قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 4/2/2011

- 'النهار'
تحديات الانتقال من حكومة 'حزب الله' إلى حكومة مقبولة.. ميقاتي القوي ميقاتي الضعيف
بقلم عبد الكريم أبو النصر:

'سفير أوروبي يمثل دولة بارزة أرسل الى حكومته من بيروت تقريراً عن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وخططه وتوجهاته جاء فيه ان ثلاثة عوامل أساسية تدفع الى الاعتقاد حتى الآن أن حكومة ميقاتي قد تكون 'حكومة حزب الله' أو حكومة حلفاء دمشق، بقطع النظر عن نيات رئيسها وعما يمكن أن يقوم به لاحقاً. وهذه العوامل هي الآتية:
أولاً - وافق ميقاتي على تأليف الحكومة وهو يعلم جيداً ان اسقاط حكومة الوحدة الوطنية تمّ بقرار اتخذه نظام الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه بعدما رفض رئيسها سعد الحريري الرضوخ لمطالب السوريين وحلفائهم وشروطهم المتشددة التي تحقق لهم كل المكاسب وتضعف لبنان داخلياً وخارجياً، وسعى في المقابل طوال أشهر وفي رعاية سعودية الى انجاز حل شامل ومتوازن للمشكلة اللبنانية ولقضية المحكمة الخاصة مقبول من كل الأفرقاء يؤمن العدالة والاستقرار معاً ويحقق مصالح اللبنانيين الحيوية ويشمل اتخاذ اجراءات محددة لحظر استخدام العنف والسلاح في الصراع السياسي الداخلي. وقد رفض حلفاء دمشق هذا الحل الشامل.
ثانياً - لم يتشاور ميقاتي سلفاً في شأن قبوله بتأليف الحكومة مع الحريري حليفه الأساسي الذي خاض معه الانتخابات الأخيرة والذي يمثل الغالبية الساحقة من السنة ويرئس أكبر كتلة نيابية، بل اتخذ قراره هذا بالاتفاق مع نظام الأسد و'حزب الله' ثم اطلع حليفه السابق عليه.
ثالثاً - انحاز ميقاتي، بقراره هذا الى خيار الحل الجزئي الذي تدعمه سوريا ويهدف الى محاولة تعطيل عمل المحكمة واضعاف الحريري والاستقلاليين وذلك بعدما تخلت السعودية عن التعاون مع نظام الأسد لايجاد حل شامل ومتوازن للمشكلة اللبنانية يؤمن مصالح كل الأفرقاء وليس مصالح حلفاء دمشق وحدهم.وأوضح السفير الأوروبي في تقريره 'أن ميقاتي لم يقل كلمته الأخيرة بل انه اتخذ في الأيام الاخيرة مواقف تتناقض الى حد كبير مع ما يريده ويتمناه حلفاء دمشق في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة وضرورة تأمين الاجماع الوطني على أي قرار يتناول التزامات لبنان حيالها وفي ما يتعلق بقضايا داخلية وخارجية مهمة أخرى. ونجاح ميقاتي في مهمته الجديدة يتحقق اذا عمل على انقاذ البلد من مشكلته المعقدة من طريق التوصل الى حل متوازن يضمن الحقوق والمصالح المشروعة لكل الأفرقاء وللبنانيين عموماً عوض أن يكون أسير حلفاء دمشق ويعمل على تأمين تغطية لخططهم وتوجهاتهم'.هذا ما أدلت به مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس وثيقة الاطلاع على مسار الأوضاع في لبنان. وأوضحت ان المسؤولين في الدول العربية والأجنبية المعنية بمصير لبنان يرون ان السمعة الشخصية لميقاتي وسمعته كسياسي 'جيدة' لأنه 'ليس رجل قتال بل رجل حوار' ولأنه 'وفاقي وسطي معتدل منفتح على الآخرين'، لكن تجربته الجديدة كرئيس للحكومة 'ستكون هي المحك الحقيقي له ولقدرته على التزام العمل لمصلحة لبنان وجميع اللبنانيين وليس لمصلحة حلفاء دمشق وحدهم'. وأشارت الى ان ميقاتي يتمتع بمصدر قوة أساسي ويعاني نقاط ضعف عدة.