قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 10/11/2010

ـ 'النهار'
سوريا تجيز الحل أو تمنعه
عبد الوهاب بدر خان:

لم يعد الأمر يقتصر على المحكمة الدولية والقرار الظني والاتهامات المحتملة فحسب، بل أخذت الازمة تنخر في النظام وفي الدولة وفي المؤسسات. وما كان يجب ان ننسى، في غمرة الاحتفال بانتهاء أزمة 2006 – 2008، أن قطبي المعارضة 'حزب الله' و'التيار العوني' وحليفيهما الاقليميين سوريا وايران، يسعون الى الاستيلاء على الدولة.
مما يزعج هذه الاطراف الاربعة أنها تعلم أنها قادرة عمليا، بفضل 'سلاح المقاومة' على انجاز هدفها ولو تطلَّب منها أن تحرق الجسور في كل الاتجاهات. لكنها لا تجهل أن نصف الشعب ليس معها والنصف الآخر ليس مضمونا كله معها. ثم ان حسابات 'اليوم التالي' للانقلاب لا تبدو مطمئنة في ما يتعلق بادارة البلد أمنيا وسياسيا. واذا كانت لا تبالي بعواقب أي انقلاب تقدم عليه، ولا يهتم كل منها إلا بمصلحته المباشرة، إلا أن مساهمتها المتهورة بانكشاف البلد ستتحول استدراجا لكل الاحتمالات، بما فيها الحرب الاقليمية.
هذه الحرب المستدعاة لن يشنها أصحابها، وهم هنا الاسرائيليون وحلفاؤهم، بسب أنهم معنيون مثلا بوجود أو عدم وجود 'الموالاة' في الحكم، أو بمعرفة حقيقة من ارتكب الاغتيالات السياسية، أو باعادة الاكثرية النيابية الى نصابها، وانما لأنهم معنيون بالوضع الذي تديره سوريا مع ايران وتستخدمان فيه 'حزب الله' تحت مظلة 'المقاومة'. هذا الوضع الذي أُرغمت الدولة على تبنيه بسبب التحكم الاقليمي بمؤسسة الجيش، كما أُرغمت الحكومة على قبوله بحثا عن 'التوافق'، يعرف اللبنانيون أن لا شأن لـ14 آذار به تفصيلاً، بل حتى لا شأن للتيار العوني، الذي يحاول فقط تحقيق مكاسب في سياقه.
من هنا ، لا ينطلق التركيز الاميركي الحالي على تحذير سوريا من افتراء محض، بل من حقيقة ان سوريا لاعب محوري في ما تخططه ايران و'حزب الله'، وليس سرا أن تصعيد الازمة وانزلاقاتها الخطيرة ووصولها الى عنق الزجاجة في مجلس الوزراء تمت جميعا بمباركة دمشق وتشجيع منها، بل ان 'مسرّبي سيناريوات الرعب' هم من المحسوبين عليها، الذين يصمتون أو يتكلمون وفقا للاشارات الآتية منها. وليس سرا أيضا ان تعطيل مجلس الوزراء، تفاديا لأي تصويت يمكن ان يحرج رئيس الوزراء فيخرجه، يتم بايحاء منها، انتظارا لـ'حل سحري' يمكن ان ينبثق من المشاورات في اطار الـ 'س. س'. لكن سقف التفاهم السعودي – السوري لا يستطيع أن يرتفع الى مستوى ما تطمح اليه دمشق، من إلغاء للمحكمة الدولية واعادة للتفويض الدولي لسوريا في ادارة الشأن اللبناني.
كانت الفرصة متاحة ومفتوحة منذ استعادة اللقاءات الرئاسية اللبنانية – السورية، ثم بعد حلول السفيرين في العاصمتين، وبالاخص بعد الزيارة الاولى للرئيس سعد الحريري لدمشق، كي تبرهن سوريا أنها أجرت فعلا مراجعة عميقة، موضوعية وايجابية، لمجمل تجربتها السابقة في لبنان، وأن تتخذ فعلا لا قولا موقعا على مسافة متساوية من جميع الاطراف لأن أحدا لا يريد – واقعيا – مخاصمتها حتى ولو اختلف معها، بل كانت الفرصة سانحة جدا لتدشين مرحلة علاقة بين دولتين وحكومتين تطمئن اللبنانيين والسوريين معا... ولكن، للأسف، لا يبدو أن تلك المراجعة حصلت، واذا حصلت فإنها أفضت الى الخيارات السابقة نفسها، رغم سقوط معظم الذرائع الامنية والسياسية التي كانت تساق لتبرير 'الدور السوري' في لبنان.
لماذا لم يحصل التغيير المنشود في دمشق لادارة العلاقة مع لبنان؟ ربما لأنها لا تزال تعتبر أن هناك تهديدا اسمه المحكمة الدولية ولا بد من ازالته، رغم انها تجاوزته، لكنها تخشى أن يمس بحليفها الايراني عبر اتهام 'حزب الله' او بالاحرى عناصر من هذا الحزب. ولا يدل الرد السوري على اعلان سعد الحريري خطأ الاتهام السياسي الى جدية في معالجة الازمة، كما أن مذكرات الاتهام التي أصدرتها تكريما لجميل السيد كانت مجرد تصعيد أخرق لا يعرف أحد ما الذي يدعو سوريا الدولة الى الاقدام عليه. ومع ذلك يبقى الأهم، وهو تشجيع 'حزب الله' على وضع سيناريوات السيطرة على الدولة والحكومة، وعلى المدن والشوارع والازقة، كدليل دامغ على براءته من دم رفيق الحريري ورفاقه.
ليس بمثل هذه الطريقة تعالج أزمة تعرف سوريا، كما يعرف 'حزب الله'، عنها أكثر مما يعرفه اللبنانيون، فالمتوقع من سوريا كدولة معترف لها بدور ونفوذ في هذا البلد أن تكون أكثر حرصا من أي طرف عربي او دولي آخر على الاستقرار ودوام التعايش وتعزيز التعاون مع لبنان، أقله اقتداء بمسارات ودروس علاقتها الطيبة والمزدهرة مع تركيا. بل ان المتوقع من سوريا، وهي المدركة أن لا مصلحة لها في أي فتنة في لبنان، أن لا تسمح لأي حليف لها بالانزلاق الى التهويلات الفارغة، والمتوقع منها ايضا تدعيما لدورها الايجابي البناء، أن تعمد الى تفعيل حوار لبناني مشارك في حل الازمة بل صانع لهذا الحل، لا أن تُخضع خياراتها لمناكفاتها مع واشنطن أو سواها.  وللعلم، فاللبنانيون لا يجهلون ان سوريا مستهدفة اميركيا واسرائيليا ولا يقرّون ذلك على اختلاف انتماءاتهم، سواء عبر المحكمة الدولية أو غيرها. فلا الدولة ولا المجتمع يمكن أن يعوّلا على مثل هذا الاستهداف لسوريا او لـ'حزب الله'.
يبقى أن أي حل يمكن أن / ويمكن ألا يتوصل اليه الحوار السعودي – السوري لا يجوز أن يحل محل حوار داخلي لا بد منه في كل الاحوال. كيف يعقل أن ترجح الاطراف كافة انتظار التفاهمات الخارجية لتتفاهم في ما بينها. وهل يعقل أن يبرمج البلد أعصابه على وقع أن السيد حسن نصرالله سيحكي غدا أو في أي يوم آخر، وكلما حكى لا يعطي انطباعا بأنه باحث عن حل وطني وانما يعطي أنصاره جرعة جديدة للامعان في عدم احترام إخوتهم في الوطن. 'حزب الله' لا ينفك يقول انه في ورطة، وإن على الآخرين إيجاد حل لها وإلا فإنه سيعاقبهم.


ـ 'السفير'
&laqascii117o;دمار" طوني و&laqascii117o;ديموقراطية" جورج
فواز طرابلسي:

نبذتان من مذكرات طوني بلير وجورج دبليو بوش تستحقان التعليق حتى قبل الاطلاع على كامل ما جاء في مؤلّفَيْ الرئيس الأميركي السابق ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق.
أفصح طوني بلير في مذكراته، بعنوان &laqascii117o;رحلة"، عن أنه وجورج بوش خططا العام 2001 وما تلاه لـ&laqascii117o;تدمير الدولة السورية". يجدر التوقف عند مفردتي &laqascii117o;تدمير" و&laqascii117o;دولة". جرى التحقق من أن العبارة ليست زلة لسان أو خطأ مطبعي. لا يجري الحديث هنا عن &laqascii117o;تغيير نظام"، وهو المصطلح الذي شاع آنذاك بالنسبة لنظام صدام حسين. ولم يأت الزعيم &laqascii117o;العمالي" البريطاني على خطة لتحقيق &laqascii117o;البناء القومي" لسوريا، وهي ترسيمة تحشر هنا وهناك عندما اللغو الإمبريالي تعوزه المفردات المستعارة من تقارير وكالات الأمم المتحدة. ولا كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق يتحدث بالتأكيد عن آخر تقليعة من تقليعات تلك الوكالات وقد باتت تنادي بـ&laqascii117o;بناء الدولة" بعدما كان المطلوب إضعاف الدولة، حتى لا نقول تدميرها، من أجل استنهاض قوى &laqascii117o;المجتمع المدني" وإعلاء راياتها.
كان في نية ثنائي بوش ـ بلير، بُعيد احتلال العراق، تدمير دولة أخرى من دول المنطقة. يكفي القول بداية إن حديث بلير عن &laqascii117o;تدمير الدولة السورية" يشي بأن ما حققه الرجلان في العراق كان تدمير الدولة العراقية تحديداً وتقويضها فوق رؤوس أهلها والمجتمع.
يصعب تصور كيف كان لبوش وبلير تنفيذ عملية التدمير الثانية بالوسائط العسكرية بعد أن راحت &laqascii117o;سكرة" النصر على صدام حسين وجاءت &laqascii117o;فكرة" الغرق المتمادي في دماء الحرب العراقية. يعلمنا كتاب &laqascii117o;سر الرؤساء" للصحافي الفرنسي فانسان نوزيل، أن بوش وشيراك، من دون بلير، توليا هذه المهمة وقد آثرا تحقيق الهدف من خلال لبنان بواسطة القرار 1559 ثم بعده الإجراءات المتخذة رداً على عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. اقتنع الرئيس الأميركي بنظرية نظيره الفرنسي أنه بديلاً من &laqascii117o;صدم" النظام في دمشق وجاهياً، الأحرى &laqascii117o;صدمه" من خلال لبنان، ذلك أن لبنان هو &laqascii117o;كعب أخيل" النظام السوري... فإن إخراج الجيش السوري من لبنان كفيل بأن يؤدي إلى انهيار النظام في دمشق. صدّق من اللبنانيين مَن صدّق، وشارك وتواطأ ونفّذ، بالنتائج الدموية المأسوية المعروفة. والنتيجة؟ لم تدمّر الدولة السورية، ولم يتغيّر النظام السوري، بل جرى تدمير قسم لا بأس به من الدولة اللبنانية.
يتولى جورج دبليو بوش رواية الفصل التالي من قصص التدمير في مذكراته بعنوان &laqascii117o;لحظة قرار". وما ورد فيها عن حرب تموز الإسرائيلية ضد لبنان عام 2006 يستحق التدوين بماء الذهب في سجل الخالدين من رجال الدولة التاريخيين! فالطريقة التي يتحدث بها الرجل عن الحرب لا تترك مجالاً للشك في أنه صاحبها ومخطّطها وقيدومها. ولم يكن ينقص استكمال الصورة إلا ما أفصح عنه أخيراً القائد السابق لقوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان عن وجود &laqascii117o;قوة تدخل سريع" أميركية قبالة الشواطئ اللبنانية خلال الحرب وعن طلب أميركي بضم ضابطين من الجيش الأميركي إلى قيادة قوات &laqascii117o;حفظ السلام".
الأهم طبعاً هو إعلان الرئيس بوش أن حرب إسرائيل صيف 2006 أصابت نجاحاً إذ هي عززت &laqascii117o;الديموقراطية الوليدة" في لبنان.. علماً أن الرئيس الأميركي السابق لا يلبث أن يعترف بقصور تلك الحرب عن بلوغ أهدافها الأخرى. فيعلمنا أنه قدّم المعلومات الاستخبارية إلى إسرائيل لقصف المنشأة النووية السورية المفترضة في دير الزور تعويضاً لرئيس الوزراء إيهود أولمرت عن &laqascii117o;الثقة التي فقدها جراء فشله في لبنان".
في نبذتين، وثالثة، من كتب ثلاثة، يتكشّف مشهد خرائبي مذهل في منطقتنا جراء قرارات رجال دولة ثلاثة اتخذوا قراراً بتدمير ثلاث دول، وتقويضها فوق رؤوس سكانها. طبّقوا سياسة التدمير في أفغانستان والعراق بالنتائج المعروفة. أما خطة &laqascii117o;تدمير الدولة السورية" فأخذت تتراجع نحو تنفيذ خطة &laqascii117o;انهيار النظام من تلقاء ذاته" جراء إخراج الجيش السوري في لبنان. لم تحقق الخطة نتائج مبهرة، ولكن حصد لبنان من &laqascii117o;آثارها الجانبية" دورتي عنف علقت الأولى الدولة في معظم فاعلياتها لسنوات، وحملت الثانية من الدمار والضحايا ما شلّ الدولة وأسهم في قسمة المجتمع.
مع هذا، يريدنا الرئيس السابق جورج دبليو بوش أن نصدّق أن &laqascii117o;الديموقراطية الوليدة" في لبنان وُلدت عام 2005 وأنها تعززت في عدوان إسرائيل صيف 2006 وعلى إثره!
يمكن الطلب إلى أمانة قوى 14 آذار أن تقدم تقريراً إلى الرئيس الأميركي السابق يفصّل في كيفية ولادة الديموقراطية في آذار 2005 وكيفية تعززها في صيف 2006. وبالمستطاع أيضاً الاستعانة بعلماء سياسة يرشدون الرئيس بوش الأهوج إلى أن &laqascii117o;التوافقية الثقيلة" (الدم والوطأة) التي تعززت بعد حربه الفاشلة ومؤتمر الدوحة لم تسهم في تعزيز الديموقراطية الوليدة بل تهدد بإطاحة معظم ما تبقى من مؤسسات وتقاليد وأعراف ديموقراطية في لبنان. وأنها لم تكتف بشل فعاليات الدولة إلى حد أن الحكومة باتت عاجزة عن عقد جلسة عمل، تنتظر متواليات خطة لـ&laqascii117o;تدمير" قوى مقاومة ذنبها أنها أفشلت عدوان إسرائيل صيف 2006.
ولكن فلنصدّق الرئيس بوش، بشرط أن نفهم وظيفة المفردات في اللغو الإمبريالي الذي تبعه. إنه يستخدم مفردة &laqascii117o;ديموقراطية" مثلما يستخدم حكّام عرب، وكثير من رجال الدولة والسياسة، مفردة &laqascii117o;فلسطين" (وقضيتها &laqascii117o;المقدسة" حيناً و&laqascii117o;المركزية" حيناً آخر) عندما يضعون فلسطين على طرف اللسان وباسمها يرتكب القمع والنهب والاستغلال والسجن والقتل والاغتيال والتصفيات.
الفارق أن &laqascii117o;الديموقراطية" عند جورج بوش هي التعويذة للإثبات أن عصر الاستعمار والحروب العالمية لا يزال قائماً وأن رحم الرأسمالية لا يزال يتمخض عن مصانع أسلحة دمار وحروب، وأن الحكم في الأنظمة الديموقراطية بات يعني أن تكذب على شعبك، وضحاياك خصوصاً، شرط الاعتراف ببعض أكاذيبك وما يسمّى &laqascii117o;أخطاء" كل عقد من الزمن. ولكن بعد خراب الدول والبلدان التي جرى... &laqascii117o;تدميرها"!


ـ 'السفير'
العنصر الاسرائيلي
ساطع نور الدين:

غير الفتنة، لا يمكن العثور على هدف آخر للتحرك الاميركي المتصاعد في اتجاه لبنان. ليست هناك دلائل على ان ثمة مشروعا يشبه ذلك الذي سار به الاميركيون في العامين 2004 و2005 على ما جاء في الكتاب الفرنسي الصادر حديثا، &laqascii117o;في سر الرؤساء" لمؤلفه فنسان نوزيل. وإن كان لا يجوز استبعاد تبلور مثل هذا المشروع في سياق المواجهة الاميركية الراهنة مع سوريا وحزب الله وبقية حلفائها اللبنانيين.
بدأ التحرك الاميركي كإجراء وقائي، وبناء على نداءات استغاثة صدرت من بيروت وبعض العواصم العربية، حذرت من ان لبنان، الذي كان يتلقى مذكرات التوقيف السورية ويستقبل الرئيس محمود احمدي نجاد، يقع تحت وطأة هجوم سوري ايراني كاسح يهدد بقاء حكومته الحالية ووجود غالبيته النيابية. تجاهلت ادارة الرئيس باراك اوباما في البداية تلك النداءات، ولاسباب لم تكن لها علاقة بالانتخابات النصفية للكونغرس، بل نتيجة تقديرات مختلفة لطبيعة ذلك الهجوم، واثره على سياسة الانخراط مع كل من دمشق وطهران. لكنها سرعان ما استجابت، لاسيما بعدما تحولت تلك السياسة ونتائجها الى عنوان للسخرية في الصحافة الاميركية، وقررت شن هجوم سياسي مضاد، تدرج من مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان الى الوزيرة هيلاري كلينتون نفسها، وصولا الى &laqascii117o;المرشد الروحي" للرئيس اوباما، السناتور جون كيري، اشاع جوا من الاطمئنان في نفوس فريق 14 آذار، وجوا من الاستنفار في اذهان مسيحييه... وتاليا جوا من الاستعداد في صفوف الفريق الاخر.
في السياق لوّح الاميركيون بقرار دولي جديد يفرض عقوبات على سوريا وحلفائها اللبنانيين لرد حملتهم على المحكمة الدولية، ومن خلالها على الحكومة اللبنانية، لكنهم تراجعوا على الفور عن الفكرة غير العملية وغير الواقعية. ومضوا قدما في تعبئة الحلفاء اللبنانيين، الذين نسوا كما يبدو كيف سبق لواشنطن ان تخلت عنهم في اللحظات الحرجة، وتركتهم عرضة للتهديد المباشر، والذين تجاهلوا ايضا الكثير من المواقف والكتابات الاميركية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان واشنطن لن تتردد في التخلي عنهم مرة اخرى... اذا ما لاحت بوادر صفقة ما مع دمشق او طهران، او مع العاصمتين معا.
على ان مثل هذه الصفقة مستبعدة تماما، فقط لان دمشق وطهران لا تبديان اهتماما بها، وتعتبران ان اميركا في حالة ضعف وارتباك، وتودان اختبار قوتها في لبنان الذي يعتبر مقياسا مهما، وان لم يكن حاسما، للدور والنفوذ الاقليمي... لا سيما وانهما واثقتان من انه ليس هناك مشروع اميركي خاص بلبنان يدفع به الرئيس اوباما مثل سلفه جورج بوش الذي كاد يعتبر التجربة اللبنانية نموذجا لحملته من اجل التغيير والاصلاح في العالم العربي والاسلامي.
لكن هذا التقدير يفتقر الى عنصر جوهري مؤثر، وهو ان اسرائيل التي وضعت جيشها في حالة تأهب منذ ان شاع امر القرار الاتهامي، تبحث عن فرصة لاقناع الاميركيين بانها تخطت اخفاقات حرب العام 2006، وصارت قادرة على تغيير موازين القوى الاقليمية... كما تبحث عن مناسبة لابلاغ الرئيس اوبـاما تحديدا، ان مهلته قد انتهت.
    

ـ 'الشرق الأوسط'
قفزة خامنئي للمرجعية العامة للشيعة
محمد إقبال:

إن مسألة المرجعية لدى الشيعة لها حكاية طويلة، لكنها لا تندرج في مقالنا هذا. وآية الله سيد حسين البروجردي الذي انتقل من النجف العراقية إلى مدينة قم الإيرانية منذ عام 1945 هو الوحيد في القرون الأخيرة الذي تحول إلى مرجع تقليد متفرد للمسلمين الشيعة في العالم. ولكن وبعد وفاته في أبريل (نيسان) 1961 لم يكن لدى الشيعة مرجع تقليد واحد. وفي إيران فقط تجزأت المرجعية بين عدد من &laqascii117o;آيات الله"؛ منهم الكلبايكاني والنجفي المرعشي وشريعتمداري.

والجميع يعرف في إيران حكاية تحويل خامنئي إلى مرجع. فعند موت الخميني كان خامنئي رئيسا للجمهورية ولم يكن لديه مكانة في سلسلة المراتب الفقهية. وعندما مات الخميني في يونيو (حزيران) 1989 اهتز النظام الحاكم من رأسه إلى أخمص قدميه فزعا من هجوم مترقب قد يشنه جيش التحرير الوطني الإيراني التابع لـ&laqascii117o;مجاهدين خلق". وفي تلك الظروف الصعبة التي هزت النظام في حينها وصل رؤوس النظام إلى اتفاق بموجبه يصبح خامنئي وليا للفقيه بين ليلة وضحاها، وكان ذلك في حين لم يكن خامنئي مرجعا دينيا فحسب وأنه لم يكن حتى &laqascii117o;مجتهدا"، وهذا ما يتناقض مع نص الدستور الإيراني كشرط للولي الفقيه. وفور هذا، طرحت مسألة مرجعية خامنئي التي كان طرحها أضحوكة في وجود مراجع كالنجفي المرعشي والكلبايكاني في مدينة قم، والخوئي في النجف، وآخرين. ولهذا لم يتجرأ خامنئي على أن يكتب وينشر &laqascii117o;الرسالة العملية"؛ تلك الرسالة التي يكتبها عادة مراجع الشيعة، ولم يكن في مقدوره ذلك طبعا.

والآن، وبعد عام ونصف من اندلاعها، ما زالت انتفاضة جماهيرية عارمة في إيران دائرة سائرة على الرغم من أبشع حالات القمع في التأريخ الإيراني، خاصة اعتقال أنصار ومنتسبي وأعضاء عائلات منظمة &laqascii117o;مجاهدين خلق" الإيرانية المعارضة وإلصاق تهمة &laqascii117o;محاربة الله ورسوله" بهم وإعدام وتعذيب المعارضين في السجون. نعم، إن هذه الانتفاضة الآن تعمل كنار متبقية تحت الرماد وتصب نفسها في المنازعات الداخلية لنظام الحكم، وتزيد من حدة هذه التناقضات وحرب العقارب بين أجنحة النظام، حيث لم تصب التناقضات الداخلية هذا النظام برمته فحسب؛ بل وصلت إلى داخل تيار &laqascii117o;خامنئي" الولي الفقيه أيضا.

وفي خضم ذلك كله، يتابع خامنئي في زيارته الرابعة لقم أهدافا رئيسة؛ منها إعلان نفسه مرجعية عامة للشيعة كمرجعية آية الله البروجردي الذي ذكرناه أعلاه. وقام من يسمون بـ&laqascii117o;المبلغين" الحكوميين، أي الملالي البسطاء في إيران قبل أشهر بنشر إعلانات وجمع مذكرات (عرائض) ليطالبوا خامنئي بنشر رسالته العملية. ومن المقرر أن تنشر هذه &laqascii117o;الرسالة" بعد نهاية هذه الزيارة. والهدف التالي، الذي هو من متطلبات الهدف الأول، هو أن خامنئي يقوم باستعراض للعضلات وعرض مناورة للقوة لكي يظهر للعالم أن الحوزة العلمية في مدينة قم معه وتؤيده في سياساته بشكل كامل. وذهب فريق أمني إلى مدينة قم قبل أشهر لـ&laqascii117o;برمجة" هذه الزيارة. وأعضاء الفريق يمارسون ضغوطا هائلة على مراجع التقليد لكي يبايعوا الـ&laqascii117o;آقا" (بمعنى السيد، أي خامنئي) بشكل جماعي. ويقوم هؤلاء باستدعاء ذوي القربى للمراجع بممارسة الضغوط عليهم، وقالوا لهم إنه إذا لم يستقبل المراجع المرشد الأعلى بشكل مبهرج ويفي بالغرض المطلوب، فعليهم أن يتركوا المرجعية بهدوء.

عند ‌وصوله إلى مدينة قم، دعا خامنئي منافسيه إلى الانصياع لرغبات الزمرة الحاكمة و&laqascii117o;التضامن مع سلطات الدولة الثلاث" محذرا إياهم من معارضة أحمدي نجاد. واعترف بكراهية جميع أبناء الشعب لنظام الملالي الحاكم في إيران والاحتجاجات الواسعة على نظام &laqascii117o;ولاية الفقيه"، قائلا: &laqascii117o;إن تلفيق الإشاعات لا يخدم إطلاقا مصالح البلد ومستقبل الدولة". كما أعرب خامنئي في كلمته عن قلقه حيال &laqascii117o;تصوير الموقف في البلاد بالحالك وبث روح اليأس والإحباط في صفوف المواطنين وتهميشهم".

وكان خامنئي وزمرته قد قالوا في وقت سابق خلال تصريحاتهم حول أهداف ونتائج زيارة خامنئي هذه، إنها &laqascii117o;ستحبط المؤامرات وستجعل علماء وأساتذة حوزة قم وطلابها يبايعون خامنئي ويتبرأون من مثيري الفتن الذين استخدموا جل مساعيهم لمواجهة النظام وولاية الفقيه"، مؤكدين أنه وبفعل زيارة خامنئي لقم و&laqascii117o;الإعلان عن مساندة وتأييد ولاية الفقيه ستعمى عين الفتنة وسيسقط الادعاء بأن الحوزة انفصلت وتخلت عن النظام وقيادته وسيكشف بطلان أقوال الهراء والتخرصات والأعمال المثيرة للفتن التي جرت العام الماضي"!!

وخلاصة القول هي أن قيام خامنئي بتجييش الجيوش إلى مدينة قم محاولة يائسة للقفز على درجة وقمة المرجعية العامة ولترميم شوكة &laqascii117o;ولاية الفقيه" المكسورة واحتواء وامتصاص المعارضة المتزايدة له في أوساط رجال الدين والمراجع الدينية الذين يبتعدون يوما بعد يوم عن نظام الحكم المتهاوي القائم في إيران. ولكن النتيجة كانت معكوسة، وعدم اهتمام رجال الدين البارزين بهذه الزيارة وبالكلمة التي ألقاها خامنئي في اليوم الأول من زيارته لمدينة قم، يظهر مسبقا أن &laqascii117o;الولي الفقيه" في النظام سوف يمنى بفشل ذريع مرة أخرى في هذا التجييش الشامل.. فحالات الانقسام والانشقاق داخل النظام تتعمق وتزداد، وكراهية رجال الدين والطلاب الشباب لخامنئي تشتد يوما بعد يوم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد