- 'السفير'
العدالة الجنائية الدولية والمصالح السياسية عبر التاريخ (3)
-III مرحلة المحاكم الجنائية الدولية المختلطة Mixtes
عدنان عضوم:
نتيجةً للدروس التي تم استخلاصها من تجربة المحكمة الجنائية الدولية المحضة الإيجابية والسلبية، برز إلى الوجود نموذج جديد للعدالة الدولية: المحاكم المختلطة التي أُنشئت بناءً لطلب حكومات الدول المعنية وبموجب اتفاق ثنائي بين هذه الأخيرة والأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام. إن مجلس الأمن لم يتدخل في هذه الحالات، ولم يتخذ قراراً بإنشاء هذه المحاكم متصرِّفاً بموجب الفصل السابع لأن الوضع السياسي والأمني في البلد المعني (كمبوديا، سيراليون وتيمور الشرقية) لم يكن يشكل عند إنشاء هذه المحاكم تهديداً للأمن والسلم الدوليين، إذ أن سير المؤسسات السياسية الدستورية كان طبيعياً، كما أنه لم يتزامن هذا الأمر مع اضطرابات أمنية أو حروب داخلية في هذه الدول شكلت مساساً بالأمن والسلم الدوليين. يشكل هذا النوع من المحاكم طريقة لمزج فوائد متابعة المحاكمات من السلطات القضائية الوطنية والقرب النفسي والجغرافي إلى الضحايا، والأثر الإيجابي هو فوائد المشاركة الدولية في تعيين القضاة الدوليين والموظفين وضمان الحصانات. فالسابقة الأولى للمحاكم الدولية المختلطة هي المحكمة المختلطة في سيراليون التي أقرَّت بموجب قرار مجلس الأمن 1315 تاريخ 14/7/2000 وأُنشئت عام 2002 لمحاكمة مجموعة عسكرية قامت بانقلاب عسكري وارتكبت جرائم خطيرة تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وللقانون السيراليوني على أرض سيراليون منذ تشرين الثاني 1996. وقد شارك في هذه الانتهاكات قادة السلطات المختلفة المنبثقة من الانقلاب العسكري المذكور وهددوا إقامة السلام في ذلك البلد. أما القانون المطبق فهو القانون الدولي الإنساني وقانون العقوبات السيراليوني في الحالات التي تطبق عليها أحكام هذا القانون. تتألف غرفة المحكمة الابتدائية من ثلاث قضاة: قاضيين دوليين وقاضياً وطنياً، أما غرفة الاستئناف فتتكون من خمسة قضاة: ثلاثة دوليين وقاضيين وطنيين، وإن حكومة سيراليون هي التي تعين القضاة الوطنيين. وتقتضي الملاحظة أنه أُجريت بعض التعديلات على القوانين الوطنية بما يتوافق مع المعايير الدولية للعدالة الجنائية لإجراءات المحاكمات. أما السابقة الثانية فهي المحكمة المختلطة في كمبوديا الخاصة بمحاكمة الخمير الحمر وقادتهم الذين ارتكبوا الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة والانتهاكات الخطيرة للقانون الجنائي الكمبودي والقانون والأعراف الإنسانية الدولية والاتفاقات الدولية التي تعترف بها كمبوديا وذلك أثناء الحرب الأهلية الكمبودية بين الأعوام 1975 و1979، وقد تم إنشاؤها بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن بتاريخ 13/5/2003 يتضمن الموافقة على الاتفاق بين الأمم المتحدة والحكومة الكمبودية بإصدار قانون وطني ينشئ غرفاً اسثنائية في المحاكم الوطنية بمساعدة قضاة دوليين. وقد نصت الاتفاقية على إنشاء غرفة قضائية بدائية مؤلفة من ثلاثة قضاة كمبوديين ومن قاضيين دوليين، وغرفة استثنائية كمرجع أخير تشكل من أربعة قضاة كمبوديين وثلاثة قضاة دوليين. يتم تعيين القضاة الكمبوديين من قبل مجلس القضاة الأعلى الكمبودي، أما القضاة الدوليين فيتم اختيارهم من قبل هذا المجلس بناءً على لائحة مقدمة إليه من الأمين العام للأمم المتحدة، وتوكل مهام طلب الملاحقة الجزائية أمام هذا القضاء إلى نائب عام كمبودي يعينه مجلس القضاء الأعلى الكمبودي ونائب عام دولي يختاره هذا المجلس من بين لائحة يرفعها له الأمين العام للأمم المتحدة. واللافت في هذه المحاكم صدور القرارات بالإجماع وإذا تعذر ذلك فبالغالبية، شرط وجود قاض دولي بين المؤيدين للحكم ضماناً للعدالة والصدقية. تميَّزت خصائص هذه المحاكم الدولية المختلطة بتطبيق القانون الإنساني الدولي والقانون الجزائي الوطني في الدولة المعنيَّة، باعتبار أن بعض الجرائم التي تدخل في اختصاصها معاقب عليها فقط في القانون الجزائي الوطني المذكور. كما أن هذه المحاكم تطبق قانون الإجراءات الجزائية الوطني مع إجراء بعض التعديلات عليه بما يتوافق مع بعض معايير المحاكمات الدولية كعدم الأخذ بأي حصانة قضائية أو أي عفو عام أو خاص وعدم تطبيق عقوبة الإعدام. كما تحترم حقوق المتهم المكرَّسة في المادتين 14 و15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. أما تمويل هذه المحاكم المختلطة فيتم بالاشتراك بين الأمم المتحدة والدولة المعنيَّة. أما من الناحية العملية فقد تأخر تشكيل هذه المحكمة مدة سنتين تقريباً بسبب العقبات الإدارية والمالية التي تتحمل مسؤوليتها كل من الحكومة الكمبودية والأمم المتحدة. أما السابقة الثالثة فهي المحكمة الخاصة المختلطة في تيمور الشرقية المنشأة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1272 تاريخ 25/11/1999 وهي نموذج آخر من هذا النوع من المحاكم، بحيث وُضعت تيمور الشرقية تحت إدارة انتقالية تابعة للأمم المتحدة بهدف محاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من عام 1975، وعمد مجلس الأمن إلى إنشاء قضاء خاص تألف من قضاة وطنيين ومن ممثلين متخصصين للأمم المتحدة تم تعيينهم من قبله، ويطبِّق هذا القضاء قواعد القانون الدولي التي ترعى المحاكمات العادلة والنزيهة المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والإنسانية.
IV المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (نظام روما)
ألف ـ ضرورة وجود نظام دائم للقضاء الجنائي الدولي
من الممارسات السابقة للمحاكم الجنائية الدولية المبيّنة أعلاه، تظهر الحاجة الى محكمة دائمة للعدالة الجنائية، بعد أن تبين ان أنظمة هذه المحاكم وقواعدها وعقوباتها لا تنسجم مع المبادئ العالمية للعدالة، الجنائية كما ان هذه المحاكم لم تساوي بين الأشخاص الماثلين أمامها، مرتكبي جرائم الحرب، فلم تتمكن بالتالي هذه المحاكم من تحقيق العدالة. لذلك كان من الضروري وضع نظام دولي جنائي بموجب اتفاقية دولية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يضمن المساواة في محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مهما علت مكانتهم ومهما كانت جنسيتهم، ورفع الحصانة عن القادة السياسيين والعسكريين في حال ارتكابهم مثل هذه الجرائم والانتهاكات للقانون الإنساني الدولي. أما بالنسبة للجان التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فقد أثبتت الممارسات السابقة أن هيئات التحقيق يجب أن تكون تابعة لهيئة ادّعاء المحكمة الدولية التي ستنظر بالدعوى لأن اعتبارات سياسية يمكن أن تسبب عرقلة أعمال لجنة التحقيق من قبل دولة ما نافذة في حينها، بحيث تبعد هذه الأعمال عن مسارها السليم والمهني، لذلك فإن إنشاء محكمة دولية جنائية تمنح هيئة التحقيق فيها الاستقلالية في العمل من دون إمكانية هيمنة أي جهة دولية عليها بات ضروريا".
باء ـ مراحل وسير المفاوضات الخاصة بإنشاء المحكمــة الجنائــية الدولية بين 1995 و1998
في عام 1996 شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة للقيام بالأعمال التحضيرية لإنشاء محكمة جنائية دولية وقد وضعت هذه اللجنة مجموعة مقترحات صادرة عن عدة دول أعضاء، واستناداً الى هذه المقترحات حصلت مفاوضات واسعة، موضوعية وتقنية، وفي نيسان 1998 أنجز مشروع النظام الأساسي للمحكمة ومشروع الوثيقة النهائية. وفي تموز 1998 عقد مؤتمر في روما لمناقشة وتوقيع المعاهدة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وبنتيجة المفاوضات والتداولات وفي جلسة عقدت في 17 تموز 1998. تبنى ممثلو مئة وعشرين دولة النظام الأساسي والوثيقة النهائية للمؤتمر الدبلوماسي.
جيم ـ نظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (نظام روما)
1- تعريف المحكمة وآلية تأسيسها
إن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) هي أول محكمة دائمة مستقلة تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب أشد الانتهاكات ضد الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وبالتحديد جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وقد تم الاتفاق على تأسيس هذه المحكمة في تموز 1998 عندما تبنى مؤتمر دبلوماسي برعاية الأمم المتحدة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأغلبية ساحقة حيث صوَّت إلى جانبه مئة وعشرون دولة. وقد تم بتاريخ 11 نيسان 2002 التصديق عليه من قبل ستين دولة وهو العدد اللازم لإنشاء المحكمة وأصبحت الولاية القضائية لنظام روما الأساسي نافذة في الأول من تموز 2002، وفي شباط 2003 انتخب القضاة الثمانية عشر الدول للمحكمة الجنائية الدولية، بينما انتخب أول مدع عام لها في نيسان 2003. حتى نهاية 2010، بلغ عدد الدول التي صادقت وانضمت إلى اتفاقية نظام روما مئة واربع عشرة دولة.
2- خصائص واختصاص المحكمة
إنها محكمة دائمة تنظر في الجرائم الأشد خطورة على الإنسانية، وهي جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهو ما يميِّزها عن المحاكم الجنائية الدولية الخاصة الأخرى التي أُنشئت من قبل مجلس الأمن الدولي لزمان ومكان محددين. أُنشئت هذه المحكمة بموجب اتفاقية دولية وهي بالتالي هيئة مستقلة وتقوم جمعية الدول الأطراف بإدارة شؤون المحكمة التي مقرها في لاهاي ـ هولندا. إن اختصاص هذه المحكمة مكمل للولايات القضائية الجنائية الوطنية بحيث تمارس اختصاصها عندما تكون الأنظمة الوطنية غير قادرة أو متقاعسة عن التحقيق ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية الأشد خطورة بمقتضى القانون الدولي (جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب) أي أنه متى كانت الدولة مستعدة وقادرة على مباشرة إجراءات الدعوى الجنائية لديها فإنه يفضل هذا الإجراء على إجراءات المحاكمات الدولية. إن هذه المحكمة ذات اختصاص مستقبلي وتختص فقط بملاحقة ومحاكمة الأشخاص الطبيعيين. يقتصر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وقد تم تعريف هذه الجرائم وتحديد عناصرها القانونية في نظام المحكمة. أما جريمة العدوان ورغم كل المحاولات، فلم يتم حتى الآن تعريف هذه الجريمة وعناصرها بشكل واضح وبإجماع الدول المنظمة لنظام روما ولا تزال بالتالي خارج اختصاص المحكمة.
3-القانون والمبادئ العامة للقانون الجنائي المطبقة
ان القانون الواجب التطبيق هو القانون الدولي ومصادره هي: المعاهدات الدولية، العرف الدولي، القواعد العامة للقانون الدولي، الأحكام القضائية ودراسات القانونيين الدوليين المعترف بهم في الدول لتحديد القواعد القانونية.
تتلخص المبادئ العامة التي يكرسها نظام روما للمحكمة بمبدأ شرعية الجرائم ومبدأ شرعية العقوبات، أي أنه لا جريمة ولا عقوبة بدون نص. أما المبدأ الثالث فهو مبدأ عدم رجعية القانون الجزائي، وهو يعني أنه لا يجوز مساءلة أي شخص عن سلوك سابق أو عن أفعال سابقة لبدء نفاذ نظام المحكمة الذي يجعل من هذا السلوك أو من هذه الأفعال جرماً جزائياً. أما بالنسبة للمسؤولية الجنائية فإنه استناداً لنظام المحكمة لا يسقط الجرم بمرور الزمن كما أنه لا تحول الحصانات القضائية دون الملاحقة الجزائية.
4- ممارسة الاختصاص القضائي
منذ سريان نظام روما في الأول من تموز 2002، تمتلك المحكمة الجنائية الدولية سلطة قضائية على الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصها وفقاً للمادة الخامسة من هذا النظام والتي ارتكبها مواطنو دولة طرف وعلى الجرائم التي ارتكبت في أراضي هذه الدول وذلك في الأحوال التالية:
- إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقاً للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
- إذا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
- إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة 15.
- 'النهار'
هل تسعى أميركا لإعطاء الحكم للمعارضة؟!
مالك أبي نادر(عضو المكتب التنفيذي في التيار الوطني الحر):
يتفق كثيرون من المحللين السياسيين بأن ادارة الولايات المتحدة لاي ازمة سياسية او اقتصادية اوعسكرية في العالم تنطلق من مصالحها بالدرجة الاولى ومصالح حلفائها بالدرجة الثانية، ومدى ارتباط مسببات ونتائج هذه الازمة بشكل مباشر او غير مباشر بأمنها القومي الذي يتسع لأمن اصدقائها وحلفائها وفقاً لظروف كل منهم ومعطياته. ولا يجد هؤلاء عناءً في التوافق على معرفة اسباب تدخلها المباشر في الازمة اللبنانية الحالية وخاصة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في قضية لبنانية داخلية، في سابقة لم تشهد لها الديبلوماسية العالمية مثيلاً من حيث تعاطيها لاول مرة بعملية قتل لاحد السياسيين اللبنانيين الذي انضم الى قافلة طويلة من الرؤساء ورؤساء الوزارات والوزراء ورجال السياسة والصحافة قضوا في عمليات قتل انتهى معظمها بتجهيل الفاعل او بغض النظر عن متابعة التحقيقات لاسباب سياسية. فالاسباب المعلنة هي طلب الحقيقة والخفية هي محاولة استعمال المعطيات المصاحبة للجريمة وحيثياتها في ازالة التهديد الذي تمثله الترسانة الصاروخية لـ'حزب الله' على المجتمع الاسرائيلي. فقد اثبتت تطورات الساحة العراقية بأن الولايات المتحدة الاميركية تخلت عن حليفتها المملكة السعودية في سبيل انتاج تسوية مع عدوتيها المعلنتين ايران وسوريا، تساعدها للخروج من المستنقع الذي وُضعت فيه قواتها وللمحافظة على حد ادنى من الاستقرار العراقي بشكل لا يعرّض انسياب النفط في الاسواق العالمية لأية اهتزازات، تزيد من تفاقم الازمة التي لا يزال اقتصادها يعاني عوارض تداعياتها. وأتت مجريات الحدث السوداني لتثبت بأن نظرية ادارة الازمات لخدمة المصالح الاميركية مستمرة وما استعمال مذكرة الجلب بحق البشير الا للتهويل عليه لكي يسهل الاستفتاء الجنوبي. وهكذا حصل، وقد اكد نائب الرئيس الاميركي بايدن بأن التعاون السوداني الاميركي سيتقدم خطوات ويكبر في حال سُمح 'للعملية الديموقراطية' في جنوب السودان بان تسير بدون اية مضايقات 'شمالية'.اما على الساحة اللبنانية فما هي التسوية التي قد تسعى الولايات المتحدة لفرضها؟فالوضع الجنوبي يشير، حسب تقارير القوات الدولية وباعتراف المصادر العسكرية الاسرائيلية، الى هدوء تام لم تشهده الحدود الشمالية لاسرائيل منذ عام 1967 حتى ابان المراحل السابقة، حيث كانت بعض التنظيمات تطلق صواريخ كاتيوشا على شمال اسرائيل فرفضت السلطات في تل ابيب تحميل 'حزب الله' اية مسؤولية ولو غير مباشرة عن هذه الخروقات. ولكن يبقى الخوف الاسرائيلي من الترسانة الصاروخية البعيدة المدى التي يمتلكها الحزب والتي تستطيع الوصول الى معظم الاراضي الاسرائيلية من خارج منطقة عمل القوات الدولية. فمنذ طرح موضوع سلاح المقاومة على طاولة الحوار الداخلي من قبل الاطراف اللبنانية المنضوية تحت لواء 14 اذار، وفي المحافل الدولية من قبل اميركا واسرائيل وتتدحرج مطالب الافرقاء المعارضين له من نزعه بالكامل والغاء الروح المقاومة في الشعب اللبناني، الى تسليمه للجيش اللبناني، الى نظريات التنسيق بين الجيش والمقاومة، وصولاً اخيرا الى القبول بنظرية ادخال رجال المقاومة في منظومة القوى الامنية الشرعية وابقاء السلاح بعهدتهم لاستعماله وفقاً لمصالح الدولة اللبنانية. ولا يخفى على احد التنسيق الدائم بين اطراف 14 اذار والمنظومة الدولية التي شكلتها الولايات المتحدة الاميركية دعماً للمحكمة منذ 2005 وحتى الان. من اجل ذلك تشير المعطيات على ان الدخول الاميركي 'المُعطل' على خط المساعي السورية – السعودية سببه الخوف الاميركي من تظهير توافق سني – شيعي لبناني ينهي تأثيرات المحكمة ويقضي على فرصة ذهبية تمسكها كل من اميركا واسرائيل من خلال استعمال القرار الاتهامي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمفاوضة ايران و'حزب الله' لايجاد حل تقبل به اسرائيل لموضوع سلاح المقاومة - كما حصل بالقضية السودانية. ولكن ما هو موقف المقاومة الجدي من هذا الطرح ؟دلت الاحداث على تناغم تام يحصل بين قيادة الجيش اللبناني وقيادة المقاومة في الكثير من المواقف والمحطات ما يشير لثقة متبادلة بين الطرفين ما يعطي قيادة المقاومة ثقة اكبر في حال تم التوافق على الحل الاخير التي نادى به اطراف 14 اذار كحل 'لمشكلة السلاح'. ولكن الجيش اللبناني اثبت في كثير من مراحل الازمات اللبنانية انه يحافظ على مهمته الاساسية الا وهي احتسابه ذراعاً للسلطة السياسية التي يلتزم مقرارتها وتوجيهاتها. فكيف ستأمن المقاومة لسلطة سياسية تكونت بعد عام 2005 وجعلت من استهداف المقاومة والغاء دورها مهمتها الاساسية كما يصرح اركان المقاومة ليلاً نهارا. اذاً فالعائق الوحيد امام قبول المقاومة بالتصور الاخير لمصير سلاحها والمقبول من كل الاطراف اللبنانية والاقليمية والدولية هو وجود سلطة سياسية لبنانية يديرها سعد الحريري المتحالف داخلياً مع الاطراف المسيحية المعادية للمقاومة بعد ابتعاد الدروز عن تحالف 14 اذار، وخارجياً مع الولايات المتحدة وتحالفها الدولي المعادي للمقاومة وحلفائها الاقليميين.
امام هذه الحقائق تُطرح التساؤلات التالية:
هل تقبل المقاومة بالحل المقترح في حال وجود سلطة تثق بها ؟
هل تقبل اميركا واسرائيل بان تستلم المعارضة اللبنانية الحكم في لبنان؟
دأبت قيادات المقاومة منذ عام 2000 على الاشارة الى ان مهمة سلاحها تنتهي باحد امرين: اما انتفاء الحاجة له اي بانتهاء الصراع العربي الاسرائيلي واما بوجود دولة قوية تتبنى نظرة المقاومة واستراتيجيتها لادارة الصراع مع العدو الاسرائيل ومن الطبيعي ان يؤدي وصول المعارضة الى الحكم الى اقتناع المقاومة بأن السلطة الجديدة ستتبنى استراتيجيتها ونظرتها الى الصراع ما يسقط من يدها حجة الاحتفاظ بالسلاح اقله امام حلفائها الذين سلموا بأن مرحلة السلاح تنتهي بتحقق احد الامرين اعلاه. اما ان تقبل اميركا واسرائيل باستلام المعارضة للحكم فاشكالية تقاربها كل من اسرائيل واميركا ببراغماتية ومن منطلقات مصالحهما الخاصة والنتائج المترتبة على هذا الاستلام . وليس منطقياً ان تقبل اميركا بتعاون مع ايران وسوريا – دول محور الشر - لانتاج سلطة عراقية تحافظ على مصالح جميع هذه الدول، ولا تقبل بأن تكون السلطة بيد المعارضة في لبنان ما دامت نتائج هذا الامر ستؤدي اولاً الى حدود شمالية طبيعية بعيدة عن المتسللين والى وضع السلاح المتنازع عليه في إطار شرعي تكون الدولة للبنانية مسؤولة عنه، بشكل لا يهدد المجتمع الاسرائيلي – كما تروج في ادبيات زعمائها. ركزت التصريحات والبيانات الاميركية الصادرة بعد استقالة الحكومة اللبنانية على دعم اميركي واضح للمحكمة دون ذكر الحكومة اللبنانية او رئيسها سعد الحريري واقتصرت زيارات السفيرة الاميركية في بيروت لمعارضي الحريري دون اية زيارة او اتصال علني مع اركان 14 اذار وفي هذا ما يشي بأن الاهتمام الاميركي محصور بالقرار الظني وبالمحكمة وليس بدعم عودة الحريري الى الحكم علماً انه في محطات سابقة كان التدخل مباشراً وصريحاً وعلنياً. فما هي اسباب هذا الاحجام الذي يصل لحد التخلي العلني عن حلفائها في ازمة وجودية بالنسبة لهم لم يتعرضوا لمثلها منذ تكوين تيارهم السياسي عام 2005؟ يبدو واضحاً وجلياً بأن الاهتمام الاميركي بالمحكمة ينحصر بصدور قرار اتهامي عن محكمة شُكلت دولياً وفقاً لاحكام البند السابع، ويتضمن في مندرجاته اشارة واضحة لتورط المقاومة في لبنان بجريمة اغتيال الحريري الاب، لامساكه كورقة مساومةٍ قوية بيدها تضعها على طاولات المفاوضات مع ايران وسوريا الدولتين الداعمتين للمقاومة، مع علمها بأن ما من قوة في المنطقة تستطيع نزع هذا السلاح من يد المقاومة. ولكنها قد تصل في مفاوضاتها الى محطة تطرح فيها ورقة ادخال المقاومة برجالها وعتادها الصاروخي في إطار الشرعية اللبنانية التي تشارك هي فيها. الا يتلائم هذا السيناريو مع ما اسر به احد الديبلوماسيين الغربيين الفاعلين على الساحة اللبنانية لاحد اركان المعارضة حين قال مع تعسر التسوية السعودية السورية: فليذهب الحريري وليحكم 'حزب الله' وحلفاؤه ولننزع من يده مقولة عجز الدولة عن حماية اهل الجنوب.
- 'الأخبار'
قضاة &laqascii117o;بوسطجية" للمحكمة الدولية
محمد نزال:
بعد إحالة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم إلى التقاعد، نهاية العام الماضي، لا يبدو أن عجلة المجلس قد توقفت، فها هي الجلسات تعقد بانتظام برئاسة نائب الرئيس القاضي سعيدا ميرزا، وهو في الوقت نفسه المدّعي العام لدى محكمة التمييز. الجلسة الأخيرة كانت أمس بحضور الأعضاء من القضاة، حيث بُحثت شؤون قضائية عدّة، لم تتعدّ كونها &laqascii117o;شؤوناً داخلية" على حد تعبير مسؤول قضائي رفيع. وعلى عكس الحكومة المستقيلة حالياً، التي لا يمكن وزراءها ممارسة صلاحياتهم &laqascii117o;إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال"، فإن مجلس القضاء الأعلى يمارس صلاحياته كاملة وبلا انقطاع، وقد وافق خلال الأسبوع الماضي على طلب لوزير العدل ابراهيم نجّار باختيار قضاة متدرجين، ولذلك &laqascii117o;لا يمكن أن يتأثر القضاء نظرياً بشؤون الحكومة والسياسة، فهو مرفق عام وسلطة مستقلة" يضيف المسؤول القضائي.وعن الموضوع الذي يشغل بال كثير من اللبنانيين هذه الأيام، أي القرار الاتهامي الذي صدر عن &laqascii117o;المحكمة الخاصة بلبنان"، يبدي المسؤول القضائي الرفيع أسفه لناحية تحوّل القضاء اللبناني في هذه القضية إلى &laqascii117o;صندوق بريد" وتحوّل القضاة اللبنانيين المعنيين إلى &laqascii117o;بوسطجية". يضحك ساخراً، ثم يوضح أنه إذا تضمن القرار أسماء لمواطنين لبنانيين مقيمين على الأراضي اللبنانية، فعندها يمكن أن يُرسل الطلب إلى النيابة العامة التمييزية بإحضارهم، لكن &laqascii117o;ليس بالضرورة أن يطلب من النيابة العامة التميزية إحضار أحد إذا لم يكن مقيماً في لبنان، حتى لو كان مواطناً لبنانياً، فنبحث عن المتهم ونقصد عنوانه، وفي حال عدم العثور عليه نبلغ المحكمة أننا لم نجده، هذا دور القضاء اللبناني فقط في هذه القضية".إلى ذلك، وبالحديث عن الشؤون القضائية، تردد أمس أن بعض القضاة قد تنادوا إلى لقاءات في قصر العدل ـــــ بيروت، وتمنّوا تأجيل الاحتفال الذي سيقام تكريماً للرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم في 21 من الشهر الجاري في فندق &laqascii117o;الحبتور ـــــ سن الفيل"، وذلك بسبب تخوفهم من الوضع السياسي الراهن. استغرب القاضي غانم هذا الأمر، وأكّد في حديث مع &laqascii117o;الأخبار" أنه على حد علمه ما زال موعد الاحتفال قائماً. كذلك أكّد أحد المنظمين للاحتفال أن لا شيء يستدعي إلغاء الاحتفال أو تأجيله، فهو في نهاية الأمر &laqascii117o;ليس احتفالاً ضخماً أو شيئاً يستدعي التوقف عنده، لكن بكل الأحوال فإن الموعد ما زال قائماً".