحمسين أو متخوفين، كما انها لا تقيم وزنا لتلك الموازنة الرائجة بين العدالة والاستقرار. في لاهاي منطق مغاير، يردده أي مسؤول في المحكمة كما لو انه درس ابتدائي في القانون.. مع ان معظم دروس المحاكم الدولية والحروب الاهلية، لم تكن فيها هوامش فاصلة!
أما الفريق الآخر، الثامن من آذار، فهو يبني على مزاعم خصمه وأوهامه، موقفا ليس له أي منطق لا في القضاء ولا حتى في السياسة، وهو يفترض انه اذا رفع أحد أولياء الدم الصوت عاليا وقال كفى للمحكمة الدولية، فإن المبنى القائم في ضاحية لاهاي يمكن ان يقفل أبوابه على الفور، كما ان مجلس الامن الدولي يمكن ان ينعقد في جلسة طارئة خلال ساعات ليشطب جميع قراراته السابقة بهذا الشأن ويعتبر انها لم تصدر اصلا.. او انه يمكن ان يطلب في الحد الادنى من المحققين والقضاة الدوليين النظر بتمعن في القرائن الخاصة باحتمال تورط اسرائيل في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
تضحك العواصم الكبرى، وبينها لاهاي، عندما تسمع تلك النداءات اللبنانية العاجلة التي تتلقاها هذه الايام حول التمسك بالمحكمة الدولية أو المطالبة بإلغائها. كأن اللبنانيين يعتقدون انها تعمل لأجلهم فقط، وبناء على تعليماتهم، ونزولا عند رغبتهم في انتهاك أحد أهم المحرمات في عالمهم، أي الفصل بين السلطات، وفي ترسيخ الاتهام الشائع بأن المحكمة انما وجدت لكي تشعل الحرب الاهلية اللبنانية.. مع ان تلك الهيئة الدولية تقول وتردد انها لن تحاكم سوى افراد ارتكبوا جناية، وتطلب من الجمهور ان يصدق تلك الهلوسة التـــي لا تستـقيم مع أي قضاء ولا مـع أي سياسة!.


- 'الأخبار'
خلص دمهم
خالد صاغية:

&laqascii117o;خلص دمهم". هكذا قضى الضحايا الأربع في وادي خالد. أُطلق عليهم الرصاص، لكنّ الرصاص ليس هو ما قتلهم. ما قتلهم فعلاً هو أنّهم تُركوا ينزفون إلى أن &laqascii117o;خلص دمهم". ما حدث السبت في عكار كافٍ وحده ليحمل صفة المأساة الوطنيّة، وخصوصاً أنّ مطلقي النار هم ممّن يرتدون بزّات عسكريّة رسميّة، ويؤدّون واجباً رسمياً، باسم الدولة التي لا يكاد يعرف منها العكاريّون إلا وجهها البشع. لم يشفع بعكّار سابقاً أنّها &laqascii117o;خزّان الجيش"، ولم يشفع بها لاحقاً أنّها باتت &laqascii117o;خزّان التظاهرات المليونيّة"، وجيش الاحتياط الحريريّ. اقتصرت الحكاية على باصات تأتي فجراً، تحمّل الركّاب إلى ساحة الشهداء، قبل أن تعود بهم عند انتهاء الخطابات إلى قراهم محمّلين ببعض السندويشات... والوعود الانتخابيّة. وعود بدأت بكلام عن تنميةٍ مُنعت الحريريّة من تنفيذها خلال حقبة &laqascii117o;الوصاية"، وانتهت بتوظيفات في شركات أمن خاص أُنشئت للاصطدام بمواطنين من طوائف أخرى. صحيح... كدنا ننسى نائب البرلمان المستقبلي الذي قرّر أنّ مشاريع التنمية تبدأ بمجزرة في عاصمة القضاء، حلبا.
&laqascii117o;خلص دمهم". المختار، مختار بلدة الهيشة في وادي خالد، كما في مسلسل &laqascii117o;الدنيا هيك"، عرف جيّداً كيف يشخّص الحالة. استخدم التعبير، ربّما، لكونه لا ينطبق على الضحايا وحسب، بل كذلك على سائر سكّان الوادي الذين انتظروا عقوداً قبل أن يحصلوا على الجنسيّة اللبنانيّة. جنسيّة ما لبثت أن تحوّلت إلى ما يشبه حبل المشنقة.
غير أنّ مأساة نهاية الأسبوع لا تقتصر على منطقة بذاتها. فطريقة القتل تحمل من الرمزيّة ما يكفي لتصبح أداة المجزرة الجماعيّة التي تُرتكَب بحقّ اللبنانيّين جميعاً. لا حاجة للضغط على الزناد، ولا لتهمة تهريب البضائع على الحدود، ولا للاستفراد بنا في منطقة نائية. فحين تنتهي حقبة التشنّج الحاليّة بتبادُل قُبل على خطّ الماراتون، أو حين تستمرّ إلى أن يتمكّن فريق من ليّ ذراع الفريق الآخر، سنعرف جميعاً أنّنا بتنا في عالم آخر، بعدما قضى الموت البطيء علينا. موت يسمّى انتظار الفتنة، وتوقُّع شكلها ولونها وتوقيتها...
وسيأتي من يكشف على جثثنا الحزينة، ويكتب في تقريره الطبّي: &laqascii117o;خلص دمهم".


- 'السفير'

لبنان.. حان وقت تغيير اتجاه البوصلة
صالح بن محمد الخثلان:

... الجهد الدبلوماسي السعودي يجب أن يتوجه للقضايا الاقليمية والدولية ذات الطابع الاستراتيجي والتي لها آثار مباشرة على المصالح الوطنية للمملكة والمتمثلة في القضية الفلسطينية والأمن في الخليج العربي والاستقرار في اليمن والمصالحة في العراق والبرنامج النووي الإيراني الذي سيغير من التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وكذلك المحافظة على علاقات المملكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة و تطوير الشركات الاستراتيجيات الناشئة مع روسيا والصين. البعض قد يقول أن لبنان يكتـسب أهمية بالنظر إلى مساعي النفوذ الايرانية ونقول ان جيران لبنان وكذلك تعقيداته الداخلية كفيلة بتحجيم النفوذ الايراني، بل إن إيران لن تستطيع بجميع أذرعتها، سواء حزب الله أو غيره من تحقيق أي مكاسب ذات قيمة استراتيجية هناك. علينا أن نطمئن، فواقع لبنان السياسي وجواره الإقليمي أعقد من أن يجعله لقمة سائغة لهيمنة إيرانية. إن هذه السطور لا تحمل دعوة للتخلي عن لبنان بل لوضعه في حجمه الصحيح وصرف الجهد الدبلوماسي السعودي إلى ما هو أهم.


- 'الحياة'

جردة لانفتاح باريس على دمشق: ضمانة لقواتها في &laqascii117o;يونيفيل"
رندة تقي الدين:

منذ تموز (يوليو) 2008 وحضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة التي عقدها ساركوزي في إطار &laqascii117o;الاتحاد لأجل المتوسط" انتهجت باريس سياسة علاقات جيدة مع سورية الأسد، يحرص الرئيس الفرنسي على تأكيدها لكل رئيس دولة غربية مهمة يلتقيه، بدءاً من نظيره الأميركي باراك أوباما عندما طالبه بتفهم موقف الأسد ورفع الحظر الأميركي عن الطيران السوري، مروراً برئيس حكومة بريطانيا ديفيد كامرون وسواهما من كبار المسؤولين. وضامن هذه السياسة هو الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان الذي كان أكد لـ &laqascii117o;الحياة" أنه هو الذي فتح هذا &laqascii117o;الخط الصائب" ولا عودة عنه. ولكن يطرح اليوم بعض التساؤلات لدى عدد من الديبلوماسيين في باريس والمراقبين حول نتائج هذه السياسة، بالنسبة الى لبنان أو العلاقة السورية - الإيرانية أو حتى بالنسبة الى العراق. فهناك شكوك لدى عدد من هؤلاء الديبلوماسيين حول ما جناه ساركوزي حتى الآن، وهل إقامة العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسورية ووقف الاغتيالات كافيان بالنسبة الى فرنسا. إذ يرى هؤلاء ان سورية استعادت دورها في لبنان فيما عزز &laqascii117o;حزب الله" قدرته في الحكومة التي تدعمها باريس، وليست هناك اي محاسبة فرنسية سوى لهجة متشددة إثر ما حصل في تموز من تعرّض للجنود الفرنسيين العاملين ضمن قوات &laqascii117o;يونيفيل" الأمر الذي أبلغه ساركوزي لرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري. فلتلك الأوساط الديبلوماسية تأثير في الملفات اليومية، لكن السياسة الخارجية إزاء الملفات الكبرى يرسمها ساركوزي. والجميع يعترف بمن فيهم الذين يشككون بجدوى الانفتاح على سورية من دون &laqascii117o;تروٍ ومحاسبة"، بأن سياسة عزل دمشق والقطيعة معها غير فاعلة، لكن البعض يرى ان على فرنسا ان تحصل على الأقل، على مزيد من النتائج كثمرة لهذا الانفتاح الكبير.فعندما أصدر القضاء السوري مثلاً 33 مذكرة توقيف بحق شخصيات بعضها يحيط برئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، كان رد فعل الرئاسة الفرنسية خجولاً في حين بدا وزير الخارجية برنار كوشنير أكثر اندفاعاً في انتقاد الخطوة السورية. ولا شك في ان ساركوزي الذي أثبت ان خياره هو بدء علاقة جديدة مع الأسد، عازم على الاستمرار في هذه السياسة.وراء هذا الانفتاح على دمشق اقتناع ساركوزي بضرورة القطيعة مع ديبلوماسية الرئيس السابق جاك شيراك التي عزلت سورية، بعدما اعتمد الأخير في بداية عهده نهجاً مماثلاً لسياسة خلفه. وإلى جانب وجود شخصية مؤثرة قريبة الى ساركوزي، هي كلود غيان الضامن للانفتاح على دمشق، هناك &laqascii117o;لوبي" لبناني قوي يتمثل بوزير سابق مقرب من الأسد، ويعدّ بمثابة سفارة سورية لدى فرنسا، في كل ما يتعلق بالقضايا الحساسة، وهو يعزز خط الانفتاح الذي اصبح متيناً بين البلدين. كما يعززه وجود السفير الفرنسي في دمشق ايريك شوفالييه (طبيب) القريب الى كوشنير والذي بات له خط مباشر مع غيان، كونه يدرك ان الأخير هو من يشرف على العلاقة مع سورية، ومن يهتم بتذليل أي عقدة أو مشكلة تعترض هذه العلاقة.
لكن فرنسا تفرّق بين علاقتها بسورية وقضية المحكمة الدولية، ويكرر ساركوزي أمام من يلتقيه من اللبنانيين والأوروبيين وغيرهم ان ما تريده باريس هو عدم إفلات قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري من العقاب. فعلى رغم كل تدخلات &laqascii117o;اللوبي" اللبناني - السوري الذي نصح فرنسا بعدم السماح لفريق المحكمة بإجراء محاكاة لتفجير موكب رفيق الحريري قرب بوردو لاختبار قوة التفجير، نُفّذت التجربة. وتقول مصادر فرنسية ان لا توافق على وضع العلاقة مع دمشق في إطار محور اميركي - فرنسي – مصري، وتشير الى انه على رغم وحدة موقف فرنسا والولايات المتحدة ومصر من ضرورة إنجاز المحكمة الدولية مهمتها من دون أي تدخل، لا يمكن الإدارة الأميركية ان تضغط على سورية وأن تغيّر نهجها، طالما لا تُقدِم اسرائيل على أي خطوة لدفع مسيرة السلام مع الفلسطينيين، في غياب أي ضغط أميركي على الدولة العبرية. فالغياب ذاته يضعف شرعية موقف إدارة أوباما إزاء سورية ولبنان..


- 'المستقبل'
هل يستعد العرب للحرب الإلكترونية؟
لم تعد الحرب الالكترونية نسجاً من الخيال.
محمد السمّاك:

ان التجسس الالكتروني والتخريب الالكتروني والتضليل الالكتروني يمارَس على نطاق واسع منذ سنوات. وهو في حال تطور واتساع دائمين. وكان آخر مسرح لهذه الحرب المنشآت النووية الإيرانية. فقد استهدفت جرثومة الكترونية أجهزة الكومبيوتر ما ادى الى تعطيل 45 الف جهاز يقع 60 بالمئة منها داخل المنشآت النووية الإيرانية وخاصة تلك التي تعمل في انتاج المياه الخفيفة في بوشهر.
وكأي عمل ارهابي واسع النطاق لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذه 'القذيفة الالكترونية'. غير ان اسم الجرثومة القذيفة يحمل توقيع أصحابها. 'ستاك - نات' فالاسم يشتق من ميرتوس وهو أحد ألقاب الملكة إيستر التي كانت واحدة من الشخصيات البارزة في التاريخ التوراتي اليهودي. لم تنفِ اسرائيل التهمة ولم تؤكدها. إلا ان العالم كله أدرك انها هي التي أطلقت تلك الجرثومة في محاولة منها لشلّ القدرة الإيرانية على انتاج سلاح نووي.
وفيما تعمل ايران على معالجة أجهزتها الالكترونية من التداعيات المدمرة لهذه الجرثومة الاسرائيلية فان السؤال الذي يفرض نفسه هو: ماذا اذا أطلقت اسرائيل قذائف جرثومية الكترونية جديدة ضد الأجهزة الالكترونية التي تدير منشآت حيوية في الدول العربية مثل المطارات والجامعات والدوائر الحكومية والأمنية وسواها؟.
هل هناك استعدادات وقائية؟.
لقد أنشأت اسرائيل وحدة في جهاز الموساد (جهاز التجسس) أطلقت عليها اسم 'وحدة 8200'. ولا يقتصر عمل هذه الوحدة على التجسس الالكتروني فقط ولكنه يتعدى ذلك الى انتاج الآليات للهجوم الالكتروني عندما تدعو الحاجة.
وقد دعت الحاجة فعلاً الى استخدام هذه الآليات ضد ايران اعتقاداً من اسرائيل بأن امتلاك ايران للسلاح النووي يعرّض أمنها الاستراتيجي للخطر. وقد نجحت في ذلك ولو نجاحاً جزئياً.
مع ذلك لم تكن العملية الاسرائيلية ضد ايران الأولى من نوعها في عالمنا الالكتروني الحديث. فقد سبق للاتحاد الروسي أن شنّ حرباً الكترونية ضد استونيا في عام 2007. واصابت وزاراتها ومصارفها ودوائر الأمن فيها بالشلل.
ثم شنت هذه الحرب على جورجيا في عام 2008 وتمكن الروس من التشويش على الاتصالات بين القيادة العسكرية والوحدات التي كانت تقاتل القوات الروسية. كما تمكنوا من تضليل الطيران الجورجي الأمر الذي أدى الى الهزيمة التي لحقت بها على الرغم من كل الدعم والمساعدة التي كانت تتلقاها جورجيا من الولايات المتحدة واسرائيل وحلف شمال الأطلسي.
وفي أيار من عام 2007 تمكن الصينيون من اختراق جهاز المعلومات الالكتروني الخاص في مكتب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. كما تمكنوا من اختراق أجهزة عدد من الوزارات الألمانية بما فيها وزارة الصناعة ووزارة الدفاع !.
تمكن الصينيون كذلك حسب المعلومات الرسمية الألمانية من ضخ 160 ميغابايت من المعلومات السرية قبل أن ينكشف أمرهم. وقد اتهمت ألمانيا الجيش الصيني بارتكاب تلك العمليات.
حتى الولايات المتحدة التي تعتبر رائدة في الدفاع عن شبكة معلوماتها السرية تعترف وزارة خارجيتها بأنها تتعرض لمحاولة الاختراق بمعدل مليوني مرة في اليوم الواحد. وانه في كل جزء من الثانية يتعرض أحد المواقع الالكترونية الرسمية الى محاولة الاختراق.
ومن خلال السلاح الالكتروني يستطيع 'العدو' أن يخرب شبكة الاتصالات العسكرية والسياسية وأن يشلّ الدورة الاقتصادية المالية والتجارية والصناعية وأن يعطل شبكة المواصلات..الخ.
كل ذلك من دون أن يطلق رصاصة واحدة. لقد أعدت اسرائيل نفسها لهذه الحرب كما تشير الى ذلك العملية التي استهدفت ايران. فهل أعدت الدول العربية نفسها ايضاً للدفاع.. وللهجوم عندما تقتضي الضرورة؟.
ففي عالم يزداد اعتماداً مدنياً وعسكرياً على الشبكة الالكترونية فان استهداف الشبكات الوطنية الداخلية يلحق بالدولة المستهدفة خسائر كارثية ويدفعها الى الشلل والانهيار بسرعة ومن دون قتال.
من أجل ذلك تداعت الدول الالكترونية الكبرى في العالم وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي الى البحث في إعداد معاهدة دولية جديدة تحظر استخدام السلاح الالكتروني تكون مماثلة في جوهرها لمعاهدة حظر استخدام السلاح النووي لما يمكن ان يلحق هذا 'السلاح النظيف' من خراب ودمار وشلل بالحياة المدنية العامة.
غير ان اسرائيل التي تنتج السلاح النووي وترفض الانضمام الى معاهدة حظر اسخدامه لن يردعها عن استخدام السلاح الالكتروني ضد الدول العربية معاهدة دولية جديدة الامر الذي يشكل حافزاً اضافياً لتطوير جهاز المناعة الالكتروني العربي.
ونظراً لعدم ثقة الدول المعنية ذاتها باحترام معاهدة الحظر حتى اذا تم التوصل اليها فعلاً فانها تعمل على تحصين مؤسساتها من جهة وعلى تجهيز وسائل هجومها المعاكس من جهة ثانية. ومرة ثانية يفرض السؤال التالي نفسه: ماذا تفعل الدول العربية؟
لقد تبنت ادارة الرئيس باراك أوباما على سبيل المثال اجراءات دفاعية لمواجهة اي حرب الكترونية تتعرض لها. وبموجب هذه الاجراءات يتولى الرئيس نفسه اعطاء الاذن بالحرب هجومية كانت أو دفاعية. على ان تتولى التنفيذ وزارة الأمن الداخلي. وقد صيغت الاجراءات بحيث تؤمن رداً سريعاً للهجوم الالكتروني مع مراعاة المحافظة على الحريات المدنية من أي انتهاك تتعرض له من خلال رد الأجهزة العسكرية.
ومن المعروف أن قلب الشبكة الالكترونية الاميركية موجود في البنتاغون (وزارة الدفاع) فيما تنتشر الأهداف الأساسية للحرب الالكترونية في المواقع المدنية سواء داخل الدوائر الحكومية أو المؤسسات الخاصة. وسيتولى المسؤولية الأولية جهاز استحدث أخيراً مهمته مواجهة 'الحرب الالكترونية' والاستعداد لها برئاسة روبرت بتلر أحد نواب وزير الدفاع.
ومن المتوقع أن تعد وزارة الدفاع الأميركية في وقت لاحق من هذا العام 'استرتيجية متكاملة لمواجهة الحرب الالكترونية تحدد مهمات المؤسسات المختلفة بدءاً بالبيت الأبيض. حتى ان الكونغرس مدعو الآن لوضع تشريعات جديدة تتماشى مع متطلبات مواجهة الحرب الالكترونية وفي مقدمتها فرض مراقبة الكترونية استباقاً للتعرض للحرب المحتملة.
وكان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس قد طرح أمام وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي مشروعاً لوضع استراتيجية لدول الحلف تمكنها من مواجهة خطر تعرضها لحرب الكترونية.
من خلال ذلك يبدو ان مثل هذه الحرب (التي بدأت فعلاً ولو على نطاق محدود وعلى عدد من الجبهات الساخنة الجورجية والأستونية والجبهات الباردة ألمانيا والولايات المتحدة - وأخيراً على الجبهة الإيرانية) قدر محسوم. فهل تستعد الدول العربية لها وهي تعرف جيداً ان اسرائيل تملك القدرات الالكترونية التدميرية؟

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد