- 'السفير'
&laqascii117o;فهمتونا غلط".. وفهمناكم صـح! هل نعيش حالة سوء فهم متبادل؟ هل سوء الفهم مؤقت؟
نصري الصايغ:
أصرّ السيد حسن نصر الله في ذكرى يوم الشهيد، على &laqascii117o;فهمتونا غلط". وكررها مراراً، مرة للشرح، ومرة للتنبيه، ومرة للتحذير، ومرة لدرء الآتي من &laqascii117o;أيام الماضي الآتية". (عذراً للشاعر انسي الحاج. الظرف وحده جعلنا نستبدل عنوان كتابه &laqascii117o;ماضي الأيام الآتية"). رابط الخطاب كان: &laqascii117o;فهمتونا غلط". أغلب الظن، أن المسألة ليست سوء فهم، إذ، لا يعقل أن يكون هذا البناء السياسي اللبناني، في الثقافة والسياسة والتربية والنظام و... المقاومة، هو نتاج سوء فهم. إن سوء الفهم إذا تكرر، وأصرّ أصحابه على المزيد منه، يدخل في باب الخيارات وليس في باب الأخطاء الناتجة عن سوء استعمال العقل، أو سوء استعمال الاستدلال، أو سوء استقراء التجارب المرة، الكثيرة والمفجعة. لم يلتئم لبنان مرة في تاريخه، على الخيارات الاستراتيجية. أفضل لحظات وفاقه الوطني، عندما يكون الاقليم في حالة غيبوبة، أو عندما تكون القوى العظمى، في حالة انشغال في قضايا دولية نائية. هو هكذا. منذ التأسيس، أو، حتى من قبل. كيان يعرج على عكازين، بشكل غير مستقيم، وغالبا ما يتعثر ويقع. هو هكذا. نصفه هنا ونصفه ضد الهُنا. وهو مع الهناك. وعليه، فالمسألة ليست &laqascii117o;فهمتونا غلط"... لأنهم يجيدون القراءة جيداً، لكن في كتاب آخر. وقد تناوب على تأليفه، جهابذة الانعزال، ومفكرو الحياد، ومنظرو &laqascii117o;قوة لبنان في ضعفه"، ومفلسفو الاعتدال، ومروجو بضائع &laqascii117o;المجتمع الدولي". هذا كتاب من كتب التأسيس للبنان. وقد جاء من يحاول تأسيساً جديداً. ولقد كان لهذا التأسيس منطق آخر ونص آخر، يتبنى مذهباً نقيضا لمذهب الانعزال و... وصولاً إلى مذهب الانحناء أمام نصائح &laqascii117o;المجتمع الدولي"، والتنازل أمام أوامر مؤسساته. حجر الزاوية كان تغييراً في الاتجاه: لا ينبغي أن يبقى لبنان، نتاج لاءين: لا للشرق ولا للغرب. لا ينبغي أن يكون عنوانه الدائم &laqascii117o;هيك وهيك"، كمكان اقامة دائم، كما اختارها له رئيس الحكومة الأسبق الحاج حسين العويني. لبنان، الذي أراده الفرنسيون شارداً، طائراً في غير سربه، جسر عبور، ملجأ للأقليات، رأس سوق للغرب باتجاه الشرق ومستودع أموال للعرب الخائفين على جيوبهم وحقائبهم... هذا اللبنان، جرّب هذه الصيغة وفشل. جرّب الهروب من العروبة، فحضر عبد الناصر إليه، بقوميين عرب لبنانيين غير مستوردين من الخارج، لأن أصل العروبة لبناني/شامي. جرب الهروب من فلسطين، ونأى بنفسه عن المشاركة، فحضرت فلسطين بكامل عدتها، كقضية وكمقاومة، وأقامت فيه روحاً... جرب الهروب من دمشق، فأقامت فيه وفوقه وعليه... جرب أميركا، فأحضرت المارينز مرتين وغرقت في رمال الأوزاعي... جرب فرنسا، فنال منها ما لم تنله مستعمرة لها في افريقيا. جرّب اسرائيل، فحضرت بآلتها المدمرة، واغتصبت وأشادت رئاسة لأيام، وفجرت مقاومة بلا هوادة. لا يقع ذلك في سوء الفهم، بل في سوء الخيارات. ليست المسألة &laqascii117o;فهمتونا غلط". انهم أصحاب فهم آخر. والمقاومة صاحبة فهم جديد. وهي تحاول تأسيس الكيان، على قاعدة القوة وليس على ناصية الضعف. والقوة مكلفة،وثمنها باهظ، فيما الضعف يعفي النفس من الجهد، ويستسيغ الاتكال على... واللائحة تطول. الرابع عشر من آذار، فريق له جذوره في &laqascii117o;الفهم اللبناني" الخاص بمرحلة &laqascii117o;لبنان أولا". وهو شعار كتائبي بحت، وقواتي مؤصل. ومنه انتقل إلى &laqascii117o;مصر أولا" مع السادات، وإلى &laqascii117o;العراق أولاً" مع الاحتلال ومن معه ومن خلفه ومن ساومه... هذا ليس جديداً بالمرة. أما وقد انجزت المقاومة بالتجربة، ما لم تنجزه دول وجيوش وجحافل وآبار نفط، وشعارات، وأمم متحدة، وجامعة عربية، فإنها وضعت الجميع، هنا وهناك العربي، وهنالك الأجنبي، في موضع الدفاع المستميت عن فلسفة الضعف كنتاج لفلسفة الانعزال، (وهو ليس انعزالا لبنانيا أبداً، فالانعزالية العربية تمتد من المحيط الخائب إلى الخليج العائب). في المواجهة بين آفة الضعف المتمكنة من كثيرين، في الثقافة والسياسة والاجتماع والمصالح، ونعمة المقاومة، المتمكنة من تقرير مصائر الماضي القريب والمستقبل الأقرب، لا مفر من السؤال: كيف يدار الصراع، بين 14 آذار و8 آذار، بين &laqascii117o;لبنان أولا" و&laqascii117o;المقاومة دائماً". انتصار المقاومة في فصول المواجهة الأربعة، يشير إلى أن الانتصار الخامس على الأبواب. فماذا عن الفصل السادس والسابع وما يليهما؟ أليس من حقنا أن &laqascii117o;نفهم صح"؟ أليس من حقنا أن نعرف الجواب: &laqascii117o;متى يكون لبنان كله أولاً، بجيشه وشعبه ومقاومته، مقاومة مصانة، محروسة بنظام سياسي من طبيعتها، وثقافة من صلبها، وتربية من جدواها، وإيمان بعدالتها. إلى السيد نقول: &laqascii117o;فهمناكم صح"... أما &laqascii117o;فهمتونا غلط" فتحتاج إلى تصحيح... الآخرون في لبنان يفهمون... لكنهم يقرأون حواشي السياسة، ولا ينتظمون في متن القضايا.
- 'السفير'
عن السلاح والحرب القادمة
اياد زيعور:
كان مشهد الجنود الانكليز الذين تحصدهم المدافع الرشاشة الألمانية يشبه لحد بعيد مشهد محاربي قبائل الزولو الذين حصدهم الانكليز ببنادقهم قبل أعوام. ففي الأول من تموز 1916 في معركة السوم أثناء الحرب العالمية الأولى، سقط ستين ألف قتيل انكليزي بدون أي تغيير يذكر في خطوط الجبهة. عندها أدرك الحلفاء أن هذا الشكل من الحرب لا يمكن أن يستمر، لقد أنهى المدفع الرشاش عصر الموجات البشرية إلى الأبد. ومع أن المدفع الرشاش كان قد اخترع قبل السوم بخمسين سنة على يد هيرام مكسيم الانكليزي، لكن الألمان هم أخيرا من أوجدوا له التكتيك (&laqascii117o;حقل القتل") الذي جعله سلاحاً فتاكاً.
ولم تمض أسابيع حتى دفع الانكليز باختراع جديد عسى أن يساعد بإنهاء المعركة الأكثر دموية في التاريخ البشري (1,5 مليون ضحية). في أول ظهور لها، لم تكن الدبابة أكثر من جرار وضع عليه صندوق كبير من المعدن يسير ببطء شديد. لم تغيّر الدبابة الكثير في هذه المعركة لكن تأثيرها الكبير لن يظهر حتى بداية الحرب الثانية.
لم يحسن الحلفاء المنتشين بالنصر الاستفادة من دروس معركة السوم. في فرنسا، سيطرت أفكار الحرس القديم ما أنتج الخط الدفاعي الأكثر كلفة في التاريخ (خط ماجينو) والذي تبين عند بدء الحرب أن لا قيمة له. لقد كان الجيش الفرنسي آنذاك يعاني من ترهل العصبية (على رأي ابن خلدون)، لم تكن طبقة الضباط الذين انتصروا في الحرب الأولى لتهتم بأي آراء قد تأتي من خارج ناديهم، رغم أن واحداً من أهم العقول العسكرية كان بين جنباتهم. فالملازم الشاب شارل ديغول بعد أن تعب من انتقاد &laqascii117o;عقلية خط ماجينو" بدون أن يصغي له أحد من الجنرالات المنشغلين بالتنازع على النفوذ ، كتب كتابه الشهير Vers l&rsqascii117o;Arm&eacascii117te;e de M&eacascii117te;tier (1934) الذي احتوى الأسس الفكرية للحرب الحديثة المعتمدة على الدبابة. لكن الكتاب على عظمته لم يكسب ديغول إلا المزيد من عداء الجنرالات الذين سيكونون لاحقا أول من يتعاون مع النازي المحتل مثل بيتان ودارلان.
على الجهة المقابلة كانت نار العصبية متوقدة، ألماني غاضب ابن موظف بسيط، يصل إلى رأس الهرم. هتلر الذي قاتل في الحرب الأولى، كان يعلم أن ألمانيا بحاجة إلى شكل جديد من الحرب، كي لا تتكرر نتائج الحرب الأولى. ولما وقع على كتاب لضابط ألماني شاب يدعى هانس غوداريان، أدرك هتلر انه أصاب ذهبا. ففي كتابه Achtascii117ng Panzer، قدم غوداريان فلسفة شاملة وعملية للحرب المدرعة. أعجب هتلر بفلسفة غوداريان وسلمه زمام الأمور، رغم التشكيك الكبير من أركان حربه، الذين ضحكوا مطولا عندما ادعى غوداريان أمامهم انه يستطيع الوصول إلى الشاطئ الفرنسي في أسابيع.
لكن غوداريان لم يكن مخطئاً، فعندما زحفت ارتال الدبابات الألمانية عبر غابات الآردن أصيب الجيش الفرنسي بالذعر ودبت فيه الفوضى. ورغم أن الفرنسيين كانوا يملكون عددا كبيرا من الدبابات إلا أن التكتيك كان ناقصاً. وحده ديغول، الذي كان يعرف بالضبط ما يقوم به غوداريان، استطاع أن يقوم بواحد من الهجمات المضادة القليلة الفعالة، عندما قاد مئتي دبابة في &laqascii117o;مونتكورنيه" وكاد أن يعرقل كامل الهجوم الألماني.
سلاح الدبابة الذي أحسن الالمان استعماله بتكتيكات انتجت الحرب الخاطفة، أعطاهم سنتين من الانتصارات المتتالية. لكن محدودية هذا السلاح والحرب التي قامت على اساسه لن تظهر الا في الحملة الروسية. وبالتحديد، في معركة كورسك هزم المارشال السوفياتي غريغوري جيكوف المدرعات الالمانية بالتكتيك عندما استعمل طريقة &laqascii117o;الدفاع بالعمق".
لكن الجيل الأول من السلاح الذي سيهزم الدبابة لن يظهر إلا في أواخر الحرب الثانية على أيدي الأميركيين. ففي معركة &laqascii117o;البالج" لعبت البازوكا، وهي قذيفة صاروخية يطلقها المشاة، دوراً حاسماً في إفشال الهجوم المدرع الألماني. الجيل الثاني ظهر بالأيدي العرببة خلال حرب الـ73 حين أحدث &laqascii117o;المالوتكا"، وهو صاروخ بعيد المدى وموجه يدويا عبر سلك، خسائر فادحة في المدرعات الإسرائيلية. لكن بطء سرعة المالوتكا المحكوم بسرعة تفلت سلك التوجيه سمح للدبابة بالبقاء ليوم آخر.
السلاح الذي سينهي عصر الدبابة ظهر في نفس الحرب لكن بالأيدي الإسرائيلية. لم يكن قد مضى سنة على دخول أول صاروخ من الجيل الثالث &laqascii117o;التاو" الخدمة في أميركا، حتى تم شحنه على عجل الى الجولان ليوقف زحف الدبابات السورية. &laqascii117o;التاو" الموجه بالليزر كان يملك كل ما يلزم للقضاء على الدبابة: سرعة، دقة ورأس انفجاري كبير. وبالفعل كان هذا الصاروخ العامل الأهم في إنقاذ الجبهة الإسرائيلية من الانهيار.
لكن العتب العربي على هذا السلاح عاد ورفع عندما استطاع &laqascii117o;الكورنيت" (المقابل الروسي للتاو) أن يفتك بالدبابات الإسرائيلية في جنوب لبنان. بعد 33 سنة من التطوير على درع الدبابة، بقي الصاروخ فعالا كما كان في الـ73. ومن المستبعد أن تتغير هذه النتيجة، فكما وجد الألمان منذ سبعين سنة فإن للدبابة سقفاً من حيث الوزن (60 طناً) تصبح بعده الصعوبات اللوجستية هائلة، بينما ليس هناك سقف مماثل عند الصاروخ.
الدبابة التي اخترعها الانكليز في الحرب الكونية، وجعلها الالمان عمادا للحرب في الحرب العالمية الثانية انتهى عصرها رسمياً في وادي السلوقي، ولكن ماذا بعد الدبابة؟
إذا كان من سلاح يرمز إلى عصر ما بعد الدبابة فهو بلا شك الطائرة بدون طيار. في حرب تموز الـ2006 وكما في أفغانستان اليوم، مثلت هذه الطائرة عماد الحرب الجديدة. وهذه الطائرة الموجودة منذ أيام الحرب الأولى أخذت دورها المحوري بفضل تقنيات التواصل والإدارة الرقمية لتصبح العين التي يرى بها الجيش وحتى اليد التي يضرب بها.
وتعتبر هذه الطائرة اليوم نوعاً من الروبوت (الآلة الذكية)، حيث يقوم الكمبيوتر على متن الطائرة بإدارة عملية الطيران وتحليل الصور من الكاميرات الرقمية المحمولة لتحديد الأهداف. وبفضل قدرة التواصل والتحكم، يستطيع بشري يجلس في قاعدة بعيدة أن يكمل ذكاء الآلة بمساعدتها على تصنيف الأهداف وإعطاء الأمر النهائي بضرب الهدف.
ومع التطور في قوة وسرعة الكمبيوتر وبرمجياته أصبح الروبوت يزداد ذكاء وحضورا. فكاميرات المراقبة الرقمية التي تكلف بضع مئات من الدولارات يمكن النظر اليها على انها روبوت للحراسة لا يتعب ولا ينام، حيث يستطيع هذا الروبوت أن يرصد ويلاحق أي حركة في المنطقة التي يحرسها، ويميز بين الانسان والحيوان، وحتى بين الأشخاص المسموح لهم بالتواجد وغيرهم. وعند الحاجة يمكن لهذا الروبوت أن يطلق صفارة أو أن يتصل بعدد من الأرقام الهاتفية ويعطيهم تقريرا شفهيا.
الروبوت هو سلاح هائل، بدأ يأخذ دوره ببطء بانتظار تطور الفكر العسكري المناسب، حينها سيقلب طبيعة الحرب الحالية بالكامل، كما حدث مع رشاش مكسيم. فإطلالة سريعة على تقنيات تحليل الصور compascii117ter vision الموجودة في القطاع الاكاديمي، يمكن أن تعطينا فكرة عما سيكون شكل الحروب القادمة. فمثلا يستطيع كمبيوتر مزود بكاميرا أن يرصد كتيبة دبابات ويطلق مجموعة من الصواريخ باتجاهها ويوجه كل هذه الصواريخ نحو أهدافها في نفس الوقت وبدقة لا يستطيع أي بشري أن ينافسها. وبفضل برمجيات متطورة مثل (POSIT algorithm)، يمكن للكمبيوتر أن يحدد مكان الطائرة وسرعتها من خلال تحليل الصور ويوجه اليها سلاحا بدقة بالغة. وحتى اذا لم يصب من أول مرة فانه قادر بسرعة كبيرة على تصحيح التصويب (feedback control) ليزيد الدقة تدريجيا حتى يصيب.
مع استمرار الثورة الرقمية، فإننا بلا شك قد دخلنا عصر الروبوت الذي سيصبح عماد الحروب القادمة. وبما أن تقنيات الروبوت متاحة للجميع فإن الذي سيسود هو الأقدر على تطوير فكره وأدائه ليعطي هذا السلاح فاعليته العسكرية الكاملة. فرغم أن الألمان لم يخترعوا المدفع الرشاش ولا الدبابة، فإنهم أكثر من استفاد منهما عندما وضعوا لهم الفلسفة القتالية الملائمة.
يبدوا أن التفوق في الحروب ليس إلا تفوقاً بالفكر أو نتيجة لتقدير قيمة الفكر. فبعد هزائمها المذلة أمام نابليون، بنت ألمانيا قرناً من الأمجاد العسكرية بفضل كتاب Vom Kriege لضابط بروسي يدعى كارل فون كلاوسفيتش. وفي الحرب الثانية دفعت فرنسا غالياً ثمن إهمالها لكتاب ديغول، بينما تفوقت ألمانيا لأنها قدرت كتاب غوداريان. ولم تنج روسيا إلا لما سلم ستالين زمام الأمر لجيكوف الذي يعتبر من عباقرة علم الحرب. ولم تكن صدفة أن تتزامن بداية هزيمة ألمانيا مع تنحية هتلر لغوداريان. وفي بلادنا حيث يستجدي أصحاب الفكر الرزق على أبواب زعماء السياسة، هل من الصدفة أن نكون حيث نحن الآن؟
- 'السفير'
المحكمة الخاصة بلبنان أمام مجلس الأمن: تجاوز الامتحان الأول بنجاح
فادي فاضل:
مع مرور عام تقريباً على عضوية لبنان في مجلس الأمن، لا بد من وقفة نقدية أمام هذا الواقع. فالتطورات المحلية والدولية تشهد على مدى أهمية مهمة كهذه في الهيئة الأممية المولجة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، بحفظ السلم والأمن الدوليين.
وخلال الأسبوع الماضي، كاد اسم لبنان أن يعود موضوع الساعة أمام مجلس الأمن، لا بوصفه عضواً فاعلاً في تلك الهيئة، وإنما كحالة صراعية. وهنا لا بدّ من الإشادة بالدور البنّاء الذي اضطلع به سفير لبنان في الأمم المتحدة الدكتور نواف سلام، وأعضاء البعثة اللبنانية، بخصوص قضية المحكمة الخاصة بلبنان، حيث كان لبنان موضوع نقاش ومباحثات لا بل دعم، من دون أن يصدر عن مجلس الأمن أي بيان أو قرار يشير أو يلمح إلى أي تلكؤ من السلطات اللبنانية في ما يتعلق بأحداث السابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2010. مرةً جديدة، نجحت الدبلوماسية اللبنانية في المحافظة على المصلحة الوطنية، من دون المساس بالنظام القانوني الدولي. وكان دعم فرنسا في هذا الصدد ملحوظاً.
نودّ في هذا السياق أن نحلل بإيجاز شديد الأساس القانوني والسياسي للتحرك الدبلوماسي اللبناني الأخير في مجلس الأمن في ما خصّ المحكمة الخاصة بلبنان.
- 1- خلافاً لباقي المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، ما من علاقة مباشرة بين المحكمة الخاصة بلبنان ومجلس الأمن. فالمحكمة ليست بهيئة فرعية منبثقة عن مجلس الأمن، بل هي هيئة قضائية مستقلة تربطها علاقات مباشرة من حيث المبدأ مع الأمين العام للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية باعتبارهما الجهتين الموقعتين على الاتفاق الذي أنشئت بموجبه المحكمة. لهذا السبب بالتحديد جرى عرض الوقائع أمام مجلس الأمن في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر من خلال مساعدة الأمينة العامة للشؤون القانونية السيدة باتريسيا أوبراين، وليس بتدخل مباشر من رئيس المحكمة الخاصة بلبنان.
-2- في هذا السياق، صرّح سفير فرنسا في الأمم المتحدة جيرار أرو قائلاً: &laqascii117o;نقول للمحكمة إنه في حال وجدت أنه من الضروري أو المناسب أن توفر المزيد من المعلومات للمجلس، إنه يتعين عليها هي أن ترسل هذه المعلومات لنا" (صحيفة لوريان لوجور، عدد 6 تشرين الثاني 2010). ونحن بالتالي إزاء اعتراف باستقلالية المحكمة وسلطتها التقديرية التي تخولها اللجوء إلى مجلس الأمن أو الامتناع عن ذلك. فردود الفعل الأولية بُعيد حادث السابع والعشرين من تشرين الأول صدرت عن الفريقين المعنيين بشكل مباشر بالمحكمة الخاصة بلبنان أي الأمين العام للأمم المتحدة والسلطات اللبنانية التي التزمت في التحقيق في حيثيات الحادث. وقد أشارت الدبلوماسية اللبنانية إلى عمل طرفي الاتفاق المرعي الإجراء ونجحت في إقناع أعضاء مجلس الأمن بعدم التدخل قبل أن يقوم الطرفان، بالتعاون مع المحكمة، لجلاء مجريات وملابسات الأحداث كافة.
-3- مع أن هذه المحكمة قد أُوجدَت بناءً على طلب الحكومة اللبنانية وبتوصية من مجلس الأمن في قراره رقم 1644 الفقرة 6 الصادر عام 2005، إلا أن عمل المحكمة وتقارير رئيسها وأوجه تمويلها ليست من الصلاحية المباشرة لمجلس الأمن. وكما ذكّرت السيدة أوبراين في الخامس من تشرين الثاني 2010، إن مجلس الأمن وباعتماده القرار 1757 قد تدخل في عملية إنشاء هذه المحكمة في مرحلة معينة، أي لدى دخول الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان حيز التنفيذ، وبحلوله بذلك، على أساس الفصل السابع من الميثاق، محل المؤسسات اللبنانية (صحيفة النهار عدد 6 تشرين الثاني 2010). وبذلك، يجوز لمجلس الأمن أن يتدخل في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان، لا بطريقة طبيعية (بما أنه ليس مؤسسته المرجعية) وإنما بشكل استثنائي وتكميلي (à titre sascii117bsidiaire)، أي في حال حصول مشكلة خطيرة تهدد عمل المحكمة. وقد نجحت الدبلوماسية اللبنانية في جعل مجلس الأمن يفهم أن حادثة السابع والعشرين من تشرين الأول 2010 ليست خطيرة وأن موقف الدولة اللبنانية إزاء التزاماتها الدولية لن يتأثر بها. ويرى الدكتور نواف سلام أن &laqascii117o;لبنان، كدولة صغيرة، يثق بأن القانون الدولي يشكل إلى جانب الوحدة الوطنية عاملاً يساعد على المحافظة على مصالحه المشروعة" (صحيفة لوريان لوجور، المصدر نفسه).
فأي عِبَر يمكن أن نستخلصها من هذه الأحداث؟
1- لبنان مرتبط بالتزام دولي بشأن التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان، بموجب الاتفاق الذي يربطه بالأمانة العامة والذي دخل حيز التنفيذ عام 2007 من خلال قرار صادر عن مجلس الأمن. إن تصرّف لبنان (comportement de l&rsqascii117o;&Eacascii117te;tat) منذ سنتين إزاء هذه الهيئة القضائية يبيّن قبوله بهذا الواجب القانوني. ولكن باستطاعة لبنان أن يطلب إدخال بعض التعديلات أو التفسيرات على الاتفاق والنظام الداخلي الخاص بالمحكمة الخاصة بلبنان، كما هو مذكور في المادتين 18 و20 من الاتفاق. وهذا يفترض طبعاً موافقة الطرف الثاني من خلال التفاوض. إلى ذلك، يجوز للسلطات اللبنانية أن تنقل ملاحظاتها إلى المحكمة، وعند الاقتضاء اعتراضاتها في حال سوء تصرف بعض الأشخاص العاملين لحساب المحكمة. وعلى المفاوضات والتحقيق جلاء حيثيات هذا الخلاف أو ذاك.
2- من الآن وصاعداً، وفي ضوء أعمال جلسة مجلس الأمن المنعقدة بتاريخ 5 تشرين الثاني 2010، لم يعد يجوز للسلطات اللبنانية اعتماد إجراءات أو اتخاذ موقف رسمي يتعارض مع الالتزامات الدولية التي قطعها لبنان على نفسه أو من شأنه أن يهدد عمل المحكمة الخاصة بلبنان. فعدم قدرة لبنان على تسديد حصته المالية على سبيل المثال - لأسباب موضوعية - (الفقرة الأولى من القرار 1757 والمادة 5 من الاتفاق)، لا يشكل بحدّ ذاته تخلفاً عن أداء واجباته. ولكن قيام لبنان برفض أداء ما يترتب عليه في إطار منطق رفض التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان سيؤدي من الآن وصاعداً في مجلس الأمن إلى دراسة هذه المسألة وربما إلى إصدار إدانة بحق لبنان. من هنا تبرز أهمية قيام دبلوماسية فطنة قادرة على التوفيق بين المقتضيات الناتجة عن الموجبات الدولية والمحافظة على المصالح الوطنية.
3- تقضي مهمة المحكمة الخاصة بلبنان بمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وتسمح القواعد الإجرائية لهذه السلطة القضائية بالمضي قدماً في مهمة إحقاق العدل هذه، المحدودة في الزمان، حتى في حال لم يتمّ توقيف المتهمين إن كانوا قد لاذوا بالفرار. ما يعني إمكانية اللجوء إلى المحاكمة الغيابية، وهو تدبير فريد بالمقارنة مع باقي المحاكم الجنائية الدولية المعاصرة. أي أن طرفي الاتفاقية (الأمانة العامة للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية) كانا يدركان منذ البداية مدى تعقيد وصعوبة إلقاء القبض على المتهمين الفارين. إذاً، هذان الطرفان لم يرغبا في إعاقة عمل المحكمة الخاصة بلبنان بسبب الصعوبات الظرفية والسياسية التي يمكن أن تطرأ. فعلى السلطات اللبنانية أن تعي الآن أنه من حيث القانون من جهة وبموجب التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان من جهة أخرى، ثمة سبل تسمح بالحفاظ على الوحدة الوطنية من دون التخلف عن الوفاء بالالتزامات الدولية التي تعهد بها لبنان...
باختصار، يشكل العمل السياسي اللبناني المسؤول والموائم ضمانة لدبلوماسية ذكية تتولى زمام الأمور داخل المجتمع الدولي للدفاع عن المصالح الوطنية بالتناغم مع الالتزامات الدولية.
([) أستاذ جامعي في القانون الدولي
(مقتطفات من المحاضرة التي أُلقيَت في معرض الكتاب الفرنكوفوني)