- صحيفة 'المستقبل'
المستقبل اليوم
يحق للأمانة العامة لقوى 14 آذار أن تخرج على اللبنانيين لتقول إنها صمدت، واستطاعت التغلّب على كل الحملات التي حيكت بإتقان ضدها، منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا.
فهذه الأمانة التي وُجدت بعد ثلاث سنوات على انتفاضة الاستقلال، من أجل توحيد أحزاب وتيارات وقوى اجتمعت في ساحة الشهداء وجمعها مشروع لبنان، كانت ولا تزال تتمتع بالجرأة على النقد الذاتي ومراجعة التجربة الماضية، لاستخلاص الدروس والعبر من أجل مواجهة ما سيأتي في المقبل من الأيام.
في العام 2008، وقفت الأمانة في وجه السلاح كي يبقى لبنان بلد الحريات، وكي تكرّس مفهوم الدولة التي اعتنقته منذ قيامها، وفي الـ2009 كانت الانتخابات وكان لها بصفتها الوحدوية لكل مكونات ثورة الأرز، أن تساهم بطريقة أو بأخرى في تحقيق الانتصار لمصلحة الفريق السيادي.
أمانة 14 آذار، تعرّضت للكثير، ولكنها برهنت أنها لا تعيش في الماضي، إنما تؤسس عليه نحو مستقبلٍ ليس فيه سوى الدولة الحاضنة للجميع.
هذه الأمانة، إذ تحمي الحلم اللبناني الذي ولد في 14 آذار 2005، تعلم أن هناك شعباً يمشي معها جنباً إلى جنب في هذه المسيرة، مهما تغيرت الظروف، وأن شعاراتها لم تكن وليدة الصدفة، بل هي ضرورة ليتحقق شعار 'العبور إلى الدولة'.
ـ 'المستقبل'
الاعتداء على أقباط مصر بعد مسيحيي العراق:
'القاعدة' تستغل .. ولبنان في دائرة الاستهداف!
فادي شامية:
(...) أما في لبنان، فإن نُذر تعرضه لهجمات 'القاعدة' تتكاثر. وهذه حقيقة لا ينفع التعامي عنها بالكلام التطميني، لأن القاعدة كما بيّنا- صارت تستثمر في الفتنة أكثر، على أمل أن تعيد تعويم نفسها، ولبنان بلد مثالي لذلك، لا سيما مع الاحتقان الأهلي المتصاعد. وكما مهّدت 'القاعدة' لاستهدافها مسيحيي العراق ومصر، ببيانات وتهديدات، فإن بياناتها المتعلقة بالشأن اللبناني آخذة في التزايد، منذ ظهور اسم صالح القرعاوي، الذي أصدر أكثر من بيان حتى الآن، ليعدد 'المظالم' التي يتعرّض لها السنة من قبل الشيعة في لبنان. ومنذ 13 تشرين الأول الماضي وحتى الآن أصدرت كتائب 'عبد الله عزام' ثلاثة بيانات، تدور كلها حول الأفكار نفسها؛ سيطرة 'حزب الله' على البلد، و'الظلم' الذي يتعرض له السنة، وكيفية تعاطي الجيش اللبناني مع السنة. وبغض النظر، عما إذا كانت هذه البيانات صادرة عن جهات متطرفة، أم عن جهات مخابراتية، أم عن مجموعات مخترقة أمنياً، فإنها تشير إلى رغبة أكيدة بالاستثمار في العلاقات غير الطبيعية بين الطوائف اللبنانية، لا سيما بين الشيعة والسنة، الأمر الذي يوجب الانتباه أمنياً، والمعالجة سياسياً واجتماعياً.
'القاعدة' مرض خطير يضرب عالمنا الإسلامي. هذا أمر لا يحتاج إلى نقاش، لكن توفير البيئات الخصبة لعمل 'القاعدة'، من خلال العلاقات غير السوية بين الطوائف المختلفة في دول المنطقة، أمر يحتاج إلى نقاش وحوار طويل.
ـ 'السفير'
لمـاذا الاسـتمرار فـي المواقـف الاسـتفزازية للحريـري؟
&laqascii117o;ضمّ وفرز" سياسي ينتظر تطبيق المرحلة الأولى من التسوية
خضر طالب:
يوضّب رئيس المجلس النيابي نبيه بري حقيبته بهدوء.. يتفحّص بعض التركة الثقيلة من مخلّفات خمس سنوات، بينما الجرّة التي اشتراها بثمن بخس جاهزة للكسر في اللحظة التي يغادر فيها &laqascii117o;بيت" 8 آذار متجهاً إلى المطار، الذي سبقه إليه &laqascii117o;الحليف الدائم" النائب وليد جنبلاط، حيث اتفقا على اللقاء في قاعة وثيرة دفع الرئيس نجيب ميقاتي &laqascii117o;رسومها"، استعداداً للسفر في طائرته الخاصة إلى &laqascii117o;واحة الوسطية" التي يفاخر ميقاتي بأنه أول من بنى &laqascii117o;بيتاً" فيها، وهو اليوم يتمتم فرحاً بأنها تتحوّل إلى قصر يتسع لمن يشاء من &laqascii117o;التائبين" في ضفتي الانقسام السياسي، بينما يبتسم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان تعبيراً عن رضاه لأنه سيكون حاضراً كضيف شرف في هذا القصر الجديد.. معنوياً وسياسياً.
صحيح أن طائرة نجيب ميقاتي لا تتسع لعدد كبير من &laqascii117o;الهاربين" من &laqascii117o;جحيم" الاصطفافات الطائفية والمذهبية البغيضة، والذين يرغب رئيس المجلس بدعوتهم ولو على &laqascii117o;نفقته"، لكنه يعلم أن بين هؤلاء من يملك أيضاً طائرته التي يمكن استخدامها عندما تدعو الضرورة، كما انه يدرك أن &laqascii117o;مروحة الوسطيين" باتت واسعة ومحصّنة وقادرة على لعب دور فاعل جداً في الواقع السياسي اللبناني.
في حسابات بري أن هذه &laqascii117o;التشكيلة" تحظى بتأييد من رئيس الجمهورية (الماروني) الذي يستطيع أن يؤمّن تغطية بطريركية من بكركي بحكم الموقع الذي يحرص البطريرك الماروني نصر الله صفير على تحصينه وتقوية دوره. كما أنها تضمّ تمثيلاً سنيّاً وازناً من خلال الرئيس ميقاتي الذي ضاقت المسافات على حدّ &laqascii117o;التحالف" بينه وبين الوزير محمد الصفدي الجاهز للانضمام أيضاً، علماً أن التنسيق بين الرجلين طرابلسياً يتكثّف، وكان يفترض أن يلتقيا اليوم بدعوة من الدكتور خلدون الشريف ومعهما مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار لولا اضطرار الصفدي إلى السفر وتكليف ابن شقيقه أحمد الصفدي بالمشاركة في اللقاء تأكيداً على التزامه بهذه العلاقة التحالفية التي يجري التأسيس لها بينه وبين ميقاتي.
أما درزياً فيكــفي نبيــه بري أن وليد جنبــلاط إلى جانــبه ويؤمن أوسع حضور درزي. أما التغطــية الأرثوذكسية فإن بري ينظر من بعيد إلى النائب ميشال المر، لكنه يرغب بأن تكون العلاقة من خلال الرئيس سليمان تفادياً للإحراج...
هذه الصورة هي في سياق عملية &laqascii117o;ضمّ وفرز" تؤدي إلى اصطفافات جديدة على مستوى القوى السياسية في لبنان بعد أن توضع التسوية قيد التنفيذ، فقوى 8 آذار ستعيد صياغة نفسها تحت عنوان مختلف على قاعدة خروج الرئيس بري منها، وهي تتجه إلى مجموعة تشكيلات تجتمع لاحقاً لتشكيل جبهة سياسية، ولهذا فقد جرى تفعيل لقاء الأحزاب الوطنية التي ستكون شريكاً رئيسياً لتحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، في حين أن الرئيس عمر كرامي ما زال يدرس الموقع الذي سيختاره بين أن يتمثّل عبر نجله فيصل في لقاء الأحزاب أو أن يسعى لتشكيلة سياسية تكون شريكة أخرى في الجبهة.
أما على ضفة 14 آذار فإن الصورة تبدو ضبابية بسبب ترنح هذا التحالف بعد خروج وليد جنبلاط منه، وهو مرشح لمزيد من الارتباك بعد التسوية بسبب موقع سعد الحريري في رئاسة الحكومة وبحكم الموقف الذي سيتخذه من التسوية. ولهذا فإن إرهاصات التسوية ستكون محصورة في واقع &laqascii117o;مسيحيي 14 آذار"، حيث ما زال حزب الكتائب مرتبكاً في التعاطي مع طبيعة المرحلة المقبلة التي لم يقرر بعد السير فيها أو الاعتراض عليها، لكن المرجح أن يجد الرئيس أمين الجميل نفسه مضطراً للسير تحت جناحها، خصوصاً أن &laqascii117o;الحليف المنافس"، أي &laqascii117o;القوات اللبنانية" ستكون محكومة بالسير إلى جانب الحريري في خياراته السياسية بعد أن &laqascii117o;انتزع" لها ضمانات تؤمن حمايتها، أما باقي مكونات &laqascii117o;قرنة شهوان" فإن خروجهم على التسوية لن يكون يسيراً وتداعياته ستكون سلبية عليهم.
هذا الفرز السياسي لما بعد التسوية يبقى نظرياً طالما أن هذه التسوية لم توضع بعد على السكّة، وإشارة الانطلاق لحصوله تبدأ بعد تنفيذ المرحلة الأولــى من التسوية التي يملك الحريري وحده مفتاح تشغيل محرّكها. إلا أن المفــارقة التي لا يمكن القفز فوقــها تتــبدّى في وجــود رغبات دفينة لدى العديد من القــوى في ضفتي الانقسام السياسي بعدم حصول التسوية، ويظهر ذلك من خلال بعض المواقف &laqascii117o;الاستفزازية" التي تضغط على الحريري بلغة التهويل والتهديد، وكأنها تحاول تكــوين &laqascii117o;نقزة" لديه من مرحلة ما بعد التسوية أو لمحاولة إظهاره &laqascii117o;مهزوماً" فيها لدفعه إلى رفضها.
وتثير تلك المواقف، التي يصدر بعضها من محيط الرئيس الحريري أيضاً، الريبة من أهدافها التي يمكن وضعها &laqascii117o;بحسن النيّة" في سياق الهواجس التي تنتاب بعض الأشخاص والأطراف من مرحلة ما بعد التسوية ومستقبلهم في ضوئها، لكنها أيضاً تثير حفيظة حزب الله الذي لا يبدو راضياً عن تلك المواقف التي تصدر، حتى عن أقرب حلفائه، لأنها لا تساهم في تشجيع الرئيس الحــريري على القيــام بالخطوة الأولى التي يدرك الحزب أنها ستكون الأصعــب على الحريري الذي يحتاج إلى مؤازرة وتحفيز واحتــضان ليتمــكن من القيام بها.
ربما يفترض بحزب الله الضغط على الحلفاء، للجم المواقف الاستفزازية، إلا أنه لا يمتلك القدرة على ضبط حلفاء الرئيس الحريري وأعضاء فريقه الذين يمارسون طعناً منظّماً بالتسوية، وهو ما يلقي على رئيس الحكومة عبئاً إضافياً، لأن الرئيس الحريري في يده أن يقلب الطاولة في وجه &laqascii117o;الاستفزازيين" بحيث يزيد من &laqascii117o;غيظهم"، وهو يملك المقص الذي يقطع &laqascii117o;ألسنة السوء".. في ضفتي البلد.
ـ 'الأخبار'
محيطون برئيس الحكومة: مُعادِل المـحكمة سلاح حزب الله
نقولا ناصيف:
التناقض حاد في المعلومات، النادرة في أي حال، المتوافرة لدى كل من 8 و14 آذار عن الجهود السعودية ــ السورية. تفرط قوى 8 آذار في تفاؤلها بتسوية تستجيب لشروطها وتوحي بإنجازها، وتضاعف قوى 14 آذار تشاؤمها من حقيقة وجود تسوية، وتشكك في ما يشاع عنها بإنكاره
نقولا ناصيف
ينظر المحيطون برئيس الحكومة سعد الحريري إلى الجهود السعودية ـــــ السورية من ضمن معطيات منها:
1ـــــ ليس هناك تسوية يجري التفاوض عليها، ولا نوقش أيّ من بنودها المفترضة مع رئيس الحكومة، أو فوتح بها من كل من الرياض ودمشق، بل أفكار لا ترقى إلى وصفها بتسوية يتعيّن عندئذ أن تصبح بنودها أكثر شمولاً. فلا تقتصر على ما يشاع عن التخلي عن المحكمة الدولية، بل تشمل نطاقاً أوسع حيال الخلل الذي بات يعاني منه النظام اللبناني منذ إقرار اتفاق الدوحة. ولا يقتصر وضع تسوية شاملة على هذا النحو على السعودية وسوريا وحدهما، بل تدخل في حيّزها دول أخرى لا تكتفي إذ ذاك بالمحكمة الدولية والقرار الاتهامي.
وما يعرفه المحيطون برئيس الحكومة أن أياً من الدول الواسعة النفوذ في لبنان، إلى سوريا والسعودية، كفرنسا وإيران، لا تخوض في ما يتردّد من أن الرياض ودمشق أصبحتا على قاب قوسين أو أدنى من إبصارها النور.
2ـــــ وفق ما يفصح عنه المحيطون بالحريري، لم يتبلغ حتى الآن، ولم يُدعَ إلى اتخاذ موقف مناقض لما يعلنه من المحكمة الدولية والقرار الاتهامي وتمسّكه بهما، وتأييده أي بحث في تسوية محتملة لتثبيت الاستقرار في لبنان ومعالجة الخلل في ممارسة الحكم في مرحلة ما بعد صدور القرار الاتهامي. ويقول هؤلاء إن تداول الأفكار بين الرياض ودمشق يتناول الآتي:
ـــــ إعادة تطبيع العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، وتجاوز الجمود الذي ضربها منذ إصدار القضاء السوري مذكرات توقيف غيابية في حقّ شخصيات لبنانية بينها معاونون لرئيس الحكومة، الأمر الذي يقضي بسحب مذكرات التوقيف هذه توطئة للعودة بتلك العلاقات إلى ما قبل 4 تشرين الأول الماضي.
ـــــ معاودة الحوار المباشر المقطوع مذ ذاك بين الحريري والرئيس السوري بشّار الأسد بعدما كان قد اجتاز شوطاً بعيداً في علاقتهما الشخصية والسياسية. لم يقل الأسد منذ تلك القطيعة إنه لا يريد التعاون مع الحريري، ولا تحدّث أو أوحى بمرحلة سياسية جديدة تستهدف رئيس الحكومة أو تستثنيه منها. كذلك لم يتردّد الحريري في تأكيد إصراره على تجاوز التباعد بينه وبين الرئيس السوري واستئناف حوارهما حيث توقف حينذاك، بعد شهر من إعلان الحريري في صحيفة الشرق الأوسط في 6 أيلول اعترافه بشهود الزور وتبرئته سوريا من اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري.
ـــــ قرن الاستقرار الأمني الذي تلتزم قوى 8 آذار، وأخصّها حزب الله، سقفه باستقرار سياسي تدعى إليه قوى 14 آذار، بحيث تقلل عناصر التشدّد في خطابها السياسي، ويستعيد الطرفان الحوار.
ـــــ تحريك المؤسسات الدستورية واستئنافها عملها، وخصوصاً مجلس الوزراء، بإخراجه من دائرة التعطيل التي أوقعها فيه حزب الله.
3ـــــ ما يثيره الطرف الآخر عن بنود تسوية لا يعدو كونه اقتراحات سورية لم تقل الرياض بعد إنها تبنّتها، يقول المحيطون برئيس الحكومة. وذلك يعكس منحى في وجهة واحدة، هو أن على فريق دون آخر تقديم التنازل الباهظ. والمقصود بذلك تخلّي رئيس الحكومة عن المحكمة الدولية من أجل تبديد هواجس حزب الله من استهدافه، أو إدخال البلاد في فتنة مذهبية، فيما المُعادل الفعلي لتلك الهواجس، يضيف هؤلاء، هو تبديد هواجس مماثلة لدى رئيس الحكومة وحلفائه حيال سلاح حزب الله. كلاهما، المحكمة والسلاح، مصدر هواجس ومخاوف جدّية ومقلقة.
بيد أن المحيطين برئيس الحكومة لا ينظرون إلى سلاح المقاومة إلا كجزء من مشكلة أعمّ، هي أن إمساك حزب الله بالقرار العسكري أفضى ـــــ أو لا يزال يفضي ـــــ إلى إمساكه بالقرار السياسي، وتجاوزه الدولة المركزية. ولا يعدو السلاح هنا إلا إحدى الوسائل التي يدافع فيها الحزب عن الوضع الاستثنائي الذي يتمسّك به في مواجهة إسرائيل، ويحمله على الاحتفاظ به في معرض حماية المقاومة، الأمر الذي يعزّز مخاوف الحريري وحلفائه حيال وظائف إضافية بدأت تترتب على امتلاك حزب الله سلاحه، وهي إحداثه أعرافاً في ممارسة الحكم تتوخى بدورها حماية المقاومة من داخل السلطة أيضاً، كإصراره على النصاب المعطّل في مجلس الوزراء، وعلى طريقة تأليف حكومة الوحدة الوطنية، وتثبيت المقاومة وعلاقتها بالجيش كجزء لا يتجزأ من السياستين الداخلية والخارجية للحكومة في البيان الوزاري، وتقييد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء.
يضع المحيطون بالحريري الاجتهاد في إحداث أعراف في الحكم في نطاق تعطيل المؤسسات الدستورية، كان قد شكّل الانقسام حول ملف شهود الزور في مجلس الوزراء في الشهرين المنصرمين تعبيراً صارخاً عنه. تالياً، آلت تلك الأعراف، في معرض حماية المقاومة، إلى تعطيل كامل لآلة الحكم، بدءاً من مجلس الوزراء. بل باتت حماية المقاومة، في نظر هذا الفريق، ملازمة لتعطيل السلطة الإجرائية.
4ـــــ بعيداً من مدى استعداد الحريري التخلي عن المحكمة الدولية، أو استباق صدور القرار الاتهامي باتخاذ موقف يرفضه بغية تقويضه، وهو ما لم يسمع مرة ـــــ يقول هؤلاء ـــــ من العاهل السعودي الملك عبد الله أو من الرئيس السوري حضّاً عليهما أو على أحدهما، فإن أي محاولة للتنصّل من المحكمة أو المطالبة بإلغائها، لا يسع مجلس الأمن النظر إلى جدّيتها إلا في نطاق موقف لبناني جامع منبثق من توافق عام على استرداد ملف اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة إلى القضاء اللبناني. ويقتضي أن يعبّر عن مصالحة وطنية حقيقية، واقتناع فعلي بخطوة كهذه يتخذها الحريري بصفته المعني الرئيسي بالملف.
إلا أن مجلس الأمن يصبح أكثر إصراراً على التمسّك بالمحكمة والمضي فيها، إذا انطوت مطالبة كهذه على تهويل وتهديد وتخويف أو فوضى أمنية. 7 أيار جديد، أو أي خيار أمني مماثل، يثبت أقدام المحكمة الدولية، ولا يجمّد عملها.
5ـــــ يبدو الاحتمال الأكثر قبولاً للخوض فيه في محيط رئيس الحكومة، قرن إحالة ملف شهود الزور على المجلس العدلي بغية طمأنة قوى 8 آذار وحزب الله إلى ملاحقة هؤلاء، بموافقة هذا الفريق على اتخاذ مجلس الوزراء قراراً بتمويل المحكمة الدولية، كي لا تفسّر الإحالة على المجلس العدلي بأنها تستهدف ضرب المحكمة التي لا يزال الحريري وحلفاؤه يرون أنها غير قابلة للمساومة.
إلا أن خياراً كهذا يرمي، في المقابل، إلى إعادة تثبيت الإجماع الوطني على المحكمة والتمسّك بها، في وقت يفتقر فيه سلاح حزب الله إلى مثل هذا الإجماع. وهو ينظر، أولاً وأخيراً، إلى المحكمة من زاوية معاكسة تماماً، كان قد عبّر عنها أمينه العام السيد حسن نصر الله عندما وصف المحكمة بداية بأنها إسرائيلية ـــــ أميركية، ثم رفع وتيرة العداء لها بإعلان قطع التعاون معها، ثم إعلانه أن المتعاونين مع المحكمة سيتعامل الحزب معهم على أنهم متعاونون مع إسرائيل.
ـ 'النهار'
هبوط اضطراري... وآمِن لطائرة 'الحسم'!
سركيس نعوم:
يبدو واضحاً ان الحديث التفاؤلي عن 'مبادرة السين – سين'، وعن نجاحها في وضع تسوية مفصّلة لخلاف 8 آذار و14 آذار حول 'المحكمة الخاصة بلبنان' بل حول معظم الخلافات بينهما، وما اكثرها، وعن قرب 'التوقيع' عليها، لم يكن في محله على الاطلاق. ولا يعني ذلك قطعاً ان قائليه من القيادات والزعامات والشخصيات الحزبية والنيابية والسياسية، او على الاقل ان القلة منهم الواسعة الاتصالات والعالية 'الانتانات'، كانت تجهل حقيقة ان المبادرة المذكورة مرضت يوم مرض العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز، واضطر الى الانتقال الى نيويورك لمعالجة ما يشكو منه بعمليتين جراحيتين 'مرّتا على خير' ثم بفترة نقاهة لا تزال مستمرة، علماً ان احداً لا يعرف اذا كانت ستطول. ولا يعني ايضاً ان هؤلاء لم يكونوا مدركين ان مرض 'المبادرة' المشار اليها إنما كان له سبب آخر هو الموقف السلبي ليس منها بل من مضمونها 'الاستسلامي' الذي يُغلِّب فريق 8 على فريق 14، وقد تزامن المرض السياسي للمبادرة مع المرض 'الصحي' السعودي، فكانت المراوحة وكان الارجاء غير الرسمي وغير المعلن. وأول من ادرك هذا الامر كان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يقول عارفوه وقريبون منه انه اشتم هذا الامر من 'مكالمة هاتفية سعودية اطمئنانية' اذا جاز التعبير. طبعاً لا يستطيع احد من المعنيين او المطَّلعين ان يحدد نسبة مسؤولية مرض الملك عبدالله بن عبد العزيز، ونسبة التدخل الإعتراضي الاميركي على 'مبادرة السين – سين' اولاً، لأن الاميركيين لم يتحدثوا صراحة عن هذا الامر ربما تلافياً لاغضاب السعودية. وثانياً، لأن 'النظام السعودي' متحفظ بطبعه ومتكتم. لكن عدداً من هؤلاء يشيرون الى ان العاهل السعودي لم يكن كثير الانشراح للتدخل الاميركي بدليل امتناعه عن مقابلة اي مسؤول في الادارة الاميركية منذ توجهه الى نيويورك للعلاج. فهل كان سبب ذلك قلقه على صحته وعدم استعداده للانشغال بأمر آخر قد ينتظر، او انزعاجاً من تدخل اميركا معه حتى وهو على فراش المرض؟ والجواب عن ذلك هو ان لا أحد يعرف. لكن ذلك لم يحل دون بروز تساؤلات عن عدم استقباله مسؤولين اميركيين في وقت كانت سوريا وايران وحلفاؤهما اللبنانيون يُبشِّرون يومياً، اولاً بقبولهم التسوية الناجمة عن 'مبادرة السين – سين'، وثانياً بتأكيدهم ان فريق 14 قد قبلها ايضاً، وهي لم تعد تنتظر سوى التوقيع.
هل كانت هناك خطة معيّنة وراء تعمّد التفاؤل المبالغ فيه في تسوية 'السين – سين' من فريق 8 آذار؟
قبل ذلك لا بد من الاشارة الى ان اللبنانيين فرحوا بداية بتفاؤل قوى 8 آذار وحلفائهم الاقليميين لأنهم يريدون الانتهاء من خوفهم من مرحلة 'الحسم' في حال تعذّر الاتفاق مع فريق 14 آذار، وخصوصاً بعد التهديدات الكثيرة التي أُطْلِقَت والتي جعلتهم يعيشون في قلق مستمر على امنهم واستقرار بلادهم. وثانياً، لأنهم يعتقدون ان تسوية سعودية – سورية يوافق عليها 8 و14 لا بد ان تكون متوازنة. ومن شأن ذلك الانتقال بالبلد من مرحلة الأزمة المفتوحة على الانفجار الى مرحلة اعادة بناء الاستقرار الامني والسياسي والحكومي والاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي. لكن لا بد من الاشارة في الوقت نفسه الى ان فرح اللبنانيين المشار اليه اعلاه تبدد مع الوقت وخصوصاً عندما اظهر فريق 14 آذار تمسُّكه بالتسوية ورفضه شروطها الاستسلامية او المجحفة وفي مقدمها حصول التسوية قبل صدور 'القرار الاتهامي الدولي'، واقدام الحكومة او اولياء الدم على تنفيذ خطوات تفرغ 'المحكمة الدولية' من شرعيتها اللبنانية، علماً ان لا شيء يمكن ان يمس شرعيتها الدولية. اما بالعودة الى السؤال المطروح اعلاه، فان المتابعين يعتقدون ان تفاؤل 8 آذار كان متعمداً اولاً لإحراج معظم اركان 14 آذار الذين كانت غالبيتهم لا تعرف ماذا يفعل زعيمها الرئيس سعد الحريري، وماذا يعرض عليه السعوديون، وهل التزم هو حيال السعوديين. وثانياً، لإثارة شيء من الفرقة في ما بينهم وبينه. ويعتقدون ايضاً ان تعمّد تفاؤل 8 كان هدفه إقناع الرأي العام اللبناني بشقّيه 8 و14، وبالشق الذي لا ينتمي الى الاثنين، بأنه ملتزم التسوية وبأن انفراطها، اذا حصل، سيكون مسؤولية 'غريمه' 14. ومن شأن ذلك إحراج هذا الاخير ووضعه في موقف صعب. ويعتقد هؤلاء العارفون والمتابعون ثالثاً ان فريق 8 بقيادة 'حزب الله' وبعد اشهر من التصعيد والتهدئة في مواقفه ومن الشد والاسلاس مع الحلفاء الاقليميين وفي ما بين هؤلاء الحلفاء حول مضمون التحرك الحاسم او الحسم وطريقته وأسلوبه، توصل الى ما يشبه القرار بالتحرك الذي سيقوم به في حال فرضت تسوية 'السين – سين'، وبموعده. ومن هنا الكلام الجديد المنطوي على التحذير الذي بدأ يصدر عن فريق 8 آذار وحتى عن حلفائه الاقليميين وإن بأقلام اعلامييهم. فالحديث عن ان التسوية تحصل قبل القرار الاتهامي وان لا لزوم لها بعد صدوره يشير الى ما يمكن ان يحصل في البلاد. والحديث عن ان الوقت يضيق امام الرئيس سعد الحريري زعيم 'المستقبل' وإن عليه حسم خياراته يشير الى الامر نفسه. وفي رأي هؤلاء انفسهم ان إعراب رئاسة مجلس النواب، مع احترامنا التام لها وللمتربع على سدتها الصديق نبيه بري، عزمها العودة الى الاجتماع مع النواب كل يوم اربعاء، ودعوة المجلس الى جلسة مناقشة عامة اواخر الشهر الجاري، في رأيهم ان كل ذلك يشير الى امرين. الاول، ان 'الحسم' في حال تعذُّر 'التسوية' سيكون سلمياً اي بواسطة مجلس النواب ولكن تغييرياً. ولا يعني ذلك ان تحركات شارعية لن تواكبه او لن تُحضِّر له. فالإعداد لتحركات اجتماعية شعبية ونقابية احتجاجاً على تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وما الى ذلك قائم على قدم وساق. وقد يكون شلل الحكومة وهذا التردي احد ابرز عوامل 'التغيير الدستوري'. اما الامر الثاني، فهو ان حسم 8 آذار، الذي لم يتحقق رغم ان شبه مواعيد رسمية حددها له القادرون على تنفيذه في السابق، سيتحقق فور صدور القرار الاتهامي قبل التسوية. ذلك ان المتريثة في بت هذا الأمر كانت سوريا حليفة هذا الفريق. ويشبهه بعض العارفين والمتابعين المشار اليهم اعلاه بأنه يشبه الهبوط الاضطراري ولكن الآمن لطائرة متعثرة في الجو. والقائد لهذا الهبوط سيكون سوريا التي اخذت كل وقتها للتوصل الى صيغة يفترض انها غير عنفية. إلا ان السؤال الذي يبقى مطروحاً هو: ماذا عن المفاجآت التي قد تخربط الحسابات وإن تكن دقيقة احياناً كثيرة؟ وهل هناك تحوّط لها؟ وهل تشهد المرحلة القريبة بداية التحرك الشعبي المهم للحسم؟
ـ 'النهار'
ثلاث عقبات تمنع انقلاب 'حزب الله'
فريق عمل أميركي لمواجهة الدور السوري في لبنان
عبد الكريم أبو النصر:
'المعركة على المحكمة الخاصة بلبنان ابرزت الفارق الكبير الجوهري بين الفريقين الرئيسيين المتصارعين في البلد. فقد اثبت الاستقلاليون انهم يحرصون فعلا على مصير لبنان والسلم الاهلي فيه والوحدة الوطنية بين ابنائه ويدعمون الدولة ومؤسساتها الشرعية ويتمسكون بالنظام الديموقراطي، ولذلك يستخدمون الوسائل السلمية المشروعة في التعامل مع التحديات والتهديدات التي تواجههم. وفي المقابل يستسهل 'حزب الله' وحلفاؤه استخدام العنف او التلويح به والتهديد باللجوء الى السلاح عندما يواجهون مصاعب جدية او يفشلون في تحقيق مطالبهم واهدافهم. فالاستقلاليون ردوا سلمياً وبطريقة مشروعة على عمل اجرامي – ارهابي ضخم استهدفهم في الصميم وهو اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، فلم يلجأوا الى العنف والسلاح بل فجروا انتفاضة سلمية شعبية هائلة في 14 آذار 2005 وطالبوا بالعدالة ثم استعانوا بمحكمة خاصة ذات طابع دولي يرعي عملها مجلس الامن للنظر في هذه الجريمة وفي جرائم اخرى شملت شخصيات وطنية عدة. اما 'حزب الله' وحلفاؤه فانهم يهددون باستخدام العنف والقوة المسلحة وقلب الاوضاع في البلد اذا وجه القرار الظني اتهاماً الى عناصر من الحزب بالتورط في جريمة اغتيال الحريري، كما انهم يريدون 'معاقبة' الاستقلاليين لأنهم يتمسكون بالعدالة بوضع حد لنهج الاغتيالات والافلات من العقاب حرصا على مصير لبنان ومستقبل اللبنانيين. والفارق واضح وكبير بين الفريقين'. هذا هو تقويم مسؤول اوروبي بارز لجوهر الصراع على المحكمة بين الفريقين الرئيسيين في لبنان، وهو صراع مرشح لأن يشهد في 2011 تطورات كبيرة بعد صدور القرار الظني وبدء المحكمة اجراءاتها القانونية لمحاسبة المتورطين في جريمة اغتيال الحريري وفي جرائم اخرى مرتبطة بها. والسؤال الاكثر اثارة للجدل والنقاش هو الآتي: هل ينفذ 'حزب الله' انقلاباً مسلحاً ويتسلم بواسطته الحكم مع حلفائه بعد صدور القرار الظني؟ وهل هو قادر على انجاز عمل كبير كهذا؟ مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس معنية مباشرة بالملف اللبناني قالت لنا، استنادا الى معلوماتها وتقويمها لمسار الاوضاع: إن 'حزب الله' يتصرف بمنطق انقلابي وبذهنية انقلابية لكنه ليس قادرا على الذهاب ابعد من ذلك وتنفيذ انقلاب مسلح واسع النطاق يتيح له ولحلفائه تسلم الحكم واقصاء الاستقلاليين عن السلطة'. واوضحت هذه المصادر الاوروبية ان 'المنطق' الانقلابي لـ'حزب الله' تعكسه مواقفه واعماله الاساسية الآتية:
اولاً: نفذ 'حزب الله' انقلابا صامتا على صيغة المشاركة الوطنية في الحكم بين الغالبية والاقلية التي كرسها تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري خريف 2009 اذ انه يستغل هذه الصيغة لاطاحة المشاركة ولمحاولة فرض مطالبه وشروطه على الحريري والاستقلاليين عوض ان يتوصل معهم الى تفاهمات وحلول متوازنة وعادلة ودستورية وقانونية تأخذ في الحساب مواقف الغالبية النيابية وتكون مقبولة لدى سائر الشركاء في الحكم. وقد اعتمد 'حزب الله' هذا المنطق الانقلابي في تعامله مع قضية المحكمة وكل ما يرتبط بها، وفي تعامله مع القضايا المعيشية والاجتماعية والاقتصادية وهواجس المواطنين وهمومهم الاساسية ومع قضايا عدة اخرى. وذهب الحزب في نهجه هذا الى حد تعطيل عمل الحكومة من اجل محاولة فرض وجهة نظره في ما يتعلق بقضية شهود الزور، مما يتناقض ومتطلبات المشاركة الوطنية في الحكم.
ثانياً: اراد 'حزب الله' ان يفرض على سائر الافرقاء اللبنانيين مفهومه الذاتي الخاص للاستقرار الامني والسياسي المنسجم مع مصالحه ومع مصالح حلفائه المحليين والاقليميين. فبالنسبة الى 'حزب الله'، يتحقق الاستقرار في لبنان حين يرضخ الاستقلاليون والافرقاء الآخرون لمطالبه وشروطه فيرفضون القرار الظني ويطالبون بوقف عمل المحكمة ويقبلون تصوراته لطريقة ادارة شؤون البلد ويتخذون القرارات الداخلية والخارجية وفقا لما يريده الحزب. وفي رأي ديبلوماسي اوروبي مطلع 'ان الاستقرار الامني والسياسي الحقيقي يتم تحديده والتفاهم بشأن مضمونه ومقوماته بالتعاون والتنسيق بين كل الافرقاء المشاركين في السلطة. واذا حاول فريق ما ان يفرض على الآخرين مفهومه الخاص للاستقرار وشروطه الذاتية لتحقيقه فهذا يعني انه ينقلب على شركائه في الحكم ويريد ثمناً لضمان الاستقرار هو رضوخ الافرقاء الآخرين لارادته'.
ثالثا: الطريقة التي يتعامل بها 'حزب الله' مع قضية المحكمة تشكل انقلاباً على صيغة العيش المشترك وعلى متطلبات السلم الاهلي، اذ ان الحزب يريد ان تكون مصالحه هي الاساس عوض ان يكون الاساس ضمان مصالح اللبنانيين الحيوية وحماية لبنان كدولة ومؤسسات ومجتمع تعددي وكصيغة فريدة للتعايش السلمي بين الطوائف. فالحزب يطلق التهديدات والتحذيرات المتنوعة لوقف عمل المحكمة ويلوّح باستخدام السلاح وبقلب الاوضاع اذا اتهم القرار الظني عناصر منه، من غير ان يبدي اهتماماً بالحقوق المشروعة لأهالي الضحايا وبالمتمسكين بتحقيق العدالة وبمشاعر اللبنانيين ومخاوفهم وقلقهم من مواقفه المتشددة، وبالانعكاسات السلبية لتوجهاته على الاوضاع العامة في البلد.
الجيش ومواجهة الانقلاب
هل ينتقل 'حزب الله' من 'المنطق' الانقلابي الى العمل الانقلابي المسلح؟ الحزب يعطي الانطباع انه يستطيع 'في أي وقت' ان يحكم لبنان مع حلفائه بالقوة وان يتجاوز العقبات والمصاعب التي يمكن ان تمنعه من تحقيق خطته هذه. لكن مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس اكدت لنا ان المسؤولين الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين المعنيين بمصير لبنان درسوا احتمال قيام 'حزب الله' بانقلاب مسلح على خلفية عمل المحكمة وتوصلوا الى اقتناع، في ضوء معلوماتهم، بأن الحزب يستطيع القيام بأعمال عسكرية متنوعة، لكنه لن يتمكن من السيطرة على البلد وتسلم السلطة مع حلفائه وذلك لأسباب داخلية واقليمية ودولية. وقالت هذه المصادر ان العقبة الاساسية الكبرى الاولى التي سيصطدم بها 'حزب الله'، اذا قرر تنفيذ انقلاب، هي القوى العسكرية والامنية الشرعية التي يتجنب الحزب وحلفاؤه عمداً التحدث عن موقفها من مشروعه الانقلابي المحتمل وكأن هذه القوى ليس لها وجود أو كأنها تدعم ضمنا خططه. وهذا يتناقض كلياً مع الحقيقة.
الواقع ان اي حركة انقلابية مسلحة يمكن ان يقوم بها 'حزب الله' ستشكل، وفقاً للمصادر الاوروبية المطلعة، تحدياً تاريخياً حقيقياً للجيش وللقوى العسكرية والامنية الشرعية عموماً بل تهديداً جدياً لها، ذلك ان اي حركة انقلابية ستضع هذه القوى الشرعية امام خيارين:
الخيار الأول، هو ان تضطلع هذه القوى بدورها الوطني وتؤدي واجبها وتنفذ مهمتها القاضية بالحفاظ على امن البلد والمواطنين والسلم الأهلي وعلى الدولة ومؤسساتها الشرعية، مما يجعلها تواجه بحزم وبمسؤولية كاملة اي حركة انقلابية او اعمال عسكرية يقوم بها هذا الفريق أو ذاك، مما يؤدي الى صدامات يسقط خلالها ضحايا من العسكريين والعناصر الامنية ومن المواطنين ويتحمل مسؤوليتها الانقلابيون والراغبون في التعامل مع المحكمة والقرار الظني ومع خصومهم السياسيين بالعنف والقوة المسلحة. الخيار الثاني، هو ان تقف القوى العسكرية والامنية الشرعية 'على الحياد' بذريعة الحفاظ على وحدتها وتماسكها وتمتنع تالياً عن التدخل وترفض الاستجابة لنداءات اللبنانيين الذين يطلبون حمايتها من هجمات المسلحين ومن اعمال الانقلابيين، فتتخلى حينذاك عن دورها الوطني وواجباتها ومسؤولياتها وتصير طرفاً في الصراع منحازاً الى الانقلابيين وحملة السلاح. ومثل هذا التطور السلبي، في حال حصوله، ستكون له تداعيات بالغة الخطورة في الداخل والخارج اذ انه قد يؤدي الى تفكك القوى العسكرية والامنية والى زرع بذور حرب أهلية، كما انه سيدفع الحكومة الاسرائيلية الى الادعاء ان الجيش و'حزب الله' يشكلان فريقاً واحداً الامر الذي يوفر ذريعة للاسرائيليين لشن حرب واسعة على لبنان. ولكن يبدو واضحاً من المعلومات التي تملكها الدول العربية والاجنبية المعنية بمصير لبنان ان القوى العسكرية والامنية الشرعية ستتبنى الخيار الأول وستمارس تماما دورها في حماية المواطنين والسلم الاهلي ومنع انهيار البلد. وعكست هذا التوجه بوضوح تصريحات علنية ادلى بها في الفترة الاخيرة قائد الجيش العماد جان قهوجي وأكد فيها ان الجيش وضع خططاً لمواجهة التوترات الامنية وانه 'جاهز لمواجهتها وسيكون حاسماً في كل المناطق'، مشدداً على 'ان الجيش لن ينقسم وانه اكثر وحدة وتماسكاً من ذي قبل' ومحذراً من ان الذين يروجون سيناريوات عن وقوع فتنة بعد صدور القرار الظني 'يخدمون اولاً واخيراً العدو الاسرائيلي'. كما ان الرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري سيتحملان مسؤولياتهما كاملة وسيتخذان كل القرارات والاجراءات السياسية والعسكرية والامنية اللازمة لاحباط أي محاولة انقلابية أو أي اعمال عنف.
وكما قال لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع ومعني بالملف اللبناني: 'لن يستطيع 'حزب الله' ان ينتصر ويحسم الموقف لمصلحته ومصلحة حلفائه اذا نفذ انقلاباً مسلحاً الا في حال انهائه دور القوى العسكرية والامنية الشرعية، إما من خلال تحييدها ودفعها الى الامتناع عن التدخل كي يتصرف كما يريد في البلد، وإما من خلال الحاق الهزيمة بهذه القوى. والواضح ان قيادات الجيش والقوى الامنية مصممة على التدخل ومواجهة أي اعمال مسلحة واحباط أي انقلاب أو فتنة في البلد مما يعني استبعاد احتمال وقوفها على الحياد.
وتفيد المعلومات الدقيقة التي تملكها جهات عسكرية وديبلوماسية غربية عن موازين القوى في لبنان ان 'حزب الله' لن يتمكن من الانتصار في أي مواجهة عسكرية مع الجيش والقوى الأمنية بل انه سيخسر المعركة مع هذه القوى الشرعية، خلافاً للانطباع السائد. كما ان الحزب لن يتحمل مسؤولية محاولة الحاق الهزيمة بالقوى العسكرية والامنية الشرعية أو العمل على انهاكها في مواجهات داخلية واسعة النطاق لأن ذلك يضعف موقف لبنان وموقف الحزب ذاته في التعامل مع اسرائيل، اضافة الى ان قيادات هذه القوى الشرعية لن تقبل الاستسلام للمسلحين الذين يحاولون فرض ارادتهم على الغالبية من اللبنانيين لأن ذلك يهدد مصير لبنان'.
فريق عمل أميركي ثلاثي
العقبة الاساسية الثانية، وفقاً للمصادر الاوروبية المطلعة، هي ان 'حزب الله' ليس حزباً لبنانياً مستقلاً مكتفياً بذاته وبقدراته وامكاناته بل انه جزء عضوي من المحور السوري – الايراني، مما يعني ان اي قرار يتخذه الحزب لتنفيذ انقلاب مسلح سيكون في الدرجة الأولى قراراً سورياً - ايرانياً وستتعامل معه الدول العربية والاجنبية البارزة والمؤثرة على هذا الاساس وسترى فيه تصعيداً للمواجهة معها في الساحة اللبنانية وفي ساحات اقليمية اخرى. ولذلك سترد هذه الدول البارزة على أي محاولة انقلابية بحزم وبوسائل متنوعة. وأي انقلاب مسلح يقوم به 'حزب الله' سيكون انقلاباً سورياً - ايرانياً مما سيؤدي الى انهيار التفاهم السعودي – السوري في العلاقات الاميركية – الاوروبية – السورية والى تحركات في مجلس الامن لاتخاذ اجراءات جديدة ضد نظام الرئيس بشار الاسد مما يحبط جهود سوريا لتحسين علاقاتها مع الدول الغربية. واذا تدهورت الاوضاع الامنية في لبنان على نطاق واسع فليس مستبعدا ان تدرس الدول البارزة فكرة ارسال قوة عربية – دولية من دون مشاركة السوريين فيها الى هذا البلد لدعم الدولة ومؤسساتها الشرعية ولمنع سقوطه. وضمن هذا السياق قال ديبلوماسي اوروبي مطلع: 'ان موقف المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي الذي وصف فيه المحكمة الخاصة بأنها 'صورية' وقال ان اي حكم يصدر عنها سيكون 'لاغياً وباطلاً'، هذا الموقف ناتج من فشل الجهود السورية لتعطيل عمل المحكمة ومن القلق الايراني من مضمون القرار الظني. وهذا الموقف الايراني يعني ان المعركة على المحكمة صارت جزءا من الصراع الايراني – الدولي. والدول البارزة لن تقبل ان تخسر المعركة مع ايران سواء في لبنان او في اي ساحة اخرى مما يجعلها تتصدى بحزم وبوسائل عدة لأي محاولة انقلابية سورية – ايرانية يمكن ان ينفذها 'حزب الله'.
العقبة الاساسية الثالثة هي ان حكومة بنيامين نتنياهو ستتعامل مع اي انقلاب مسلح ينفذه 'حزب الله' على اساس انه يؤمن لها 'فرصة تاريخية' لشن حرب واسعة النطاق على لبنان وعلى مواقع الحزب ومناطقه وكذلك على مواقع ومنشآت عسكرية وحيوية في سوريا، اذ ان الحزب سيكون حينذاك في حال مواجهة مع مجلس الامن ومع دول بارزة ومع الغالبية من اللبنانيين، كما ان ايران لن تتدخل عسكريا لمناصرة حلفائها لأنها تخشى حربا اسرائيلية او اميركية – اسرائيلية عليها.
ولخص مسؤول اوروبي مطّلع الوضع بقوله: 'ان اي انقلاب مسلح ينفذه 'حزب الله' سينقلب عليه داخلياً واقليمياً ودولياً ويزيد تصميم المجتمع الدولي على تحقيق العدالة'. ورأى المسؤول الاوروبي 'ان السفير الاميركي الجديد في دمشق روبرت فورد سيشكل مع السفيرة الاميركية في بيروت مورا كونيللي ومع مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان فريق عمل ثلاثياً يركز اهتمامه في اشراف فيلتمان على متابعة تطورات الاوضاع في لبنان والموقف السوري منها متمسكاً بثلاثة مواقف واضحة وحازمة هي:
تقديم الدعم الكامل لعمل المحكمة ورفض اي تدخلات في شؤونها، تأمين الحماية للبنان المستقل السيد ومنع اي هيمنة سورية عليه، مطالبة النظام السوري بضبط حلفائه ومنعهم من تفجير الاوضاع ردا على صدور القرار الظني، محملاً هذا النظام المسؤولية المباشرة عن اي اعمال عنف او تحركات عسكرية يقوم بها 'حزب الله' وحلفاؤه ضد المواطنين او ضد القوى العسكرية والامنية الشرعية'.
ـ 'الأخبار'
بلمار ينقلب على نفسه
عمر نشّابة:
البرلمان الكندي يسأل ويحاسب المدعي العام في بلاده، لكن من الذي يحاسب المدعي العام الكندي في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إذا ارتكب أخطاءً؟ لا أحد، حتى ولو دفع آلاف اللبنانيين أثمان تلك الأخطاء بدمائهم وأرزاقهم وسلمهم الأهلي عمر نشابة يفترض أن يأخذ الادعاء العام الكندي في الاعتبار أمرين قبل إصدار قراراته الاتهامية. يتمحور الأول حول مدى توافر الأدلة الجنائية الصادقة. أما الثاني، فيعتمد دراسة ما إذا كان الاتهام القضائي يخدم المصلحة العامة (راجع The Federal Prosecascii117tion Service Deskbook The Decision to Prosecascii117te – Ch.15) لكن يبدو أن المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الكندي دانيال بلمار، قرّر الانقلاب على مبادئ وظيفته في بلده، إذ قرّر المضي في الإعداد لإطلاق القرار الاتهامي، رغم أن ذلك يهدّد بوقوع فتنة دموية في لبنان، ورغم عدم صدقية جزء أساسي من الأدلة الجنائية التي يرجّح أن يعتمدها، ومنها معلومات جمعت من شبكة اتصالات أكّد الاتحاد الدولي للاتصالات أنها مخترقة إسرائيلياً. أما المعلومات التي جمعت خلال مراحل التحقيق الدولي السابقة، فمصدر بعضها بحسب نصّ قرار قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين في 29 نيسان 2009 &laqascii117o;شهود غيّروا إفاداتهم" بينما &laqascii117o;شاهد رئيسي سحب صراحة أقواله"، فما الذي يضمن عدم تكرار ذلك بعد صدور القرار الاتهامي؟ يشرح دليل الادعاء العام في كندا المقصود بـ&laqascii117o;المصلحة العامة" التي يمكن أن تفرض التمنّع عن إصدار القرار الاتهامي ويعدّد في هذا الإطار بعض الحالات التي تدفع إلى عدم صدوره، ومنها: إذا كان للادعاء أثر سلبي مرتقب على النظام العام والثقة العامة بنظام العدالة (الفقرة g). لا بد من الإشارة هنا إلى أن حزب الله الذي يرجّح اتهام مسؤولين فيه باغتيال رفيق الحريري، يحظى بتأييد فئات لا يستهان بها من الشعب اللبناني، وهو ممثل في الحكومة وفي البرلمان بعدما حاز عشرات آلاف الأصوات خلال الانتخابات. إن لاتهام مسؤولين في الحزب بقتل الحريري &laqascii117o;أثراً سلبياً مرتقباً على النظام العام والثقة العامة بنظام العدالة"، وخصوصاً بعدما عرض السيد نصر الله قرائن تشير إلى ضلوع إسرائيل في الجريمة، ولم تصدر أي إشارة تدلّ على استماع المحققين الدوليين إلى إفادة شاهد إسرائيلي واحد. حالة أخرى تفرض على السلطات الكندية عدم الادعاء، تتمحور حول احتمال أن يكون لذلك الادعاء &laqascii117o;نتائج غير بناءة" (Coascii117nter-prodascii117ctive) (الفقرة h). هنا، لا بدّ من السؤال عن تعريف ما قد يعدّه بلمار &laqascii117o;بنّاءً"، إذ يبدو أن اعتبار بلمار إشعال الفتنة بين اللبنانيين وعودة الاقتتال الداخلي وتوسيع الهوة بين الناس أمراً بنّاءً قد يدفعه إلى المضي في إصدار القرار الاتهامي الذي يستهدف مسؤولين في حزب الله، والعكس صحيح. يذكر دليل الادعاء العام الكندي عاملين إضافيين قد يؤثران على قرار عدم الادعاء، هما: تصرّفات الضحايا وذويهم (الفقرة n) ومدّة المحاكمة وكلفتها (الفقرة o). في العامل الأول لا حاجة إلى التذكير بعشرات التصريحات التي اتّهم فيها سعد الحريري سوريا بارتكاب جرائم الاغتيال، مستبقاً نتائج التحقيق، وناسفاً مبدأ قرينة البراءة، ومن ثمّ زيارته دمشق منقلباً على نفسه وعلى شعارات جمهوره. لكن إشارة إلى تأييد ذوي الشهيد رفيق الحريري للعفو عن شخص ثبت للمجلس العدلي ضلوعه في جريمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي. وإشارة أخرى إلى شبهة ضلوع الفريق السياسي التابع للحريري في عملية فبركة الشهود وتضليل التحقيق. فهل فتح بلمار تحقيقاً في هذه الشبهة قبل مباشرته في الإعداد لإصدار القرار الاتهامي؟ أما في العامل الثاني، فعملية تدقيق بسيطة في ميزانية المحكمة تشير إلى أن إسهام لبنان يفوق الميزانية السنوية لوزارة العدل فيه. وبالتالي يسدّد اللبنانيون مبلغ تشغيل محكمة مختصة في النظر في قضية جنائية واحدة (وقضايا أخرى إذا ثبت تلازمها معها) يفوق مبلغ تشغيل عشرات المحاكم المختصة بالنظر في مئات القضايا العدلية التي تخصّ آلاف المواطنين. وفي هذا الإطار نذكر آلاف العائلات اللبنانية التي فقدت أحباءها منذ الحرب وحرمت العدالة والحقيقة. تبرير الأخطاء قبل ارتكابها &laqascii117o;هذه قضية (جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) بالغة التعقيد، وهناك عدد من التحديات التي تواجهها عملية التحقيق والإجراءات"، يقول المدعي العام في المحكمة الدولية عبر &laqascii117o;فيديو" موقعها الإلكتروني (www.stl-tsl.org). إن أهمية هذا التوصيف للقضية يكمن في أنه قد يُستخدم لتبرير &laqascii117o;أخطاء" يرجّح أن بلمار سيرتكبها عبر اتهامه المرتقب لأشخاص مرتبطين بحزب الله بالضلوع في جريمة 14 شباط 2005. فدانيال بلمار نفسه، الذي عمل في كندا قبل انتقاله إلى بيروت ثمّ لاهاي، استشهد في مقدّمة دليل الادعاء العام في كندا (2005) بالنائب السابق لوزير العدل الكندي موريس روزنبرغ من خلال قوله &laqascii117o;إن المدعي العام الذي يتوقّع اليقين والحقيقة المطلقة يعمل في غير مجاله. فمهمات المدعي العام ليست علماً دقيقاً، وكلّما تعدّدت الأمور وتعقّدت، توسّع هامش الخطأ". وبالتالي، فإن وصف قضية اغتيال الحريري بأنها &laqascii117o;بالغة التعقيد" قد يبعد شبهة تسييس الاتهام عن بلمار، إذ يمكنه القول إنه ارتكب &laqascii117o;خطأً مهنيّاً". فبحسب ما نقله بلمار، هناك هامش واسع للخطأ في توجيه القرار الاتهامي وصوغه. آراء بلمار وتكهناته يقول بلمار كذلك عبر &laqascii117o;فيديو" لاهاي: &laqascii117o;يبدو لي أن من يدّعي أن المحكمة مسيّسة يخشى نتائج قرار المحكمة أو جهود المحكمة لكشف الحقيقة". يشير هذا الكلام إلى انقلاب بلمار على نفسه، إذ إن الدليل الكندي الذي شارك بلمار في صياغته يحرم المدعين العامين التعبير عن التكهنات (الفقرة 10.4.2.3). أضف إلى ذلك أن بلمار يعبّر في كلامه عن رأي شخصي أراد، على ما يبدو، إعلام اللبنانيين وغيرهم من المتابعين للمحكمة به. وبالتالي انقلب الرجل على نفسه هنا أيضا