وقالت المصادر ان القوة الأساسية لميقاتي تكمن في ان حلفاء دمشق يحتاجون اليه فعلاً 'لأنه الخيار الأفضل لهم في هذه المرحلة ولهم تالياً مصلحة في نجاح تجربته ولأنهم يريدون أن يثبتوا أن اسقاط حكومة الحريري لن يقود الى انهيار لبنان وخرابه بل انهم قادرون بالتعاون مع الرئيس الجديد للحكومة على معالجة المشاكل العالقة بطريقة مقبولة'. وضمن هذا السياق تلقت باريس معلومات تفيد أن نظام الأسد اتخذ منذ شهرين أو ثلاثة أشهر قراراً بايصال ميقاتي الى رئاسة الحكومة وبالتخلي عن دعم الحريري لأنه لم ينفذ كل مطالب دمشق وحلفائها المتعلقة بالمحكمة الخاصة وما يرتبط بها وبمسار العلاقات اللبنانية - السورية وبقضايا أخرى مهمة. وانتظر نظام الأسد 'الوقت المناسب' لتنفيذ قراره هذا، فتحقق ذلك حين تخلت السعودية عن تعاونها مع سوريا لتسوية المشكلة اللبنانية. وقد رشح الرئيس عمر كرامي لتأليف الحكومة 'اعلامياً' و'مناورة' من اجل التهويل واظهار استعداد نظام الأسد وحلفائه للذهاب الى النهاية في المعركة مع المحكمة ومع الاستقلاليين. والواقع ان ترشيح كرامي هدف الى تمهيد الطريق أمام ميقاتي ليتولى هذه المسؤولية على أساس انه يمكن أن يكون مقبولاً من أطراف عدة في الداخل والخارج خلافاً لكرامي 'مرشح التحدي والمواجهة داخلياً وخارجياً'. وكما قال ديبلوماسي أوروبي مطلع، 'أراد نظام الأسد، من خلال دعم ميقاتي، أن يظهر نوعاً من المرونة وأن يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال التوصل الى تفاهمات في شأن لبنان مع جهات عربية ودولية معنية بالأمر. لكن اسم ميقاتي ليس كافياً وحده لتحقيق هذا الهدف لأن الجهات العربية والدولية المعنية ستتعامل معه في ضوء أعماله وقراراته وتوجهات حكومته وليس بناء على ماضيه واقتناعاته الشخصية'.
نقاط ضعف ميقاتي
وأضافت المصادر الأوروبية المطلعة ان نقاط الضعف الأساسية لميقاتي هي الآتية:
أولاً - ان ميقاتي شخصية سياسية محترمة لكنه ليس زعيماً سياسياً يمتلك قاعدة شعبية كبيرة ودعماً سياسياً واسعاً على امتداد الوطن كالحريري، وليست لديه كتلة نيابية كبيرة وحتى صغيرة خاصة به، بينما يتزعم سلفه أكبر كتلة نيابية اسلامية - مسيحية. وهذا يعني أن ميقاتي مضطر الى الاعتماد على حلفاء دمشق وخصوصاً على 'حزب الله' داخل مجلس الوزراء وفي مجلس النواب لاتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير أمور الدولة ومعالجة شؤون المواطنين.
ثانياً - وصل ميقاتي الى موقعه الجديد ليس على أساس انه مرشح توافقي لرئاسة الحكومة اذ انه لم يحصل سلفاً على دعم القاعدة الشعبية السنية التي ينتمي اليها أو على دعم الكتلة النيابية التي تحالف معها في الانتخابات الأخيرة، بل وصل الى هذا الموقع مرشحاً للقوى التي تريد الحاق الهزيمة السياسية بالحريري والاستقلاليين وتحاول، أيضاً، اضعاف دور السنة في البلد من خلال العمل على شق صفوفهم، وفقاً لما يقوله عدد من السياسيين والمحللين. وهذا الواقع يجعل ميقاتي مرتهناً سياسياً الى حد كبير لدمشق وحلفائها.
ثالثاً - المطالب التي يريد حلفاء دمشق تحقيقها من خلال الاعتماد على ميقاتي وبالتعاون معه تتناقض مع ما يريده السنة في غالبيتهم الساحقة، كما تتناقض مع ما يريده اللبنانيون في غالبيتهم. اذ ان حلفاء دمشق يريدون ضمن اطار حكومة ميقاتي تعطيل عمل المحكمة ونزع الشرعية اللبنانية عنها من خلال فك ارتباط لبنان بها. ويريدون اضعاف استقلال لبنان وسيادته والحد من الدعم الدولي والعربي له واعادة ربطه تدريجاً بسوريا. ويريدون، ضمناً أو علناً، تقليص دور رئيس الحكومة وصلاحياته خلافاً لما ينص عليه الدستور، ويرغبون في 'الانتقام' من المرحلة الحريرية مع كل ما تمثله وتعنيه. وهذه المطالب ليست شعبية ويصعب جداً تقبلها داخلياً وخارجياً وهي تتناقض أساساً مع اقتناعات ميقاتي وتوجهاته ومصالحه. وهذه نقطة ضعف له.
رابعاً - يواجه ميقاتي معارضة شعبية وسياسية واسعة وجدية من الطائفة التي ينتمي اليها ويفترض فيه أن يمثلها ويدافع عن حقوقها وذلك بسبب ظروف وصوله الى السلطة ولأن حلفاء دمشق يريدون 'استخدامه' لمحاربة الحريري وحلفائه. ويتعرض ميقاتي أيضاً 'لاتهام' سياسي واعلامي في الداخل والخارج مفاده أن حكومته ستكون خاضعة ﻟ'حزب الله'. وليس ممكناً تجاهل هذين الأمرين أو تقليل أهميتهما سواء بسبب التركيبة الطائفية للنظام اللبناني، أو بسبب حدة الصراع بين ايران وحلفائها من جهة، والدول العربية المعتدلة والمجتمع الدولي من جهة ثانية، أو بسبب نيات اسرائيل العدوانية. وسيواجه ميقاتي مصاعب وتحديات وضغوطاً عدة في الداخل والخارج اذا اتخذت حكومته قرارات واجراءات تحقق أهداف 'حزب الله' وحلفائه على حساب العدالة ومصالح اللبنانيين الحيوية وتجعل لبنان جزءاً من المحور السوري - الايراني ومخططاته.
خامساً - يواجه ميقاتي واقعاً سياسياً وشعبياً صعباً ومعقداً لن يستطيع تجاهله أو تجاوزه ويشكل نقطة ضعف له وهو ان حلفاء دمشق الداعمين له 'ألحقوا الظلم' بالحريري وأسقطوا حكومته وأصروا على عدم عودته الى منصبه لأنه تمسك بصيغة حل عادلة ومتوازنة للمشكلة اللبنانية ولقضية المحكمة تؤمن مصالح كل الأفرقاء وتحقق العدالة والاستقرار معاً وتهدف الى معالجة القضايا الأساسية العالقة في اطار التوافق الوطني بعيداً من املاءات حلفاء دمشق. وعوض أن يدعم ميقاتي مواقف الحريري هذه فانه انفصل عنه ووافق على تأليف حكومة يدعمها خصومه.
سادساً - عجز ميقاتي عن تأليف حكومة وحدة وطنية أو حكومة توافق وطني نقطة ضعف حقيقية له اذ ان لبنان يحتاج الى التوافق الوطني لاتخاذ القرارات الأساسية وتسوية القضايا المهمة العالقة سواء تعلق الأمر بالمحكمة أم بسلاح 'حزب الله' الذي يستخدم في الداخل، أم بمسار العلاقات اللبنانية - السورية، أم بموقع لبنان في الساحتين العربية والدولية، أم باستراتيجية التعامل مع أخطار اسرائيل ومع المشاكل الاقليمية الحادة والساخنة.
وفي رأي المصادر الديبلوماسية الأوروبية المطلعة 'ان نقاط الضعف هذه التي يعانيها ميقاتي تجعل مهمة حلفاء دمشق في التعامل معه صعبة ومعقدة، ذلك انه قد يرفض الاستجابة لمطالب متشددة معينة تجعله أسير فريق سياسي واحد مرتبط بالمحور السوري - الايراني. لكن ميقاتي، في الوقت عينه، لن يمتلك الدعم السياسي الكافي والضروري في مجلسي الوزراء والنواب للتمرد على حلفائه الجدد وللامتناع عن تنفيذ مطالبهم. وحينذاك سيجد نفسه أمام ثلاثة خيارات صعبة: أما الرضوخ لحلفاء دمشق، واما الاستقالة، واما طلب مساعدة الحريري وحلفائه'.
لماذا غضبت دمشق على الحريري؟
وقال لنا ديبلوماسي أوروبي معني بالملف اللبناني: 'ان المعلومات التي حصلنا عليها من بيروت ودمشق وعواصم أخرى تفيد أن ميقاتي يريد فعلاً وبالتعاون مع الرئيس ميشال سليمان ايجاد توافق وطني لمعالجة القضايا المهمة العالقة ومنها قضية المحكمة ويريد الحفاظ على علاقات لبنان القوية مع السعودية ومصر والدول العربية المعتدلة ومع أميركا وفرنسا وسائر الدول الغربية اضافة الى تحسين العلاقات مع سوريا، كما انه يريد احترام التزامات لبنان الدولية ومواصلة تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومنها القراران 1701 و1757 الذي أنشأ المحكمة. في المقابل، يريد حلفاء دمشق أن تكون حكومة ميقاتي حكومة مواجهة مع خصومهم السياسيين في الداخل وفي الخارج مع الدول والجهات المعارضة لسياسات المحور السوري - الايراني وتوجهاته'. وأضاف: 'ميقاتي يدرك تماماً ان مصلحته الحقيقية تقضي بأن تسعى حكومته الى التوافق والتفاهم مع سائر الأفرقاء، ولو لم يشاركوا كلهم في الحكومة، لمعالجة القضايا المهمة والحساسة العالقة، لكن حلفاءه الجدد يريدون فرض شروطهم ومطالبهم على الآخرين وليس التوصل الى تفاهم أو توافق معهم، وهو ما أثبتوه من خلال تعاملهم مع الحريري الذي أبدى انفتاحاً على نظام الأسد وعلى 'حزب الله' لم يقدم عليه أي زعيم سياسي استقلالي منذ الانسحاب السوري من لبنان، لكنهم ردوا على هذا الانفتاح بالتشدد وبطرح مطالب قصوى وبرفض التعاون معه'.وذكر الديبلوماسي الأوروبي 'ان المعلومات التي يملكها المسؤولون الفرنسيون والأميركيون تكشف أن نظام الأسد وحلفاءه غضبوا على الحريري بل نقموا عليه لأنه رفض فك ارتباط لبنان بالمحكمة قبل صدور القرار الاتهامي وتمسك بضرورة انتظار صدور هذا القرار للاطلاع عليه واتخاذ القرارات المناسبة في ضوء مضمونه بطريقة تحقق العدالة والاستقرار معاً، كما رفض الحريري اعطاء قضية شهود الزور الأولوية على قضية الاغتيالات السياسية، ورفض تنفيذ مجموعة مطالب تهدف الى اعادة ربط لبنان بسوريا، ورفض تلقي 'تعليمات' من المسؤولين السوريين تتعلق بتحالفاته وارتباطاته الداخلية وبفريقه السياسي'.وخلص الديبلوماسي الأوروبي الى القول: 'حاجة حلفاء دمشق الماسة الى ميقاتي تمنحه هامشاً للمناورة وقدرة على التحرك بحرية الى حد ما. لكن نظام الأسد وحلفاءه لم يأتوا بميقاتي كي ينجح وحده ويعزز موقعه في الساحة السياسية، بل أتوا به كي ينجحوا بواسطته في تأمين مطالبهم وتنفيذ أهدافهم ومخططاتهم ويحققوا ما عجزوا عن تحقيقه مع الحريري. هذه هي الحقيقة الأساسية في المعادلة السياسية الجديدة في لبنان بل هذه هي المشكلة الأساسية التي يواجهها رئيس الوزراء المكلّف، على رغم تصريحاته ومواقفه العلنية الكثيرة التي تعكس رغبته في طمأنة الحريري والاستقلاليين والدول الحريصة على مصير لبنان. ولن يكون ميقاتي رئيساً ناجحاً للحكومة اذا بقي في منصبه فترة من الوقت وفشل في انقاذ لبنان ومعالجة مشاكله العالقة ورضخ لضغوط حلفاء دمشق لأن ذلك يزيد حدة الانقسام الداخلي ويضعف لبنان ويهدد مصالح أبنائه'.


- 'النهار'
مصر: دلالات السقوط السياسي لنموذج  'رجل الأعمال'
جهاد الزين:

هناك حصيلة أولى دراماتيكية للانتفاضة المصرية تراجع وقع تأثيرها بسبب ازدحام جدول أعمال الانتفاضة وعلى رأسه المطالبة غير المتحققة برحيل الرئيس حسني مبارك.هذه الحصيلة الغاية في الاهمية هي تشكيل الحكومة المصرية الجديدة بدون 'رجال اعمال'. فقد كان هذا هو العنصر الأهم بل الوحيد الجديد نوعياً الذي أسفرت عنه حكومة أحمد شفيق... حتى ان رئيسها في حواره أمس الاول على قناة 'دريم' مع الزميلة منى الشاذلي تباهى بالامر، أي تباهى باستبعاد الحكومة لرجال الاعمال، كانجاز اساسي.يحمل هذا الاستبعاد أكثر من معنى من شأنه أن يفتح انطلاقاً من مصر على حقبة جديدة متعددة الابعاد عربياً وربما في العديد من الدول النامية.ففي العقدين المنصرمين تقدم الى واجهة الحياة السياسية نموذج جديد في السلطة لتولي المسؤوليات. نموذج 'رجل الاعمال' القادر على لعب دور سياسي مباشر بحكم خبرته في المجال المالي – الاقتصادي. هكذا شهد عدد من الدول العربية تولي 'رجال اعمال' مناصب وزارية أو حتى رئاسة الوزراء.لقد كان تقدم هذا النموذج في الحياة السياسية نتيجة بارزة من نتائج اتساع سيطرة افكار وبالتالي آليات 'اقتصاد السوق' على العالم الثالث بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، بل حتى اتساعه داخل دول رأسمالية أوروبية عريقة عندما أخذ يشمل تخصيص مؤسسات اقتصادية كانت تعتبر تقليدياً جزءاً من ارث الدولة الوطنية وادارتها.في السنوات العشر الاخيرة ظهر جمال مبارك، ليس فقط كنجل للرئيس، بل الى ذلك كممثل مباشر لنموذج رجال الاعمال الذين يقودون بدعم من الدولة عملية نقل احدى أكبر دول القطاع العام في التاريخ الحديث (بعد تجربة المنظومة السوفياتية) الى اقتصاد السوق. كان الرئيس السادات قد أتاح ظهور نموذج 'رجل الاعمال' كجزء من ادارته لعملية التحول الاقتصادي في السبعينات وكان رمز تلك الطبقة 'عثمان احمد عثمان' المقاول الكبير الذي كان اسمه وأسماء شركاته تملأ شوارع القاهرة والمدن المصرية في تلك الحقبة، ليس أقل كثيراً من اللافتات الحاملة لاسم رئيس الجمهورية محمد أنور السادات يومها.لكن مع صعود جمال مبارك، كان 'الدور السياسي' لرجال الاعمال هو الذي يُطرح. إذن، رجال اعمال – قادة سياسيون – اضافة الى اقنوم ثالث في تقديمهم هو انهم 'شباب' من الناحية العمرية.هذه الاقانيم الثلاثة: رأسمال – سلطة – شباب هي التي واكبت الدفع الترويجي لدور رجال الاعمال. فأخذت مع التركيز على 'لجنة السياسات' في الحزب الوطني التي ترأسها جمال مبارك تدخل اسماء من 'مجموعته' في الحكومات المتعاقبة في السنوات الست أو السبع الاخيرة.مع قيام الرئيس مبارك بعد الانتفاضة باستبعاد رجال الاعمال من التشكيلة الحكومية الجديدة، عنى الأمر عدا عن الاهانة الشخصية العميقة لهذه الفئة، اعلاناً حاسماً يعترف فيه الرئيس ليس فقط بـ'بديهية' إنتهاء مشروع نجله الرئاسي، فهذا المشروع سقط يوم 25 كانون الثاني، وإنما اساسا بالسقوط الأخلاقي – السياسي لدور رجال الاعمال... الذي تحول مع الوقت، وبمعزل عن الفوارق بين تجربة 'رجل الاعمال' في المجال الاقتصادي البحت، الى مرادف للمزيد من الفقر والفساد فيما اصبح شهيرا باسم 'تحالف المال والسلطة' وليس كما كان في التسعينات، عنوان امل بنمط جديد ليبرالي من التنمية التي 'تخلق وظائف' وتقيم 'بنية حديثة' للاقتصاد.هذا سقوط لا يمكن – كظاهرة سياسية اقتصادية اجتماعية – إلا أن تكون له تأثيراته العربية من الآن فصاعدا.لقد وجد الرئيس مبارك وهو ينازع لخروج انتقالي غير مهين من الرئاسة مستنداً الى مصالح طبقة بيروقراطية – عسكرية تريد ضبط التغيير داخل النظام وليس خارجه... ان الخاسر الأسهل والسريع في المواجهة هو نجله... ومجموعته... ونموذجه.لكن من الضروري هنا الاستدراك ان ما سقط في وعي المصريين، نخبا وجمهورا، ليس كل نماذج 'رجال الاعمال' بل النموذج الذي بدا حصيلة تدفق المال السهل في حقبة العولمة المالية، حيث تبنى الثروات ليس بالانتاج الصناعي والزراعي والان في قطاع الاتصالات الحديث الذي يزيد الثروة الوطنية إنما بالعمولات الناتجة عن استخدام النفوذ الذي تقوم به مجموعة من 'السماسرة' لا المنتجين.لا أريد أن أظلم رجال اعمال جديين وحاملي مشاريع تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة خصوصا بين جيل الشباب، كما ايضا لا اريد ان اظلم تجارب رجال اعمال مصريين وبينهم قريبون من الفئة التي سقطت سياسياً في مصر في السياق الذي نشير اليه، فهؤلاء المستبعدون من الحكومة... والحكومات المقبلة يدفعون ثمن فشل مشروع لم يأت بأي تنمية نوعية تساهم في التوازن الاجتماعي – الاقتصادي للمجتمع المصري، أو ما يحب أن يسميه المصريون 'الامن الاجتماعي'... وإلا لماذا تسقط تلقائياً فئة كهذه – في ما يشبه السقوط الاخلاقي ايضا بفعل انتفاضة يحركها الشباب الجامعيون والعاطلون عن العمل ذوو الثقافة الحديثة والمتواصلون عبر 'وسائل الاتصال الاجتماعية' كـ'الفايس بوك' و'التويتر' والـ'إي مايل' والانترنت عموما؟لقد كانت مصر تاريخيا سباقة على المستوى العربي في تقديم اول نموذج ريادي لـ'البورجوازي الوطني' الذي ينشئ المصانع والصحف ويدعم المتاحف والانتاج السينمائي في الثلث الاول بل النصف الاول من القرن العشرين... وهناك الكثيرون في النخبة المصرية الاقتصادية من يعون اهمية تجديد هذا النموذج في سياق التحديث المصري... تجديده بمعطيات القرن الواحد والعشرين.في التظاهرات والمواجهات التي يشهدها الغليان الشعبي في 'ميدان التحرير' يعبر جزء كبير من الآتين الى هذا الميدان في الشارع القريب الذي يقوم فيه ميدان 'طلعت حرب' الذي يتوسطه تمثال هذه الشخصية البورجوازية الوطنية في تلك الساحة العريقة من القاهرة، كعنوان قديم للحداثة الريادية المصرية في القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين.حداثة كانت لها تقاليدها الدستورية الديموقراطية...اما اليوم فيعبّر الشباب المصري المنتفض عن النزوع الى تلك التقاليد والتأكيد على المسؤولية الاجتماعية للدولة عبر القطاع العام الموروثة عن العهد الآخر الناصري في آن معاً.الانتفاضة الحالية ترث، ولو بشكل مشوش، مزيجا من ذينك العهدين المتصادمين في القرن العشرين... علّ الجيل الثالث يستطيع لا ان يصالح أخيرا بينهما، ولكن الأهم ان يبني من تجاربهما صيغة مصر المستقبل.


- منبر 'النهار'

كتاب مفتوح إلى الرئيس نجيب ميقاتي
بقلم محيي الدين شهاب:

... لم يعد الشعب يعرف اين يبدأ سلاح 'حزب الله' وأين يبدأ سلاح المقاومة ضد اسرائيل، لان الامر بعد احداث السابع من ايار غير المجيدة اختلط، فتارة هو سلاح لمقاومة اسرائيل وتارة هو سلاح يستعمل في الداخل لفرض الوصاية على الحكم والهيمنة على الناس والتعدي على امنهم وارواحهم. فالمسؤولية تقتضي منك ان تصارح 'حزب الله' بأن هذا الامر ليس مقبولا من اللبنانيين ويجب وضع حد له. وعليك الانتباه الشديد من محاولة تغطية سلاح الداخل على انه سلاح المقاومة، فعندئذ تضع حكومتك موضع حكومة الرئيس الحص عام 1998، اذ فقدت كل دعم شعبي لها، لانها غاصت في ما سمته آنذاك حماية سلاح المقاومة، في ما كان لهذا السلاح هدف ثان غير مقارعة اسرائيل فارتد على الداخل وحصل ما حصل...


- منبر 'النهار'
ديموقراطية أم مقاومة ؟
بقلم طارق سكرية(عميد ركن متقاعد ):

... لو خيرت بين قيام نظام ديموقراطي عددي يصل فيه الناس الى السلطة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة المباشرة، وبين استمرار مقاومة 'حزب الله' على ما هي الآن، لفضلتُ الخيار الاول. لان تلك الديموقراطية تساوي بين اللبنانيين وتحولهم مواطنين احراراً يقاومون الظلم الداخلي والاعتداءات الخارجية مجتمعين لا متفرقين، ويتحول كل اللبنانيين الى مقاومين وبنائين. اما استمرار مقاومة 'حزب الله' على ما هي عليه الآن، وفي بلد كلبنان، وبالرغم من تضحياتها الهائلة وصدق نيات قادتها، فانها ستكون سببا دائما لحصول الفتن الداخلية، او تتحول تدريجيا حكما ديكتاتورياً مذهبياً تحت شعار المحافظة على سلاح المقاومة.


- 'النهار'
التخلّي عن مبارك سينعكس سلباً على المصالح الأميركية
رندى حيدر:

عبّرت تعليقات الصحف الإسرائيلية أمس، عن القلق الإسرائيلي من أن تتحول مصر من 'دولة تصدر النفط والغاز' الى دولة 'تصدر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط' على حد قول أحد الصحافيين الإسرائيليين، وان تنعكس حال الفوضى في مصر على إسرائيل. وبدا واضحاً حجم القلق الذي سببه تخلي الإدارة الأميركية عن حسني مبارك وتداعياته في المنطقة. وعن هذا الموضوع كتب البروفسور أبراهام تسفي في صحيفة 'إسرائيل اليوم' أمس:'من أهم السمات التي ميزت الديبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة، الانتقال من مرحلة الواقعية السياسية التي تهدف الى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، الى عصر المثالية السياسية التي ترغب في التبشير بالديموقراطية الغربية داخل العالم الإسلامي.الأسبوع الماضي تخلت إدارة (الرئيس الاميركي باراك) اوباما تدريجاً عن سياستها السابقة حيال مصر، لتحل محلها فجأة  مجموعة من الأفكار العامة الأخلاقية والقيمية، والقائمة على فرضية أن اجراء الانتخابات في مصر سيعجّل في نشوء سلطة تعددية وديموقراطية في بلاد النيل.وهذا تبدل كبير. ففي البداية اعطت سياسة إدارة اوباما حيال مصر الأولوية للأهداف الاستراتيجية على الرؤية الايديولوجية. فقد سبق لأوباما ان تعهد امام شعبه قبل فوزه بالرئاسة الخروج من العراق وأفغانستان، وكان طبيعياً بالنسبة اليه أن يطلب من حلفائه في مصر والسعودية تحمل مسؤولية الدفاع عن الشرق الأوسط في مواجهة مخاطر الراديكالية الإسلامية والإرهاب...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد