قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 19/1/2011

- 'النهار'
'السيد' أرسله إلى الأسد والأسد أعاده إلى اللبنانيين !
سركيس نعوم:

لم يكن زعيم 'التيار الوطني الحر' ميشال عون عدائياً حيال الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط، رغم انه وجّه اليه، في مؤتمره الصحافي بعد انتهاء اجتماع كتلته النيابية، دعوة الى البقاء في 'الموقع الصح' بعد تخليه عن 'الموقع الخطأ'، أي الى تبني موقف المعارضة بكليتها في الاستشارات وإن كان رفض إعادة زعيم 'تيار المستقبل' سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. علماً انه ارفق دعوته بنصيحة اعتبرها البعض تحذيراً تفيد ان تجنب 'الاصطدام' الذي نجح فيه بانقلابه على ذاته بعد 7 أيار 2008 لا يستمر الا في حال استمر الانقلاب.
هل كان يعكس 'الجنرال' ميشال عون، وقبل اقل من 24 ساعة من الاستشارات النيابية (قبل ارجائها)، قلقه وحده من أن يقدم جنبلاط على 'قسمة' نوابه الحزبيين وغير الحزبيين على 8 و14 آذار فيتسبب بتساوي الرئيس الحريري ومرشح المعارضة في عدد الاصوات المسمَّية كلاً منها لتأليف الحكومة الجديدة؟ ام كان يعكس قلق اطراف المعارضة كلهم وفي مقدمهم قائدها 'حزب الله'؟ طبعاً لا جواب جازماً عن هذين السؤالين، لكن الحركة الجنبلاطية، حتى قبل اندلاع الازمة الحكومية الراهنة، لم تكن توحي الثقة التامة للمعارضين. وللإنصاف لا بد من القول ان الحركة الجنبلاطية لم توح سواء قبل اسقاط الحكومة او بعده الثقة أيضاً لفريق الموالاة الذي يتزعمه الرئيس سعد الحريري، رغم انها كانت توحي على ما تناهى الى الاخير معلومات تؤكد ان جنبلاط يسعى بكل قوة لإحياء 'السين – سين'، ولاعادة الحريري على رأس الحكومة الجديدة، ولإرضاء المعارضة بل قائدها 'حزب الله' بالمواقف من المحكمة الدولية وكل تفرعاتها. ولعل السبب الأبرز لعدم ايحاء الحركة الجنبلاطية بالثقة لحلفاء الامس معرفة هؤلاء بأنه يتصرّف وفي اوقات الشدة والحشرة انطلاقاً من 'غريزة البقاء'. وهذه الغريزة تفرض عليه تحالفاً نهائياً مع الحزب وحلفائه ومع ايران ومع سوريا رغم ان مكنونات قلبه والسرائر قد تكون من طبيعة مختلفة. إلا ان حلفاء الأمس هؤلاء كانوا يمنّون النفس باستمرار الزعيم الدرزي الابرز في صفوفهم، او على الاقل بعدم التسبب بهزيمة زعيمهم سعد الحريري. اولاً، احتراماً منه لذكرى والده الشهيد رفيق الحريري ولذكرى الشهداء الآخرين. وثانياً، احتراماً منه لعلاقته الجيدة وربما المميزة مع المملكة العربية السعودية. وهي علاقة 'مُجزية' على كل الصعد. علماً ان اخفاقها (أي المملكة) في مسعاها مع سوريا 'لفرض' تسوية اعتبرت أنها 'لا تميت الذئب ولا تفني الغنم'، في حين اعتبرها آخرون استسلاماً لسوريا وحليفها 'حزب الله' ومؤسسته ايران الاسلامية، علماً ان هذا الاخفاق ربما يدفعها الى نفض يدها من لبنان كما فعلت اكثر من مرة في السابق. ومن شأن هذا الامر دفع وليد بك الى احضان دمشق وطهران نهائياً.
في اي حال واياً تكن التعليقات على حركة الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط فان الإنصاف يقتضي الاشارة الى انه يحاول، ومن موقع وسطي مائل الى 8 آذار، المساعدة في حل ازمة يمكن ان يولع استمرارُها حرباً اهلية. ويقتضي الاشارة ايضاً الى انه يحاول المحافظة على صديقه او ابن صديقه الشهيد. علماً انه يحاول ايضاً، وهذا امر يجب ان لا ينكره احد عليه، حقن الدماء. فهذا الرجل الدموي والصلب الذي لا يتورع عن شيء بغية الفوز او البقاء لا تزال شجاعته فيه. لكنه ادرك وبعد تقلّباته وانقلاباته الكثيرة، كما تقلبات من سبقوه داخل طائفته او خارجها، ان الدم كان دائماً لبنانياً، وان ثمنه كان يقبضه دائماً الخارج عدواً كان او صديقاً او شقيقاً او حليفاً. اذ بدلاً من ان يُرسِّخ هذا الدم لبنان المستقل والسيد والديموقراطي والعيش المشترك والمساواة كان يُقوِّض كل المسلمات الوطنية. كما كان يُعبِّد الطريق امام كل انواع الاحتلالات والوصايات والارتهانات والارتكابات.
تكلمنا عن 'الحركة الجنبلاطية' الاخيرة كثيراً. لكن ما هي هذه الحركة تفصيلاً؟
المعلومات المتوافرة عند عدد من متابعي وليد بك بل من متابعي لبنان بأجنحته وانقساماته وتبعياته ومداخلات الخارج فيه، تشير الى انه عندما التقى السيد حسن نصر الله اخيراً تخوّف امامه صراحة من احتمالات الفتنة المذهبية، ودعاه الى مساعدته في وأدها في مهدها. واقترح عليه امرين. الاول، قبول المعارضة اعادة تكليف الحريري تأليف الحكومة الجديدة. والثاني، الحصول من الحريري واثناء التأليف الذي قد يستغرق اشهراً مواقف ثابتة، ومع ضمانات متنوعة اكيدة، من المحكمة الدولية والقرار الاتهامي وشهود الزور وكل ما يتعلق بها. والحصول منه ايضاً ومن خلال حكومة تصريف الاعمال على ضمانات ثابتة مثل وجود حلفاء له او افراد من حزبه على رأس عدد من المواقع المهمة الاساسية بل والاستراتيجية. طبعاً طالت المناقشة حول هذا الموضوع. وبدا لوليد بك ان ازمة الثقة بالحريري عند 'السيد' عميقة. لكنه في النهاية لم يقل نعم لاقتراحه ولا كلا، بل دعاه الى التشاور مع 'الاخوة السوريين' في هذا الموضوع. وفي ضوء النتائج يمكن اتخاذ المواقف النهائية.
طبعاً زار جنبلاط، كما هو معروف، العاصمة السورية وتحدث في الموضوع طويلاً مع مساعد نائب رئيس الجمهورية محمد ناصيف، وبعمق مع الرئيس بشار الاسد. استمع اليه الاخير بعناية وانتباه، علماً انه كان اطلع من ناصيف على جوهر حديثه. لكنه لم يقطع بأي موقف. وعلّق في النهاية بالقول ان الازمة الحكومية شأن لبناني، ودعا جنبلاط واللبنانيين الى العمل لحلها وسوريا على استعداد للمساعدة. اي لم 'يتورط' 'الثعلب' السوري الشاب مع زعيم لبناني كبير. مثلما لم يتورط في الأشهر السابقة مع الفصيل اللبناني الاكبر والاقوى عندما كان يبحث قياديوه معه في 'الحسم' الذي تأخر كثيراً في رأيه. ويعرف عارفوه انه لن يتورط مع اي لبناني في موقف مباشر. لكن ذلك لا يعني انه لن يعمل. وعمله كان اللقاء في قمة ثلاثية مع رئيس وزراء تركيا وامير قطر الاثنين. فلننتظر لنرى ماذا ستكون حصيلتها، وماذا ستكون حصيلة مجموعة الاتصال الاقليمية التي اقترحها رئيس وزراء تركيا او بالأحرى مصيرها باعتبار ان موافقة سوريا عليها تسمح بولادتها، وعدمها ينهيها قبل ان تولد. ولننتظر ماذا يحصل ايضاً لاقتراح ساركوزي رئيس فرنسا تشكيل مجموعة اتصال دولية سباعية لمساعدة لبنان.


ـ 'النهار'
المسعى السعودي خُذِل فكيف يستعاد ؟
عبد الوهاب بدر خان:

في الوقت الضائع، قبيل تسليم القرار الاتهامي وتسلمه بين المدعي العام دانيال بيلمار وقاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، خرجت القمة الثلاثية في دمشق لتعلن حرص قادتها على ايجادحل للازمة اللبنانية على اساس المساعي السعودية – السورية. كان الامير حمد بن خليفة آل ثاني والسيد رجب طيب اردوغان كثفا الاتصالات لاقناع الرئيس بشار الاسد بحكمة انعاش المساعي بين الاصدقاء الاقليميين، قبل اتخاذ موقف نهائي من فكرة 'مجموعة الاتصال' الدولية التي اقترحها الرئيس الفرنسي. كان الوجود في هذه 'المجموعة'، ولا يزال، مغريا لسوريا، لكنه يرتب عليها التزامات وقيودا قد تمنعها من تحريك حلفائها في لبنان، بل يحتم عليها الا تكون طرفاً في التصعيد والتأزيم بل  دولة مساهمة في معالجة ايجابية للازمة.
اهون الشرين، اذا، العودة الى العمل مع السعودية. لم تكن دمشق بحاجة الى قمة ثلاثية لتدرك جدوى متابعة السعي مع السعودية. ولعل فضيلة هذه القمة انها افهمتها انها قرأت خطأ الابلاغ السعودي عن تعذر الاستمرار في المسعى وفقاً للسيناريو الذي وضع منذ آب الماضي. وبالتالي تصرفت دمشق خطأ عندما اعطت حلفاءها الضوء الاخضر لتنفيذ الخطة المرسومة بدءا باستدراج استقالة 'قيصرية' للحكومة وتعمد احراج رئيس الحكومة قبيل لقائه الرئيس الاميركي. لم يعترض احد على استخدام الحق الدستوري، لكن هذه ليست المرة الاولى التي تعمد فيها 'المعارضة' الى لعبة سياسية بتكتيكات عسكرية متهورة.
كانت المساعي تهدف الى ثني 'حزب الله' عن تهديد الاستقرار الداخلي لمجرد الرد على قرار اتهامي لا يعرف مضمونه. فجأة، اصبح على الاطراف الاقليمية (تركيا وقطر) ان تسارع الى لجم سوريا عن انفاذ ذلك التهديد. وفي اي حال، فان المسعى السعودي خذل اكثر من مرة سوريا. اذ بات اكثر وضوحاً الآن ما عناه رئيس الحكومة بقوله ان الطرف الآخر لم يف بالتزاماته. خذلت الرياض اولا برد الفعل السوري الفاتر على المواقف التي ابداها سعد الحريري في حديثه الى 'الشرق الاوسط'، وخذلت ثانيا بالطريقة التي فجرت بها قضية 'شهود الزور'، وخذلت ثالثا بتضخيم هذه القضية واعتبارها ذات اولوية على معرفة حقيقة الاغتيالات، وخذلت رابعا بصدور مذكرات التوقيف عن القضاء السوري، وخذلت خامسا باعطاء الامر الى الطرف السياسي الذي طرح قضية 'شهود الزور' في مجلس الوزراء ثم بتعطيل عمل الحكومة بسبب هذا الملف،وخذلت طوال الوقت بالحملة الشخصية على رئيس الحكومة وبعضها يستند الى 'مصادر سورية' ولا يصار الى نفيها او النأي عنها، وخذلت اخيرا بسرعة الانتقال الى التصعيد السياسي رداً على الاخفاق في تأمين تفويض دولي لسوريا كي تضمن الاستقرار في لبنان، والا فهي لن تضمنه بل ستكون عاملا مساهما في زعزعته. ومنذ البداية، لم يكن مضمونا ان السعودية ستتمكن من الحصول على هذا التفويض.
من هنا ان العودة الى المساعي السعودية – السورية تقتضي مراجعة كل ما حصل في الشهور الستة الاخيرة. وطالما ان القرار الاتهامي انجز فلا بد من اعادة النظر في بعض بنود التسوية. فالقول ان هذا القرار كان يستحسن تأجيله، او الغاءه، لانه خلاصة تسييس اميركي – اسرائيلي لعمل المحكمة وللتحقيق، كان ليكون مقنعا لو ان مناوئيه استخدموا اسلوبا مختلفاً لاستمالة الطرف الآخر الى وجهة نظرهم. اما التهديد والوعيد والتخويف والترهيب فجاءت برد فعل عكسي، وفي الاساس لم يكن هناك اقتناع عام بأن تحقيق بيلمار موجه ومنحاز مثل تحقيق ديتليف ميليس. وكل الاوراق والاشرطة والمعلومات التي استخرجت لضرب التحقيق والتشنيع عليه، جاءت من فترة ميليس التي جهد المحققان التاليان لتنظيف آثارها، بما فيها تضليلات 'شهود الزور'.
بعد كل ما شهد اللبنانيون خلال الفترة الاخيرة، يأتي الامين العام لـ'حزب الله' ليكيل المديح للسعودية ومليكها، مستخلصا ان الفشل او الافشال جاء من الجانب الاميركي ومن الفريق اللبناني المتآمر معه ضد 'الحل السعودي – السوري'. عدا ان في ذلك استغباء للبنانيين، فانه ينطوي على تناقض في حجج السيد حسن نصرالله، اذ اراد اقناع سامعيه ببساطة بأن المطالبة بالغاء المحكمة الدولية شيء وان فك الارتباط اللبناني بها شيء آخر. وعليه، فهو عرض روايته لاسباب الفشل معتبراً ان الفريق الآخر المتمسك بالمحكمة رفض 'تحييد لبنان' عنها عبر ثلاثة اجراءات حددتها الورقة السعودية السورية: 'سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة، وقف اي تمويل لبناني للمحكمة، والغاء مذكرة التفاهم بين الحكومة اللبنانية والمحكمة الدولية'.
مع افتراض ان التسوية كانت تتطلب هذه التنازلات من فريق رئيس الحكومة، الا ان اي عاقل لا يمكن ان يعتقد ان اي تسوية يمكن ان تنجح بتنازل فريق واحد. ومع افتراض ان هذا الفريق ساذج ومضغوط عليه الا ان الهجوم الكاسح الذي تعرض له تحت راية 'شهود الزور' ايقظه الى ما ينتظره في حال اقدم على التنازل من دون أي مقابل، بل من دون اي ضمان للاستقرار في الحكومة وفي الشارع. ومن شأن الرأي العام المؤيد للتحقيق الدولي ولعمل المحكمة ان يشكر السيد نصرالله لانه ساهم، من دون ان يقصد، في توعيته بل تحريضه ضد هذه التنازلات التي كاد قادته ان يرتكبوها. لكن، في المقابل، من شأن الرأي العام الآخر الرافض للمحكمة ان يسأل السيد نصرالله لماذا لم يكشف البنود والتنازلات المطلوبة من فريقه ليكون هناك توازن وليكون حل.
يبقى انه، بمعزل عن السعودية وسوريا وايران، عن اميركا واسرائيل، مع الادراك العميق لدور كل منها، كان ولا يزال متوقعاً ومطلوباً من 'حزب الله' ان يفصل بين المسارات المختلفة ليقدم للبنانيين اولا تحديداً واضحاً لما هي المصلحة الوطنية في هذه الحقبة الصعبة. فليس هناك لبناني عنده ضمير  وحد ادنى من الوطنية يريد استهداف المقاومة وتعريضها للمؤامرات الاميركية والاسرائيلية، ولا هو يريد طمس الحقيقة والعدالة في قضية الاغتيالات. هذا هو واقع اللبناني اليوم، انه يريد حماية المقاومة وتحقيق العدالة، وهذا هو جوهر الانقسام حتى لو اراد البعض تطييفه او مذهبته. الاكيد ان 'حزب الله' يدرك هذا الواقع، اما كيف يتصرف وماذا يقول فتلك مسألة اخرى.


ـ 'السفير'

&laqascii117o;المحكمة" بديل من الدولة وأمن إسرائيل هو &laqascii117o;العدالة"!
طلال سلمان:

قُضي الأمر، وأصدر الرئيس الأميركي الأسمر قراره بإعلان الحرب على الوطن الصغير والجميل لبنان!
فما إن فرغ المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال بلمار من تلاوة بيانه الإعلامي معلناً أنه وقّع القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى كان الرئيس الأميركي يصدر أوامره للشعب اللبناني &laqascii117o;بالحفاظ على الهدوء وممارسة ضبط النفس"!
هو يعرف، إذاً، أن هذا القرار الاتهامي الذي يصدر من فوق رأس لبنان لن يُستقبل بتظاهرات التأييد والهتاف: يحيا العدل!
.. وهو يعرف، قبل ذلك، أن هذه المحكمة الدولية التي أُنشئت بقرار أميركي، ووضعها مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع، بقرار أميركي أيضاً، لم تكن موضع إجماع في لبنان الذي رأى شعبه فيها إهانة لكرامته وسعياً مكشوفاً لتحريض بعضه ضد البعض الآخر، واستهدافاً بالتشويه لأنبل ظاهرة استولدتها دماء الشهداء أبطال التحرير من مجاهدي المقاومة لتحرير الأرض وطرد الاحتلال الإسرائيلي.
تصرّف الرئيس الأميركي كمن يعرف مضمون القرار الاتهامي، وربما نصه الحرفي، وأن السيد بلمار قد أدى مهمته بكفاءة بشهادة تقارير السفارة الأميركية في بيروت، ووزارة الخارجية ومعهما وكالة الأمن القومي في واشنطن، فاستثنى إسرائيل من تحقيقاته، ورفض اعتماد القرائن التي قدمها &laqascii117o;حزب الله"، كما رفض مطالب ضحايا شهود الزور بضرورة كشف هؤلاء الذين قتلوا الحقيقة ليبرّروا السياق المغرض للتحقيق بأهدافه السياسية التي تتناقض قطعاً مع العدالة، بل هي تلغيها.
بل ان الرئيس الأميركي استبق التداعيات المحتملة لإعلان هذا القرار الذي يُسقط على اللبنانيين من علٍ، ويستهين بعقولهم فضلاً عن مشاعرهم الوطنية، والذي سيفجّر سلسلة من الأزمات في الوطن الصغير الذي حوّله استغلال الجريمة بالشحن الطائفي إلى برميل بارود، بأن هدّد بأن الاعتراض سيؤدي إلى &laqascii117o;تقويض صميم الحرية والتطلعات التي يسعى إليها الشعب اللبناني والتي تدعمها دول كثيرة جداً".
ولقد أنعم الرئيس الأميركي على لبنان، في بيان نعي الاستقرار، بأن أشار إلى أن الولايات المتحدة تنظر إليه &laqascii117o;كصديق كبير"!
ما أبشع النفاق حين يتصل الأمر بالتحريض على الفتنة، في وطن صغير جعلته &laqascii117o;الدول" حقل تجارب وميدان صراع، باستغلال نعمة التعدد، والتراث الاستعماري، والسيف الإسرائيلي الطويل، والتبعثر العربي الذي أفقد لبنان ضمانات أهله لوجوده كما لاستقراره عبر تعزيزهم وحدته الوطنية.
ليس من حقنا طبعاً أن نعترض على السيد بلمار، الذي عيّنه المجتمع الدولي حارساً قضائياً على لبنان، ومكّنه من أن يفترض أن المحكمة التي يشغل منصب المدعي العام فيها قد تمت &laqascii117o;بناء لطلب الشعب اللبناني ونيابة عنه وتنفيذاً لتفويض من قبل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة".
كما ليس من حقنا أن نعترض على البطء في الإجراءات، إذ &laqascii117o;لا يمكن تسريع العدالة" إلا بالأمر الأميركي الذي ساهم في تبديل مركز الاتهام من دمشق إلى المقاومة في لبنان، لأنه عبر هذا التركيز يصيب جميع معارضيه ومقاومي تمدد اجتياحه ومعه تمدد الهيمنة الإسرائيلية إلى جوار فلسطين القريب فالبعيد والأبعد، تحت العباءة الأميركية.
تُرسم للمقاومة إذاً، صورة القاتل بينما تُبرأ إسرائيل من جرائمها ليس ضد شعب لبنان، عبر اجتياحها أرضه غير مرة، وعبر احتلالها بعضه لمدة 22 سنة، وعبر تدمير بعض عاصمته ومئات البلدات والقرى في جنوبه وبقاعه وشماله وجبله ومن حول عاصمته، بل أساساً من جريمة احتلال فلسطين وطرد شعبها منها واجتياح أرضها بمستوطناتها التي تجيء بمن سينتزعها من أهلها الذين كانوا أهلها دائماً ليكونوا بعد ذلك بعض شعب &laqascii117o;دولة اليهود الديموقراطية".
لقد نصّب الرئيس الأميركي نفسه قاضياً ومصدراً لشهادة حسن السلوك للشعب اللبناني جميعاً، فمن اعترض على المحكمة الدولية وكل ما اتصل بها، فهو بين القتلة أو المشاركين أو المتواطئين لتنفيذ الجريمة، &laqascii117o;ولديهم شيء يريدون إخفاءه"..
الرئيس الأميركي هو مجلس الأمن. هو من قرّر إنشاء المحكمة الدولية. هو مَن وضع المحاكمة تحت البند السابع. هو مَن حرّض بعض الطارئين على السلطة، الذين يدينون بمواقعهم لغياب رفيق الحريري، كي يقبلوا بتقديم وطنهم جميعاً إلى محاكمة سياقها إسرائيلي و&laqascii117o;عدالتها" تقوم على الحرب الأهلية، وشهودها من العاملين لإذكاء الفتنة كاستثمار مجز، سياسياً ومالياً.
وواشنطن هي هي من نسفت مشروع التسوية الذي كانت صاغته دمشق والرياض، بموافقة الأطراف المعنيين جميعاً.. وقد نسفته في وجه أحد رعاته الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو يستشفى في بعض مصحاتها.
وها هو الاستثمار السياسي للمحكمة الدولية يذهب بوحدة اللبنانيين، ويُسقط الحكومة التي وُلدت قيصرياً وبوساطات شتى، ويعيد تقسيمهم جلادين وضحايا، وهم إخوة وأنسباء وأبناء أرض واحدة يكون لهم مستقبلهم الواحد كمواطنين في &laqascii117o;دولتها" التي تقوم على توافقهم أو تذهب عند افتقاده أو اختلاله..
لقد افتتحت المحاكمة الدولية لهذا الشعب العنيد قبل خمس سنوات أو يزيد، ولسوف تستمر سنوات أخرى بعد، بما يهدد بألا يبقى حجر فوق حجر في لبنان، الذي حظي بشرف أنه &laqascii117o;الوطن المقاوم".
إن المحكمة تأديب للبنان المقاوم باستغلال جريمة نكراء لا يمكن الفصل بين مرتكبها والمستفيد منها.. ومن أجل أن تستكمل مهمتها، بعد توسيع نطاقها لتصبح مصدراً إضافياً للحرب الأهلية العربية ذات الأبعاد الطائفية والمذهبية، عزز الرئيس الأميركي حمايتها.
ولقد أعلنها الرئيس الأميركي صريحة أمس: مَن عارض أو اعترض أو ناقش في أمر المحكمة الدولية، يقوّض صميم الحرية والتطلعات في الوطن الصغير الذي تنظر إليه الإدارة الأميركية كصديق كبير.
وللشعب في لبنان تجارب كثيرة ومريرة أكدت له أن ضمانات وجوده تنبع من وحدته الوطنية أولاً، ومن أهله العرب ثانياً، ومن وعيه بخطورة &laqascii117o;التدويل" على وجوده، ثالثاً وأخيراً.
ربما لهذا يمكن القول إن مَن يريد المحكمة (على صورتها الراهنة) إنما يعلن رفضه لـ&laqascii117o;الدولة" عبر نسفه للتوافق الوطني الذي هو شرط وجودها

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد