ـ صحيفة 'المستقبل'
المستقبل اليوم
ما معنى كل هذا التهويل المستمر على اللبنانيين، وهذا الهجوم المثابر على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ثم الترويج في المقابل لسيناريوات التفاؤل بالمسعى السعودي السوري؟ بل كيف التوفيق بين الإصرار على التهديد والتصعيد من قِبَل 'الحزب الفاعل' وحلفائه، وبين الإلحاح على التبشير بنتائج ناجحة لـ'المسعى' السوري السعودي؟فالذي يريد تبشيرنا بالمطر عليه، على الأقل، أن يرينا الغيم. والذي يريد ملاقاة أي مسعى عربي لحفظ الاستقرار، لا يضع مسدسه على طاولة السياسة. والذي يريد للتفاؤل أن يسود، عليه أن يبرهن للناس صدق مزاعمه، كأن 'يحرّر' مجلس الوزراء، على الأقل، من التوقيف الاعتباطي.
لكن ليس بهذا المنطق يتصرف الحزب 'الفاعل'. فالتجارب علّمتنا، أن الانتخابات التي احتكمنا جميعاً إليها كحل ديموقراطي، سرعان ما ازدرى نتائجها، فكان التعطيل الحكومي الأول، وإقفال مجلس النواب، ثم النزول الى الشارع بالسلاح. وآنذاك اضطر الجميع الى طلب مسعى عربي وإقليمي ودولي انتهى باتفاق الدوحة.
وفي ظل هذا الاتفاق أيضاً استمر التهديد والتهويل، ومرة ثانية انقلب الحزب 'الفاعل' على الانتخابات وعلى الإرادة الشعبية، ولوّح بالسلاح مرات لا تحصى، واستولى على ثلث الحكومة قسراً. وها هو يعود للتعطيل الحكومي ولمحاصرة رئاسة الجمهورية.. ما يضطر الجميع مرة جديدة للتطلع نحو مسعى عربي.
على الأرجح، لا تناقض بين ممارسات الحزب 'الفاعل' التي تبعث على التشاؤم والتوجس وترويجه للتفاؤل.. فهذا منهجه الذي لن يتوقف، سواء أكان هناك 'اتفاق' سوري سعودي أم لا، أو محكمة دولية أم لا، أو كان هناك اتفاق طائف أم اتفاق دوحة.
ـ صحيفة 'السفير'
النقص بالمصارحة يغذي الهواجس المتبادلة بين الرئيس والمعارضة
أين يقف سليمان من المقاومة وسوريا والحريري؟
عماد مرمل:
ليس خافياً أن صلة المعارضة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لم تنتظم بشكل ثابت، منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في أيار 2008، وإن تكن نبرة التعبير عن هذا الخلل تتفاوت بين قوى المعارضة، حيث يبدو صوت رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون الأكثر ارتفاعا في انتقاد سلوك سليمان ومواقفه، بينما يميل &laqascii117o;حزب الله" الى التحفظ وتزويد مآخذه بـ&laqascii117o;كاتم للصوت" في معظم الاحيان لإدراكه أهمية بقاء العلاقة بين المقاومة ورئاسة الجمهورية بعيدة عن أضرار الاستهلاك السياسي اليومي، وهو نهج قائم منذ عهد الياس الهراوي ومن ثم اميل لحود، أما النائب سليمان فرنجية فهو يختار في العادة التوقيت الذي يلائمه لتفجير قنابله السياسية بوجه رئاسة الجمهورية أو لحمايتها اذا رأى الظرف مناسبا لذلك.
هذا التأرجح صعوداً وهبوطاً في &laqascii117o;ضغط" العلاقة بين المعارضة ورئيس الجمهورية يدل بوضوح على أن هناك حلقة مفقودة في بنيانها الذي يبقى آيلاً الى الاهتزاز عند كل استحقاق، كما أظهرت التجارب المتلاحقة خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر العهد.
وما يزيد في صعوبة الامر أن الطرفين يتجنبان حتى الآن الخوض في حوار صريح وشفاف، يعكس حقيقة الهواجس والمآخذ المتبادلة، بحيث إن كليهما ما زال يخفي في قلبه أكثر بكثير مما يفصح عنه أو يلمح اليه في العلن، الامر الذي أدى الى نمو تدريجي في ملف التراكمات العالقة... والى تراكم مناخ انعدام الثقة بين الطرفين، حيث بات كثيرون يرددون أن قلب الرئيس وعواطفه عند 14 آذار وأن الأمر الواقعي العقلاني والعملاني يجعله في الوسط.
ولعل جوهر الموضوع لدى المعارضة يكمن في أنها باتت تشعر بأن سليمان منحاز &laqascii117o;فعلا" في خياراته الى فريق 14 آذار، وخاصة لما يطرحه رئيس الحكومة سعد الحريري وإن يكن يؤكد &laqascii117o;قولا" وبصورة مستمرة أنه على مسافة واحدة من الجميع، ما يؤشر ـ برأيها ـ الى أن نظرية الرئيس التوافقي أصبحت تحتاج الى تدقيق، من أجل تبيان مدى مطابقتها للواقع السياسي في ضوء الكثير من الوقائع.
وما عزز &laqascii117o;فرضية الانحياز" في أوساط المعارضة رفض رئيس الجمهورية السير في خيار التصويت على إحالة ملف شهود الزور الى المجلس العدلي، إضافة الى &laqascii117o;الإحساس" السائد في تلك الاوساط بأن التزامه بخيار المقاومة أصبح يميل الى البرودة وان علاقته مع سوريا تفتقر الى الحرارة، وخير دليل ما كشفته وثائق &laqascii117o;ويكيليكس" عما أفضى به مستشاروه الى موظفين في السفارة الأميركية في بيروت حيال نظرة رئيس الجمهورية للعلاقة الباردة مع الرئيس السوري وكيف ولدت الكيمياء مباشرة بينه وبين الرئيس الأميركي السابق جورج بوش... ناهيك عن تفاصيل أخرى تتعلق بسلوكه في الملفات التي تقع على تماس مباشر مع حسابات العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية داخل الدولة وفي الشارع المسيحي.
في المقابل، تعتبر شخصية سياسية بارزة، تربطها صلة وثيقة بسليمان، أن الكثير مما يقال ويشاع حول مواقفه هو نتاج &laqascii117o;إنطباع خاطئ" تكوّن لدى المعارضة، بفعل تراكم مجموعة من العوامل، وبالتالي فإن هذا الانطباع ليس أداة قياس صالحة لمقاربة حقيقة موقع سليمان من الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بالمقاومة والعلاقة مع سوريا... وبعض الملفات الداخلية.
تأسيساً على هذه القاعدة، تؤكد الشخصية البارزة أن سليمان لم ولن يتزحزح عن ثوابته الوطنية الكبرى، وعن دوره وموقعه التوافقيين، ولكن ليس مطلوباً منه في الوقت ذاته أن يقدم كل يوم شهادة حسن سلوك أو أن يخضع الى اختبارات سياسية دائمة، لافتة الانتباه الى أن للرئيس سليمان أسلوبه في نهاية المطاف، وهو ربما يكون في طبعه ميالاً الى نمط معين من التعبير، إلا ان ذلك لا يعني على الاطلاق انه بصدد التراجع عن خيارات وثوابت، يدرك جيدا استنادا الى تجارب هذا البلد وحقائقه الجيو- سياسية، انه لا يمكن العبث بها.
وتلفت الشخصية ذاتها الانتباه الى انه إذا كان البعض قد أخذ على سليمان أنه لم يتطرق مباشرة أو بشكل مستفيض الى المقاومة في خطاب عيد الاستقلال على سبيل المثال، فلماذا يتجاهل هذا البعض قوله في مرة سابقة إنه سيحفظ المقاومة برموش العين، إضافة الى تشديده المتجدد على أهمية دورها خلال الجولة التي قام بها في الجنوب منذ أيام قليلة.
وتشير الشخصية المقربة من سليمان الى أن هذا الموقف لرئيس الجمهورية ليس نابعاً من رغبة في المسايرة أو المهادنة، بل هو مستمد من قناعة راسخة لديه بصوابية ما يطرحه، معتبرة أن فهم جوهر توجهاته يستوجب العودة الى سيرته الشخصية ورصد تجربته في قيادة الجيش حيث كان على أتم التنسيق مع المقاومة التي تعرف ذلك جيدا، وهو لم يكن في هذا النهج ينشد نيل رضى المقاومة، بل كان بالدرجة الاولى منسجما مع نفسه.
وتقول تلك الشخصية إن سليمان يتمنى لو أن أصحاب الهواجس أو التساؤلات يصارحونه بها مباشرة حتى يناقشهم فيها ويجيبهم عليها، بدلا من أن تأتيه مداورة، لافتة الانتباه الى انه يصله بالتواتر أحيانا ان حزب الله معترض على بعض جوانب سياساته أو مرتاب فيها وفي خلفياتها ولكنه لا يتبلغ ذلك بوضوح من قيادات الحزب حين يلتقيها، كما أنه يسمع أحيانا من البعض ان دمشق مستاءة منه ولكنه لا يلمس ذلك عندما يلتقي القيادة السورية وهو على تواصل دائم مع الرئيس بشار الأسد.
أما في ما خص الشكوى من مسايرة رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة سعد الحريري، فإن الشخصية المقربة من سليمان ترى ان واقع الحال ليس على هذا النحو الذي يراد منه تشويه الحقيقة، مشيرة الى ان من واجبه أصلا ان يحرص على ان تكون علاقته مع رئيس مجلس الوزراء جيدة، كما مع رئيس المجلس النيابي من موقعه كراع للعلاقات المتوازنة والمتعاونة بين السلطات، بما يضمن حسن تسيير شؤون الدولة والمواطنين، وبالتالي فإن القاعدة البديهية هي التعاون لا التصادم، إلا ان ذلك لا يعني ان رئيس الجمهورية يتهرب من اتخاذ موقف حازم عندما تدعو الحاجة وهو سلك هذا المنحى أكثر من مرة.
وتكشف الشخصية البارزة في هذا السياق عن أن سليمان احترم إلحاح الحريري على عقد جلسة لمجلس الوزراء مؤخرا ولكنه رفض التجاوب مع رغبته في وضع ملف شهود الزور في أسفل جدول الاعمال، وهو نصح الحريري بقبول إدراجه كبند أول لئلا يضطر أمام الوزراء الى &laqascii117o;ترفيعه" من تحت الى فوق، الامر الذي لن يكون لائقا له كرئيس للحكومة، وهكذا نجح رئيس الجمهورية في إبقاء هذا البند على رأس جدول الاعمال.
وبالنسبة الى رفض سليمان التصويت على ملف شهود الزور، تعتبر الشخصية المنضوية في فريقه السياسي أنه ليس من مصلحة المعارضة في الاساس طرحه على التصويت في مجلس الوزراء، لأن من شأن ذلك &laqascii117o;إحراق" هذه الورقة سواء تمت الإحالة الى المجلس العدلي ام لا، في حين أن بقاء هذا الملف بندا حيا أو معلقا سيبقيه ورقة قوية على طاولة التفاوض حول التسوية.
ـ صحيفة 'النهار'
بين الصوت العالي والهمس
علي حماده:
ليست ثمة مسألة شيعية في البلد. وليست ثمة ازمة شيعية مع بقية الطوائف. لكن في المقابل ثمة 'مسألة' او مشكلة كبرى يمثلها 'حزب الله'، وثمة ازمة بين الحزب كمشروع وسلوك وبقية مكونات البلد، الامر الذي يؤدي الى الخلط فيتوهم الناس ان الازمة مقيمة بين الشيعية وسائر اللبنانيين، وهذا خطأ.
لِمَ هذه المقدمات ؟ فقط للقول ان مشروع القانون الداعي الى تعليق البيع بين ابناء الطوائف من غير الدين الواحد الذي تقدم به الشيخ بطرس حرب وبصرف النظر عن الردود التي واجهته يعكس عمق الازمة التي يتسبب بها 'حزب الله' كمشروع في البلد وعلى البلد، فيدفع متنورين مثل الشيخ بطرس حرب وآخرين الى التفكير بعكس ما يؤمنون به في الاصل، وهم مسكونون بالخوف والهواجس جراء معاينتهم لامور خطيرة تحصل على الارض.
نقول هذا ويقيننا ان بطرس حرب قال علنا ما يفكر فيه معظم الناس في البلد وما يقوله عشرات، بل مئات المسؤولين والاخيار همسا، وخصوصا في ضوء الهجوم العقاري الديموغرافي الامني المبرمج والمنظم الذي يقوم به 'حزب الله' في كل اتجاه وفي كل مناطق لبنان، مخترقا مناطق عدة من لبنان، مبدلا وجهها العقاري - الديموغرافي وبالتالي الامني، وكأنه يسابق الوقت للسيطرة على الاراضي والمناطق الحساسة، ولا سيما انها مناطق مختلطة او تقع عند تماس ديموغرافي يعود الى عقود عدة.
بعض المغالين يذهبون الى ابعد في وصفهم مشروع 'حزب الله' العقاري – الديموغرافي الامني معتبرين أنه طبعة لبنانية لمشروع بدل طبيعة الارض في فلسطين الى غير رجعة. ومعاذ الله ان يقارن المرء 'حزب الله' اللبناني (بالرغم من كل شيء) ومن معه او بيئته بما تقدم. وانما لهذه المغالاة التي لا نقرها جذورا يغذيها مشروع بات مخيفا ليس للمسيحيين فحسب وانما لكل مكونات البلد. اما الردود التي انهالت على الشيخ بطرس فهي تمثل تتمة لتاريخ طويل من التكاذب اللبناني. ولن نخوض في التفاصيل.
إن الرد على مشروع بطرس حرب لا يكون بالادانة فيما يتذمر الكل من مشروع 'حزب الله' التوسعي في البلد. فالبعض يطالب بإنشاء صناديق لوقف الهجمة بالمال، والبعض الآخر يطالب بالضغط الاجتماعي والديني والطائفي ضمن البيئات المختلفة على البائعين المحتملين لمنع انتقال الاراضي الى 'حزب الله' مباشرة او مداورة. وحتى الآن لم يقدم احد من المتذمرين مشروعا قابلا للحياة للوقف في وجه اكبر واخطر مشروع يقف خلفه 'حزب الله'، ومؤداه في حال استمراره تغيير وجه البلد نهائيا في غضون سنة 2020. من هنا كان رأينا ان مشروع الشيخ بطرس، وان تكن حظوظه في ان يرى النور شبه معدومة في القريب العاجل، فإنه كان بمثابة اول جرس انذار حقيقي تطلقه شخصية محترمة في البلاد، وبات يتعين على كل الجهات المتضررة علنا او سرا ان تفكر في طريقة جدية لوضع مشروع في مواجهة مشروع 'حزب الله'، ولا اقول مشروع الشيعية لأن الشيعة ليسوا الحزب، كما ان الحزب اصغر من ان يختصر الشيعة في لبنان او خارجه. انه مشروع سياسي امني اقليمي يتلبس لبوس الدين ويتمترس خلف طائفة تحمل هواجس تاريخية مثل بقية الطوائف اللبنانية.
حان الوقت للخروج من حال التكاذب وقول الامور كما هي. وحان الوقت لادراك ابعاد المشروع العقاري الديموغرافي الامني لـ'حزب الله'، وذلك قبل فوات الاوان. وفي الانتظار وبدلا من الاكتفاء بادانة مشروع بطرس حرب فلنفكر معه في الطريقة المثلى لمنع نسف لبنان من اسسه. لأن هذا ما سيحصل ان بقينا على عهدنا في ممارسة سياسة دفن الرؤوس في الرمال.
ـ 'النهار'
بعدما تبلّغ جميع الأفرقاء أن الاستقرار في لبنان خطّ أحمر
هل تعالج مشكلة السلاح بتكرار خطأ اتفاق القاهرة ؟
إميل خوري:
(...) تم التوصل في الماضي الى تشكيل حكومة تعترف باتفاق القاهرة لإخراج لبنان من ازمة وزارية طالت، وكان لا بد من الخروج منها بأي حل ممكن لئلا تتحول ازمة حكم، وتلك الحكومة ما كانت لتتشكل برئاسة رشيد كرامي لو لم يوافق على المشاركة فيها حزب 'الوطنيين الاحرار' بالوزير حبيب مطران وحزب 'الكتائب' بالوزيرين بيار وموريس الجميّل رغم اعتراض الحزبين على هذا الاتفاق كونه ينتهك ببعض نصوصه السيادة الوطنية اللبنانية. وقد نالت الحكومة الثقة بأكثرية 58 صوتا وحجب الثقة عنها 30 وامتنع ثلاثة نواب.
وجاء في بيانها الوزاري 'ان الحكومة تمثل امام المجلس بعد ازمة امتدت شهوراً طويلة واجه لبنان خلالها صعابا امكنه ان يتخطى اخطارها بفضل وعي ابنائه وتكاتفهم، وان اهم ما يترتب علينا عمله في هذه المرحلة هو المحافظة على الامن واشاعة الطمأنينة لانهما العاملان الاساسيان في المرحلة الراهنة'. واضاف: 'ولئن كانت طبيعة الاتفاق (اتفاق القاهرة) تفرض بقاءه سرياً في الظرف الراهن، الا اننا سنعمل في الوقت المناسب على إطلاع المجلس ولجانه المختصة على مضمونه. وانطلاقاً من مبدأ السيادة التي لا تتجزأ نقول بان سلطة الدولة كانت وستظل قائمة كاملة على مختلف اجزاء الوطن وفي مختلف الظروف، وانها ستعمل على تعزيز الجيش عدة وعددا لتمكين لبنان من الدفاع عن سلامة اراضيه'... (الكلام نفسه يتكرر)...
وبما ان 'اتفاق القاهرة' ظل سرياً وتم تهريبه لتجنب الخلافات والانقسامات التي تفاقم الازمة، وتم تشكيل الحكومة على اسس غير واضحة ولمجرد التوصل الى تشكيلها للخروج من الازمة، فان عدم التزام الفلسطينيين تنفيذ هذا الاتفاق نصا وروحا وعلى نحو يحفظ سيادة لبنان ويحترم سيادة الدولة، جعل الامر ينتهي بحروب عبثية مدمرة دامت 15 سنة لانه لم يتم التوصل الى اتفاق على معالجة السلاح الفلسطيني معالجة جذرية بل معالجة موقتة وعابرة، وهو ما لا لا ينبغي تكراره في الخلاف على السلاح خارج الدولة وعلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وكل ما يتصل بها ولا سيما القرار الاتهامي، اي ان لا يتكرر الخطأ الذي وقع فيه لبنان عند وضع 'اتفاق القاهرة' لمعالجة الوجود الفلسطيني المسلح، وهذا الخطأ دفع لبنان ثمنه غاليا من سيادته واستقلاله وحرية قراره عندما اضطر الى القبول بدخول القوات السورية لوقف الاقتتال واخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان الى تونس، فكانت الوصاية السورية على لبنان التي دامت ثلاثين عاما...
ولكي لا يتكرر الخطأ نفسه مع سلاح 'حزب الله' ينبغي ان يكون الحل جذريا ويقوم على تنازلات متبادلة بحيث يتنازل طرف عن حقه في العدالة والآخر عن سلاحه للدولة، في اطار صيغة يتم الاتفاق عليها وتبنى عليها 'الاستراتيجية الدفاعية' التي لا يزال البحث فيها يدور في حلقة مفرغة، حتى اذا ما تم التوصل الى تشكيل حكومة جديدة، فان تشكيلها يكون على اساس اتخاذ الخطوات الآيلة الى اقامة الدولة القوية القادرة على تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته لان تنفيذه هو في مصلحة لبنان اذا كانت اسرائيل تعتبر انه ليس من مصلحتها، لانها لا تريد قيام مثل هذه الدولة بل ان يظل لبنان يحكم بدولة ضعيفة وفاشلة فتتذرع بضعفها لتعتدي عليه وبحجة الدفاع عن نفسها من المعتدين عليها من حملة السلاح خارج الدولة...
الواقع، ان الدول الشقيقة والصديقة لو انها ساعدت لبنان في الماضي على ايجاد حل جذري لمشكلة السلاح الفلسطيني الذي كان مبرر وجوده الرغبة في تحرير الاراضي الفلسطينية من لبنان، فكانت النتيجة ان هذا السلاح لم يحرر شبرا واحدا منها بل عرّض ارض الجنوب للاحتلال الاسرائيلي ولاجتياح بلغ اول عاصمة عربية هي بيروت، ولم تعالج هذه المشكلة الا باتفاق ظرفي عابر هو 'اتفاق القاهرة' الذي لم يحقق سوى هدنة قصيرة مفتوحة على حروب، لذا ينبغي الاستفادة من دروس الماضي في معالجة سلاح حزب الله وكل سلاح خارج الدولة، ليس بتسويات موقتة واتفاقات عابرة، بل بوضع اسس تقيم الدولة القوية القادرة ويتم تشكيل حكومة جديدة على هذه الاسس، لا ان تظل الازمات والخوف من تداعياتها تبرر الاكتفاء بعلاجات موقتة فيبقى لبنان من دون دولة قوية، والوطن من دون سياج...
ـ 'النهار'
حوارات في واشنطن: ما الذي يمنع تحويل 'حزب الله'
جهاد الزين:
عاد الزميل جهاد الزين من رحلة عمل الى العاصمة الاميركية واشنطن هدفت الى متابعة وتغطية بعض الانشطة الديبلوماسية والبحثية وبصورة خاصة المتعلقة بلبنان وسوريا والعراق ومصر وفلسطين والشرق الاوسط عموما.
وبناء على مواعيد مسبقة بواسطة السفارة الاميركية في لبنان، التقى في وزارة الخارجية الاميركية في واشنطن كلا من السيدة مارا رودمان نائبة المبعوث الاميركي الخاص للشرق الاوسط السيناتور جورج ميتشل ورئيسة فريق موظفي المبعوثية في وزارة الخارجية والمكلفة بهذه المهمة من الوزيرة هيلاري كلينتون والى جانبها السيدة سحر خوري كينكانون المساعدة الرئيسية في مكتب المبعوثية. كذلك التقى السيد جون ب. دوروشيه مدير مكتب الشؤون العراقية ثم السيدة نيكول د. شامبين مديرة مكتب شؤون مصر والمشرق (Levant) في وزارة الخارجية. ورافقت الديبلوماسية في قسم الصحافة في ادارة شؤون الشرق الادنى في الوزارة أميرة اسماعيل الزميل الزين في هذه اللقاءات.
كما أدارت في وقت آخر السيدة آلان ليبسون مديرة 'مركز ستيمسون' البحثي في واشنطن لقاء مع الزين شارك فيه عدد من الباحثين والخبراء الاميركيين في عدد من دوائر الشرق الاوسط من مراكز أبحاث مختلفة هم هنري باركي الاستاذ في جامعة ليهاي والباحث المتخصص في الشؤون التركية في مؤسسة كارنيغي، وروبرت غرينييه من المؤسسة البحثية 'أي آر. جي. بارتنر' وكريم سادجادبور المختص في الشؤون الايرانية والباحث في مؤسسة كارنيغي وكايت سيلي نائبة الرئيس لشؤون الاتصالات والبرامج في 'مؤسسة الشرق الأوسط' (ميدل ايست انستيتيوت) والباحث اندرو تابلر في 'مؤسسة واشنطن للشرق الأدنى' والباحث في الشؤون العراقية نبيل التكريتي في 'جامعة ماري واشنطن' ومنى يعقوبيان المستشارة في 'مؤسسة الولايات المتحدة للسلام' وأندرو هوك من مركز ستيمسون.
في هذا اللقاء تبادل الزميل الزين طرح الاسئلة والآراء والتقييمات و'الاختلافات' مع وعلى الخبراء المشاركين.
وفي وقت لاحق التقى الزين الدكتور ستيف هايدمان أحد نواب رئيس 'مؤسسة الولايات المتحدة للسلام' والاستاذ في جامعة جورجتاون والباحث السياسي في قضايا العالم العربي ومؤلف كتابين معروفين حول تطور سوريا الاجتماعي – الاقتصادي – السياسي المعاصر وآخر حول البنى السياسية في الشرق الاوسط.
… إضافة الى تغطيات ونشاطات أخرى بينها حضور حفل منح جوائز تكريم من وزيرة الخارجية الاميركية لشركات اميركية عاملة في دول نامية وبينها شركة عاملة في رام الله والضفة الغربية (وغزة) في ظل 'الشراكة' مع 'السلطة الوطنية الفلسطينية'.
هنا تقرير عن حصيلة هذه الحوارات يُكتب وفقا لاتفاق مسبق حسب 'قاعدة شتهام هاوس' التي لا تنسب الآراء لأشخاص محددين وإنما تنقل جو الحوارات.
لا تشبه قوة الكلام في دعم 'المحكمة الخاصة من اجل لبنان' في واشنطن... سوى قوة الكلام ضد هذه 'المحكمة' في طهران! فإذا كان الديبلوماسيون الاميركيون الذين يتاح لزائر واشنطن لقاؤهم بين مكاتب وزارة الخارجية المكتظة حريصين على لهجة عالية وحاسمة في موضوع ضرورة صدور 'القرار الظني' ثم انعقاد المحكمة، فإن هذه اللهجة تبدو بالارتفاع نفسه بل حتى احياناً أعلى في اوساط معظم الخبراء والباحثين الاميركيين المنتشرين في المراكز البحثية المعنية بقضايا الشرق الاوسط ولبنان.
في هذا المناخ المتصلّب، الرسمي وغير الرسمي، حول مسألة 'المحكمة' يمكن للمراقب ان يلاحظ:
1 – انه سواء قيل الامر مباشرة او غير مباشرة، فهو انعكاس للصراع الايراني – الاميركي الذي يسيطر على النظرة السائدة الاميركية للوضع في لبنان.
2 – لهذا لا يشعر المراقب ان فكرة تلافي 'الحرب الاهلية' الداخلية كنوع من التسوية الواقعية المطروحة بين 'المحكمة' و'الاستقرار' يجري التسليم بها بسهولة في اوساط محدثيك الاميركيين، ديبلوماسيين وباحثين حتى ان البعض قد يسارع في حال تشديدك على أولوية تلافي الحرب الاهلية الى اتهامك فوراً بالـ'رضوخ لارهاب منطق حزب الله'. لكن العديدين عندما يتجاوز الامر هذا السجال يعمدون الى سؤالك بهدوء: الى اي حد تعتقد ان 'حزب الله' يقوم بعملية 'بَلْف' في تهويله بخطر الانفجار اذا صدر 'القرار الظني'؟
3 – الى حد بعيد، بل ربما بشكل كامل، لا تزال اللهجة السلبية او التشكيكية التي يسمعها الزائر في الاوساط الديبلوماسية الاميركية حيال سوريا مرتبطة او ناتجة عن تعقيدات النظرة الاميركية الى السياسة الايرانية في المنطقة بما فيها لبنان. فقبل اعلان توقيع الرئيس باراك اوباما على تعيين السفير الاميركي في دمشق، يتكوّن لدى الزائر في لقاءات وزارة الخارجية الانطباع ان الشكوى الرئيسية، ان لم تكن الوحيدة، من السياسة السورية هي استمرار تمرير القيادة السورية عبر الاراضي السورية لاسلحة 'نوعية' لـ'حزب الله'، ويلفت النظر كم تتكرر صفة 'نوعية' في وصف هذه الاسلحة... باعتبارها – في الخطاب الاميركي – سبب الاستياء في واشنطن من دمشق الذي ظهر فجأة في الاشهر الاخيرة وانعكست جديته – اي الاستياء – في تبنيه من قبل 'صديق سوريا' السيناتور جون كيري.
4 – قرار تثبيت السفير في دمشق يعزز المعلومات التي تتناقلها بعض المصادر القريبة من وزارة الخارجية الاميركية والتي تقول ان الاتصالات غير المعلنة بين ادارة اوباما ودمشق لم تنقطع خلافاً لما كان يبدو في الظاهر وبصورة خاصة في فريق السيناتور جورج ميتشل، المبعوث الخاص للشرق الاوسط الذي يبدو منشغلاً في ملف التسوية الفلسطينية الاسرائيلية بشكل اساسي. لكن نائبه فردريك هوف قام ببعض الزيارات السرية الى دمشق في الفترة الماضية، في سياق من الواضح انه ادى الى اعادة تحسن في العلاقات.
المهم هنا انه لا شكوى يمكن سماعها في واشنطن في موضوع السلام مع اسرائيل كمبرر لتوتر العلاقات مع سوريا. وحتى لو ان نظرية 'رفض مكافأة النظام في سوريا' الموروثة من العهد السابق، عهد الرئيس جورج دبليو بوش لا تزال حاضرة بصورة كبيرة وتحول ربما دون تقدم اكبر في العلاقات الثنائية، فإن موضوع هذه النظرية لم يعد كما كان في السابق متصلاً بملفات مختلفة وانما اصبحت محصورة عملياً بكل ما يتعلق بالملف الايراني، باعتبار ملف 'حزب الله' العسكري اللبناني جزءاً منه.
واذا كان قريبون من وزارة الخارجية الاميركية حريصين على التشديد على ان جهود البحث الاميركي – حتى التفصيلي – في ملف السلام السوري – الاسرائيلي لم تتوقف وهي مستمرة فليس هناك انطباع يمكن ان يتولّد في اجواء هذه الاوساط عن اي احتمال لاختراق في هذا الملف يسبق الملف الفلسطيني – الاسرائيلي قابل للتوقع.
في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وفي اكثر ايامه تطرفاً، سادت نظرة الى موضوع 'الجولان' على ان اي عمل او حلّ يؤدي الى اعادته لسوريا سيشكل 'هدية' للنظام السوري. وكما اشرنا اعلاه فإن هذه النظرة مستمرة التأثير رغم ان ادارة الرئيس اوباما قد كسرتها جزئياً لفترة في عدد من المواضيع: منها العلاقات الثنائية ومنها الملف اللبناني.
الخطورة ان تكون هذه النظرة، او 'نظرية المكافأة' اي ضرورة 'عدم مكافأة النظام في دمشق' على سلوكياته السياسية سيما الممانعة لواشنطن، لا تزال تلعب دورها في الملف الاساسي المتعلق بالتسوية السلمية لتغطية التصلب الاسرائيلي. فإذا كان الرفض الاسرائيلي اصبح مفضوحاً في مساهمته في عرقلة مسار التسوية مع الفلسطينيين، المعتبر الملف الاول في الصراع العربي – الاسرائيلي، فإن الحكومة اليمينية الحالية في اسرائيل لا تشعر بأي ضغط ملحّ يدفعها الى الذهاب في تفعيل ملف السلام مع سوريا.
عند هذه النقطة ثمة غموض يستشعره الزائر في اللقاءات بين تركيز الديبلوماسيين الاميركيين الدائم على ملف 'حزب الله' في لبنان على المستويين السياسي والعسكري وبين عدم حماس الخطاب الاميركي الفعلي لاي دور مباشر لسوريا في تهيئة مناخ تجاوز او حتى حل لهذا الملف. على الاقل عدم اعطاء الانطباع بوجود إلحاح لدور سوري في حل مباشر – او سريع؟ - له. هذا اذا لم نتحدث عن 'الحل السوري' المنشود في هذا الموضوع بعد فشل الحلول الاسرائيلية (2006) واللبنانية (2008) والدولية حتى الآن (1701 و'المحكمة'). أكثر ما يمكن أن يسمعه الزائر هو تكرار الكلام العام عن السعي لإبعاد سوريا عن إيران!
كل هذا و'هاجس حزب الله' يمكن ان يصل بأحد الباحثين الاميركيين (وهو شخص رصين وباحث جدي) الى السؤال التالي فجأة:'... وماذا لو امتلك 'حزب الله' امكانات نووية بصورة من الصور'!
كان تعليقي – وليس جوابي – على السؤال مع الزميل (والزميلة الاميركية) انه اذا كان الامر يصل الى هذا الحد الكابوسي بالنسبة لقوة تابعة للنفوذ الايراني في منطقتنا، فلماذا عدم اعطاء اولوية ملحة لـ'الحل السوري'... الذي على الأقل يُحوّل 'حزب الله' في حال تبنيه (اي تبني الحل السوري) من مشكلة في لبنان الى 'مشكلة' لسوريا. لكن قاعدة هذا 'الحل السوري' واضحة: سلام سوري – اسرائيلي يعيد الجولان المحتل بكامله الى السيادة السورية واسس هذا الحل حتى التقنية جاهزة منذ عهد الرئيس بيل كلينتون.
فيأتي الجواب: هذا مخطط (A) وماذا بعده؟
الجواب البديهي، ايضاً الذي لا اظن ان ايران تستطيع ان ترفضه ببساطة عندما يتعلق بمسألة استراتيجية بالنسبة لمستقبل بل حتى لبقاء حليفها السوري: تحييد تام للبنان في ظل الاستعادة السورية لاراضيها المحتلة في الجولان. هذا هو منطقياً مخطط (B).
هنا ينتقل النقاش الى التوجهات الايرانية في حلقات تقييم الباحثين الاميركيين:
ألم يظهر من ماضي، الماضي القريب، النظام الايراني رغم سيطرة المحافظين الاكثر تشدداً عليه، قابلية للبراغماتية العالية؟ هناك مثلان، واحد مضى عليه الوقت وهو ان ايران المعادية لاميركا كانت اول دولة تفتتح سفارتها في كابول فور اقصاء القوات الاميركية وحلفائها لنظام 'طالبان' والثاني شديد الاهمية ومستمر وهو المتمثل بـ'الحلف غير المقدس' القائم في العراق الحالي بين ايران وواشنطن والذي ظهر بأكبر تجلياته الواقعية في تكريس حكومة نوري المالكي كمعبّر عن هذه الثنائية الاقليمية – الدولية والمرتكزة على المثلث الداخلي القوي: مرجعية السيد السيستاني – الاكراد بحزبيهما الرئيسيين – المالكي. واذا كان الديبلوماسي الاميركي المعني يبتسم حين يُقال له ما الذي يمنع نوعاً ما من هذه التفاهمات مع ايران في لبنان وعبر سوريا طالما انكم 'تفعلونها' في العراق؟ ألا تفعل المملكة العربية السعودية حالياً شيئاً من هذا القبيل في لبنان وان كانت تستبعده عراقياً حتى الآن؟! أليس هذا التمايز 'اللبناني' – وليس في المنطقة التي تشارككم السعودية تماماً ضغطكم على ايران فيها – هو الذي يجعل الديبلوماسيين الاميركيين المعنيين يمتدحون الموقف المصري 'الحاسم' في دعم 'المحكمة الخاصة من اجل لبنان' بينما تبدو علامات التحسّر على 'التردد' السعودي حيالها؟ يجيب 'المصدر' الديبلوماسي الاميركي بأن هذه السياسة في العراق هي لصالح الشعب العراقي واستقراره عبر دعم قيام حكومة وحدة وطنية. لكن من السهل الرد على هذا المنطق: ولماذا لا يكون كذلك في لبنان لصالح الشعب اللبناني الذي يخشى اندلاع الحرب الاهلية؟ ام لان الاولوية الاميركية في العراق هي لتأمين انسحاب هادئ عام 2011 وتثبيت مصالح نفطية ضخمة بدأ تنظيمها لتشهد ازدياداً كبيراً في الطاقة الانتاجية – اساساً - كما في التصدير الى حد كلام الدكتور حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في الحكومة الجديدة ووزير النفط السابق والرجل الرئيسي في تنظيم وتنفيذ استراتيجية العقود الجديدة مع الشركات الدولية... كلامه عن ارقام من شأنها خلال سنوات ان تنافس الانتاج السعودي نفسه؟
احد الاجوبة المهمة التي لها معنى دقيق ويسمعها الزائر من بعض الخبراء هي ان الولايات المتحدة كدولة عظمى، لا تستطيع التهاون في موضوع 'المحكمة الخاصة' لان الامر يتخطى لبنان نفسه ويتعلق بسياسة عامة على المستوى العالمي لها معاييرها والتزاماتها؟
على ان هذا النوع من المحاججات التفصيلية والاشمل لا تلغي ان بامكان الجزء المتعلق بالتفاهمات الواقعية التي تقيمها واشنطن هنا او هناك مع بعض اعدائها كما مع ايران في العراق، بامكانه بالنسبة للدولة العظمى ان يتعايش مع خط ضغط استراتيجي على ايران. لعل اطاره الاكثر سخونة هو الخليج والعقوبات الاقتصادية لمنع ايران من امتلاك سلاح نووي. وهو ضغط تقوده اميركا واوروبا باسم 'النظام العالمي' ويبدو ان العديد من فصوله تدور حالياً بشكل غير معلن... منها 'كساد' بعض كميات نفط ايرانية معروضة في 'اعالي البحار' بأسعار جعلتها عروض خليجية (سعودية – اماراتية – كويتية) مرتفعة جداً لان هذه العروض الخليجية جاءت بأسعار مخفضة لا تُقاوم.
اذن لا بد من تكرار السؤال في نهاية هذا التقرير:
ما الذي يمنع واشنطن من ان تساهم في تحويل 'حزب الله' من مشكلة في لبنان الى 'مشكلة بناءة' لسوريا؟
وهذا سؤال لا يصح طرحه الا على الادارة الاميركية وحدها..!
ـ 'النهار'
ضرب ايران وحده يفيد اوباما ؟
سركيس نعوم:
ليس العراق القضية الخارجية التي يمكن ان يحاول الرئيس الاميركي باراك اوباما معالجتها، وذلك بغية الافادة منها داخل بلاده اولاً، لتعزيز شعبيته المتراجعة. وثانياً، لنجاحه في تجديد ولايته الرئاسية بعد نحو سنتين من الآن في رأي عدد من مراكز الابحاث الاميركية وكبار الباحثين فيها. إذ أن هناك القليل الذي يمكن القيام به في هذه الدولة بعد الذي جرى فيها منذ الغزو ربيع 2003، وبعد بدء تنفيذ اتفاق انسحاب القوات الذي وقّعته الادارة الاميركية مع الحكومة العراقية.
ويفترض ان ينتهي الانسحاب في آب من هذه السنة. ربما يمكن تفاهم اوباما وحكومة نوري المالكي على تأخير سحب 50 الف جندي اميركي موجودين في العراق حاليا اذا طرأت ظروف تفرض على العراقيين اقتراح ذلك. لكن هذا الامر وأموراً اخرى ليست المشكلة في العراق، وانما هي في اللحظة الراهنة 'وجود' ايران غير المرئي في هذه الدولة، ودعمها الواسع للقوى العاملة على تخريبها وايقاعها في حال من الفوضى الشاملة.
وليست عملية السلام الشرق الاوسطية القضية الخارجية التي يمكن ان يتصدى لها اوباما بغية تحقيق هدفيه المشار اليهما اعلاه. فالتسوية السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين تقتضي مثلاً تخلي حركة 'حماس' عن موقفها السلبي الرافض السلام، وذلك امر غير مرجّح. وتقتضي ايضاً قيام اسرائيل بعدد من التنازلات التي لا احد يعتقد انها ستقوم بها. والمشكلة مع فريقي الصراع هذين هي ان محادثات السلام بينهما تلك التي اجريت ايام الرئيس بيل كلينتون لا تنتهي عادة الا بالفوضى.
طبعاً، يلفت الباحثون الكبار اياهم في مراكز الابحاث الاميركية نفسها، الى ان اوروبا وروسيا والصين، تشكل اهمية كبرى لاميركا. إلا ان المشكلات التي تعترض هذه الجهات الدولية بواشنطن ليست من النوع المستعصي او الخطير الذي يمكن ان يقود الفريقين الى اعتماد خيارات دراماتيكية. فالولايات المتحدة مثلاً لن تذهب الى حد فرض حصار على الصين بسبب خلافها معها على اعادة تقويم قيمة عملتها 'اليوان' وعلى قضايا اقتصادية اخرى. ولن تعقد اجتماعات سريعة وصارمة مع الاوروبيين للضغط عليهم كي يزيدوا حجم موازناتهم الدفاعية، ويلتزموا دعمها في حروبها الراهنة او المستقبلية. فضلاً عن ان كوريا الشمالية رغم التدهور الاخير في العلاقة بينها وبين اميركا وحليفتها كوريا الجنوبية لا تمثّل مشكلة طارئة وحادة تبرر عملاً اميركياً عسكرياً.
طبعاً هناك امور عدة قد يحققها اوباما في المجالات الثلاثة المفصّلة اعلاه. لكنها ستعزز عند الاميركيين اقتناعهم بميله الى التكيّف مع الحوادث ومحاولة حلها سلماً. ولن توفّر له صورة القائد الحازم والمقرر وخصوصاً في مجال السياسة الخارجية. وهو ما يحتاج اليه وما سيحتاج اليه في السنتين الأخيرتين من ولايته الرئاسية.
ما هي القضية الخارجية التي توفّر لأوباما المُسالِم، وصاحب خيارات التكيّف مع المشكلات ومحاولة حلّها بالحوار ومد الأيدي، فرصة الظهور مظهر القائد القوي والحازم؟
لم يبق سوى ايران الاسلامية، يجيب الباحثون الاميركيون الكبار انفسهم. فهي القضية الوحيدة التي تعبىء الرأي العام الاميركي بل 'تشرقطه' او 'تكهربه'. فالجمهوريون صوّروا اوباما ضعيفاً في مواجهة الاسلامية المناضلة والمقاتلة. والديموقراطيون الذين ينتمي اليهم يرون ايران دولة قمعية تنتهك حقوق الانسان. وقد ظهر ذلك ملياً اثناء ضربها الثورة الخضراء التي قام بها 'الإصلاحيون' بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة. وشبه الجزيرة العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، تخاف ايران هذه وتريد من الولايات المتحدة ان تقوم بشيء لازالة خطر هذه الدولة عليها، وعدم الاكتفاء فقط بتزويد دول هذه المنطقة اسلحة توازي قيمتها زهاء 60 مليار دولار اميركي. واسرائيل معادية لايران بطبيعة الحال. والاوروبيون معادون لايران، لكنهم يريدون تجنّب اي تدهور معها وخصوصاً اذا كان عسكرياً، إلاّ اذا انتهى بسرعة وكان ناجحاً ولم يتسبّب بأي ضرر او عرقلة لامدادات النفط. والروس، كما الايرانيون والصينيون، شوكة في الخاصرة الاميركية. لكن أياً من الثلاثة لن يكون عنده خيار اذا قررت اميركا التعامل مع ايران عسكرياً وبسرعة وفاعلية. فضلاً عن ان من شأن ذلك (اي تحييد ايران باضعافها) تحسين الوضع في العراق وتحقيق نقلة مهمة في الوضع السياسي – النفسي داخل افغانستان.
انطلاقاً من العرض المفصّل هذا كله الذي يعتبر ان انقاذ اوباما عهده وتأمين ولاية ثانية له يمران بالاهتمام بالسياسة الخارجية ومعالجة احدى اخطر قضاياها وهي ايران وخطرها على منطقتها وعلى المصالح الاميركية سواء بسبب نظامها 'الاسلامي التوسعي' او بسبب سعيها الحثيث والناجح حتى الآن لامتلاك التكنولوجيا النووية ولاحقاً ربما السلاح النووي، انطلاقاً من كل ذلك فان الاسئلة التي تطرح نفسها كما يطرحها كثيرون كثيرة ابرزها: ماذا يجب ان يفعل اوباما مع ايران؟ وما هي الاخطار او المجازفات التي قد يواجهها في حال كهذه؟ وينبع السؤالان من اقتناع الباحثين الاميركيين الكبار انفسهم ان لا شيء يؤذي الرئيس الاميركي اكثر من فشل عملية عسكرية يقوم بها ضد ايران في تحقيق اهدافها، او اكثر من الإخفاق الذريع عسكرياً لعملية كهذه.هل من اجوبة عن الاسئلة الثلاثة المطروحة اعلاه؟