- 'السفير'
&laqascii117o;ميني" تغيير لبناني يواكب إعصار تونس ومصر
&laqascii117o;نصيحة" جنبلاط: اقرأوا &laqascii117o;الجغرافيا السياسية" وإلا &laqascii117o;فالمنفى"!
خضر طالب:
إذا كان &laqascii117o;الرئيس" المصري حسني مبارك قد صمد ـ حتى الآن ـ في مقره الرئاسي، محاولاً تقديم جرعات متتالية من الإجراءات التي يريد من خلالها الإيحاء بأنه ما زال يمسك بأوراق السلطة في مصر التي تؤمّن له تفادي مصير &laqascii117o;زميله" الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، إلا أنه يدرك اليوم أن لعبة &laqascii117o;الدومينو" لن تتوقف قبل سقوطه، وأن رياح &laqascii117o;التغيير الديموقراطي" التي هبت على المنطقة، ستجعل الأميركيين يتخلون عنه وعن خدماته ضمن &laqascii117o;حلف المعتدلين"، بعد أن اكتشفوا أنه استهلك كل مقومات وجوده وصار لزاماً عليهم التعاطي مع الوقائع الجديدة.
ليست صدفة أن يصيب &laqascii117o;الانهيار" معظم من كانوا يسيرون خلف الولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت الشعوب العربية الثائرة لا تخوض نضالها لمصلحة واشنطن ومصالحها، بل بهدف التخلّص من أنظمة هرمة لا تحقق تطلعات هذه الشعوب وأجيالها. لكن ليست صدفة أيضاً أن خريطة الاهتزازات في العالم العربي تكاد تكون عامة، باستثناء سوريا التي تعيش استقراراً في نظامها السياسي بعد أن كانت أول المستهدفين في العام 2005 واستطاعت الصمود في مواجهة العاصفة التي أرادت أن تبدأ حجارة &laqascii117o;الدومينو" بالسقوط انطلاقاً من دمشق، ففرض صمودها بداية من مكان آخر غير محسوب.
ولذلك فإن ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد يوم أمس، كان يؤشّر إلى اطمئنانه لاستقرار النظام السياسي في سوريا لأنه لم &laqascii117o;يتورّط" في المشروع الأميركي الذي يطيح الآن رموز فشله في تحقيق أهدافه في المنطقة.
ربما كان تزامن توقيت ما جرى في تونس وما يجري في مصر هو الذي سمح بحصول التغيير في لبنان بطريقة دستورية سلسة، على اعتبار أن بنية لبنان السياسية والطائفية الهشّة لا تتحمّل &laqascii117o;إعصاراً" كالذي جرى في تونس ومصر، فجرى الاكتفاء بـ&laqascii117o;نسمة هواء" أطاحت قوى 14 آذار من السلطة من دون أن تلغي وجودهم أو تدفعهم إلى طلب &laqascii117o;اللجوء السياسي" في بلد آخر، وإن كان بعض قيادات هذا الفريق قد بدأ يدرك أن التغيير الذي جرى في لبنان هو بداية الطريق لتحوّل كبير لا بد أن يزيد من أزمة هذا الفريق بما يدفعه إما إلى مزيد من الانكفاء، أو الالتحاق بركب &laqascii117o;الموجة" السياسية التي أطاحتهم وتملك من قوة الاندفاع ما يكفي لـ&laqascii117o;جرف" أعمدة هذه السلطة.
ثمة شيء كبير تغيّر في إدارة الواقع اللبناني، ومن كان لا يدرك هذه الحقيقة فإنه يحاول التخفيف من وطأة وقعها عليه، تماماً كما يحاول الرئيس المصري تخفيف &laqascii117o;كارثة" خروجه من نظام بوليسي وحشي حكم مصر على مدى ثلاثين عاماً، وبدا كأنه تآكل ونخره السوس حتى تهاوى بهذه السرعة.
ما الذي يربط ما يجري في مصر وما جرى في تونس مع ما يجرى في لبنان؟
تفيد الوقائع أن &laqascii117o;الجغرافيا السياسية"، التي تحدّث عنها رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط في &laqascii117o;نصيحته" إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، استعادت زمام المبادرة وأكدت موقعها ودورها في التأثير وإدارة ملفات المنطقة، وإن كانت قد قبلت &laqascii117o;مؤقتاً" بتسوية مرحلية صاغتها فرنسا وقطر وجاءت بالرئيس نجيب ميقاتي إلى رئاسة الحكومة في لبنان، من دون أن يعني ذلك أنها غير قادرة على قلب الطاولة بالكامل، ما يعطي للرئيس ميقاتي فرصة زمنية ضيّقة لصياغة تسوية لبنانية تحفظ جميع القوى في إطار الحكومة ولا تستبعد أحداً من التركيبة الجديدة للسلطة في لبنان، وبما يؤمن استقراراً طويلاً، على غرار تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 1992. أما في حال فشل الرئيس ميقاتي في إنجاز &laqascii117o;توليفة" تؤمن مشاركة كل الأطراف في الحكم، فإن ذلك سيؤدي إلى قلب الطاولة بالكامل في وجه قوى 14 آذار، وبالتالي إطاحة فرصة تسوية كان يمكنها أن تقطع الطريق على إنهاء كل مفاعيل التغيير الذي جرى في 2005، وعلى كل المستويات السياسية والأمنية والإدارية.
من هنا يمكن القول، إن اللحظة السياسية في المنطقة قصيرة جداً، وهي تشكّل بالنسبة للبنان فرصة مؤاتية لصياغة &laqascii117o;ميني" تحول هادئ لا يدفع أحداً للبحث عن مقرّ إقامة خارج التركيبة السياسية التي ستقوم بمن حضر في لبنان، خصوصاً أن الرهانات على أدوار خارجية باتت خارج المنطق الطبيعي لمجرى الأمور في كل المنطقة.
وإذا كان في لبنان مصفقون كُثر، معظمهم من أهل 8 آذار، لسقوط نظام تونس وترنّح نظام مصر، فإن في لبنان أيضاً من يراهن على ثبات نظام مصر، وفي أسوأ الأحوال أن يأتي نظام حليف آخر يكمل مسيرة تحالف &laqascii117o;الاعتدال العربي"، ويؤمّن لهم سنداً سياسياً عبر إدخال مصر إلى الواقع اللبناني للمشاغبة على الدور السوري استكمالاً لما كان معمولاً به خلال السنوات السابقة.
أمسك وليد جنبلاط منذ فترة طرف خيط في التحوّلات الكبرى، فلم يتردّد بإعلان الاعتراف بالخطأ الذي أغفل سهواً &laqascii117o;الجغرافيا السياسية"، فاستعاد موقعه داخل التركيبة الداخلية كلاعب أساسي، وهو اليوم يقدّم &laqascii117o;خبرته"، لعل النصيحة تنقذ ما بقي من حلفاء سابقين من الوقوع خارج &laqascii117o;الجغرافيا اللبنانية".. سياسياً.
ـ 'الأخبار'
بلمار يردّ على فرانسين مستشهداً... بـالحكم على جعجع
عمر نشابة:
شرع أمس المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، دانيال بلمار، في عرض تفسيراته لمواد القانون اللبناني التي يستند إليها القرار الاتهامي. فما علاقة سمير جعجع بذلك؟
تقدم أمس المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري دانيال بلمار ورئيس مكتب الدفاع فيها فرانسوا رو بمذكرتين يوضحان فيهما موقف كلّ منهما من قضايا قانونية ستناقش خلال الجلسة العلنية التي ستُعقد في لاهاي في 7 شباط المقبل.
رئيس المحكمة الدولية القاضي أنطونيو كاسيزي كان قد أصدر أمراً حدّد فيه موعد انعقاد جلسة يشرح خلالها رو وبلمار، أو من ينوب عنهما، إجاباتهما عن أسئلة كان قاضي الإجراءات التمهيدية، دانيال فرانسين، قد طرحها عليهما في مذكّرة أصدرها في 21 كانون الثاني الفائت.
تناولت أسئلة فرانسين خمسة محاور نوردها في الفقرات الآتية، مع بعض إجابات بلمار اللافتة عليها.
1ـــــ تعريف الأعمال الإرهابية بحسب مواد القانون اللبناني المعتمدة وبحسب القانون الدولي والقرارات الملزمة الصادرة عن الأمم المتحدة، ومسألة تقدّم مقتضيات المعاهدات الدولية على القوانين المحلّية. (أربعة أسئلة مفصّلة)
أوضح بلمار أن الاعتماد على القانون الدولي لتعريف الإرهاب &laqascii117o;ليس مطلوباً تلقائياً"، وليس محبّذاً، فلا مشكلة في تصنيف جريمة اغتيال الحريري جريمة إرهابية بحسب القانون اللبناني. وذكّر بلمار بأن لا تعريف موحّداً للإرهاب في القانون الدولي، لكنه أوضح أن تصنيف جريمة إرهابية لا يتطلّب أن تكون دوافعها سياسية.
ولجأ بلمار في تعريف الإرهاب قانوناً إلى الحكم الذي صدر بحق سمير جعجع في جريمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي، حيث أشار (الفقرة 29 صفحة 15) إلى أن المجلس العدلي صنّف الفعل إرهابياً إذا كان المقصود منه خلق حالة هلع.
وفي هذا الإطار إشارة إلى أن لجوء بلمار إلى نصّ الحكم بحق رئيس الهيئة التنفيذية في &laqascii117o;القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي صدر قانون عفو بحقّه خلال العام نفسه الذي اغتيل فيه الرئيس الحريري، تكرّر في الفقرات 30 (صفحة 16) و64 (صفحة 28) و113 (صفحة 38) و135 (صفحة 44).
غير أن المدعي العام شدّد على عدم وجوب إثبات دوافع ارتكاب الجريمة بما لا يحتمل الشكّ، ورأى أن ذلك يرتّب على القضاء الدولي مشقّات يمكن تجنّبها. وقال: &laqascii117o;إن الهدف من تجريم هذه الأعمال (الإرهاب) هو المقاضاة وليس تكوين مفهوم للإرهاب" (الفقرة 23 صفحة 13).
2ـــــ تعريف التآمر الجنائي بحسب المواد القانونية اللبنانية الصادرة في 11 كانون الثاني 1958. (أربعة أسئلة مفصّلة)
لا يحبّذ بلمار في هذا الشأن أيضاً اللجوء إلى القانون الدولي، بل يرى أن القانون اللبناني مناسب لتحديد التآمر الجنائي، وأنه لا تناقض فيه. وادّعى بلمار أنه ارتكز على نصّ المادة 270 من قانون العقوبات اللبناني لتحديد عناصر التآمر الجنائي بالآتية: أ ـــــ أن يكون المرتكبون قد عقدوا اتفاقاً بينهم خطياً أو شفهياً، ب ـــــ أن تكون نيّة المرتكبين ارتكاب جناية أو أكثر من جناية بحقّ أمن الدولة، ج ـــــ أن يكون الاتفاق المعقود بين المرتكبين قد شمل الوسائل المستخدمة في ارتكاب الجناية. لكن نصّ المادة 270 من قانون العقوبات يقتصر حرفياً على الآتي: &laqascii117o;يدعى مؤامرة كل اتفاق تمّ بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية بوسائل معينة." فمن أين أتى بلمار بالعناصر الثلاثة التي ادّعى أن مصدرها المادة 270؟
3ـــــ عناصر جريمة الاغتيال ومحاولة الاغتيال عن سابق تصوّر وتصميم بحسب القانون اللبناني، ومدى تناسب ذلك مع القانون الدولي. (أربعة أسئلة مفصّلة) كما في إجابته عن أسئلة فرانسين السابقة، لا يحبّذ بلمار في هذا الشأن اللجوء إلى القانون الدولي، بل يرى أن القانون اللبناني مناسب لتحديد عناصر الجريمة. ويشدد على أن جريمة الاغتيال تتكون من العناصر الآتية: أ ـــــ مقتل الضحية، ب ـــــ تسبّب فعل المتهم أو عدم فعله بمقتل الضحية، ج ـــــ نية المتهم القتل أو إيقاع أذى جسدي شديد بالضحية، ومعرفة المتهم بأن فعله أو عدم فعله قد يؤدي إلى القتل. ويدّعي بلمار أن إثبات ارتكاب الجريمة عن سابق تصوّر وتصميم، بحسب القانون اللبناني، يتطلّب أن يكون التصرّف الجنائي مرتكزاً على تصوّر هادئ ومدروس للفعل، وأن يكون ذلك التصوّر خالياً من أي تدخلات عاطفية ونفسية. (الفقرة 59). أما بشأن تحديد محاولة ارتكاب الجريمة، فقد لجأ بلمار إلى الفقرة الأولى من المادة 200 من قانون العقوبات، وقسّم نصها إلى قسمين: أ ـــــ أن يكون المرتكب قد قام بأفعال تستهدف مباشرة ارتكاب الجريمة، ب ـــــ أن يكون وقوع الجريمة قد تعثّر بسبب ظروف خارجة عن سيطرة المرتكب.
