- 'الشرق الأوسط'
لبنان .. من أسقط المبادرة
طارق الحميد:
(...) نقول إن المبادرة لم تكن موجودة حتى يتهم أحد ياسقاطها. وكل ما في الأمر أن حزب الله بات في ورطة أمام محكمة الرأي العام العربي، وتحديداً السني اللبناني، وأن الحزب، الذي استمرأ الهروب للأمام، بات اليوم يواجه استحقاقاً تعود الهروب منه بعنجهية وغرور. ورطة الحزب اليوم أن أي حل لن يكون بيده، حيث بات الحزب الآن تحت رحمة كثر في لبنان، وخارجه. وهذه القصة يجب أن نفطن لها في قادم الأيام.
ـ 'السفير'
اغتيال المسعى السوري السعودي إعلان حرب مباشرة على &laqascii117o;حزب الله"
هل دخل الحريري في مغامرة تهدد مسيرته السياسية؟
نبيل هيثم:
لعل السؤال الأبرز الذي يتولد عن الاغتيال المفاجئ للمعادلة السورية السعودية، لا يتوخى البحث عن هوية &laqascii117o;الجناة" أو دوافعهم ومبرراتهم، بل عما قد يليه، وما إذا كان مندرجا في سياق &laqascii117o;أجندة" يشكل اغتيال المسعى العربي أول بنودها وبالتالي ثمة خطوات تدريجية مكملة له؟ من الواضح أن الاغتيال أفرز النتائج الآتية:
أولا، غياب شبكة الأمان التي كان يؤمنها الراعيان السوري والسعودي للوضع اللبناني حتى الأمس القريب، وبالتالي دخول لبنان في حالة &laqascii117o;كوما" سياسية مفتوحة على أزمة متدحرجة لا أحد يستطيع أن يرسم مسبقا تداعياتها السياسية وغير السياسية لا في الزمان ولا في المكان ولا في النتائج ولا في الوقائع الدراماتيكية.
ثانيا، &laqascii117o;إقالة" السعودية من دورها ورعايتها لجهود الحل في لبنان، علما أنها هي التي طرحت ومن خلال ملكها في نهاية تموز 2010، مهمة صياغة التسوية وأقنعت دمشق بذلك لتتولى الأخيرة بدورها إقناع المعارضة اللبنانية بالرهان على المسعى السعودي. لقد شكل ما حصل ضربة معنوية جديدة للمملكة تضاف إلى ضربات مماثلة في ساحات أخرى غير لبنان وتحديدا في فلسطين والعراق، كما أنها تشكل ضربة معنوية للملك شخصيا، وللالتزامات التي قطعها للرئيس السوري بشار الأسد وتحديدا حول المحكمة الدولية وإلغاء مفاعيلها اللبنانية.
ثالثا، اقتران اغتيال المسعى العربي بإعلان غير مباشر للحرب على فريق اساسي في لبنان، وتحديدا على &laqascii117o;حزب الله"، مع ما يترتب عن ذلك من دفع للحزب الى تطوير عناصر المواجهة المتوفرة لديه والانتقال من سياسة المهادنة الى الممارسة العملية لاعلى درجات الدفاع عن النفس سواء بخطوات دفاعية تقليدية او خطوات هجومية موضعية تاخذ الطابع الوقائي سياسيا او ميدانيا ان اقتضى الامر.
رابعا، اطلاق موجة تسريبات غير مسبوقة حول صدور وشيك للقرار الاتهامي، وثمة من بدأ يحدد مواعيد أولها يوم السبت المقبل أو الثلاثاء الذي يليه أو في حد أقصى نهاية كانون الثاني.
خامسا، اذا تم التصرف وفق أرجحية صدور القرار الاتهامي، من سيطبقه لبنانيا وبأية ادوات تنفيذية، الدولة اللبنانية، &laqascii117o;اليونيفيل" أم &laqascii117o;المارينز" أم حلف الناتو أم &laqascii117o;الوحدات العربية" التي فكر في استقدامها فريق رئيس الحكومة خلال احداث ايار 2008 كما كشفت وثائق &laqascii117o;ويكيليكس"، واكد صحتها النائب وليد جنبلاط؟
سادسا، التعديل الحكمي الذي سيطال شكل اية تسوية لاحقة ـ ان قدر لها ان تحصل ـ اذ ان ما كان جائزا خلال المسعى السوري السعودي قد لا يعود جائزا او ممكنا بعد اغتياله، وبالتالي ليس ما يضمن الا تفرض الوقائع البحث مستقبلا في اعادة انتاج تسوية شاملة وبأثمان اعلى تتصل ببنية النظام السياسي برمته وبكيفية إدارة الحكم ودور كل فئة وحجم شراكتها في القرار السياسي.
سابعا، الارتفاع الحكمي لسقف الشروط والمطالب الداخلية، بما قد يصل الى حد التعجيز سياسيا وحكوميا وبما يجعل عبور الطريق الى رئاسة الحكومة بالامر العسير سواء على سعد الحريري او على غيره من المرشحين المحتملين للرئاسة الثالثة.
ثامنا، خطأ الرهان لدى فريق اغتيال المسعى العربي على ان &laqascii117o;حزب الله" قد لا يقدم على اي رد فعل حيال اي اجراء قد يتعرّض له حيال أي قرار يستهدفه.
تاسعا، مع السقوط الدراماتيكي لحكومة سعد الحريري، على أيدي المعارضة، تكون دمشق والحلفاء قد بعثوا برسالة واضحة مفادها أن امكانية التعايش السياسي قد انتهت مع انضمام رئيس الحكومة علنا الى &laqascii117o;المشروع الآخر"، وهذا أمر قد يطرح اسئلة حول امكان القبول بعودته الى رئاسة الحكومة.. وفي هذا السياق يمكن ملاحظة الآتي:
- ان تجربة المعارضة مع الحريري اثبتت بما لا يقبل الشك انه لا يضطر الى المضي في خيارات تفرض عليه، بل ان خياراته منبثقة عن قناعات راسخة لديه، وهنا يصب موقفه المؤيد للمحكمة والقرار الاتهامي، بدليل ان الفترة التي قضاها في السلطة لم تكسبه مراس التعامل مع موجبات الموقع ومع الاحداث صغيرها وكبيرها، ولم يستفد من الفرصة الثمينة التي وفرها له الرئيس بشار الاسد، بل فضـّل التمسك بماضي الايام السود والاتهامات السياسية برغم اقراره اللفظي بها وبالآثار السلبية التي ارختها في سماء العلاقة بين بيروت ودمشق.
- ان ما اظهره الحريري للمعارضة طوال الفترة الماضية لم يكن اكثر من ابتسامة مفتعلة. تخفي قناعته بان المحكمة وقرارها الظني هما وسيلته الوحيدة والاساسية للاقتصاص السياسي والشخصي &laqascii117o;من قتلة والدي".
- ان المعارضة تعتبر ان الحريري ادخل نفسه من خلال زيارته الأميركية في مغامرة، قد لا تنجو منها مسيرته السياسية.
وفي سياق متصل يروي مرجع كبير في المعارضة حادثتين مرتبطتين بموقف الحريري من التسوية، تفيد الاولى بان وزيرا سياديا بارزا التقى الحريري قبل فترة غير بعيدة، وفتح معه موضوع التسوية التي كانت آنذاك قد بلغت نقطة متقدمة وتوجه اليه قائلا ما مفاده، انا اعتقد ان مصلحتك تكمن في ان تذهب الى تسوية مع &laqascii117o;حزب الله" قبل القرار الاتهامي وليس بعده، اذ انها ممكنة ولكن بعد صدور القرار لا امل بتسوية على الاطلاق، ولا اعتقد ان &laqascii117o;حزب الله" سيكون لينا بالمعنى السياسي آنذاك بل سيكون اكثر تصلبا. فهم سيرفضون حكما ان يتهموا كما لن يقبلوا ابدا في ان تظهر وكأنك تعقد تسوية معهم من موقع المتسامح. نصيحتي ان تتصالح مع &laqascii117o;حزب الله"، الا اذا كنت لا تريد ان تتعامل معهم. الطريف في الحادثة ان الحريري احال الوزير السيادي الى احد المستشارين البارزين لاقناعه اولا؟
ـ 'السفير'
المعركة الأغرب
ساطع نور الدين:
حزب الله افتتح الاشتباك بالأمس، مع علمه المسبق، فرضياً، انه لن يستطيع ان يلغي المحكمة الدولية، بل هو سيزيد خصومه في الداخل والخارج اصراراً على المحاكمة واستعجالاً للقرار الاتهامي وتركيزاً لأدلته التي ستتراكم اكثر من اي وقت مضى، وسترد من مختلف دول العالم التي ستلبي هذه المرة وبحماسة اقوى من السابق، النداء الى نصرة المدعين، وتحقيق العدالة، التي لا يمكن ان تكون بالنسبة الى تلك الدول محل تشكيك او تفاوض..
ومهما كان من أمر الانقلاب الجديد الذي بدأ الحزب تنفيذه، فانه لن يستطيع ان يدخل اي تعديل، ولو بسيطا، على المعادلة السياسية التي ارسيت في اعقاب اتفاق الدوحة، بل سيضطر عاجلاً او آجلاً الى التسليم بما هو دون هذا الاتفاق، والى تجديد التزامه بشكل يومي باتفاق الطائف الذي بات يختصر بتنظيم العلاقة المضطربة بين الغالبيتين السنية والشيعية، اكثر مما يمثل اطاراً لحفظ العنصر المسيحي.. خصوصاً اذا كان الهدف المباشر هو تشكيل حكومة بديلة تضم من السنة من يحتاج الى جرعات كبيرة من الشرعية والمصداقية.
ومهما كان من امر هذا الانقلاب فإن نجاحه المرتقب، سيؤدي حتماً الى اصدار سلسلة من القرارات الدولية الجاهزة أصلاً، بفرض عقوبات تدريجية على لبنان، تشبه الى حد بعيد تلك المفروضة على سوريا وايران، ولا ترفع الا بمعجزة.. بغض النظر عن الموقف الاسرائيلي الذي سيفاضل بين التسليم بسيطرة الحزب المطلقة على الوضع اللبناني، على غرار التسليم بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وبين انتهاز الفرصة لاستكمال حرب العام 2006.
اما الرئيس سعد الحريري وفريقه، الذي لم يقتنع بضرورة تفادي ذلك الانقلاب، بل هو يتعامل معه الآن باعتباره فرصة او فخاً، فان خسارته حتمية لأنه سيكتشف بسرعة ان ليس له حليف او نصير يمكن ان يعتمد عليه لا في الداخل ولا في الخارج الذي يتطلع الى اختبار دموي جديد في لبنان، يحدد فيه مسار علاقاته مع دمشق وطهران، من دون حساب نتائج المعركة الأشد غرابة في تاريخ الحرب الاهلية اللبنانية.
ـ 'النهار'
الصمود في وجه 'القوى الظلامية'
ساطع نور الدين:
كان في اعتقاد صاحب فكرة استباق دخول سعد الحريري البيت الابيض بتطيير الحكومة، انه ينزع عنه شرعية رئيس الحكومة القائمة، فيدخل المكتب البيضاوي ضعيفاً منقوص الشرعية. لقد فات صاحب الفكرة ان سعد الحريري بوصفه زعيم الاستقلاليين في البلاد هو من يمنح الشرعية لمنصب رئاسة الحكومة، وليس العكس. وفاته ايضاً ان صمود الحريري في وجه اعتى الحملات و الضغوط المعروفة المصدر داخلياً واقليمياً، اكتسب شرعية مضاعفة تضاف اليها فضيلة عدم قطع خيط التواصل حتى مع أشد الخصوم ضراوة.
لقد كان المطلوب انقلاباً على الدولة والعدالة ينفذه سعد الحريري طائعاً، فيستسلم وصحبه الاستقلاليين امام التهويل والترهيب بالسلاح والمسلحين. كان مطلوباً ان تقدَّم دماء رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما ومعهم جبران تويني وبيار الجميل وكل الشهداء، ثمناً على مذبح العار الذي اقاموه ليرتمي اولياء الدم، وهم ثلاثة ملايين لبناني في الوطن الانتشار، على اعتاب الجلادين طالبين الغفران في مقابل الفوز بالسلامة الآنية.
بصريح العبارة كان المطلوب استسلاماً تاماً. وهذا ما لم يحصل ولن يحصل، لان الاستقلاليين قرروا ان يمضوا في طريق احقاق الحق والعدالة وانهاء زمن الافلات من المحاسبة على ارتكاب الجرائم السياسية. وكما سبق ان قلنا اكثر من مرة، فإن السكوت لم يوقف الاغتيالات بعد سقوط اول الشهداء، كمال جنبلاط!
في اختصار، لن يعود الوضع الى ما كان عليه. ولبنان دخل منعطفاً خطيراً لن يكون معه امام الاستقلاليين سوى الصمود في وجه 'القوى الظلامية' هنا وخلف الحدود في انتظار الحقيقة والعدالة.
ـ 'النهار'
لا مبادرة للتسوية... ولا تسوية على القبل
مبادرة أو لا مبادرة؟ ميليشيات جديدة!
غسّان حجار:
لعل أجمل ما قرأنا البارحة على لسان السفير السعودي قوله ان لا مبادرة في الأصل، بل رعاية سعودية - سورية لأي مبادرة لبنانية - لبنانية.
هكذا يذوب الثلج، وينكشف لنا ما تحته من أحوالنا وأوضاعنا، اذ بسبب عجزنا المتراكم، صرنا نتطلع الى الخارج في كل تفاصيل حياتنا، بل كأننا سلّمنا هذا الخارج، القريب والبعيد، أمورنا، وصرنا نتفرج، ولا دور لنا كلاعبين الا في الاستقواء واحدنا على الآخر، أو في النزول الى الشارع 'نكايات' للتكسير والتحطيم وحرق الاطارات. هل هو دورنا، أم هو الدور الذي رُسم لنا؟ لا فرق، فالنتيجة واحدة. شعب، وقيادات، وأحزاب، عاجزة عن اجتراح الحلول، بل عن الحدّ الأدنى من اللقاء والحوار... وبالتالي تنفيذ بعض ما اتفق عليه في الحوار.
ـ 'النهار'
هكذا، كأنّه انقلابُ ؟
زيّان:
كأنه انقلاب مُحكمُ، بلا دبَّابات ولا بلاغات عسكريَّة. هكذا، بهذه النظرة، بهذا التعريف، نظر بعض العتاق في كار السياسة الى المنحى الذي استقرَّت عنده الهزات والعواصف السياسيَّة المتتالية.
من البديهي، إذاً، أن ينتشر القلق وتشيع البلبلة بين اللبنانيين، إزاء هذه المفاجآت الأقرب الى المفاجعات. ومن الطبيعي أن يتساءلوا مع وليد جنبلاط الى أين يأخذون البلد المشلول بعد هذه الاستقالات التي وضعت حكومة الرئيس سعد الحريري أمام مأزق كبير. كما وضعت لبنان في مواجهة امتحان مشحون بالتوتر.
لا مجال الآن للعودة الى التفاصيل، والأهازيج، والمسرحيّات التي مهَّدت للوصول الى هذا المنعطف، وخصوصاً بعد الإعلان عن اصطدام المعادلة السوريّة – السعوديّة بأكثر من عقبة، وأكثر من مطبّ، وأكثر من مطلب وشرط وعقدة.
ليس من السهل الخوض في غمار الأبعاد والعوامل، فضلاً عن المخبّأ والمخفي. ولكن لا بدَّ من الاستعانة بالمثل القائل إنما الأفعال بالنيّات. والأفعال لم تكن مشجٍّعة، بقدر ما شكّلت حواجز طيَّارة، طاردت المعادلة في معظم مراحلها.
إلا أن ما حصل قد حصل. سواء أكان ثمة تخطيط مسبق في الدق ووراء الأكمة وتحت الطاولة، أم أن اندفاع التطورات بين نيويورك وواشنطن وباريس وبيروت ودمشق أدى الى انفجار 'المعادلة'، وتالياً انفجار التركيبة الحكومية... ومعها اتفاق الدوحة على الأرجح.
وما يهمُّ الناس الآن، ومعهم الأشقاء والأصدقاء، ألا تكون خطوة الاستقالات مجرد خطوة في الفراغ والهواء، ممّا يفسحُ في المجال لتغلغل تعقيدات جديدة تدفع لبنان نحو المجهول الذي يؤدي بدوره الى مجاهل وانعطافات وانزلاقات لا طائل بعدها.
فهل دخل الوضع والبلد والأزمة في النفق المظلم القديم ذاته، أما انه يتجه صوب المجهول المعلوم حيث يكتمل السيناريو فصولاً وتمثيلاً وتخريجاً، وفق المعتاد، وفي نطاق الأعراف والتقاليد، وعلى أساس مرحلة انتهت لتبدأ مرحلة جديدة؟
الأزمة مزمنة. وعميقة. ومتشعٍّبة. وكان متوقَّعاً أن تشتد لتنفرج بحسب المَثَل المعروف. لكنها اشتدَّت لتنفجر على ما اتضح لاحقاً، ولتشقَّ طريقاً واسعاً أمام سيل من علامات الاستفهام.
الأسئلة الملحَّة التي طرحناها مساءً على عدد من المرجعيَّات والقياديّين والسياسيّين القريبين من 'المطابخ' الكواليس، بقيت من دون اجابات صريحة. فالارتباك كان حاضراً. وكان حاضراً أيضاً القول إن الصباح رباح. فلننتظر ما سيلي ويستجدّ على الصعيد الحكومي، وما هي الاجراءات التي سيتخذها الرئيس ميشال سليمان، ومن أين ستنطلق البداية الجديدة.
في كل حال، وأيَّا تكن الاعتبارات التي أملت مثل هذا التصرّف، فان من الحكمة وأضعف الإيمان انتظار ما لدى الرئيس الحريري، والوقوف على رأيه، وعندئذ يُبنى على الشيء مقتضاه.
فعلى رغم كل ما قيل، وكل الاستقالات، يبقى عند الربع الأخير من الساعة الكثير مما ليس في الحسبان.
ـ 'النهار'
لا مفرّ من الحريري !
راجح الخوري:
سياسياً ودستورياً كان واضحاً تماماً ومنذ اللحظة الأولى ان استقالة الوزراء من الحكومة اللبنانية ليست اكثر من قفزة في المجهول.
صحيح ان هذه الاستقالة بدت وكأنها سباق اللحظة الاخيرة مع صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بمعنى ان قوى المعارضة فضلت الاستقالة قبل صدور القرار المذكور، واياً يكن محتوى هذا القرار، ولكن الواقع الاعمق والابعد هو ان كل المحاولات والضغوط والتدخلات التي مورست لمنع صدور هذا القرار، الذي يقال انه سيعلن في خلال ايام، لم تنجح في تأجيله او إلغائه ولم تتوصل الى ما طالبت به علانية وهو الغاء المحكمة الدولية من الاساس.
ولكن ماذا في وسع استقالة من هذا النوع ان تفعل؟
اذا كان المقصود تعطيل الحكومة، فالحكومة معطلة بسبب المعارضة، منذ زمن بعيد، وهي عاجزة عن ان تجتمع وتقرر او تنظر في ركام هائل من الملفات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والادارية التي يفترض ان تعنى بشؤون الناس.
واذا كان المقصود ان ينزل القرار الاتهامي على لبنان وليس في البلاد سلطة تنفيذية مطلوب منها التنسيق والتعاون مع المحكمة الدولية. فمن المعروف اصلا انه لو استمرت الحكومة قائمة بقضّها وقضيضها، فإنها لن تتمكن من تنفيذ ولو مذكرة جلب واحدة قد تصدر باسم هذا او ذاك من الذين تطلبهم المحكمة الدولية، وخصوصا اذا كانوا من اعضاء 'حزب الله'. ولهذا يجب ان نتذكر ان المحكمة الدولية سبق في هذا السياق ان اشارت الى انها تستطيع ان تصدر احكامها غيابيا بحق الذين لا يمثلون امامها.
اما اذا كان المقصود تشكيل حكومة جديدة تقدم على ما لم تقدم عليه او بالاحرى رفضته حكومة سعد الحريري، فان الامر فعلا مجرد قفزة في المجهول، لان من الصعب جدا تشكيل حكومة من خارج مشاركة الحريري و14 آذار.
لماذا؟
❐ اولاً: لأنه ليس من السهل على اي رئيس مكلف جديد غير الحريري تشكيل حكومة جديدة ونيل الثقة في البرلمان، وهذا يعني ان الخروج من سعد الحريري رئيسا للحكومة هو وقوع في سعد الحريري رئيسا لاكبر كتلة برلمانية لها كلمتها المرجحة في البرلمان، بما يعني اننا سنبقى زمنا طويلا امام حكومة الحريري لتصريف الاعمال!
❐ ثانياً: وعلى افتراض ان المعارضة تمكنت من تشكيل حكومة جديدة، هل سيكون في وسع هذه الحكومة ان توقف بروتوكول التعاون بين لبنان والمحكمة الدولية، او ان تسحب القضاة اللبنانيين منها او ان تتوقف عن تمويلها؟
❐ ثالثاً: واذا كان 11 وزيراً اسقطوا الحكومة الراهنة، هل ستقلّ حصة الحريري و14 آذار عن 11 وزيراً في الحكومة المقبلة يستطيعون بدورهم اسقاط اي حكومة جديدة ومتى يشاؤون؟!
❐ رابعاً: هل تتصور قوى المعارضة المستقيلة من الحكومة الحالية، انها ستكون قادرة على تنفيذ ما طلبته تكرارا من الحريري، اي ان يتبرأ من المحكمة، فتقوم هي بالطلب من دانيال بلمار وجماعته باغلاق المحكمة الدولية واعتبارها وكأنها لم تكن؟!
❐ خامساً: لقد قيل الكثير عن المسعى السوري – السعودي لمعالجة الازمة في لبنان، ومن الواضح والمفهوم انه كان هناك مبالغات في الحديث عن هذا المسعى.
اما الآن وبعد وقوع الازمة واستقالة وزراء المعارضة فيمكن الحديث فعلا عن مساع حثيثة ستبذل لاعادة ترتيب الوضع وانتشال لبنان من حال الفراغ الذي قادتنا اليه خطوة المعارضة.
❐ سادساً: يقول الوزراء المستقيلون ان ما دفعهم الى الاستقالة هو عدم قدرة الحريري على تخطي الضغوط الاميركية التي حاولت تخريب المسعى السعودي – السوري، الذي لا يعلم احد ما هي بنوده وتفاصيله حتى الآن، فهل يظن هؤلاء انهم سيكونون قادرين على تخطي هذه الضغوط الاميركية وعلى دفع المحكمة في الاتجاه الذي يريدون؟
❐ سابعاً: ان استقالة الوزراء الـ11 من الحكومة تشكل اسقاطا عمليا لـ'اتفاق الدوحة' الذي نص على انه لا يجوز لأحد ان يعطل عمل الحكومة او ان يستقيل منها، ولكن المعارضة التي عطلت عمل الحكومة طويلا، عادت واستقالت منها، بما يعني اسقاطا عمليا لـ'اتفاق الدوحة' يسمح للآخرين غدا بان يستقيلوا هم ايضا من اي حكومة يظن المعارضون انهم ذاهبون الى تشكيلها.
❐ ثامناً: سواء كان في لبنان حكومة او لم يكن، فإن المحكمة الدولية ماضية في اعمالها، والقرار الاتهامي الذي يتردد انه سيصدر في خلال ايام قليلة لن يتأخر لان ليس في لبنان الآن حكومة بعد الاستقالة، وهو سيصدر ولو كانت في البلد حكومة تطالب بعدم صدوره.
امام كل هذا ماذا نكون قد فعلنا؟
لم نفعل شيئا حيال المحكمة الدولية، لكننا فعلنا الكثير من السلبيات حيال الوضع اللبناني العام وبازاء مطالب اللبنانيين المتراكمة على رفوف النسيان والاهمال.
ـ 'النهار'
بعد أن يصبح السودان سودانين وتكرّ سبحة التقسيم
هل يقوم شرق أوسط جديد بأنظمة فيديرالية ؟
إميل خوري:
هل يمكن القول ان الخطوة الاولى لتقسيم دول المنطقة بعد تفكيكها ستبدأ من السودان برعاية أميركية، بعد ان كانت ستبدأ من لبنان عندما اشتعلت حرب الجبل حيث تتجلى الوحدة الوطنية بأجلى مظاهرها بين الموارنة والدروز، ثم من العراق بعد تدميره واشعال 'الفوضى البناءة' فيه؟
وهل يمكن القول ان التقسيم هو بداية الطريق الى 'الفيديرالية' لاعادة جمع ما انقسم في اطار هذا النظام وهو ما كان وزير الخارجية الاميركي الاسبق كولن باول قد اعلنه بقوله: 'ان الشرق الاوسط الجديد سيبنى على الفيديرالية'. ومعلوم ان 'الفيديرالية' تمنع التقسيم، وان التقسيم ينتهي الى 'فيديرالية' ليقوم فيها ما يشبه الحكم الذاتي داخل كل ولاية او اقليم يكون مرتبطاً بالحكم المركزي في اطار فرض دولة اتحادية واحدة.
في مقابلة اجراها صحافي اجنبي عام 2007 مع الامين العام لـ'حزب الله' السيد حسن نصرالله قال له فيها: 'الاميركيون يريدون تقسيم العراق حيث الحرب الاهلية بل عمليات تطهير عرقية وطائفية وان القتل والتهجير الذي يجري في العراق يستهدف اقامة ثلاثة اقاليم على اسس طائفية وعرقية كمقدمة لتقسيم العراق' وتابع: 'خلال سنة او سنتين ستكون هناك مناطق سنية بالكامل واخرى شيعية واخرى للاكراد، حتى في بغداد هناك مخاوف من ان تقسم المدينة الى منطقتين سنية وشيعية وما يمكنني قوله ان الرئيس بوش يكذب عندما يقول انه لا يريد تقسيم العراق، فكل الوقائع التي تجري على الارض تؤكد انه يجر العراق باتجاه التقسيم وسيأتي يوم يقول فيه: لست قادراً على القيام بأي شيء طالما ان العراقيين يريدون تقسيم بلادهم وانا احترم ارادة الشعب العراقي(...)&rdqascii117o;، واعرب السيد نصرالله عن اعتقاده 'ان الولايات المتحدة تريد ايضا تقسيم لبنان وسوريا بدفعها في اتجاه الفوضى والحروب الداخلية كما في العراق. اما في لبنان فستكون هناك دولة سنية ودولة علوية ودولة مسيحية ودولة درزية، ولا اعلم ما اذا كان سيصبح هناك دولة شيعية' وقال: 'انه يشتبه في ان يكون الهدف من الحرب الاسرائيلية الاخيرة (تموز 2006) تدمير المناطق الشيعية وتهجير الشيعة من لبنان وجلهم يفرون من لبنان وسوريا الى جنوب العراق الذي يسيطر عليه الشيعة، لست اكيدا لكن اشتم ذلك'، واضاف: 'ان التجزئة ستترك حول اسرائيل دولاً صغيرة هادئة واستطيع ان اؤكد ايضا ان المملكة العربية السعودية ستقسم ايضا وان المسألة ستطال الدول الافريقية الشمالية وستكون هناك دول اثنية، وتصبح اسرائيل اهم واقوى دولة في منطقة تجزأت الى دول اثنية على توافق في ما بينها، هذا هو الشرق الاوسط الجديد'.
ويبدو ان ما توقعه او تنبأ به السيد حسن نصرالله اخذ يظهر على الارض بدءا بالسودان قبل العراق، وان المناخات الطائفية والعرقية والاثنية التي تسود اكثر من دولة في الشرق الاوسط وفي افريقيا والاعتداء على المسيحيين لحملهم على الهجرة، نذير حرب دينية تنتهي بالتقسيم وقيام الدويلات المذهبية والعرقية، وان التقسيم قد يتحول اذا لم يكن سبيلاً الى قيام دولة قابلة للحياة الى فيديرالية.
ولا بد من التذكير بانه في العام 1980 القى ارييل شارون وكان وزيراً للدفاع الاسرائيلي محاضرة في مركز الدراسات العسكرية حول رؤية اسرائيل للعالم العربي وكيفية التعامل معه في المستقبل وقد نشرت وقائع تلك المحاضرة صحيفة 'معاريف' بتاريخ 18 كانون الاول 1981 يومها قال شارون ما ترجمته: 'ان اسرائيل تصل بمجالها الحيوي الى اطراف الاتحاد السوفياتي شمالاً والصين شرقاً وافريقيا الوسطى جنوباً والمغرب العربي غرباً. وهذا المجال هو عبارة عن مجموعات قومية واثنية ومذهبية متناحرة. ففي باكستان شعب 'البلوش' وفي ايران يتنازع على السلطة كل من الشيعة والاكراد، وفي تركيا الاكراد والمسألة الارمنية. اما في العراق فمشكلاته تندرج في الصراع بين السنة والشيعة والاكراد في حين ان سوريا تواجه مشكلة الصراع السني – العلوي، ولبنان مقسوم على عدد من الطوائف المتناحرة والاردن مجال خصب لصراع من نوع فلسطيني بدوي. كذلك في الامارات العربية وسواحل المملكة العربية السعودية الشرقية حيث يكثر الشيعة من ذوي الاصول الايرانية، وفي مصر جو من العداء بين المسلمين والاقباط، وفي السودان حالة مستمرة من الصراع بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي – الوثني. اما في المغرب فالهوة ما بين العرب والبربر قابلة للاتساع'.
هذا التصوير للعالم العربي لم يقتصر على الجنرال شارون وحده بل في دراسة حول 'استراتيجية اسرائيل في الثمانينات' نشرتها مجلة 'ايفونيم' الاسرائيلية الفصلية في عددها الصادر صيف 1981 تفاصيل محددة حول البرنامج التفتيتي الذي تعمل اسرائيل على تنفيذه في العالم العربي.
تقول الدراسة: 'في المدى البعيد لا يستطيع العالم العربي البقاء ببنيته الحالية في المناطق المحيطة بنا من دون تقلبات فعلية. فالعالم العربي – الاسلامي مبني مثل برج ورقي موقت، شيده اجانب (فرنسا وبريطانيا في العشرينات) من دون اعتبار لارادة السكان وتطلعاتهم. فقد قسم الى 19 دولة كلها مكونات من تجمعات من الاقليات والطوائف المختلفة التي يناصب بعضها البعض العداء، وهكذا فان كل دولة عربية – اسلامية تتعرض اليوم لخطر التفتت الاثني الاجتماعي في الداخل لدرجة ان بعضها تدور فيه الآن حروب اهلية. فمصر مفككة ومنقسمة الى عناصر سلطوية كثيرة، ولا تشكّل اي تهديد لاسرائيل وانما ضمانة للامن والسلام لوقت طويل، وهذا اليوم في متناول يدنا، ان دولا مثل ليبيا والسودان والدول الابعد منهما لن تبقى على صورتها الحالية بل ستقتفي اثر مصر في انهيارها وتفتتها، فمتى تفتتت مصر تفتت الباقون. ان رؤية دولة قبطية، مسيحية في صعيد مصر الى جانب عدد من الدول ذات سلطة اقلية – مصرية لا سلطة مركزية كما هو الوضع حتى الآن هي مفتاح هذا التطور التاريخي الذي اخرته معاهدة السلام لكنه لا يبدو مستبعداً في المدى الطويل'.
وتتابع الدراسة: 'ان تفتت لبنان بصورة مطلقة الى خمس مقاطعات اقليمية هو سابقة للعالم العربي بأسره بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية، وان تفتت سوريا والعراق لاحقاً الى مناطق ذات خصوصية اثنية ودينية واحدة على غرار لبنان هو هدف اسرائيل اذ ان تشتيت القوة العسكرية لهذه الدول هو الهدف المرسوم في المدى القصير وسوف تتفتت سوريا وفق التركيب الاثني والطائفي الى دول عدة بحيث تقوم على ساحلها دولة علوية – شيعية وفي منطقة حلب دولة سنية وفي منطقة دمشق دولة سنية اخرى معادية للدولة الشمالية والدروز يشكلون دولة ربما في الجولان وطبعا في حوران وشمال الاردن، وستكون هذه ضمانة الامن والسلام في المنطقة باسرها في المدى الطويل، وهذا الامر في متناول يدنا منذ اليوم'.
وتركز الدراسة على العراق لانه الغني بالنفط من جهة ويكثر فيه الانشقاق والاحقاد في الداخل من جهة اخرى، وترى الدراسة استناداً الى ذلك ان تفتيت العراق اكثر اهمية من تفتيت سوريا، وقوته تشكل في المدى القصير خطرا على اسرائيل اكثر من اي خطر آخر (قبل الحرب الاميركية عليه).
هذه الدراسة الاستراتيجية في رأي الباحثين ليست مجرد دراسات اكاديمية تنظيرية، انها تشكّل قاعدة للقرار السياسي وهو ما يجري في اسرائيل. فاسرائيل ساعدت حركة 'اينانا' في جنوب السودان مالياً وعسكرياً كما ساعدت مالياً وعسكرياً الحركة الانفصالية الكردية في العراق وايران ولعب 'اللوبي الصهيوني' دوراً في دفع العراق وايران نحو الحرب، ثم في استدراج العراق الى اجتياح الكويت. فالمشروع الاسرائيلي لتفتيت العالم العربي وتقسيمه هو الذي يحقق الامن الاستراتيجي لاسرائيل وليس اتفاقات او معاهدات التسوية والسلام...
وكان الوزير السابق جورج قرم قد نشر في 'لوموند ديبلوماتيك' عام 1982 دراسة تناول فيها مشاريع تفكيك المنطقة الى دويلات اثنية او دينية في اطار المخطط الصهيوني.
والسؤال المطروح: هل المنطقة ذاهبة عاجلاً ام آجلاً الى تقسيم او فيديرالية او كونفيديرالية او كومنولث مذهبي تنفيذاً لمخطط اسرائيلي وصهيوني؟ والى 'سايكس – بيكو' جديد لتقاسم النفوذ؟
ـ 'النهار'
'جنرال الحسم'... هل حانت فرصته ؟
سركيس نعوم:
أخصام العماد ميشال عون زعيم 'التيار الوطني الحر' يسمونه 'جنرال الحسم'. ففي اثناء ترؤسه حكومة العسكريين او 'نصفهم' اذا جاز التعبير على هذا النحو، التي شكلها الرئيس امين الجميل في آخر ساعة من ولايته عام 1988 ، مارس الحسم او محاولة الحسم مرتين. الاولى، كانت ضد 'القوات اللبنانية' التي كان يترأسها، ولا يزال، الدكتور سمير جعجع، وسميت في حينه 'حرب الالغاء'. والثانية، كانت ضد ما كان يسميه ولبنانيون كثيرون 'الاحتلال السوري للبنان'. وفي المرَّتين لم تكن محاولة الحسم ناجحة. ولكن ما يلفت النظر ان اي حوار جدي معه، او بالاحرى بينه وبين 'القوات' في ذلك الوقت، او مع حلفاء سوريا من اللبنانيين او حتى معها مباشرة، لم يتوصل الى نتيجة. ويعتبر اخصامه انه كان مسؤولاً عن تعثر الحوار، او عن عدم انتهائه الى تسوية لأنه لم يكن رجل تسوية ولا مهادنة ولأنه كان مع نظرية اما كل شيء او لا شيء. الا ان مؤيديه يرون في الاعتبار المذكور ظلماً لـ'الجنرال' وتجنياً عليه، لأن تصلبه او تشدده او استعصاءه على التسوية نبع من تمسك عنده بضرورة بسط سلطة الشرعية على الارض والشعب وبرفض مشاركة الميليشيات السلطة في هذه المهمة. كما ينبع من تمسكه بسيادة لبنان واستقلاله، ومن اقتناعه بعدم وجود نصف سيادة او ربع استقلال، من دون ان يعني ذلك انه لم يكن يقيم وزناً لموازين القوى. لكنه كان الى اهتمامه بها مهتماً بعدم افراغ الاستقلال والسيادة من مضمونيهما.
وعندما ذهب العماد عون الى المنفى الفرنسي، بعد اشهر من انهاء تمرده بواسطة حلفاء اليوم وفي مقدمهم الجيش السوري، استمر متمسكاً باتفاق عدم المساومة وتالياً عدم التسوية وخصوصاً في كل ما يتعلق بالمسلّمات الوطنية.
طبعاً اجرى زعيم 'التيار الوطني الحر'، ومُفجِّر ثورة الاستقلال او انتفاضته كما يعتقد ومعه انصاره، مساومة قبل عودته الى وطنه بأسابيع مع حلفاء الذين قاومهم بالنار مباشرة ثم بالشعب لازالة احتلالهم للبنان. وقد نقلته هذه المساومة بعد الانتخابات النيابية التي اجريت بعد اشهر من عودته'من معسكر 'انتفاضة الاستقلال' او اعداء سوريا (في ذلك الحين على الاقل) الى معسكر حلفاء سوريا ومُقدِّري 'التضحيات' التي قدّمها في سبيل لبنان وفي مقدمهم 'حزب الله'. طبعاً يرفض 'الجنرال' مقولة 'المساومة' هذه، ويحمّل مسؤولية انتقاله الى المعسكر الآخر لحلفاء في 'معسكر الاستقلال' الذين خافوا منه وحاولوا 'تحجيمه' شعبياً ونيابياً بالاتفاق مع قائد معسكر حلفاء سوريا. والمستقبل هو الذي سيحكم في هذا الأمر. علماً ان المحامي كريم بقرادوني 'اكد' في كتابه 'صدمة وصمود'، الذي 'أرّخ' فيه لرئاسة 'الجنرال' اميل لحود وبالتفاصيل وخبرية المساومة المذكورة اعلاه. الا ان هذه المساومة المؤدية الى تسوية، في حال صحتها، تبقى حتى الآن يتيمة في تاريخه السياسي وربما العسكري. اذ مارس 'الجنرال' عون في موقعه الجديد ليس الحسم، لأن وسائل تنفيذه لم تعد في حوزته، ولكن الدعوة الى الحسم، ومعروف ان هذه الدعوة كانت دائماً موجهة الى حليفه 'المحلي – الاقليمي' الاقوى القادر على الحسم سياسياً وعسكرياً اي 'حزب الله'. كما كانت موجهة الى 'العدو' السوري الذي صار 'حليفاً' بعدما خرج عسكرياً من لبنان. فعل ذلك يوم انسحب الوزراء الشيعة ومعهم الوزير الارثوذكسي المحسوب على الرئيس لحود من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وفعل ذلك يوم نصب 'حزب الله' والمعسكر الذي يقود مخيَّمه وسط العاصمة بيروت محاصراً بذلك قسماً مهماً من 'السرايا الحكومية' ومهدداً في الوقت نفسه السنيورة وحكومته المعتصمين فيها بالاقتحام وبما يمكن ان يليه. طبعاً لم يتجاوب 'حزب الله' مع دعوة حليفه عون الى الحسم لاعتبارات عدة.
وأظهر بذلك حكمة شديدة اذ تجنب حرباً مذهبية في حينه. علماً ان جمرها لا يزال متقداً تحت الرماد اللبناني. لكن 'جنرال الحسم' لم ييأس، وعمد اكثر من مرة وخصوصاً عندما كانت مصالح 'الحزب' او حليفه السوري او حليفه الايراني تقتضي تصعيداً او تهديداً بالحسم، الى النزول الى 'مخيم وسط العاصمة' نافخاً في قلوب المعتصمين ومنهم مؤيديه نيران الحماسة والاقدام. ولم يتورع مرة عن ارتداء 'الاورانج' اي 'البرتقالي' من رأسه الى اخمص قدميه اثناء توجهه ومن المخيم الى المحتشدين داخله والى جماهيره في مناطقها ربما اقتناعاً منه بأن من شأن ذلك زيادة الاثارة ومضاعفة الحماسة والرغبة في التضحية او ربما في الاستشهاد؟
وفعل الامر نفسه، اي الدعوة الى الحسم، يوم بدأت تنتشر اخبار انطلاق 'المحكمة الدولية' في عملها، واخبار قرب صدور القرار الاتهامي عن المدعي العام فيها دانيال بيلمار. وهي مرحلة لا تزال مستمرة الى اليوم. وفي كل مواقفه السياسية والشعبية كان الحسم ظاهراً في وضوح في كلامه سواء تلفظ بكلمة الحسم او امتنع عن ذلك.
وقبل يومين سقطت اخبار اجتماعات نيويورك السعودية – الاميركية – الفرنسية – الاممية (امم متحدة) – الحريرية على اللبنانيين العاديين الخائفين من فشل المبادرات الدولية والاقليمية واهمها 'السين – سين'، ومن انعكاس ذلك على امنهم واستقرارهم مثل الصاعقة. وهؤلاء من جمهوري 8 و14 آذار. فراحوا ينتظرون المزيد منها لمعرفة 'مستقبلهم'. لكنها سقطت على 'جنرال الحسم' اي على الجنرال عون مثل البلسم على الجروح ومثل الندى على الورود والرياحين ومثل المطر على الاراضي العطشى. فتولى عملية نعي المبادرة المذكورة بطريقة مهيبة وجليلة طبعاً بعد شكر العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز على جهوده الفاشلة.
لماذا هذا الكلام الآن؟
ليس الهدف منه 'التريَقة' على العماد عون الذي نجِّلّ ونحترم، رغم الاختلاف معه في كثير من الممارسات والتفاصيل، والاتفاق معه على كثير من العناوين والمبادئ. بل هو لفت اللبنانيين اولا الى ان الحسم وخصوصاً الذي منه يرافقه القهر في شكل او في آخر لا ينجح دائماً. واذا نجح فلوقت قد يطول او قد يقصر. لكنه لا يكون ابدياً وسرمدياً. وهو ايضاً لفتهم الى ان القادرين على الحسم والذين قد يقومون به، والجنرال عون ليس منهم، ترددوا مرات ومرات قبل الاقدام عليه. اولاً خوفاً من التورط في حرب داخلية او فتنة تقضي عليهم في المحصلة. وثانياً، حرصاً منهم على التوصل الى تسوية ترضي الجميع رغم اصرارهم على ان تكون لهم الكلمة الاولى فيها وبعدها. وهو ثالثاً، لفتهم الى ان الحسم لم يقع في لبنان رغم ان فرصاً كثيرة مرت و'ضاعت' في رأي انصاره لأن الحلفاء الاقليميين لمعسكر حلفاء عون بل للقادر الاوحد على الحسم اي 'حزب الله' لم يكونوا معه على 'العمياني'. بل كانوا يستعملون التهويل به للحصول على المطلوب. علماً انهم كانوا دائماً جاهزين للدفع في اتجاه تنفيذه عند تأكدهم من استحالة التسوية التي تدعمهم. وقد يكون هؤلاء اليوم اقرب من اي يوم مضى لاعطاء الضوء الاخضر للحسم الذي يرجح، ما لم تفلت الامور من الايدي، ان يكون سياسياً - حكومياً ومطابقاً لاحكام الدستور. والهدف منه رابعاً واخيراً لفت اللبنانيين على تنوع انتماءاتهم وتناقضها الى ان وطنهم يمر في مرحلة مرعبة بل ومخيفة. فالاطراف المتناقضون والمختلفون على سلاحهم. ولا احد يحكي مع احد والمقصود هنا الحوار وليس تبادل المجاملات في الافراح او في الاتراح او في المناسبات السياسية. وهذه حال لم يعشها لبنان حتى في عز الحروب التي عاناها على مدى نيف و15 سنة. اذ ورغم كل مآسي الحروب المذكورة وعداواتها، وضغوط 'الحلفاء الكبار' فيها، ومنعهم تلاقي القيادات اللبنانية كانت أقنية الحوار او الحكي 'ممدودة' بينهم. وعطل ذلك الغاماً كثيرة، والغى مآسي وارجأ اخرى. وقد مارست الزعامات في لبنان بذلك نوعاً من 'التواطؤ' ليس ضد حلفائها الكبار في الداخل او في الخارج، ولكن لمصلحة اللبنانيين والوطن، لأنهم كانوا واثقين ان القطيعة والاستمرار في الحروب البلاأفق ستنحر لبنان. وليسأل من يعارض ذلك او يشك في جدواه قادة 'الحركة الوطنية' مثل محسن ابرهيم ووليد جنبلاط والشهيد جورج حاوي و'قادة' 14 آذار ومنهم سمير فرنجية وجوني عبده وغيرهما الذين كانوا حلقة الوصل وجسور الحوار. فهل وصل لبنان اليوم الى مرحلة النحر او الانتحار؟
ـ 'المستقبل'
العملية الميدانية' تسرّع الخطى إلى لاهاي
وسام سعادة:
الثرثرة لا حدّ لها في أوساط 8 آذار، وأكثرها مرئيّ ومسموع ومقروء. لكن من بين العناوين التي يمكن أخذها على محمل الجدّ في معمعان هذه الثرثرة، هو أنّه بدأت العدّة لتنفيذ عملية ميدانية تستمرّ بضعة أيّام، تحت ستار 'الأهالي' أو فرقة 'الإنشاد' أو فرقة 'الكشافة'، لا همّ، وتكون خاتمتها فرض اتفاقية دوحة ثانية، تنطلق من البنود الوهمية التي حاولت 8 آذار الترويج لها كبنود للتسوية الحتمية السابقة لصدور القرار الاتهاميّ.
بمعنى آخر، يبدو أنّ قوى 8 آذار، أخذت تقتنع بأنّه لا تسوية قبل صدور القرار الاتهاميّ، إنما هناك قابلية لتسوية مفروضة بقوة السلاح، وبشروط العملية الميدانية على الأرض.
وهذا من حيث الشكل يأتي حلقة تُتمّم سلسلة من الاقتناعات الحاصلة في كل مرة، بعد طول مكابرة: فقد اقتنعت قوى 8 آذار أولاً بأنه لا يمكنها إلغاء المحكمة، بعد أن كانت تقول بذلك، ثم اقتنعت بانه لا يمكنها الغاء القرار الاتهامي، بعد ان كانت تؤكد إمكان ذلك، ثم اقتنعت بأنه لا يمكنها حمل الرئيس سعد الحريري و'تيار المستقبل' والطائفة السنّية على القبول بالتضحية بالعدالة في مقابل إستقرار مفروض تحت سلطة الأمر الواقع، ثم اقتنعت بأن لا يمكن تحويل المسيحيين الاستقلاليين إلى منبوذين داخلياً وعربياً وإقليمياً.
أمّا عملياً، فيعني أن القناعة الاخيرة بأن التسوية 'تلي' القرار الاتهاميّ ولا تستبقه، صارت مرهونة بخيار أمنيّ، أو انقلابيّ، أي خيار أقلّ ما يقال بشأنه إنه سيكون خياراً دموياً، وخيار فتنة.
وبهذا الخصوص يبرز اتجاهان بالتحديد في غرفة صناعة القرار الميدانيّ الأمنيّ:
الاتجاه الأوّل يأخذ على محمل الجدّ خطورة مشهد الفتنة المذهبية وأثره السلبيّ على 'صورة المقاومة' في العالمين العربيّ والإسلاميّ. وليس معنى ذلك أنّ هذا الاتجاه يمانع أمام حصول مغامرة انقلابية، ولا امام سعة هذه المغامرة، وإن كان يأمل أن تكون هذه المغامرة خاطفة، بالشكل الذي لا يترك المجال كثيراً لعامل الوقت كي يفعل فعله في هذا الإطار على طريق تبديد 'صورة المقاومة'.
والاتجاه الثاني يقلّل داخل 'المعارضة' من هذه الطريقة في وزن الأشياء ويقول ما معناه إن 'صورة المقاومة' لم تتأثر بمشاهد الفتنة المذهبية الواردة من لبنان والعراق الى عموم العالمين العربيّ والإسلاميّ في السنوات الأخيرة، وهي لن تتأثّر بإستخدام السلاح مجدّداً في بيروت، إنّما ستتأثر بشكل أساسي إذا لم يستخدم السلاح بشكل استباقيّ، ضدّ القرار الاتهاميّ.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أنّ من يمثّل الاتجاه الثاني هو أكثر ميلاً لإبراز نزوع مذهبيّ صداميّ لديه من الاتجاه الأوّل، الذي هو أكثر ميلاً لإبراز نزوع شعبويّ متجاوز للحيّز المذهبيّ. لكن في النهاية فإنّ هذين الاتجاهين يطبخان الآن معاً بنك أهداف العملية الميدانية. والمشكلة تكمن إلى حد كبير هنا: بخلاف ظروف 7 ايار فان بنك الاهداف حالياً غير واضح بالنسبة الى العملية الميدانية.
طبعاً، يبقى القياس على 7 أيّار هو سيّد جميع المراهنات والمغامرات داخل قوى 8 آذار، وفي 'جهاز حزب الله' بالدرجة الأولى. وهذا القياس يمنع هذه القوى وهذا الجهاز من مجرّد التفكير بانّ مستوى المواجهة التي سيضطلع بها المجتمع الأهلي والمدنيّ اللبنانيّ، ومستوى التحدي الذي سترتفع اليه مؤسسات الدولة اللبنانية وأجهزتها، وكبرى عواصم القرار والمجتمع الدوليّ، والدول العربية المعنية بالشأن اللبناني والجامعة العربية، سوف يكون أكثر فعالية بشكل كبير عمّا كان عليه الحال في 7 أيّار.
وهذا هو بيت القصيد اليوم: إنّ أيّ عملية ميدانية تواجه بمستوى شعبيّ ورسميّ وعربيّ ودوليّ أعلى بشكل نوعيّ من المنسوب الذي جرى تأمينه يوم 7 أيّار، سوف لن تكون إلا عملية ميدانية تنتهي الى النتيجة التي تتمناها العدالة الدولية: تسليم المتهمين بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى المحكمة الدولية وافتراشهم السجون التي تنتظرهم في لاهاي.
ـ 'المستقبل'
الإعدام خياراً
فيصل سلمان:
لا يتذكر اللبنانيون دستور بلادهم إلا حين يريدون إبطال مفاعيل بنوده.
ولا يستحضر اللبنانيون اتفاقاتهم التي غالباً ما تأتي بعد تحاربهم إلا وهم يتحضرون لحروب جديدة تستلزم اتفاقات جديدة.
هكذا اختار وزراء فريق الثامن من آذار بنداً فرعياً من احد بنود الدستور الأساسية ليطيحوا بالحكومة وهم لا يخشون ملامة لائم.
سيقولون إن تحركهم سلمي وديموقراطي وينص عليه الدستور، وفي هذا هم على حق بخلاف ما كانوا عليه سابقاً حين افترشوا الطرقات حصاراً على السراي الحكومي وأقفلوا مجلس النواب.
لكنهم في هذا يريدون من الغير أن يتناسوا ما نص عليه 'اتفاق الدوحة' وخصوصاً لجهة الالتزام بعدم تعطيل المؤسسات أو الانسحاب من الحكومة.
لا بأس في أي موقف إذا كان سلمياً ولكننا في ما نحن ذاهبون إليه كمن يخيّرنا بين إعدامنا بالرصاص (كما سبق) وبين إعدامنا بحقنة سامة توازيها في حالتنا 'الفتنة'.
لا نأتي على ذكر الإعدام بالكرسي الكهربائي لأن مؤسسة كهرباء لبنان (ووزراء الطاقة) لا قدرة لها على تأمين التيار.
حسناً، لنفترض ان الحكومة سقطت، فهل ستسقط المحكمة الدولية؟ نحن طبعاً ذاهبون الى الفوضى، فمن سيستفيد منها؟ وهل سيسارع المجتمع الدولي الى إنقاذنا؟.
أغرب ما سمعته قبل فترة أن جمهور فريق الرابع عشر من آذار ينال من أذى تدمير مؤسسات الدولة أكثر مما يناله جمهور الثامن من آثار.
رداً على كل ما سبق نقول: إذا كان هذا طحينكم.. كعك سنأكل!!.