قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 22/11/2010

- 'الأخبار'
حديث الفتنة: مقاومة &laqascii117o;شيطنة" المقاومة.. حزب الله مطالب بأن يُدين كلّ من تلوثت يداه بدماء العراقيين، وليس فقط التفجيرات بحقّ الشيعة
بدر الإبراهيم(كاتب سعودي):

منذ عشر سنوات، وتحديداً منذ عام 2000، تتواصل الحملات السياسية والإعلامية الشرسة على حزب الله. تنظّم هذه الحملات الولايات المتحدة وإسرائيل، ومعهما مجموعة من الأدوات العربية واللبنانية، وتهدف إلى ضرب نموذج حزب الله وإسقاطه بكلّ الوسائل الممكنة.
حقق حزب الله نصراً تاريخياً بتحرير الجنوب اللبناني بعد مقاومة ضارية، فضرب حكاية التفوق الصهيوني في مقتل، ومعها جهود &laqascii117o;تحسين شروط الهزيمة" التي عمل عليها النظام الرسمي العربي من خلال عملية التسوية. وبالتالي، باتت الدعاية الرامية إلى كيّ الوعي العربي، أمام نموذج يفضح خرافة الهزيمة، فكان القرار بإسقاط هذا النموذج المُعطِّل.
جُرِّبت وتُجرَّب كلّ الوسائل لإسقاط المقاومة وسلاحها: الضغوط الدولية، الترغيب والترهيب، الحرب الإسرائيلية والفتنة الداخلية. ورغم الفشل، لا تزال المحاولات مستمرة.
ينشط إعلاميون وسياسيون من محور الهزيمة في &laqascii117o;شيطنة" الحزب والعمل على تحريض الرأي العام العربي عليه. يحاولون تصويره كميليشيا خارجة على شرعية &laqascii117o;الدولة اللبنانية"، أو كمجموعة انتحارية تنحر معها البلاد والعباد في معارك عبثية. يُسخّفون انتصارات المقاومة، يزايدون على إسرائيل، ولا يوفّرون وسيلة لضرب النموذج الفاضح لضعف فكرهم السياسي. لكن إحدى أهم وسائل تشويه المقاومة هي التحريض المذهبي، وهي وسيلة تحقق مردوداً أفضل من غيرها عند الجماهير المنقسمة والمعبَّأة طائفياً ومذهبياً. لذلك يتواصل اللعب على وتر الفتنة السنية ـــــ الشيعية. وتأتي قضية المحكمة الدولية لتغذي هذا الجانب في محاولة لتصوير حزب الله &laqascii117o;الشيعي" كخطر أكبر من إسرائيل على السنّة في لبنان والعالم العربي.
يعي الحزب خطورة الفتنة المذهبية، وهو في أدبياته وعقيدته الدينية والسياسية يحرص أشدّ الحرص على وحدة المسلمين ويعتبر استهدافها أكبر خدمة للعدو. كما أنّه يستنفر في مواجهة المحكمة الدولية رافضاً اتهامه باغتيال زعيم السنّة في لبنان. مع ذلك، لا يزال الحزب عُرضة لاستهدافه عبر هذه الفتنة، ولا يزال خطابه السياسي ووسائل إعلامه غير فاعلة كفاية في مواجهة التحريض والتشويه.
تصبح مراجعة النقاط الأساسية في هذه المعركة ضرورية لمعالجة جذرية لعملية استهداف الحزب مذهبياً. كذلك من أجل توفير قاعدة صلبة من المناهضة الفاعلة للتحريض المذهبي تحمي المقاومة والأمة أيضاً من خطر استخدام المذهبية كسلاح لتأجيج التوترات وتحقيق الأهداف السياسية للأعداء.
المسألة الإعلامية تعدّ أولوية في مواجهة كهذه. للحزب وسائل إعلام خاصة به وأخرى تناصر قضية المقاومة. لكنّ الآلة الإعلامية المعادية للمقاومة لديها قدرة أكبر على الانتشار والتأثير، وخصوصاً في الخليج العربي.
إنّ تفعيل عمل وسائل إعلام الحزب ورفع مستوى أدائها لتتصدى للدعايات المغرضة التي تبثها وسائل إعلام عربية وغربية حول المقاومة ضرورة ملحة. هذا يتطلب خروجها من محليتها الضيقة لتقدم خطاباً أكثر شمولية. يجب أن يوضح هذا الخطاب مدى حرص المقاومة على الوحدة الإسلامية وكيف عملت وتعمل على درء الفتنة وتوحيد الصفوف.
العمل الحالي لوسائل إعلام الحزب لا يصل بوضوح إلى المتلقي العربي، ولا حتى إلى المتلقي المحلي خارج الإطار الشيعي اللبناني. يتطلب هذا الواقع إعادة النظر في الأداء الحالي لمواجهة الحرب الإعلامية على نموذج المقاومة.
كذلك يبدو من الضروري أن يكثف قياديو الحزب ومسؤولوه إطلالاتهم على الجمهور العربي من خلال وسائل إعلام عربية، وأن يشرحوا ويردّوا ويوضحوا مباشرة للجمهور العربي. فمثلاً، كانت مقابلة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله مع قناة &laqascii117o;الراي" الكويتية نموذجاً مبشراً لتواصل مهم وحيوي بين الحزب والجمهور العربي في الخليج.
يحتفظ الحزب بعلاقات ممتازة مع الكثير من الأحزاب والتنظيمات الإسلامية السنية في العالم العربي والإسلامي، وخاصةً مع المنظمات الفلسطينية. هذا أمر لا يخفى على أحد، لكن إبرازه إعلامياً ـــــ دون التعرض لأسرار العمل المقاوم ـــــ يمثّل سلاحاً قوياً في مواجهة الدعاية المذهبية ضد الحزب.
على صعيد الخطاب السياسي والممارسة السياسية، لا يزال حزب الله حالة شيعية في الواقع السياسي اللبناني. جمهور المقاومة أكبر من الطائفة الشيعية. إلا أنّ الخطاب السياسي للحزب يرى في جمهوري المقاومة وحاضنتها جمهور الشيعة اللبنانيين. وهو يبني خطابه على هذا الأساس ممثلاً الطائفة الشيعية في النظام الطوائفي اللبناني ومؤسساته. بل هو يستخدم هذا التمثيل أحياناً للحكم على شرعية مؤسسات دولة الطوائف (شرعية حكومة السنيورة التي انسحب منها)، وهو لو كان حقاً دستورياً وفق النظام اللبناني الحالي، إلا أنّه تكريس لمعادلات المحاصصة الطائفية التي تكرس حزب المقاومة كحالة شيعية.
يمكن من يشاهد احتفالات الحزب السياسية والدينية أن يلحظ نوعية الخطاب المختص بجمهور محدد. فالكلمات والأناشيد، وحتى بعض ما يأتي في خطب الأمين العام، تحمل نفساً خاصاً بالشيعة وتعتبر جمهور المقاومة هو جمهور الشيعة اللبنانيين. هذا أمر لا يُنكر، لكن أنصارها ومؤيديها موزعون في كلّ الطوائف. ويفترض بالحزب أن يحرص على مد جسور التواصل معهم، دون إهمال حاضنته الأساسية. لا يُشَاهد أنصار المقاومة من الطوائف الأخرى إلا في التجمعات السياسية الساعية إلى تحقيق أهداف معينة. لكنّهم لا يُشاهدون في احتفالات عيد التحرير وذكرى انتصار تموز، فما المانع من دعوة جمهور الحلفاء السنّة والمسيحيين للتجمع في احتفالات وطنية عامة يُراد منها في الأساس ترسيخ فكرة الانتصار على المستوى الوطني والقومي؟ وما المانع في التشديد على شمولية جمهور المقاومة وإعطاء اعتبار له في الخطاب السياسي العام للحزب؟ إذا كانت الانتصارات تُهدى إلى كلّ أنصار المقاومة في العالم، فالخطاب السياسي يجب أن يكون شاملاً لهؤلاء.
إنّ تصنيف الحزب كحالة شيعية خالصة يُسهّل التصويب عليه مذهبياً واتهامه بالطائفية. ولو تحرر الحزب من هذه الحالة فسيسقط هذا السلاح من أيدي أعدائه. وقد يترجم ذلك في الممارسة السياسية على أكثر من صعيد. بداية من إعادة تكوين كتلته النيابية لتشمل نواباً من غير الشيعة، وليس نهاية بالعمل التدريجي على إنهاء الطائفية السياسية في لبنان.
في كتلة الحزب النيابية نائب سني واحد (وليد سكرية). لماذا لا يزيد عدد النواب السنّة والمسيحيين في كتلة الحزب؟ وخصوصاً أنّ الحزب يفصل بين جسمه العسكري والسياسي من جهة، وأنّ الحزب العقائدي المؤمن بولاية الفقيه لا يصرف هذا الإيمان سياسياً في النظام الطوائفي &laqascii117o;العلماني" اللبناني من جهة أخرى. وبالتالي لا مشكلة في تنويع كتلته النيابية لتكون فعلاً كتلة الوفاء للمقاومة على اختلاف الانتماءات المذهبية والمناطقية، ولتمثل فقراء الشمال ومُعدميه كما تمثل فقراء الجنوب والبقاع، وجميعهم يؤمن بالمقاومة وفلسطين.
شكّل الحزب &laqascii117o;السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي" على أساس التنوع الطائفي، لكن التجربة ظلّت محدودة. ويحتاج الحزب في الممارسة السياسية إلى أن يخرج من قمقمه المذهبي ليمثل، مباشرة أو عبر حلفائه، جمهوراً أوسع من الجمهور الشيعي يؤمن بالمقاومة ويُؤَمّن للحزب صورة أكبر من الصورة الشيعية. لقد حان الوقت لإنهاء التسليم بمرجعية آل الحريري السياسية للسنّة، والتي تسبب بين الفترة والأخرى مشاكل جديدة واستغلالاً للمذهبية في الصراع السياسي.
يبقى الموقف من الاحتلال في العراق. ما يجري في هذا البلد المنكوب قضية مهمة بالنسبة إلى الجمهور العربي، وقد عبّر الحزب عن موقف ملتبس تجاه ما يحدث في العراق. فمن جهة، يؤيد الحزب بكلمات مقتضبة المقاومة العراقية ويعارض العملية السياسية على استحياء، ومن جهة أخرى يحتفظ بعلاقات قوية مع أطراف العملية السياسية ويطبل إعلامه لهم وفق منطق سياسي/ مذهبي على أساس الخلفية الفكرية المشتركة والعلاقة مع إيران.يتهم الأميركيون والبريطانيون الحزب بالعمل في العراق ضدهم ودعم مجموعات مقاومة فنياً ولوجستياً. ليس المطلوب من الحزب أن يكشف أسرار العمل المقاوم، لكنه مطالب بموقف يُدين &laqascii117o;عمائم الاحتلال" الذين يُدين نظراءهم في لبنان دون اعتبار للخلفية الفكرية أو المذهبية المشتركة. وهو مطالب بأن يُدين أيضاً كلّ من تلوثت يداه بدماء العراقيين، لا أن يكتفي بإدانة التفجيرات الإرهابية بحقّ المدنيين الشيعة.
على الحزب توضيح تبرؤه من شيعة أميركا، وتوضيح تبرؤه ممن يثيرون النعرات المذهبية عبر استحضار وقح لوقائع التاريخ كما فعل السيد نصر الله في خطابه أثناء زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان. كما عليه أن يذكّر دائماً بالقضية المركزية في مواجهة هذا الإغراق المسفّ في استحضار التاريخ من منطق فتنوي يسعى ـــــ بقصد أو من دون قصد ـــــ إلى دعم مخططات التفتيت المذهبي الاستعمارية.