وشرع بلمار في تفسير القانون اللبناني عبر قوله إن &laqascii117o;إعداد الأسلحة ومراقبة الهدف وتوزيع المهمات خلال الهجوم المخطط له، هي أعمال ترمي مباشرة إلى اقتراف الجريمة بحسب المادة 200. ولمزيد من التوضيح، استخدم بلمار هنا أيضاً نصّ الحكم الصادر عن المجلس العدلي بحق سمير جعجع في اغتيال الرئيس كرامي، عبر ذكره &laqascii117o;أن المحاكم اللبنانية عدّت مرتكب جريمة قتل متعمّد عبر تفجير مروحية استخدمها الضحية، مسؤولاً جنائياً عن القتل المتعمّد لطاقم المروحية وركابها" (الفقرة 64 الصفحة 28).
بما أن الإجابة عن معظم الأسئلة التي طرحها فرانسين تستدعي فهماً معمّقاً للقانون اللبناني، فإن للمستشارين القضائيين اللبنانيين العاملين في مكتب المدعي العام دوراً أساسياً في الإعداد لجلسة 7 شباط المقبلة. وقد يتمكن فرانسين بعد قراءة إجابات فريقي الدفاع والادّعاء من التدقيق في صياغة القرار الاتهامي، ومعرفة ما إذا كان مضمونه يستند إلى المواد القانونية ذات الصلة بنحو دقيق ومقنع.
ـ 'النهار'
محاولة تطعيمها بسياسيين من لون فاقع يفسدها
الناس مع حكومة تكنوقراط جدية ونظيفة
إميل خوري:
الخلاف الذي يحول دون الاتفاق بين 8 و14 آذار على تشكيل حكومة ائتلافية او وحدة وطنية بات واضحا وهو يتلخص في المحكمة، وملف شهود الزور، وسلاح 'حزب الله. هذه المواضيع المثيرة للخلاف، حتى وإن اتفقت 8 و14 آذار على ترحيلها الى طاولة الحوار كما صار ترحيل سلاح المقاومة ليبحث في اطار الاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية، فمن الخطأ تكرار تجربة تشكيل حكومة وحدة وطنية بعدما ثبت فشلها، بقيام تناحر بين أعضائها على مواضيع كثيرة كالتعيينات وغيرها لأن المصالح الذاتية والاعتبارات السياسية والحزبية تدخل بقوة على خطها.
الى ذلك، فان تشكيل حكومة تكنوقراط صافية او مطعمة عند الضرورة بسياسيين مستقلين او وسطيين أكفاء ويوحون الثقة هو المخرج الافضل والاصلح من أزمة تطول بسبب التجاذب بين 8 و14 آذار وبسبب التجاذب داخل 8 آذار. وهذه الحكومة تستطيع أن تضمّن بيانها الوزاري ما يهم الناس وأن تفي بما تعد. أما المواضيع المثيرة للخلاف مثل المحكمة وسلاح 'حزب الله' وشهود الزور فترحل الى هيئة الحوار حتى اذا ما صار اتفاق عليها يسهل عندئذ اقرارها في مجلس الوزراء.
ويذكر ان الامين العام لـ'حزب الله' السيد حسن نصرالله كان أول من دعا الى ترحيل الملفات الشائكة الى هيئة الحوار عندما كان الرئيس سعد الحريري يشكل الحكومة، كي تنصرف الى الاهتمام بأولويات الناس، لكن ما حصل هو خلاف ذلك إذ أغرقت الحكومة بمشكلات الملفات الشائكة فأهملت أولويات الناس وهو ما لا ينبغي أن يتكرر مع حكومة ميقاتي وإلا يكون من جرّب المجرب كان عقله مخربا... لا بل يكون قد أعطى المعارضة سلاحا قاطعا تشهره في وجه الحكومة داخل المجلس وخارجه لتشهر بها، وهو ما لا يقبل به الرئيس سليمان ولا الرئيس المكلف ميقاتي خصوصا أنهما قد تعلما من تجارب الماضي البعيد والقريب أن تكون أولويات الناس قبل أي شيء آخر.
ـ 'النهار'
ثلاث لاءات سورية اثنتان منها 'لبنانيتان' !
سركيس نعوم:
الذين يعرفون سوريا بشار الاسد جيداً يؤكدون انها لن تقدم يوماً على فض تحالفها الاستراتيجي الذي اسسه مؤسس النظام السوري الحالي الرئيس الراحل حافظ الاسد مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، اياً تكن الضغوط التي قد يمارسها عليها المجتمع الدولي وفي مقدمه زعيمته اميركا، او اياً تكن المغريات التي قد يقدمها لها. وهذا امر بدأ يعترف به زعماء المجتمع المذكور، ولا سيما بعد فشلهم في السنوات الماضية في الفصل بين هاتين الدولتين رغم سياسة 'العصا والجزرة' اي الترهيب او الترغيب التي مورست على دمشق.
اما اسباب الموقف السوري المتمسك بالتحالف مع ايران فكثيرة ومتشعبة، منها المساعدات الضخمة التي تقدمها ايران لسوريا في مجالات متنوعة تبدأ بالسلاح وتمر بالنفط ولا تنتهي بالاقتصاد. ويقدِّر مسؤولون في طهران حجم هذه المساعدات بنحو سبعة مليارات دولار، ويقدرها عرب مهتمون بنحو خمسة مليارات، في حين يقدِّرها عرب واجانب اكثر تحفظاً بنحو ثلاثة مليارات دولار. واياً يكن الرقم الصحيح تبقى هذه المساعدات ضخمة جداً وفاعلة جداً، إذ تمكّن النظام السوري من حماية نفسه ومن مواجهة عدد من المصاعب الاقتصادية والمعيشية والحياتية. ومن اسباب التمسك السوري بايران ايضاً مظلة الحماية التي تنشرها الاخيرة فوق سوريا ونظامها. وليس في هذا القول اي مبالغة على الاطلاق. ذلك ان النظام الاسلامي الايراني مكّن بلاده من التحوّل قوة عسكرية اقليمية مهمة جداً، بحيث بات يعتبرها لاعبون اقليميون كبار عادة خطراً مهماً عليهم وعلى ادوارهم، فضلاً عن أن 'انتشار' الايديولوجيا الايرانية الدينية – العسكرية – الامنية – السياسية، ولاسيما في لبنان وعلى ارض فلسطين، جعل اخصام سوريا او اعداءها في موقع الدفاع عن النفس بعدما كانوا دائماً في موقع التهديد لها المباشر وغير المباشر. ومن اسباب التمسك السوري نفسه بايران ثالثاً، نجاح ايران في وقف اي خطرٍ كان يرتّبه عليها العراق في السابق، وفي إرساء اسس عراق جديد لها فيه كما لسوريا حضور شعبي وسياسي وتالياً دور. ومن شأن ذلك، ورغم التفاوت في الحجم بين الحضورين الايراني والسوري في العراق، إراحة سوريا ونظامها ومضاعفة فرص نجاحها مع ايران في تثبيت ركائز محور اقليمي متماسك يحتاج اليه الغرب في مواجهة ما يسميه 'الارهاب الاسلامي الاصولي السنّي التكفيري'. ولا تشعر اسرائيل بالخوف منه رغم رفع ايران لواء محاربتها وازالتها من الوجود. ذلك ان اسرائيل لا تخشى على نفسها من حرب نظامية تشنها عليها ايران. اولاً، لأنها لا تزال غير جاهزة لذلك، ثانياً، لأن اسرائيل لا تزال قوة لا تضاهى حتى الآن على الاقل في الحروب النظامية. وثالثاً، لأن حرب العصابات التي تخشاها اسرائيل تخشاها وبالمقدار نفسه ايران، وخصوصاً اذا نجج الاسلاميون التكفيريون والعنفيون في تثوير غالبية العالم الاسلامي المعادي اساساً لها وللغرب وحتى لمسلمين. ذلك ان نجاحاً كهذا يشكّل خطراً كبيراً وواضحاً على العالم كله. طبعاً لا يعني ذلك، يلفت الذين يعرفون سوريا بشار الاسد، ان الاختلافات او التباينات بين دمشق وطهران لا تحصل، لكنه يعني انها لا تمس الاستراتيجيا المشتركة او ربما الموحّدة ولا اهدافها، الامر الذي يسهّل ايجاد الحلول وبالسرعة الممكنة. وهذا ما سيظهر لاحقاً في هذه المقالة.
ويؤكد الذين يعرفون سوريا بشار الاسد امراً ثانياً مهماً هو أنها لا تقبل شريكاً لها في لبنان. هكذا كانت ايام الرئيس المؤسس الراحل حافظ الاسد. وما حصل في لبنان للوجود الفلسطيني المسلح و'المستقل' عن دمشق، كما للوجودين السوري والمصري، سواء اثناء الحروب او بعدها، فضلاً عن النفوذ، يشكّل برهاناً ساطعاً على هذه الحقيقة. وما يحصل الآن وبعد عودة سوريا لاعباً مباشراً في لبنان، بعد انكفاء عنه بدأ في نيسان 2005، وخصوصاً اثناء العمل مع العرب لترتيب الاوضاع فيه جراء توزع شعوبه على فريقي 8 و14 آذار المتعاديين، يشير وفي وضوح الى ان النظام السوري لا يزال متمسكاً برفض الشراكة في لبنان. طبعاً يسأل البعض: اذا كان ذلك صحيحاً فكيف تقبل سوريا بشار مشاركة ايران الاسلامية لها في لبنان بل تحولها شريكاً اول وكيف تقبل دور الشريك الثاني؟ والجواب عن ذلك، كما يقدمه العارفون انفسهم، هو ان سوريا وايران حليفتان متماسكتان. وهو ايضاً ان ايران تعترف بجميل سوريا عليها حين وقفت معها وحدها دون سائر العرب يوم غزاها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وتعترف لها بجميل آخر هو تمكينها من دخول لبنان وتأسيس 'حزب الله' الذي كان أهم استثمار خارجي قامت به، إذ جعلها، مع عوامل اخرى طبعاً، لاعباً أول في الشرق الاوسط. وهو ثالثاً أن ايران تعرف انه لولا دفاع سوريا جارة لبنان عن 'الحزب' ورعايتها تدريبه وايصال السلاح اليه لما حقَّق فيه ما حقق، ولكان يسهل استفراده او ربما خنقه. وهو اخيراً ان سوريا وايران لن يختلفا على لبنان لاسباب كثيرة عندما تتوصل اميركا والمجتمع الدولي مع ايران واستطراداً سوريا الى تسوية شاملة. ففي مقابل النفوذ الايراني في العراق سيكون لبنان مجالاً للنفوذ السوري. كما سيستمر التحالف والتنسيق بين دمشق وطهران.
اما الامر الثالث والاخير الذي يؤكده الذين يعرفون سوريا فهو ان نظام الرئيس بشار الاسد لن يتدخل في التفاصيل اللبنانية، بل سيتركها للبنانيين وخصوصاً بعدما نجح وبعد 2006 في العودة القوية الى الساحة اللبنانية، وبعدما ترجم حلفاؤه اللبنانيون ذلك في الوصول الى السلطة اي الى الحكم بانقلاب دستوري ناجح، رغم ان العدة لم تكتمل بعد اي الحكومة. وهذه عودة يستبعد هؤلاء العارفون التخلص منها، على الاقل في المستقبل المنظور، الا طبعاً اذا انفجرت المنطقة التي تغلي كلها. علماً ان هناك من يعتقد من حلفاء سوريا واعدائها ان ما تشهده المنطقة ستخرج منه سوريا النظام اقوى. الا ان هذا موضوع آخر يقتضي مناقشة جدية وموضوعية مفصّلة.
هل يعني الامر الثالث ان سوريا لن تتدخل او لا تتدخل في تأليف حكومة عودتها الرسمية 'عرّاباً' للبنان؟
قد تفرض عليها دقة الوضع الحالي في لبنان والمرحلة الانتقالية التي يمر فيها (من حكم اخصام نظام سوريا الى حكم حلفائه) التدخل في التفاصيل الحكومية كي لا تتسبب الانانيات والطموحات غير العامة بنكسة للنجاح الذي تحقق بانتقال الغالبية النيابية من 14 الى 8 آذار. طبعاً لا يملك اللبنانيون في كل الاتجاهات وفي الوضع الحالي الا الدعاء كي يبقى قادتهم ومن الفريقين المذكورين مؤمنين بالقول المأثور: لو دامت لغيرك لما اتصلت اليك. فتداول السلطة هو حصانة لبنان على المدى الطويل، وليس الاحتفاظ بها بوسائل غير ديموقراطية.
ـ 'الشرق الأوسط'
لبنان: الاغتيال الثاني للراحل الحريري
الإخراج سوري. الإنتاج والتنفيذ لـ&laqascii117o;حزب الله" الإيراني.
غسان الإمام:
المطلوب طربوش سنّي. اعتذر عمر كرامي. فقد كان الدور غير مناسب لرجل اغتيل شقيقه (رشيد) في ظروف مماثلة لاغتيال رفيق الحريري.
كان البديل جاهزا: سني. ديمقراطي من هارفارد، كي لا تعترض أميركا عليه. نجيب ميقاتي ليس بطربوش. لكن الإغراء كبير. تَمَّ تخجيله بدعم ترشيحه. المطلوب منه أن يترأس حكومة &laqascii117o;الانقلاب" الدستوري الذي أطاح بحكومة سعد الحريري، وبأكثريته النيابية.
للحكومة الميقاتية مهمة واحدة: إرضاء &laqascii117o;حزب الله" باستقالة لبنان من محكمة الحريري الدولية. يا للتوقيت الميقاتي غير المناسب! فقد كان حكومته الأولى هي التي أمرت باتخاذ الإجراءات القضائية الأولى لملاحقة قتلة الحريري. المطلوب اليوم أن تبصم حكومته الجديدة إجراءات تعطيل العدالة الدولية. إجراءات هي بمثابة الاغتيال الثاني للراحل الحريري.
في سورية ولبنان، مثل شعبي يقول: &laqascii117o;ذهبت السكرة وجاءت الفكرة". زار ميقاتي دمشق. جدّد قديم الهوى مع الجارة. قبل بالدور. ثم قرأ السيناريو. فأصيب بالتردد! المخرج والمنتج يستعجلان تطويبه رئيسا للحكومة، قبل 14 شباط (فبراير)، الذكرى السنوية السادسة للاغتيال، وقبل صدور القرار الظني الدولي المرجح أن يتهم رجال &laqascii117o;حزب الله" بتصريف الخصم القديم.
ميقاتي لا يعترض على الانقلاب. فقد كانت الإجراءات الانقلابية دستورية. لكن يستصعب الدور والمهمة. بات يقول: لا انسحاب من المحكمة، إلا بوفاق سياسي (شبه مستحيل) بين أكثرية حزب الله (الانقلابية) والأكثرية الحريرية التي باتت أقلية.
لا شك أن ميقاتي استفاد من هشاشة تماسك الأكثرية الحريرية. واستفاد من المزاجية الشعبية السنية المتقلبة، خصوصا في طرابلس موطن ميقاتي وحليفه البارز محمد الصفدي، حيث تركز الهمس ضد حكومة سعد الحريري، بالزعم بأنها تقدم صراعها من أجل العدالة، على قضايا الحياة اليومية، وفي مقدمتها غلاء الأسعار الفاحش. والبطالة المتحكمة في أمل الأجيال الجديدة.
حرفة ميقاتي جعلته يطرح شعارا &laqascii117o;وفاقيا" لحكومته. كان رد الحريري: لا عودة للتجربة الحكومية الوفاقية. فقد استغل حزب الله وحلفاؤه امتياز &laqascii117o;الثلث المعطل" لإسقاط الحكومة. ولا مشاركة حريرية في الحكومة الميقاتية، إلا إذا تعهد رئيسها، سلفا، بعدم الاستقالة من المحكمة.
ربما وجدت سورية في اختصار الأكثرية الحريرية حائلا يمنع &laqascii117o;حزب الله" من تقويض اللعبة الديمقراطية اللبنانية بقوة السلاح. غير أن استقلالية الدور السوري، في هذا المجال بالذات، من دون استشارة الشريك السعودي، هو الذي حفز القيادة السعودية، إلى الاستقالة من الدور الثنائي. على أية حال، الانسحاب السعودي لم يعطل الدور السوري. بل إلى الآن، لم يُلْغ العلاقة الايجابية مع سورية، وإن طبعها بطابع بالغ الصعوبة في لبنان.
وهكذا، فسورية تعود اليوم إلى لعب دور عربي نافذ ومتفرد في لبنان. المغامرة كبيرة، بحيث تهدد نجاح سورية في الخروج من العزلة التي فُرضت عليها، بعد اتهامها الأولي باغتيال الحريري. هناك خياران أمام أميركا وأوروبا في التعامل مع الظهور السوري المتجدد في لبنان والمنطقة: إدارة أوباما راغبة في الحوار. وإن كانت عاجزة عن فرض انسحاب إسرائيلي من الجولان، يُعفي سورية من مسايرة إيران وحزب الله في لبنان والمنطقة.
أما فرنسا فقد اقترحت لجنة حكماء دولية، كمظلة واقية لاستقلالية لبنان. فَوَّضَتْ تركيا وقطر الاقتراح الفرنسي لصالح الاحتكار السوري المتجدد في لبنان. ولعل قبول أميركا وأوروبا، بدستورية الحكومة الميقاتية، موقوت بقدرة سورية على لجم حليفها حزب الله، عن استكمال هيمنته على النظام اللبناني.
هل هناك علاقة للأحداث اللبنانية بأزمة النظام الجمهوري العربي؟ تبلغ الصلافة بـ&laqascii117o;حزب الله" إلى درجة شَنِّهِ حملة شعواء على النظام العربي في محنته الراهنة. ينسى الحزب، الذي يشبِّه زحفه للهيمنة على النظام اللبناني بالانتفاضة التونسية، أنه هو نفسه امتداد خارجي لنظام إيراني. نظام &laqascii117o;قمع" انتفاضة إيرانية شعبية واسعة، بإهراق الدم. بالإعدام. بالاعتقال، للتجديد لراعيه نجاد، وإسباغ معصومية الفقيه على تزييف الانتخابات.
بل يمكن اعتبار انتفاضة الشارع السني اللبناني ضد &laqascii117o;نظام" حزب الله الذي يجري فرضه على الديمقراطية اللبنانية، بمثابة جزء لا يتجزأ من انتفاضة الطبقة الشعبية العربية الجديدة الراغبة في حياة أفضل.
إذا كانت هذه الطبقة الشبابية تدخل في مواجهة مع النظام الجمهوري العربي الذي لم يعرف باكرا، مع الأسف، كيف يكتشفها. ويحتضنها كقاعدة شعبية له، فهي أيضا تكشف، لأول مرة منذ رواج تنظيمات الإسلام السياسي، عن رفضها للشعارات الغيبية، وللحلول الجاهزة التي تطرحها هذه التنظيمات.
الطبقة الشعبية الجديدة لا يمكن لها أن تستمر في السباحة في فراغ يؤدي بها إلى الفوضى والعنف. كما بدا في بعض سلوكيات الانتفاضتين التونسية والمصرية. لا بد لها من أن تصوغ خطها. أن تشكل قيادة لها. أن تحتل موقعها المستقل في الحراك الاجتماعي.
لتحقيق ذلك، لا بد من تسييس هذه الطبقة الاجتماعية الشابة (ثلثا المجتمعات العربية دون الثلاثين من العمر)، لبلورة نهج خاص بها. يحفظ لها براءة عذريتها. ويؤكد دورها السلمي في المجتمع. ويمنع محاولات استيعابها واحتوائها، سواء من ليبرالية البرادعي المغتربة، أو من الحركات الغنوشية. والإخوانية التي أثبتت عدم قدرة قياداتها العجوزة عن تكييف منطلقاتها مع العصر، هذا العجز الذي أدى إلى اختفاء اللحى في الشارع الشبابي الملتهب.