ـ 'السفير'
كتـاب فرنسـي جـديـد &laqascii117o;حـيـن تسـتيقـظ سـوريـا": رصـد اغتيـال الحريـري وحقـد شـيراك علـى الأسـد
سامي كليب:
&laqascii117o;ان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري كان ضد المصالح السورية في لبنان والمنطقة، وان ديتليف ميليس الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية كان يدور في فلك الاستخبارات الاميركية والموساد الاسرائيلي، وان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الباحث عن تصحيح علاقته بالرئيس الاميركي السابق جورج بوش كان حاقدا على الرئيس بشار الأسد ومتأثرا بالضغوط اليومية التي مارسها عليه الحريري لتصعيد اللهجة ضد الأسد".
هذه باختصار الخلاصات الاولى للكتاب الذي صدر في فرنسا مؤخرا بعنوان
qascii117and la Syrie s&rsqascii117o;&eacascii117te;veillera &laqascii117o;حين تستيقظ سوريا"، ويحمل توقيع الكاتب الفرنسي المتعاطف مع القضايا العربية ريشار لابيفيير والاعلامي السوري طلال الأطرش .
كل هذه الخلاصات مهمة، ولكن المهم أيضا هي تلك المقدمة التي كتبها آلان شوويه المدير السابق للاستخبارات الخارجية الفرنسية DGSE والمكلفة بمكافحة الارهاب والجريمة والتجسس، فالرجل قدم صورة باهية عن سورية الحديثة في عهد بشار الاسد تناقض كل الافكار المسبقة التي سيقت في الغرب ضد دمشق بسبب مواقفها السياسية. يقول آلان شوويه &laqascii117o;إن سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي أقرت العلمانية في دستورها والتي سمحت بالمساواة بين الرجل والمرأة في الوصول الى الوظائف العامة والخاصة بغض النظر عن طوائفهم، والتي منعت منذ زمن طويل ارتداء النقاب في الاماكن التربوية والمدارس والجامعات، وان الحكومة السورية وخلافا للكثير من دول المنطقة تضم نساء في مراكز حساسة".
ويضيف المسؤول الفرنسي الخبير بالشأن السوري &laqascii117o;أن السوريين يعلمون ان اعداءهم ليسوا في الغرب، باستثناء بعض المحافظين الأميركيين الجدد العاملين على مغازلة شركائهم في شبه الجزيرة العربية، ولكن الدعم السياسي الكبير الذي قدمته أميركا منذ عام 1945 للانظمة والجماعات الاكثر تطرفا في العالم السني باسم المواجهة بين الشرق والغرب، دفع سوريا ذات العشرين مليون نسمة، دفعا الى احضان الاتحاد السوفياتي حتى عام 1990 والى التحالف مع إيران. وسوريا لا يمكن اليوم الا ان تكون حذرة جدا حيال ما يحصل في جوارها من فوضى أهلية في لبنان والعراق، لان في ذلك ما قد يخدم فرقا اسلامية مرشحة لنقل عدواها الى سورية".
ويتوقف المسؤول الاستخباراتي طويلا عند حقبة بشار الأسد فيقول &laqascii117o;ان سورية عرفت حركة تحرر سياسي واجتماعي مهمة وعرفت تحديثا اقتصاديا وماليا، وباتت المؤهلات هي الأهم في الحياة العامة وليس الانتماء الطائفي، وانفتحت سوريا على الاسرة الدولية من خلال مشاركتها في &laqascii117o;الاتحاد من أجل المتوسط"، والتعاون مع الاستخبارات الغربية ضد الإرهاب، وإيجاد قواسم مشتركة مع العاهل السعودي الملك عبدالله، والقبول بالحوار البعيد عن الاضواء مع اسرائيل برعاية تركية". ويقول &laqascii117o;إن سوريا بحاجة، لكي تواصل تطورها، إلى ضمانات دولية دائمة وموثوقة، ولكنها حتى الآن لم تحصل الا على الاحتقار والتهديد والعقوبات من قبل القوة الاميركية العظمى ذلك ان صلابة الموقف السوري حيال اسرائيل يدفع (واشنطن) للاستياء".
وبعد أن يقدم الكتاب صورة شاملة وجميلة عن سورية الحديثة، ويغوص في التعريف التاريخي بها وبحضارتها وبموقفها من السلام وبالمحطات الرئيسة في تاريخ حزب البعث، فان مؤلفيه لابيفيير والاطرش يتوقفان طويلا عند اغتيال الحريري.
من المستفيد من اغتيال الحريري؟
لفهم ما حصل، يعود الكاتبان الى حزيران 2003 أي إلى قمة الدول الصناعية الثماني في ايفيان الفرنسية، فاللقاء هناك بين جاك شيراك وجورج بوش كان &laqascii117o;جليديا" بسبب معارضة فرنسا للحرب على العراق، ولذلك فان شيراك كان يتهيب اللقاء الثاني مع جورج بوش والذي حصل بينهما بعد عام أي في حزيران 2004 في منطقة النورماندي الفرنسية لمناسبة الذكري 60 لانزال الحلفاء عند السواحل الفرنسية في الحرب العالمية وقد طلب شيراك من مساعديه &laqascii117o;إيجاد شيء ما دبلوماسي يمكنه ان يرطب الأجواء مع هذا السافل" (يعني بوش).
وهكذا أطلق مستشاره السياسي موريس غوردو مونتانيو والسفير الفرنسي في واشنطن آنذاك جان دافيد لوفيت الفكرة التي ستصبح لاحقا مشروع القرار 1559 : &laqascii117o;وتضمَّن النص اتجاهين، الاول، فرنسي يستهدف الانسحاب السوري من لبنان، والاميركي الاسرائيلي الذي طالب بنزع سلاح حزب الله".
وهكذا فان شيراك ذهب الى قمة ايفيان &laqascii117o;وفي رأسه 3 اهداف، اولها تهدئة فريقه الذي كان يعيب عليه مجابهته لواشنطن وبالتالي العمل على المصالحة مع بوش، وثانيها مساعدة صديقه القديم رفيق الحريري في صراعه مع القيادة السورية، وثالثها ان باريس كانت تريد معاقبة دمشق لأنها آثرت التجديد للرئيس اللبناني اميل لحود العدو اللدود للحريري، وهكذا فان شيراك الذي خلط بين علاقاته الخاصة ومصالح بلده، وضع حدا للشراكة الاستراتيجية الفرنسية السورية التي كانت قامت عام 1996".
ولم تكن أسـباب حقد شيراك على الأسد سياسية محض، وانما دخلت اليها أيضا مصالح اقتصادية، وذلك بعد ان منحت ســورية اكبــر عقـــد غــازي فـي تاريخها للمجموعة الاميركية البريطانية الكندية: Occidental,Petrovac,and PetroCanad قد عجَّل ذلك بالقطيعة، خصوصا أن هذه المجموعة قدمت عرضا يفوق باكثر من 150 مليون دولار ذلك الذي قدمته الشركة الفرنسية &laqascii117o;توتال". ويروي الكاتبان كيف ان &laqascii117o;شيراك كان يتعرض يوميا لضغوط من رفيق الحريري الذي كان يدفعه لتصعيد اللهجة ضد بشار الأسد".
وبعد أن يستعرض الكتاب المراحل التي مرت بها المنطقة في اعقاب اغتيال الحريري والانسحاب السوري من لبنان والقرارات الدولية، يتوقف عند مسألة شهود الزور ويربطها خصوصا برئيس لجنة التحقيق الدولية سابقا.
ديتليف ميليس في فلك الـ&laqascii117o;سي آي أي" و&laqascii117o;الموساد"
فبعد ان فشل &laqascii117o;توقع شيراك انهيار نظام بشار الاسد في اعقاب انسحاب الجيش السوري من لبنان... وضعت الأمم المتحدة لجنة تحقيق دولية على راسها القاضي ديتليف ميليس، وهذا المدعي العام السابق عمل طويلا في المانيا الغربية ودار في فلك السي أي أي قبل ان يعمل في واشنطن لصالح WINEP وهو مركز للأبحاث شريك للجنة العلاقات العامة الاميركية الاسرائيلة &laqascii117o;ايباك"، وأحاط ميليس نفسه بفريق من الالمان والإسرائيليين، وكان رئيس المحققين معه هو الاسترالي نك خالداس وهو في الحقيقة مصري يحمل الجنسية الاسترالية ويقيم علاقات قوية مع الموساد، وكان كل هذا الفريق بالتالي يبحث عن اهداف بعيدة كل البعد عن معرفة حقيقة (اغتيال الحريري) لان هدفه النهائي كان البحث عن اتهام كل من يعارض خطط أميركا واسرائيل في الشرق الأوسط".
ويرصد الكتاب الفرنسي محطات لافتة للانتباه في الاغتيالات اللبنانية ليؤكد ان معظمها كان يستهدف سورية، فمثلا &laqascii117o;تاريخ اغتيال الوزير بيار الجميل كان ذا مغذى كبير، فقد حصل في 21 تشرين الثاني 2006 أي قبل ساعات قليلة فقط من اجتماع مجلس الامن والذي كان يتجه للتصديق على المحكمة الدولية، وبالتالي فان منفذي هذا الاغتيال كانوا ينشدون 3 أمور: أولها، الحفاظ على الضغوط على دمشق، وثانيها، كسر التحرك الشعبي لحزب الله والتيار الوطني الحر بقيادة العماد ميشال عون ضد حكومة فؤاد السنيورة، وثالثها التشويش على اعادة التعاون بين سورية وأميركا بشأن العراق". وكذلك الأمر مثلا بالنسبة لاغتيال الامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، فهنا اسئلة الكاتبين كثيرة خصوصا انه &laqascii117o;تكفي قراءة تاريخ الرجل ليعرف المرء انه لم تكن لسورية اية مصلحة في تصفيته". وينقلان عن رافي مادايان ابن زوجة حاوي اتهامه آنذاك للموساد بالوقوف خلف هذا الاغتيال.
أمثلة كثيرة يسوقها لابيفيير والاطرش للتأكيد على ان اغتيال الحريري وما تبعه كان يستهدف سوريا وانه لم تكن لسوريا اية مصلحة في ذلك وانما كان الهدف هو سحب جيشها من لبنان وتطويقها واسقاط نظامها لانه وقف ضد الاميركيين والاسرائيليين، وهما يقولان في ختام هذا القسم من الكتاب: &laqascii117o;وهكذا بعد ان مات الاحتمال السوري، ظهر الاحتمال الإيراني، فالصحافي ايريك فولاس الصديق القديم لديتليف ميليس اكد ان حزب الله لم يكن لديه هدف واضح لقتل الحريري، ولكن داعميه الايرانيين ربما كان لديهم هدف". و&laqascii117o;هذا بحد ذاته تبسيط غير منطقي".
سوريا الحديثة
في الكتاب كثير من المعلومات المعروفة والمكررة، ولكن أهميته تكمن في أنه يقدم وثيقة للتاريخ وفيها كل المحطات الهامة من تاريخ سوريا الى اغتيال الحريري، ولكن الاهم في هذا الكتاب الموجه أصلا لجمهور فرنسي غربي، هو تقديمه لصورة جديدة لسوريا تناقض كل ما اريد لصورتها من تشويه منذ عقود طويلة.
وهكذا نجد في الصفحات الاخيرة من الكتاب ما يقول &laqascii117o;ان سوريا اليوم هي دولة تبنت مبدأ التغيير على كل المستويات السياسية والاقتصادية، وكذلك في مجال العلاقات الاقليمية والدولية، وهي قادرة على ذلك لانها عرفت كيف تحافظ على ارث حزب البعث والنواة الصلبة في فلسفتها السياسية، أي العمل القومي العربي".وفي خواتيم الكتاب أيضا تقرير مهم جدا منقول عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الفرنسي يرصد واقع ومستقبل التحولات السورية الكبيرة، وأبرز ما فيه ان سوريا تعمل على عدم اثارة أي صراع مع اسرائيل وتفضل البقاء في مرحلة اللاحرب واللاسلم.
ـ 'النهار'
الحكومة قبل 14 شباط والقرار الاتهامي أم بعدهما ؟
سركيس نعوم:
لا يزال الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يواصل مشاوراته مع الاطراف السياسيين في لبنان بغية وضع التشكيلة النهائية لحكومته، ومن ثم البحث فيها مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان تمهيداً لإصدار المراسيم اللازمة لها. لكن احداً من متابعي الاوضاع السياسية، وتحديداً تطورات التشكيل الحكومي، لا يعرف حتى الآن موعد صدور مراسيم الحكومة الجديدة، بما في ذلك ربما الرئيس المكلف ومعه حلفاؤه الاساسيون في الداخل والخارج. إلا ان في اوساط هؤلاء رأيين يتعلقان بالموعد النهائي لتأليف الحكومة. يفيد الرأي الاول بأن الموعد المذكور سيتأخر بسبب استحقاقين مهمين: واحد داخلي وآخر خارجي ذو تفاعلات داخلية. الاول، هو ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري التي تقع في الرابع عشر من شهر شباط الجاري. ويعرف الجميع استناداً الى اجواء الرئيس 'المُستقالة' حكومته سعد الحريري والى اقواله، فضلاً عن اجواء معظم قيادات 'تيار المستقبل' وحلفائه في 14 آذار، ان استعدادات ضخمة تجري بغية جعل هذه المناسبة الحزينة فرصة لإظهار التأييد الشعبي الحازم ولا سيما السنّي للحريرية السياسية ولثورة الارز التي انطلقت بعد الاستشهاد. ويعرفون ايضاً ان الهدف منها اولاً إظهار ان شعبية 14 آذار لا تزال على حجمها الضخم. وثانياً، إظهار ان إخراج الحريري وفريقه من السلطة انما تم بالانقلاب عليهما وليس بالوسائل الديموقراطية. ومن شأن اجواء كهذه تشكيل تحدٍّ كبير للحكومة المؤلفة حديثاً قد يربكها او ربما يتسبب لها بأذى غير قابل للاصلاح كما حصل عام 2005، وخصوصاً اذا كان حجم الحشود 'المعادية' كبيراً جداً. اما الاستحقاق الثاني فهو الصدور الفعلي للقرار الاتهامي الدولي المرجح اواخر شباط، وذلك بعد الاجتماع المقرر في السابع منه بين قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين والمدعي العام الدولي دانيال بلمار للبحث في ملاحظات الأول على القرار الاتهامي للثاني. وطبيعي ان يفرض ذلك تمهّلاً في تأليف الحكومة وذلك خشية ان تؤثر نتائج التحقيق المعلنة رسمياً عليها.
ـ 'النهار'
قوى 8 آذار مطمئنة إلى 'حكومتها' القريبة / دوافــــــع 14 آذار وحـــــدودهــــــا في التفـــــاوض
روزانا بومنصف:
سرت شائعات في الساعات الاخيرة عن طموح القوى المسيحية في قوى 14 آذار الى المشاركة بناء على عوامل او اعتبارات سياسية مسيحية في الدرجة الاولى نتيجة التنافس في المناطق الواحدة اضافة الى عوامل تتصل بانفصال قوى 14 آذار او تمايز بعض الافرقاء في بعض المواقف، علما انه كانت هناك آراء متعددة منذ الاستشارات النيابية بين درس فوائد المشاركة في الحكومة وعدمها. إلا ان هذه الافتراضات حول تمايز القوى المسيحية عن الافرقاء الآخرين في هذه القوى لم تكن في محلها بحسب قريبين من 'تيار المستقبل' لأن الحركة المسيحية لهذه القوى كانت جزءا من التصور الاجماعي نفسه خصوصا ان مشاركة الافرقاء المسيحيين ايضا في الحكومة لن تكون بأي ثمن ولا يمكن المشاركة في الحكومة من اجل المشاركة فقط أكان بالنسبة الى حزب الكتائب الذي لا يستطيع الموافقة على الغاء المحكمة مثلا وثمة شهيدان في صفوفه من النواب الى جانب شهداء آخرين، او بالنسبة الى حزب 'القوات اللبنانية' الذي كان طموح قوى 8 آذار قبل اسقاط الحكومة يهدف الى محاولة ابعاد الحزب ورئيس هيئته التنفيذية سمير جعجع عن اي حكومة مقبلة حتى لو جاءت برئاسة الرئيس سعد الحريري.
في حين نقلت مصادر عن حزب الكتائب درسه إمكان المشاركة من زاوية عدم رغبته في تجربة البقاء خارج الحكم كما حصل بعد العام 1992 وان هناك تنافسا من ضمن القوى المسيحية بحيث لا ترغب في ان تترك التمثيل المسيحي للقوى المسيحية في 8 آذار التي تضغط بدورها لمنافسة حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في وزارتي الدفاع والداخلية ايضا غير آبهة بما يعنيه ذلك من تحد لجهة المحاذير التي ستترتب على ذلك، اي وقف كل المساعدات الخارجية من اي نوع للقوى الامنية والعسكرية بناء على ذلك. علما ان حتى ضمانة رئيس الجمهورية في هذا الاطار باتت غير اكيدة ومثار تشكيك في القدرة على الحد من الخسائر اكثر منها الحصول على المزيد من المكاسب في ظل الظروف التي ادت الى انقلاب قوى 8 آذار على الحكومة ودور رئيس الجمهورية في ذلك ولو من ناحية سلبية.
ـ 'النهار'
هل يتّعظ السياسيون اللبنانيون من وقف الدعم الأميركي للأنظمة ؟
خليل فليحان:
يجب ان يتعظ السياسيون اللبنانيون قبل اتكالهم على دعم الولايات المتحدة الاميركية لهم لأن النتائج لن تكون مربحة لهم، بل على العكس ستكون ضد ما يخططون له. والأمثلة كثيرة على هذا التخلي الاميركي منذ نشوء الاضطرابات الامنية التي دمّرت البلاد بين مسلحين لفريق من اللبنانيين ومنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات بسبب التجاوزات التي كان يمارسها مسلحوه ضد اللبنانيين. ليس هناك حاجة الى التذكير بأنه عندما كان 'ابو عمار' فاعلاً في المعادلة السياسية الداخلية وكان له الكثير من مؤيديه وخصوصاً من طائفة بارزة، تحولت المواجهات الى قتال بين اللبنانيين وتخلل ذلك اعتداءات اسرائيلية تحت ستار محاربة الفلسطينيين الذين كانوا متمترسين في الجنوب وفقاً لاتفاق القاهرة. انهكت تلك المواجهات الدامية مقومات الوطن وأدت عام 1978 الى اجتياح جزء كبير من اراضيه. وتلا ذلك بروز مقاومة وطنية طردته تدريجاً من اجزاء كان يحتلها، الى ان تحررت بالكامل عام 2000.
والكل يتذكر موقف واشنطن التي كانت تؤيد سيادة لبنان واستقلاله والحفاظ على وحدة أراضيه في بيانات متكررة غير ذات تأثير لم تمنع الاعتداءات الاسرائيلية، لكنها كانت فاعلة مع فرنسا في اصدار قرارات لمجلس الامن تدعو اسرائيل الى وقف خروقها الجوية والبرية والبحرية والبرية للسيادة اللبنانية، والدولة العبرية تضرب عرض الحائط ما هو مطلوب منها، ولا تزال تخرق ما التزمته في القرار 1701 باستثناء شن حرب جديدة في تموز 2006 بعدما صمدت المقاومة الوطنية ومنعتها من احتلال جديد لأي جزء من الجنوب.
ـ 'النهار'
شكلة ميقاتي أكبر مع 'الموالاة' الجديدة
عبد الوهاب بدرخان:
قد لا نكف عن القول، كلما تحدثنا عن الرئيس نجيب ميقاتي، أن الأمر لا يتعلق بشخصه وسمعته الحسنة واعتداله، ليكون النقد والاعتراض مفهومين ببعدهما السياسي البحت. تماماً، كما كان ضرورياً القول، كلما تحدثنا عن السيد حسن نصر الله، أن نقد مواقفه وأفكاره ومبالغاته لا تقلل من الاحترام لنضاله أو لتضحيات 'حزب الله'، بل لا تعني حتماً رفضاً لـ'المقاومة' ولا تآمراً عليها او اصطفافاً ضدها. وينطبق ذلك على سوريا ورئيسها، فالوقوف معها في مواجهة العدو الاسرائيلي بات من الثوابت اللبنانية، أما نقد تدخلاتها وانحيازاتها في لبنان فهو حق مشروع لا جدال فيه، ولن تستقيم العلاقة يوماً بين البلدين إلا عندما يلمس اللبنانيون احتراماً سورياً، مبدئياً وعملياً، لسيادة بلدهم ودولتهم ومؤسساتهم. وأي التفاف على هذا الاحترام أسس ويؤسس لعلاقة خاطئة ومسمومة.
هذه الأطراف الثلاثة، سوريا و'حزب الله' وميقاتي، هي التي قامت بـ'الانقلاب'. الاولى هندسته، والثاني نفذه، والثالث شكل الاداة والمواجهة التي يفترض أن تكون – وأن تظل – مقبولة. أما لماذا لا يزال اسمه 'انقلاب'، رغم الثوب الدستوري الذي اضفي عليه، فلأنه ببساطة اخضع الدستور لتكتيكات عسكرية. ونكرر الاشارة الى هذه 'التكتيكات' لأنها قبل 7 أيار 2008 وبعده اصبحت جزءاً لا يتجزأ من سياسة فريق 8 آذار المستقوي بالسلاح المستمد 'شرعيته' من 'المقاومة'، وهي شرعية تسقط وتصبح ميليشيوية كلما استخدم السلاح لتغيير الحقائق في الداخل، وهذا السلاح هو الذي غيّر الاكثرية وقلبها من طرف الى آخر. صحيح ان للسيد وليد جنبلاط اعتبارات ومآخذ سياسية حيال حلفاء الأمس، لكن ما حسم موقفه منذ غداة 7 أيار هو ان السلاح تجاوز حرمة المقاومة واصبح موجهاً الى الداخل.
وهذا 'الانقلاب'، شاء الرئيس ميقاتي أم أبى، أسفر عن غالب ومغلوب في البلد. وهو مرشح الفريق الغالب، أي سوريا و'حزب الله'. وطالما أن دمشق تدير اللعبة بالريموت كونترول، وليست حاضرة على الارض، فإن 'الانتصار' يحمل اسم وكيلها. لذلك سينظر داخلياً الى حكومة ميقاتي على أنها حكومة 'حزب الله' وايران، فضلاً عن سوريا، ويتساوى في ذلك ان يعطيها او لا يعطيها الخارج هذا الطابع، كما يتساوى في ذلك ان يقبل ميقاتي او لا يقبل صبغ حكومته بهذا اللون. قد يحاول مقاومة مثل هذا الادعاء أو الايحاء بالاستقلالية، لكن المسألة لا تتعلق بما يقول، وانما بما يفعل وبالمعادلة السياسية التي اوصلته الى الرئاسة الثالثة.
فلنترك قضية الطائفة السنية على حدة، فميقاتي يعرف جيداً ما عانته وما الذي انكسر فيها، ويفترض ان يعرف أن الطرف الثلاثي المركب الذي اختاره يخطط لفتنة يسهل اشعالها بين السنّة بواسطة من يموّلون ويتسلّحون في مناطقها. مع ذلك، دعنا من هذه القضية، ولنلفت الى مسائل الخلاف السياسي القائم. فاذا كان الانقسام الحاصل والانسداد والشلل تستوجب البحث عن وفاق، فان وفاقية ووسطية واعتدال ميقاتي ستكون هنا بلا فاعلية، لأن الوفاق مطلوب بين المتخاصمين، وهو برهن انه لم يكن واحداً منهم، لكنه بات الآن محسوباً على فريق، وبات في مصلحته ان يعتمد على هذا الفريق ليتمكن من تسيير وزارته. من شأنه، طبعاً، انه يصرّ على انه لا يزال هو هو ولم يتغيّر، لكنه سيتعرف الى الواقع خلال التشكيل وصياغة البيان الوزاري، وصولاً الى الجلسة الاولى لمجلس الوزراء. لن يجد أي عراقيل في الجانب المتعلق بشؤون الناس، واللبنانيون يتوقون فعلاً الى حكومة تعمل. غير ان 'الانقلاب' لم يحصل لأن الحكومة السابقة اخفقت في الخدمات، كما ان صانعي 'الانقلاب' لم يقدموا عليه إلا لمصالح سياسية، ولم يقرروا اقصاء سعد الحريري وحلفائه إلا بدوافع سياسية، ولن يقبلوا من ميقاتي – مرشحهم – أقل من خدمة تلك الدوافع وتحقيق تلك المصالح. قد يحظى بـ'فترة سماح' لكنها ستكون وجيزة جداً. لكن ماذا بعدها؟
سيجد ميقاتي نفسه، عاجلاً أو آجلاً، وسط المبارزة بين 'المقاومة' والمحكمة الدولية. لا شك انهم ظلموا 'المقاومة' اذ زجّوها في هذا الخضم الأسود، لكنهم ظلموا المحكمة أيضاً اذ امعنوا في الاستهزاء بالعدالة وضرورة كشف القتلة. لقد استهلك كم هائل من التضليل، خلال الشهور الماضية، لتحريف حقيقة الخلاف وادخلوا الى يقين أنصارهم أن المسألة تقتصر على 'مؤامرة أميركية – اسرائيلية'، ونقطة على السطر، فلا جدال ولا نقاش. سوريا وايران و'حزب الله' واتباعهم من اللبنانيين أرادوا تجنيد الحكومة السابقة ضد المحكمة، فهل يعتقد السيد ميقاتي انه جيء به لغير هذه المهمة؟
قد يستسهل الاقدام على 'التنازلات' التي كان الحريري أبدى موافقة عليها، شرط ان تكون مرفقة ومواكبة برزمة بنود/ مكاسب للبلد وأمنه، وللدولة وتعزيز دورها، لن يخطئ اللبنانيون في لمس توازنها وتفهم مقاصدها. ولا في أي مرّة افصح السوريون او 'حزب الله' عما كان مطلوباً من فريقهم لقاء 'تنازلات' الحريري وفريقه. وفي أي حال، تلك كانت بنود تسوية سعودية – سورية، ولم تعد قائمة، ولا يستطيع ان يستغلها بالتنازل الشخصي في ما سمي 'ولاية الدم'.
لا السوريون ولا 'حزب الله' ولا اتباعهما سيرحمون الرئيس ميقاتي. سيغرونه بأنه الرجل الذي سيمنع الفتنة، وهذا يتماشى مع عقليته ومزاجه وشعاره (التسامح والعزم والحزم). سيغرونه بأن اجتيازه هذه الخطوة/ الخطيئة ستصنع منه رئيس حكومة قوياً، فاذا خطاها سيبقى في المنصب الى أبد الآبدين، ومصلحته الشخصية والسياسية تلتقي مع مصلحة جميع مرشحيه في ضرورة انهاء 'الحريرية' كنهج وطني لا يحظى باعتراف سوريا ولا ايران ولا 'حزب الله' ولا اتباعهم. سيكون على ميقاتي ان يبتلع أفاعي كثيرة لئلا يفشل، لئلا يغتال سياسياً، ومن ذلك مثلاً ان يتحمل ويحمل على ضميره انه الرجل الذي قتل 'العدالة' معتقداً انه يدرأ الفتنة، ولن يدرأها.
ـ 'اللواء'
من ثورة الأرز إلى ثورة الياسمين فثورة مصر:شعوب كسرت القيود... وأخرى تتهيّأ!
فادي شامية:
هي سُنن الله في خلقه؛ لا تبديل لها&bascii117ll; الظلم قد يغلب حيناً، لكنه في المآل لا يسود، ولا بد أن يحطّمه الحق&bascii117ll; من فرعون الأول إلى <فراعين> هذا العصر؛ السُّنة الكونية نفسها؛ فعندما يصل الطاغية إلى ما يحسب أنه أقوى من أن يهزه أحد، يأتيه قدر الله من حيث لم يحتسب له أحد&bascii117ll; سنن الله هذه لا علاقة لها بدين أو جنس أو لون؛ فالله ينصر المظلوم على ظالمه، لأنه عدلٌ لا يحب الظلم، أما عقائد الناس فشأنٌ آخر، وحسابٌ آخر&bascii117ll;
فرعون مصر القديم لم يكن يخشى جيوش الغزاة، ولا أمم ذلك الزمان، وكان مطمئناً إلى انحناءة هامات الرجال في حضرة جبروته&bascii117ll; بذلك حَكَم؛ فشيّد من عذابات الناس بيوتَه قصوراً، ومن أنينهم بنى أهراماته قبوراً، ولم يحتسب إلى أن الله قد يجعل نهايته في ضحكات طفل صغير يترعرع في قصره: اسمه موسى؛ هو الوحيد الذي نجا من بين أولاد بني إسرائيل الذين قتـَل زبانيتُه أولادهم واستحيوا نساءهم!&bascii117ll; قال لشعبه في لحظة الحرج: إنْ موسى وهارون إلا ساحران جاءا ليذهبا بطريقتكم المُثلى&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; وزيّن الله شيطانه عمله إلى أن قاده إلى قلب اليمّ، فأطبقه الله عليه، فلما أيقن بالهلاك: قال آمنت الآن، فلم يُغنه ذلك من أن يكون عبرة تتذكرها الأمم اللاحقة، كلما رأت مومياءه التي اكتشف سرها موريس موكاي بعد آلاف السنين!&bascii117ll;
ولأن سُنن الله فوق التبدل بتغير الزمان والمكان؛ لم يستثنِ التاريخ أنظمة الاستبداد الحديث؛ التي انتصرت عليها شعوبها أمثال: نظام دكتاتور الباراغوي ألفريدو ستروسنر، ودكتاتور تشيلي أوغوستو بينوشيه، والدكتاتور الإثيوبي منغستو ميريام، والرئيس التشادي حسين حبري، والرئيس الإفريقي جان بوكاسا، والطاغية الروماني نيكولاي تشاوشيسكو&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; فضلاً عن الطغاة الذين سقطوا بفعل حروب خارجية أو أوقفتهم العدالة الدولية&bascii117ll;
ومن آخر هؤلاء عربياً؛ نظام زين العابدين بن علي، الذي قتل أو سجن أو نفى أو أخضع المعارضين كلهم، ولم يحتسب أن نهايته سيكتبها بائع خضار، صفعه شرطي وبصق عليه، فأحرق نفسه، وأشعل الثورة&bascii117ll; بن علي كان طاغوتاً يتجمّل؛ حارب الله في شرعه&bascii117ll; مزّق زبانيته حجاب النساء في بلدٍ مسلمٍ كله&bascii117ll; قيّد القرآن، وصوت الأذان، وسنن الإسلام، وقهر أبوّة رجل لم تنجب زوجته، فحرّم عليه زواجاً شرعيا&bascii117ll; في عهده صار المطالبون بالحرية مجرمين، وبنات وزوجات المطاردين السياسيين سبايا، وبات الدخول إلى المسجد من خلال بطاقة ممغنطة يصدرها جهاز المخابرات!&bascii117ll; نشر بن علي الرذيلة باسم السياحة، ونهب وبناتُه وأزواجُهن الخيرات&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; حتى خضرة الزيتون في الأشجار التونسية&bascii117ll; زرع نظامه الجوع والذل في الناس ألواناً وأشكالاً&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; حتى صرخ خضير بو عزي من وسط النار: من أجلك يا تونس العظيمة، فتذكّر الناس أبياتاً لابنهم أبي القاسم الشابي، وأشعلوا -كما أراد القدر- ثورة الياسمين التونسية، وفي بضعة أيام دفنوا أربعةً وعشرين عاماً؛ من نظامٍ ما كانت أبهى أحلامُهم تتخيل أنه سيغرب عنهم&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; حتى لكأنهم لم يصدّقوا ما فعلت قبضاتهم الغاضبة في عالم الحقيقة!&bascii117ll;
قبل ذلك بست سنوات ?تقريباً- أحرقت النيران في بيروت رفيق الحريري وصحبه الشهداء&bascii117ll; ما كان يظن كثيرون أن اسم رفيق الحريري سيختلف عمن سبق، حداداً وتعزيةً وذكراً لمآثر <الراحل الكبير>، ثم يُطوى كما الذين سبقوه&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; لكن الله أراد أن يكون الحريري مختلفاً!&bascii117ll; قبل 14 شباط 2005 ما كان بالإمكان أن يُزحزح النظامَ الأمني أحد، ولا أن يرهبه أحد؛ فلبنان كان الورقة التي كسبها في <لعبة الأمم>، ولا يريد تركها ولو اضطر إلى استعمال هراوات، وملء سجون، أو قتل أو إخفاء أو نفي معارضين، أو حبك روايات إرهابٍ تذكّر مفوضيه <المستكبرين> بأنه ما يزال حاجةً لهم؛ فلما صرخ رفيق الحريري والنار تحرقه؛ أشعلت أنفاسُه ثورة الأرز، التي لأَمَت جراحاً بين المسلمين والمسيحيين عمرها ثلاثون عاماً، وأسقطت ظلماً امتد لثمانية وعشرين عاماً، لكن <فقه الثورات> يقول إن نار الثورة تخبو بفعل الزمن، والتسويات، وأنانيات أبنائها&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; فإما أن تأكل الثورة أولادها، أو تضعف فتسمح للنظام نفسه، أو لظلمٍ آخر، أن يتمدد فيقوى&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; إلى أن يأتي يوم تتجدد فيه الثورة أو تولدُ ثورة جديدة!&bascii117ll;
في الأسبوعين الماضيين؛ شهدت أرض الكنانة <حرائق> أولية، كمن يشعل عود الثقاب محاولاتٍ موؤودة قبل أن ينجح&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; ثم ثار الشباب في مصر كما تثور رياح الخماسين فوق رمل الصحراء اللاهبة، وأثبت للمشككين بنخوة العرب أنهم شعب يستحق الكرامة والحياة&bascii117ll; ما كان ينبغي لمن يحكمهم أن يستخفّهم إلى الحد الذي يشطب فيه هامش التمثيل الحقيقي الضئيل، الذي تركه لهم في الدورات الانتخابية السابقة، وما كان يصح أن يقول عن المخنوقين: <سِبهم يتسلّوا>، وما كان يمكن أن تصل الرغبة بتخطي إرادة وكرامة الناس دون أن ينفجر بركان الغضب&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; ويقول لحسني مبارك: <ارحل&bascii117ll; مش عايزينك&bascii117ll; مش حنتفاوض معاك>&bascii117ll;
إنه جدار الخوف الذي تخطاه الشعب اللبناني والتونسي والمصري، وكأنه كان يفصل بين الجنة والنار؛ فلما سقط أشرقت شمس الحرية؛ فعاد المنفيون، واستيقظ الراقدون، وتمجّد المضحّون&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; واستلهم العبرَ الباقون، شعوباً تتهيأ وأخرى بدأت، والموجة لن تترك أحداً، بمن فيهم أولئك الذي يُلقون اليوم دروساً في الحرية والديمقراطية، على أساس أنهم أئمة العدل في العاصمة الفاضلة، مع أن عوراتهم -إن ظهرت- ستكون أخزى وأشد سوءا&bascii117ll;
من أجل ذلك؛ يتحسس حكام منطقتنا اليوم كراسيهم جيداً، ليتأكدوا أنهم ما زالوا عليها، وأن صبر شعوبهم لم يبلغ لحظة الطفرة، وأن شبح النظام ما زال يدخل إلى روع النفوس، حتى وهي نائمة، لكن نواميس الحياة غلاّبة، فلا قول وزير الخارجية المصري: <إن انتقال ما جرى في تونس إلى مصر كلام فارغ> صَدَق، ولا أراجيز الذي يتحدثون عن اختلاف الأوضاع في بلادهم ستصدق، وإن غداً لناظره قريب، فإن لم يكن غداً فبعد حين&bascii117ll;&bascii117ll;&bascii117ll; لكنه حتمٌ ويقين&bascii117ll;
ـ 'الشرق الأوسط'
ما تعلمته من الثورة الإيرانية الفاشلة
إبراهيم الجبيلي:
باريس - لعبت الثورة التونسية دورا كبيرا في العالم العربي والإسلامي. وذلك من خلال إزالة الحاكم الطاغي الذي كان العقبة الرئيسية في طريق الديمقراطية. حيث فتحت هذه الثورة مستقبلا واعدا، وذلك للقضاء على الحكم الاستبدادي المدعوم من الحكومات الأوروبية والعربية في هذه الأوضاع الراهنة.
كما نرى في المظاهرات المتزايدة في مصر إنما هو محاولة لطرد الفاسدين الذين لعبوا دورا في القضاء على الشعوب وتقييد حريتهم. إنما هو رسالة الثورة التونسية إلى أن حياة الاستبداد لا تطاق في هذه البلدان. إن مثل هذه المظاهرات إنما هي شرعية وطنية قومية وليست مرتبطة بأي ذريعة غربية أو أجنبية كما هو الحال في الغزو الأميركي على العراق.
ومن خلال تجربتي الشخصية، فإن هذه المظاهرات تحاول فتح مستقبل تسوده قيم الديمقراطية والقضاء على الدكتاتورية. ومن أجل خلق وتحقيق الديمقراطية في ربوع البلاد، لا بد من مراعاة العديد من الشروط:
أولا: من خلال القيام بالعديد من المظاهرات والثورات التي تهدف إلى تفكيك النظام الدكتاتوري السابق وإعادة بنائه ضمن هيكلية مناسبة للشعوب. كما حصل في الثورة التونسية، التي ثارت ضد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. ومن هذا المنظور، يجب على الثوار والمتظاهرين عدم القبول بأي مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية، بل عليهم أن يمارسوا حقهم في انتخاب رئيسهم الجديد.
ثانيا: ينبغي على الثورة أن تكون ضد النظام المستبد كاملا بما فيه السلطة التنفيدية والقضائية والتشريعية. والقضاء على النظام السابق كاملا وليس فقط تغيير الشخصيات.
إضافة إلى ذلك، يجب على الناس الذين ليس لهم خبرة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أن لا يتخذوا أي شخصية من معالم النظام السابق لأن هذا سيؤدي إلى إعادة بناء النظام السابق. كشخص خبير في تاريخ الثورة الإيرانية التي حدثت عام 1979، أدعو الناس إلى الانتباه في اختيار ممثلين ليس لديهم أي علاقة مع النظام السابق، وذلك لعدم انتخاب أي شخصية لها علاقة مع النظام السابق.
وعلى المتظاهرين أن لا يعتمدوا في أعمالهم على أي منظمة سياسية خارجية كانت أم داخلية. بل وعلى العكس يجب أن يجعلوا وجودهم منتشرا في جميع أنحاء البلاد، والحث على تشكيل مجالس ثورية محلية تدعمهم. وعلاوة على ذلك، يجب أن لا يكتفي المواطنون في البحث عن شخصية قيادية لتولي زمام الأمور، بل عليهم المساهمة الفاعلة في تطوير مهارات القيادة والمشاركة في النقاش والعمل مع الآخرين لخلق مجتمع مثالي تسوده المساواة.
إضافة إلى ذلك، يجب على المواطنين عدم التخلي عن كل نظام تابع للدولة، لأنه سوف يكون مليئا بالمنظمات السياسية التي ستعيد بناء الممارسات القمعية. حيث يجب على المواطنين المشاركة في بعض القضايا التي لا بد من معالجتها وفي النهاية تشكيل دولة ديمقراطية غير دكتاتورية.
ومن ناحية أخرى، يجب على المنظمات السياسية الالتزام بالقيم الديمقراطية التي تساهم في إزالة العنف بين المواطنين. ويجب عليهم أن يكونوا يدا واحدة ضد أي انتهاك للفرد أو المجموعة من قبل الدولة. ولقد لعبت الثورة الإيرانية في ذلك الوقت بارتكاب سياسة القمع والافتقار إلى الديمقراطية، وساهمت في تفكيك طبقات المجتمع الإسلامي والعربي.
وفي أول ثورة سلمية في القرن الحادي والعشرين في هذا البلد الإسلامي، لعب المثقفون وعلماء الدين دورا مهما في تطوير واستقطاب الحرية، وذلك من خلال الدفاع عن حقوق الإنسان بغض النظر عن الدين أو الجنس. فعلى سبيل المثال، انتشر بعد الثورة الإيرانية انتهاك الحريات وحقوق الإنسان وارتكاب جرائم ضد البشرية وانتهاك حقوق الأبرياء.
وعلاوة على ذلك، يجب الدفاع عن حقوق جميع المواطنين الذين مورست بحقهم جميع أشكال القمع والفساد من قبل النظام الذي كان سائدا في تلك الفترة. ومن هذا المبدأ يتم ظهور قيم المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أفراد الشعب الواحد. وكما رأينا وكما يمكن أن نراه في الأيام القليلة القادمة، إذ ربما تلجأ السلطة إلى أساليب العنف والترهيب والاستبداد، وذلك من أجل فرض سيطرتها على المجتمع كاملا وحتى يصبح هذا المجتمع فريسة سهلا للقضاء عليه وتقييد حريته.
ومن أجل درء الظلم والعنف عن الشعب، يجب إعادة تنظيم قوات الأمن القائمة بحيث تكون مبدأها الديمقراطية وسيادة القانون بين الناس جميعا.
ومن خلال الرجوع إلى الثورة التونسية، أظهرت الثورة أنها تستطيع أن تحقق جميع أهدافها وأرائها من دون اللجوء إلى أي قوة أخرى مثل آية الله الخميني. لكن هذا لم يتم في غضون أسابيع قليلة، بل من الواجب على الثورة الجماعية في الكفاح والنضال المستمر عبر العديد من السنوات وعدم الرضوخ لأي عقبة تواجههم مهما كانت من أجل استعادة حريتهم وأهدافهم.
* أول رئيس لإيران بعد الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه في 1979.. وهو حاليا يعيش في المنفى بباريس
* خدمة &laqascii117o;غلوبال فيوبوينت"