إنّ الزهد الذي يبديه حزب الله في تعزيز شعبيته وجماهيريته من منطلق أنّ عمله المقاوم هو أداء لتكليف شرعي وواجب وطني فقط لا يجب أن يستمر، فجماهيرية الحزب جزء من تكليفه وواجبه. الجماهير العربية بحاجة إلى نموذج مُلهم يهزم الهزيمة الكامنة في النفوس، ويسقط مخططات التفتيت المذهبي.
مسؤولية المقاومة كبيرة، لا تنتهي بهزيمة إسرائيل، وتستكمل باستنهاض الأمة وتشكيل خط دفاع ضد المذهبية القاتلة للوعي والتفكير.


- 'السفير'

التوترات اللبنانية على إيقاع &laqascii117o;التسوية"
محمد سيد رصاص:

في أثناء زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد إسحق رابين لواشنطن، في أيلول 1974، تمً التوصل، وفقاً لمذكرات كيسنجر: &laqascii117o;سنوات التجديد"، إلى تفاهم بين كيسنجر ورابين على استراتيجية التسوية المنفردة التي سميًت بـ&laqascii117o;سياسة الخطوة خطوة"، على أن يكون التركيز على تسوية مصرية - اسرائيلية منفردة، مع استبعاد &laqascii117o;الخيار الأردني" الذي كان يفضله وزير الخارجية الاسرائيلي إيغال ألون صاحب &laqascii117o;مشروع ألون".
كان الرئيس المصري أنور السادات في حالة ملاقاة لهذا التوجه الأميركي - الاسرائيلي. على هذا الأساس بدأ كيسنجر جولته المكوكية في الشرق الأوسط بيوم 7 آذار 1975. اصطدم وزير الخارجية الأميركي بسدٍ مزدوج سعودي - سوري رافض للتسوية المنفردة بين القاهرة وتل أبيب.
تفصل ثلاثة أيام بين اعلان فشل جولة كيسنجر المكوكية واغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز في يوم الثلاثاء 25 آذار 1975، كما أن ثلاثة أسابيع تفصل ذلك الفشل عن نشوب الحرب الأهلية اللبنانية في يوم الأحد 13 نيسان، التي وضعت سوريا في الزاوية اللبنانية المشتعلة هي ومنظمة التحرير الفلسطينية التي اقتربت خلال الربع الأول من عام 1975 من دمشق مبتعدة عن القاهرة التي كانت الراعية الأساسية لقرار القمة العربية في الرباط 28 تشرين الأول 1974 باعتبار &laqascii117o;منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" في تكتيك من الرئيس السادات كان يهدف أساساً إلى افشال &laqascii117o;الخيار الأردني" عند الملك حسين.
بدون ما سبق، ما كانت القاهرة تستطيع توقيع (اتفاقية سيناء الثانية) مع تل أبيب برعاية كيسنجر في يوم 1 أيلول1975، وهي في مضمونهاً لا تختلف كثيراً عما كان شبه متبلور في آذار الفائت. وعملياً، فإن عودة المصالحة المصرية - السورية في مؤتمر الرياض السداسي 16-18تشرين الأول 1976، الذي أنهى حرب السنتين اللبنانية مع موافقة سعودية - مصرية على الوجود السوري في لبنان، وهو ما تزامــن مع انتهــاء المرحلة الكيسنجرية في يوم الثلاثــاء 2 تشــرين الثاني 1976 مع انتخاب الرئيــس كارتر ومجيء أقطــاب &laqascii117o;تقــرير معــهد بروكينغز" إلى البــيت الأبيــض الرافضون لسياسة &laqascii117o;الخطوة خطــوة"، ومنهم زبيغنــيو بريجنسكي.
هنا، نجد كيف كان هدوء عام 1977 في بلاد الأرز مترافقاً مع إعادة الإحياء الأميركية لسياسة التسوية الشاملة للصراع العربي الاسرائيلي، بالتزامن مع توافق مصري - سوري، ومع وفاق بين واشنطن وموسكو حول أزمة الشرق الأوسط بلغ ذروته في البيان الأميركي - السوفييتي المشترك 1 تشرين الأول 1977 المؤكد على القرار 242 وعودة مؤتمر جنيف والتسوية الشاملة. بالمقابل، كانت زيارة الرئيس المصري إلى إسرائيل في يوم 19تشرين الثاني1977مؤدية ليس فقط إلى انقلاب أجواء &laqascii117o;التسوية الشاملة" لمصلحة تسوية مصرية - اسرائيلية انفرادية جديدة، وإنما كان أيضاً أحد تداعياتها عودة لبنان إلى الانفجار منذ يوم 8 شباط 1978مع حادثة ثكنة الفياضية، وهو ما استمر عليه الوضع اللبناني حتى خريف 1978 مع توقيع اتفاقيات كامب دافيد في 17 أيلول بين السادات ومناحيم بيغن. وفي هذا الصدد، فإن زيارة السادات لا يمكن فصلها عن عملية إسرائيل في اجتياح لبنان لأول مرة في آذار1978، كما أن انتهاء انسحاب إسرائيل من سيناء في 25 نيسان 1982، وفقاً للاتفاقية المصرية - الاسرائيلية في 26 آذار 1979، لا يفصله سوى أربعين يوماً عن اجتياح إسرائيل الثاني للبنان، حيث يبدو أن الهدف منهما محاولة اسرائيلية (بعد اطمئنان تل أبيب إلى فصل وتحييد الرأس المصري عن الجسم العربي) من أجل صياغة هذا الجسم في آسية العربية لمصلحة إسرائيل عبر الخاصرة اللبنانية الضعيفة والمضطربة.
في اليوم التالي لخروج ياسر عرفات من بيروت (1 أيلول 1982)، إثر الاجتياح، طرح الرئيس الأميركي &laqascii117o;مشروع ريغان" للتسوية، وهو ما فضَلت تل أبيب عليه تسوية اتفاق 17 أيار1983الانفرادية مع لبنان، والتي أدت إلى تفجير لبنان من جديد مع حرب الجبل: أيلول 1983 و6 شباط 1984، اللتين جعلتا مشهد (صيف الاجتياح - 17 أيار) ينقلب لمصلحة مشهد لبناني جديد لغير مصلحة المشروع الاسرائيلي - الأميركي منذ اتفاق بيغن - ألكسندر هيغ (وزير الخارجية الأميركي) على اجتياح لبنان. هذا أدى إلى مرحلة انتقالية لبنانية كانت آلام مخاضاتها مؤديــة إلى انتهاء مرحلة الحرب الأهليــة اللبنانيــة في يوم 13 تشرين الأول 1990، في ظل توافــق سوري - سعودي - أميركي تجَــسد أولاً في اتفاق الطائف قبل عام من ذلك، ثم تجــسَد ثانية في أزمة ما بعد اجتياح العراق للكويت في يوم 2 آب 1990، وهو ما ترافق منذ أيار 1990مع عودة التوافق المصري - السوري: خلال عقد التسعينيات كان دخول لبنان في مرحلة &laqascii117o;السلم الأهلي" متزامناً مع اتجاه مساعي التسوية للصراع العربي الاسرائيلي منذ مؤتمر مدريد تشرين الأول 1991 نحو أطر شاملة، لم يحجب فيــها اتفاق أوسلو بين عرفات ورابين في 13 أيلــول 1993 الجهد المكثف الذي بذلته إدارة كلينتون من أجل اتفاق حول مرتفعات الجولان. وعملياً، فإن وصول التسوية السورية - الإسرائيلية إلى طريق مسدود في قمة جنيف بين الرئيسين السوري والأميركي 25 آذار 2000، ثم فشل محادثات كلينتون - باراك - عرفات في كامب دافيد 11 - 25 تموز 2000، قد عنيا انتهاء لمرحلة تسوية مدريد.
خلال فترة ما بعد مدريد، والتي استغرقت معظم العقد الأول من القرن الجديد، أشاحت الولايات المتحدة الأميركية بوجهها عن التسوية، التي بدأت الاهتمام بها كوسيلة لتنظيم سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1974.
هذا أدى إلى جعل اهتمامات واشنطن منصبة على مواضيع أخرى غير التسوية في المنطقة من أجل تحقيق هذا الهدف ، وهو ما بان في عهد بوش الإبن الذي تجاهل التسوية لمصلحة &laqascii117o;إعادة صياغة المنطقة" من &laqascii117o;البوابة العراقية" وهذا شيء كان واضحاً في الأشهر الثمانية الأولى من عهده قبل (11 ايلول) ثم توضَح أكثر بعد ضرب برجي نيويورك: قاد اتجاه الولايات المتحدة إلى غزو واحتلال العراق إلى صدام سوري - أميركي بانت معالمه أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول لدمشق بعد ثلاثة أسابيع من سقوط بغداد. بدون هذا الصدام، لا يمكن تفسير القرار 1559 في 2 أيلول 2004 الذي عنى اتجاهاً أميركياً إلى تحجيم الدور الإقليــمي الســوري عبر بلاد الأرز، وهو ما أدى إلى اشتــعال لبنان مــن جديد، ولكن على خلفية ليس عنصرها الأســاسي هو التسوية، كما في أعوام 1975 و1978 و1983، وإنما العراق، الذي كان يعتبره الرئيس الأميركي آنذاك &laqascii117o;موضوع المواضيع"، ثم انضاف لعوامل الاشتعال اللبناني ما حصل، منذ آب 2005، من صدام ايراني - أميركي بسبب استئناف طهران لبرنامجها في تخصيب اليورانيوم.
خلال أعوام ستة، انقسم لبنان بين معسكرين، كان من الواضح في تلك الأعوام أن المواضيع اللبنانية هي مكثفات لمواضيع وقضايا هي أبعد من 10452 كيلومتر مربع، كما أن التوازنات الاقليمية التي كانت في مرحلة مدِ المشروع الأميركي بالمنطقة، بدءاً من سقوط بغداد في 9 نيسان 2003، قد كان لها ترجمات خاصة في لبنان، تماماً كما كان هناك ترجمات معاكسة لبنانياً لمرحلة انتكاس وتراجع المشروع الأميركي منذ النــصف الــثاني من عـام 2006.
هنا، يلاحظ، منذ تراجع المشروع الأميركي، بداية عودة واشنطن إلى استخدام التسوية من أجل لملمة هذا المشروع وإعادة ترميمه. يمكن تلمس هذا الشيء بوضوح في عهد أوباما، وصولاً إلى الذروة في ذلك مع تدشين مفاوضات بنيامين ناتنياهو - محمود عباس منذ 2 أيلول 2010: خلال شهرين، سبقا تلك المفاوضات، عاد التوتر إلى لبنان - بعد هدوء ما بعد اتفاق الدوحة في أيار2008 - تحت عناوين محلية خاصة، ثم ازداد عقب بدء تلك المفاوضات وأيضاً تحت تلك العناوين ومتفرعاتها، وهو توتر غلياني يعكس كمرآة ما تتجه إليه منطقة الشرق الأوسط من منعطف نتيجة إصرار واشنطن على الاستمرار في مشروعها للمنطقة، البادئ ببغداد، عبر وسائل جديدة، ربما تكون الحرب إحداها، والتي يمكن أن تكون التسوية، التي أوحت واشنطن بإمكانية حصولها عبر ما يجري بين عباس وناتنياهو، هي مجرد غبار تمويهي للبعض، وارضائي للبعض الآخر، قبل حصول تلك الحرب الأميركية - الاسرائيلية. هنا، أيضاً، يلاحظ، بعد اصطدام تلك المفاوضات بالحائط الاسرائيلي المسدود منذ أواخر أيلول، دخول لبنان، مثل تجربة 1975، في توتر متزايد أكثر من الصيف السابق ترافق مع بداية ملامح لهجــمة أميركــية غير مسبوقة في المنطــقة منذ النصــف الأول لعام 2006، وهو ما يتزامن مع انتصار اليمين الأميركي في انتخابات الكونغرس النصفية على &laqascii117o;اعتدالية" أوباما.  


- 'النهار'
(محامٍ): صراع سياسي للسيطرة على السلطة القضائية الوطنية
بقلم محمد مغربي:

لنقلها صراحة ودون مراعاة أي كان. إن السجال السياسي والإعلامي الدائر في لبنان، والذي يتركز اليوم على جدول اعمال المحكمة الخاصة بلبنان وموضوع ملاحقة شهود الزور، هو في حقيقته صراع سياسي للسيطرة، أو استعادة السيطرة، على السلطة القضائية الوطنية، وتطويع النظام القضائي الوطني لتأمين مصالح هذا الطرف أو ذاك. وان كل أطراف السجال متورطون بجرائم عرقلة سير العدالة والإخلال بالإدارة القضائية. ذلك أنه يبرز في هذا الصراع طرفان: الاول هو عائلة المرحوم رفيق الحريري مؤيدة بفريقها الإعلامي والسياسي وحلفائها والدول التي تؤيدها. وهذه العائلة تتصدر عائلات الضحايا الذين سقطوا في جريمة اغتيال الحريري ذاتها أو في الإغتيالات التي لحقتها. والثاني هو 'حزب الله' مؤيداً بفريقه الإعلامي والسياسي وحلفائه والدول التي تؤيده.أما الطرف الاول، أي عائلة الحريري وحلفاؤها في الداخل والخارج، وبسبب عدم اطمئنانه للنظام القضائي الوطني، فإنه سعى الى إنشاء محكمة خاصة خارج الأراضي اللبنانية تتألف من قضاة لبنانيين، مختارين بعناية، يطمئن لهم، وقضاة غير لبنانيين، ومختارين بعناية، يطمئن لهم أيضاً، مع تحصين هذه المحكمة من تأثير النظام القضائي اللبناني تماماً برفع يد المراجع القضائية اللبنانية كافة عن القضية. وبالتالي فإن هذا الطرف يعارض بشدة أي محاولة لإستعادة السلطة القضائية الوطنية على القضية بأي شكل كان، مما قد يؤدي في نظره الى تقويض مهمة المحكمة الخاصة.
وأما الطرف الثاني، أي 'حزب الله' وحلفاؤه في الداخل والخارج، فإنه لا يطمئن أبداً للمحكمة الخاصة بلبنان للأسباب ذاتها التي تجعل الطرف الاول مطمئناً لها، ويسعى الى إعادة تفعيل النظام القضائي الوطني بالإستقلال عن تلك المحكمة من أجل ملاحقة شهود الزور توصلاً الى منعها من البناء على شهاداتهم ! وهذا ما يعارضه الطرف الاول بدوره ويرى فيه محاولة للإلتفاف على دور المحكمة الخاصة بلبنان ويطلب تأجيله الى ما بعد قيام المحكمة الخاصة بوظيفتها كاملة !هذا مع أن الطرفين يتفقان علناً مع الناس على وجوب كشف هوية كل المجرمين، بمن فيهم شهود الزور، وملاحقتهم إحقاقاً للحق وانتصارا للعدالة  ومع أن لكل من هذين الطرفين إمكانات عظيمة في الداخل والخارج، فإنه يشعر ويعبر عن حالة واحدة هي: عدم الإطمئنان لحسن سير العدالة إن في الداخل من طريق النظام القضائي او في الخارج من طريق المحكمة الخاصة! فما هي الرسالة التي توجهها هذه الحالة الى سائر الشعب اللبناني والى كل من المواطنين اللبنانيين؟ والا يحق لكل مواطن لبناني أن يستنتج أنه إذا كانت السلطة القضائية الوطنية لا تستطيع حماية عائلة الحريري وحلفائها الأشداء ولا حماية 'حزب الله' وحلفائه الاشداء، وإذا كانت العائلة والحزب يتحدان في عدم الإطمئنان لحسن سير العدالة، بل وفي السعي للسيطرة على مسارها، كل على هواه، فكيف لهذا المواطن البسيط أن يطمئن لحسن سير العدالة في ما يخصه أو يخص أحباءه أو يثق بحماية السلطة القضائية الوطنية له ولهم؟يكثر الحديث من وقت لآخر، في الداخل والخارج عن ضرورة تدعيم استقلال القضاء في لبنان. وقد غاب عن المطالبين باستقلال القضاء أن يطالبوا، بحجة أولى، باحترام القضاء من جانب مجموعات السياسيين الذين يمسكون برقاب القضاة ومصائرهم، وبقضاء كفيّ ونزيه وذي صدقية وجدير بالإحترام، يطمئن اليه الناس جميعاً، قويهم وضعيفهم، كبيرهم وصغيرهم، مما ينفي الحاجة مستقبلا لمثل المحكمة الخاصة او الجدل حول ملاحقة شهود الزور.هل يمكن تصوّر احتمال أن يتحد الطرفان الممثلان بالحريري و'حزب الله'، وحلفاؤهما في الداخل والخارج، في مسعى صادق وجدي لإعادة بناء النظام القضائي الوطني على أسس متينة من الكفاءة والنزاهة واحترام الذات والإستقلال بحيث لا يسمح ولا يمكن لأي طرف سياسي، أو تجاري، في الداخل أو من الخارج، أن يتلاعب به؟ وإذا كان الطرفان المذكوران وسائر الأطراف قد امتنعوا حتى اليوم عن القيام بهذه الخطوة، فليس ما يمنع سائر اللبنانيين، وفي طليعتهم المحامون والقضاة وأساتذة القانون، وإن كانوا لا يملكون إمكانات الحريري و'حزب الله' وحلفائهما، أن ينعقدوا في جمعية عمومية لإنشاء إتحاد وطني بلا هوية سياسية لإستعادة النظام القضائي الوطني الكفيّ والنزيه وذي الصدقية والمستقل فعلا لا قولا، لأنه بدون هذا الإنجاز، لن تقوم في لبنان دولة وطنية وتحمي حقوق الإنسان. وفي رأيي، فإن هذا الهدف الوطني هو أسمى بكثير من هدف الإقتصاص من قتلة الحريري وسائر ضحايا الإغتيالات من جهة، ومن هدف النيّل من شهود الزور والذين ضللوا التحقيق من جهة أخرى، ويعلو عليهما دون أي شك. وأخيرا: هل يسهّل القضاة والمدعون العامون المحسوبون على الأطراف السياسيين الأمر للشعب بتقديم استقالاتهم والتزام بيوتهم؟ وهل يكفينا أسلافهم من المحسوبين على النظام السياسي السابق شرهم بالتزام الصمت؟ وهل يلتزم الجميع، إبتداء بالسياسيين، بالحديث الشريف: إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا!.


- 'النهار'
مبدأ ترومان يحدّد العدو في لبنان
بقلم عارف زيد الزين (متخصص في الشؤون القانونية):

تطوَّرت العلاقات بين البشر فكانت تارة بين أسياد وعبيد وتارة بين غالب ومغلوب وتارة بين قوي وضعيف. وبعد تقديم الإنسانية ملايين الضحايا من جراء علاقات غير متوازنة وغير عادلة بين الدول ظهر نظام عالمي جديد بعد الحرب العالمية الثانية تمثل بمقاصد وبمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأهمها: حفظ السلم والأمن الدوليين(1) وإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس المساواة في الحقوق بين الشعوب وحق تقرير المصير(2) ومبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة(3).اندحرت هذه المقاصد والمبادئ أمام مصالح الدول الكبرى ومبادئ الحرب الباردة. تأملت الشعوب المسالمة والتي وقعت ضحية مبادئ الحرب الباردة أن هذه المبادئ قد دُفِنت إلى الأبد عند سقوط حائط برلين عام 1989. لمعرفة ذلك سيتم أخذ اتفاقية بين دولة عانت كثيراً من مبادئ الحرب الباردة وهي لبنان والولايات المتحدة الأب الشرعي لهذه المبادئ واتفاقية أخرى مع فرنسا تم التداول بهما مؤخراً كنموذجين.
أولاً: الاتفاقية اللبنانية - الأميركية(4)
إبرام الاتفاقيات بين الدول من الوسائل الفعالة للتعاون الدولي وإرساء التفاهم على أمور معيّنة وشكل من التطور الإيجابي للعلاقات الدولية. وقد تعهدت السلطة السياسية في لبنان إرساء علاقاته مع الدول منذ استقلاله وفقاً للقواعد التي أرساها الميثاق الوطني عام 1943 في السياسة الخارجية أي عدم التبعية للغرب أو للشرق(5). لكن سرعان ما تم خرْق هذه القواعد عندما انضمّ لبنان إلى الحلفاء في عهد الرئيس بشارة الخوري وأعلن الحرب على إيطاليا وألمانيا واليابان عام 1945 ثم تأييد الرئيس بشارة الخوري لمبدأ ترومان(6) عندما تم توقيع اتفاقية النقطة الرابعة مع الولايات المتحدة في 29/5/1951 الشبيهة بشكل كبير بالاتفاقية موضوع المقالة. سيتم البحث بطيبعة الاتفاقية اللبنانية الأميركية (بند أول) ثم التشابه بين اتفاقية النقطة الرابعة والاتفاقية اللبنانية الأميركية (بند ثانٍ).
1- طبيعة الاتفاقية اللبنانية - الأميركية
اختلف السياسيون والقانونيون في لبنان حول طبيعة هذه الاتفاقية. هل هي اتفاق أو معاهدة؟ لم يتبنَّ القانون اللبناني تعريفاً محدداً للمعاهدات والاتفاقيات بل أشار فقط الى وجوب إتباع آليات معينة قبل التصديق على المعاهدات(7) واعتبار الاتفاقات والمعاهدات الدولية من المواضيع الأساسية التي تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء الحكومة المحددة في مرسوم تشكيلها(8). فقهياً، هناك تمييز بين المعاهدات (Treaties) والاتفاقات الأخرى وخصوصاً الاتفاقات ذات الشكل المبسّط (Agreements) التي تعقد دون تدخل رئيس الدولة(9). لكن المرجع الصالح لتعريف المعاهدات هو قانون المعاهدات أو اتفاقية فيينا المبرمة في 23 أيار 1969 حيث عُرّفت المعاهدة على الشكل التالي: 'يُقصد بالمعاهدة' الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي سواء تضمنه وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة(10)'.وفقاً لاتفاقية فيينا فإن الهبة والمساعدات من قبل الولايات المتحدة للقوى العسكرية اللبنانية هي معاهدة لذلك يجب أن تخضع الآليات المنصوص عنها في المادة 52 من الدستور وهذا لم يحصل. وفقاً لميثاق الأمم المتحدة يجب أن تسجل المعاهدات والاتفاقات في أمانة هيئة الأمم المتحدة(11) هل حصل ذلك؟.


2- التشابه بين اتفاقية النقطة الرابعة والاتفاقية اللبنانية – الأميركية
من حيث الظاهر فإن مضمون الاتفاقيتين مختلف إذ أن اتفاقية النقطة الرابعة تضمنت تعاوناً فنياً بين الحكومة الأميركية واللبنانية لأهداف اقتصادية وإنسانية. أما الاتفاقية اللبنانية الأميركية فهي هبة ومساعدات أميركية للقوى الأمنية اللبنانية وتاريخ توقيع الاتفاقيتين متباعد جداً (النقطة الرابعة عام 1951 والاتفاقية اللبنانية الأميركية عام 2007) وفي عهدين طالما علت الأصوات أنهما 'لا ينتميان إلى أي محور أو حلف' ربما التشابه الظاهر الوحيد أن الاتفاقيتين بين لبنان والولايات المتحدة. لكن من يتمعن بأسباب إبرام هاتين الاتفاقيتين يتبين أن هناك تشابهاً وفقاً للآتي: تم إبرام اتفاقية النقطة الرابعة وفقاً للبند الرابع من مبدأ ترومان(12). وقد صدر هذا المبدأ في 12 آذار 1947 تحت شعار 'الشيوعيون قادمون'. لذلك يجب على الولايات المتحدة مساعدة الدول الأوروبية والآسيوية مادياً لإنقاذها من براثن الشيوعية والاتحاد السوفياتي وخصوصاً تركيا واليونان(13).إذن حدد مبدأ ترومان العدو المستهدف محاربته وصيغت الاتفاقيات مع الدول المذكورة، على هذا الأساس ومنها اتفاقية النقطة الرابعة مع لبنان المبرمة في 29/5/1951. فبدلاً أن يحدد مجلس النواب اللبناني(14) العدو فإن السياسة الخارجية لدولة عظمى حددت للبنان من هو العدو ومن هو الصديق. كذلك اتفاقية الهبة والمساعدات الأميركية للبنان الموقعة في 5/10/2007 بسبب تعهد صادر عن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليسا رايس في كانون الثاني 2007(15). والأخيرة متأثرة جداً بالسياسة الخارجية لإدارة ترومان وخصوصاً وزير الخارجية دين أتشيسون أحد صانعي مبدأ ترومان. لذلك تم تحديد العدو المستهدف ضمن الاتفاقية وهو 'حزب الله' من خلال عبارت وردت في الاتفاقية كمساعدة القوى الأمنية اللبنانية لترسيخ وسيطرة الحكومة اللبنانية على أراضي لبنان. وهذه العبارة واردة في معظم القرارات الدولية المتعلقة بلبنان وواردة في اتفاق الطائف وركن من أركان السيادة اللبنانية. لكن بالنسبة للإدارة الأميركية فإن بسط سيادة الحكومة اللبنانية معناه تقليص نفوذ 'حزب الله' ونزع سلاحه وهو شأن داخلي لبناني. أما العبارة الأهم فهي منع تدريب العناصر المنضمة إلى منظمة تعتبرها الحكومة الأميركية إرهابية(16) أي 'حزب الله' وهو رمز المقاومة في لبنان.إذن فإن السياسة الخارجية لدولة عظمى كالولايات المتحدة حددت العدو في لبنان بدلاً من مجلس الوزراء اللبناني(17) مثل اتفاقية النقطة الرابعة. سيتم الانتقال الآن لإلقاء الضوء على مشروع اتفاقية التعاون بين لبنان وفرنسا وعلى الاعتراض حول بعض بنودها.
ثانياً: مشروع الاتفاقية اللبنانية - الفرنسية
تداولت الأوساط السياسية اللبنانية منذ مدة مشروع اتفاقية لبنانية فرنسية واختلف الفرقاء السياسيون حول بند الإرهاب الموجود في المشروع وما إذا كان المقصود به تحديد عدو وهو 'حزب الله' كما في الاتفاقية اللبنانية الأميركية لعام 2007. لذلك سيتم تعريف الإرهاب وفقاً للقانون الدولي واللبناني ثم تقويم مشروع الاتفاقية.
1- تعريف الإرهاب:
لن نغوص لمعرفة أصل كلمة 'إرهاب' وكيف دخلت في قاموس السياسة الدولية والقانون الدولي لكن من المعلوم أن محاولات تعريف الإرهاب وفقاً للقانون الدولي قد بدأت في العصر الحديث في مؤتمر 1937 كرد فعل على اغتيال الإسكندر الأول ملك يوغوسلافيا(18). وبالرغم من مئات المحاولات الفقهية لتعريف الإرهاب فلم تتفق الدول على تعريف موحّد له. لكن عام 2004 ظهر تعريف للأعمال الإرهابية وهي الأعمال الإجرامية بما في ذلك التي ترتكب ضد المدنيين بقصد القتل أو إلحاق إصابات جسمانية خطيرة أو أخذ رهائن بغرض إشاعة الرعب بين الجمهور...'(19). أما على الصعيد اللبناني، فقد تم تعريف الإرهاب منذ عام 1946 وفقاً للآتي: يُعنى بالأعمال الإرهابية جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية والميكروبية التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً(20). في العام 1998 انضم لبنان إلى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي عرّفت الإرهاب بأنه 'كل فعل' من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر(21).وهذا التعريف هو أوسع من تعريف قانون العقوبات اللبناني. وقد ميزت الاتفاقية بشكل واضح بين الإرهاب وحالات الكفاح المسلح ضد الأجنبي إذ اعتبرت أن الأول جريمة والثاني حق يتوافق مع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. ووفقاً لمبدأ سمو المعاهدات على القانون، يجب الأخذ بتعريف الإرهاب في لبنان وفقاً للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لكن المحاكم اللبنانية ما زالت تعتمد نص المادة 314 من قانون العقوبات أو قانون الإرهاب لعام 1958 الذي استعاد نص المادة المذكورة(22).كان هناك مخاوف في لبنان أن يكون تعريف الإرهاب في فرنسا يختلف عن تعريف الإرهاب في لبنان لكن بالاطلاع على تعريف الإرهاب في فرنسا يمكن القول إن تعريف الإرهاب هناك أوسع من التعريف في لبنان لكنه متشابه في المفهوم(23).
2- تقويم مشروع الاتفاقية اللبنانية - الفرنسية
يتبين من خلال الاطلاع على مضمون مشروع هذه الاتفاقية إنها مختلفة بشكلٍ جذري عن مضمون الاتفاقية اللبنانية - الأميركية لعام 2007 وذلك من خلال وجود توازن في العلاقة بين لبنان وفرنسا مثال على ذلك العبارة التالية: 'إن أعتبر أحد الطرفين المتعاقدين أن تنفيذ طلب التعاون المقدم بموجب هذا الاتفاق قد يمس بسيادة دولته أو أمنها أو نظامها أو قواعد تنظيم وعمل السلطة القضائية فيها أو يمس بمصالح رئيسية أخرى لدولته فيحق له أن يرفض هذا الطلب(24). هذا النص واضح ويبين أن الاتفاقية تتوافق والسيادة اللبنانية بعكس الاتفاقية اللبنانية الأميركية. أما بخصوص المخاوف بشأن تطبيق القانون الفرنسي للإرهاب وليس القانون اللبناني فهناك عبارة واضحة في مشروع الاتفاقية تقول: 'مع مراعاة الأنظمة الوطنية'(25)، أي إذا أراد الطرف الفرنسي أن يساند لبنان في مكافحة الإرهاب فسيكون ذلك وفقاً للقانون اللبناني. أما بخصوص التعاون في مكافحة تمويل الإرهاب المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن 1373 الصادر في 28/9/2001 والذي يستند عليه مشروع الاتفاقية فقد عدّل لبنان قانونه ليتلاءم مع هذا القرار منذ 7 سنوات(26).مشروع الاتفاقية اللبنانية الفرنسية لا يدمج لبنان في السياسة الخارجية الفرنسية ولا يحدّد عدواً جديداً للبنان من العناصر المكوّنة لهذا البلد والتي دافعت عن سيادته كما هي الحال مع الاتفاقية اللبنانية الأميركية عام 2007.
الخاتمة
عندما وصل بنيامين نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل لأول مرة عام 1996 رفع شعار 'لبنان أولاً' ومن أهم أهداف تطبيق هذا الشعار خلق عدواً جديداً للبنان هو سوريا وتناقض جديد في المجتمع اللبناني يتم فيه عزل 'حزب الله'.
وبما أن الفرقاء السياسيين في لبنان قد اتفقوا أن عدو لبنان الوحيد هو إسرائيل لذلك يجب التنبُّه من الاندماج بأية سياسة خارجية لدولة عظمى تجعل ممن دافع عن سيادة لبنان العدو وممن انتهك بشكل مستمر هذه السيادة الصديق.

(1) الفقرة الأولى من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة.
(2) الفقرة الثانية من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة.
(3) الفقرة الأولى من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة.
(4) الاتفاقية التي تضمنت مساعدات للقوى الأمنية اللبنانية عام 2007.
(5) راجع باسم الجسر، ميثاق 1943، 'دار النهار'، الطبعة الثانية، 1997.
(6) لقد برّأ مؤرخو هذه الحقبة الرئيس بشارة الخوري من الانضمام إلى الأحلاف واتهموا الرئيس شمعون لاحقاً بذلك وهذا غير عادل.
(7) المادة 52 من الدستور اللبناني.
(8) الفقرة الأخيرة من المادة 65 من الدستور اللبناني.
(9) Charles Roascii117sseaascii117, Droit international pascii117blic, Tome I.
(10) البند أ من المادة 2 من اتفاقية فيينا لعام 1969.
(11) البند 1 من المادة 102 من الميثاق.
(12) المبدأ مسمى على اسم هاري ترومان أو رئيس الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
(13) If yoascii117 want details aboascii117t the doctrine please review oascii117r do*****ents.com
(14) إعلان السلم والحرب كان من اختصاص مجلس النواب قبل اتفاق الطائف لعام 1989.
(15) في مؤتمر باريس 3 للتفاصيل راجع ما كتبه الصحافي إيلي الفرزلي في جريدة 'السفير' 13 آذار 2010.
(16) راجع جريدة 'السفير' في 13 أذار 2010.
(17) بالإضافة أن لبنان حدد إسرائيل كعدو له منذ 1948 فإن قرار تحديد عدو جديد بعد اتفاق الطائف من اختصاص مجلس الوزراء وفقاً للمادة 65 من الدستور اللبناني.
(18) راجع محمد عزيز شكري، الإرهاب الدولي، دار العلم للملايين، طبعة ثانية، حزيران 1992.
(19) البند الثالث من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1566 الصادر في 8/10/2004.
(20) المادة 314 من قانون العقوبات اللبناني.
(21) البند 2 من المادة الأولى من القانون رقم 57 تاريخ 31 آذار 1999.
(22) القرار رقم 333/2005 تاريخ 15/12/2005 الصادر عن الغرفة السادسة لمحكمة التمييز الجزائية، مجموعة كساندر، العدد 12 والقرار رقم 249/2008 تاريخ 27/12/2007 الصادر عن الغرفة السادسة في محكمة التمييز الجزائية والقرار 54/2008 الصادر في 6/3/2008 الصادر عن الغرفة السادسة لمحكمة التمييز الجزائية.
(23) راجع المادة 421 وما يليها من قانون العقوبات الفرنسي.
(24) المادة السابعة من مشروع الاتفاقية.
(25) المادة الأولى من مشروع الاتفاقية.
(26) راجع القانون 553 تاريخ 20/10/2003.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد